يخطىء كل من يعتقد -خصوصاً أبطال الفضائيات وثوار لندن- أن ما يجري اليوم على دوار اللؤلؤ، سيؤدي إلى انهيار الدولة البحرينية، وأنها ستصبح تحت أيديهم بين عشية وضحاها، ليعيثوا بها فساداً كما خططوا. ويتوهم كل من يشمر عن ساعديه ليعقد مقارنة بين من نصبوا خيمهم على دوار اللؤلؤ وسط المنامة بالمظاهرة المليونية التي استقرت في ميدان التحرير وسط القاهرة، والذي تروج له بعض وسائل الإعلام الأجنبية، وللأسف العربية والمحلية. نقول لكل الشامتين والمستغلين عذابات الناس، وللراقصين على الجراح، اللؤلؤ ليس التحرير.. والبحرين ليست مصر، ليس إنقاصاً من حجم مصر وعظمة تاريخها وشعبها، ولكن لأن الظروف الموضوعية التي خرج لأجلها أهل مصر غير متوفرة بالمرة في البحرين، بل على العكس من ذلك تماماً، فجل أهل البحرين وبمختلف طوائفهم تركيباتهم السياسية والاجتماعية والثقافية يتكاتفون اليوم حول قيادتهم الشرعية، ويعلنونها مدوية أن لا بديل عن السلطة الشرعية. فقد ضمن المشروع الإصلاحي لجلالة الملك من خلال ميثاق العمل الوطني ودستور مملكة البحرين حق الرأي للجميع، ضمن قواعد وأسس لا يجب الحياد عنها أو تجاوزها أو تجاهلها، وما سكوت الدولة عن بضع مئات نصبوا خيامهم ورفعوا يافطاتهم إلا نوع من تقدير المشاعر، وعدم رغبة الدولة للانجرار لما يريده البعض من مواجهات قد تسقط لا سمح الله المزيد من الضحايا. البحرين وبمختلف تركيباتها اليوم تنتظر من الجميع اتخاذ موقف وطني واحد يساهم في تعزيز اللحمة والوحدة الوطنية، موقف مبعثه المصلحة العليا للبلاد والعباد وأمن واستقرار الدولة، فلا يفيد اليوم صب المزيد من الزيت على النار، خصوصاً من ممثلي الشعب وقياديي الرأي العام رجال الدين بمختلف مذاهبهم، لأن النار إذا اشتعلت -لا قدر الله- لن تبقي ولن تذر، وسيكتوي بنارها الجميع، خصوصاً من عمدوا إلى تضخيم المواقف وشحن الناس إلى مزيد من الغضب والفوضى. الدولة البحرينية لا تزال تدير الموقف بحكمة وبدبلوماسية عالية، وما موقف جلالة الملك بتشكيل لجنة تحقيق عالية المستوى، واعتذار وزير الداخلية عن سقوط القتلى إلا مؤشر على أن الباب لا يزال مشرعاً للجميع لينضووا تحت راية البحرين الواحدة الجامعة، وأن يساهموا كل من موقعه وبإمكانياته في عملية البناء والتنمية، وليكون الحوار الوطني حواراً حضارياً ضمن مؤسسات الدولة الرسمية، وعلى رأسها مجلس النواب الذي اختاره الشعب بمحض إرادته وبمنتهى الحرية والشفافية، أما الخروج على النظام والأمن فهذه فوضى لا يقبل بها عاقل ولا منتمٍ لهذا الوطن. ؟ ورق أبيض.. خلال زيارتي ظهر أمس إلى موقع التجمع على دوار اللؤلؤ لفت انتباهي حجم الحرية التي يتحدث بها المتظاهرون، والتي وصلت إلى حد التطاول على رموز الدولة، ورغم ذلك لم تتدخل قوى الأمن التي لم تكن موجودة أصلاً، ما يعني أن هناك قراراً من مستوى عالٍ بإتاحة الفرصة للمتظاهرين للتعبير عن رأيهم، وهذه هي قمة الديمقراطية التي لا يزال كثيرون يجهلونها. شعارات كثيرة لا رابط بينها رفعت على دوار اللؤلؤ، بما يعني أن المتجمعين ليس لهم أية مطالب محددة، وقد بدا واضحاً حجم التناقضات فيما بين المتجمهرين. وكان أشد ما لفت انتباهي أن خطيب المظاهرة قد طمأن المشاركين أن هناك ''60 جدر عيش بانتظارهم''، وأنهم استطاعوا أن يؤمنوا ''مولدات الكهرباء'' في حال قررت الحكومة قطع الكهرباء عنهم، كما أنهم ينظمون عملية السير، ليهتف بعد ذلك بالمتجمهرين ''أليس باستطاعتنا أن ندير دولة'' ليردوا عليه بصوت واحد '' نعم.. نعم.. نعم''.. فإذا كان الدول تدار بـ 60 جدر عيش.. فليصبح الطباخون سلاطين الدول..
موسـى عساف
موسـى عساف