Wednesday, August 17, 2011

تأكيد : الصراع الامريكي – الايراني ماهي طبيعته

شبكة المنصور
صلاح المختار
 
لتأكل نارهم حطبهم
مثل عراقي
 
رغم اننا سلطنا الضوء مرارا على طبيعة واهداف عراك الديوك الامريكي – الايراني، وهو عراك تقاسم مغانم بين قوتين استعماريتين احداهما دولية والاخرى اقليمية، خصوصا في العراق، فان الجهاز الامني الايراني مستمر في استخدام كتاب وساسة عرب، نقول الان بعد مرور خمس سنوات على غزو العراق ووضوح الدور الايراني الحاسم والاساسي فيه أنهم الاسوأ من كل المرتزقة العرب لكافة الاطراف في نصف القرن الماضي، لانهم يعملون على ترويج اكاذيب فجة ووقحة تبرأ ايران من جرائمها ودورها الخطير على الامن القومي العربي، ويغضون النظر عن مواقف ايران الفاشية العنصرية خصوصا في العراق المحتل. ان هؤلاء هم عار الامة العربية الاكثر وقاحة وعهرا لان مرتزقة امريكا على الاقل يشعرون بعارهم ويحاولون تخفيف ردود فعل الناس ضدهم اما مرتزقة ايران العرب فهم يتفاخرون بعهر ضميرهم وخيانتهم لامتهم العربية!
 
ولاجل خداع الناس السذج يتخفى هؤلاء المرتزقة العرب تحت قناع (مناهضة) امريكا والكيان الصهيوني على طريقة رفسنجاني مهندس ايرانجيت! ان الجريمة الاساسية للمرتزقة العرب هي انهم اصبحو يستقتلون في تجاهل او في نفي حقيقة عيانية واضحة وهي ان ايران هي التوأم الطبيعي لامريكا، قدر تعلق الامر بالجرائم الامريكية في العراق، والتي كانت (اي ايران) ومازالت الرافعة الاولى للفتن الطائفية وقوتها الافعل في العراق والاقطار العربية. ان ابرز واخطر تلاق ايراني مع امريكا هو تعاونهما المباشر والرسمي في غزو وتدمير العراق، كما ان ابرز تلاق ستراتيجي ايراني - صهيوني هو نشر ايران للفتن الطائفية في الوطن العربي، الامر الذي يجبرنا على تسليط المزيد من الضوء عليه.
 
ما الذي يجري بين امريكا وايران الان وفي مرحلة اقتراب المقاومة العراقية من حسم الصراع الستراتيجي الاعظم في العالم منذ انهيار الاتحاد السوفيتي ؟ هل هو صراع (تحرري) كما تدعي ايران ومرتزقتها العرب وكما يحاول حزب الله الايراني الهوية والالتزام الثابت واللبناني بالاسم فقط ؟ ام انه صراع بين قوتين احداهما استعمارية دولية، وهي امريكا، والاخرى قوة استعمارية اقليمية، وهي ايران ؟ اين تلتقي وتختلف مصلحة ايران وامريكا الان ؟
 
تذكير لابد منه
 
لكي لاتخلط الاوراق مجددا بعد ان فرزت، وثبت بالوقائع والادلة والاعترافات الايرانية، بان ايران هي الشريك الاخطر والاول لامريكا، وليس بريطانيا، في غزو كل من العراق وافغانستان وتدميرهما، وهي حقيقة اصبحت لا تناقش، وانما تبرر من قبل الساداتيين الجدد او تنتقد بخجل لاجل تجنب العزلة والادانة، علينا ان نثبت الوقائع الراسخة التي راها العالم كله امامه في العراق بالدرجة الاولى والوطن العربي بالدرجة الثانية، ومنها الحقائق التالية :
 
1 – ان ايران تعاونت رسميا وفعليا مع امريكا في الاعداد لغزو العراق في لقاءات سرية في اوربا بينهما مباشرة قبل الغزو، وعبر اذرعها في العراق، مثل (المجلس الاعلى) الذي حضر اجتماعات لندن واربيل في شمال العراق للتحضير لغزو العراق بامر ايراني مباشر. ورسميا اعلن محمد خاتمي، وهو رئيس لايران في نهاية عام 2004، بانه (لولا مساعدة ايران لما نجحت امريكا بغزو افغانستان والعراق)، وهذا التصريح جاء تأكيدا لما اعلنه نائبه محمد علي ابطحي في بداية نفس العام في الامارات العربية في مؤتمر دولي علني ونشر في كل اجهزة الاعلام. اذن نحن بازاء موقف ايراني رسمي وكامل يقوم على المشاركة الحاسمة في الغزو وانجاحه.
 
وهنا يجب ان لا ننسى ابدا، او يفوت علينا الانتباه للمغزى الاكبر لهذا الموقف الرسمي الايراني المتمثل بالامر الخطير التالي : ان خاتمي قد كان شرطيا (بفتح الشين) في تصريحه وليس اطلاقيا وهو انه قال بوضوح تام، ودون اي لبس او غموض، بانه (لولا مساعدة ايران لما نجح الغزو)، مما يجعل الموقف الايراني هو العامل الاهم بعد الدور الامريكي في نجاح الغزو وليس الدعم البريطاني، او دعم بقية الدول التي غزت العراق. ان بريطانيا اسهامها العسكري رمزي تقريبا، خصوصا بعد حصول الغزو واستخدمت امريكا اسمها لمنح الغزو صفة دولية وليس امريكية، اما ايران فان دعمها كبير وحاسم لنجاح الغزو من خلال اذرعها في جنوب العراق، والتي قدمت دعما فعالا وخطيرا لقوات الغزو ما ان دخلت جنوب العراق، وكانت هذه الاذرع، مدعومة بحرس خميني وبقيادة ضباط المخابرات الايرانية، تقاتل الجيش العراقي والمجاهدون العرب مع ان قوات الاحتلال الامريكية تتقدم وتقاتل العراقيين. بتعبير اخر اكثر دقة هو انه لو لم يحصل الدعم الايراني للغزو الامريكي لما نجح، هذا هو المغزى والمعنى الاكثر خطورة لتصريح خاتمي وبقية المسؤولين الايرانيين.
 
وتلك حقيقة ادركتها ادارة الرئيس الامريكي السابق بيل كلنتون في عام 1998، في اعقاب فشل عملية (ثعلب الصحراء) التي وقعت في نفس العام لاجل اسقاط النظام الوطني بغزو مسلح للعراق، حينما اكدت تلك الادارة ان احد اهم اسباب فشل تلك العملية هو عدم مشاركة ايران فيها، على اساس ان الغزو لابد ان يبدأ من جنوب العراق، حيث تتمركز القوات الامريكية في دول الخليج العربي، خصوصا في الكويت، ومنها يجب ان تتقدم القوات الاساسية لتحقيق الغزو. وبما ان لايران في الجنوب اذرع وعملاء يمكنهم تقديم دعم فعال للغزاة فان الدعم الايراني هو الشرط الحاسم للنجاح الامريكي في غزو العراق، كما اكد خاتمي لاحقا عند تحقق الغزو، ولذلك تبنت الادارة الامريكي بعد ذلك العام سياسة تقوم على ضرورة التعاون مع ايران لاجل اسقاط النظام الوطني في العراق.
 
2 - ما معنى ذلك عمليا ؟ معناه ان الخلافات الامريكية مع ايران ثانوية، وفرعية وخاضعة، وتابعة للصراع الاساسي وهو الصراع مع حركة القومية العربية ممثلة في النظام الوطني البعثي. ولو لم تكن هذه الحقيقة هي المحرك لما تعاونت امريكا وايران مع ان كل منهما تشتم وتهدد الاخرى منذ عام 1979، ولما بقيت حربهما حرب كلام فقط. اذن التناقض الستراتيجي الرئيسي في المنطقة والعالم برمته كان، ومازال وتعزز ذلك الان بعد خمس سنوات من الغزو، بين القومية العربية التحررية، الممثلة في النظام الوطني في العراق قبل الغزو وفي المقاومة العراقية بعده، من جهة، وبين امريكا والصهيونية العالمية من جهة ثانية، وليس بين امريكا والصهيونية وايران، رغم الشعارات المضللة والمعارك التي لم يطلق فيها الا رصاص ايراني وامريكي خلب. ان الحرب والغزو كانا الفيصل الذي حدد الدور الايراني الحقيقي والدور العراقي الحقيقي وليس الشعارات وحروب الكلام والرصاص الخلب.
 
3 – ما الذي يمنع تحول صراع الديوك الامريكي – الايراني الى صراع رئيسي ؟ انه طبيعة المشروعين الامريكي – الصهيوني من جهة، والمشروع الايراني في المنطقة من جهة ثانية، فهذه المشاريع مهما اختلفت وبرزت بعض التناقضات بينها الا انها تبقى خلافات وتناقضات ثانوية ويمكن بوجودها تحقيق تعاون امريكي – صهيوني مباشر، او غير مباشر، مع ايران لتحقيق النصر على العدو الرئيسي في الصراع الرئيسي وهو حركة التحرر الوطني العراقية الطليعة العملية لحركة التحرر العربية، وهذا ماحدث في الواقع. ولتأكيد هذه الحقيقة لابد من الاشارة الى طبيعة هذه المشاريع الثلاثة :
 
أ – ثمة حقيقة تغيب عن بال الكثير من المختصين، مع انها تساعد بصورة حاسمة في الوصول الى فهم صحيح للاهداف الستراتيجية الايرانية، وهي ان ايران بكافة اشكال مشاريعها الامبراطورية، منذ اسقاط الامبراطورية الفارسية على يد العراقيين عند نشرهم للاسلام وحتى الان، لم تقم على توحيد امة مجزأة كالامة العربية وهو حق مشروع، لان ايران دولة غير مجزءة بل موحدة وهي تتميز عن الامة العربية، بانها امما متعددة تمثلها قوميات متعددة ولا توجد فيها قومية رئيسية (الفرس لا تتجاوز نسبتهم 42 % من سكان ايران الحالية)، ودولتها تشمل كل الاراضي التي تعود لها وتخضع بالقوة قوميات متعددة، كالقومية العربية في الاحواز المحتلة، والقومية الاذرية والقومية الكردية والقومية البلوشية وغيرها.
 
ولهذا فان المشاريع الامبراطورية الفارسية في عهدي الشاه وخليفته خميني تقوم على تعزيز قوتها وامكاناتها في الداخل بخلق عدو خارجي يساعد نخبها القومية على توحيد الكثير ممن ينتمون للقوميات الخاضعة للاستعباد الفارسي تحت شعار (مواجهة الخطر الخارجي)، من اجل تحقيق توسع امبريالي خارجي، بعكس الامة العربية الواحدة القومية التي جزءت واصبح مشروعها الاساسي قائما على توحيدها وليس على تحقيق توسع اقليمي على حساب الامم الاخرى.
 
وفي ضوء ماتقدم تظهر حقيقة ستراتيجية خطيرة، يجري تجاهلها غالبا، وهي ان هناك تناقضا جذريا بين طبيعة المشروعين القومي العربي والقومي الفارسي، والمتمثل في ان المشروع القومي العربي تحرري وحدوي لا يقوم على غزو اراضي الغير، تحت اي تسمية، بل تحرير فلسطين وبقية الاراضي العربية المحتلة وتوحيد الامة العربية وتحرير ثرواتها الهائلة وطرد الاحتلالات، وهذه الحقيقة تضع المشروع القومي العربي التحرري في مسار تصادمي حتمي وبصورة عدائية، بحكم الضرورة والواقع، مع المشروعين الامبريالي الامريكي وتوأمه الصهيوني، اللذان يريان فيه عملا منظما للقضاء على وجودهما الاحتلالي والامبريالي.
 
ويترتب على ذلك امر جوهري وهو ان الصراع بين حركة التحرر العربية والقوى الامبريالية والصهيونية هو صراع وجود وليس صراع حدود او صراع تقاسم مصالح بين لصوص دوليين واقليميين، بعكس طبيعة المشروع الفارسي الايراني، القائم بالاصل على التوسع الامبريالي في الخارج على حساب المحيط الاقليمي لايران، لذلك فهو لا يشكل نقيضا جذريا للمشروعين الاستعماريين الامريكي والصهيوني بل انه يلتقي معهما حول تدمير الامة العربية ومنع تحقيق وحدتها القومية، رغم وجود صراع بين المشروعين الايراني التوسعي والامريكي والصهيوني، وهو صراع مصالح وتقاسم مغانم.
 
ويترتب على هذه الحقيقة التاريخية والواقعية امر أخر مهم جدا وهو ان ما تتطلع ايران الى تحقيقه، سواء في زمن الشاه او في زمن خميني، هو ضمان قيام امبراطورية ايرانية جديدة تسيطر على، وتقود الاقطار العربية كمقدمة لفرض الهيمنة الاستعمارية على العالم الاسلامي. وبما ان ايران تحكمها نخب براغماتية صرفة فان تحقيق هذا الهدف مشروط ومرتبط بتوازنات القوى الاقليمية والدولية السائدة، لذلك فان ايران، وقبلها بلاد فارس، عبر التاريخ ومنذ 14 قرنا كانت تتعاون مع كل القوى الاقليمية والدولية القوية المعادية للعرب من اجل اخضاع او تقاسم الاقطار العربية رغم الخلافات الحادة احيانا بين بلاد فارس وتلك القوى. وهذه الحقيقة جعلت كل طامع في ارض العرب يجد استعدادا ايرانيا للتعاون ضد الامة العربية، نتيجة وجود قواسم مشتركة تجمع هؤلاء ضد العرب.
 
وتقدم الفقرات السابقة ثنائية ستراتيجية مهمة وهي انه في حين ان الامة العربية تتطلع للتحرر والوحدة العربية، وهما حقان مشروعان لامة مجزءة، فان المشروع الايراني بالاساس والجوهر يقوم على اقامة امبراطورية قوية تفرض نفسها كقوة اقليمية توسعية عظمى تتعاون، وتختلف وتتصارع، مع القوى الدولية الاخرى حول تحقيق اكبر المكاسب الاقليمية الممكنة، تماما كالصراعات التي نشبت عبر التاريخ الحديث بين قوى امبريالية واستعمارية ووصلت حد الحروب الشاملة والعالمية كالحربين العالميتين، وصراعات النفوذ الحالية بين امريكا وابرز حلفائها الاوربيين، او الصراعات التي بدأت تظهر الان بين روسيا وامريكا.
 
العرب وفقا لهذه المعادلة يريدون احداث تغيير جذري في الواقع الستراتيجي في الوطن العربي يقوم على تحرير الاراضي العربية المحتلة من قبل الكيان الصهيوني (فلسطين)، وايران (الاحواز والجزر العربية ومحاولة ايران السيطرة الدائمة على العراق بعد غزوه)، وتركيا (الاسكندرون)، واسبانيا (سبتة ومليلة)، ثم يعقب التحرير التوحيد، او يرافقه لتقوم دولة عربية جديدة واحدة تمتد من موريتانيا في الغرب الى عمان في الشرق، وتضم اكثر حوالي 400 مليون انسان عربي، وتمتلك ثروات هائلة، بما في ذلك ما اطلق عليه وزير الحرب الامريكي الاسبق هارولد براون (دم الحياة العصرية) اي النفط.
 
اما النخب الفارسية فانها لاتريد توحيد ايران لانها موحدة، بل تحقيق نفوذ اقليمي وربما دولي يجعل من ايران قطبا اقليميا فعالا في اطار التوازن الدولي السائد وليس ضده او خارجه، لانها تعرف انها لا تستطيع تغيير الواقع جذريا لوجود عوائق صعبة جدا، اهمها الوجود الامبريالي الصهيوني، فتضطر لتبني ستراتيجية تقوم على تحقيق اكبر ما يمكن من الفائدة في ظل توازن القوى السائد. واهم ما تريد ايران تحقيقه هو بعض المكاسب على حساب العرب اثناء تعاونها، وتنافسها واختلافها، مع الامبرياليات الغربية والصهيونية. انظرو الى ماحصل في العراق ستجدون ان الحكمة والدهاء لدى النخب الشوفينية الفارسية قد مكنا ايران من ضرب العراق، وهو العائق الاساسي الذي يمنع توسعها الاقليمي، بيد امريكية، وهي الان تريد الحصول على اكبر ثمن ممكن من امريكا سواء في العراق او الخليج العربي.
 
ان الغرب والصهيونية في اطار هذه الحقيقة الستراتيجية يريان بان المشروع النهضوي الايراني، ومهما كان عدوانيا ومهما اختلف وتناقض معهما، لا يشكل تهديدا جديا ورئيسيا للمصالح المشتركة الصهيونية والغربية الراسمالية، فلا النفط الايراني بيد الغرب لتحرره ايران، ولا جزء من ايران تحتله امريكا اواسرائيل لينشب معهما صراع وجود. وبما ان اهم ركيزتين ثابتتين للستراتيجيات الغربية، وبالذات الستراتيجية الامريكية، هما (امن النفط) و(امن اسرائيل) فان ايران الحالية لا تشكل اي تهديد حقيقي لسيطرة الغرب على النفط ولا على وجود الكيان الصهيوني.
 
مقابل قيام المشروع االقومي العربي على انهاء الوجود الامبريالي الغربي والصهيوني، باستعادة الارض والثروة والاستقلال واقامة قوة عظمى عربية جديدة، وهو عمل خطير ومصيري يقلب التوازنات التي استقرت منذ مطلع القرن العشرين لصالح الغرب، من وجهة نظر الامبريالة والصهيونية، مقابل ذلك نجد ان المشروع الفارسي القومي هو مشروع يقوم على تكريس الواقع الاقليمي العربي، اي ابقاء التجزئة وزيادتها بنشر الفتن الطائفية لتحقيق اكبر فائدة ممكنة خصوصا تحييد او تدمير العراق، وهو خيار يتبناه الغرب والصهيونية ايضا، بل انه يشكل جوهر ستراتيجيتهما القائمة على التفتيت الطائفي العرقي للاقطار العربية.
 
اما اسوأ اهداف المشروع الفارسي، من وجهة نظر امبريالية – صهيوينة، فهو انه يقوم على تحقيق مكاسب ضمن الوضع العام الذي تريد الامبريالية والصهيونية المحافظة عليه، لذلك فانه هدف فارسي لا يؤدي الى تغيير يمس جوهر مصالح امريكا والكيان الصهيوني، بل يكلفهما فقط منح ايران مكاسب محددة بدقة في النفود او الثروة او الارض، او الاضطرار لتحمل المشاكسات والمضايقات الايرانية، مقابل ما قدمته، وتقدمه، ايران لامريكا والصهيونية من خدمات (جليلة) في مجال تعزيز قبضتيهما على الاقطار العربية وتدمير محاولات حركة التحرر الوطني العربية تحرير الثروة والارض والانسان من التاثيرات والسيطرة الغربية الصهيونية، ولعل اكبر خدمة قدمتها ايران لامريكا والصهيونية هي مساعدة امريكا على غزو العراق. ومسالة دفع ثمن لايران لقاء خدماتها قابلة للنقاش والمساومة من قبل الامبريالية والصهيونية.
 
من هنا فان الاستنتاج الرئيسي هو التالي : مهما بلغت تهديدات ايران وطموحاتها التوسعية فانها طموحات قوة استعمارية اقليمية صاعدة، يمكن عقد مساومات معها لاجل وضعها على مسار صراع منضبط معها، يسمح بتحقيق الفائدة للامبريالية والصهيوينة مقابل بعض المكاسب للامبراطورية الايرانية.
 
ب - ان جوهر المشروع الفارسي الثابت، منذ فرض الاسلام على ايران وتدمير الامبراطورية الفارسية وحتى الان، هو خطة تدمير ما اسمته النخب الفارسية وقتها ب (تدمير ملك العرب) بكافة الوسائل والطرق، بما في ذلك التقيّة، والتي تعني العمل السري المموه والمنظم، والحرب. وهذا المشروع لم يتغير من حيث الجوهر منذ فرض الاسلام على بلاد فارس. لذلك لم تكن صدفة ان مشروع الشاه الامبراطوري قام على محاولة ضم اقطار عربية الى الامبراطورية الفارسية الجديدة على اساس انها كانت، في وقت سابق، خاضعة للاستعمار الفارسي، كما لم يكن غريبا ان يقوم المشروع الامبراطوي الفارسي في زمن خميني على نفس الاساس : تدمير ملك العرب وغزو الاقطار العربية، هذه المرة تحت شعار مضلل وصهيوني الجوهر وهو (نشر الثورة الاسلامية)! والمفارقة البارزة هنا هي ان من نجح في تدمير (ملك العرب) في العراق ليس الشاه الافندي الغربي بل اتباع خميني الذين استبدلو الدعوة القومية الفارسية المباشرة للشاه بدعوة دينية زائفة اولا، ثم بدعوة طائفية شكلية لاجل اخفاء الهدف القومي لخميني ثانيا!
 
وهذا المشروع الفارسي، بنسخته الاسلاموية الحالية، هدفه اقامة امبراطورية قوية باسم الاسلام وليس باسم امة فارسية كما فعل الشاه، نتيجة تجربة عميقة وادراك اعمق لمخاطر الشعارات القومية الفارسية العلنية في زمن الشاه والتي افشلت المشروع القومي الايراني، وهذه الامبراطورية المتسترة باسم اسلام فارسي، وان كانت تطمح بحكم كل العالم الاسلامي، الا ان امريكا والصهيونية يعلمان بان نجاح ايران بتحقيق الحلم الامبراطوري محض اوهام ستتبخر بعد ان تنجز ايران واجبها القذر، وهو تفتيت الامة العربية قطرا بعد اخر، وتمزيق العالم الاسلامي الى شيعة وسنة يتصارعون حتى الموت وليس حتى انتصار احد المذهبين، مادام العالم الاسلامي لا يشكل كتلة متجانسة ويمكن التحكم بها من قبل طرف واحد فقط وبغض النظر عن قدرته واساليبه بل هو (ثور هائج) من المستحيل السيطرة عليه لا باسم الاسلام ولا باي اسم اخر. وتلك هي اهم مظاهر واهداف خطة (الفوضى الخلاقة).
 
ان الدعم الغربي – الصهيوني للدور الايراني الحالي يستبطن هدفا واضحا بعيدا، وهو امكانية استخدام ايران في ذبح الاقطار العربية والقومية العربية، تماما مثلما استخدمت ايران امريكا لذبح العراق، وفي النهاية لن تكون هناك امبراطورية اسلامية ايرانية بل دولة ايرانية علمانية قوية وتتقاسم النفوذ مع اسرائيل وتركيا في ظل نظام شرق اوسطي جديد وواسع!
 
ان امريكا والكيان الصهيوني يريان، كما تؤكد الوقائع والاعترافات الامريكية – الصهيونية وبصواب تام، بان ايران تقوم بدور كان يجب ان تقوما به لكنهما فشلتا وهو شرذمة الاقطار العربية على اسس طائفية، لذلك لا بد من فسح المجال لايران لتحقيقه مادامت قاردة عليه، ومكافئتها بفوائد تحددها امريكا وليس ايران، وهو امر يدفع ايران الى خوض لعبة عض اصابع، او ممارسة ضغوط على امريكا، في العراق مثلا، لاجل توسيع وزيادة الثمن الذي تريده مقابل ذبحها للعراق ونشرها للفتن الطائفية في الاقطار العربية. هنا نرى بوضوح تام بان النزعات الامبراطورية الفارسية تلتقي وتندمج مع التوسعية الامبريالية الامريكية والصهيونية.
 
يحب دائما ان لاننسى حقيقة تاريخية تؤثر بصورة جوهرية في السياسات الايرانية الثابتة، وهي ان الحقد الفارسي على العرب نشأ بسبب اسقاطهم لامبراطورية فارس، وزاد ذلك الحقد بفشل النخب الفارسية، البرامكة مثلا، في تحقيق احد اهم اهدافها القومية وهو التسلل الى داخل الدولة الاسلامية لاجل السيطرة عليها من الداخل، كما فعلو مع الدولة العباسية، واقامة امبراطورية فارسية تتبرقع باسم الاسلام. وتفاقمت (العقدة الفارسية) بعد ان نجح العرب والاتراك في اقامة امبراطوريتين باسم الاسلام، في حين ان الشعب الاسلامي الثالث الكبير، وهو الشعب الفارسي، لم يحقق حلم اقامة امبراطورية باسم الاسلام، رغم كل الجهود والمؤامرات الطويلة والدقيقة التخطيط.
 
انها عقدة الفشل التاريخية التي تتحكم في النخب الشوفينية الفارسية عند تعاملها مع العرب، ولم يخفي هاشمي رفسنجاني هذه الحقيقة حينما قال، بحقد واضح على العرب والاتراك، بانه يستغرب من رفض العرب قيام دولة اسلامية بقيادة ايران رغم ان الاتراك والعرب اقامو دولتين باسم الاسلام! تراكم الاحقاد الفارسية المعمقة على العرب نتيجة للفشل، هو ما دفع النخب القومية الفارسية للعمل على تهديم ملك العرب في العصرين الاموي والعباسي، وطرد الترك من الاقطار العربية، لاجل اقامة امبراطورية جديدة فارسية الروح والجوهر لكنها تتستر باسم اسلام اخر مختلف عن اسلام عظيمنا محمد (ص).
 
ج - وهنا يجب ان نوضح مسألة مهمة جدا وهي ان النخب القومية الفارسية تخطط بدهاء وخبرة لقرون طويلة تماما كالصهيونية، وهي واقعية ايضا لانها تقبل بالامر الواقع الذي لا تستطيع تغييره، لكنها تبقى تعمل على ذلك دون كلل او يأس، متبعة اسلوب (خذ وطالب)، اي الحصول على اقصى ما يمكن الحصول عليه من مكاسب اقليمية او في النفوذ في كل مرحلة. وفي هذه المرحلة من تأريخ العالم فان النخب الفارسية، وعلى راسها علي خامنئي، تعرف ان العالم واقع تحت تأثير قوى عديدة اهمها الولايات المتحدة وهي لذلك لا تستطيع تحقيق الطموح القومي التقليدي لها، وهو اقامة امبراطورية على كامل اراضي العالم الاسلامي، ومنه تحاول ان تسيطر على العالم، او على الاقل ان تكون لاعبا رئيسيا او قوة عظمى في العالم. فما العمل ؟ الحل البراغماتي الايراني هو اللجوء الى المساومات مع من تختلف معهم من القوى الاستعمارية الاخرى على حساب العرب!
 
ونتيجة لذلك فان ايران في هذه المرحلة لا تتبنى اهدافا تتناقض جذريا مع الستراتيجية الامريكية، القائمة على الهيمنة على نفط واسواق العرب، والستراتيجية الصهيونية تجاه الامة العربية، القائمة على السيطرة على منطقة ما بين الفرات والنيل لتاسيس اسرائيل التوراتية وجعلها شرطي اقليمي يحمي مصالح الغرب الستراتيجية، بل ان ايران تعمل في اطار تقاسم جغرافي للارض العربية بينها وبين والكيان الصهيوني، يتمثل في ان الخارطة الايرانية التوسعية تنتهي حدودها الامبراطورية عند الضفة الشرقية لنهر الفرات في العراق، بينما تنتهي حدود الكيان الصهيوني، طبقا لهدف اقامة (اسرائيل التوراتية)، عند الضفة الغربية لنهر الفرات في العراق، مما يعني بوضوح تام ان خط نهر الفرات في العراق هو الحد الفاصل بين الامبراطوريتين الفارسية والصهيونية.
 
وبفضل نزعتها البراغماتية الذكية والحكيمة، فان ايران تتبنى اهدافا مرحلية متواضعة مثل نشر التشيع الصفوي اعلاميا وثقافيا، والحصول على اعتراف امريكي بايران كقوة اقليمية عظمى ومنحها حصة، ولو ثانوية في الغنائم، وما تبقى قضايا يمكن التفاهم حولها. لذلك فان ايران تختلف مع امريكا واسرائيل حول امور ثانوية، لكنها تقبل باللقاء معهما حول قاسم مشترك وهو (تدمير ملك العرب)، ذلك الهدف القومي الفارسي العتيق والثابت منذ فجر الاسلام وحتى الان، وهو ايضا اهم اهداف الصهيونية. هنا يكمن (السر الاعظم) في عدم نشوب حرب بين ايران وامريكا وبين ايران واسرائيل لمدة ثلاثة عقود من التوتر المستمر ورغم حدة الحملات الاعلامية بينهم، بل على العكس فان القاسم المشترك الستراتيجي بينها هو الذي سمح بحصول ايرانجيت واسرائيلجيت، اي تقديم الدعم العسكري والاستخباري الامريكي - الصهيوني لايران اثناء شنها الحرب على العراق في الثمانينيات، في ذروة صراع الديوك الامريكي – الايراني!
 
د – واخيرا وليس اخرا فان المفتاح الاساسي لانجاح المخطط الصهيوني الامريكي في الوطن العربي، وهو مخطط بريطاني ايضا، يقوم على فكرة بسيطة وواضحة وهي : ان القدرة على تحقيق سايكس – بيكو الثانية، اي تقسيم الاقطار العربية على اسس دينية وطائفية وعرقية، ترتبط مباشرا بدور حاسم لابد منه لايران في تنفيذ هذا المخطط. لقد فشلت بريطانيا بشكل عام حينما كانت زعيمة الاستعمار في تنفيذ (سياسة فرق تسد)، وجاءت امريكا واسرائيل بخطة مدروسة ومعمقة تقوم على شرذمة الاقطار العربية على اسس عرقية - عنصرية للتخلص من الاصرار العربي على تحرير فلسطين ومنع اقامة اسرائيل الكبرى وتأميم النفط العربي، لكنهما فشلتا ايضا لان الشعب العربي في كل اقطاره يعرف بوضوح تام بان امريكا والكيان الصهيوني معاديان له ولمطامحه وحقوقه، الامر الي ولد حصانة مبدأية ضدهما لدى العرب، وادى ذلك الى منع تحقيق نجاح ملموس في اثارة الفتن الطائفية، وان نجحتا في العثور على عناصر تتمرد على اسس عرقية مثل التمرد الكردي في شمال العراق.
 
من نجح فقط في أثارة فتن طائفية في اقطار عربية ؟ انها ايران وليس غيرها، لان لها اذرعا بعضها عربي الاصل مثل حزب الله في لبنان، وبعضها فارسي الاصل مثل التيار الصدري وحزبي الحكيم والمالكي، وبواسطة هذه الاذرع نجحت ايران فيما فشلت فيه بريطانيا وامريكا والكيان الصهيوني.
 
من هنا فان ايران وهي تلعب دور المفتت للوحدة الوطنية للاقطار العربية تقدم الخدمة الاعظم للمخطط الامريكي- الصهيوني، وهي خدمة تستحق ايران بسببها دعما مغريا وتجاهلا وتحملا لحماقاتها، بل وتشجيعا لها على المزيد من الحماقات مادامت تلحق الضرر بالعرب فقط. وبمقارنة بسيطة بين الاضرار التي نجمت عن اثارة ايران لفتن طائفية في اقطار عربية لم تكن توجد فيها طائفية، وهي اضرار تخدم امريكا والكيان الصهيوني، بالمشاكل التي تثيرها ايران وبالاثمان التي تطلبها من الامبريالية والصهيونية نلاحظ بلا ادنى شك ان ايران تعد الخادم الامثل للخطط الصهيونية الامبريالية رغم انها تعمل ايضا واساسا لتحقيق اهدافها هي في الوطن العربي. مرة اخرى نؤكد : هذا التلاقي الستراتيجي الامريكي – الصهيوني مع الستراتيجية الايرانية التقليدية هو الذي يفسر سر عدم نشوب حرب بين ايران والامبريالية او مع الكيان الصهيوني. ان الذخيرة الستراتيجية الاساسية للصهيونية وامريكا في تحقيق شرذمة الاقطار العربية هي ايران الملالي وليس غيرها. ذلك هو احد اهم دروس وحقائق العقود الثلاثة الاخيرة.
 
4 – ولغلق باب الاجتهاد حول الموقف الامريكي من ايران يجب ان نذكّر بحقيقة رسمية امريكية وهي ان كل الستراتيجيات الامريكية، التي تم تبنيها تجاه الوطن العربي وما يسمى ب (الشرق الاوسط)، اي الوطن العربي زائدا ايران تركيا، لاتضع ايران خميني وتابعه خامنئي في خانة العدو الرئيسي بل تعدها (دولة مارقة) يمكن احتواءها بالحوار والضغوط وليس بالحرب او باسقاط النظام، اما موقف نفس الستراتيجيات من العراق فهو انه قطر (مارق) ومن غير الممكن التحاور معه او الوصول الى حل سلمي معه بالضغوط او الاغراءات بل يجب اسقاط نظامه بالقوة. أقرأو سياسة (الاحتواء المزدوج) التي تبنتها ادارة بيل كلنتون تجاه العراق وايران، واقرأو (سياسة محور الشر) التي تبنتها ادراة بوش تجاه العراق وايران وكوريا الشمالية، ستجدون هذه الحقيقة الرسمية والتي نفذت في الواقع بصيغة انزال اهمية كل من ايران وكوريا الشمالية الى مستوى البلدان اللذان يشاكسان ولا موجب لشن حرب عليهما بل من الضروري اجتذابهما وعقد صفقة معهما، اما العراق فهو وحده من تعرض للغزو المسلح بعد حرب شرسة شاملة أبتدأت في عام 1991 ومازالت مستمرة حتى الان. الا يعني هذا الواقع شيئا جوهريا قدر تعلق الامر بطبيعة اطراف الصراع الاقليمي والدولي ؟
 
تأكيد ختامي
 
في ضوء ما تقدم فانه من المستحيل تفسير ظاهرة تصاعد حدة عراك الديوك الايرانية – الامريكية الان وعدم وقوع اطلاق نار بينهما، وحصول العكس وهو اطلاق نيرانهم المشتركة (الامريكية – الصهيونية – الايرانية) على العراق والامة العربية الا اذا تذكرنا بان المشروع الايراني الفارسي لا يتناقض مع المشروعين الامريكي الامبريالي والصهيوني، بل أنه يكملهما ويخدمهما ويقوم ببعض اهم واجباتهما، ولكن في اطار تنافس وخلافات حول تقاسم المنافع. هل هذا غريب ؟ طبعا لا فهذا الخلاف وذاك الاختلاف يقعان حتى بين امريكا والكيان الصهيوني في حالات عديدة، مثلا الخلافات حول صفقة الايواكس في الثمانينيات، والخلافات الحالية حول رد الفعل تجاه الحملات الايرانية ضد امريكا والكيان الصهيوني. من دون تذكر هذه الحقيقة لن ننجح في فهم تكيتيكات ومناورات الاطراف الثلاثة المعادية للامة العربية وهي امريكا والكيان الصهيوني وايران، ففي النهاية الاذكياء في العالم لا يقعون في فخ الانخراط في حروب من اجل قضايا ثانوية بل هم يعرفون، بحكم الذكاء والتجربة، بان العدو المشترك للاطراف الثلاثة المذكورة هو حركة التحرر القومي العربية، ولذلك يجب توجيه كل البنادق والامكانات الاساسية ضد القومية العربية، وابقاء جهد ثانوي لمعالجة خلافات ثانوية بين متحالفين او متلاقين عند قاسم مشترك.
 
الان يمكن تفسير التصعيد الامريكي – الايراني حول الاتفاقية الامنية على انه بالاساس صراع بين لصين استعماريين اختلفا حول تقاسم الغنيمة فاحدهما، وهو امريكا، يريد الكعكة الاساسية له ويقدم للثاني وهو ايران الفتات، في حين ان الثاني، وهي ايران، تريد زيادة وتوسيع حصتها بقدر الامكان، ولكن لا الاول يقبل بالتراجع عن ما حققه من مكاسب في العراق، لانه موضوع مصيري، ولا الثاني يريد فقدان فرصة وضع امريكا في الزواية في العراق من اجل اجبارها على الاعتراف بايران كقوة اقليمية مقررة وفاعلة ولها مناطق نفوذ معترف بها مثل العراق والبحرين والخليج العربي.
 
ان اللصوص اذا تصارعو على الغنيمة فان ذلك لا يجعل اللص الاصغر قديسا يجب احترامه تلقائيا بل يبقى لصا، مادامت اللصوصية طبيعة بنيوية وليست انحراف عابر في المشروع الامبريالي الايراني الحالي. والان الا ترون معي ان المثل العراقي الذي يقول (لتأكل نارهم حطبهم) هو التعبير الدقيق عما يجري الان ؟ نعم والف نعم لتأكل نيرانهم حطبهم وليذهبو كلهم، النخب الامريكية والايرانية والكيان الصهيوني، الى الجحيم بعد ان دمرو العراق وابادو اكثر من ثلاثة ملايين عراقي وشردو وهجرو ستة ملايين عراقي.