Wednesday, June 6, 2012

حـــوار تحــــت الطاولــــة

صلاح الجودر
الحديث هذه الأيام في المجالس والنوادي عن الحوار الذي يدور تحت الطاولة، فالكثير من المعنيين بالشأن السياسي يتساءلون عن أسرار حوار ما تحت الطاولة والعالم يعيش في عصر الشفافية؟! ولماذا «ناس وناس» والدستور ينص على المساواة والعدالة والتعددية؟! ولماذا العودة لأسلوب التكتيم والحوارات الثنائية، ومحدش شاف حاجة؟!. أسجل هذه الملاحظات حتى لا نتهم بالانحيازية لطرف دون آخر، فنحن المراقبون والمتابعون للشأن السياسي كما قيل قديماً: عومة مأكولة ومذمومة، فلا الحكومة راضية عنا، ولا المعارضة الشيعية تتفهم مطالبنا، ولا المعارضة السنية تتقبل نقدنا، ولا المعارضة الليبرالية -إن بقى منها أحد- تتفهم أطروحاتنا. فالإشكالية كما هو ظاهر من حوار ما تحت الطاولة ليس في خروج دعاة العنف والإجرام والإرهاب في الشوارع وإلا لأدان الجميع تلك الأعمال قبل الاجتماع، ولكن الإشكالية تتمثل في صمت وسكوت القوى المجتمعية عن تلك الأعمال العنفية، الصمت والسكوت الذي استفادت منه قوى التطرف لإشعال الإطارات وإلقاء القنابل وسد الطرقات، فالمتابع للمشهد السياسي يرى أن هناك هوة سحيقة بسبب الصمت والسكوت المطبق على القوى المجتمعية، هذه الهوة كانت بسبب السموم والأدواء التي تم نثرها بالعام الماضي (2011م)، حينما تم تدشين قوائم الخونة والشرفاء، وقوائم الموالين للنظام والموالين لإيران، وقوى سنية معارضة وقوى شيعية معارضة، حتى تم فرز المجتمع وتصنيفه مذهبياً وطائفياً. الإشكالية اليوم في التوتر السياسي الحاصل بين القوى السياسية، القوى السياسية التي تخلفت عن دورها لمدة عام كامل حتى خرجت قوى التطرف والتشدد تدميراً وتخريباً، وهي لم تخرج من صمتها وسكوتها، تعدت قوى الإرهاب على المجتمع ولم تصدر (القوى السياسية) بياناً واحداً يدينها، تدخلت إيران في الشؤون الداخلية للبحرين ولم تستنكر ذلك التدخل، العالم بأسره أدان النظام السوري على وحشيته واجرامه، ووقع على العريضة الأممية وهي رفضت حتى النظر فيها!. لقد أخفقت القوى السياسية في قراءة الساحة جيداً الأمر الذي جعل بينها هوة سحيقة، لذا العودة إلى طاولة الحوار لن يحل القضية بل سيزيدها تعقيداً، فتلك القوى فوتت على نفسها الكثير من الفرص والمبادرات، والسبب أنها أصبحت رهينة لقوى التطرف. فالتوتر الحاصل اليوم بين القوى السياسية سيستمر لأجل غير مسمى، الأمر الذي ينذر بمزيد من النزيف والاستنزاف، فتلك القوى أنهكتها قوى التطرف بطيشها ونزقها، حتى أصبحت بين كماشتين، بين الجماهير المشحونة حماساً بسبب الخطب الثورية، وبين دعاة العنف والتخريب التي ترميها بالقنابل الحارقة. دعاة العنف والتطرف مازالوا في كهوفهم يديرون عملية رمي الناس بالنار والحجارة، فليست مطالبهم معيشية، ولا من أجل اطلاق سراح بعض المسجونين أو إعادة المنفيين، ولكن هدفهم حرق الأرض بمن عليها، ولو لا الحكماء والعقلاء الذين يسكبون الماء على النار لأصبح المجتمع صورة أخرى من العراق ولبنان والصومال. حوار ما تحت الطاولة سيكون كسابقه من الحوارات إن لم يتم مناقشة المتفق عليه أولاً، إما إذا فتحت ملفات الخلاف والشقاق فسيعود الجميع بخفي حنين!، وليس هناك من ملف يتوافق عليه الجميع مثل نبذ العنف وإدانة الإرهاب، فجميع القوى السياسية -كما أعلم- تنبذ العنف وتدين الإرهاب، لذا من الأجدر قبل طرح أي نقطة للحوار أن يتم مناقشة ملف العنف في الشارع، فخيبة الأمل المتوقعة -والتي أتمنى أن لا تحصل- أن تشتعل الساحة أكثر فأكثر، فقد تعب الناس من خطابات التأجيج والتحشيد، فعام كامل من النفخ في النار من قبل قنوات الفتنة والمحنة المدعومة من إيران كاف لإشعال المنطقة وليس البحرين فقط. أتفهم اختلاف الكثير من السياسيين مع ما نطرحه من أولويات للحوار، لذا نتمنى أن تكون صدورهم واسعة، فأي خروج للمحنة يجب أن لا يكون بحرق المراحل فالناس مداركهم لا تستوعب ذلك، فهي لاتزال تحمل في نفوسها آلاماً لا يمكن إزالتها بطاولة للحوار وشرب الشاي يستظلون تحتها لفترة من الزمن ثم تعود حليمة إلى عادتها القديمة!. ليس عيباً أن يجتمع القوم للحوار من جديد، فهذه سمة حضارية، وقد جربوا جميع الطاولات، طاولة حوار التوافق الوطني، وطاولة اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق، وطاولات لندن وواشنطن وباريس وجنيف، وجميعها كانت حوارات فوق الطاولة ولم تنفع مع القوم، فليجربوا هذه المرة حواراً تحت الطاولة قبل أن يجتمعوا تحت الأرض، حينها نقرأ سورة الفاتحة على أرواحهم!، اللهم آمين.

مذهبية إيران الجهنمية

عثمان الماجد
في ظني أن البروباغندا الإيرانية التي تسخر من القوى الأجنبية الكبرى وتضع نفسها في مصافها؛ لخداع شعبها بقدرة قواتها على دحر أي عدوان محتمل، لن تمنع وقوع حرب رابعة في الخليج، وهذا استنتاج لا أظنه يحتاج إلى مهارة قراءة ما بين سطور التصريحات الصارمة الصادرة من إسرائيل أو من الولايات المتحدة الأمريكية، بل إن قراءة السطور ذاتها من دون التعمق في ما هو مكتوب بينها تقود إلى مثل هذا الاستنتاج، غير أن المهارة الوحيدة التي نحتاجها هنا، برأيي، هي تحديد زمن اندلاع الحرب، أي الإجابة على سؤال «متى تقع هذه الحرب؟» وأعتقد أن من يحاول أن يوهم الشعبين العربي والإيراني بعدم إمكانية وقوع الحرب اثنان: إيران أولا، عطفا على فهم أعتقده غير حصيف للنتائج المتحققة للأمريكيين من حروبهم في أفغانستان والعراق، وهو لا يضع في الحسبان المتغيرات السياسية التاريخية التي عصفت بالعالم بعد سقوط الاتحاد السوفيتي الذي كان عامل استقرار في ميزان القوى العالمي، والمؤيدون لإيران ثانيا؛ وهم خليط من حكومات سوف تخسف بها المتغيرات الكبرى التي تعتمل في قاع المجتمعات العربية، ومن أحزاب راديكالية المنحى السياسي مثل: جمعية «الوفاق» في البحرين وحزب «الدعوة» في العراق و«حزب الله» في لبنان وتُحرَّكَ كلها بالريموت كونترول من حوزات قم والنجف، وهؤلاء مجتمعين يضعون البيض كله في السلة الإيرانية بدوافع مذهبية جهنمية لا علاقة لها البتة لا بالوطنية ولا بالإسلام. والسؤال الذي يتحتم علينا البحث عن إجابة له هو: إلى متى سيبقى مقدرا علينا وملازما لنا، ويتعدى إلى جيل أبنائنا من بعدنا، عَدُّ الحروب وإحصاء ضحاياها، المباشرة وغير المباشرة التي تقع في منطقتنا؟! فمثلما حدثت في الأربعين عاما الأخيرة ثلاث حروب مدمرة، ورحنا نفرق بين حرب وأخرى برقم حدوثها في مسرد الزمن، أي بالقول حرب الخليج الأولى، وحرب الخليج الثانية ثم الثالثة، من دون التوقف عند نتائج هذه الحروب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية، فإن المصالح التي يفرضها الواقع الجغراسياسي الذي لا يهتم كثيرا بالأمنيات، يُبطل القول: «عسى ألاّ تقع حرب رابعة في الخليج» ليظل أمنية وحلما يُتطلب تحققه انصياع إيران للمطالب الدولية، ومثل هذا الانصياع رهن بإرادة الولي الفقيه الذي لا يأتيه الخطأ ولا ينطق به! إن وتيرة قرع طبول الحرب آخذة في الارتفاع وإن صاحبها تباطؤ، فهو مقصود يُرتجى منه تقليل الخسائر المادية والبشرية المترتبة على حرب بهذا الحجم؛ لأن الأهداف الإسرائيلية والغربية ليست بهينة، إنها لحرب نووية نووية، كما أن الأهداف المقابلة التي تسعى إيران إلى تحقيقها ليست ببعيدة عن مرمى صواريخها، إنها في متناوله. في اعتقادي أن من الأمور المهمة التي ينبغي علينا الوقوف عندها إزاء الحديث عن حروب الخليج بهدف حقن أبنائنا بأسباب التحوط والمنعة ضدها هي ثلاثة، أولها: الآثار والنتائج المحتملة التي ستترتب عن هذه الحروب. وثانيها: أن الشعوب هي التي ستدفع الثمن. وثالثها: أن الأنظمة الشمولية لا تملك تفويضا من شعوبها لخلق أعداء وهميين وتترجم هذا العداء على أنه عداء للشعوب. فعند الحديث عن حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران ينبغي تصنيفها بأطول حرب عبثية في القرن العشرين؛ حيث قتل فيها ما يقارب المليون إنسان، بالإضافة إلى خسائر مالية قدرت بحوالي أربعمائة مليار دولار، ناهيك عما خلفته من إعاقات بدنية ونفسية وما خلفته من خراب اقتصادي طال دول مجلس التعاون كافة. أما حرب الخليج الثانية والتي أطلق عليها حرب تحرير الكويت أو عاصفة الصحراء، والتي أثارت ذعرا بين أبناء دول مجلس التعاون لم تثره حرب أخرى، فقد سجلت فيها سابقة عربية تمثلت في احتلال دولة عربية لدولة عربية أخرى، وقد راح ضحيتها بين 70 ألف و 100 ألف إنسان فضلا عن نتائجها البيئية الكارثية على حياة الإنسان، هذه النتائج التي ماتزال تظهر في شكل أمراض سرطانية تشمل كافة دول الخليج العربي، نتيجة للتلوث الذي أصاب الهواء والبر والبحر. وأعقبت حرب الخليج الثانية حرب ثالثة مازالت آثارها السلبية تشوه مشهد العراق السياسي والاجتماعي والاقتصادي، فضلا عن أنها جعلت من العراق مرتعا لقوات الباسيج، وأداة لطعن شعب دول مجلس التعاون. حُق لأبنائنا علينا أن يعرفوا لماذا وقعت هذه الحروب؟ ومن واجبنا أن نجيب عن أسئلتهم حيالها، ومنها: من المسؤول عن وقوع مثل هذه الحروب؟ ولماذا -وهذا هو السؤال الأهم- يعيشون أجواء حرب رابعة ستكون بالتأكيد أكثر كارثية من سابقاتها؟ وإذا ما حاولنا الإجابة عن السؤال الأول وهو «لماذا وقعت هذه الحروب؟» فإني أرى أن وقوعها أتى على خلفية تغييب رأي الشعوب وتهميش قرارها، فقرار الحرب والسلم استأثرت دائما به النخب العسكرية، وهذا ما حدث من قبل في العراق إبان حكم حزب البعث، وها هو يحدث في إيران التي تستمد قراراتها المصيرية من الولي الفقيه من دون الرجوع إلى الشعب. وعطفا على هذه الأسئلة المتواضعة أقول، إجابة عن السؤال الثاني: «من هو المسؤول عن وقوع هذه الحروب؟» إن أنظمة الحكم وليست الشعوب المسؤولة عن ذلك. فالعراق إبان حكم حزب البعث وإيران في ظل حكم رجال الدين هما المسؤولان عن الحروب الثلاثة التي وقعت، وإيران تنفرد بمسؤولية الحرب الرابعة إن حدثت. وفي ظني أنه حتى لو استجابت إيران لضغوط القوى الكبرى بشأن برنامجها النووي تحت أي ذريعة خوف، فإنها ستستمر في طرق طبول الحرب بافتعال أزمات طائفية مع باقي دول مجلس التعاون مثل التي تفتعلها الآن مع البحرين والكويت والمملكة العربية السعودية تصديرا لأزماتها الداخلية وإلهاء للشعب المسكين وصرفا للأنظار عمّا يُدبّر من نهب مُقدس للحريات ولثروات البلاد رمزية كانت أو ماديّة. لذلك، أرى أنه ينبغي علينا أن ننقل إلى إيران السؤال الأخير لتجيب عنه بعيدا عن المعالجة المذهبية الأنانية التي يعتمدها حكم رجال الدين هناك والسؤال هو: «هل منطقة الخليج فعلا محتاجة لسلاح نووي؟ في اعتقادي أن هذا السؤال يفضي إلى سـؤال أهم وهـو «لماذا نفرض على أبنائنا العيش في أجواء حرب رابعة؟» إن معطيات عقيدتنا وثقافتنا وتاريخنا وجغرافيتنا واعدة بتوفير ضمانات العيش المشترك، ولا ينبغي علينا إلا الإنصات لصوت العقل فحسب، فهل تستجيب إيران لصوت العقل؟

لا تحــــــــاول أن تتـــــذاكــــــــى

طارق العامر
لا أذيع سراً حين أقول بأنني لم أصدم حين علمت أن الوفاق، والتي ما فتئت تلح وفي كل مناسبة في طلب الحوار، عادت ولنفس الاعيبها القديمة، وغواية الكذب التي تسري في عروقها، فوضعت من جديد شروطا تعجيزية قبل البدء بالحوار، وستسألني لماذا؟ وسأجيبك: لأن الكذب عند الوفاق عبادة لا عادة، ومثلي لا يمكن ان يسلم ثقته في أي يوم من الأيام لوفاقي!! لست أنا من يتقول بذلك، وأسأل المواطن: عزيزي المواطن هل يمكنك أن تثق بالوفاق؟ أشتم رائحة لعبة، ويقال ان الفأر الكثير يدل على الرزق، فمن رأى في منامه فأراً يلعب بداره كثر رزقه، ومن رأى فأرا يلعب بعبه، فليأخذ الحيطة والحذر، لأنه انذار على وجود ملامح لعبة خطر. ومثلي لا يخمن ملامح لعبة علي سلمان، ولا أستنتج بعقلي الذري، ولا أحلل شكل اللعبة، كل ما هنالك أنني استمع واتابع وأقرأ كل ما يقوله علي سلمان جيدا، ومن ثم اتأمل، والعملية ليست بالصعوبة كما تتخيل، فعقلية علي سلمان لا تحمل اي دلالات على قدرات عقلية مميزة، وليست بمستوى عقلية نيوتن مثلا، ومن السهل على أي شخص تعقبها وكشف مستوى ذكائها، ومهما حاول أمين عام الوفاق التذاكي، فالأمر مكشوف، لماذا؟ لأن الأزمة التي شارفت على اتمام سنة ونصف بالتمام والكمال، اثبتت بالدليل وبالأشعة المقطعية، ان عقلية علي سلمان لا تحوي ذرة من ذكاء، فهو اكثر شخص جاءته الفرص وهي تتدحرج على طبق من ذهب، ورغم ذلك أهدرها جميعا، والسبب في ذلك الى انخفاض القدرات العقلية عند علي سلمان المتعلقة بالقدرة على التحليل، والتخطيط، وحل المشاكل، وجمع وتنسيق الأفكار، والتقاط الفرص، وسرعة التعلم. لذلك تجدني اتهستر واتعصب حين يحاول علي سلمان أن يتذاكى، وأجن أكثر حين أرى الدولة وهي تفسح له المجال ليمارس عليها لعبة التذاكي، والأمر الحادث حاليا، هو خطأ وجرم كبير بحق الوطن، وهو أمر أرفضه، فانا لست غبيا، ولا يمكن لأمثال علي سلمان ان يستغباني.. الدولة تتحاور.. تتصالح.. تنسى، وعفا الله عما سلف، هذا شأن الدولة وعلى كيفه، ولا طاقة لنا بالدولة وجنودها، اما أنا فسأظل على صهوة جوادي، شاهرا قلمي في وجه كل خائن، حتى لو بقيت في الفاتح لوحدي. لا أحد يرتاح لكل ما يحدث من حولنا الآن، وبالتأكيد كثيرون منا غير راضين بما وصلنا اليه، كما ان هناك مستفيدين من الوضع المتدهور الذي وصلت اليه العلاقة بين السنة والشيعة واولهم الوفاق، ونحن عندما نتردد في قبول الحوار على الشكل والمراد الذي تريده الوفاق، فذلك لاننا ننظر اساسا الى الفكرة، على انها محاولة لخلق فرصة امام الجاني ليهرب من جريمته، كما ان منح الوفاق حق الاشتراط والاختيار، هو في الحقيقة محاولة مساعدته لإخفاء اثار جريمتها، فالحوار كفكرة ليس الهدف منه مناقشة ما حدث، قدر أهمية أن تفهم سبب ما حدث والمسؤول عما حدث وحقيقة ما حدث، حتى تستوعبه جيدا وتخرج منه بدروس مستفادة، وحتى ما إذا انتقلت إلى مرحلة بناء الوطن من جديد، يكون لديك من الخبرة ما يساعدك على إدارتها ويمنع تكرار كل ما حدث، والأمر برمته محسوم ومقدر سلفا وفي النهاية ستتضح كل الفكرة، وهناك سنعرف إن كنا تعلمنا شيئا أم لا.

إطلاق سراح الشيعة

سوسن الشاعر
يزيد من طين الوفاق بللاً عدم وجود حضن وطني يقبل بعودة الراغبين في العودة منهم إلى المسار العام للدولة بعد أن قطعت الوفاق حبل الود بينهم وبين شركائهم في الوطن.
فالجماعات الأخرى في هذا الوطن، وعلى رأسهم جماعات السنة، يرفضون رفضاً قاطعاً التعامل بأي شكل من الأشكال مع أي شخصية وفاقية بعد الذي أحدثته من جراح أثخنت به ظهر الوطن المطعون بسلوكها.
هناك خطاب طارد وقطيعة جازمة صعبة المراس عند الجماعات السنية اليوم ترفض السماح بفتح الباب للراغبين في العودة من شخصيات وفاقية، دون اعتبار لتفاوت واختلاف التيارات الوفاقية بل -وتلك مشكلة أكبر- دون التفرقة بين الوفاق وغير الوفاق من الشيعة، فكل الشيعة عند السنة “وفاق” إلا بضعة أسماء تجرأت وأعلنت رفضها بشكل قاطع وحازم وواضح وصريح منذ بداية الأزمة لسلك الوفاق ونهجها، أما البقية سواء منها النشط أو تلك الفئة الصامتة، كلهم عند السنة وفاق مرفوض، ولا فرق بين وفاقي معتدل ووفاقي متشدد، لا فرق بين مرجعية نجفية أو مرجعية كربلائية أو مرجعية قمية، لا فرق بين أفندية أو معممين كلهم في سلة واحدة الآن وذلك غلق للباب يأخذ الكل بجريرة البعض.
ولا يلام السنة؛ فقد تسبب تيار الأفندية باختلاط الأمور لدى السنة، فلم تعد الحوزات وحدها هي التيار المتشدد بل حتى من لبس البدلة منهم مارس التشدد بأبشع صوره وكان إقصائياً أكثر من المعممين منهم.
لقد أضرت الوفاق بجماعة الشيعة أيما ضرر وتركتهم في عزلة لم يعهدوها في هذا التاريخ المعاصر أبداً، فلا أعتقد أن أجيال الشيعة الحاضرة حتى من يبلغ الستين منهم عاصر عزلة وإقصاء مجتمعياً لا من السلطة بل من الجماعات الأخرى كالذي يعيشه الآن.  ويحتاج اليوم أي طرف يحاول أن يعيد الأمور لنصابها ويصلح ذات البين إلى جهود جبارة.
السؤال هنا؛ كيف يمكن إقصاء الراديكاليين المتشددين وعزلهم وفتح المجال والباب للمعتدلين؟ ثم كيف للمعتدلين أن يعودوا للحضن الوطني الشامل؟
وأكاد أسمع من كلا الطرفين من يسأل؛ وهل بقي اعتدال؟ هل هناك من يرغب من الشيعة أن يعود للجماعة؟ للوطن؟ وعلى الطرف الآخر يطرح ذات السؤال؛ وهل أبقيتم لنا مجالاً أو فسحة؟
هل ستعتق الوفاق الشيعة وتتركهم أحراراً يقررون مصيرهم؟ هل يمكن أن يطلق عيسى قاسم سراحهم باعتزاله؟
هل ممكن أن (يتنازل) الصف الأول من الوفاق ولا تأخذه العزة بالإثم ويفسح المجال لوجوه لم تحترق بإمكانها أن تقود المرحلة القادمة؟
هل ستترك إيران وجماعة لبنان ولندن أهل البحرين في حالهم يدبرون أمورهم وفق احتياجاتهم وواقعهم؟
هل يتمكن صف معتدل من الشيعة الوفاقية أن يملك جرأة المبادرة والتقدم بصوت مرتفع أمام الصف الأول ويطرح البدائل؟ لا لإصلاح ذات البين بينه وبين السلطة بل بين الشيعة وبين الجماعات الأخرى. هل بإمكان السنة أن يفتحوا الباب ويقبلوا مد اليد ويفسحوا مجالاً لأي صف جديد؟
هل يتمكن السنة من فرز الفروقات ويمتلكون رؤية وخطاباً جديداً، فيملكون زمام المبادرة وينتشلون الوطن بمحمل يشمل الجميع؟
حقيقة لا أملك أجوبة عن تلك الأسئلة؛ لكن المؤكد أن المسألة تحتاج إلى شجاعة من كل الأطراف.

عرض خاص من الدولة.. تهدم مكان ديني وتبني 5

هشام الزياني
إلى أمة الإسلام من المصب الرئيس وإلى بقية الأديان السماوية، وإلى كل الديانات غير السماوية، إن أردت أن تبني لكم الدولة أماكن دينية مرغمة ومجبرة وفي وقت قياسي، وعلى الطرقات العامة والرئيسة وداخل (الدوارات) ما عليكم إلا أن تعملوا عملاً بسيطاً مربحاً، أن تبنوا مساجدكم أو أماكنكم الدينية بالقوة ودون ترخيص (وبعدين يحلها ألف حلال)..! اختاروا الأماكن الرئيسة على الشوارع الرئيسة وأقيموا بناء الأمر الواقع، فإن جاءت الدولة وطبقت القانون وهدمتها، مالكم إلا السيد أوباما، وعليكم بالبكاء عند المنظمات الدولية، وقولوا إن الدولة تهدم الأماكن الدينية، وسوف تكون وفي مأمن، وسوف تطلب الدولة ودكم، وسوف تعيد بناء ما هدمته بل وتوسعة البناء. ليس هذا وحسب؛ بل إن الدولة سوف تقدم لكم (عرضاً خاصاً) تهدم مكاناً دينياً وتبني مكانه خمسة، عوضاً عن العويل، وعن الشكوى للرئيس أوباما..! الدولة التي تطبق القانون بشكل أعرج أو أعور (تستاهل) ما يجري لها، هي من سكتت سنوات (وحتى اليوم تسكت عن تنفيذ أحكام قضائية بحق الأماكن التي تبنى اليوم دون ترخيص وبالقوة) عن بناء الأماكن الدينية المخالفة للقانون وغير المرخصة، ومن ثم تأتي في وقت الاستفاقة تريد تطبيق القانون، فتهدم أعداداً كبيرة غير مرخصة في وقت واحد، بينما هناك خناجر في الخاصرة تضرب الدولة وتكذب على العالم وتستثمر الحدث أفضل استثمار خارجياً. ثم تأتي الدولة تريد أن تسكت العويل فتبني بدل الأماكن الدينية الخمسة المهدمة المرخصة 24 مكاناً دينياً آخر تعويضاً عن المهدم..!! أو حتى كما تقول الدولة 9 أماكن، والله إن بناء أماكن غير مرخصة مربح تماماً، هل شاهدتم، بدل الخمسة 9 أو 24، عملية مربحة تماماً، وفي أماكن أنت تفرضها على الدولة، وتجبرها على بناء ما تريد في الشوارع الرئيسة، وأهل البحرين يعرفون تماماً لماذا تختار الشوارع الرئيسة لفرض الإرادة على الجميع رغم أن لا سكان ولا بيوت تجاور المكان الديني..! في البحرين هناك ظاهرة غريبة؛ مسجد وسط دوار، والمرور تصمت والأشغال تصمت كما هي العادة في مثل هذه الحالات، والعدل أيضاً يصمت، مسجد داخل دوار، بينما لا يبعد عنه مسجد مجاور ربما أكثر من 100 متر أو أقل..! أقول للأوقاف السنية أين مساجدكم على أطراف المدن الكبيرة؟ أين المساجد التي لا تشاهدها على طريق عام أو بجانب محطة بنزين كما هو الحال في السعودية؟ لماذا لا تضعون المساجد في الطرقات العامة والتي تجاورها مناطق سكنية أيضاً فيستطيع عابر الطريق أن يؤدي الصلاة في طريقه، ويستفيد منها أهل المدن. تفوق الأماكن الدينية للطائفة الشيعية الكريمة ثلاثة أضعاف بالمقارنة بالأماكن الدينية لأمة أهل السنة والجماعة، فلماذا تتوقف الأوقاف السنية عن بناء المساجد على الطرقات العامة، سؤال محير جداً.
رذاذ: أقرأ بين حين وآخر في شبكة التواصل الاجتماعي عن طلبات للتبرع لمساجد في البحرين، مثل طلب الصيانة الدورية، أو صيانة دورات المياه، أو طلب تجديد المكيفات. التبرع للمساجد من أهل الخير جيد جداً ومحمود، وهناك من يريد الأجر، لكن هل الأوقاف السنية لا تستطيع تلبية الصيانة الدورية للمساجد أو تجديد المكيفات؟

البحــــريــــن وفشل أحلام الربيع العربي

يوسف البنخليل
القاهرة تمثل أفضل مثال يمكن الحديث فيه عن فشل أحلام الربيع العربي لسببين؛ الأول يتعلق بثقلها في النظام الإقليمي العربي، والثاني يتعلق بما تمثله من قوة ملهمة للتغيير السياسي في الشرق الأوسط. مع ذلك، قد يكون الوقت مبكراً للغاية الحديث عن فشل أحلام الربيع العربي، ولكن بعد نحو ستة شهور من الآن سيمر علينا عامان كاملان على اندلاع أحداث ما يسمى بـ (الربيع) الذي يبدو أنه لم ينته حتى الآن، أو في طريقه للتحول إلى ربيع من نوع آخر. في البداية كان الجدل سائداً في القاهرة حول ما إذا كانت الثورة قد غيّرت النظام السياسي المصري أم غيّرت النخبة الحاكمة، ومازال هذا الجدل قائماً بسبب المعطيات السياسية غير المحسومة. بعدها جاءت الانتخابات التشريعية وتحفظ عليها من تحفظ واعتبرت في ذلك الوقت بمثابة (خطف للثورة)، أعقب ذلك الإعلان عن نتائج الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية التي أثارت أيضاً جدلاً واسعاً حتى اعتبرت بمثابة (خطف للثورة)، وأخيراً تم شجب واستنكار حكم القضاء في قضية الرئيس المصري السابق واعتبرت قرارات المحكمة مسيّسة وتأتي في إطار (خطف الثورة) لتظهر الدعوات نحو اندلاع الثورة الثانية! هذه محطات بسيطة لما شهدته الدولة المصرية على مدى عام ونصف العام تقريباً، وهي جزء من محطات أكبر ومهمة أيضاً. السؤال الذي يطرح بعد استعراض مثل هذه المحطات؛ هل فشلت أحلام الربيع العربي في القاهرة مثلاً وغيرها من العواصم العربية التي عاشت نشوة الربيع فلم تجده ربيعاً لاحقاً؟ عندما اندلعت الاحتجاجات الشعبية فيما يسمى بـ (الربيع العربي) كانت رغبة جامحة في التغيير وتطلعات نحو الأفضل المتوقع بعد انتهاء الاحتجاجات. ولكن يبدو أن الطريق طويلة جداً للوصول إلى التطلعات التي لن تنتهي بسهولة، وستدفع ثمنها الشعوب بسبب الرغبة المفرطة في التغيير الراديكالي باهظ الثمن والتكاليف. اللافت كذلك أن الجماهير العربية تخجل وترفض الاعتراف بأن تطلعاتها وأحلامها من خلال (الربيع العربي) باءت بالفشل، فما زالت مصرة على إمكانية إحداث التغيير بطرق راديكالية سواءً كانت قائماً على حرب اللاعنف أم على حرب العنف والإرهاب. وقد تكون وجهة نظرها مبررة للغاية لأنها انتظرت عقوداً طويلة لترى التغيير دون جدوى، وبالتالي فإنها تحاول الاستمتاع بشهوة الانتصار والتغيير، وهي شهوة بلا شك مؤقتة كبقية الشهوات. نتحدث الآن عن البحرين التي شهدت ظروفاً مشابهة إلى حد ما لما شهدته بلدان الربيع العربي، مع فارق الاختلاف في الدوافع والمبررات الطائفية بالدرجة الأولى. الوضع في المنامة لا يختلف كثيراً، فما زالت هناك مجموعة راديكالية تقود شريحة واسعة من المواطنين وتقدم لهم الأحلام والوعود بشكل مستمر من خلال آليات واضحة ومعروفة للتجنيد والتعبئة السياسية كما يحدث كل يوم جمعة، ولا يخرج منها الجمهور سوى بطاقة كبيرة ورغبة شديدة في التغيير بأي طريقة كانت دون أن يدرك عواقب المظلومية التي يتم تعبئته عليها باستمرار. في الحالتين المصرية والبحرينية من النادر أن نجد من يقارن حجم الخسائر والتكاليف التي تكبدها المجتمع ـ وليست مؤسسات الدولة والنخبة الحاكمة فيها ـ في سبيل التغيير الذي يبدو أن طريقه بات مستحيلاً أو صعباً للغاية إن لم يكن طويلاً من الناحية الزمنية سيجد حالة من عدم الاكتراث واللامبالاة من أجل تحقيق مطالب سياسية لمجموعات معينة سواءً كانت في الداخل أو الخارج. الجميع يراهن على نجاح الربيع العربي، ولكن الجميع لا يراهن على إمكانية استمرار الفوضى الخلاقة لعقود طويلة في الشرق الأوسط. ^ المعادلة.. التطرف في التغيير السياسي + التشدد في المواقف السياسية = خسائر وفشل سياسي.

إحبــــاط

أماني خليفة العبسي
شخصياً أنا ضد الإحباط، ولماذا نحبط ونحن نملك الحلول بأيدينا؟. تغلبنا على أوضاع سيئة -بفضل الله طبعاً- وما كنا نظن أن منها مخرجاً، عنوان مقالي ليس دعوة للإحباط والتحبيط، ولا إقرار بالحالة والاستسلام لها. إنه رسالة وإنذار وإشارة حمراء أمام الأحداث التي نعيشها دون تركيز يوماً بيوم تتوالى بسرعة وغالباً بعشوائية وتخبط واضحين. صحيح أننا وصلنا إلى نقطة استقرار من وجهة نظر ما، وصحيح أيضاً أننا كنا على مفترق طرق تاريخي، وكنا على وشك التحول إلى نموذج عراق آخر في خاصرة الخليج.. وصحيح أن مخاوفنا وإن لم تتلاش، فهي على الأقل استقرت وكفت عن التصاعد.. وصحيح أننا خرجنا من دائرة الربيع العربي واتضحت إلى حد بعيد صورة الوضع الطائفي المريض الذي كان مرسوماً لمستقبل بلدنا، ونرى الآن أن استنساخ التجربة الإيرانية عندنا ليس بالسهولة التي تصوروها. لكن هذا لا يمنع أبداً أن هناك عوامل كثيرة ترسم معالم الإحباط الذي نعيشه، ونحن كمراقبين للرأي العام نلمس ذلك بوضوح، ربما أكثر مما كان الأمر عليه إبان تفجر أحداث العام الماضي. يمكن تفسير الإحباط في فبراير 2011 لكن كيف الآن بعد أكثر من عام وبعد عودة الحياة لمجراها؟ المشكلة الآن أننا نسير في طريق لا تبدو فيه ملامح التغيير التي توقعناها، الإحباط ناجم عن وجود آمال وتوقعات كبيرة. البحرينيون أملوا أن بعد وصول الأمر لحد احتلال فعلي للمنامة والسلمانية وحالات القتل والدهس أن أسلوب التعاطي مع الأمن سيكون حازماً، لكن كما نعلم أننا مررنا بأكثر من مرحلة تراخٍ شديد فتح المجال للتمادي، ولا يخفى كم لانتشار صور الإرهاب في شوارعنا من أثر سلبي على الناس الذين ينتظرون بعد معاناة العام الماضي أن تسيطر الحكومة بما لها من سلطة شرعية على أعمال العنف وتضع لها حداً. الأمر الآخر والأهم الذي لا يمكن أن نعتاده أبداً -ولو اعتدنا وتآلفنا مع حالة العنف- هو الفساد، والأسوأ هو الشعور بأن الفساد أكبر مما يبدو عليه وتناغمه مع حالة مريرة عشناها دوماً من المحسوبية والتفضيل وفق معايير لا يمكن لمسها أو ضبطها أو محاسبة أصحابها ومتبنيها، نحن نرى الأخت والأخ والعم والخال وابن الأخت وابن العم والصديق يعملون في المواقع ذاتها. ونرى الامتيازات تذهب لهم أحياناً دون غيرهم، وعملية الانتفاع المتبادلة التي تتم وفق شروط مجاملات ومحسوبيات وعلاقات تجارة وصداقة ونسب. وهذا الموضوع قديم جداً والسيطرة عليه تصعب أكثر مع الوقت بل يتجذر أكثر ويستفحل، ومجرد إهماله وتركه لتداول الثقافة الشعبية تبني عليه أفكارها وتتغذى منه هو أمر شديد الخطورة، ليس ما يقال في المجالس والبيوت بأقل أهمية مما يقوله المعارض على شاشة بريطانية أو أمريكية، يجب الاهتمام بتكوين رأي عام مؤيد ليس بمواضيع الإنشاء والتعبير التي تنشر بالصحف لكن عن اقتناع وإيمان بخطوات الإصلاح بل وسعادة وفخر بها. وهذا لن يكون أبداً سوى بخطوات كبيرة وجادة للتعامل مع الفساد والمحسوبيات وكل الأمور التي يتذمر منها المواطن وقد تعلم بها الدولة لكن لسبب ما لا زال التعامل معها دون المطلوب. حتى المعارضة التي تدعي أنها سخرت تضحياتها لأجل تغيير هذا الوضع هي أول من استغل سلطته وأذرعه في الحكومة لأجل السيطرة على الوظائف والجمعيات المهنية والنقابات وأعضائها وحقوقييها وسياسييها، وشاركوا بفاعلية في التوظيف الطائفي وتفشي المحسوبية والشللية ومنظومة العائلة الواحدة والطائفة الواحدة في مواقع العمل، والبحريني المسكين واقع بين الواقع الرسمي الذي نراه كلنا والذي قال وصفه سمو ولي العهد بأنه بطء في عملية التنمية، ونحن نجزم أن علته الأولى هي الفساد والمحسوبية، وبين معارضة تدعي مثل ومبادئ هي أبعد ما تكون عنها، البحريني بين المطرقة والسندان بمعنى الكلمة. بلدنا صغير وتعداده ضئيل وإذا استثنينا الأجانب فماذا يتبقى؟ لماذا مواردنا لا تكفي؟ لماذا لا يضمن كل مواطن مسكناً لائقاً لحد الآن؟ لماذا مستحق الدعم والعلاوة والزيادة ينتظر طويلاً في حالات كثيرة؟ ولماذا (السستم) لا يمنحه الحق بعفوية وببساطة دون أن يطلبه ويتوسله؟ لماذا يموت الناس في وظائف لا يحبونها ولا تلبي متطلباتهم أو توقعاتهم؟ لماذا يقترض الناس للأساسيات وليس الكماليات؟ لماذا هناك فقر لحد عدم توافر السكن أو ربما الطعام؟ لماذا يتعالج الناس على حساب جمعيات وفاعلي خير؟ هناك هدر كبير، وهناك من يحصل على ما لا يستحق وآخر يستحق لكنه ينتظر أو يسكت من باب القناعة أو من باب اليأس. لا أقول إننا صومال آخر أو إيران أخرى، وأعلم أن هناك الكثير من الإيجابيات وكثير من التطور السياسي والاقتصادي ولعلنا نفرد لهذا مقالات قادمة، بلدنا واعد وحكمنا كذلك، لكن جلد الذات والتأمل في الأخطاء والتنقيب عن جذور المشكلات مطلوب، خصوصاً الآن؛ موجات الإحباط قد تمر بسلام واحدة تلو الأخرى والمستشار يقول كله تمام، لكن لننظر كيف يؤثر هذا على الإنتاجية وعلى المزاج العام؛ معدل الجرائم، مستوى الولاء والوطنية، جودة الحراك السياسي، هل يرتقي منصات البرلمان خيرة أبناء البلد أم أنهم محبطون ومتقوقعون؟ ومن يعتلي الموجة مكانهم، كل هذه أمور لنفكر فيها جيداً ونتمعن في عواقبها.

إسقاط النظام.. طعمــــه أحلــــــى

فريد أحمد حسن
المتابع لتغريدات بعض المحسوبين على “المعارضة” من الذين لا يعترفون بالوفاق والجمعيات السياسية التي تقول إنها مع الإصلاح يؤكدون في كل ساعة وكل حين أن مسألة الدخول في حوار من قبل “المعارضة” مجرد كلام، وأن مسألة دخول الحوار من غير شروط مسبقة مجرد نكتة، فهؤلاء يؤكدون عبر تلك التغريدات، التي يتجاوز بعضها حتى حدود الأدب واللياقة، أنهم يرمون إلى شيء واحد فقط هو إسقاط النظام، فهو عندهم (طعمه أحلى).. وبالتأكيد هو كذلك عند من يساندهم ويتخذهم مطية لتدمير البحرين التي ظلت وستظل عصية عليهم.. ولحمها مر! يقول أحد الحريصين على الظهور يومياً عبر وسائل الإعلام بأنواعها من المحتمين بلندن “إياكم والحديث عن التقارب مع رموز.. (يقصد النظام) ، بينما ينسب إلى تيار الوفاء الإسلامي تغريدة تكشف عما في الخاطر تقول “إن إقامة الجمهورية الديمقراطية هي الأصلح لواقع البلاد.. ونرى تحقيقه ممكناً إذا ما توفر النفس الطويل”، وتغريدة رابعة تتكرر بأكثر من صيغة تقول “همنا توجيه ضربات موجعة للنظام الخليفي واقتصاده.. المنامة عصب النظام فلتكن وجهتنا”.. وغير هذه من تغريدات كلها تؤكد أن حديث هذا الطرف عن الحوار وقبوله الدخول فيه من دون شروط مجرد كلام ربما يراد منه كسب الوقت للاستفادة من الإعلام المتوفر له من أطراف لا تدخل “عصها في شيء ما يخصها” من دون مقابل، فهذه الأطراف لولا أن لديها ما “تحط عيونها عليه” لما ساندت وآزرت وهيأت إعلامها وأموالها لمساندة مجموعة صغيرة وجدت نفسها فجأة تطالب بإسقاط النظام. للأسف لم يعد أحد يصدق قصة الدعوة إلى الحوار من قبل “المعارضة” فالذي يريد الحوار لا يدعو ليل نهار وبمختلف الطرق وعبر كل وسائل الإعلام إلى إسقاط النظام ولا يحرص على نشر الكراهية تجاه العائلة الحاكمة ولا يتردد عن توجيه أقذع الشتائم لرموز المملكة، والذي يريد الحوار لا يضع الشروط في كل لحظة ولا يدخل في معارك جانبيــــــة صغيــــــرة يعــــــرف مسبقــــــاً أنها تضــــر بدعوته نفسها. تكرار الدعوة إلى الحوار ثم وضع الشروط والعراقيل وانقسام أصحاب الدعوة إلى فريقين أحدهما يقول إنه يحرص على الحوار من دون شروط والثاني يقول إنه يرفض أي حوار ويصرخ بأعلى صوته أنه ضد الحوار وأن من يقول بالحوار من “المعارضة” مخطئ ويرتكب ذنباً ينبغي أن يستغفر منه ويتوب. هذا الانقسام يعطي الآخرين حق الاعتقاد أن الجمعيات السياسية المتمثلة في الوفاق ومن معها إنما تتبادل الأدوار مع تلك الفئة التي تحتمي بالخارج وتعتبر نفسها هي القائد، بمعنى أن الطرفين “يدفدف” أحدهما على الآخر وأنهما إنما يرميان إلى غاية واحدة هي إسقاط النظام.. وما تناول سمو رئيس الوزراء بالسوء عبر تغريدات غير لائقة في كل ساعة ومن دون أي مناسبة إلا دليلاً على أن الهدف واحد وأن الغاية واحدة وأن ما يجري على الأرض من تصريحات بقبول الحوار بل الدعوة إليه وقبوله من دون شروط ما هو إلا تكتيكاً. مرة أخرى لا بد من القول إن من يريد الحوار لا يضع العقبات ولا يسمح لبعض المنتمين إليه من محدودي الخبرة والتجربة أن يصرحوا بتصريحات غير مسؤولة عبر تغريدات تثير الغضب حتى لدى البلابل التي يفترض أنهم يقلدونها! إن كانت “المعارضة” تريد الحوار وأنها لا ترمي إلى إسقاط النظام فعليها أن توزن أفعالها وتقول بوضوح “إصلاح النظام.. طعمه أحلى”!

المأساة تتفاقم.. ٤٥ عاما على النكسة

عبدالله الأيوبي
رغم الصدمة العنيفة التي أحدثتها نكسة الخامس من يونيو عام ١٩٦٧، فإن هذه الصدمة لم تحدث حينها، تراجعا لدى الشعوب العربية عن التمسك بالمشروع القومي المتمثل في مقاومة المشروع الصهيوني فجاء مؤتمر القمة العربي في الخرطوم في ٢٩ أغسطس من ذلك العام التي عرفت باسم قمة اللاءات الثلاث الشهيرة بحضور الزعيم الراحل جمال عبدالناصر الذي أسهم حضوره وشخصيته القيادية في خروج القمة بموقف قومي يؤكد الإصرار على التمسك بالثوابت من خلال تلك اللاءات الثلاث: لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع العدو الصهيوني قبل أن يعود الحق لأصحابه، فظل جمال عبدالناصر يقود هذا الموقف القومي المبدئي من العلاقة مع العدو الصهيوني حتى رحيله في الثامن والعشرين من سبتمبر عام ١٩٧٠
بالأمس، صادف مرور ٤٥ عاما على نكسة الخامس من يونيو، وبنظرة تقييمية للوضع القومي العربي بعيد النكسة وما تمر به الأمة العربية حاليا من أوضاع، فإن المرء يصاب بالذهول وبصدمة اشد من تلك التي أحدثها عدوان الخامس من يونيو، فرغم الهزيمة (النكسة) التي لحقت بالجيوش العربية وانعكاس ذلك سلبا على المشروع القومي الذي كان الرئيس الراحل جمال عبدالناصر والقوى القومية العربية تبشر به على مدى عدة عقود، فان الجماهير العربية ظلت متمسكة بالثقة وبقدرتها على مقاومة المشروع الصهيوني وبإيمانها الراسخ في تحريم التعامل معه تحت أي شكل من أشكال التبرير والحجج.
فالنكسة كانت عنيفة ومؤلمة جدا، فالعدو وأعوانه الإقليميون والدوليون اعتقدوا أن الضربة القاصمة لقيادة جمال عبدالناصر وأن اليأس سيدب في نفوس وقلوب الجماهير العربية، إلا أن ذلك لم يحدث فبقيت هذه الجماهير وقيادة جمال عبدالناصر متمسكة بالحقوق المشروعة وبمقاومة المشروع الاستعماري الصهيوني، ولكن بعد التحول الخطر في الواقع السياسي العربي بعد رحيل عبدالناصر تهاوى الموقف الرسمي العربي وتساقطت أوراقه واحدة تلو الأخرى إلى أن وصلنا إلى ما نحن فيه الآن من وضع يندى له الجبين، حيث لم تعد قضية فلسطين في مهب الريح فقط، وإنما شعوبنا كلها مهددة بالتفتت على أسس عرقية ومذهبية.
ما يحدث الآن في المحيط القومي العربي أشد وطأة وقسوة وخطورة من تلك النتائج التي أفرزتها نكسة الخامس من يونيو، فالقضية الفلسطينية أو ما تربينا على تسميته الصراع القومي مع المشروع الاستعماري الصهيوني في فلسطين، ليس له مكان يذكر في اهتمام الحكومات العربية قاطبة، بل حتى السواد الأعظم من الجماهير العربية لم تعد تعير القضية الفلسطينية والصراع مع العدو ذلك الاهتمام الذي يوازي حجم الخطر الذي يمثله على المستقبل القومي للأمة العربية.
فقضية الصراع مع العدو واستعادة الحقوق المغتصبة في فلسطين والجولان السوري ولبنان، ليست قضايا ذات حضور يذكر في الاهتمام الرسمي العربي، مما عزز من الغطرسة الصهيونية والتمادي في الممارسات الهمجية والاستمرار في قضم تدريجي مدروس لما تبقى من الحقوق العربية في فلسطين، والأراضي العربية الأخرى المحتلة من سوريا ولبنان، بل المؤلم أكثر أن الدول العربية دخلت في صراع مع بعضها بعضا، ووضع البعض أياديه في أيادي الدول الاستعمارية الحليفة مع الكيان الصهيوني للإضرار بدول وشعوب عربية شقيقة.
فهناك انحدار خطر في اهتمام الحكومات والشعوب العربية بالقضايا القومية المصيرية وأهمها قضية فلسطين والصراع مع المشروع الصهيوني الاستعماري الخطر في المنطقة العربية، «فقضية العرب الأولى»، موجودة فقط في البيانات الرسمية الصادرة عن الاجتماعات الرسمية الدورية، و«الالتزام بدعم» الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ليست سوى متاجرة سياسية لذر الرماد في العيون وإبعاد شبهة التراجع الرسمي عن دعم القضية الفلسطينية، حيث هناك جزء لا بأس به من الشعوب العربية لايزال أمينا على مواقفه القومية الرافضة لأي شكل من أشكال التطبيع مع العدو الصهيوني، ومطالبا بدعم حقيقي وفعلي للنضال الوطني الفلسطيني.
فعلى مدى أكثر من أربعة عقود متواصلة من الاحتلال الصهيوني لما تبقى من فلسطين التاريخية وأجزاء من الأراضي السورية واللبنانية، عمل العدو الصهيوني مدعوما بالقوى الاستعمارية الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية على تغيير المعالم التاريخية والديموغرافية للأراضي المحتلة، فيما الأنظمة الرسمية العربية لم تتعد مواقف «الشجب» و«الاستنكار» لهذه الأعمال العدوانية، ونأت بنفسها عن استخدام أي أوراق ضغط لصالح الحقوق المشروعة في فلسطين ولبنان والجولان، مما ينم عن عدم إيمان حقيقي بالقضايا القومية.

نظام مبارك بين أحكام القضاء ورفض الشارع لها

أحمد سند البنعلي
ليس بمستغرب وقوع أحكام القضاء المصري على ما أطلقوا عليه قضية القرن من براءة لمن عاث فسادا في مصر طوال سنوات قبل الثورة وجعلوها دولة بوليسية وليست مدنية ثم تأتي المحكمة لتقول أنهم أبرياء مما نسب إليهم وبالتالي فهم أحرار منذ صدور الحكم يوم السبت الماضي وكذلك تمهد الأرضية لذهاب مبارك وحبيب العادلي إلى محكمة النقض من أجل البراءة بالقول بضعف الأدلة للباقين، لم يكن مستغربا وقوع الحكم كالصاعقة على جل الشعب المصري من الذين ذاقوا الأمرين على يد المؤسسة الأمنية وهم أغلبية الشعب المصري وبالتالي ردة الفعل العنيفة التي أعقبت صدور الأحكام وعودة الكثيرين منهم للشارع للاحتكام إليه مرة أخرى.
يرى كثير من القانونيين الذين شاهدناهم على القنوات الفضائية بعد الحكم أنه من الصعب الرجوع في تلك الأحكام حيث أنها نهائية قبل النقض وأن السبيل الوحيد هو محكمة النقض وليس الشارع متناسين موقف آخر مماثل لما حدث وكان ذلك في العام 1968 بعد النكسة وعندما كان عبد الناصر على رأس السلطة في مصر وقريب من حس الشعب المصري أكثر ممن خلفوه، أي انه في تلك القضية حدث تحالف أو تآلف بين القيادة والجماهير مما أتاح للقانون أن يكون أكثر عدلا مما نراه الآن.
هناك حوادث قضائية يمكن الرجوع إليها لمعرفة ما إذا كان من الممكن إعادة المحاكمة لمن حكم ببراءتهم والدفع بالكثيرين غيرهم لساحة القضاء كتلك التي حدثت في مملكة البحرين مؤخرا والتي بموجبها تم فتح القضايا مرة أخرى وإعادة محاكمة من حكم عليهم في المحاكم العسكرية النابعة من حالة السلامة الوطنية وهناك ما أطلق عليه قضية الطيران في مصر وليس القول بأن القانون لا يسمح لأن القانون جالب للعدالة وليس نافيا لها ومهمة القاضي هو إرساء تلك العدالة وإراحة ضميره من خلال ذلك وإلا فإن القانون بعيد عن كل ذلك ولا يستحق التعامل معه، وفي هذا الشأن ليس خافيا على القاصي والداني ما فعله مبارك ونظامه طوال العقود الثلاثة الماضية والفساد الذي مارسه والتخلف الذي ألصقه بمصر طوال تلك السنوات أو ما فعله أنجاله وزوجته، ثم إن الشهداء الذين سقطوا لم تقتلهم صاعقة من السماء ولم يحمل حبيب العادلي السلاح ليطلقه عليهم بنفسه بل هناك من قام بذلك من الجنود والضباط الذين تلقوا أوامر من كبار ضباط الأمن هناك وهم الضباط الذين أطلق سراحهم وتمت تبرئتهم من خلال الحكم الأخير لذلك من الصعب قبول حكم البراءة لهم وخروجهم وكأن شيئا لم يحدث.
ثم القول بانقضاء المدة القانونية وهي عشر سنوات على استيلاء جمال وعلاء ابني مبارك على بعض الفيلات تسبب في سقوط القضية، فقد كانت هناك نية مبيتة من النائب العام ومعه المحكمة لتبرئتهما وإلا فمن كان يجروء على مقاضاة أبناء مبارك أثناء حكمه، بل حتى القاضي نفسه لم يكن يستطيع القيام بذلك ليس ضعفا منه ولكن لأن النظام لم يكن ليسمح بمثل تلك الأمور حينها فكيف نتحدث عن انقضاء المدة علي ذلك الفعل.
هذا الحكم ومعه وصول أحمد شفيق إلى الجولة الثانية في انتخابات الرئاسة لا يعني غير أمر واحد لا ثاني له وهو أن الثورة المضادة بدأت تؤتي ثمارها وأن أركان النظام السابق لا زالوا ممسكين بزمام الأمور في الجولة المصرية وأن النفس الأمريكي موجود منذ استقالة مبارك وخروجه أو عزله.
القانون وضع ليحصل الناس على حقوقهم والقضاء تم إنشاؤه ليكون الوسيلة المتاحة للناس ليستخدموها للحصول على تلك الحقوق والحكم السالف الذكر منع تلك الحقوق أو حجبها أي أن القضاء انتفت الغاية منه في تلك القضية والقانون لم يطبق بالصورة الصحيحة فهل هذا صحيح ؟... الله أعلم.

علي وعلى أعدائي

عبدالله الكعبي
تطور الأحداث في سوريا بهذه الصورة المتسارعة سيدفع إيران وكل اللاعبين الأساسيين في القضية إلى لعب أدوار أخرى تحاول من خلالها الاستفادة مما يجري هناك سواء أدى ذلك إلى كسب القضية من قبلهم أو الوصول إلى دمار شامل على غرار ما قاله شمشون الجبار (علي وعلى أعدائي).
إثارة الفوضى في لبنان والدفع بالأمور نحو الحرب الأهلية القابلة للاشتعال في أي وقت أو التلويح باستخدام الورقة العراقية والدفع بآلاف المقاتلين إلى الأراضي السورية لمساعدة الآلاف المؤلفة القادمين من إيران ولبنان والسعي إلى العودة بالعراق إلى المربع الأول الذي تلا الغزو الأميركي والإيراني لذلك البلد الذي عاش على وقع المجازر الطائفية والمذهبية التي يراد بعثها من جديد تناغماً مع ما يجري في سوريا من مجازر بهدف إرسال رسالة واضحة لكل الأطراف التي لم تعي بعد حقيقة القضية المرتبطة أصلاً بخطة غزو العراق وما ترتب عليها من مشاريع طائفية ومذهبية تتعاون أطراف عديدة لإنجازها.
القارئ الجيد لما بين سطور ما يسمى بالربيع العربي والذي بلغ أوج اخضراره في سوريا، يمكنه أن يلمح تفاصيل المخطط الأميركي الإيراني بالكامل ويمكنه أيضاً أن يشاهد بوضوح بوادر المقاومة التي أصبحت أكثر ترتيباً وانضباطاً مع مرور الوقت بعد أن كانت في السابق مجرد مخاوف وأشياء تختلج في الصدور من دون أن يبادر أحد للأخذ بها على محمل الجد.
تفجر الوضع في سوريا ليس هو البداية الحقيقية للأحداث وإنما هناك إرهاصات كثيرة سبقت ما جرى في كل العالم العربي الذي ينسب حراكه اليوم إلى حادثة البوعزيزي في تونس. فإذا ما أردنا أن نتناول ما يجري بصورة منطقية فعلينا أن نبدأ من نهاية القصة المتمثلة في سقوط النظام العراقي الذي مورست عليه كل وسائل الكذب والتزوير من أجل تهيئة كل الظروف لإسقاطه ومن ثم البدء في مرحلة جديدة من مراحل المخطط الكبير والشامل الذي أصبح في ذلك الوقت جاهزاً لغزو ما تبقى من أراض عربية وإسلامية تم العمل على تهيئة أرضيتها في السنوات الماضية عن طريق الخلايا النائمة ومن خلال وسائل التغلغل السري المدعوم بمليارات الدولارات التي تم توفيرها على حساب الخزينة الإيرانية التي صرفت جل ثروات الشعب الإيراني على مثل تلك المخططات الشيطانية.
إسقاط صدام حسين ومعه العراق كان النهاية الفعلية للمشهد الذي نعيش اليوم آخر فصوله. فتغييب العراق كان أمراً ضرورياً للعبور إلى الخطوات التنفيذية من المشروع مستفيدين من ثروات هذا البلد وأيضاً من إذكاء الصراع المذهبي المفضي إلى القتل على الهوية والطرد والتهجير والتنكيل بالعراقيين العرب الذين يجب أن يحكموا من قبل العراقيين الفرس الذين أمسكوا بكل مفاصل الدولة ومؤسساتها والوصول إلى الوضع الذي أصبح العراق عليه اليوم حينما يمسك المالكي بالسلطة بالكامل وبكل الوزارات السيادية ويتحكم بالعراق بكامله بالرغم من أن بوش الابن كان قد أعلن عن نجاحه في تحويل العراق إلى بلد ديمقراطي حر يكون مثالاً لكل الأنظمة العربية التي وجب تغيرها !
واضح جداً أن ثورة الشعب السوري لم تكن في حسبان إيران ولا الولايات المتحدة التي وقفت قبل أن تتوجس من الحركة في سوريا موقف المراقب تارة والداعم بقوة تارة أخرى لكل ما يجري في البحرين ومصر وتونس وليبيا واليمن على اعتبار أنها مشاريع مكملة لمخططهم الكبير الساعين إلى إنفاذه. سوريا التي قيدت ومنذ أكثر من أربعين عاماً بقيود البعث وقيود التعاون بين الدولة الدينية في إيران وبين الفئة العلوية الحاكمة هناك، كانت تستعد للعب دور في دعم الهجوم الوشيك الذي سيعقب سقوط الأنظمة في الدول العربية والتي كانت إيران والولايات المتحدة قد أعدت العدة لخلافته ووضع التصور المناسب للمستقبل الذي سيكون في الغالب صورة من صور الثورة الإيرانية مع مراعاة شيء من السرية حتى لا تكتشف الشعوب حجم المخطط الذي يستهدفها والذي يجب أن يشملها بالتدريج ومن دون أن تشعر بالخطر الذي أصبح يحيط بها من كل جانب.
الثورة السورية التي فضحت كل المخططات ووضعتها على المحك، تمضي اليوم إلى مسارات جديدة لم تدخل ضمن الخطط الإستراتيجية التي رسمتها إيران والولايات المتحدة للمنطقة وهي بالتالي أصبحت على بعد مسافة قصيرة جداً من دحر ذلك المخطط الذي أصبح مهدداً بفقد خطوط دفاعه الأمامية المتمثلة في العراق ولبنان اللذين أصبح الوضع فيهما هشاً بدرجة أكبر من هشاشة الأوضاع في سوريا وباتا على وشك إعادة تقييم ما تم فيهما في السنوات الأخيرة والتي كانت نتائجه لصالح النظام الإيراني الذي أسهم اتساع خطواته في تعثره بهذه الصورة التي ستنعكس لا محالة على داخله المتأهب حالياً والمترقب لنتيجة المغامرة التي يبدو أنها فاشلة بامتياز.

مصر.. الإخوان وغلطة الشاطر

د.عمران الكبيسي
مع اعتقادي الخاص بأن الإخوان المسلمين ومعهم السلفيون وحتى السيد عبد المنعم أبو الفتوح ليسوا من المؤمنين بالنهج الديمقراطي ولكنهم حملوا اضطرارا على ركوب موجة الديمقراطية غير باغين ولا عادين بإثم، وما كان لهم مفر منها، والشاعر يقول:
إذا لم تكن غير الأسنة مركبا  فما حيلة المضطر إلا ركوبها
خاض الإخوان الانتخابات النيابية وفازوا بها عن جدارة واقتدار، وأدى لهم الجميع التحية مع سلام مربع، بأنهم كانوا الأقوى تنظيما، والأفضل تكتيكا، والأحسن أداء، والأقدر والأحق بالفوز من غيرهم، فغاظ فوزهم حفيظة حسادهم، ولاسيما دعاة الاحتكام إلى الصندوق الذين انقلبوا على الديمقراطية وحكم الصندوق بمجرد فوز الإخوان، وصاروا يتربصون بهم الدوائر ويتهمونهم بركوب موجة الثورة والهيمنة والتفرد، ونسوا أن الصندوق يعطيهم حق السيطرة والعمل ببرنامجهم الانتخابي لا برنامج خصومهم ومنافسهم، وليسوا ملزمين بمشاركة احد بالحكم! ولا بالاكتفاء بالبرلمان وترك الترشح لرئاسة الجمهورية وَعَدوا أم لم يَعِدوا.
حين رشح الإخوان للرئاسة أقام منافسوهم الدنيا عليهم، لأنهم قالوا يوما لم نرشح خطأ، ورشحوا بعد أن لمسوا تـآمر المجلس العسكري الذي صار يحاول شل حركتهم، وتحجيم نفوذهم بسن قواعد دستورية فوق الدستور، التفافا واحتيالا لتقييد فاعليتهم مستقبلا، والعمل على إفشال برنامجهم، مما اضطرهم إلى الترشح لانتخابات الرئاسة تحسبا لعوادي الزمن، وهم الملسوعون الملدوغون من جحر العسكر سابقا، فرشحوا خيرت الشاطر المقبول شعبيا غير أن لجنة الانتخابات المتواطئة مع العسكر كادت لهم ولمرشحين آخرين لصالح مرشح لم يعلن عنه ظاهرا وظل طي الكتمان؟ فتدارك الإخوان أمرهم ورشحوا محمد مرسي احتياطا.
هفوة الإخوان باعتقادنا أنهم وعدوا بعدم الترشح لانتخابات الرئاسة بإصرار، وأنهم ليسوا دعاة هيمنة مراعين مشاعر التجمعات الحركية لشباب الثورة ومجاملة للأحزاب المنافسة، لكي لا يقال إنهم طامعون بالاستيلاء على كل المناصب، وظنا منهم إن المجلس النيابي يشرع ويراقب ويحاسب، ومنه تشكل الحكومة ولهم الأغلبية وبيدهم إدارة البلاد، تاركين منصب رئيس الجمهورية باعتباره منصبا شرفيا، كان ذلك قبل الانتخابات النيابية وبعدها بأسابيع، وتصرفوا عن حسن نية وثقة مفرطة بالمجلس العسكري وانه سيترك لهم السلطة طوعا “ويخرج من المولد بلا حمص”.
ويبدو أن عضو شورى جماعة الإخوان عبد المنعم أبو الفتوح كان ذكيا فاستشعر الخطر مبكرا، وأعلن ترشحه لانتخابات الرئاسة منشقا عن الجماعة، معربا عن وجهة نظره فعنفوه وعزلوه مع انه كان على صواب، وحين وضعت الأحداث الإخوان على المحك وأمام الأمر الواقع، وتأكد لهم أن المجلس العسكري لن يترك السلطة ولن يتركهم وشأنهم، ولم يُسر بفوزهم بالانتخابات النيابية، وانكشفت لهم نوايا منافسيهم السيئة، اضطروا لإعلان الترشيح للرئاسة تلافيا للخطر ولسد أبواب الريح المقبلة، ورشحوا أنفسهم خلافا لما وَعَدوا، فعد تراجعهم جريمة تتجاوز الخيانة العظمى. وانطلقت الألسنة، وصدق من صدق وكذب من كذب فكان وعدهم بعدم الترشح والتراجع الهفوة الأولى.
الهفوة الثانية والكبوة الأكبر باعتقادي هي الإصرار على ترشيح ممثل عنهم حتى بعد أن منع مرشحهم الأول واستقر الأمر للاحتياط محمد مرسي ويعلمون أن ليس له شعبية خيرت الشاطر، وإنهم شاهدوا تأييد قطاع كبير من الناس لزميلهم السابق في زمن الضيق والمحنة أبو الفتوح حتى من بين الإخوان أنفسهم، كان حقا عليهم التنازل له والتأكيد للناس أنهم لا يطمعون بالرئاسة كرئاسة ويفوا بوعدهم بعدم الترشح، فالرجل شكليا استقال أو فصل، وفي الوقت نفسه يحتوون أبو الفتوح هذا الطير الشارد معنويا، وهم واثقون من ولائه لهم من دون أن يحسب عليهم، وكان بالنسبة إليهم الخيار الأمثل والوسط المناسب والأفضل يستظلون به ويردمون الفجوة بينهم وبين زميلهم، ويدرأ عنهم سهام منافسيهم وأعدائهم، ويحافظون على مكانتهم، وكفي الله المؤمنين شر القتال، وهو ما كنا نتمنى أن يبادر إليه الإخوان ولو فعلوا لكسبوا ثقة الجميع وأمنوا مكايد الغول المتربص بهم شرا..
اليوم ظهر مرشح المجلس العسكري ونال من التأييد ما نالوا، وأصبح منافسا وندا قويا يدعمه العسكر والفلول وأعداء الإخوان ومنافسيهم، وضع الإخوان المسلمون أنفسهم ووضعوا الشعب المصري والثورة في مأزق خطر، وخاصة إذا صوت مؤيدو عمرو موسى وحمادين صباحي وبعض أنصار أبو الفتوح وآخرون الله يعلمهم لشفيق نكاية بهم، فما عسى الإخوان فاعلون لو فاز شفيق وليس ذلك بمستبعد؟ فالإخوان أنفسهم مرعوبون بعد ظهور النتائج وصاروا يتناجون ويتنادون، ولو حصل هذا سيتحملون مسؤولية الصدام مع الرئيس القادم وربما فشلهم وفشل الثورة أمام الله والشعب المصري، وستكون أول انتكاسة لثورة الربيع بسبب تعنت الإخوان وثقتهم الزائدة بأنفسهم. فيصح عليهم القول “لا حظت برجلها ولا أخذت سيد علي” وإن كنا لا نتمنى ذلك...