Friday, June 22, 2012

بدون الآخر ستبقى المعارضة طائفية

انتصار البناء
نقلت مصادر متعددة اشتداد الخلافات التي دبت بين الوفاق وباقي جمعيات الائتلاف بسبب تصعيد الوفاق لخطابها السياسي في المرحلة الأخيرة وتعدد لقاءاتها مع مسؤوليين دوليين بمفردها ودون التنسيق مع باقي الجمعيات، وأياً كانت صحة هذه الأخبار، التي سيتم نفيها بالتأكيد، إلا أنها تعطينا مؤشراً لا ينحرف عن سلوك الوفاق، وباقي عناصر 14فبراير، الذي لم يتغير قيد أنملة سواء في تعاملها مع توابعها من جمعيات الائتلاف، أم تعاملها مع الشعب البحريني بأكمله. الوفاق، وهذه حقيقتها، لا تمتلك مشروعاً وطنياً يلتف حوله البحرينيون، ومناشدات علي سلمان الدائمة لباقي الجمعيات، وتحديداً جمعيات الفاتح، بمشاركته في المطالب الحقوقية المشروعة إنما يأتي من باب إلحاق هذه الجمعيات بالوفاق وليس من باب التوافق على حراك سياسي وطني وشامل، علي سلمان يريد الآخرين أن يأتوه طائعين، بينما يرفض هو الجلوس معهم على طاولة حوار متكافئ يطرح فيه كل فريق مطالبه الإصلاحية والضمانات التي يحتاجها والمحاذير التي قد تنزلق إليها البلاد من بعض المطالبات، ولذلك بدأت الوفاق وستظل وحيدة إلا من توابعها من جمعيات الائتلاف التي تدب الخلافات بينهم كلما حان موعد تقاسم كعكة الانتخابات أو حظيت الوفاق بلقاء وزير خارجية أو سفير أوروبي دون أن تخطر الائتلاف. ووضع عناصر 14 فبراير الذين انداحوا من كل حدب وصوب وصاروا فجأة سياسيين وحقوقيين لا يختلف عن وضع الوفاق الذين هم على تنسيق عال معها، فبعدما أسموه (غزوة جنيف) الأخيرة لحقوق الإنسان، بل أثناء انعقاد جلساتها، اشتدت لغتهم العدائية تجاه باقي المواطنين البحرينيين، وفاضت تغريداتهم على موقع (تويتر) بألفاظ الشتم والسخرية، ولم يستطيعوا كتم بواطنهم العنصرية التي برزت بأسلوب رخيص لا يمكن أن يخرج عن شخصية تعمل لحقوق المواطن (البحريني) دون أن يكون هذا (البحريني) يمتاز بلون معين ولهجة معينة وباتنماءات معينة ومن أصول معينة فحسب، لذلك أجد من النافع لمن سيحضر جلسات جنيف القادمة المزمع عقدها في شهر سبتمبر لهذا العام أن يجمع تلك التغريدات والتصريحات والبيانات ويعرضها في الجلسة باعتبارها صادرة عن شخصيات صار لها اعتبارها الخارجي، وحصانتها الدولية كما يزعمون، ليتعرف الحقوقيون الدوليون على علاقة حقوقيي البحرين (المحصنين) بأشقائهم في الوطن، وكيف أنهم لا يحترمون الآخر البحريني ولا يطالبون بحقوقه ولا يلتفتون حتى لتعرض حياته للخطر، وربما لم يلتفت منظمو جنيف أن حقوقيي البحرين المعارضين هم من طيف واحد فقط وأن زعيمهم (دشتي) الكويتي هو أيضاً من نفس الطيف الذي جمعه على طاولة واحدة بنبيل رجب البحريني وأحمد الجلبي العراقي!. سعادة الوفاق وعناصر 14 فبراير بتعدد السفرات إلى الشرق والغرب وفخرهم أنهم صاروا يمثلون البحرين في الخارج، وتباهيهم بصورهم مع المسؤولين الدوليين والشخصيات العالمية، وخيلائهم بالجوائز وحفلات التكريم، لن تتيح لهم شرف الجلوس الهانئ في مقهى شعبي تراثي في سوق المحرق، ولن تمنحهم السكينة التي لن يجدوها وهم يتسوقون في محلات الرفاع والبوكواره، بل حتى في المجمعات التجارية والتجمعات العامة سيسيرون وهم يعرفون أن حصانتهم وطمأنينتهم مع نصف الشعب فقط، بينما النصف الآخر لا يحمل لهم إلا مثل ما يحملون هم في صدورهم تجاهه (وخلوا واشنطن أو حتى جنيف تنفعكم). نعود ونؤكد أن سبب كل ذلك هو افتقاد المشروع الوطني الذي يمثل البحرينيين جميعاً، والذي يولد الإحساس بالمسؤولية تجاه الآخر، ويلزم اللاعبين السياسيين بالتنسيق وتوحيد الآراء والمواقف في كل القضايا، المشروع الوطني المتوافق عليه من جميع الأطراف هو الذي سيقرب بينهم وبين كل البحرينيين، وسيحل مشكلات البحرين، وبدونه ستبقى الوفاق وتوابعها تنظم كل يوم مسيرة وتجمعاً وأعمال تخريب في مناطق نفوذهم فقط، وبالوجوه التي تمثل نصف الشعب نفسها، وبالخطاب الإقصائي دائماً والعدواني أحياناً كثيرة نفسه، سينامون ويصحون وأعينهم على الغرب وآمالهم خارج الوطن وأحلامهم في التوسع ومد جسور المحبة والتعاون في واشنطن وجنيف وليست في المنامة أو المحرق أو الرفاع.

تهديدات علي سلمان للجيش

غازي الغريري
نتساءل إلى متى سوف تستمر أعمال العنف والتخريب في شوارع البلاد وما نسمعه كل يوم من تعطيل لمصالح الناس؟ لقد أصبحنا في مفترق طرق الآن.. يجب حيال هذا الوضع المنفلت الذي جعل الوطن يدخل في أزمة لا ندري نهايتها أن يتم وضع حد لغوغائية المعارضة وأتباعها الذين يعيثون فساداً في البلاد والعباد، حتى أن من يسكنون القرى ذاتها التي تحدث فيها المناوشات بين المخربين ورجال الأمن قد وصلوا إلى مرحلة لا يمكنهم حتى العيش بسلام في بيوتهم بسبب ما يقوم به هؤلاء الشباب المغرر بهم. وعليه، فإن الدولة مطالبة بوضع نهاية لهذا الانفلات والتهديدات التي بلا شك تضر باقتصاد الوطن بل بسمعته في الخارج، خصوصا أن الإعلام المغرض لايزال ينقل عبر فضائياته المنحرفة أن الأمن والاستقرار غير مستقر، وهو ما يجب حياله من الإعلام البحريني تصحيح الصورة للعالم بأننا في وطن آمن ومستقر وعكس الصورة الحقيقية لسلمية المعارضة وأذنابها الذين يأتمرون بأوامر إيرانية بحته وفق تكتيكات حزب الله، لاسيما عندما يشتد الضغط على سوريا ونظام بشار الأسد، نرى من يحاول في البحرين أن يحرك الوضع ويثير القلاقل للفت أنظار العالم عن مجازر بشار وشبيحته. وما خطاب علي سلمان الذي تجرأ فيه على الجيش حين هدد بأنه بفتوى واحدة يمكن أن يحرك الآلاف ليحملوا أرواحهم على كفوفهم، أهذا من كان يدعي الهدوء والطرح العقلاني في خطاباته؟ أليست هذه دعوة واضحة للخروج إلى الشارع واستخدام العنف كورقة ضغط على الدولة؟ كما إنها ترجمة واضحة لفتوى الأب الروحي للوفاق عيسى قاسم حين دعا إلى سحق رجال الأمن. الغريب في الأمر أن المعنيين في هذا البلد لم نرهم يحركون ساكناً في القبض على قاسم وسلمان أليسوا مواطنين حالهم حال أي مواطن آخر يجب أن يعاقب على أقواله وأفعاله؟ ما يدعونا حقيقة للغرابة أن هناك سعياً حثيثاً من قبل السلطة في الجلوس على طاولة الحوار ودليل ذلك تكرار التصريحات من قبل بعض المسؤولين بأن الحوار هو السبيل للخروج من الأزمة، في حين نرى تصعيداً من قبل المعارضة في الشارع. هناك تناقض عجيب في الأمر والشعب لا يعرف ماذا يدور خلف الكواليس وفي دهاليز السياسة، كيف نتحاور مع أشخاص كانوا ومازالوا يدعون صراحة إلى قلب نظام الحكم وتغييره ورحيله وتهديده. المسألة أكبر من مطالب دستورية أو معيشية أو غيرها، المعارضة ومن يواليها يريدون حكم هذا البلد بكل صراحة ويريدون أن تصبح البحرين عراقاً آخر تتحكم فيه إيران كما تفعل في بلاد الرافدين الآن. التهديد والوعيد الذي قاله علي سلمان لم يأت من فراغ هو يقول إنهم لم يستخدموا إلا 50% فقط مما لديهم من قوة، يعني ذلك أن لديهم أسلحة وهذا اعتراف واضح منه وهي مخبأة وهو يعرف أين يخبؤونها. على الدولة أن تنتبه تماماً لما يحاك في الخفاء ضدها وأن تدرك أن هناك من يخطط ليل نهار من أجل إسقاط النظام واستهداف مكون رئيسي في هذا الوطن، وعليها أن تتدخل بأسرع وقت ممكن للجم سلمان وقاسم وغيرهما وإسكاتهما، وأن يعلموا أننا في دولة لها سيادة وقوة عسكرية ولها عمق خليجي بإذن الله سيكون الاتحاد هو الذي سيقصم ظهر البعير وسيوقف كل من يريد شراً بوطننا البحرين. أجزم أن الدولة تستطيع وفق القانون أن تسحب جنسيات قاسم وسلمان ونبيل رجب وغيرهم من المحرضين لأنهم يمسون الأمن القومي للوطن بتحريضهم السافر على القتل وقلب النظام، إلا أننا نستغرب عدم حصول ذلك وسكوت الدولة عليهم، ولكن إلى متى سيدوم هذا الحال، لقد ضاق الشعب من أفعال المعارضة التي تدعي حبها للوطن وهي أول من يحرقه. الحوار الذي نسمع عنه ولا نراه لن يتم مع المعارضة إلا حين تأتيهم الأوامر من إيران بالدخول فيه من عدمه، وبالتالي فإن الأمر ليس بيد علي سلمان ولا غيره وتهديداته التي أطلقها مؤخراً في خطابه ليست إلا فقاعة اختبار وقياس لردة فعل الدولة والذي جاء قوياً على لسان جلالة الملك حين أكد عدم السماح بالتطاول على قوة الدفاع الحامية لمكتسبات الوطن باسم حرية التعبير، ودعا جلالته الأجهزة التنفيذية المختصة إلى اتخاذ ما يلزم لردع هذه التجاوزات بحسب القانون

مصر.. مراجعة لا مواجهة

معن بشور
بغض النظر عن النتائج النهائية الرسمية للانتخابات الرئاسية، وفي ظل تكرار المفاجآت التي شهدتها الحياة السياسية مؤخراً في أرض الكنانة كحل مجلس الشعب، وإصدار الإعلان الدستوري المكمّل عشية إعلان نتائج انتخابات الرئاسة، فإن الأمور تتجه إلى مواجهة خطيرة يرى فيها البعض إنقاذاً للثورة من نظام قديم يحاول إعادة إنتاج نفسه، ويرى فيها البعض الآخر مدخلاً لنوع من الصراع الأهلي يؤدي بالثورة نفسها ومعها كل طموحات الشعب المصري. ولتجنب مثل هذه المواجهة المرتقبة، وقد رأينا مثلها في غير قطر عربي اصطدمت فيه النتائج الانتخابية بموازين القوى الفعلية، لا بد من مراجعة عميقة تقوم فيها كل الأطراف المصرية الفاعلة والمعنية بمصير مصر كما بمصير الثورة نفسها. النقطة الأولى في هذه المراجعة تكمن في إقرار الجميع أن ثورة 25 يناير هي ثورة أطلقها شباب مصر، واحتضنتها جماعة الإخوان المسلمين في مصر وأحزاب أخرى، وانتصرت لها القوات المسلحة في مصر، فجاءت تعبيراً عن ائتلاف كل قوى التغيير، الإسلامية والناصرية واليسارية والديمقراطية، كما وحدت الشعب والجيش معاً، وبالتالي فإن تذكّر هذه الحقيقة أمر ضروري كي لا يضيع الجميع في متاهات الصراع على السلطة، وكي لا ينزلق الجميع في مهاوي التسلّط أو التفرد أو الاستئثار. النقطة الثانية في هذه المراجعة تكمن في أن يقوم الجميع بنقد ذاتي لتجربته الخاصة خصوصاً في الفترة الواقعة ما بين سقوط مبارك وإعلان نتائج الانتخابات الرئاسية، قبل أن يتوجه بسهام نقده للآخرين، فقوى الثورة الشعبية مدعوة لأن تفسّر للناس كيف يتمكن مرشح كان رمزاً للنظام السابق أن يحوز حوالي نصف أصوات الناخبين المصريين، كما إن المجلس الأعلى للقوات المسلحة مدعو لأن يفسر لنفسه، ولغيره أيضاً، كيف تحوّل أكثر من نصف المصريين إلى مواقع العداء العلني له بعد أن كانوا يهتفون باسمه في الميادين في شعار خالد “شعب وجيش يد واحدة”. النقطة الثالثة في هذه المراجعة تكمن في أن يدرس الجميع، ونقول الجميع، تجارب حصلت حوله، بعضها قام على الإقصاء وعدم الاعتراف بنتائج الانتخابات فقاد بلاده إلى الدمار والحروب الأهلية، ومنها من قام على الائتلاف فحفظ الثورة وحفظ البلاد أيضاً مما كان يحاك لها من مخططات ومؤامرات. أما النقطة الرابعة فتكمن في أن يتنبه الجميع ، ونقول الجميع، لدور القوى المضادة للثورة، سواء كانت محلية أو إقليمية أو دولية، والتي توزع الأدوار فيما بينها، فيغري بعضها هذا الطرف لجره إلى صدام مع الطرف الآخر، فيما يبتز بعضها ذاك الطرف لمنعه من التفاهم مع الأطراف الأخرى. فالمطروح اليوم هو مصير مصر التي إذا اعتزت اعتز معها العرب كلهم، وإذا اهتزت اهتزت معها الأمة من مشرقها إلى مغربها، وحين يكون مصير مصر في الميزان ينبغي أن نتصور حجم القوى داخل مصر وخارجها، والتي يرعبها أن تستعيد مصر قوتها ودورها وأن تحرر إرادتها من قيود التبعية في الخارج ومن سلاسل الاستبداد والفساد في الداخل. أما النقطة الخامسة في المراجعة المطلوبة فهي أن يدرك الجميع، أن مرحلة التحول الديمقراطي، وهي بالضرورة مرحلة انتقالية، تختلف عن مرحلة النظام الديمقراطي الذي نطمح إلى قيامه جميعاً، داخل مصر وخارجها، فإذا كان النظام الديمقراطي المتجذّر في الواقع يقوم على أغلبية وأقلية تمتلكان مقومات التداول السلمي للسلطة، فإن التحول الديمقراطي يقوم بالضرورة على فكرة التوافق الوطني الواسع حيث ينخرط الجميع في بناء نظام ديمقراطي بكل مؤسساته فلا غلبة ولا إقصاء، لا هيمنة ولا إبعاد. هناك بالتأكيد نقاط عديدة تستدعي أيضاً المراجعة، وهي نقاط يعرفها كل طرف معني بمصير مصر وثورتها العظيمة، لكن هذه النقاط تصب جميعها في دعوة للجميع أن يستعيدوا روح الثورة التي هزت العالم كله، فيما هي تهز نظام مبارك، أي روح الائتلاف بين قواها، والتكامل بين شعبها وقواته المسلحة، والاندفاع في تطبيق ما يتفق عليه، وتنظيم الخلاف في موضوعات التباين، وتحديد الأولويات الداخلية والخارجية، والإصرار على التعبير السلمي عن موضوعات الخلاف. في الجزائر، وفي بداية التسعينيات دفع الجزائريون وما زالوا ثمن إقصاء استولد عنفاً، فكادت أرض المليون ونصف المليون شهيد أن تحترق، أما في تونس فقد اختار قادتها طريق الائتلاف فحصنت الثورة نفسها، واستوعبت تناقضات داخلية عديدة، وهي تقود اليوم مرحلة التحول الديمقراطي نحو ديمقراطية لا تستبعد أحداً، ولا تسمح لأحد أن يستأثر بالسلطة. لا بل اعتمدت اعتبار الدستور هو المدخل لهذا التحول، فانتخب الشعب مجلساً تأسيسياً من أجل وضع دستور ينظم حكم البلاد في ظل توافق يحترم التنوع الفكري والسياسي في بلد كتونس، كما يراعي نمط حياة عصرية يتمسك بها التونسيون. فهل تدرك مصر العظيمة، بشعبها وقواها المسلحة، بنخبها الفكرية وقواها السياسية، بمكوناتها المتنوعة وتياراتها المتعددة، أنها أمام فرصة تاريخية ينبغي ألاّ تضيعها، أو تترك نفسها أمام اختبار خطير قد يهدد كل ما حققته ثورتها من إنجازات.

الســادة الأطـباء.. للأسـف الجريمـة ثابتة

طارق العامر
كفى تدخلا في شؤون البحرين من جهة، وكفى تردداً وضعفا من جهة، اما بالنسبة لحكم الأطباء فقد حكم الله وهو خير الحاكمين، وأما حق العباد فإن لم يُقض في الدنيا، قضاه الله في الآخرة.. فانظروا يا أطباء لتروا أيهما أشد؟ أصبحنا واصبح الحكم لله، دولة تقع على الطريق العام وسورها منخفض للغاية، وكل من هب ودب «ينط» على هذا السور ويتدخل في شؤوننا الداخلية بلا «أحم ولا دستور» والمطلوب الآن الاستسلام للضغوط الخارجية، والويل والثبور لمن يكابر أو يعترض، رحماك يا رب من هذا الفجور. بعد أن قضي القضاء في قضية الأطباء، ولا اعتراض على قضائه، لأنني من أشد المؤمنين بنزاهة القضاء البحريني، تكالبت علينا من كل حدب وصوب قوى التأمر «اللي يسوى منها واللي ما يسواش»، وكذلك فعلت خونة الداخل والخارج، التى تقتات وتعيش على موائد الايرانيين، ففي ايرلندا طالب حزب «شين فين» الإيرلندي الحكومة، العمل علنا على إلغاء الأحكام الصادرة بحق الأطباء البحرينيين، بحجة ان هؤلاء الأطباء «تدربوا في إيرلندا» وكذلك فعلت ما يسمى بـ «منظمة العفو الدولية» فطالبت بالغاء الإدانات، اما «فرونت لاين ديفندرز» فقد طالبت بالتحقيق مع وزير العدل ووزيرة التنمية «على اعتبار اننا ولاية امريكية» كما انتقد مساعد وزيرة الخارجية الامريكية مايكل بوزنر الأحكام، كما طالبت صحيفة نيويورك تايمز في افتتاحيتها الإدارة الأمريكية «أن تقوم بالكثير جدا» ضد هذه الاحكام باعتبار اننا «نخضع تحت الوصاية الأمريكية». لا ادري من الذي اوهم كل هؤلاء بأننا دولة تخضع للانتداب الأمريكي، وهل نحن فعلا دولة مستقلة وذات سيادة على سن ورمح، لها مقعدها في الأمم المتحدة وعضو في جامعة الدول العربية، ام اننا تحت الحماية الأيرلندية؟ فلماذا لا يكون خطابنا «الدولة» هو الخطاب الصارم، والذي يخرس تلك الألسن، ويوقف كلا عند حده، ويمنع مثل هذه التدخلات الخارجية في شؤوننا، وفق ما تكفله القوانين الدولية لكل دولة مستقلة ذات سيادة؟ لماذا الامعان في السكوت على هذه التجاوزات، والأستسلام والتنازل عن مبدأ السيادة الوطنية، التي تمنح كل دولة الحق في تصريف شؤونها الداخلية باستقلالية تامة ودون ضغط او تدخل من اطراف خارجية؟ ما يجرى الآن هو الوجه الآخر للصورة العراقية، في الظاهر هي دولة، لكن في الحقيقة ليست دولة لأنها ليست مستقلة وذات سيادة ومحتلة رسميا من قبل ايران، وهم يعملون اليوم على تكرار السيناريو العراقي، وانتزاع صفة الدولة عن البحرين، وتحويلها إلى حسينية كبيرة يقودها معممون ليس لهم حظ من الحياة إلا علوم ولاية الفقيه، ومن ثم تسليمها الى ايران. بالأمس طالبوا بمحاكمة ضباط ومسؤولين، واليوم يطالبون بمحاكمة وزراء، وغدا سيطالبون بمحاكمة الشعب، وكل من يقف في وجه الوفاق، لماذا؟ لأننا دولة تتهاون وتتسامح في ممارسة سيادتها!! بالمناسبة، كنت من ضمن الكتاب البحرينيين الذين تناولوا في مقالات عديدة جريمة الأطباء، وما زلت مقتنعا بأنهم مذنبون، بل أنني وبمعية الزميل خالد هجرس وثقنا تفاصيل جريمة احتلال مستشفى السلمانية في كتاب «ابعاد الحقيقة» بالشهود والقرائن، ورغم ان الكتاب لم يصرح ببيعه «وطاح في جبدي» ولكن ما زلت على يقين ان هذه الجريمة كان من الواجب توثيقها، بل شددت في مشروع الكتاب على التحقيق في جريمة السلمانية، والالتقاء بالعديد من الأطباء والممرضات، وسرد أدق التفاصيل، وجمع كل المعلومات بتفاصيلها الصغيرة، لأن المشاهد تقول إن الحدث جريمة وانتهاك صارخ لكل المواثيق الإنسانية والقوانين الدولية التى دنست أمام عتباته كل القيم الطبية والإنسانية، لذلك فإن المراقب لا يبتعد عن الحقيقة عندما يصف تلك الأعمال بـ»الجريمة»، وكثيرا ما كنت أشدد في حديثي على ان سرعة التوثيق وارشفته مفيد جدا للتاريخ، ولحماية الحقيقة من التدليس والتلاعب، فنحن امام «مجرم» اعتاد على الكذب والتلاعب بل وتزوير التاريخ ولن يتوانى عن طمس الحقيقة وتغليف الباطل واخفاء ملامح الجريمة، وهذا كان الهدف من «ابعاد الحقيقة». السادة الأطباء، مهما ضللت الصورة، او حاول من كان، مسح تفاصيلها، فللأسف، ستظل الجريمة قائمة وثابتة، وستظل تطاردكم لعنات الشعب ودماء ضحاياكم من داخل قبورهم «فالذنب يا سادة لا ينسى والديان لا يموت فكن كما شئت فكما تدين تدان».

بل نحن من خاب أملهم

عثمان الماجد
أعرف أن كتابا كثرا قد تناولوا بالتحليل والتفسير والشرح «خيبة أمل» مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية مايكل بوسنر» التي عبر عنها بُعيد صدور حكم محكمة الاستئناف العليا في 14 من الشهر الجاري في قضية العشرين طبيبا، والتي قضت ببراءة تسعة وإدانة تسعة آخرين، لكن تلك التحليلات والتفسيرات والشروحات لم تبدل من فهم الناس في البحرين لمواقف الولايات المتحدة الأمريكية ولم تغير من دهشتهم أو استغرابهم في تعاملها مع أصدقائها الإستراتيجيين في الزمن الأمريكي الجديد! وصفوة القول ان أحدا لم يستطع أن يسبر غور دوافع خيبة أمله تلك، غير أنني أتيتكم بنفس الموضوع هنا، ولو متأخرا، لأعبر لكم عن دهشتي الخاصة، ليس إلا، من سلوك رجل دبلوماسي ما كنت أظن أن تصل به درجة الوقاحة الدبلوماسية إلى حد حشر أنفه في أمور مجتمعنا بكل أطيافه الاجتماعية سنةً وشيعةً ومسيحيين ويهود وبهرة وغيرهم من المقيمين والعابرين، والانحياز بشكل سافر إلى مجموعة اختارت أن تصف نفسها بـ«المعارضة»، وما أبعدها عن «المعارضة» صفة وفعلا سياسيا! إذ ما هي بمعارضة سياسية بقدر ما هي حركة تعبر عن مسعى إقليمي لإقامة جمهورية ولاية الفقيه تقوده «الوفاق» وشقيقاتها لتلعب هذا الدور بالوكالة عن كافة الأطراف. مؤدى خيبة الأمل وما تبعه من تصريح يشير، بما لا يدع مجالا للشك، أن ما يقال حول دعم الولايات المتحدة لـ»لوفاق» وشقيقاتها ومشتقاتها هو حقيقة لا يطالها الشك، ودعك مما تتظاهر به لنا الولايات المتحدة من استعداد للدعم والمساعدة في حل المشكلات المترتبة عن أحداث الرابع عشر من فبراير الأليمة. ولن أجد تفسيرا مقنعا لهذا الانحياز إلا ذاك الذي خلص إليه بعض الكتاب من أن الولايات المتحدة الأمريكية قد شعرت بإحباط بعد أن اهتدى البحرينيون لترتيبات مسبقة مع التيارات المتطرفة ضاربة بالتمدن والدولة المدنية وحقوق الإنسان عرض الحائط استجابة لمصلحة لا أحد يراها غير صانعي القرارات الأمريكية الإستراتيجية. والحال أن المحكمة قد أصدرت حكمها وقضي الأمر، فليس هناك كلام يعلو على كلمة القضاء، ولأن المحاكم في البحرين ثلاث درجات فالقانون يسمح للمدانين بالتقاضي في محكمة النقض، فما كان من السيد «بوسنر» إلا أن واصل تدخله واستبق حكم هذه المحكمة وأرسل بأمانيه وأمنياته إليها بأن تلغي هذه التهم وتحكم ببراءة الأطباء المدانين. حقا هل يجوز هذا التدخل في شؤون الغير والتعدي على قوانينه؟! الأماني لا تستقيم في أمور يحكمها القانون فهل يكون من المقبول والمعقول أن يتمنى فرد في حالة قتل افتراضية توفر فيها سبق الإصرار والترصد أن نجد من ينبري بالتمني بانتفاء التهمة عن القاتل وببراءته اللهم أن يكون ذلك الفرد متواطئا معه وتسكنه ذات الهواجس التي تسكن القاتل. السؤال الذي يؤرقني مثل كثيرين هو «لماذا خاب أمل بوسنر؟» إجابتي عن هذا التساؤل ليست إجابة قطعية واحدة بل إنها تتفرع إلى إجابتين، الأولى: لأنه كان على علم مسبق بالحكم وقد صُدم بتغييره مثلا!! ولكني أستبعد ذلك لثقتي العالية في قضائنا، الإجابة الثانية: أنه كان يعتقد بأن الأحكام القضائية هي جولة مفاوضات وانتهت على غير ما توقع، وهذا أيضا احتمال بعيد، فالرجل الدبلوماسي المحنك الذي يمثل دولة تمتلك كل مقومات الريادة والصدارة في كل شيء يعرف الفرق بين المحاكمة والتفاوض، فهل من المعقول أنه لا يدرك أن هذه أحكام قضائية وليست جولة مفاوضات. التعبير عن خيبة الأمل في حكم قضائي، في رأيي، لا يمكن أن يصدر عن دبلوماسي جاء ضيفا باحثا عن مخارج لأزمة قد عصفت ببلد يعده من جاء يمثلها بلدا صديقا إستراتيجيا. في العموم إن «خيبة الأمل» هذه إلى جانب «أمنيته بإلغاء محكمة النقض للحكم الذي لم يصدر بعد»، هما التعبيران الأولان اللذان نطق بهما مساعد وزير الخارجية، أما ما صرح به فيحتاج إلى استعراض للوقوف على فهم مقاصده والتأكد من حقيقة «حبه» للبحرين، يقول بوسنر، تحت تأثير، خيبة أمله: «نعتقد أن هناك حاجة للحوار على مسارين، الأول هو أن تواصل الحكومة العمل مع الجمعيات المعارضة للتفاوض حول مستقبل البلاد السياسي، والثاني هو الحاجة لحوار حول القضايا المهمة عمليا لجميع البحرينيين والتي من شأنها أن تجعل جميع الناس في البحرين يشعرون بأن لديهم مصلحة في مستقبل البلاد.» أعتقد بأن خيبة الأمل الحقيقية هي تلك التي بدا عليها المجتمع البحريني بعد صدور مثل هذا التصريح الصادم، إذ أن المجتمع يبحث عن مخرج لإجراء حوار غير مشروط تدخله قوى المجتمع الفاعلة كلها ولا يستثنى أحد، فيما يدعو هذا التصريح إلى إجراء تفاوض منفصل حول مستقبل البلاد السياسي مع من يسميهم «المعارضة» في مسار، فيما ينطلق حوار حول القضايا المهمة عمليا لجميع البحرينيين، فهل التفاوض حول مستقبل البلاد السياسي لا يهم جميع البحرينيين؟! كان العشم من شخصية بحجم مساعد وزير الخارجية أن يشجع «الوفاق» على دخول الحوار مع كافة مكونات المجتمع، وأن يدعوها إلى وقف تحديها لكل المكونات الاجتماعية وتنخرط في المصالحة الوطنية من دون الشعور بأفضلية خاصة، وأن يحترم الأعراف الدبلوماسية التي تعد المؤسسة القضائية شأنا سياديا لا علوية فيه إلا لصوت القانون. ثم ألا يعلم معاليه أن عنف «الوفاق» وشقيقاتها في الشارع يزداد مع كل تصريح أو بيان من هذا النوع. ولعلي في النهاية أرجو أن أكون قد عبرت عن دهشتي بشكل لا يزعج الطريقة التي تبنتها السياسة الخارجية الأمريكية فيما يتعلق بأحداث البحرين المؤلمة. نحن الذين خاب أملنا من جراء التصريح الذي تفضلتم به سيدي مساعد وزيرة الخارجية.

تسمية الأشياء بأسمائها

جمال زويد
ظهرت علينا انتخابات ثورات الربيع العربي، وعلى الأخص الانتخابات المصرية بمصطلح جديد وغامض في مقصده ومراميه، وأصبح يشكّل هاجساً مؤرقاً يلاحق أصحابه في منامهم، يفسد عليهم راحتهم، وينغّص عليهم أحلامهم. فقاموا بنشره وجعلوا منه (فزّاعة) يخوّفون بها كل من يظهر أمامهم أو ما يُتاح لهم من منابر ووسائل.
المصطلح الذي أعنيه هو ما أسموه بالدولة الدينية، في إشارة الى أي مرشح نيابي أو رئاسي ينتمي لتيار الصحوة الإسلامية، بالأخص من الإخوان المسلمين والسلفيين الذين لم يجدوا في أياديهم وذممهم ما يفسد نظافتهم، ولم يتحصّلوا في مؤهلاتهم وكفاءاتهم ما يمكن أن يقدح بقدراتهم وإمكاناتهم، وساءهم التفاف الناس حولهم وانصرافهم عن قاذورات فكرية وحزبية و(استغلالية) أزكمت روائحها النتنة الأنوف، نهبت من مقدّرات الدولة وثرواتها على مدار عقود وعقود ما لايعلم به إلاّ الله، فأساءت للبلاد والعباد، ضيّعت وأضاعت حتى بلغ عدد سكان القبور في بعض البلدان العربية في خانة الملايين، فضلاً عن ملايين أخرى بالشوارع.
التخويف بهذا المصطلح كان يخرج بعناوين مرعبة، مثل التزمت الاجتماعي أو التراجع عن الانفتاح أو (غلق البلد) أو التباكي على الحريات الشخصية أو تهريب المستثمرين أو تخريب الاقتصاد أو نحوها من عبارات تنفيرية، وذلك كله من دون أن يعرف قارئها أو سامعها للوهلة الأولى سبب تزايد طرحها وتكرارها، ناهيك عن معانيها ومدلولاتها!
وبعيداً عن فجاجة وهوس محاربة الإسلاميين في تلك الانتخابات باستخدام كل الوسائل الممكنة وغير الممكنة، المنطقية وغير المنطقية، الأخلاقية وغير الأخلاقية، بعيداً عن كل ذلك فإن من يتابع تزايد استخدام مصطلح الدولة الدينية هذه الأيام سيُخيّل إليه ان من يخوفونهم منها كانوا في بحبوحة ورغد من العيش يحسدهم عليها الأغنياء والمترفون، واختيارهم جانب الدولة الدينية - إن صحّ التعبير - سيجعلهم كأنهم قادمون على سنوات عجاف صعاب، يجفّ خلالها الضرع، ويتضاعف العجز، ويتكاثر الفقر، ويتفاقم العوز، وتهجرهم البنوك والمصانع ويصدّ عنهم المستثمرون، وما إلى ذلك من تبِعات اختيار الشعوب لأن تكون دولتهم دينية عند انتخابهم للإسلاميين.بالطبع بحسب ادعاءاتهم.
ولكن لماذا نسمي الأشياء بغير أسمائها؟ ماهي الحالة التي يجب أن تكون عليها الدولة حتى يبعدوا عنها وصف الدولة الدينية؟ وماهي الحالة التي يرون أن يكونوا عليها حتى لا يُصابوا بالتزمت والتراجع الحضاري؟ وما هو هذا الأمر الذي يجعل الدولة مفتوحة ولا تتسبب في (غلق البلد) بحسب تعبيراتهم؟! وماهي الحريات الشخصية التي يُراد لها أن تبقى ولا تُمس؟ هم لا يستطيعون الإفصاح عن المقاصد والمعاني لأنها مما قد لايليق البوح بها، ولو كانت غير ذلك لأمكن الإعلان عنها بـ (الفم المليان) من دون مواراة أو حاجة الى استخدام مصطلحات بديلة أخرى.
هنالك حرج من الإعلان عن مقاصد التخويف بمصطلح (الدولة الدينية) أو ما يُراد من وراء جعلها كما (البعبع)! لكن في الحقيقة مجمل تخوفاتهم وأسباب انزعاجهم ولجوئهم إلى التهويش وإثارة الفزع وقرع نواقيس الخطر من قدوم الإسلاميين إنما يرجع أكثر ما يرجع إلى خوفهم على مصالحهم وعلى ما يسمونه من حريات شخصية يقصدون بها الرخص والابتذال والتفسخ والانحلال تدرّه تلك المحرّمات على هيئة أموال تنتفخ بها (كروش) البعض خاصة مما تعرفونه عن سياحة سوق النخاسة والاتجار بالبشر في مستنقعات الرذيلة. في الواقع أن أكثر الظن أن هاجس الخوف والتخويف يتعلق بصورة مباشرة أو غير مباشرة بهذا المجال الذي يتكسبون ويتغوّلون ثراء من خلاله، ومن المتوقع أن الإسلاميين أو الأسوياء من البشر يرفضون الاستمرار فيه باعتبار أن تجارة الخمور والسيقان والأرداف والنهود مآلها مزيد من الخسف والعقاب. غالب الظن انها هي المقصودة بطلب حمايتها مما يسمونه الدولة الدينية.
سانحة:
قال تعالى: «ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض».

فئـران تجـارب

حامد عزت الصياد
قوى الشر تقاتل أهل الإسلام في سوريا.
اليمين مع اليسار، والصفوية مع الطائفية، والصهيونية مع رأس المال، والتبشير مع الشيوعية ، والاحتلال مع خونة الوطن.
لا تناقض بين عمل هؤلاء وبين ما تقوم به إيران وروسيا والصين من إبادة جماعية يومية للشعب السوري وبين ما يفعله المخربون وقطاع الطرق وشبيحة قطع الرؤوس بالفؤوس، وشبيحة النظام في وسائل الإعلام.
التجارب التي قامت بها هذه الأنظمة الثلاثة في سوريا وإن صعدوا إلى الفضاء وتجسسوا على خلق الله بأقمارهم الصناعية، لا تتفق أفكارهم مع الجنس البشري في الدين والأخلاق والمعتقد، ودعوتهم لقمع الشعوب المسالمة واحتلال أراضيهم بالقوة، تتناقض مع استواء الفطرة التي فطر الله الناس عليها.
لكل من هذه الدول الثلاث تاريخ أسوأ من الخطيئة وذلك على النحو التالي:
(١) لم تفلح الشيوعية في نقل السوريين إلى نزاهة البحث العلمي وحرية الاعتقاد والكشوف الأثرية والفضاء المفتوح بل جسدت الإلحاد والفجور وان أعلنوا أن منهم مسيحيين ورهبانا مؤمنين بعقيدة التثليث والصلب والفداء والخلاص.
(٢) فشل الصفوية الإيرانية في تشييع الشعب السوري على مدى حكم حافظ وبشار الأسد وان أخذت إيران الدين ستارا معزولا عن الحكم لكنه مخلوط فيها بحكم سياسة الواقع والزمن.
لا نريد أن نعود مئات السنين إلى الوراء لنذكر سلالة «عبيدالله المهدي» وتجاربه الفاشلة في شمال إفريقيا ومصر، وظل المصريون يقاومون المد الشيعي أكثر من ٢٥٠ سنة على يد أبنائه الذين حاولوا تكريس هذا المد في تلك المناطق أو يقنعوا أحدا من المصريين بمذهبهم.
لكن الفشل كان حليفا للقائم بن عبيدالله في تثبيت أركان مذهب أبيه، وكذا منصور بن القائم، والمعز لدين الله ، والحاكم بأمر الله، والعاضد بن يوسف، آخر هذه السلالة التي حكمت مصر وشمال إفريقيا منذ ٢٩٧ وحتى ٥٦٧ هجرية.
كما فشل «المهدي» في إخضاع المصريين للمد الشيعي منذ ١٢٠٠ سنة، تحطمت أحلام فارس بإغلاق أول حسينية في مصر افتتحها «على الكوراني» منذ نحو شهر من الآن، ورفض المصريون وشيخ الأزهر محاولات إيران التغلغل في الشأن المصري.
لا تناقض بين هؤلاء الذين يهدمون بدباباتهم وطائراتهم حمص العصية وبين جنود النظام وأساتذة طهران وأطباء الصين ورحالة بغداد والمستكشفين لبيض الشيطان في حارة حريك والضاحية الجنوبية بلبنان.
لا يختلف هؤلاء مع المؤرخين وعلماء الاجتماع الروس ورجال الإعلام والقانون ومندوبي النظام الذين تكالبوا على منابر الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان لهدم سوريا.
الجميع في الإدانة سواء.
في قائمة رذائلهم حتى الآن، أكثر من ١٥ ألف شهيد لا ذنب لهم ولا جريرة، ومئات المذابح الجماعية، ومئات الآلاف من الجرحي، ومثلهم من المشردين والمهجرين والمفقودين وتخريب المدن والقرى وحرق المزارع والحيوانات والدواجن.
ابتكار وسائل القمع، واقتباس طرق الاحتلال الأوروبي في وسائل التعذيب، والتفنن في إذلال الشعب السوري بإلقاء القنابل الفوسفورية على حمص، وشظايا البلوتونيوم على حماة، والغازات السامة على درعا، لم تمنعهم الصعوبة أن تلقي الطائرات بالمواد المشعة على بقية المحافظات السورية، وهذه جرائم لا تقل ضراوة عما فعلته فرنسا بالجزائر واستخدامها ٤٢ ألف جزائري كفئران تجارب نووية في أكتوبر وديسمبر  ١٩٦٠.

هل تنزلق مصر إلى السيناريو الجزائري

عريب الرنتاوي
إرجاء الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية إلى أجل غير مسمى، واللغط الدائر حول “وفاة” الرئيس المخلوع أو “وفاته السريرية” في هذا التوقيت بالذات، الانتشار الأمني والعسكري الكثيف للجيش والأجهزة الأمنية، فضلاً عن حديث لجنة الانتخابات عن خضوع “مليون صوت” للمراجعة والتدقيق (أكبر من إجمالي الفارق بين نتائج المرشحين)...مؤشرات تبعث على القلق، ودلائل على إمكانية حدوث المفاجأة بإعلان فوز مرشح الفلول الفريق أحمد شفيق.
تغرق القاهرة، في بحر من الشائعات والتكهنات والمعلومات الصحيحة والكاذبة، بعضها يتحدث عن “معلومة مؤكدة” عن فوز شفيق، بل ويحدد الفارق بـ”260 ألف صوت”...بعضها يتحدث عن “تكتيك” أقدمت عليه المؤسسة العسكرية، لمحاصرة الرئيس الإخواني المنتخب، وإشعاره بأن “فوزه يعادل الهزيمة”، وأن دوره في مستقبل النظام الجديد، لا يتعدى التساوق مع المجلس العسكري والقبول بتقاسم للسلطة يبقي بين يديه، بالجزء الأقل من “كعكتها”.
أياً يكن الأمر، فإن السيناريو الأول، فوز شفيق، وبالطريقة التي يجرى التحضير له بها، سيدفع مصر – ربما – إلى إعادة “النموذج الجزائري 1991”...فبعد الضربة التي تعرض لها الإخوان بالإعلان الدستوري المُكمل وحل مجلس الشعب، واستعادة الجيش لدوره في تقرير مصائر “الدستور الجديد”، ستجد الجماعة نفسها في موقع الدفاع عن آخر مواقعها في نظام ما بعد الثورة، وأعني به موقع الرئاسة الأولى، رغم كل ما يمكن أن يقال عن ضعف الموقع وإضعاف شاغله.
قبل الانتخابات الرئاسية، سمعنا من مصادر عديدة لمعلومات وقراءات، مصدرها الأجهزة الأمنية والعسكرية المصرية، تحدثت بلغة “الجزم” بأن الإخوان لن يصلوا إلى “قصر القبة” بأي شكل من الأشكال، ومهما بلغت الأثمان...بل وقيل إن هذه الرسالة بلغت مسامع مراكز القرار الدولي والإقليمي.
بعد الانتخابات، أعلن قادة كثيرون للإخوان المسلمين أن معركة الرئاسة، هي “معركة حياة أو موت”، وثمة سيل من المعلومات والتسريبات التي تذهب في كل اتجاه، لتقدير طبيعة وحجم رد فعل الإخوان على “سرقة” انتصاراتهم الانتخابية، رئاسية وتشريعية...بعضها يتحدث عن عنف وشلال دماء، وبعضها يضع الأمر في حدود الحراك الديمقراطي السلمي الذي سيتخذ من ميدان التحرير ساحة له.
مصر تقترب من إعادة إنتاج “السيناريو الجزائري”، لكنها لم تنزلق إلى قعره بعد، ونأمل أن هذا “السيناريو/ الكابوس” لن يجد طريقه إلى شوارع مصر وحواريها...وبيد القوات المسلحة، وبيدها وحدها أن تمنع الانزلاق إلى هذه الهاوية...لأنها هي ذاتها، ستكون أول ضحايا هذا السيناريو، وليس الإخوان أو الثورة فحسب...مصر كلها ستدفع الأثمان الباهظة، وثورة مصر الأنبل والأشرف والأوسع، ستكون في صدارة لائحة الضحايا المُحتملين.
قد يقول قائل إنه لا شيء يثبت فوز مرسي، وإن الإخوان تسرعوا في الإعلان عن فوزهم عن سبق الترصد والإصرار، وإنهم هم من يتحمل المسؤولية عن “اختطاف” نتائج الانتخابات واستباقها، مستفيدين من تقارب النتائج التي تحصّل عليها المرشحان الرئاسيان، وهذا صحيح.
لكن الصحيح كذلك، أن الظروف التي واكبت الانتخابات والفرز والطعون والنتائج، وتأجيل إعلان النتائج، وعجز المراقبين الدوليين عن التقرير بشأن “سلامة الانتخابات ونزاهتها”، وكل ما رافق هذه العملية الانتخابية وصاحبها من تسريبات وإجراءات، تثير الالتباس والشكوك حول “النوايا الكامنة” وراء كل هذه الخطوات، سيما أنها جاءت بعد حل مجلس الشعب، واستتباعاً الهيئة الدستورية.
ليس ثمة من بديل لتسليم الرئاسة للمرشح الفائز، والمرشح الفائز كما تميل مختلف الدلائل “بمن في ذلك بيان قضاة من أجل مصر”، على أن “توافقاً سياسياً” يمكن أن يجري العمل لإخراجه إلى دائرة الضوء، ويقضي بالاتفاق على مرحلة انتقالية تمتد إلى سنتين، يجري خلالها التوافق على إنتاج دستور دائم للبلاد، يخضع لاستفتاء شعبي شامل، تتبع إقرار انتخابات تشريعية لمجلس الشعب والشورى، ثم يصار إلى إجراء انتخابات رئاسية توافقيه، يعرف المرشحون مسبقاً على ماذا يتنافسون، وما صلاحيات الرئيس المنتخب، وكيف ستتوزع السلطة أفقياً وعامودياً في مصر ما بعد الثورة.
هذه الأفكار ليست من نسج خيالنا...لقد تحدثت عنها شخصيات مصرية مؤثرة، قبل الانتخابات و أثنائها (البرادعي مثلاً)، لكن إصرار “العسكر” على التمسك بالسلطة، ونهم “الإخوان” للسلطة وميلهم للاستئثار والتفرد والهيمنة، قاد البلاد إلى ما آلت إليه من تطورات تدعو للقلق والخوف.
الأولوية الأولى الآن هي منع انزلاق مصر إلى مستنقع “السيناريو الجزائري”، مهما بلغ حجم التنازلات والتضحيات التي يتعين تقديمها لحقن دماء المصريين والحفاظ على مستقبل بلادهم، بدل أن يجدوا أنفسهم مضطرين لدفع أضعافها المضاعفة في حروبهم ضد بعضهم البعض.

العرب وقانون الجاذبية

د. غسان اسماعيل عبدالخالق
يبدو أن الانسان العربي هو الأكثر اكتواء بقوانين الجاذبية الأرضية على نحو تراجيدي واستثنائي، وملخص أطروحتي على هذا الصعيد، تتمثل في أن هذا الانسان –على امتداد قرن كامل من الزمان- مارس تصعيدات هائلة لتوقعاته، أو أن هناك من دفعه أو أوهمه بمشروعية هذه التصعيدات فاعتقد فعلاً بواقعية هذا الطيران، ثم وجد نفسه فجأة دون مقدمات وبتسارع شديد، يهوي من شاهق مرتفع ليرتطم بأرض صلبة قاسية فيتفتت أو يكاد، ليستأنف من جديد لمّ ما تناثر من كيانه وماهيته، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وعسكرياً.
في عام 1948، بدت نتيجة المعركة المقدسة بين العرب واليهود، محسومة النتائج سلفاً، فأنّى لحفنة من المهاجرين المغامرين أن يهزموا عشرات الملايين من العرب الذين كانوا يحيطون بهم إحاطة السوار بالمعصم، وتسابقت الجيوش العربية الرسمية وغير الرسمية من أجل الوصول إلى فلسطين... وكانت النتيجة كما تعلمون جميعاً، أن الإنسان العربي الذي أوصل توقعاته إلى الطابق العاشر، وجد نفسه مضطراً إلى القفز في الفراغ الدامي.. وضاع الجزء الأكبر من فلسطين!.
تكرر هذا التصعيد في عام 1956 ثم في عام 1967 ثم في عام 1973، وفي كل مرة كان عدد الطوابق يزداد، لتزداد قوة الارتطام الدامي، دون أن يتعلم الانسان العربي من دروس الارتطام السابق، ودون أن يكبح جماح الانصياع للأحلام والرغبات على حساب الحقائق والأرقام ومدى الجاهزية الحقيقية للمواجهة والتغيير.
التصعيد والارتطام الأحدث هو الأقسى والأطول أمدا في آن واحد، وقد بدأ كما أقدّر منذ عام 2001 وما زال مستمراً؛ ففي أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر توفرت الثغرة التاريخية المناسبة لمهندسي الربيع العربي في واشنطن ولندن وباريس فعملوا على تصعيد توقعات العرب وملايين من المسلمين بخصوص المواجهة بين الغرب وصدام حسين، ونجحوا فعلاً في اقناع الرأي العام العالمي بامكانية انتصار صدام حسين في هذه المواجهة استناداً لما روّجوه ولفّقوه من امكانات عسكرية خارقة يمتلكها صدام حسين، وما هي إلا جولة حقيقية واحدة حتى تبين البون الشاسع بين الآمال الكبيرة التي علقت والإمكانات الحقيقية التي أبيدت عن بكرة أبيها!.
وكان يمكن لهذا البروفة القاسية أن تكون درساً مفيداً للنظام العربي على صعيد قوانين الجاذبية الأرضية، فيبادر إلى تسريع عملية التطوير والتحديث السياسي والاقتصادي والاجتماعي قبل أن تلوح ثغرة أخرى للمهندسين المتأهبين عن بعد، إلا أن هذا النظام اختار أن يدفن رأسه في الرمال كالمعتاد، فلما ضرب الكساد العالمي ضربته تهيأت الثغرة التاريخية مرة ثانية لاستئناف رسم خريطة الشرق الأوسط الجديد، وعلى نار التناقض الحاد بين الأنظمة المتشددة والمجتمعات التي خسرت كل شيء مادياً ومعنوياً، فانطلقت الشرارة من تونس وتواصلت في مصر ثم في ليبيا ثم في اليمن ثم في سوريا وما زالت تتواصل!.
التصعيد والارتطام الأحدث هو الأخطر دون ريب، لأنه لم يكن نتاج مواجهة تقليدية بين العرب والغرب، أو بين العرب واسرائيل، بل كان بين العرب وأنفسهم، فيما كانت أبرز العواصم الغربية ومعها تل أبيب تمتع أنظارها بما يمكن للعرب أن يقدموا عليه (أنظمة وجماهير) حينما تتعلق الأمور برسم مستقبلهم، وقد كانت النتائج مؤلمة في الحد الأدنى وكارثية على أرض الواقع.. حتى الآن، فلا تونس استقرت ولا مصر ثابت إلى رشدها ولا ليبيا تحررت من منطق الصدفة ولا اليمن ائتلف ولا سوريا توقف نزيفها!.
هذا التصعيد المقصود والمبالغ فيه من طرف الغرب على صعيد المتوقع من (الربيع العربي) وهذا الاستغراق دون أي تحفظات من طرف الغالبية العظمى من الجماهير العربية في حلم التغيير والتحرر من الاستبداد، تكفل بإسقاط الانسان العربي من الطابق الخمسين بعد المئة باتجاه أرض زرعت بحراب الإحباط واليأس والغضب ونفاد الصبر والشك في الذات، ومن شأنه أن يحول الانسان العربي إلى عجينة مطواعة في أيدي المهندسين ايّاهم ولسان حاله يقول: لقد حاولت الصعود مراراً، لكنني فشلت في متابعة هذا الصعود، فشكّلني كما تريد.. لأنني لم أعد أعرف كيف أصعد ومتى أهوي!!.

انتصار سورية وهزيمة الطغيان

أسامة سعيد القحطاني
بعد أن قَضَى قرابةُ 15 ألف إنسان تحت نيران النظام المجرم في سورية؛ يتساءل الكثير عن الوضع هناك، وعن مدى إمكانية تحقيق الثورة لأهدافها باهظةِ الثمن؟ وما الذي يدور خلف كواليس أبواب السياسة وتحت بنادق الحرب هناك؟
سأتحدث عن عدة جوانب تدور حول الوضع هناك، محاولا كشف بعض خيوط الأزمة وحلها، ومبرزا لبعض المؤامرات التي يحيكها النظام السوري وحلفاؤه.
من نافلة القول أن يُذكر أن النظام بدأ يشعر بالخوف الشديد وأنه فقد السيطرة المُحكمة على البلد، والتي كان يتمتع بها في السابق بالحديد والنار، مع الأخذ بالاعتبار أنه اختار وضع بندقيةٍ خلف ظهره ومسح خط الرجعة مطلقا! ويبدو أن النظام أخذ يدرس كل خياراته بالتشاور مع إيران، لمواجهة أي تطورات قد لا تكون في صالحه. ومن قراءة الأحداث هناك؛ تبدو معالم الدهاء السياسي الإيراني واضحة، حيث تلعب إيران دورا كبيرا ورمت بثقلها كله في سبيل الدفاع عن النظام الدكتاتوري.
ومن أهم معالم هذا الدور؛ محاولة إشراك العراق بحكومته التابعة لإيران إلى طرفها، وقد ظهر هذا جليا في المؤتمر الصحفي مؤخرا بين موسكو وبغداد، بأن الأخيرة ستكون طرفا في أي مؤتمر عن سورية، في إشارة إلى المؤتمر الدولي الخاص بسورية والذي طلبت روسيا إشراك إيران فيه أيضا. وهذه بلا شك محاولة لاستخدام جميع الأوراق الممكنة، ففي حال رفض مشاركة إيران؛ فإنها ستشارك بنفوذها من خلال العراق بالإضافة إلى روسيا. كما أن إيران طلبت إدراج موضوعي سورية والبحرين في المفاوضات في اجتماع إيران 5+1 بخصوص برنامجها النووي، لأجل المساومات السياسية ورفع سقف التفاوض.
وبالإضافة إلى كل الجهود الوحشية التي يبذلها النظام الإجرامي وحليفته إيران؛ فإن محللين يخشون من أن هناك بوادر وعلامات إلى سيناريو رهيب قد يُقدمون عليه في حال تراجعهم على المستوى الميداني، وهو القيام بعمليات تهجير قسري لإعادة رسم الخارطة للتجمعات السكانية هناك، وهذا ما قد يُفسر تكرّر عمليات القتل الجماعي في بعض المدن السورية للأطفال والنساء! وربما استفادوا من تجربة الصهاينة في تأسيس دولة إسرائيل عندما قاموا بنفس الطريقة، ولكن ربما بشكل أقل وحشية من النظامينِ السوري والإيراني! وهذا السيناريو سيكون كارثة في حال وقوعه لا سمح الله، ويجب على المقاومة بشقيها السياسي والعسكري هناك أن تكون واعية لهذه الفكرة الوحشية.
أما بالنسبة للوضع الدولي؛ فللأسف لا يبدو أن القوى الكبرى مستعدة لخوض معركة عسكرية، خاصة أن الرئيس الأميركي مقبل على انتخابات، ومن غير المتوقع أن يُقدم على مخاطرة قد تفرض عليه أثقالا جديدة ربما تُفقده كرسيه! بالرغم من أن عددا من قيادات الحزب الجمهوري أعلنوا دعمهم لخيار الضربة العسكرية.
وبنظري أن خيار التدخل الدولي لا يُتوقع حصوله إلا بشرطين؛ أولهما، تفاقم الوضع في الداخل إلى الحد الذي تخشى فيه القوى الدولية وإسرائيل خصوصا من انعكاسه عليها سلبيا! وقد بدت بوادر لهذا الأمر عندما أعلن عدد من القيادات الإسرائيلية مؤخرا إدانتها الواضحة لمجازر النظام السوري، ودعوتها للتدخل الدولي هناك. ومن بين تلك القيادات؛ الرئيس الإسرائيلي ورئيس الوزراء ونائبه ونائب وزير الخارجية. وهذا بلا شك لدي يشير لبداية تخوف إسرائيل من تفاقم الوضع وربما تحوله إلى ميدان للجماعات المسلحة من خلال استغلال الفوضى، التي قد تسبب تهديدا مستقبليا لإسرائيل.
بنظري أنه من خلال المعطيات على الأرض؛ لا يوجد حل سوى دعم المعارضة بالسلاح والمال، ومنحها حرية الحركة والدعم السياسي والعسكري من خلال تحالف عربي غربي قوي. يكون أساسه على مؤسسات الثورة وكياناتها السياسية الموحدة، التي يجب بدورها في ظل الوضع السياسي الحالي؛ أن تقوم ببناء ثقة وتفاهم عالٍ مع الأطراف الدولية والإقليمية لأجل توفير الغطاء السياسي والعسكري لهم. وهذه المهمة صعبة بلا شك، خاصة مع تمازج العديد من التيارات المتضادة داخل تلك المؤسسات؛ إلا أن هذا الخيار لم يعد فيه مجال للتردد، ويجب تقديم مصلحة البلد الوطنية على كل المصالح والأيديولوجيات الفردية.
وفي حال تكوين هذا التحالف؛ ستجد أغلب القوى الإقليمية والدولية المؤيدة للشعب السوري أن الطريق مهيأ لدعم المقاومة، بل ربما يجدون أنفسهم أمام هذا الخيار وحده. وإذا نظرنا إلى الحماس التركي على سبيل المثال في بداية الثورة، وقارنّاه بهذه الأيام؛ فإننا سنلاحظ كيفية الهبوط التدريجي في اللهجة التركية، بعد أن تحركت جبهة الأكراد بقوة وكأنها رسائل سياسية لإردوغان، ويبدو أنه استوعب الدرس وراجع نفسه! هذا التردد والتخوّف لن يقع في حال وجود دعم وتحالف دولي وإقليمي، كما أن العكس صحيح؛ فلا تستطيع القوى الإقليمية وحدها أن تقوم بالمهمة، خصوصا مع رمي روسيا بثقلها في القضية، بالشكل الأكثر حماساً من تحرّك القوى الدولية الأخرى الداعمة للشعب السوري.
من أكثر الأمور التي يخشاها المراقبون؛ أن يقوم أحد الأطياف أو إحدى الحركات داخل المحيط الإقليمي لسورية بدءا من مصر وانتهاء بلبنان بإجراء أو تصرف له أبعاد كبيرة، مما قد يتسبب في تضاؤل الدعم الدولي أو حتى ربما تجميده! وهذا ممكن خاصة مع ضعف الوعي السياسي (وربما إلى درجة فقدانه) لدى بعض التيارات الفاعلة في المنطقة.
قبل هذا وذاك؛ يجب ألا ننسى أن الشعب يمكنه وحده أن يحقق انتصاره بالإصرار والتضحية، فلم يكن أحد يتوقع أن تستمر الثورة كل هذه المدة، مع الآلة الإجرامية الضخمة التي وفّرها النظام وحلفاؤه لأجل قمع الشعب وقتله! فلكم الله يا أهل سورية، فاصبروا واحتسبوا إلى أن يأتي الله بأمرٍ من عنده.

فائض السلطة وفائض الثورة

عبدالمنعم مصطفى
استدعي من الذاكرة صوراً وحكايات تزدحم بها الطفولة، فيما أتابع المشهد السياسي المصري المرتبك، بين ثورة لا تقبل بغير استحقاقاتها، وبين قوى سياسية لا ترضى عن السلطان بديلا.
من صور الماضي أستعيد مشهد عجوز يغادر المستشفى الحكومي المجاور، يحمله ذووه من تحت إبطيه، وقد أنهكه المرض، وعندما يصل قرب منزلنا يستند إلى الباب والجدار، ويفتح قارورة دواء موحد ، كانت تصرفه مستشفيات الدولة، لعلاج كل الحالات مهما اختلفت، ثم يعب الدواء في جوفه عباً، وكأنه يعتقد أن شرب الدواء كله دفعة واحدة، يذهب بالمرض كله مرة واحدة.
ومن حكايات الطفولة أيضا، استدعي وأنا بإزاء المشهد المصري، حكاية السلطان ميداس الذي أغاث ملهوفاً ذات يوم ، فظهر له ملك مجنح يسأله أن يطلب طلبا واحدا ليحقق له ما يتمنى، فيطلب ميداس، أن يصبح كل ما تمتد اليه يده «ذهباً»، ويكون له ما شاء، إلى أن يكتشف انه إن مس الطعام صار ذهباً، وان مس الشراب صار ذهباً، وحين احتضن طفلته الوحيدة ليقبلها استحالت تمثالا من ذهب!!.. وبالطبع استصرخ ميداس الملك ان يرفع عنه غضبة الذهب، لأن الأمر كما يقول المثل العربي الشائع «إن زاد عن حده ..انقلب إلى ضده»
لقد اشتعل ميدان التحرير بالثورة في 25 يناير، بسبب ما أراه «فائض السلطة»، حين بات حجم ما بيد النظام السابق من سلطة، أكبر من قدرته على ممارستها بشرف، واستدعي من الذاكرة ما قاله رئيس الوزراء الإسباني الأسبق خوسيه ماريا اثنار، عقب انتخابه لفترة ثانية من أربع سنوات، حين سأله صحافيون عما إذا كان يعتزم الترشح لدورة ثالثة، فأجاب: « بعد ثماني سنوات في الحكم يكون لديك الكثير من السلطة، والقليل من الحماس .. وهذا خطر».
كان حجم ما أصبح تحت يد النظام السابق في مصر من سلطة ، بعد أكثر من ثلاثين عاماً في الحكم ، قد تجاوز حدود قدرة النظام نفسه على إدارتها، ولجم شطحاتها، وفي المقابل فقد كان مقدار مشاعر الغضب والاستياء في الشارع المصري، أفدح من أن تقمعه سلطة، أو يردعه خوف، فقد اخترق النظام سقف كل سلطة ، و حطم غضب الناس جدار أي خوف.. عند تلك النقطة اندلعت الثورة وسقط النظام.
الثورات مثل قارورة الدواء مفتوحة الفوهة، يصعب السيطرة على مقاديرها، وتعاطيها على نحو مقنن، ولهذا فكما أن فائض السلطة يقود إلى سقوط السلطان، فإن فائض الثورة قد يقود إلى إغراق السفينة والربان.
في اللحظة الراهنة، تبدو مصر أسيرة لحظة يسيطر فيها سلطان الشهوات، بأكثر مما يمكن أن يضبطه العقل ، أو تكبحه الفضيلة ، ففي خضم صراع سياسي تسعى أطراف فاعلة فيه الى بسط رؤيتها وفرض تصوراتها، بدا ان شهوة جماعة الإخوان المسلمين للسلطة بعد أكثر من ثمانين عاماً أمضتها في العمل السري تحت الأرض، أكبر من قدرتها على ممارسة السياسة، وأن خوف العسكر من المستقبل، أكبر من استعدادهم للقبول بتسويات للوضع الراهن، وأن عجز سائر القوى السياسية الأخرى عن بسط رؤيتها او حتى الدفاع عنها، قادها إما الى المقاطعة السلبية، بالانزواء عن مشهد انتخابات رئاسية خرجت منه مبكراً، او بالتحالف إما مع «الدولة الموازية» ممثلة بجماعة الإخوان، أو مع «الدولة العميقة» ممثلة بما تبقى من قوى النظام القديم ومن تحالف معهم من قوى، تخشى جماعات الإسلام السياسي باعتبارها صاحبة مشروع لتغيير هوية أقدم دولة وثقافة أعرق شعب.
ما يهدد مصر في اللحظة الراهنة ليس فائض السلطة، فمن بيدهم السلطة الآن يواجهون عنتاً كبيرا في نيل رضا نصف الشعب عن نصف ما يقدمونه له، وإنما يهدد مصر في اللحظة الراهنة «فائض الثورة» فالذين عاشوا أكثر أيام الثورة مجداً في ميدان التحرير، مازالوا أسرى المشهد الرومانسي بتداعياته العاطفية، غير قادرين لا على قياس مقدار قوتهم، عبر وسائل القياس السياسي في صناديق الاقتراع الشفافة، ولا على لجم حركتهم وقد انطلقت من عقالها الى المجهول دون ان تقودها رؤية بصيرة، أو تنظيم محكم البناء.
مصر لا تستطيع تجرع قارورة الدواء دفعة واحدة للتعافى في لحظة واحدة، والثوار اكتشفوا بعدما فوتوا أغلب الفرص، أن الثورة لا تحيل كل ما تمسه إلى ذهب، بل ان منهم من بات أكثر اقتناعا في لحظة تاريخية فارقة بأن «غضبة الذهب» يمكن أن تقوض أحلام الثورة وأماني الثوار.

أسئلة الوحدة الخليجية

عبدالله الملحم
نخطئ في أجوبتنا حين تكون تساؤلاتنا خاطئة، ونخطئ أكثر حين تكون استفهاماتنا ترديدا لما يقوله من وقفوا منا موقف العدو من عدوه، كما هي إيران الدولة الأكثر انزعاجا في المنطقة للوحدة الخليجية المرجوة، والسؤال الذي يتردد على ألسن البعض عن هذه الوحدة لا ينبغي أن يكون لماذا يُدعى للوحدة الخليجية الآن، بل لماذا لم تتحقق الوحدة الخليجية حتى الآن، لماذا تأخرت كل تلك السنين، وكل أسباب الدعوة إليها متوافرة، حيث: الدين، واللغة، والثقافة، والعرق، والجوار، والمصير المشترك، وغيرها من العوامل التي تدعو للمزيد من التقارب وليس التباعد بأي حال من الأحوال، لاسيما في دول ذات جذور واحدة كدول مجلس التعاون الخليجي، ذات النسيج الاجتماعي المتواشج والمتداخل بعضه في بعض، كما لوحة فسيفساء لا تكتمل روعتها ولا رونقها إلا متسقة متجاورة، فيما تجزيئها يفقدها جمالها ويجعلها ذات قيمة وفاعلية أقل .
    أولى خطوات الوحدة وإن كانت وئيدة متباعدة بدأت بمجلس التعاون الخليجي، وفي الطريق نحو تعميقها كان جسر الملك فهد، الذي جعل البحرين أكثر قربا من شقيقاتها الخمس، ثم التقارب أكثر عبر التنقل بالبطاقة الشخصية، وقريبا العملة الخليجية الموحدة، ومن ثم الوحدة التي طال انتظارنا لها، احتلال الكويت في التسعينات ذكرنا بأهمية الوحدة، وتغول إيران في المنطقة وأطماعها في الإمارات المترجمة عمليا إلى احتلال جزرها الثلاث، وادعاءاتها المريضة في البحرين، كل ذلك وغيره يجعل الوحدة خيارنا الذي لا خيار لنا غيره !
    كل دول العالم لها مصالح في الخليج العربي ومع دوله الست ومع ذلك لم تعترض أي دولة لأن قرار الوحدة قرار سيادي بالدرجة الأولى، ويخص الدول المعنية لا غير، ولأن الوحدة تخدم مصالح الجميع ولن تضر بمصالح أحد إلا دولة متغولة كإيران لها أطماع وأهداف من شأن هذه الوحدة أن تفشلها وتوقفها، الوحدة لن تجعل أيا من دول اتحاد مجلس التعاون لقمة سائغة لمطامع إيران التوسعية، بل قوة تعيد التوازن والأمان إلى منطقة الشرق الأوسط، ولو كان هذا الاتحاد موجودا وفاعلا لما أقدم صدام حسين على مجازفته المجنونة باحتلال الكويت !
    ولإدراك أهمية هذه الوحدة علينا أن نتصور واقع دولة الإمارات العربية المتحدة لو كانت متفرقة في سبع دول صغيرة كيف ستكون، الاتحاد قوة وأمن واستقرار لدوله، وبالنسبة لشعوبه مزيد من الرفاهية والرخاء، وهذا ما نحتاجه بكل تأكيد .

الطائفية في خطر..الفسيفساء بخير

بكر صدقي
يعود أحد أسرار قوة النظام الأسدي المترنح إلى نظرة إلى سورية ترى فيها كياناً هشاً لا يحتمل أي خضة أو دعك. انتبه، كُتِبَ على الصندوق الكرتوني المغلق، مواد قابلة للكسر! انتبه، هذه سورية! على الأمور أن تبقى على حالها دائماً وإلا انعطب الكيان وانفرط!
يتغنى الجميع بالتعددية التي تشكل معنى الكيان السوري. «فسيفساء شرقية» بديعة يجب الحفاظ عليها لأنها مصدر الغنى والجمال. الواقع أن الفسيفساء جميلة حقاً تثير في نفس المشاهد ما يشبه النشوة. تصنع من مواد قابلة للكسر، فلا يمكن التلاعب بنسقها المستقر إلى الأبد على جدران القصور والمعابد وقببها الشاهقة. والحال أن الكيان السوري الحديث النشأة قد دُعِك طوال تاريخه بما يكفي للتأكد من أنه ليس بالهشاشة التي يوصف بها. إذا كان النصف الأول من هذا التاريخ قد انقضى في مسلسل الانقلابات العسكرية والصراع الدولي على سورية، فلم يخلُ نصفه الثاني من خضات دورية ودعكٍ متواصل تحت غطاء زائف من «الاستقرار» الشهير الذي وهبه للسوريين صاحب آخر انقلاب عسكري في تاريخ سورية. لم يشعر حافظ أسد بلحظة أمان واحدة طوال فترة حكمه المديد، لأنه أكثر من عانى من فقدان الشرعية.
كان الرجل واعياً بأنه يفتقد الشرعية الحزبية الثورية في نظام 8 آذار الذي تأسس على الموقع القيادي لحزب البعث. وكان واعياً لافتقاره إلى شرعية اجتماعية تقليدية قامت على النسق الطبقي القديم، فهو ابن عائلة ريفية متواضعة عاشت على الهامش. بيد أن المصدر الأهم لوعيه الشقي إنما يعود إلى انتمائه إلى الطائفة العلوية (نحو 12 في المئة من السكان).
لم يؤمن حافظ يوماً بأنه يستحق الموقع الأول في السلطة في بلد أكثريته من المسلمين السنّة. كان يرى أنه قد استولى بالقوة المسلحة والتآمر على ما ليس من حقه. وهذا ما دفعه إلى تحصين غنيمته من كل تآمر، فأسس مملكة قائمة على الرعب المحض. ثم أخذ يكتشف تدريجاً المزايا الجيو-سياسية التي تتمتع بها سورية، فمضى في استثمارها إلى الحد الأقصى لإدامة سيطرته الفاقدة الشرعية. إسرائيل... لبنان... تركيا... العراق... الاتحاد السوفياتي... الولايات المتحدة... إيران... السعودية... جنة من الفرص يمكن التلاعب بها ببراغماتية تليق بثعلب ماكر. لكن كل ذلك معرض للخطر ما لم يحظ بالشرعية المفتقدة في الداخل. فقام مبكراً بأداء فريضة الحج (وتبعه في ذلك كل من أخيه رفعت وابنه باسل) واستصدر فتوى أقرت بإسلام العلويين. هل منحه ذلك الشعورَ بالأمان؟ لا. لذلك كان عليه أن يعتمد على الكذب والتمويه. ألغى أي خصوصية دينية للعلويين، لكنه اعتمد في حكمه بالقبضة الحديدية على ضباط علويين بصورة رئيسة، ودفع بآلاف الشبان من القرى العلوية الفقيرة إلى الانتساب إلى أجهزة الأمن. وشجع في المقابل على بناء المزيد من الجوامع الباذخة بتمويل خليجي. فتحول الأمر إلى نوع من التكاذب الشامل والتقية الماسونية: وحدة وطنية «علمانية» بلا تنوع ديني. لكن دين البلد الرسمي هو الإسلام السنّي. وكرس ذلك في دستوره شرطاً لرئاسة الدولة، في حين أنه اعتمد في السر على العصبية الطائفية الضيقة لإدامة عرشه.
في 1980 أحس الأسد بأن الأرض تميد من تحته، فالكابوس الذي طالما قضّ مضجعه قد تحقق. قام التمرد عليه باسم الإسلام السنّي في حلب وإدلب وحماة وبعض المدن الأخرى بما في ذلك اللاذقية. هرب من انتمائه الأقلوي بالإفراط في العروبة والاستيلاء على القضية الفلسطينية. ومتَّنَ تحالفاته الاستراتيجية مع إيران الثورية والاتحاد السوفياتي في طور انحداره، وقضى على دور الجيش في الحياة السياسية بعدما أفاق من غيبوبته في 1984، فأرسل كبار ضباطه إلى المنفى. وحين سمح لبعضهم بالعودة مقصوصي الأجنحة، بدأ يعد العدة لتوريث ابنه البكر باسل بعدما أبعد أخاه الطموح رفعت وأولاده نهائياً خارج جنة السلطة.
من تلك اللحظة وصاعداً ستدخل سورية عصرها الكابوسي حيث أجهزة الأمن المنتفخة بمثابة حكومة الظل الحقيقية التي تتدخل في كل جزئيات حياة المجتمع وأفراده، ليتفرغ حافظ للسياسة المحضة، وهي في الحالة السورية السياسة الخارجية فقط، وهي قائمة على اللعب في الدول المجاورة مع الكبار بوسائل أمنية أساساً كالإرهاب والابتزاز وليّ الذراع.
ينقل عن الديكتاتور العجوز في أيامه الأخيرة اعترافه بأن حدثين فقط فاجآه ولم يكن متحسباً لهما: موجة الثورات الديموقراطية في أوروبا الشرقية ومصرع نجله باسل الذي كان يعد العدة لتوريثه البلاد. إنها سخرية الأقدار: ابنه الثاني بشار الذي طُبِخَ على عجل وريثاً لأبيه، فشل فشلاً ذريعاً في مواجهة الموجة الديموقراطية الثانية التي اجتاحت هذه المرة بلاد العرب. لكنه نجح في شد العصبية الطائفية التي قام عليها النظام الأمني لأبيه، فأصبح كل انشقاق عن هذه العصبية يحاصر بقسوة من جانب أهل المنشق نفسه أكثر من السلطة الغاشمة.
بصرف النظر عن الطريقة التي يمكن أن تحل بها المشكلة العلوية في سورية ما بعد الأسد، يبدو أن ما سمّيت بالمشكلة الطائفية ستندثر مع هذا الحل. فإذا كانت مجازر طائفية بشعة كتلك التي وقعت في بابا عمرو وكرم الزيتون والحولة والقبير فشلت في استدراج الردود المضادة، فهذا يعني أن الفسيفساء السورية بخير. المهمة العاجلة هي في إيجاد الوسائل المناسبة لإدماج العلويين مجدداً في الجسم الوطني. لا يتمثل الحل في إعادة العلويين إلى الهامش بعدما دفع عهد بشار – مخلوف بهم إلى واجهة المشهد الاجتماعي والثقافي بعد طول كبت وتغييب في عهد أبيه، بل في ترميم ما تحطم من قطع الفسيفساء.

تجميد فلسطين لا المستوطنات

وليد شقير
بعد مضي سنة ونصف السنة على انطلاق أحداث الربيع العربي، يحصل ما كان متوقعاً من إهمال للوضع الفلسطيني على الصعيدين العربي والدولي. ويؤدي انشغال كل من الدول المؤثرة، إما بأوضاعها الداخلية، وإما بالتفاعلات الإقليمية للثورات العربية على الأوضاع الداخلية لدول أخرى، الى استفراد إسرائيل بالفلسطينيين، فتمعن في سياسة الاستيطان والحرب الجوية والاستخباراتية ضد قطاع غزة وتواصل اغتيال الناشطين، وعملية إلغاء الشريك في عملية السلام المزعومة، من دون ضجة تذكر.
وإذا كانت هذه السياسة الإسرائيلية تدل على أن العقل الإسرائيلي ليس قادراً على استخلاص النتائج من الثورات العربية باعتبارها أحد مظاهر التمرد على حكّام أمعنوا في الخنوع والخضوع لسياسة إذلال الدولة العبرية لسائر العرب في كرامتهم القومية، فيدفعها ذلك الى استباق تنامي عداء الأنظمة العربية الجديدة لها، بالإقبال على «الحل السلمي» للقضية الفلسطينية، فإن الدول العربية الفاعلة هي الأخرى تبدو عاجزة عن استخلاص العبر.
وبدلاً من أن تغادر هذه الدول سياسة المهادنة والمراعاة للسياسة الأميركية المنحازة لإسرائيل التي كانت سبباً رئيساً، كامناً تارة وظاهراً تارة أخرى، للثورات العربية، من بين أسباب أخرى تتعلق بالانتفاض على القمع والديكتاتوريات والقهر... يبدو حكّام هذه الدول مستغرقين في الاستسلام أمام السياستين الأميركية والإسرائيلية القائمتين على الإفادة من الانشغالات العربية بمخاض التحولات العربية، عمّا تواصل إسرائيل ارتكابه من تهويد للقدس وتوسيع للمستوطنات واستمرار العمليات العسكرية وربما الذهاب الى حرب جديدة ضد غزة، تحت غبار الحديث عن حرب ضد إيران، من الواضح أن واشنطن لا تريدها.
بل إن بعض هذه الدول العربية ذهب الى حد ممارسة الضغط على الرئيس الفلسطيني محمود عباس والسلطة الفلسطينية بالنيابة عن إدارة الرئيس باراك أوباما من أجل الامتناع عن طرح مشروع قرار للاعتراف بدولة فلسطين كعضو مراقب في الأمم المتحدة، على الجمعية العمومية الصيف الماضي.
وإذا صح الاعتقاد القائل إن نشوء أنظمة عربية ديموقراطية محل الأنظمة الديكتاتورية والاستبدادية سيساهم في تعديل موازين القوى لمصلحة قضية الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية، (وهو قول ستثبت الأيام صحته)، فإن إهمال الأنظمة التي شهدت تغييرات في بنيتها، وتلك التي تواجه تململاً شعبياً، سيكون حتماً سبباً لضغوط شعبية متزايدة على هذه الأنظمة في المرحلة المقبلة.
وعليه بات على حكام الأنظمة الجديدة، وعلى الأنظمة التي تمكنت حتى الآن من البقاء، أن تقتنع بأن حجر الرحى في قيام نظام إقليمي جديد بنتيجة التحولات العربية هو إجراء تعديل جوهري في أساليب تعاطيها مع التساهل الدولي إزاء السياسة الإسرائيلية، إذا كانت تنوي التهيؤ لعضوية هذا النظام الإقليمي الجديد.
هل يعقل أن تقف الدول العربية، بأنظمتها الجديدة أو القديمة، على الحياد أمام مطالب إدارة أوباما التي استسهلت التراجع عن كل وعودها السابقة في شكل مهين، الى درجة إصرارها على السلطة الفلسطينية أن تعلّق أي طموح لوقف الاستيطان الإسرائيلي كشرط لاستئناف مفاوضات السلام مع حكومة بنيامين نتانياهو، وأن تجمّد أي تحريك للحقوق الفلسطينية حتى انتهاء الانتخابات الرئاسية الأميركية، وأن تمتنع عن محاولة تحريك طلب الاعتراف بعضوية الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة، كمراقب، وأن تكف عن حض الجامعة العربية على التحرك في هذا الاتجاه؟
وهل يعقل أن تقبل المنظومة العربية الجديدة بتحذيرات إدارة أوباما للسلطة الفلسطينية بأن عليها الامتناع عن مواصلة خطوات المصالحة الفلسطينية وتشكيل حكومة وحدة وطنية مع «حماس»، وأن تؤجل إجراء انتخابات تشريعية جديدة لأن النتيجة ستكون مزعجة لإسرائيل لأنها ستقود حكماً الى حكومة وحدة تدفع نحو تجديد المفاوضات؟
كل ذلك من دون أن يبذل أوباما أي جهد لدى الجانب الإسرائيلي لتعليق الاستيطان أو تجميده، في المقابل، أو وقف الاغتيالات والهجمات على غزة.
في اختصار، تطلب إدارة أوباما من الجانب الفلسطيني أن ينسى أنه فلسطيني. وبعد الانتخابات الرئاسية الأميركية سيطلب من الفلسطينيين أن ينسوا القضية الى حين انتهاء انتخابات الكونغرس الأميركي...

استغلال القضية الفلسطينيّة والخروج من الفشل

يوسف فخر الدين
عادت أزمة الوضع الفلسطيني غير العادل في لبنان إلى الظهور من خلال التصادم ما بين الجيش اللبناني واللاجئين الفلسطينيين في مخيم نهر البارد. يكاد يكون التأزّم المستمر هو سيّد المعادلة اللبنانية في الإجمال، حتى يصحّ القول إنها بلاد التأقلم مع المشكلات حيث لا تنفع الحلول. وضمن هذا الفضاء كل وجود مأزوم، والوجود الفلسطيني هناك لا يخرج عن هذا القانون، بل يمثّل حالة بروز تؤكّده. وفي هذا الوضع يساكن الناس التصدّعات التي تكرّست وتمأسست في ما بينهم، ليعودوا الى الصراع حولها حين طارئ. والثورة السورية بتعقيداتها أكثر من طارئ بكثير، وهي بهذا نار تنضج على لهيبها الاحتقانات في الحاضنة اللبنانية، ليصبح كلّ إشكال احتمال حرب أهلية. وإذا كانت كل طائفة لبنانية تضمر الشعور الدائم بوقوع ضيم ما عليها، الأمر الذي يضمن تماسكها ويبقيها في حالة حذر دائم في مواجهة الآخر الشريك في الوطن، فإن اللاجئ الفلسطيني في لبنان يعيش الضيم واقعاً يومياً نتيجة العنصرية الموجهة إليه وحرمانه من حقوقه المدنية. وهو الذي طالما تم التعامل معه على أنه ممثل الخارج الأدنى، المقيم في الداخل الملوث بالتعالي حتى الخطيئة.
يطيب لفلسطينيين التماهي مع حالتهم محولين إياها إلى بديهية تبرّر تموضعهم في أي موقع، وتجعلهم يدّعون أن خطاياهم مغفورة كونها نتيجة ظلم الآخرين لهم. يمكننا الحديث ما شئنا عن الظروف التي نعيشها، ظلمها وقسريتها، ولكن يجوز أننا نسينا أن نقف مع أنفسنا بعض الوقت للتفكير في خطايانا بحق أنفسنا. لندع للحالة الفلسطينية وقتها الكافي لتندب، وتغضب، ولننظر من عين التجربة المعاصرة الى حركة التحرر الوطني الفلسطيني في ما ظهر في رد فعلنا على أحداث مخيم نهر البارد من سلوك مضرّ بقضيتنا، قضية وجودنا كشعب في ظروف قاهرة.
عرفت الحركة الوطنية الفلسطينية في مرحلة صعودها نضج مستواها القيادي الناتج من تطور التجربة، وتنامي دور المثقف في أوساطها، واحتكاكها مع حركات التحرر العالمية والمثقفين اليساريين المتضامنين معها. عندها تراجعت الجبهة الشعبية، المولودة من رحم حركة القوميين العرب، عن مقولات الثأر، ليحل محلها خطاب إنساني وصل في ذروته إلى تبني خيار الدولة الواحدة الديموقراطية العلمانية. وهي النتيجة التي تلاقت عليها قيادة القوى السياسية الفلسطينية الأساسية، وعلى رأسها حركة فتح. وبغضّ النظر عن النقاش في مدى واقعية هذا الخيار، فقد عكس تجاوزاً لردود الفعل الشعبوية، ونضجاً في فهم الصراعات السياسية، وانحيازاً للحلول الإنسانية. إلا أن كل ذلك تهاوى تدريجاً مع سقوط الحركة الوطنية في فخّ مزدوج: التسوية المستحيلة التي فككت الحركة السياسية وشعبها؛ والتطرف العنصري الذي رافق صعود جيل من القيادة نشأ بمعظمه خارج بوتقة تجربة الحركة السياسية، وكان في تكوينه ومبرر وجوده ردّ فعل على فشلها، ما جعله يحمّل ثقافتها المسؤولية عن الفشل، ويبحث في التعصب والانغلاق والعنصرية عن مكامن قوة يسترد من خلالها ما اعتبره ضياع الكرامة الوطنية. ونلاحظ في وعي الجيل السياسي الجديد هذا ملامح من الفاشية، خصوصاً ما يتعلق برد فعلها على الصراع الخارجي، وهو لم يعدم احتقاراً واضحاً للديموقراطية ومؤسسات الطبقة العاملة والأفكار اليسارية (المساواتية في شكل عام) في الداخل الوطني أسوة بها.
ساهم في تعميم ثقافة الانفعال، بما تحمل من عنصرية مضادة، تردد القيادة الفلسطينية عن مواجهة المكونات الثقافية المتخلفة في الحركة الوطنية، بل ومحاباتها أحياناً؛ فالتركيز على الصراع التناحري مع الاحتلال، والمبالغة في الثقة بقدرتها على ضبط المكونات السياسية والاجتماعية تحت سيطرتها، لعبا دوراً مركزياً في تقاعسها هذا، أضف إلى ذلك الظرف الاستثنائي الذي لم تستطع تغييره. لا ننسى أننا نتحدث عن قيادة سياسية مارست سلطتها رمزياً، ومن دون جغرافيا، على شعب ممزق إلى مجتمعات متباعدة في ظروف مختلفة، ودوماً كانت محاولتها لممارسة تأثير مباشر في أي من قطاعات شعبها يعني تصادمها مع السلطة الفعلية التي يرزح تحت سطوتها.
في صعود وهبوط، بقي الخطاب العنصري فاعلاً أساسياً في الحياة السياسية للفلسطينيين؛ كونه تناسب أكثر من سواه مع حالة القهر والشعور بالغضب الناجم عنه لدى عامتهم، وفي ظل عجز خاصتهم عن تعميم ثقافة نقيضة. وطوال الوقت حاكت قيادات طرفية انتهازية بشعبوية هذا الخطاب، ووجدت فيه فرصتها لتحصيل الشعبية، وهو ما أضرّ بالفلسطينيين كثيراً. ويمكن ملاحظة عجز المثقفين النقديين، الذين ينتظرون أن تنفضّ الأزمات التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني قبل أن يتحدثوا عن السلبيات التي رافقت حركته، ويحصل هذا في أغلب الأحيان نتيجة خوفهم من التصادم مع الرأي العام. ودوماً نجد أن الكلام المتأخر يصبح زائداً عن الحاجة، لأنه نادراً ما يقرأ من أصحاب الشأن، ولأن خواطر الأخيرين تكون قد هدأت، ما يدفع من يميل الى التفكير النقدي بين صفوفهم إلى انتقاد الانفعالات التي ظهرت، ولكن بنوع من تبكيت الضمير الذي ينعكس إحباطاً بدل أن يكون تراكم خبرة عملية فاعلة.
وإذا كان الحديث عن ضرورة بناء حركة تحرر جديدة في هوامش الحياة السياسية قد كثر في الآونة الأخيرة، إلا أن الكثير من هذا الكلام يظهر في سياق الأزمة الفلسطينية برانياً، تحديداً حين يعود القائلون به إلى القطيع عند الحاجة لإظهار ما في جعبتهم من وعي واقتراحات تخالف المعمم الشعبوي. يصح هذا الاستنتاج على قضايا كبرى مثل خطاب محمود عباس في الأمم المتحدة، الذي تخلى فيه عن 78 في المئة من أرض فلسطين في إصرار على مشروع اعترف هو نفسه بفشله، حين وصف بعض من دعاة حركة التحرر الجديدة الخطاب بالتاريخي بدلاً من انتقاده. ويصحّ أيضاً حينما يتلهى هؤلاء عن تصويب الخطاب الشعبي المحق في مطالبه، والمصاغ بكثير من الانفعالية والعنصرية، محاباة «للشعب». وهنا، كما في كل التفاصيل، يظهر كيف أن العجز عن بناء وعي وطني إنساني ديموقراطي، هو دلالة على أن مطلب بناء حركة تحرر وطني فلسطيني الذي يضج فيه الواقع لم ينعقد شرطه الذاتي بعد. وهو دليل على أن القضايا مهما كانت عظيمة ستبقى خاسرة طالما لم يعِ أصحابها ضرورة التماثل معها. وإلا ما معنى أن يستعير المقتول لسان قاتله، ويتحول المظلوم في خطابه الى ظالم افتراضي فيفقد قدرة التحالف مع من يشاركونه أوجاعه، ويفضّ عنه المتضامنين معه؟
تعود أحداث مخيم نهر البارد لتؤكد كيف تقوم الدول والقوى السياسية باستغلال القضية الفلسطينية في صراعاتها، بينما لا تتوانى عن قهر الفلسطينيين. ولن يكون تحالف «حزب الله» والجنرال ميشال عون آخر المرتكبين. وتؤكد أيضاً أن الفلسطينيين في أحيان كثيرة لا يخدمون قضيتهم، تحديداً حينما يعجزون عن التماثل مع نبلها. ولعل من الصحيح أن مثل هذا التماثل لن يحلّ القضية برمّتها لمصلحة الشعب الفلسطيني، إلا أنه سيمكّنهم من مراكمة انتصارات تحسّن أوضاعهم، وتملّكهم زمام قضيتهم، وتصحّح خريطة تحالفاتهم، وتمكّن المتضامنين معهم من التوازن وتزيد من منفعتهم.

الصهيونية ليست عنصرية لكنّ الصهاينة يمكن أن يكونوا عنصريين

هنري سيغمان
عام 1975، نجحت مجموعة من الحكومات في إدراج اتهام افترائي مفاده أنّ الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية في قرار صادر عن الجمعية العمومية في الأمم المتحدّة. وسحبت الجمعية العمومية عام 1991 هذا التوصيف مع العلم أنها المرة الوحيد التي يتمّ فيها إبطال أحد قراراتها.
وعام 2012، نجحت حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، بعد أن عطّلت جهود المعارضة الأميركية الهادفة إلى منعها من فرض «وقائع على الأرض» لا يمكن العودة عنها من خلال توسيع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية من شأنها منع حلّ الدولتين ومنع ملايين الفلسطينيين من سكان الأراضي المحتلة من الحصول على الجنسية الإسرائيلية، نجحت في إعادة إحياء الاتهام القائل بأنّ الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية، الأمر الذي لم يتمّكن المعادون للسامية وأعداء إسرائيل من القيام به.
لقد كان مؤسسو الحركة الصهيونية من بين الزعماء الأكثر تنوّراً وتقدمية بين يهود العالم. فلم يكونوا عنصريين شأنهم شأن أعضاء الجمعية العمومية في الأمم المتحدّة الذين صوّتوا عام 1947 لمصلحة إنشاء دولة يهودية بجانب الدولة الفلسطينية. غير أنّ نتانياهو وحكومته برهنا أنه على رغم أنّ الصهيونية ليست شكلاً من أشكال العنصرية فإن الصهاينة يمكن أن يكونوا عنصريين.
وشارك عدد كبير من الأشخاص الذين ينتمون إلى المؤسسة اليهودية الأميركية (وأنا من بينهم) في الثمانينات من القرن الماضي في تظاهرات ضد نظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا. واعتبر اليهود (وليس الليبراليين فحسب) أنّ النضال ضد التمييز العنصري يشكّل قضية يهودية. لكن هذا كان في الثمانينات فيما كان التمييز العنصري قائماً في جنوب أفريقيا. واليوم هو قائم في إسرائيل. فلم يعد احتمالاً قائماً في المستقبل كما حذّر عدد كبير من الأشخاص بل بات واقعاً راهناً.
سعى نتانياهو وحكومته إلى إخفاء نظام الفصل العنصري من خلال الادعاء بأنّ الوضع الراهن في الضفة الغربية المحتلة موقت وبأنه قد يؤدي إلى اتفاق على حلّ الدولتين شرط أن يعود الفلسطينيون إلى طاولة المفاوضات على عملية سلام كانت بمثابة مهزلة ولم تحقّق أي هدف سوى إخفاء مشروع توسّع الاستيطان الذي أدى إلى نشوء الفصل العنصري. لكن، حين يظهر احتمال ضئيل بإمكان استئناف المفاوضات على أساس حدود ما قبل عام 1967، الأمر الذي طالما سعى نتانياهو إلى محوه من ذاكرة العالم، يزعم وحكومته بأنّ إسرائيل لا تملك شريكاً في محادثات السلام وأنه يجب بالتالي أن تنتظر المفاوضات جيلاً أو أكثر إلى أن تظهر قيادة فلسطينية أكثر عقلانية.
حين لجأ الفلسطينيون في السنة الماضية إلى الأمم المتحدّة لتأكيد حقهم في إقامة دولة لهم، أرسل وزير الخارجية في حكومة نتانياهو وثيقة سرية إلى مختلف الحكومات متهماً فيها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عبّاس بتشجيع الإرهاب وبنزع الشرعية عن إسرائيل ناهيك عن جرائم كثيرة أخرى. وخلصت الوثيقة إلى أنه «لا يمكن أبداً التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين طالما أنّ محمود عبّاس يقود السلطة الفلسطينية». وجاء هذا الكلام على لسان الرجل الذي اعتبرت أجهزة الأمن الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي أنه ساعد على وضع حدّ للإرهاب في الضفة الغربية.
حين قرّر رئيس الوزراء إسحق شامير عام 1991 إشراك حزب «موليديت» اليميني برئاسة رحبعام زئيفي في حكومته، حذّر بيني بيغين، ابن رئيس الوزراء الأسبق مناحيم بيغين من أنّ إشراك هذا الحزب في الحكومة الإسرائيلية «يؤكّد قرار الأمم المتحدّة الذي يرى أنّ الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية» لأنّ هذا الحزب يؤيد الطرد القسري للسكان العرب من الضفة الغربية.
واليوم يعارض حزب «الليكود» الحاكم الذي يعدّ بيني بيغين أحد أكثر الوزراء تأثيراً فيه، قيام دولة فلسطينية ومنح الجنسية الإسرائيلية للفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية ويدعو إلى حبسهم في مناطق معزولة خلف حواجز التفتيش والأسلاك الشائكة. وفيما يدّعي نتانياهو معارضة النقل القسري للسكان، تشكّل الأحزاب التي تؤيّد هذا النقل جزءاً من حكومته علماً أنّه يتمّ طرد الفلسطينيين في شكل منهجي من أراضي المنطقة «ج» (وفق اتفاقيات أوسلو) التي تضمّ نحو 60 في المئة من أراضي الضفة الغربية. ولفت تقرير للمفوضية الأوروبية إلى أنّ إسرائيل قرّرت هدم مئات المنازل الفلسطينية في هذه المنطقة.
وإذا كانت حكومة شامير تستحق أن ينتقدها بيغن الذي اعتبر أنها تثبت القرار الذي ينص على أنّ «الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية»، ما الذي يمكن قوله من حكومة تطبّق ما يؤيده زئيفي وحزب «موليديت»؟
حذّر كلّ من رئيسي الوزراء إيهود أولمرت وإيهود باراك ورؤساء آخرون من أنّ عدم إحراز إسرائيل منذ سنوات تقدماً باتجاه حلّ الدولتين قد يؤدي إلى خسارة الديموقراطية في إسرائيل وإلى قيام دولة فصل عنصري. غير أنّ التحذير من تهديد مستقبلي بدلاً من إطلاق صفارة الإنذار حيال واقع حالي «يبدو فيه النظام وكأنه يتصرّف» كنظام فصل عنصري يصب في مصلحة حكومة نتانياهو. ويرى نتانياهو أنّ التحدث عن المحرقة واتهام من ينتقدون نظام الفصل العنصري الإسرائيلي بأنهم معادون للسامية، يمكّنه من الاستمرار في ترهيبهم وتجريدهم من الصدقية وإسكاتهم. وساهم إخفاق الإدارة الأميركية والمنظمات اليهودية الأميركية في التحدث بصراحة عن واقع إسرائيل الحالي في طمأنة نتانياهو أن بإمكانه إخفاء نظام الفصل العنصري في شكل دائم.
لكن يبدو أنّ نتانياهو لا يودّ المجازفة. فقد أعلن نفتالي بينيت، وهو مساعد مقرّب من نتانياهو كان يرأس مكتبه في رئاسة الوزراء، (كما أنه رئيس أسبق لـ «ييشا» أو مجلس المستوطنين في يهودا والسامرة) أنه قدّم للزعماء السياسيين والقادة العسكريين في إسرائيل خطة لـ «حل» النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني علماً أنه «تمت الإشادة» بهذه الخطة.
وتضم خطة بينيت العناصر الأساسية الآتية التي قد تكون اختباراً يطلقه نتانياهو:
1- فرض السيادة الإسرائيلية بالكامل وفي شكل أحادي على المنطقة «ج» (علماً أنها تشكل كما سبق وأشرت 62 في المئة من أراضي الضفة الغربية، فيبقى للفلسطينيين أقل من 9 في المئة من أراضي فلسطين قبل التقسيم). 2- ضمان السيطرة على كامل القدس. 3- تأمين «مظلة أمنية» إسرائيلية في أنحاء الضفة الغربية بما في ذلك الأراضي التي ستضمّ المناطق المعزولة المنفصلة جغرافياً المنصوص عليها في هذه الخطة. 4- فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية و «تسليمه» إلى مصر. 5- رفض حق العودة للاجئين الفلسطينيين حتى إلى المناطق المعزولة التي قد تشكّل دولة فلسطينية مستقبلية. 6- منح الجنسية الإسرائيلية لـ50 ألف فلسطيني يقيمون حالياً في المنطقة «ج» التي سيتمّ ضمّها إلى إسرائيل على حدّ قول بينيت. وأعلن بينيت أن هذه الخطوة «الرائعة» «ستسحب البساط من تحت الحجج القائلة بوجود تمييز عنصري في إسرائيل».
والجدير ذكره أنّ تقرير المفوضية الأوروبية الذي أشرت إليه ذكر أنّ المنطقة «ج» تضمّ 150 ألف فلسطيني، ما يجعلنا نتساءل ما إذا كانت خطة بينيت تحتوي على جانب غير معلن يقضي بـ «نقل» 100 ألف فلسطيني خارج المنطقة «ج».
لم تقم قيادة المنظمات اليهودية في أميركا، التي لا تزال تخلط بين دعم نتانياهو وحكومته التي تضمّ أحزاباً عنصرية (بما في ذلك وزير الإسكان الذي شجّع علناً على إبعاد المواطنين العرب من الأحياء اليهودية) ودعم الدولة اليهودية، بانتقاد هذه المحاولة الواضحة لـ «شرعنة» الفصل العنصري في إسرائيل.
حوّلت سياسات نتانياهو إسرائيل إلى دولة عرقية مشابهة لدول مثل صربيا برئاسة ميلوسوفيتش وملاديتش اللذين يشبه كرههما للأجانب واستيلاؤهما على أراضي في البوسنة وتشويههما صورة المسلمين وإقامة روابط بالأرثوذوكسية الصربية التي قدّمت الدعم والتشجيع الديني لممارسات الزعماء الصرب، واقع إسرائيل الراهن. (ولا عجب أنّ آرييل شارون كان أول زعيم في العالم الديموقراطي يدين قصف حلف شمال الأطلسي لبلغراد حينها. فضلاً عن ذلك، حذّر من أن يشكّل هذا التحرّك سابقة لاتخاذ إجراءات دولية مماثلة ضد إسرائيل).
لا يدمّر نتانياهو ومؤيدوه في إسرائيل وفي دول الانتشار اليهودي ديموقراطية إسرائيل فحسب بل يشوّهون سمعة الصهيونية واليهودية التي يستعينون بها لتبرير الفصل العنصري الذي يتمّ ترسيخه في إسرائيل. ولا يمكن أن يقوم العدل والسلام في دولة تقوم على أسس مماثلة.

بين واشنطن وموسكو..خروج الأسد شرط أم نتيجة للحل السياسي

راغدة درغام
انطلقت المباحثات المفصلة في شأن العملية السياسية الانتقالية في سورية على ضوء اتفاق الرئيسين الأميركي باراك أوباما والروسي فلاديمير بوتين على مبدأ خروج الرئيس السوري بشار الأسد من السلطة أثناء اجتماعهما في المكسيك أثناء قمة العشرين مطلع الأسبوع. وباشرت الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية في بحث نوعية آلية المراقبة والمعونة أثناء عملية نقل السلطة في دمشق. وتضمنت المشاورات الدولية والإقليمية الجارية لرسم خريطة طريق للحل في سورية مواعيد محددة للعملية الانتقالية، بما فيها المواعيد التدريجية لها. كما دخل المفاوضون الأميركيون والروس في تفاصيل مَن يغادر ومَن يبقى في دمشق من الكوادر العسكرية والأمنية الرئيسية للنظام، حسبما أكدت مصادر رفيعة المستوى كشفت عن أرقام وأسماء في هذه المساومات. ورافق الاتفاق الأميركي–الروسي على نقل السلطة في دمشق عبر مرحلة انتقالية وعملية سياسية، استمرار الشق الآخر من مسار السكتين المتوازيتين، والمتمثل في المضي في اتخاذ التجهيزات والتحضيرات والإجراءات للحل العسكري في حال سقط الحل السياسي، إما نتيجة مناورة سياسية أو مراوغة أو مماطلة العرّاب الروسي في هذا الحل أو نتيجة رفض قيادة النظام وأركانه في دمشق تنفيذ الحل السياسي عبر تسليم السلطة. وعليه، لقد بدأ العد العكسي في العواصم الدولية والإقليمية المعنية نحو تنفيذ العنوان الرئيسي لاتفاق دولي وإقليمي على تنحي الرئيس السوري عن السلطة. انما «الشيطان في التفاصيل»، والمفاوضات الجارية معقّدةٌ للغاية، نظراً للتداخل في الملفات التي تشكل عناصر «الصفقة الكبرى»، التي طغت ملامحها جزئياً في قمة الساعتين الأميركية–الروسية في المكسيك. تلك القمة أسفرت عن مؤشرات ايجابية وعن اتفاقات مبدئية إنما أزمة الثقة بالآخر مستمرة، ولذلك تأخذ المفاوضات والمساومات طابع الاعتماد على الذات وليس على الآخر في مجال ضمان اليوم التالي ما بعد التفاهمات على آلية عمل مشتركة.
واضح ان قرار أوباما وبوتين هو انهما في حاجة بعضهما الى بعض، وان اللحظة مؤاتية لتفاهمات ثنائية ودولية. قبول الولايات المتحدة لروسيا في منظمة التجارة العالمية ليس بأمر هامشي مثلاً. ثم ان فلاديمير بوتين يريد أن يتصرف كشريك استراتيجي مع الولايات المتحدة في محاربة «القاعدة». بوتين يريد استعادة المكانة «السوفياتية» لروسيا عندما كان هناك تكافؤ بين نفوذ الدولتين العظميين أثناء الحرب الباردة. وهو يرى في قيامه بلعب دور العرّاب في منطقة الشرق الأوسط فرصة لتسجيل حاجة الدول الغربية الى روسيا، وللإطاحة بأي أحلام لدول حلف شمال الأطلسي (ناتو) بالتعالي على روسيا في معالجة الأزمات الإقليمية.
وكما يحتاج باراك أوباما فلاديمير بوتين من الآن الى حين الانتخابات الرئاسية في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، فإن بوتين بدوره يحتاج دعمَ اوباما، لأن منافسه الجمهوري ميت رومني أوضح معالم علاقته بروسيا، عندما أطلق عليها صفة «الخصم الجيوإستراتيجي الأول للولايات المتحدة». والرجلان يدركان الآن ان المسألة السورية تتصدر علاقاتهما، وان لا مجال لدفع الملف السوري الى زاوية مظلمة ولو لاحقاً، بسبب ضخامة الحدث الميداني ووطأته على الرأي العام وعلى مصير الدور الذي تلعبه قوات الأمم المتحدة للمراقبة هناك.
هناك عدة تفاصيل قيد البحث، على نسق رؤية واشنطن ان خروج بشار الأسد من السلطة يجب أن يكون جزءاً من إطلاق العملية السياسية والحل السياسي، مقابل موقف موسكو بأن العملية السياسية هي التي تحدد مصير الأسد وما يحدث بعده، أي ان واشنطن وموسكو تتفاوضان عما إذا كان خروج الأسد شرطاً لبدء الحوار السياسي أو نتيجة له، وتعملان على تفاصيل عملية سياسية تضمن خروج بشار الأسد من السلطة.
ووفق سيناريو عَرَضَه سياسي مخضرم مطلع قال إنه قيد التفاوض المكثف بين الأميركيين والروس، فإن الكلام عن توقيت عملية تسليم السلطة يصب في خانة الشهر أو الأسابيع، وليس الشهور العديدة. وبموجب هذا السيناريو، يقوم الرئيس السوري بشار الأسد بتسليم السلطة الى نائبه فاروق الشرع خلال فترة شهر ويغادر الى روسيا، التي أبدت استعدادها لاستقباله أو الى الصين أو إيران، بحسب قول هذا المصدر.
ويضيف المصدر ان الكلام يصب الآن في عدد وأسماء الذين يغادرون أو لا يغادرون مع الرئيس السوري من كوادر أمنية وعسكرية يبلغ عددها 17 شخصية يتم التفاوض عليها. وعلى ذمة هذا المصدر، هناك اتفاق عام على هذه الشخصيات باستثناء أربعة منهم تصر روسيا على بقائهم في دمشق لضمان حماية مصالحها وتسهيل استمرار نفوذها في النظام الجديد.
وهذا النظام الانتقالي الجديد، قال المصدر، يأتي على شكل النموذج المصري، والذي يرتكز الى دور مميز للمجلس العسكري، ويقوم هذا المجلس بضمان عملية سياسية انتقالية لا يقتحمها الإسلاميون ويفرضونها بنظام جديد باستيلائهم على السلطة.
وكان ملفتاً ما ذكره المصدر المطلع، بأن الولايات المتحدة تعارض بقاء أربعة من الكوادر العسكرية والأمنية تصر روسيا على بقائهم في دمشق، الا انها لا تعارض بقاء آصف شوكت في دمشق، بحسب هذا المصدر. ومعروف ان آصف شوكت هو صهر الرئيس السوري ويتولى ملفات المخابرات العسكرية وكان من ضمن الأسماء التي تم تداولها في إطار المتهمين بالتورط في اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية السابق رفيق الحريري.
ووفق البرنامج الزمني الذي تحدثت عنه المصادر نفسها، وبعد ان يتسلم نائب الرئيس السلطة موقتاً بعدما يسلمها اليه الرئيس السوري، يعيد فاروق الشرع الجيش الى الثكنات ويرافق ذلك ضمانات يقدمها كل من له علاقة بالمعارضة المسلحة في سورية أو بالميليشيات بلملمة المعارضة المسلحة وضمان انسحابها هي أيضاً من الشوارع. ولتركيا وقطر وغيرهما دور مميز في هذا الصدد.
بعد ذلك، يدخل حوالى 15 أو 20 ألف جندي لحفظ السلام يتكونون من عناصر دولية وعربية للقيام بمهام حفظ الأمن وضبطه في انتشار مكثف، تحت مهام جديدة لا تقتصر على مجرد المراقبة، كما هو دور بعثة المراقبين الدوليين في سورية «انسميس» الآن. ومعروف ان مهام «انسميس» معلقة حالياً، وان موعد التمديد لولاية «انسميس» منتصف شهر تموز (يوليو) المقبل، وان البحث قائم حالياً في الأمم المتحدة حول الخيارات الميدانية والسياسية لنشر قوة حفظ سلام مسلحة بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة معززة من ناحية العدد والعتاد. أي ان القوة الدولية الجديدة والتي ربما تنطوي على عنصر عربي كبير ومميز، هي التي ستقوم بإدارة البلاد عملياً وبتحييد الجيش سياسياً الى حين إجراء الانتخابات.
هذه الانتخابات قد تكون من أجل اختيار مجلس انتقالي، أو قد تكون انتخابات برلمانية، وموعد إجرائها، بحسب سيناريو المصدر نفسه، هو قبل نهاية السنة الجارية. والأرجح ان تكون الانتخابات من أجل مجلس انتقالي يتولى وضع الدستور الجديد، ثم تعقد انتخابات عامة بعد سنة، حوالى حزيران (يونيو) 2013.
هذا المصدر لا يراهن على موافقة الرئيس السوري وأركان نظامه على العملية السياسية الانتقالية حتى وان كانت روسيا عرّابها، وهو يعتقد ان أركان النظام سيقاتلون حتى النهاية ولن يقبلوا بنموذج «الحل اليمني» القائم على موافقة الرئيس على التنحي عن السلطة، حتى وان أدى ذلك الى «النموذج الليبي» والذي تمثل في إرغام سقوط النظام بدموية. فإذا كان هذا هو حقاً الموقف السوري، فإن مثل هذا الموقف سيجبر الحليف الروسي على الدخول في مواجهة مع القيادة السورية، ولن يقبل فلاديمير بوتين، بعد تفاهمه بعد باراك أوباما، أن يبدو ضعيفاً أو جاهلاً أو عاجزاً عن تنفيذ ما اتُّفق عليه من عملية سياسية انتقالية.
البعض يتحدث عن حتمية التقسيم في سورية في حال إصرار أركان النظام على رفض الحل السياسي القائم على نقل السلطة، لكن مقومات التقسيم وشروطه لا تبدو مقنعة سيما اذا كان القرار الأميركي–الروسي غير قائم على التقسيم.
البعض يتوقع حسماً في سورية في الأسابيع والشهور المقبلة وبالتأكيد قبل نهاية السنة، فيما البعض الآخر يتحدث عن حرب استنزاف طويلة الأمد.
البعض يخشى من امتداد حرب الاستنزاف الى لبنان وإغراقه في دموية طائفية، لكن البعض الآخر لا يرى أي مجال لحرب أهلية في لبنان ولا لحرب استنزاف ذات أثر دائم وكبير. هذا البعض يخاف على لبنان من الاهتراء أكثر مما يخشى عليه من الاستنزاف.
إقليمياً، لا أحد يثق بالآخر، إما في إطار مسيرة العملية السياسية الانتقالية أو في إطار الاتكال على الحسم العسكري بصفته الخيار الوحيد في ظل المراوغة والمناورة. لذلك، فإن السكتين المتوازيتين باقيتان معاً حتى وضوح الالتزامات والمواعيد، وكذلك الأمر في ما يتعلق باستمرار دول أوروبية بتجهيز المعارضة المسلحة وتزويدها بالمعلومات الاستخبارية، أو عبر قيام هذه الدول باعتراض السفن الروسية المحملة بالسلاح الى النظام في دمشق، فأزمة الثقة مستمرة بالاتجاهين المعاكسين، وهي تلازم السكتين المتوازيتين فيما تدخل المقايضة والمساومة مرحلة مهمة في صنع النظام السوري الجديد، والنظام الإقليمي الجديد، والنظام الدولي الجديد.

بين روسيا والولايات المتحدة

علي الخليلي
لا تُخفي روسيا أنها تزود النظام السوري بالسلاح، وبخاصة أن معظم سلاحه، إن لم يكن كله أصلاً، مصدره روسي، منذ سنوات طويلة . ولا تستطيع الولايات المتحدة في الوقت نفسه، أن تُخفي تزويدها الراهن للمعارضة السورية بالسلاح . كلتاهما على ذلك، روسيا والولايات المتحدة (بأسلحتهما في أيدي السوريين، وبدماء السوريين أجمعين) تتحاربان الآن، على الأرض السورية، لا من أجل حق الشعب السوري بالحرية والكرامة والديمقراطية، وإنما في سبيل مصالحهما المتناقضة . روسيا لها مصالحها المرتبطة بسوريا، من دون أن يعني ذلك حتمية دعمها لنظام معين فيها، بل الدعم من جهتها لأي نظام يثبت على أرضها، ولا يتعارض في ثباته مع هذه المصالح . والولايات المتحدة بالمقابل، لها مصالحها المعاكسة تماماً، إلا أنها تتفق في معنى دعمها لأي نظام قادم يتماهى معها .
هل يعني ذلك، أنه في محصلة الربيع العربي الذي يتفجر في سوريا، على مدار أكثر من سنة، لا حرية ولا كرامة ولا ديمقراطية في الثورة السورية، بل هو صراع الكبار على سوريا ذاتها، وما ينتج عنه من مذابح رهيبة بحق الشعب السوري كله، ومن دمار وخراب لثرواته وممتلكاته؟
من المرعب وصول التحليل للوضع السوري، إلى هذا المعنى، فكيف يعقل أن تنتهي ثورة شعب بأكمله، إلى هذا الاختطاف الرهيب لثورته؟ غير أن هذا التساؤل ذاته، يبدو خارجاً بتعسف قهري، عن السياق الواقعي لما يجري إلى حينه، فالثورة السورية لم تنته، وبالتالي، لا يمكن الحديث عن نهاية لها، مهما كانت الملامح المفترضة لمجرى أحداثها، طالما لم تصل إليها بعد .
وفي استباق متعجل لهذه النهاية، يؤكد كثير من المعنيين أن سوريا لا تختلف عن بقية الأقطار العربية التي عاشت تجربة الربيع العربي، وعلى وجه الخصوص، ليبيا واليمن . فالنهاية الحتمية لها، واقعة بين حلين، إما الحل اليمني، بخروج رأس النظام، وتسلم نائبه بدلاً منه، والترتيب لوضع جديد . وإما الحل الليبي، بتدخل أجنبي واكتساح النظام برأسه، وبكل أركانه .
النظام السوري من جهته، يراهن حتى الآن، على حل مغاير، هو ما يسمى بالحل الأمني، أي بالمزيد من البطش الدموي والتدميري، بالمعارضة، من دون اكتراث من جانبه، بالضحايا والدمار والخراب، وبالرأي العام العربي والعالمي، مطمئناً إلى وجود أكثر من ورقة بين يديه، منها على وجه الخصوص، علاقته الاستراتيجية مع إيران .
وفي هذا كله، هل يخاف النظام السوري من الحرب الأهلية، أو أنه على العكس، يسعى إليها بكامل قوته، ويؤجج نيرانها، حين يجد فيها الطريق إلى إنهاك المعارضة، وإلى إغراق الرأي العام العربي في أتون اليأس والإحباط، وصولاً به إلى النفور من كل ثورات الربيع؟
وفي المحصلة لهذا المسعى، ومن يقف معه علانية أو سراً، هل ثمة من يخطط، ومن ينفذ في آن، لإنهاء مسيرة هذه الثورات العربية، ما تم منها، وما تهجس الشعوب العربية بغيرها؟

أولويات رئيس مصر الجديد

احمد المرشد
عاش المصريون ونحن معهم ساعات عصيبة بدأت من فجر يوم الإثنين الماضي عقب استباق المرشح الإخواني محمد مرسي إعلان اللجنة العليا للانتخابات نتائجها الرسمية وتسمية الفائز فيها سواء هو أم منافسه المرشح الأقرب للمجلس العسكري والحكومة الفريق أحمد شفيق.. فالإخوان لم ينتظروا وحاولوا استباق الأحداث ليعلنوا النتيجة بأنفسهم كمن يأخذ حقه بيده رافضا تنفيذ حكم القانون واللجوء إليه، فهم هنا يرون أنهم الأعلون ويمارسون سياسة الاستعلاء على الآخرين.. والإخوان بتبني تلك السياسة يطبقون نفس السياسات التي يتهمون النظام المصري السابق بأنه مارسها نحوهم وأقصاهم من العمل السياسي وهمشهم لنحو أكثر من 80 عاما متواصلة.
في واقع الأمر، استغل الإخوان بعض الأخطاء من قبل المجلس العسكري الحاكم الفعلي في مصر بعد تنحي الرئيس السابق حسني مبارك، ونحن ليس بصدد حصرها، ولكن بعضها ساهم في خلق حالة من البلبلة والتوتر السياسي في مصر. ولعل أهمها إعلان المجلس عشية كشفه رئيس الجمهورية عن إعلان دستوري مكمل لحين التوصل إلى دستور دائم في مصر يعقبه انتخابات مجلس الشعب الذي حلته المحكمة الدستورية. كما يرى المصريون خطأ آخر ارتكبه " العسكري" وهو الإيعاز لقضاة المحكمة الدستورية لحل البرلمان حتى يأتي الرئيس الجديد مسلوب الإرادة والصلاحيات، وإن كانت التداعيات ترى أنه الإخواني محمد مرسي، فرأى العسكريون ومعهم قضاة الدستورية أنه من الخطورة بمكان أن يأتي رئيس دولة من الإخوان ويدعمه برلمان ذات توجه إخواني أيضا، ثم تأتي حكومة إخوانية، وهنا يتغير لون علم مصر إلى اللون الأخضر نسبة إلى الإسلام. ولهذا اشتد عود العسكري والدستورية معا لإلغاء مجلس الشعب حتى وإن أتى مرسي يأتي وحيدا.. ثم أعقب ذلك الإعلان الدستوري المكمل الذي نزع بقية الصلاحيات من الرئيس المقبل بغض النظر أكان مرسي أم شفيق.
ثم تتطور الأمور أكثر ليعلن وزير الدفاع المصري رئيس المجلس العسكري ما يسمى بهيئة لجنة للدفاع الوطني  والتي تضم رئيس الجمهورية والمشير حسين طنطاوي رئيس المجلس‏ ورئيس المخابرات العامة و‏تضم بالإضافة إليهم‏ تسعة عسكريين‏، ليشتعل الشارع السياسي في مصر أكثر على اعتبار أن إعلان المشير هو سكب المزيد من البنزين على النار. ولم يهدأ هذا الشارع رغم إعلان بعض العسكريين المصريين التزام  المجلس العسكري بتسليم السلطة للرئيس المنتخب.‏ ولم تصدقه القوى الثورية والإخوان والسلفيون عندما أكد هؤلاء العسكريون نيتهم تسليم السلطة ووفاء القوات المسلحة بالعهد وتنفيذ خريطة التحول الديمقراطي.
أما ما رأته قوى التحرير – نسبة إلى القوى السياسية والدينية والثورية المنتشرة في ميدان التحرير -   هو أن  رئيس الجمهورية سيتسلم بعضا من صلاحياته، أما بقية صلاحيات الرئيس فذهبت إلى المجلس العسكري الذي اختطف السلطة في مصر.
بيد أن المشهد المحزن في مصر أن بعض تلك القوى يستقوي بالشارع وباسم الثورة ليقف موقفا مناهضا للدولة الأم تحت زعم المطالب الثورية.. نعم من حق الذي حصل على أعلى الأصوات أن يتولى منصب رئيس الجمهورية لأنه جاء نتيجة اختيار الأغلبية التي قالت له نعم.. وإن كنت أعتقد بحكم قربي نوعا ما بالشارع المصري، أن المجلس العسكري تسرع نوعا ما بإقدامه على طرح الإعلان الدستوري المكمل، رغم أنه من حقه أن يصدر التشريعات لأنه الركن الأساسي في حماية الثورة وهو الجيش المصري.. وهو المجلس الذي حارب  الفوضى بقدر الإمكان، وحارب كل من  يتربص بالثورة المصرية.
فالمجلس العسكري ورغم أخطائه فهو يمثل مجموعة من  الضباط الشرفاء لا يريدون سوى مصلحة بلادهم، وهم غير طامعين في سلطة وكل ما يعنيهم هو حماية بلدهم.
أعتقد أن المصريين سيتجاوزون هذه المحنة الخطيرة، وعليهم الإسراع بالعودة إلى رشدهم السياسي وإنهاء حالة التشرذم، وعليهم أن يفرحوا بالاحتفال برئيسهم المنتخب، وهو أول مواطن يتبوأ هذه المكانة نتيجة انتخابات حرة ونزيهة.. ويكفي أن حكمة الله للشعب المصري أنه وأثناء احتفال الإخوان بفوز مرشحهم – قبل إعلان النتائج الرسمية  - ترددت أنباء قوية عن وفاة الرئيس السابق حسني مبارك – وهي لحظة فارقة لمن يفكر في ملكوت الله، ولعلها لحظة قد يعيد فيها المرء تفكيره مرة أخرى، وقد يتراجع البعض ويقول لنفسه:" لماذا التكالب على السلطة وهذه هي آخرة الإنسان؟".. فكثيرون يريدون حياة بعيدة عن الصخب والشهرة والمسئولية، وهؤلاء يقولون إنه من الأفضل الابتعاد عن عالم السياسة والسلطة والمحاسبة، فمن يخطئ اليوم سيحاسب غدا، وحساب الغد لعظيم.
من المؤسف القول إن الجميع تلاعب بالمصريين في اللحظات العصيبة التي مروا بها أواخر الأسبوع الماضي، ومن أول المتلاعبين وسائل الإعلام التي ساهمت بقدر كبير في بلبلة الرأي العام، وهي الوسائل التي تضاربت تحليلاتها السياسية والقانونية لكل تطورات المشهد، فكل ضيف يناصر الفئة التي ينتمي إليها، حتى القانونيون اختلفوا رغم أن النص القانوني واحد، ولكن تفسيراتهم تعددت وتنوعت ليضطرب معها المشهد زيادة غير عابئين بعقول المصريين.
اللحظة بصدق فارقة، فالإخوان اللاعب الرئيسي في المرحلة الانتقالية ورغم ثقلهم التاريخي، لن يتغيروا بين ليلة وضحاها، فهم يجيدون لعبة المواءمات وعقد الصفقات ثم التراجع عما اتفقوا عليه، والدلائل كثيرة منها أنهم أعلنوا عدم رغبتهم في الترشح لمنصب رئيس الجمهورية ثم دخلوا سباق الرئاسة، وهم الذين وقعوا  على كل الوثائق الخاصة بالدولة المدنية،  ثم أرادوا الهيمنة على الجمعية التأسيسية الأمر الذي دفع بالآخرين إلى اللجوء لمحكمة القضاء الإداري في مصر لوقف تلك المهزلة. والآن يخشى المصريون أن يتولى الإخوان بمفردهم إدارة المرحلة الانتقالية دون باقي القوى الوطنية والتيارات الأخرى، مما دفع الجيش هذه المرة إلى التدخل السريع وفرض إعلان دستوري مكمل لإحداث توازن بدفة الحكم عشية الإعلان عن الرئيس الجديد.
وقد نستشهد هنا بما قاله النائب الأول للمرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين سابقا الدكتور محمد حبيب، بأن ترشيح الجماعة عضوا منها في انتخابات الرئاسة هو خطأ استراتيجي قاتل، ويفقدها مصداقيتها لدى الرأي العام.
وإذا أضفنا لما قاله حبيب القيادي السابق في الإخوان، فربما يكون تساؤلا ويتعلق بمغزى استباق الإخوان الأحداث وإعلان فوز مرشحهم ولم تكن عمليات الفرز أو الطعون قد انتهت؟ وهناك لجنة من رجال قضاة المحكمة الدستورية تتولى هذا الأمر . فلماذا الاستعجال نحو السلطة والتهافت على اختطاف الكعكة؟.
وختاما.. لعل ما نقلته صحيفة الوفد المصرية في عددها يوم الثلاثاء الماضي عندما استضافت رجلا مسنا يقترب عمره من الثمانين، وسألته الصحيفة:" ماذا تطلب من الرئيس الجديد؟".. فكان رده بالغا وبليغا ومعبرا رغم أنه بلغ من العمر أرذله، ولكنه فكر في المستقبل، ولم يخنه سنه في الإجابة وإنما أعطاه عمره حكمة في الرد.. فماذا كان الرد؟. الرجل لم يطلب المستحيل من الرئيس الجديد، إنما اكتفى بتحقيق العدالة الاجتماعية والقضاء على الفساد وحرية التعبير.. فهل يستطيع رئيس مصر المقبل توفير كل هذه الاحتياجات والمطالب والأماني؟.

المجلس العسكري من الهجوم إلى الدفاع

احمد فودة
مع ظهور المؤشرات الأولى التي تؤكد تقدم الدكتور محمد مرسي مرشح جماعة الإخوان المسلمين في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، سارع المجلس العسكري إلى اتخاذ عدد من القرارات الهادفة إلى محاولة حصار الموقف الجديد الذي أصبح فيه رئيس مصر أحد قيادات الإخوان. وكان من أبرز هذه القرارات إصدار إعلان دستوري مكمل يسحب من خلاله العديد من صلاحيات رئيس الجمهورية لتصبح جزءا من الصلاحيات التي يتمتع بها، من قبيل عدم إعلان الحرب إلا بموافقة المجلس العسكري واستعادة السلطة التشريعية بعد إصدار المحكمة الدستورية حكما بإبطال قانون انتخابات البرلمان، وسيطرته على عملية إعداد الموازنة العامة والموافقة عليها، وهو ما يعني عدم قدرة الرئيس الجديد على العمل إلا وفقا لتوجهات المجلس العسكري.. وبالتالي سيصبح الرئيس مجرد سكرتير للمجلس.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل قام المجلس بإصدار قرار بتشكيل مجلس الدفاع الوطني الذي يضم أحد عشر عسكريا، إضافة إلى خمسة مدنيين ورئيس الجمهورية، وتكون قراراته بالأغلبية المطلقة أي خمسين بالمائة زائد واحد. وفي ظل سيطرة العسكريين عليه فإن أي قرار لن يصدر إلا بموافقتهم.
ثم قام المجلس بالتمادي أكثر، بإصدار قرار بتعيين رئيس ديوان رئيس الجمهورية حتى يضمن سيطرة كاملة على الرئيس الجديد من خلال السيطرة على عملية تدفق المعلومات من وإلى مؤسسة الرئاسة، عبر هذا الأمر.
وقد أعلنت جماعة الإخوان وحزبها الحرية والعدالة، عن رفضها المطلق لكل هذه القرارات، مؤكدة أنها تدرس كافة الخيارات لمواجهة محاولة المجلس العسكري الانقلاب على الديمقراطية والسيطرة على كافة السلطات في الدولة المصرية.
وتبدو القرارات التي اتخذها المجلس العسكري وكأنها تعبر عن حالة الخوف الشديد التي انتابته، ليس فقط من وصول أحد قيادات الإخوان إلى المنصب الأول في الدولة المصرية، ولكن قبل ذلك من هذا التحول الإستراتيجي الذي حدث في بنية هذه الدولة، حيث أصبحت جماعة الإخوان تمثل النظام السياسي الجديد في حين تحول النظام الذي يمثله المجلس العسكري الذي تشكل بعد ثورة يوليو 1952، إلى جانب المعارضة. وحتى تلك المعارضة أصبحت مرفوضة من القوى السياسية ومن الشعب المصري الذي أصبح ينظر إليها على أنها قوى الاستبداد والظلام التي أطاح بها من خلال ثورة يناير في العام الماضي.
هذا التحول الإستراتيجي يعني أن المجلس العسكري تحول من موقف الهجوم الذي كان ينطلق منه بعد ثورة يناير مباشرة، إلى موقف الدفاع الذي بدأ تدريجيا بعد نجاح جماعة الإخوان في الحصول على العدد الأكبر من مقاعد مجلسي الشعب والشورى، ثم وصل إلى الذروة مع نجاح مرشح الجماعة في الانتخابات الرئاسية.
ويبدو أن الجماعة التي أصبحت النظام، سعت إلى دفع المجلس العسكري إلى اتخاذ هذا الموقف الدفاعي من خلال رفضها الدخول في صفقه معه تضمن له حماية مصالحه، فضلا عن حصوله على قدر من السلطة الجديدة، تمكنه من البقاء في المشهد السياسي ولو بشكل غير مباشر.
ويمكن التأكيد على أن الجماعة قد تفوقت في أداء دورها الجديد، حينما توهم المجلس العسكري وجود حالة من الضعف تنتاب الإخوان دفعته إلى اتخاذ قرارات خاطئة قبل جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية، تمثلت في أحكام محاكمة مبارك ورموز نظامه، وكذلك دفع المجلس إلى الطلب من المحكمة الدستورية الحكم بحل مجلس الشعب بما يمثل مخالفة لقانون المحكمة نفسها التي لا يعطيها هذا الحق، فضلا عن قرار إعطاء حق الضبطية القضائية لضباط وجنود القوات المسلحة والمخابرات العامة، وهو ما مثل عودة مقنعة لقانون الطوارئ مرة أخرى بعد أيام من إلغائه.
هذه القرارات دفعت بالكثيرين ممن اتخذوا قرار مقاطعة جولة الإعادة، إلى النزول للانتخابات وانتخاب مرشح الجماعة، وهو الأمر الذي أدى في النهاية إلى نجاحه في مواجهة مرشح المجلس الذي وقفت إلى جواره كافة أجهزة الدولة، خاصة الأمنية منها.
وقد ترتب على كل هذه التطورات أن أصبحت جماعة الإخوان هي النظام الشرعي الذي يصطف خلفه الشعب المصري بكافة قواه السياسية والاجتماعية، في مواجهة المجلس العسكري الذي ظهر بمظهر من يريد الانقلاب على إرادة الشعب. وهو ما يعني أن لحظة انكسار المجلس أمام الإخوان قد اقتربت بشدة.. وهي اللحظة التي ستعني الميلاد الرسمي لنظام ثورة يناير بقيادة الإخوان وانتهاء نظام ثورة يوليو.

مساومة وضغوط أميركية

عماد الدين أديب
العلاقات بين القاهرة وواشنطن الآن تحت ضغط شديد، واختبار حاد، إما أن تستمر على نفس النهج السابق منذ عام 1975، وإما أن تصل إلى نقطة صدام شديد.
موضوع الأزمة هو الصراع بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة وجماعة الإخوان المسلمين، وملف انتقال السلطة من المجلس إلى سلطة مدنية منتخبة بشكل ديمقراطي.
وبناء على ما صرحت به السيدة نولان المتحدثة باسم الخارجية الأميركية فإن واشنطن تشعر بقلق شديد من احتمالات تأخير المجلس الأعلى لإجراءات تسليم السلطة في مصر، وتعتبر أن الإعلان الدستوري المكمل الذي يعطي المجلس سلطات البرلمان المنحل هو مؤشر سلبي لعملية الانتقال لسلطة مدنية.
هذا ما يبدو على السطح وعلى مستوى التصريحات العلنية.
ولكن ما يتسرب من أجهزة صناعة القرار في مصر هو أن واشنطن راهنت بقوة على فوز جماعة الإخوان المسلمين كخطوة أولى نحو سياسة أميركية جديدة لقبول التعامل مع الإسلام السياسي بدلا من المؤسسة العسكرية الحالية أو السابقة في دول العالم العربي، وتقول هذه المصادر إن واشنطن لا تمانع أن يحكم الإخوان البلاد شريطة التزامهم بالآتي:
أولا: السلام مع إسرائيل وعدم الإخلال بالاتفاقات الموقعة بين القاهرة وتل أبيب.
ثانيا: تأمين المرور الدائم للسفن المدنية والبوارج الحربية الأميركية من قناة السويس.
ثالثا: استمرار قيام الجيش المصري بالالتزام بعقيدة التسليح والتدريب الأميركية.
رابعا: اتباع سياسة السوق الحرة في إدارة الاقتصاد المصري.
والإشارات الصادرة من واشنطن الآن تنذر بتهديدات وضغوط من البنتاغون والخارجية الأميركية بينما يلتزم البيت الأبيض الصمت.
الخارجية تعرب عن القلق، والكونغرس على لسان السيناتور باتريك ليهي يهدد بتجميد المساعدات العسكرية عقابا للمؤسسة العسكرية المصرية، أما وزير الدفاع الأميركي ليون بانيتا فقد أجرى اتصالا مع نظيره المصري مستخدما قناة وزارتي الدفاع من أجل «القبول السياسي» للمجلس العسكري بدور متصاعد لجماعة الإخوان في إدارة شؤون البلاد!
السؤال المطروح الآن هو هل نحن أمام التضحية بالفريق شفيق من أجل أرضاء الأميركيين أم التضحية بالإخوان لضمان سلامة المؤسسة العسكرية، أم ستقوم لجنة الانتخابات بإعادة جزئية أم كلية للانتخابات الرئاسية؟
اختيارات هذه الساعات ستؤثر حتما وبقوة في مستقبل مصر لنصف قرن مقبل.
الساعات المقبلة أخطر ساعات تشهدها مصر.

مصير العنصرية الصهيونية

يحيى الجمل
قلنا في مقال الأسبوع الماضي إن العنصرية الصهيونية تقوم على مقولتين أساسيتين جاء بهما العهد القديم - التوراة - كما يحسبون - أولى هاتين المقولتين أن اليهود هم «شعب الله المختار» وأن غيرهم من البشر إنما خلقوا ليكونوا عبيدا لهم، هكذا تقول لهم كتبهم وأنبياؤهم. إن بقية الشعوب هم في عرفهم «غوييم» وهم أدنى من بني إسرائيل وما خلقوا إلا ليكونوا خدما لهم. بل إن قتلهم لدى غلاة المتعصبين الإسرائيليين لا يعتبر إثما وإنما قد يعتبر تقربا إلى إلههم الذي هو إلههم وحدهم دون سائر الناس «يهواه».
هذه هي بعض جذور العنصرية الصهيونية البغيضة التي ضاقت بها بلدان أوروبا ذرعا وطردتهم إلى حيث جاءوا إلى أرض الميعاد، أرض كنعان، التي هي أرض فلسطين التي كانت في عرفهم صحراء جرداء بلا شعب وجاءوا هم لكي يعمروها ولكي يسودوا البشرية.
فإذا كانت هذه هي الجذور فما هو المصير.
هل مثل هذه العنصرية المتعصبة المستعلية لها مكان في عالم المستقبل؟
هذا هو السؤال الذي نطرحه في مقال اليوم ونحاول أن نجيب عنه إجابة موضوعية، لا باعتباري عربيا يؤمن بعروبته وأمته وإنما باعتباري إنسانا يحب إعمال حكم العقل ويرى أن من أسباب الاستنارة والرقي أن يعمل الإنسان عقله قبل هواه.
وفي الرد على الجانب النظري من الموضوع اعتمدت على مصدرين علميين الأول هو كتاب «the bible unearthed» الذي يترجمه البعض بعنوان «التوراة اليهودية مكشوفة على حقيقتها» لكاتبين إسرائيليين كبيرين أولهما الأستاذ الدكتور إسرائيل فنكلشتاين أستاذ ورئيس قسم الآثار في جامعة تل أبيب، وثانيهما هو الباحث والمؤرخ الأميركي فيل أشر سليبرمان، وهو يهودي أيضا. ويذهب المؤلفان في هذا الكتاب الخطير إلى أن ما يقال له العهد القديم هو ليس إلا مجموعة من الأساطير. وقد جاء في نص الكتاب (ص 28) أنه «أصبح واضحا الآن أن العديد من أحداث التاريخ التوراتي لم تحدث لا في المكان ولا بالطريقة والأوصاف التي رويت في (الكتاب المقدس العبري) بل بعض أشهر الحوادث في الكتاب المقدس العبري لم تحدث مطلقا أصلا».
وجاء في صلب الكتاب أيضا (ص 173) أن كل الحفريات الأثرية التي أجريت في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين حول جبل الهيكل أخفقت في وجود أثر بسيط لما يقال له هيكل سليمان.
وهكذا شهد شاهدان من أهلها العلماء الثقات.
والدراسات التي أجريت حول «الكتاب المقدس العبري» الذي يقال له لدى المسيحيين العهد القديم كثيرة. والدراسات العلمية منها تتجه نفس اتجاه الكتاب السابق من أن عنصر الأساطير «والحكايات» هو الغالب في هذا السفر الذي ما زال بعض الناس يؤمنون به بل ويتعصبون له. إن الدين في جوهره سماحة ومحبة ولكن التعصب البغيض هو الذي يحوله إلى عنصرية وتكبر واستعلاء كما نراه عند الصهاينة وكما شرحنا من قبل.
وهناك كتب كثيرة أخرى في هذا السياق، ولكني أتوقف هنا عند كتاب «المناهضة اليهودية للصهيونية» للكاتب اليهودي المعروف الدكتور باكوف رابكن. وقد قام مركز دراسات الوحدة العربية بترجمة الكتاب ترجمة دقيقة ونشره على نطاق واسع. والكتاب يبشر بأن إسرائيل بحكم تركيبتها وتناقضاتها مصيرها إلى زوال. والكتاب موجود لمن أراد أن يستزيد. ونشرت الطبعة الأولى للكتاب في بيروت عام 2006.
وإذا كنت أرى أن هذه العنصرية ليس لها مستقبل، فكيف سيتحقق ذلك؟
بطبيعة الحال لن يحدث ذلك غدا أو بعد غد. ولكن التحول قد بدأ وقد اعتبر أن قبول دولة فلسطين في منظمة اليونيسكو هو الخطوة الأولى الحاسمة في هذا الطريق الطويل.
وبمناسبة الحديث عن هيئة الأمم المتحدة وهي المنظمة العالمية الأم التي تضم معظم - إن لم تكن كل - دول العالم في عضويتها والتي كان قرارها عام 1948 هو الأساس القانوني لوجود دولة إسرائيل على أرض فلسطين التاريخية، فإن هذه المنظمة نفسها هي التي تصدر في أجهزتها الآن بين الحين والآخر الإدانات المتكررة للعدوان الإسرائيلي على حقوق الشعب الفلسطيني الذي يعتبر من ناحية القانون الدولي خاضعا للاحتلال الإسرائيلي. ومن أهم القرارات التي أصدرتها واحدة من أهم منظمات الأمم المتحدة وهي محكمة العدل الدولية القرار الذي أصدرته بأغلبية 14 عضوا من أعضائها الـ15 (بامتناع القاضية الأميركية في المحكمة) وهو قرار إدانة جدار الفصل العنصري واعتباره عملا غير مشروع ومخالفا للقانون الدولي. وقد شرفت بأن أكون أحد ممثلي جامعة الدول العربية أمام محكمة العدل الدولية في الدفاع عن الحق الفلسطيني كما ترافع عدد آخر من الفلسطينيين ذوى الكفاءة الرفيعة.
تقديري أن هذا القرار من محكمة العدل الدولية وأن القرار الأخير لمنظمة اليونيسكو بقبول دولة فلسطين عضوا في المنظمة والإدانات المتكررة لمجلس حقوق الإنسان التابع للمنظمة الدولية لتصرفات إسرائيل، هي كلها بدايات لانتهاء الصلف الصهيوني.
ومع ذلك فإن مصير العنصرية الصهيونية لا يبدو قريب النهاية. ذلك أن الولايات المتحدة تقف حجر عثرة أمام كل تسوية عادلة للمشكلة. وإن كان يبدو واضحا أن الضمير العالمي بدأ يستيقظ وبدأت الجرائم الصهيونية تثير سخط الكثيرين وغضبهم في أنحاء متفرقة من العالم.
كذلك فإن الصلف الإسرائيلي الذي يصمم على أن تظل إسرائيل الدولة النووية الوحيدة في المنطقة وأن تظل أقوى دول المنطقة تسليحا ووقوفا لبرنامج إيران النووي - سواء كان سلميا كما تقول إيران أو غير سلمي كما تقول أميركا وإسرائيل - فإن هذا التوتر الذي تثيره إسرائيل بالتأكيد ليس في مصلحة العالم كله. ولعل هذا هو ما دعا أحد الكتاب الفرنسيين أن يكتب كتابا بعنوان «إسرائيل سبب الحرب العالمية الثالثة»، نشر في المجموعة الشهرية «ماذا أعرف؟».
ولكن يبقى مصدر هذا كله وقبل كل شيء، ذلك الصمود الباسل الذي يقفه الشعب العربي الفلسطيني - رغم خذلانه من قبل أمته العربية - في مواجهة هذه الغطرسة الإسرائيلية ومقاومتها بكل الصور السلمية وغير السلمية. إن حق مقاومة الاحتلال هو حق مشروع لا شبهة في ذلك.
الخطوة الأولى - كما ناديت مرارا - أن تتوحد كل الفصائل الفلسطينية في مواجهة هذا العدو الشرس. إن اختلاف الآراء وارد ولكن يأتي بعد مرحلة الانتهاء من التحرير. أما مراحل التحرير فإنها تحتاج إلى صلابة التوحد وقوته.
وحدتكم وصلابتكم وإصراركم على حقكم ستزيد من يقظة العالم وستقرب نهاية ذلك الكيان العنصري البغيض.. وبالله التوفيق.