Wednesday, May 2, 2012

نبحث عن شجعان

ستظل لغة الخطاب مقطوعة بين البحرينيين طالما منعت عقدة الاضطهاد بعض (المجموعات) من قياس وتقييم فعلها، وجعلتها لا ترى ولا تشعر إلا بردة الفعل فقط في حين تتجاهل أفعالها.
تحيي من لبى النداء الوطني وتطوع للعمل في المواقع التي تركت بلا عمال أثناء الإضراب العام الماضي، فلا ينقاش الإضراب بل يرد البعض -بعد السب والشتم طبعاً- لماذا لا تتحدثين عن فصل العمال، نتحدث عن مخالفة القانون يريدون عن إجراءات القبض، نتحدث عن جرائم يتحدثون عن إجراءات محاكمة، نتحدث عن شروع في قتل يتحدثون عن ضوابط الدفاع عن النفس.. نتحدث عن آدب الحوار فيرد عليك (يا عبدة الدينار يا حمالة الحطب يا حقيرة يا بنت الـ ..)، وهكذا يستمر الحديث بخطين متوازيين لا يلتقيان أبداً.. هذه أحاديث متداولة وموجودة وليست مختلقة.
عقدة «المظلومية» لا تسمح أبداً للشخص أن يرى أفعاله ويقيمها، فكل ما قامت به المجموعة منذ العام الماضي إلى اليوم هو حلال وصح ومشروع وسلمي ومؤدب، لأن عقدة (المظلومية) تضع صاحبها دائماً في مصاف المرفوع عنه القلم، فيجوز (للمظلوم) ما لا يجوز لغيره، يجوز له أن يخالف القانون، يجوز له أن يعتدي على الآخرين، يجوز له أن يكذب، يجوز له أن يشتم ويسب، يجوز له حتى أن يقتل، فكل ما يفعله حلال لأنه في النهاية (مظلوم) وما على المظلوم من حرج!!
كلما خطابته عن فعله صم أذنه؛ فهو لا يرى ولا يسمع ما تقول، زمنه وقف عند ردة الفعل، زمنه يبدأ من ردة الفعل، مقاييسه وحكمه على مجريات الأمور تبدأ من ردة الفعل.
ومهما حاولت مناقشة صاحب عقدة (المظلومية) فإنك تضيع وقتك معه، فالآخر دائماً هو موضع شك بالنسبة له، متذمر شاك غير مستمتع بحياته، حتى لو عاش في نعمة وأصبح في خير يغبطه الناس عليه فإنه لا يراه ولا يستمتع به، يشعر دائماً أن حقه منقوص لو ركب أفخم السيارات واقتنى أفخم الماركات ووصل أعلى الرتب، فإنه لا يرى تلك النعم ولا يتمتع بها ولا يقيس أقرانه وزملاءه من نفس المهنة في دول أخرى كيف يعيشون ومستوى حياتهم، بل عينه على ما انتقص من مستواه.
فإذا أضفنا البعد التراثي الثقافي التاريخي لهذه العقدة، وإذا أضفنا لها مخزون الذاكرة الذي جمع كل مصائب الدنيا والكون وصبها في مساره تثبيتاً وترسيخاً لوضع (المظلومية) فإنه من الصعب جداً إقناعه بأنه ارتكب خطأ أو بأنه لا يجوز له أن يقوم بما قام به من أفعال.
ليس هذا فحسب بل تدفع هذه العقدة صاحبها إلى عدم الالتزام بأية قواعد سواء كانت قوانين عمل أو قوانين مرور أو أية قوانين مقيدة (لحقه) الذي دائماً هو بالنسبة له حق مهضوم، لذلك فصاحب عقدة (المظلومية) في مشكلة دائمة مع الدولة وقوانينها، ولا يخضع لها إلا خوفاً أو تقية، مثلما يفعل حين يكون في دول أجنبية حازمة في تطبيق القوانين.
لهذا لن توجد لغة تخاطب تجمع الضدين في المجتمع البحريني، ما لم يتكلم العقل الواعي لا العقل الباطن، ما لم تملك المجموعة شجاعة تجميد العقل اللاواعي وتحييده ولو إلى حين، ونبدأ بقياس الأفعال ونقيمها بناء على مقاييس ومعاير متفق عليها، إنما مثلما قلنا الأمر يحتاج لشجاعة مواجهة الواقع وشجاعة توقف المخيال المغذي للذاكرة.

الأزمات الإقليمية.. ماذا تعنــي للمنــامــــة

الأزمات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط لا تنتهي تماماً منذ ديسمبر 2010 وحتى الآن، تارة بين مجموعة من الدول العربية كما هو الحال في البداية تجاه الأزمة الليبية التي انتهت بإسقاط النظام بتدخل عسكري غربي، وتارة أخرى بين دولة عربية وأخرى نتيجة خلاف سياسي. هذه الخلافات والأزمات المتتالية قد لا يكون للسياسة الخارجية البحرينية تأثير واضح فيها أو علاقة مباشرة، ولكنها تتأثر بشكل من الأشكال. وقد يكون من المناسب طرح نموذج الأزمة السعودية - المصرية الراهنة بسبب أحد المحامين، والتي تطورت سريعاً ووصلت إلى حد إغلاق البعثات الدبلوماسية السعودية في الأراضي المصرية من سفارة وقنصليات عدة. لسنا بصدد تقييم أسباب هذه الأزمة تحديداً، أو إبداء موقف تجاهها، أو طرح حلول لمعالجتها، فالدولتان لديهما القدرة والرغبة والإرادة في معالجة أي سوء تفاهم يمكن أن يطرأ على العلاقات الثنائية. ولكن يهمنا هنا أن نفهم ماذا يعني أن تواجه الرياض مثل هذه الأزمة؟ الرياض بالنسبة للبحرين أهم الدول الداعمة للنظام السياسي البحريني في المنطقة، فالدولة الداعمة ليست دول مجلس التعاون مجتمعة، أو الولايات المتحدة أو حتى المملكة المتحدة رغم عمق العلاقات بين المنامة وهذه الأطراف. ولكن الرياض تمثل الداعم الأول للحكم في البحرين، ولا ينبغي تجاهل ما يمكن أن تواجهه من تحديات أو أزمات داخلية وخارجية، لأن لها تأثيراً مباشراً على الأوضاع الداخلية والعلاقات الخارجية للبحرين. في محاولات التغيير السياسي سواءً كان راديكالياً أم غير ذلك، من المهم استهداف الدولة الداعمة، حتى يتم تحقيق ثلاثة أهداف من وراء ذلك: - الهدف الأول: قطع علاقة الدعم بين الدولة الداعمة والدولة المدعومة، أي قطع الدعم السعودي عن البحرين. - الهدف الثاني: تحييد علاقة الدعم بين الدولة الداعمة والدولة المدعومة، أي تحييد الدعم السعودي عن البحرين، بمعنى أنه لا يستمر الدعم تجاه النظام الحاكم أو تجاه جماعات المعارضة الراديكالية. - الهدف الثالث: تحويل علاقة الدعم من الدولة الداعمة تجاه النظام الحاكم إلى الجماعات المطالبة بالتغيير السياسي. في هذا الهدف فإن الدعم سينتقل من كونه دعماً سعودياً للنظام الحاكم في البحرين إلى دعم سعودي للجماعات الراديكالية. حتى يتم تحقيق مثل هذه الأهداف الثلاثة فإنه يمكن استهداف المصالح السعودية على مستويين أحدهما داخلي وآخر خارجي، ويبدو من مظاهر الأزمة القائمة بين الرياض والقاهرة أن هناك من يهمه استهداف هذه المصالح عندما تم الاعتداء على البعثة الدبلوماسية السعودية في العاصمة المصرية. في ضوء ذلك فإن المساس بالمصالح السعودية في الداخل والخارج يجب أن يكون مرفوضاً من كافة الأطراف في البحرين، لأنه متى ما تم ذلك فإن الرياض يمكن أن تتبدل أولوياتها، ومن الممكن أن يؤثر ذلك في سياق دعمها للنظام الحاكم في البحرين رغم تعقيد ترابط المصالح بين الرياض والمنامة.

الدولة العدوة وإضعاف «المخابرات» وأجهزة الأمن

يُنظر إلى أية أجهزة استخباراتية أو جهات معنية بـ “الأمن الوطني” إلى أنها أجهزة تعمل على الحد من الحريات وتركز على الحد من حرية التعبير و “قمع” الرأي الآخر، رغم أن عمل الاستخبارات ينحصر في إمداد الأجهزة المعنية بالحفاظ على الأمن بالمعلومات ليتم القبض على أشخاص يمثلون تهديداً وخطراً على الأمن القومي. النظرة كما بيناها أعلاه ليست نظرة البسطاء من المدنيين والمواطنين العاديين الذين يريدون ممارسة حياتهم بشكل اعتيادي دون منغصات، بل هي نظرة “سوداوية” رسختها لدى الناس مجموعات تعمل بالسياسة تمثل لها الأجهزة الاستخباراتية وأجهزة الأمن أكبر تهديد على نشاطاتها. جهاز الاستخبارات قد تفوق أهميته أجهزة الأمن نفسها، باعتبار أن الأخيرة أجهزة مهمتها العمل ميدانياً للحفاظ على أمن المجتمعات بناء على ما تمده الأولى من معلومات قائمة على البحث والمتابعة. بالتأكيد لن يعجب من يمتلك أجندة ومخططاً قيام جهاز المخابرات بدوره، لأنه يقطع عليه الطريق ويعرقل مساعيه، وهو ما يبرر الهجوم الإعلامي الشرس الذي يمارس ضد هذه الأجهزة. حينما ألغى ملك البحرين قانون تدابير أمن الدولة كانت تلك خطوة في الاتجاه الصحيح باعتبار أن هناك أخطاء وسلبيات وملاحظات مورست من قبل أفراد أسيء فيها استخدام الصلاحية، لكن ذلك لم يعني أبداً أن تبقى البحرين كدولة دون جهاز مخابرات باعتبار أن التهديدات سواء الداخلية أو الخارجية التي تستهدفها انتهت بالمرة. من يريد أن يتحرك بحرية ليخطط ما يخطط له أو يخلق خلايا نائمة ويحشد بهدوء على امتداد سنوات بهدف التحرك ضد الحكم في أي بلد، أو أن يسعى لعملية انقلابية أو يختلق أزمة، بالتأكيد لن يعجبه وجود جهاز استخباراتي يعمل على استشعار أي خطر مسبق، وهنا في البحرين لا يعجب الانقلابيون قيام أجهزة الأمن والشرطة بواجبهم في حماية المجتمع، فكيف بالتالي يعجبهم وجود جهاز استخباراتي. وجود مثل هذه الأجهزة يمثل حماية للوطن، ويفرض على المواطنين المخلصين المتمسكين بأوطانهم أن يشعروا بمزيد من الأمان لأن هناك من يسهر على حماية البلد ويضمن أمنهم، إلا طبعاً من يقف في الجهة المقابلة، هؤلاء الذين تفرض ردات فعلهم التساؤلات بشأن بواعثها، إذ لا يخشى ويقلق إلا من يعرف بأنه مخطئ (لا تبوق لا تخاف)، ومن يؤمن بأنه يقوم بالفعل الصائب لا يخشى لا من جهاز استخبارات ولا قوة أمنية ولا أي جهة أخرى. من يمضون لتأزيم الوضع في البحرين يعملون منذ سنوات على خلق مفهوم خاطئ في أذهان من يتبعونهم، يسعون لتأسيس مفهوم “الدولة العدوة”، بحيث تتحول نظرة المواطن إلى نظامه الحاكم والأجهزة الرسمية والشرطة وغيرها إلى نظرة “عدوانية” لا توجه إلا للعدو أو المحتل. لأن هناك من ارتكب أخطاء لا تبرر في وقت قانون تدابير أمن الدولة، فإن جماعات التحريض بنت حراكها “الخامل” في السنوات الأولى على أساس أن الدولة “نائمة” أو أنها لا تريد تكرار التجربة السابقة بحيث يعود هذا الجهاز للعمل، وهنا كان يكمن الخطأ، أي بتعطيل دور الأجهزة الأمنية في اتجاه حماية البلد. نحن لا نقول بأن تمنح السلطة مطلقة وتترك على لنصل لمرحلة يصل فيها أفراد لخلق قانون خاص بهم، أو يمارسوا ممارسات غير مقبولة في دولة قانون ومؤسسات، لكننا نطالب برفع كفاءة عمل هذه الأجهزة بحيث يتم تقويتها أكثر من السابق، فالبحرين مازالت مهددة. من حق المواطنين أن يطالبوا دولتهم بتأمين حمايتهم وتثبيت استقرار حياتهم، وعلى الدولة واجب تلبية ذلك والتصدي لكل فعل خارج عن القانون، أو رصد كل محاولة “خفية” تتم لاستهداف الدولة. اليوم المحرضون ودعاة التسقيط والانقلاب يركزون على إضعاف قوة الأجهزة الأمنية، نعرف تماماً أنه لو كان الأمر بيدهم إما حولوا هذه الأجهزة تابعة لهم بالكامل، وإما ألغوها برمتها حتى يجردوا البحرين من قدراتها الأمنية. عموماً لا توجد دولة تصل لدرجة من الجنون بحيث تضعف أجهزتها الاستخباراتية أو أجهزتها الأمنية بناء على “صياح” دائم من فئات تريد الشر بهذا البلد وتتطاول يومياً على رموز الحكم، أو بناء على بيانات “متحيزة” من مؤسسات حقوقية خارجية لها أجنداتها أيضاً ضد عديد من الأنظمة العالمية. بريطانيا على سبيل المثال، والتي يستقوي هؤلاء الإرهابيون بها وبآلية تعاملها مع طالبي اللجوء، هذه الدولة العظمى تمتلك جهازاً استخباراتياً من أقوى الأجهزة بالعالم، وتمتلك جهازاً أمنياً يعتبر من أكثر الأجهزة المحترفة في عمله (سكوتلانديارد)، ورغم أنها أحد أبلغ أمثلة الديمقراطية والحريات إلا أن دور المخابرات وأجهزة الأمن من الاستحالة أن يلغى أو أن يتم القبول بإضعافه حتى لو خرج من خرج في الشوارع وحتى لو جوع من يريد نفسه وحتى لو انتحر من انتحر. وكالات الأنباء العالمية أوردت بالأمس اعتقال الشرطة البريطانية لعدد من الأشخاص يبلغ خمسة ويتوقع زيادة عدد من تم اتهامهم بـ “التحضير لأعمال إرهابية” أو بـ “مساعدة أشخاص يعدون اعتداء”، وذلك في إطار عملية غرب لندن تم إعدادها بالتنسيق مع “أجهزة الاستخبارات”. رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون كرر خلال عمليات الفوضى والتخريب التي حصلت في لندن العام الماضي بأنه لا يكترث بما تقوله جمعيات حقوق الإنسان مقابل استتباب الأمن في البلاد ومعاقبة المخربين حتى لو وصلت العقوبات لتجريدهم من الخدمات التي تمنحها الدولة. من يعلو صياحه وصراخه اليوم بشأن الأجهزة الاستخباراتية والأمنية في البحرين هو من يعتبر هذه الأجهزة “عائقاً” أمام تنفيذ أجنداته ومخططاته. إضعاف هذه الأجهزة في البحرين لا يجب أن يحصل ونثق بأنه لن يحصل، إذ لا توجد أي دولة في العالم تصل لدرجة من الجنون بحيث “تحيد” و “تضعف” أجهزتها الاستخباراتية والأمنية.

الحرب الطائفية الباردة

هل ما يحدث بين السنة والشيعة في العالم الإسلامي يمكن تصنيفه على أنه حرب باردة بين مذهبين؟ أم أن التوصيف الدقيق له أنه حرب بين كيانات سياسية تستخدم المعتقد المذهبي للترويج لأيديولوجيتها السياسية؟ وهل حقاً يمكن توصيف العلاقات بين إيران ودول الخليج العربي والعراق وتركيا ومصر وغيرها من الدول على أنها (حرب طائفية باردة)؟ في البداية لابد أن نعرف الحرب الباردة حتى يمكننا الحكم على ما يحدث في إقليمنا، حيث عرفت الحرب الباردة كمصطلح يستخدم لوصف حالة الصراع والتوتر والتنافس بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي السابق منذ فترة الأربعينيات حتى التسعينيات من القرن الماضي، وانتهت بتفكيك الاتحاد السوفيتي إلى عدة دول أشهرها روسيا التي ورثت كثيراً من مظاهر القوة العسكرية والدبلوماسية عن الاتحاد السوفيتي السابق، واعتبرت هذه النهاية نجاحاً للولايات المتحدة في صراعها مع المعسكر الشرقي بأكمله. وإذا ما طبقنا هذا المفهوم على ما يحدث في بلادنا فإننا سنجد صراعاً وتوتراً بين الكيانات السياسية التي تستخدم المعتقد المذهبي للترويج لأفكارها، وتحقيق أقصى ما يمكن تحقيقه من مصالحها، حتى لو تعارضت مع الآخر المسلم الذي ينتسب لمذهب آخر. ما يثبت صحة هذا التحليل أن المسلمين الأوائل كان فيهم السني والشيعي والمعتزلي والأشعري وغيرهم، وذلك وقت كان المسلمون رواد الحضارة ومصدرها، واعتبر هذا الاختلاف مظهراً صحياً من مظاهر التنوع الفكري، حيث كان الخلاف عقلياً وفلسفياً، ولم يكن عقدياً، بحيث لم يشكك أحدهم في إيمان الآخر، أو على الأقل لم يشهر سيفاً في وجه أحد بدعوى اختلافه معه في الرأي أو المعتقد أو المذهب. إذاً فقضية الصراع متعلقة بإرادة السيطرة والهيمنة، وامتلاك القوة، وهذا كله جيد إذا ما وجهت هذه القوة إلى الأعداء الحقيقيين للأمة الإسلامية، أما إذا كانت الرغبة في السيطرة والهيمنة موجهة إلى بعض الدول المسلمة، وهو ما تفعله إيران على سبيل المثال، فإن المستفيد الأول من هكذا صراع هم الأعداء الحقيقيون للمسلمين، الذين يريدون تشتيت الجهود وتمزيق الصف، ويفهم في هذا السياق تغذية بعض الأطراف الغربية للصراع السني الشيعي، لأنه يحقق لهم كل أهدافهم، كما يؤيد هذه الرؤية ما ذكره ليبرمان وزير الخارجية الإسرائيلي من أن الخطر الحقيقي والعدو الحقيقي لإسرائيل مصر وليست إيران، على اعتبار أن ما تقوم به إيران من تدخل في شؤون دول الخليج العربي، واحتلال لبعض أراضيها، وما تشنه من حملات إعلامية على العرب، إنما هو متوافق مع المصالح والأهداف الإسرائيلية التي يسعدها اتساع هوة الخلاف بين المسلمين، لأنهم حينذاك سينشغلون بمعاركهم الداخلية، ولن يكون لقضايا مثل تحرير القدس، أو مساندة القضية الفلسطينية، وجود على قائمة أولوياتهم. إن ما يحدث في بلادنا من حرب طائفية باردة تستخدم فيها المنابر والمآتم والقنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية على اختلاف مسمياتها لهو أمر بالغ الخطورة، وإذكاء هذه النزاعات عبر التصريحات والممارسات السياسية غير المسؤولة يطيل أمد هذه الحرب غير المعلنة، ويقدم لأعدائنا الحقيقيين فرصة ذهبية للتخلص منا جميعا بعد أن تخور قوانا وتستنزف مواردنا

كلمتان عن الخامنئي تصيّـــرانــــــي بطــــــل

اليوم وفي ظل كل هذه “العفيسة” التي نعيشها يسهل صنع البطولات، حيث يكفي أن تتهجم على شخصية سياسية أو دينية معروفة لتبرز بين الناس، ويشار إليك بالبنان، ويقال هذا هو البطل الشجاع الذي لا يعرف للخوف معنى، والذي لم يتردد في انتقاد هذه الشخصية أو تلك. جرب مرة أن تتناول بالنقد شخصية دينية بارزة، قل عنها شيئاً لا يقبل بها مؤيدوه ثم انظر رد الفعل الذي سيبرزك في جانب باعتبارك شجاعاً تستحق لقب البطل. بل إنك تتحول بالفعل إلى بطل في عيون كل من هو على غير وفاق مع تلك الشخصية الدينية، تلك البطولة تتعزز وتزداد معها تألقاً إن قام بعض مؤيدي رجل الدين ذاك بشتمك أو عبر عن ولائه له بطريقة غاضبة، حيث الوضع الطبيعي أن لا يقبل مؤيدو ذلك الرجل النقد الذي يوجه إليه. والنتيجة أنك بسبب كلمة واحدة ربما لم تكن تقصدها أو أن الجو العام دفعك إلى قولها تتحول إلى بطل ترفع على الأكتاف وينادى باسمك في كل المجالس، وتجد الفضائيات ذات التوجه المعين من خلالك مادتها وما يشبع حاجتها ويخرج “النعر” الذي في رأسها. اليوم في ظل هذا الذي نعيشه في بلادنا البحرين التي ظلت طويلاً بعيدة عن هكذا أحداث ويفسر بعض كبار السن دخولها في هذه الحالة بأنها أصيبت بعين ما صلت على النبي، في ظل هذه “العفيسة” ليس صعباً أبداً البروز وتحقيق البطولات الزائفة، كلمتان فالتتان من عقالهما تمسان شخصية سياسية أو دينية تنقل قائلهما إلى حيث مكان الأبطال. فبعد الكلمتين كلام يقال هنا وهناك يصور قائل الكلمتين تصويراً هو في الغالب لا يستحقه، ويتبع ذلك كلام في هذه الفضائية وكلام في تلك يصل به ذلك “البطل” إلى حيث لم يصله أبطال سابقون، فيتحول إلى نجم ساطع في فضاء الفضائيات، فإذا تعرض ذلك النجم إلى “هفة هوا” ولو بطريق الصدفة صنعت من ذلك روايات وحكايات وازداد لمعان ذلك النجم الذي هوى البطولة ويعرف أنه لن يأتي يوم قريب يقال عنه إنه “هوى”! لم يبرز “السوسة” (فضائية العالم الإيرانية) ويجعلها تبدو في عيون البعض بطلاً سوى أنها خصصت جل وقتها وكل طاقتها لانتقاد قادة البحرين وحكومة البحرين وسياسة البحرين، حتى وصلت إلى مرحلة تقول عن الصواب البين إنه خطأ، لا لشيء إلا لأنه صادر عن المسؤولين في البحرين. هذه “السوسة” و “السوسات” الأخرى التي تدور في فلكها صرن “أبطالاً” لمجرد “تجرؤها” وعدم ترددها في توجيه الشتائم والسباب للبحرين قيادة وحكومة. وهذا الأمر طبيعي، فهي لو لم تفعل ذلك لما وصلت إلى ما اعتبره البعض بطولة، وكذا الحال مع أولئك الذين تستضيفهم حيث صاروا يسلكون الطريق نفسه الذي يصنع “الأبطال والبطولات”. ليس في الأمر شطارة، ففي ظل هذه “العفيسة” بإمكاني بكلمتين أن أصبح بطلاً يتحدث عني العالم كله ويرفعني البعض على الأكتاف، بينما يتوعدني بعض آخر لا يقبل أن أذكر من ذكرت بسوء فأزداد لمعاناً. ماذا لو تعرضت لشخصية لها مكانتها بين ناسها مثل الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، واعتبرته سبب خراب العالم، ألا أصير بطلاً؟ ماذا لو تعرضت لشخصية دينية في مستوى السيد الخامنئي.. ألا أصير بطلاً؟ الجواب بكل تأكيد.. بلى. ما يساعدني على الحصول على تلك الصفة والمكانة أمران؛ الأول أنني تجرأت وانتقدت هذه الشخصية، والثاني أن الذين يقبلون بها ويناصرونها قد تأخذهم الحمية فيتعرضون لي بشكل أو بآخر، فأحصل على فرصتين عظيمتين للوصول إلى لقب بطل. إنه أمر سهل في ظل هذه “العفيسة”!

خيــــــوط اللعبـــــــة

تطرق الحديث مع الأصدقاء عن الاضطرابات التي تحدث هنا وهناك بطريقة همجية تسيء إلى سمعة البحرين ومكانتها الاقتصادية وانفتاحها السياسي، في ظل الإصلاح الذي يستهدف كما قال عاهل البلاد إلى ما فيه خير الوطن والمواطن الصالح، حيث استهدف الوطن بدرجة غير مسبوقة وتم استغلال ذلك والاستعداد له إعلامياً من قبل العدو، ونحن في دول مجلس التعاون نتعامل مع مجريات الأحداث على مستوى التصريحات التي تستنكر وتشجب ما قيل عنا بأسلوب دفاعي متواضع لم يتم التحضير له إعلامياً، بينما يتطلب الأمر من دول مجلس التعاون الخليجي التنسيق الإعلامي وإعداد الكوادر الإعلامية المؤهلة والمتحدثين الرسميين الأكفاء على كافة الأصعدة؛ السياسية والاقتصادية والدينية والإعلامية والاجتماعية، فضلاً عن الشفافية، وهذا بالطبع يحتاج إلى ميزانية كبيرة ورؤؤس أموال ينفق فيها بسخاء على المستوى المحلي والعالمي، إذ إن المردود الإعلامي ليس مادياً فيما ينفق إنما معنوياً في نقل الصورة الحقيقية دون تدخل تقني مقابل الصورة المشوهة بالطريقة التقنية، بعد أن استغل أهل الشقاق والنفاق في «الوفاق» اللعب بالنار على حساب حرية التعبير. إذاً ما هي خيوط اللعبة التي تحدث.. هذا هو السؤال؟ إن خيوط هذه اللعبة تحركها أيادٍ خفية يجسدها على المسرح السياسي الطرف الأمريكي والإيراني والطائفي ممثلاً في مجموعة يطلق عليها «الوفاق»، وماهم على وفاق لا مع أنفسهم ولا مع وطنهم ولا مع قيادتهم، إنما تحالف شيطاني مصدره «واشنطن» و «قم» و «النجف» و «تل أبيب». أما الطرف الأمريكي فإنه يسعى إلى زعزعة الأمن والاستقرار ويضفي على المناهضين غطاء يطلق عليه بأنه سياسي ديمقراطي، وماهو عند الغرب بديمقراطي إنما فوضوي بالدرجة الأولى، وإن كان الذي يعني أمريكا فقط الدعوة بكل وقاحة إلى ضبط النفس، فكأن ما يحدث لا يحتاج إلى ضبط النفس، بينما الذي يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية أثناء مقابلة المتظاهرين والمعتصمين في المناطق الحيوية والاقتصادية العامة بالرصاص الحي والركل والتعامل غير الإنساني، لأن الأمن عندهم لا يمكن التفريط فيه على حساب المشاغبين، وكذلك الحال في بعض دول أوربا تجاه ما يحدث لديهم، وكل ذلك يقابل بمثل ذلك وأشد نكالاً. أما الطرف الإيراني فإنه يستغل الطائفيين ويدعو إلى قيام دولة الفقيه المخالف لتعاليم الإسلام، وأما التأثير غير المباشر فهو إسرائيل، لأنها تضغط بكل قوة على أمريكا وبعض دول أوروبا، وتستغل عداء إيران للسنة وأحلامها بإقامة دولة الفقيه، وإن كان ذلك غير مقبول ومعقول نهائياً عند المعتدلين غير القادرين على التعبير عن رأيهم من الشيعة المعتدلة، إما التأثير المباشر للأزمة المفتعلة فهو إسرائيل، فقد تمثل بإرسال صحافيين يحملون جنسيات غير إسرائيلية تم اكتشافهم ليدربوا الخارجين عن القانون ومستغلين حرية التعبير في التدريب على التدمير وزعزعة الأمن، أما الطرف الثالث فهم الوفاق، أهل الشقاق ومساؤى الأخلاق، وأن ما يحدث فعلاً من زعزعة للأمن وضرب للاقتصاد وترويع الآمنين والاعتداء على المقيمين، فكلها من مساؤى الأخلاق من أتباع الوفاق المستفيدين بسخاء منقطع النظير من الأموال المدفوعة من السفارة الإيرانية وبعض السفارات الأجنبية. أما الطرف الذي يحرك الأمور عن بعد وله اليد الطولى والمستقوي باللوبي الصهيوني في أمريكا وبعض الدول الغربية وأتباع الغرب في الشرق للأسف الشديد، فقد تناسوا أن ما يحاك للبحرين يحاك لهم، حيث إنهم أشبه «بابن العلقمي» الذي أدخل التتار بغداد من أجل إقامة دولة العلويين بعد أن مهد السبيل لهم بقتل الخليفة العباسي وتم تدمير بغداد عن بكرة أبيها، وكانت الجائزة الكبرى «لابن العلقمي» هي القتل على يد التتار الذين أدخلهم ليدمروا علية أحلام الدولة العلوية؛ بعد هذا نقول للأخوة في الشرق العربي إن مناصرتكم غير المعلنة للإيرانيين والدول المعروفة والمعلومة سلفاً، فالمثل يقول (ماحل بأم زيد حل بأم عمر) لا سمح الله تعالى، فتنبهوا فإنكم معنيون ومستهدفون، والبحرين ليست الحلقة الضعيفة؛ بل الضعيف من يتذوق السم اللطيف واللعب بالنار يحرق من يلاعبها، وكما تدين تدان والأيام دول.. أما البحرين فقد أخذت حذرها واستعد قائدها حفظه الله ورعاه والشعب الواعي ذو الحس الوطني المخلص، فقد تعلمنا مما مر بنا كما قال الإمام أبي حذيفة (إننا نستعد للبلاء قبل نزوله، فإذا نزل عرفنا الدخول فيه والخروج منه) وأنتم لم تجربوا بعد هذه النوازل، ولابد مما لا ليس منه بد، الاستعانة بتجربة البحرين التي سوف تكون حكمتها أغلى من (الذهب). وأقول عوداً على بدء؛ الطرف الأول للخيط الأول هي أمريكا في تحريك الذين لهم الرغبة الصادقة في تدمير البلاد، لكنها أيها القارئ ليست ببغداد ولا سوريا وغيرها الذي أصابها الربيع وأعقبه الخريف قبل أن يفرح الناس فأحرق الورق والشجر، ولم يدع ولم يذر، وإذا كان العقلاء في أمريكا أصحاب المصالح يدركون جيداً أن مصلحتهم هي مع البحرين حكومة وشعباً فإن في كلمة (ضبط النفس) لا تخدم مصالحهم لاحقاً، فهم آخر من يطبق ضبط النفس عندما يتعاملون، كما ذكرت مع شعبهم بالحديد والنار والرصاص الحي.. أما الطرف الثاني فهي إيران الفارسية؛ التي لم يغير الإسلام عقيدتها وعاداتها الإباحية المستقاة والمستوحاة من (المناوية)، وما أدراك ما المناوية؟! تأثر بها امرؤ القيس، فجاءت معلقته في زوجة أبيه على مذهب الفرس والمناوية في الإباحة، اقرؤوا التاريخ حتى تعلموا أكثر وأكثر عن الشاعر الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وعلى اله وسلم (في يمينه لواء الشعر وهو قائدهم إلى النار) عندما سمع بمعلقة امرئ ألقيس، ومن هنا تحلم الوفاق بحلم «ابن العلقمي» وما هم عنه ببعيد لأن الأيام فيها من الدروس والعبر لمن اعتبر. أما الطرف الثالث والمستفيد الأكبر فهي إسرائيل؛ لأن مصلحه إسرائيل إضعاف المسلمين والانقضاض عليهم وتعميق العداء بينهم وقتل بعضهم ببعض، ومن هنا تحرك خيوط اللعبة عندنا وفي دول مجلس التعاون مستفيدة من أمريكا والمتطرفين من الشيعة لضرب السنة، ومستفيدة من عداء إيران للإسلام والمسلمين السنة الذين تصفهم وتفرق بينهم بكلمة (سني وشيعي)، فهذه يا من تسأل من يحرك اللعبة الشريرة في البحرين، وهذه النظرية تم تطبيقها بنجاح من قبل إسرائيل وأعوانها على حماس ومنظمة فتح، فأصبح يقتل بعضهم بعضاً بدم بارد، وهذا يوفر على إسرائيل الجهد في مقاتلتهم، والدم لا يمكن أن يتحول بين فتح وحماس إلى ماء، وتترك إسرائيل لنفسها المهام الكبيرة لتدمير الفريقين بالطائرات والمدفعية الثقيلة والأسلحة المحرمة، مما جعل حماس بعد أن تفرق عنها العرب تلجأ إلى إيران وتفعل ما تؤمر، وكلما وجدت إيران بينهم اتفاقاً سارعت إلى الخلاف والشقاق وفعل مالا يطاق، فأي انقياد بعد هذا الانقياد. إذاً محصلة الأمر أن ما يحدث عندنا بالضبط تحرك خيوطه إسرائيل من ثلاثة محاور؛ أمريكا وأتباعها وإيران ومجوسيتها وأهل الشقاق والنفاق ومن لف لفهم من أتباعها، والبقية لمن لم يقرأ التاريخ عليه الرجوع إلى تاريخ بغداد، والعاقل من عقل والجاهل من جهل. وأخيراً اللهم اجعل تدبيرهم تدميرهم.. وأحفظ اللهم البحرين من الفتن والمحن ماظهر منها وما بطن.

متى تصحو الضمائر

كشفت الأزمة الاحتجاجية العنيفة غير المسبوقة في مسار الحركة الوطنية في البحرين، التي كانت موطن المحبة وموئل التسامح على مدى الأزمان، عن مواقف الدول وأظهرت بشكل جلي حقائق لا ينبغي أن يغفلها الشعب البحريني حتى وإن انتهجت الدولة سياسة خارجية راعت فيها الأعراف الدبلوماسية مع تلك الدول كبيرها أو صغيرها، إذ أن الشعب البحريني بكل مكوناته أصبح على علم أكيد بمختلف المواقف الصادرة عن الدول والمؤسسات والأفراد من أزمته، كما بات متيقنا بعد أن اكتوى بالأضرار المباشرة في أمنه وسلامته من مواقف تلك الدول والمؤسسات والأفراد التي ساندت جمعية «الوفاق» ومن دار في فلكها من أتباع، الذين لا يشكلون جزءا مهما في المجتمع البحريني، حتى وإن ادعت هذه «الوفاق، كذبا وبهتانا، تمثيلها للطائفة الشيعية الكريمة، سعيا منها لاتخاذ المذهب شعارا للسطو على الطائفة وهي تزعم بأنها الممثل الشرعي والوحيد لها، والحال أن الطائفة الشيعية الكريمة من «الوفاق» براء، بل إنها – أعني «الوفاق» ومن لف لفها - تدرجت في مراقي كذبها خطوة بالزعم عبر شعار «الشعب يريد» أنها صوت الشعب البحريني ولسان أطيافه كافة ونحله المختلفة ومذاهبه المتعددة. وأحسب أن في تسميتها بـ»المعارضة الشيعية» ما يوضح طبيعة هذه «المعارضة» التي يجري الحديث عنها في الإعلام الغربي غير المدرك بحقيقة هذه الجمعيات الطائفية التي ارتمت كلية خلف أجندة مذهبية إيرانية تسعى إلى مد نفوذها السياسي إلى الغرف الداخلية لصناع القرار في دول مجلس التعاون. لقد جرّت «الوفاق» معها من جرّت من أولئك الذين أضاعوا بوصلة النضال الوطني ليدخلوا البلاد في متاهات الطائفية وفي سدم السؤال الإيراني الباحث عن مجد لا محل له هنا على هذه الأرض، هذه الأرض التي رسم أهلها بعناية فائقة مشهديتها الاجتماعية الفسيفسائية مما يعبر عن حيوية هذا الشعب وانفتاحه الاجتماعي الوطني وتطلعاته الكونية. لقد أدارت جمعية «الوفاق» وشقيقاتها ومشتقاتها بسادية سياسية فاقعة عملية طحن مشاعر أهل البحرين جميعا في رحى الطائفية بدون هوادة دون استثناء، بدواع مذهبية مقيتة، بناء على أوامر واجبة التنفيذ دون إبطاء، صدرت عن الولي الفقيه القابع في قم للتدخل في الشأن البحريني وافتعال أحداث فيها تصب كلها في مجرى ترتيبات سياسية غايتها إنقاذ النظام المترنح في دمشق، وهي لا تتوانى في توظيف هذه الأحداث لتكون عضدا لها تواجه به مأزق الأحداث الشديدة الإيلام الذي يشاركون فيه بشكل مباشر في سوريا حماية لحليف استراتيجي يشكل لهم على الدوام نفوذا يستغلونه ورقة ضغط سواء في حواراتهم المباشرة مع دول الغرب أو في حواراتهم غير المباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية. إن التخفي وراء شعارات الإصلاح لن ينفع تلك الجمعيات بعد سقوط الأقنعة، لأن سبل المخاتلة قد انسدت أمامها، ولأن أهل البحرين قد ضاقوا ذرعا بأشواك العنف التي زرعتها أذرعة ولاية الفقيه ابتغاء التخفيف على الحليف السوري، والأهم من كل ذلك، في تقديري، إن مسيرة الإصلاح في مملكة البحرين تحتكم إلى سيرورة تاريخية طبيعية أرست للدولة مؤسساتها الدستورية وقوانينها وتشريعاتها الراعية لحقوق المواطنة والإنسان، ورامت تغيير الأنفس حتى يعكس المواطن في سلوكه اليومي مدنية الدولة، ولعل التعسف على هذه السيرورة أو اتخاذ رهاناتها الاستراتيجية شعارا لحراك يطلب الباطل بالحق لهو أكبر خطر يهدد نسيجا اجتماعيا بحرينيا بهت لونه بأحداث الدوار التي اختلط فيها الوطني بالمذهبي بالإيراني الدخيل، ولكنه بعقيدة الوطن الكامنة في نفوس أبنائه عائد إلى نضارته وألقه وتألقه وحيويته. لقد تعددت مسميات تلك الاحتجاجات التي عايشتها البحرين، فأسهمت في ضياعنا في متاهات التوصيفات التي تطلق عليها، فمن قائل أول بأنها واحدة من «ثورات الربيع العربي» مثلما هو الحال بالنسبة إلى عدد من المدافعين عن هذه «الثورة» والمؤرخين ليومياتها في الإعلام البحريني والمساهمين من حيث يعلمون أو لا يعلمون في توسيع الشقاق الطائفي وإن كانوا ينالون إطراءات من بعض نفر غرتهم مقولات «الوفاق» الطائفية، إلى قائل ثان بأنها ـ»الثورة الإسلامية» على رأي الولد السياسي المشاغب مقتدى الصدر، زعيم ميليشيا جيش المهدي الذي كان دوره مازال بارزا في العراك الطائفي المحتدم في العراق، سواء بتهجير مخالفيه في المذهب أو قتلهم كما حدث في 2006-2007، وأحسب أن هذا لوحده سبب كاف يدفع للطعن في مشروعية مساندة «الملا أتاري» «للوفاق». إلى قائل ثالث يصفها بـ»الثورة المدنية» مثل علي سلمان وأبو «جل» على رأي الكاتبة سوسن الشاعر. وكما هو واضح فكل هذه التوصيفات والنعوت تذهب إلى التعتيم عن الصفة الحقيقية التي طبعت كل السلوك الاحتجاجي منذ الرابع عشر من فبراير باستبعاد الصبغة الطائفية عن هذا الحراك المشبوه وإخفائها في مخاتلة لم ولن يُكتب لها النجاح. إن الثورة أو الانتفاضة، وهذا ليس تنظيرا، فعل شعبي جماعي، تنبني أسبابها في قاع المجتمع ويشكل الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي المترهل أهم أسباب تفجرها العفوي وحتى المنظم. وهذا الواقع بعيد كل البعد عن المجتمع البحريني الذي يعيش فترة من أكثر الفترات رخاء اقتصاديا واجتماعيا وحقوقيا، وانفتاحا سياسيا لا ننكر حاجته إلى الدعم والتطوير والمساندة ولكن هذا بالتأكيد لا يأتي بافتعال أسباب مذهبية طائفية يحلو للبعض وصفها بـ»الثورة» لتمرير ذلك إلى وسائل الإعلام تمريرا تدرج به احتجاجات البحرين ضمن ما يقع في بعض البلدان العربية التي لا نعرف بعد ما الذي جنته من «ربيعها». وهذا توصيف، على أي حال، نعتقد بعدم دقته بالنظر إلى ما آلت إليه الحال في الدول التي تفتق فيها الربيع ولم نشهد أزهاره ووروده بعد. وأجدني في هذا المقام مجبرا على طرح سؤال نما عندي في خضم التفكير في الحال المفتعلة التي زجت بنا فيها جمعية «الوفاق» ومداره: «كيف لقيادات «الوفاق» أن تنجو من عذابات الضمير الدنيوي الذي لا بد له في يوم من الأيام من أن يستيقظ من سكرات المذهبية، ويفيق من سباته العميق في حضن الراعي الإيراني، ليواجه حقيقة الواقع البحريني المتحاب؟» لن أنتظر إجابة هنا ولكني أقول إن الشعب البحريني بكل مكوناته وبكل أطيافه السياسية وغير السياسية لن يرحم «الوفاق»، وسوف يودع مزبلة التاريخ كامل عملها واستهتارها بمستقبل البلاد، أليس كذلك؟

العالم كان هادئاً حتى اكتشف «كولومبوس» أمريكا

كان العالم جميلا، هادئاً، آمناً، ومستقراً وعال العال حتى مطلع ذلك اليوم المشؤوم والذي اكتشف فيه «كولومبوس» أمريكا.. كان يوما اسودا ما طلعت فيه الشمس، فمنذ ذاك اليوم والعالم كله تبدل به الحال، وأنقلب راسا على عقب، وهات ياعزيزي القارئ الورقة والقلم وأحسب معي جرائم امريكا ضد البشرية في العالم. احيانا اقرأ تصريحات الخارجية الامريكية والبيت الأبيض عن البحرين فأستغرب، ثم أندهش، واخيرا اتساءل: هل نحن دولة ذات سيادة؟ هل نحن دولة مستقلة؟ هل البحرين ولاية امريكية ونحن لا ندري؟ لماذا واشنطن لا تحترم نفسها قبل ما تحترم سيادة الدولة وعدم التدخل في شئونها الداخلية؟ والسؤال الجارح: هل امريكا نفسها تحترم حق التعبير في الولايات المتحدة الامريكية وحق التظاهر لمواطنيها؟ خليك معي للأخر «وأوع» تترك مقالي قبل ان تنتهي من قراءته، فأمريكا يا سادة والتى تطالبنا بأحترام حق التعبير، هي اول المتجاوزين والمنتهكين لحق المواطن الامريكي في التعبير، تريد ان تستدل على الدليل فأقرأ ما نشرته صحف العالم مؤخرا عن جريمة فصل الجندي الاميركي السارجنت غاري شتاين من قوات المارينز بسبب انتقاده للرئيس الاميركي باراك اوباما على فيسبوك.. «يا جماعة انتقده، يعني ما قال يسقط اوباما»!! طيب «وهل كيف» ارتكب جريمة النقد؟ بأن قام بوضع صورة الرئيس اوباما على صفحته الخاصة بالفيسبوك ضمن ملصقات الدعاية لعدد من الافلام من بينها فيلم «الاحمق»، وليت الأمر وقف عند هذا الحد، بل أن المارينز حرم شتاين، والذي كان يعمل في قوات المارينز لمدة 10 سنوات، من اي مستحقات نقدية او غيرها من المستحقات.. «نصيحة للجندي شتاين، نصيحة لوجه الله: بادر فورا بالاتصال بـ المحفوظ علشان يدافع عنك ويرجعك للمارينز لا، بل ويضمن لك رواتبك ومستحقاتك كاملة وعليهم الترقية وأنت جالس ومربع في البيت»!! بذمتك، حين تقرأ مثل هذه الاخبار، ألا تصاب بالغم والقهر، هل تقول إن هذا هو العدل، كما أفتى بذلك الشيخ «أسحقووووه»، أم تلتزم الصمت؟ أم تنبرى فى الدعاء الى الله ان يزلزل الارض من تحت اقدام الظالمين؟ دعك ولنمضى بالمقال فى شرح الجرح!! ودعنا في امريكا والتى تطالبنا بأحترام حق التظاهر، فقد طلعت اول من تنتهك حق التظاهر، وذلك وفق البيان الصادر من «هيومن رايتس ووتش» مؤخرا والذي طالب فيه المسؤولين الأمريكيين على مستوى الدولة والمستوى المحلي أن يحترموا حقوق المتظاهرين في حرية التعبير وحرية التجمع، وأن يمنعوا استخدام القوة المفرطة من قبل الشرطة الامريكية ضد المتظاهرين الذين «احتلوا وول ستريت»!! مقارنة ومعلومة للأمريكان «ع الماشي»: بلغت عدد المسيرات غير المرخصة في البحرين ومنذ اليوم المشؤوم في 14 فبراير 2011 وحتى مطلع يوم نشر هذا المقال، 7760 مسيرة غير مرخصة، وانا بدوري اتحدى البيت الابيض ان يسمح بخروج ولو مسيرة واحدة غير مرخصة تجوب شوارع واشنطن. طبعا ذلك غيض من فيض، ولا اريد ان اقلب المواجع وأنبش الجروح، واذكركم كيف كانت تحترم حقوق الأنسان في سجن ابوغريب، ومعتقل غونتانامو، لكن أنصح المهتمين بمعرفة كيف تحترم امريكا حقوق الأنسان قراءة كتاب «داخل الأسلاك الشائكة» للجندي ألامريكي السابق «إريك سار» والذي عمل في معتقل غوانتانامو لفترة، وقد وصف النقاد هذا الكتاب على انه وصف لأبشع جرائم ترتكب ضد الأنسانية في تاريخ البشرية جميعا، والسؤال الأخير: اليس من المعيب أن تعيب على الناس وأنت كلك عيوب؟

زنجيّ البيت وزنجيّ الحقل.. إنّه الفرق بين الأحرار والعبيد

مالكوم إكس أو الحاج مالك شباز، المسلم الذي يعدّ من أشهر المناضلين ذوي البشرة السوداء بأمريكا في منتصف القرن الماضي، يقول لأتباعه في أحد خطاباته المسجّلة والموجودة على «اليوتيوب»: عليكم أن تقرأوا تاريخ العبودية لتفهموا هذا. كان هناك نوعان من الزنوج (ويقصد بهم العبيد المضطهدين في أمريكا ذاك الوقت من ذوي البشرة السوداء).
يقول: كان هناك زنجي البيت وزنجي الحقل. زنجي الحقل يعتني بسيده، فإذا خرج زنوج الحقل عن الطابور كان زنجي البيت يمسكهم، ويسيطر عليهم ويعيدهم إلى المزرعة، وكان يستطيع ذلك لأنّه كان يعيش أحسن حالاً من زنوج الحقل، كان يأكل أحسن منهم، ويلبس أحسن منهم ويسكن في بيت أحسن!
كان يسكن فَوق بجوار السيد في الدور العلوي، أو السفلي. كان يأكل نفس الطعام الذي يأكله السيد، ويلبس نفس اللباس، وكان قادراً على التكلم مثل سيده بأسلوب وبيان جيد. وكان حبه لسيده أكثر من حب السيد لنفسه. ولذا لا يحب لسيده الضّرر، وإذا مرض السيد قال له: ما المشكلة سيدي؟ (أمريض نحن)؟!
وإذا اشتعل حريق في بيت السيد، حاول أن يطفئه لأنه لا يريد أن يحترق بيت سيده، لا يريد أبداً أن تتعرض ممتلكات سيده للتهديد، وكان يدافع عنها أكثر من مالكها. هكذا كان زنجي البيت.
ولكن زنوج الحقل الذين كانوا يعيشون في الأكواخ، لم يكن لديهم ما يخشون فقدانه، فكانوا يلبسون أردأ اللباس ويأكلون أسوأ الطعام ويذوقون الويلات ويُضربون بالسوط، وكانوا يكرهون سيدهم بشدّة، فإذا مرض السيد يدعون الله أن يموت، وإذا اشتعل حريق في بيت السيد، كانوا يدعون الله أن يرسل ريحاً قويّة! كان هذا هو الفرق بين الصنفين، واليوم مازال هناك زنوج البيت وزنوج الحقل، وأنا من زنوج الحقل. (انتهى)
مالكوم إكس، كان يشرح لأتباعه في ذلك الخطاب، الفرق بين الأحرار والعبيد، حيث هناك من العبيد والزنوج من هم أحرار أكثر من الأحرار أنفسهم.
ذلك المثال ينعكس بسهولة على مجتمعاتنا، حيث تجد الأحرار كما تجد العبيد!
هناك الموظّف الذي يركب أفخم السيارات، ويلبس أفخم الثياب، ويمتلك أجمل القصور، ورصيده في البنوك يقول: «يا أرض اتهدّي ما عليكِ أدّي»!! ولكنّه في الأخير يبقى عبدا، يعيش حياة العبيد، لأنّه لا يملك حتى قرار نفسه، لذلك تجده يعيش منبوذاً مكروهاً بين الناس، بالرّغم من أنّه يستطيع فعل ما يشاء، لأنّه عبد السيّد «وخادم السيّد سيّد» كما يقولون! ذلك العبد قد تجده رئيساً أو وزيراً أو حتى أكبر من ذلك!!
في الوجه المقابل، هناك الموظّف البسيط، الذي يركب سيارة عاديّة، وملبسه ومأكله ومسكنه تغوص في التواضع، ومع ذلك؛ تجده حرّ نفسه، يخشاه ويوقّره الغنيّ والمتكبِّر والسيّد، لأنّه يمتلك نفساً عزيزة وأبيّة، لا تُشترى بثمن، ولا يسمح لأيٍ كان أن ينال منها، عظيم الشّأن بين النّاس، برغم فقره وتواضع حاله.
برودكاست: ما أجمل أن يعيش الإنسان حرّاً كالطير، يقول ويفعل ما يؤمن به، ولا يبتغي بذلك سوى رضا ربّ الأرباب جلّ شأنه، لأنّه يعلم أنّه وحدهُ مصدر القوّة والعزّة والمَنعة.

خليفة بن سلمان يلقن الغرب درسا

حرصت على أن أقرا بإمعان النص الكامل للحديث الذي أدلى به سمو الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الى مجلة «دير شبيجل» الالمانية ونشرته قبل يومين.
ما ان انتهيت من قراءة نص الحديث حتى كتبت فورا على الهامش «خليفة بن سلمان يلقن الغرب درسا».
وهذا هو بالفعل جوهر ومغزى الحديث . سمو رئيس الوزراء، وهو يخاطب الرأي العام الغربي عبر هذه المجلة الشهيرة، لقن الغرب درسا حول أمرين كبيرين: الأول، يتعلق بفهم حقيقة ما يجري في البحرين، وكيف يجب تقييم الأوضاع في البلاد بشكل منصف. والثاني، يتعلق بالمواقف المعلنة التي تتخذها جهات شتى في الغرب مما يجري في البحرين، وكيف نقيم هذه المواقف.
اما عن حقيقة ما يجري في البحرين والأوضاع فيها، فان الرؤية التي طرحها سمو رئيس الوزراء في الحديث تتلخص في الجوانب التالية:
أولا: ان هذه الجماعات التي تسمي نفسها جماعات معارضة ويتعاطف معها الغرب، هي في حقيقة الأمر جماعات عنف وارهاب مدعومة من إيران.
قال سموه موضحا: «أتحدث هنا عن الذين يمارسون العنف والتدمير.. الذين يحرقون الاطارات، ويلقون قنابل المولوتوف على رجال الأمن، ويروعون المواطنين والمقيمين».
ثانيا: ان ممارسات هذه القوى على هذا النحو، لا يمكن ان تكون ممارسات قوى ديمقراطية او تسعى الى الديمقراطية كما تزعم.
واذا كان الأمر أمر حوار يزعمون انهم يطالبون به ويتحدث عنه الغرب، فقد فتحت القيادة أبواب الحوار بالفعل، لكن هم الذين قاطعوه وانسحبوا منه. وقد فعلوا ذلك انتظارا لتلقي الأوامر من ايران. وهم قبل ذلك انسحبوا من البرلمان، ثم لجأوا الى العنف والسعي لإثارة الفوضى في البلاد. يتساءل سمو رئيس الوزراء: هل هذه ديمقراطية؟!
ثالثا: ان هذه الجماعات ليست أبدا كما تروج عن نفسها في الغرب، أو كما يتصور الغرب، جماعات تنشد الديمقراطية والاصلاح في البحرين.
حقيقة الأمر ان الحديث عن «مزيد من الحقوق»، أو «مزيد من الديمقراطية والاصلاح» ما هو الا غطاء وذريعة لاخفاء الهدف الحقيقي الذي يسعون اليه. والهدف ببساطة هو «تحويل البحرين الى إيران ثانية».
رابعا: انه بشكل عام، لا أحد في الغرب او في أي مكان من العالم يستطيع ان يزايد على البحرين في مجالات الديمقراطية والاصلاح والتغيير. قال سموه: «البحرين بدأت مسيرة الديمقراطية والاصلاح منذ وقت طويل ، وقبل أي بلد عربي آخر. وجلالة الملك اوضح مرارا ان مسيرة الاصلاح مستمرة وان المجال مفتوح دوما امام مزيد من الاصلاح. ولدينا في البحرين دولة تقدم لمواطنيها التعليم المجاني والرعاية الصحية المجانية والمساعدات الإسكانية وإعانات البطالة.. الخ». وليس صحيحا على الاطلاق القول بأن الشيعة في البحرين هم فقراء أو مظلومون.
هذه هي الصورة التي قدمها سمو رئيس الوزراء الى الرأي العام الغربي حول حقيقة الأوضاع في البحرين وحقيقة ما يجري.
أما عن موقف الجهات الغربية من الأوضاع في البحرين، ومن هذه الجماعات، فقد كان سموه حاسما وصريحا ووضع النقاط فوق الحروف.
وعلى وجه التحديد، طرح سموه في هذا الشأن الجوانب التالية:
أولا: ان الغرب يعلم ان قيادة البحرين كانت لديها من الشجاعة ومن الرغبة في الاصلاح ما جعلها تعترف بأخطائها. ولهذا قبلت القيادة وقبلت الحكومة الانتقادات الحادة التي وجهها تقرير لجنة بسيوني ، وشرعت في تنفيذ توصيات اللجنة. وهي بالاضافة الى ذلك تنفذ مزيدا من الاصلاحات الأخرى.
ويتحدى سمو رئيس الوزراء الغرب بهذا السؤال: هل بالمقابل، اهتم المجتمع الدولي بمحاسبة المعارضة على افعالها؟ هل اعتبر هؤلاء مسئولين عن أفعالهم؟
ثانيا: ان الحكومة اظهرت حتى الآن قدرا كبيرا من الصبر مع المعارضة. ورغم كل اعمال العنف والتخريب والترويع التي تشهدها البلاد ، فان الحكومة لم تفعل الا الالتزام بالقانون.
لكن الغرب يستكثر على البحرين وينتقدها كل يوم وكأنه لا يريدها ان تتعامل اطلاقا مع الذين يقومون بكل أعمال العنف والترويع هذه.
وهنا ايضا، يتحدى سمو رئيس الوزراء الغرب بهذه الأسئلة: كيف يتعامل رجال الأمن في الغرب مع اعمال العنف ومع الذين ينتهكون القانون؟.. هل هم في الغرب يسمحون ببساطة للمتظاهرين بالقاء الحجارة وقنابل المولوتوف باسم حقوق الانسان؟.. وماذا فعلت بريطانيا مثلا في العام الماضي عندما اندلعت أعمال عنف وسرقة وحرق وتخريب؟
ثالثا: اما عن الذين ينتقدون البحرين في الغرب لأنها طلبت مساعدة قوات درع الجزيرة او مساعدة من السعودية ، فقد ذكرهم سموه بالتالي. قال لهم : عندما ذهبت امريكا الى العراق وافغانستان طلبت مساعدة حلفائها . ووقتها لم ينطق احد بكلمة. لماذا اذن ينتقدون البحرين عندما تطلب معونة اشقائها في مجلس التعاون. هذا مع العلم ان البحرين لم تطلب مساعدة للاعتداء على احد وانما للدفاع عن امنها واستقرارها.
هكذا إذن تحدث خليفة بن سلمان.
وكما نرى ، فان رسالته الى الغرب واضحة وقاطعة.. انه وفقا لأي منطق معقول، ووفقا لأي معيار منصف، فان هذه المواقف الغربية من البحرين، هي مواقف ظالمة ومشبوهة ومرفوضة.
رسالة سموه الى الغرب: ان كنتم تريدون حقا ان تفهموا حقيقة ما يجري في البحرين، فهذه هي الحقيقة. وان كنتم تريدون ان تتخذوا موقفا عادلا ومنصفا، فهذا هو الموقف المنصف العادل الذي يجب ان يكون.
وغير هذا، كان سموه حريصا على ان تصل رسالة أخرى الى الغرب بشكل واضح.. انه حين يتعلق الأمر بالأمن الوطني للبلاد وبأمن واستقرار المجتمع، فان مسئولية الحكومة ان تتصدى للأخطار وان تحمي الدولة والمجتمع.
قال سموه: «يجب ان نطبق القانون على كل من ينتهكه ويتجاوزه. هؤلاء يدمرون الممتلكات العامة ويهاجمون رجال الأمن ويعتدون على المقيمين الآسيويين.. من واجبنا ان نحمي كل من على ارض البحرين».
بعبارة اخرى، وفقا لمنطق سموه على هذا النحو، فإن على الغرب ان يفهم ان البحرين ليست ملزمة بالرضوخ لمواقف غربية ظالمة ومشبوهة.
واذا كان هذا هو الدرس الذي لقنه سمو رئيس الوزراء للغرب، وهذه هي الرسالة التي وجهها اليه، يبقى ان لما قاله سموه معنى مهما آخر يجب الا يخفى عن بال احد.
بمثل هذا الحسم، وبمثل هذه المواقف الواضحة دفاعا عن الوطن وأمنه واستقراره ومكتسباته، فان خليفة بن سلمان هو حصن أمان للبحرين.

مسرحية السيدة آنا غوميز

يقول الخبر إن عضو البرلمان الأوروبي السيدة آنا غوميز وصلت إلى مطار البحرين الدولي صباح يوم الأحد الماضي من دون تأشيرة تخولها دخول البحرين، وبحسب النظام المعمول به في البلاد فإنه يمكن الحصول على تلك التأشيرة في مطار البحرين الدولي في ذات الوقت فوراً، ووفقاً لضوابط واشتراطات معينة نرى أهمية إعادة النظر فيها والتشديد في منحها، وخاصة بعدما صار هذا النظام المعمول به بشأن التأشيرات بوابة دخول واسعة لممارسة أعمال العهر السياسي وكذلك الأخلاقي.
ثم يتواصل الخبر فيقول إن السلطات البحرينية المختصة بإصدار تأشيرة الدخول من خلال المطار لاحظت تضارباً في المعلومات التي أعطتها السيدة آنا غوميز للمختصين فقررت عدم منحها التأشيرة المطلوبة وأخطرتها بأنه يمكنها الحصول على تأشيرة دخول عن طريق الجهات المعنية وفقا لسبب الزيارة.
السيدة آنا غوميز أبدت أسفها لعدم حصولها على هذه التأشيرة وعدم تمكنها من دخول البحرين بهذه الطريقة ولم تنس أن تبدي قلق البرلمان الأوروبي وتباكيه على حقوق الإنسان في البحرين رغم أن زيارتها لم تكن بشكل رسمي.
تلقفت المعارضة عندنا هذا الخبر لتسارع في وضعه ضمن بضائعها التي تتاجر فيها فأصدرت بياناً تستنكر وتندد بمنع السيدة آنا غوميز من دخول البلاد، ضمن عدة بيانات دأبت على إصدارها، تخص حوادث وقضايا وجرائم قتل وتفجيرات في بلدان (العلوج) بينما لا نرى لها ما يرادفها من بيانات بشأن ذات الحوادث والقضايا والجرائم في بلدان العرب والمسلمين.
غير ان ما لم تتناقله الأخبار ولم تسعه البيانات هو أن تأشيرات دخول أي بلد هو حق سيادي للدول لا ينافسها أو ينازعها فيه أحد، يمكنها أن تسمح لمن تشاء مثلما يمكنها منع من تشاء حتى من دون ذكر أسباب. وهذا الفهم لهذا الحق السيادي تطبقه أمريكا والدول الأوروبية - التي تنتمي إليها السيدة آنا غوميز - بصورة بالغة الشدّة والتعقيد والصرامة حتى أن العشرات أو المئات أو أكثر المواطنين والمقيمين (يتمرمطون) عند بوابات سفارات وقنصليات هذه الدول، عدة أسابيع أو أشهر من أجل الحصول على تأشيرة دخول. وقد لا يحصلون عليها، ويقال لهم Try again حتى لو كانوا نواباً ومسئولين في الدولة، ومن دون أسباب، ومن دون بيانات استنكار، ومن دون إيضاحات. ويحدث ذلك بصورة عادية وشبه يومية. وتبعاً لذلك فإنه لا يمكن لأحد أن يستخرج تأشيرة دخول في مطارات تلك الدول كما هو الحال عندنا في البحرين.
سانحة: (مالنا غيرك يا الله):
يُحكى من قصص وصور المآسي والمجازر المرتكبة تجاه إخواننا في سوريا على مرآى ومسمع من العالم (الحر) أن امرأة أخذوها من منزلها في غياب زوجها، فبحث عنها في كل مكان يتوقعه، واتصل بمن يعرف في الأمن النصيري حتى عثر عليها في بعض مراكز الشرطة عن طريق الاتصال بضابط المركز الذي اشترط مبلغا كبيرا من المال ليطلق له سراح زوجته، فوعد الزوج الضابط بتدبير ما أراد من مبلغ ببيع بيته، ولكنه طلب منه أن يكلم زوجته ليتأكد أنها موجودة عندهم حتى يبيع البيت، فكلمته الزوجة وهي منهارة، وقالت لزوجها: لا تدفع لهم شيئا أبدا؛ فإني لم أعد أصلح زوجة لك، ولا أمّاً لأولادي، فأُودعك الآن وودّع أولادي نيابة عني، فلقد تناوب على اغتصابي عشرون من هذه الوحوش، وأنا أتجرع غصص الذلّ والهوان والألم، ولا وجه لي للقائك ولقاء أولادي، وأتمنى الموت العاجل، ولو قدر لي حياة فلن تراني ولن يراني أولادي بعد اليوم، لكن إن شاء الله تعالى أموت بسرعة، ثم أقفلت الهاتف وهي تبكي. حسبنا الله ونعم الوكيل.

إنترنت حلال

آخر التقليعات التي خرج بها الملالي في إيران، ما أطلق عليه اسم الانترنت الحلال، والحقيقة فقد وقفت طويلا أمام هذه العبارة التي بدأت تسري في الأوساط التجارية مؤخرا أسرع من انتشار (الجمرة الخبيثة)، بعد أن ابتكر تجار أغذية فكرة الأغذية الحلال، وباتت لها معارض ومؤتمرات ومحافل إقليمية وعالمية، تستقطب الكثير من الشركات التي لا دخل لها بالحلال مبدءا ومنتهى.
وقبل التقليعة الإيرانية الجديدة، فاجأتنا مصانع هندية بقصة السكر الحلال، وقالوا في معرض ترويجهم لمنتجهم (الحلال) الجديد إن مواطني الشرق الاوسط ــ ولست أدري لماذا مواطني الشرق الأوسط بالذات من دون سواهم من خلق الله المنتشرين في كل أصقاع المعمورة ــ قالوا إن هؤلاء سيتمكنون من تحلية فنجان القهوة أو الشاي بسكر حلال.
وفي عصف مهين للذهن، قالت الشركة إن جميع أنواع السكر التي نبتت لحومنا ولحوم فقهائنا من بعضها، لم يكن منتجا حلالا، لاحتوائه على مساحيق ناتجة عن حرق عظام الحيوانات التي تستخدم في عمليات تكرير السكر وتبييضه وتلوينه.
والواقع أن الأغذية الحلال باتت لها منظومة تحكي وتتخيل وتقرر وتصرح تحت مسمى (الاتحاد العالمي للأغذية الحلال)، وآخر التقارير الصادرة عن هذه (الهيئة العالمية لسوق الحلال)، توقعاتها بأن يتعدى حجم سوق الأغذية الحلال هذا العام حاجز ٢,١ تريليون دولار، وهو عصف للذهن أشد وطئا وأكثر إيلاما.
كل ذلك قد يكون ممكنا.. فقد تنفك مصانع الهمبوجر عن استخدام لحوم القطط والكلاب والزواحف الصحراوية في صناعة قطع اللحم اللذيذة المقدمة لنا في قوالب جذابة، وقد تقبل مصانع اللحوم المبردة والمصنعة بتعيين مراقبين شرعيين لعمليات الذبح التي تجرى على الأغنام والمواشي المرباة على بقايا معاصر العنب في استراليا المعدة أصلا لجز الأصواف، وقد تنتج الهند سكرا تستخدم في عمليات تكريره وتبييضه وتلوينه مواد مسرطنة، ولكن ما لم أستطع تخيله هو أنه كيف سيدشن الملالي في طهران، انترنت حلالا (معصوما) من الاختراقات، وقد اخترقت منشآتهم النووية وأطلقت في برامجها جرثومة خبيثة قبل شهور مضت، كلفت دولة (العمائم السوداء) مئات الملايين من الدولارات؟
نعتقد أن على إيران أن تقدح قرائح مفكريها في ابتكار سبل تعتقها من كماشة المراقبة الدولية التي وضعت نفسها فيها، بعد أن ركبت موجة الغرور وظنت أنها ستكون يوما كيانا مهما في منظومة الدول الكبرى.
وقفة
نعتقد أن (كذبة) سوق الأغذية الحلال، والسكر الحلال، لا تعدو كونها أسلوبا تجاريا لتسويق سلع بعينها في أسواق متخمة بالتنافس، ولكن ما بال إيران تريد الترويج لسلعة لا تجيد حتى استخدامها!! إنه الغرور الذي يعمي الأبصار.

المشروعُ الإيراني ينخرُ شعبَنا البحريني

عبر ثلاثة عقود تمكن المشروع الإيراني من التوغل، ارتكز على قوى عامية ريفية سطحية الوعي شديدة الانفعال وقام فعلُها على تفجير الفوضى في المجتمع البحريني عبر تقلباتها الحادة التي لا تصدر عن جذور نضالية محلية، فلم تظهر بأي مشروع ديمقراطي وطني.
المشروع الإيراني الدكتاتوري الدموي قام على الطائفية ومساعدة المنظمات الطائفية وتوغلها وخاصة في المجتمعات العربية القريبة منه.
وقد استثمر عقوداً من الجمود السياسي في الأجهزة الحكومية والجماعات الوطنية، ووجدَ قوى طائفية جاهزة للحراك.
وقد قبلت الحكوماتُ والجماعاتُ الوطنية المتضائلة الواقعَ الطائفي وكأنه قدر، لكون جهات شجعت الجماعات الطائفية الاجتماعية في مقابل تحجيم القوى الوطنية، فيما القوى الوطنية التي شَحبت وجدت القوى الطائفية الاجتماعية قد تسيست وجندت أناساً وقلبت الموازين ضدها فلم تصبر وتنضج توحداً وطنياً، بل قبلت التعاون مع القوى الطائفية واشتركتْ معها في نشر المشروع الطائفي السياسي الخطِر وتوصيل شعبنا إلى ما وصل إليه من مخاطر جسيمة.
وقد جاءتْ الإصلاحاتُ السياسيةُ البحرينية في بدايةِ القرن الواحد والعشرين قابلةً بالوضع السياسي القديم، وحاولت إعطاء فرص للقوى الوطنية والتحديثية بالظهور والتأثير.
إن المبنى السياسي العام الطائفي لم يتغير، والقوى الطائفية السياسية راحت تشتغل بقوة، وتستفيد من تخلف وعي الشعب بعد عقودٍ من غياب الديمقراطية .
الدكتاتوريةُ الطائفية التابعةُ للمشروع الإيراني وأجندته السياسية، التي فرضتْ نفسَها بقوة عبر الشبكات العبادية والشبكات التنظيمية كانت مترددة في فهم المشروع الإصلاحي من القبول الحاد حتى الرفض الحاد من دون درس عميق، وطلبت مجلساً منتخباً واحداً، ورفضت الثنائية الملتبسة للغرفتين في البرلمان، هادفة الاستيلاء على السلطة.
لكن هذا لم يحدث، وظهرت غرفتان في المجلس.
مشروع البحرين الديمقراطي لم يتطور عبر هذا التردد، ووجود جسم طائفي من الجمهور المغيّب الوعي المتحمس بتشنج، والمرتبط بالنفوذ الإيراني، كل هذا لم يسمح للمشروع بالتطور.
من بداية القرن الجديد راحت السلطة العسكرية تتصاعد في الجار الإيراني، والقوى الليبرالية الدينية أُزيحت واُعتقلت.
وصارت الجماعاتُ الطائفيةُ خطراً سياسياً واجتماعياً متصاعداً لشعب صغير ودولة محدودة المساحة، وهي جماعات تتسم بالعاطفية الحادة والتخلف الفكري الشديد والحماقة.
وكان من الممكن أن تتطور مشاركة هذه الجماعات الطائفية السياسية عبر البرلمان وعبر الصحافة وتطوير البرامج ونقد المشروعات الحكومية وكشف الأخطاء ومعالجاتها.
لكن المشروع الإيراني واصل الصعود في المنطقة، وخاصة مع الثورات العربية التي تفجرتْ في أكثر من بلد، وكانت الجماعاتُ الطائفيةُ مختلفة حول المشاركة في البرلمان والمقاطعة، وفجأة حدث التحام واتفاق على المشاركة في التحول ومحاولة الإطاحة بالنظام في البحرين.
وقد بينت أحداثُ فبراير جمود المعسكرات كافة ، فالقوى الحكومية لم تسرع بالإصلاحات ، وكان وقف مشروع المدينة الشمالية على سبيل المثال نموذجاً وكان يمكن أن يَسحب البساط من تحت أرجل المتطرف في الجماعات الطائفية السياسية.
إن عدمِ تغييرِ ظروف الجماهير ربما يكون هو من أهم الأسباب التي تعكز عليها الطائفيون المتطرفون لإثارة أزمة كبرى.
لقد جرتْ تغييراتٌ كبيرةٌ في مجالات أخرى وفي زمن قصير، لكن نظر الدولة لم يتجه لبؤرةِ المشكلة وهو وضع الجماهير العاملة وخاصة في الريف والمدن الصغيرة والأحياء القديمة، وإلى ضرورة حل مشكلات الإسكان والبطالة والأجور خاصة وتحجيم العمالة الأجنبية وخاصة السائبة منها، ومشروع المدينة الشمالية السابق الذكر كان يمكن أن يلعب دوراً مهماً في حفر مجرى جديد من التطور الاجتماعي السياسي كنموذج للتعاون بين القوى الاجتماعية المختلفة.
حين نجد المشاركين في الأحداث نجدهم من القوى الشبابية العمالية الذين وقعوا ضحايا لغياب الوعي الوطني الديمقراطي وصعدتهم الخطاباتُ الطائفيةُ في المراكز السياسية، وهم ينطلقون من ظروفهم ومشكلاتهم ولا يعرفون خيوطَ السياسة الممتدة من بعض السياسيين إلى القيادة الإيرانية.
وهناك شبكات قوية داخلهم لعزلهم عن الصحافة المختلفة ومراكز السياسة والوعي خارج خطابات التطرف الطائفية والهيمنة، بحيث يبقون باستمرار في هذه الدائرة، وبحيث تنزل المستويات للأطفال ويتم تجنيدهم من خلال المراكز العبادية وشحنهم عاطفياً وفصلهم عن إخوتهم في الوطن والعروبة.
لقد أدى تفجر الثورات العربية إلى خلط الأوراق بين الواقع البحريني والدول العربية الأخرى، ليس لأنه لا توجد مشكلات في بلدنا، ولكن لأن الخيط ضاع بين (المعتدلين) الطائفيين و(المتطرفين).
وهو حدثٌ يثبتُ أن الوعي الديني اليميني التقليدي ليس فيه عمق أو تيارات أو مستويات تحليلية مختلفة، فالمعتدلون لم يواصلوا النضالَ من داخل الأجهزة البرلمانية والبلدية، ولم يجثموا سوى بضعة شهور وكانوا يريدون التغيير الواسع الجذري!
فيما كان المتطرفون المطرودون من هيمنة الدكتاتورية الطائفية المحلية ومن الانتخابات والحصول على مقاعد وفرص سياسية، مستعدين ببساطة للقفز في الفضاء السياسي بأي شكل.
وكان من الضروري للمؤسسات الحكومية أو للمؤسسات السياسية الأهلية أن تسمح لهؤلاء المتطرفين بالوصول للمجلس المنتخب وللبلديات والاندماج في الحياة السياسية بدلاً من عزلهم.
لقد كان التقاء هؤلاء واتفاقهم على القفزة السياسية المغامرة يوضح غياب الاعتدل والتراكم الديمقراطي وانهيار ذرات الموضوعية بسرعة شديدة، مما يوضح الجذور للمواقف السياسية السطحية وعدم امتلاكهم أدوات التحليل والتجذر الوطني.
وبالتالي كان هذا جراً خطيراً بتمزيق الشعب وتعريضه للصراعات الطائفية الشوارعية وتأجيج الصراعات بين الدول الخليجية العربية وإيران التي ألهبتْ هذا التطرف وقادت خيوطه من البدايات الأولى لتأسيس المنظمات الطائفية.
وتفاقم هذا أكثر مع تحول الثورات العربية وتهديدها للنفوذ الإيراني، وصارت هذه السنة ٢٠١٢ هي سنة الثورة السورية، وضرب العروة الوثقى لهذه السيطرة الإيرانية امتد من العراق حتى لبنان.
وغدت البحرين الضحية لهذا الصعود الإيراني وللانحدار الإيراني في المنطقة على حد سواء، رأت فيها الجدار الهابط الذي تقفز فوقه ووجدت قوى تساعدها على هذا القفز الإجرامي.
فمن الضروري للقوى السياسية التوجه للمواطنين وللمواطنات كافة، والدفاع عن حقوقهم ومعيشتهم من دون نظر لأي جانب آخر، وعدم الانسياق وراء ردود الأفعال ومجابهة القوى الطائفية بطائفية مضادة بل بنضالية صامدة وتضحية كبيرة من أجل الوطن وهزيمة المشروع الإيراني الطائفي.

ماذا لو تم اغتيال السفير

ثار حديث مؤخراً عن محاولة إيرانية لاغتيال السفير السعودي في القاهرة أحمد قطان. أجهزة الأمن المصرية أفشلت المحاولة وألقت القبض على العناصر الثلاثة التي كانت ستستهدف أيضاً شخصيات مصرية عامة. الأمير سعود الفيصل - بحسب ما نقله مستشار السفارة السعودية سامي جمال الدين - حينما تم إبلاغه من قبل السفير السعودي بتلك المحاولة، وحرصاً منه على الأوضاع في مصر، طلب التكتم على الموضوع وأن يقتصر الإجراء على إخطار الجهات الأمنية لتشديد الحراسة. وبعد انتشار هذا الخبر، نفى مصدر رسمي صحته، وقال إن السفير منذ تسلمه مهامه لم يتعرض لمحاولة اغتيال.
لكن دعونا فقط نتخيل أن هذا السيناريو صحيح، وأنه قد نجح في مصر. ماذا سيحدث؟ يتم اغتيال السفير السعودي، ويؤدي ذلك إلى عاصفة من الغضب لدى القيادة والوسط السعوديين، وفي هذه الأثناء يتم اغتيال شخصيات عامة مصرية، فتكون أصابع الاتهام في الوسط المصري موجهة بشكل طبيعي إلى السعودية، فقط تخيلوا ما الذي يمكن أن يحدث؟ سوف يؤدي ذلك إلى أكبر أزمة في تاريخ البلدين، وإلى مشاعر عداء بين الشعبين الشقيقين، ومن المؤكد أنها ستنتهي إلى القطيعة، وإلى إجراءات متشددة من كل طرف إزاء الطرف الآخر.
هذا سيناريو شيطاني إلى أبعد الحدود، ويجدر بكل من مصر والسعودية الاستيعاب التام بأن هناك من يحلم بالوقيعة بينهما، ومن يرى أن مصلحته تكمن في دق إسفين العداء بين مصر والسعودية، وحينما نفتش عن المستفيد من هذا العداء فإن الصورة تتضح أكثر وأكثر، وأكبر دليل على ذلك هو الأزمة الأخيرة. الشعبين المصري والسعودي سارعا إلى تدارك أزمة استدعاء السفير السعودي وإغلاق السفارة والقنصليات عبر حملات عفوية في مواقع التواصل الاجتماعي، وقد أثمرت كثيراً، وهناك الكثير من العقلاء الذين خرجوا مؤخراً في الجانب المصري ليشددوا على أن ثمة وقيعة تحاك خيوطها بين السعودية ومصر، وأن مثل هذا الأمر يجب تجاوزه بسرعة.
مصادر دبلوماسية توقعت زيارة ينفذها المشير محمد طنطاوي للسعودية في القريب العاجل، بعد أن تنتهي زيارة وفد مصري رفيع للسعودية. ومن المتوقع أن تنتهي هذه الأزمة سريعاً وتعود المياه إلى مجاريها بسبب العلاقات التي أسميها «فطرية» وأكثر من استراتيجية بين البلدين. لكن يظل السؤال قائماً: ماذا عن المستقبل؟ وهل ستقبل القيادتان المصرية والسعودية بأن تتمكن أطراف متغلغلة في الداخل المصري بنشوب أزمات مماثلة؟ من المؤكد أن مصر تملك الكثير من المعلومات عن محاولات عدة لاختراق المنظومة الأمنية المصرية وضرب الاستقرار تماما كما هي المحاولات في الخليج. فماذا لو نجح مخطط واحد في الداخل المصري من بين عشرات المخططات في المنطقة.

مظلومية الـ بي بي سي

من منا لا يذكر اذاعة البي بي سي العربية وعصرها الذهبي، الذي امتد منذ تأسيس القسم العربي حتى منتصف تسعينيات القرن الماضي، حيث كانت الرئة التي يتنفس بها الانسان العربي المتعطش لمعرفة الحقيقة، من وجهة نظر محايدة تنقل له الحقيقة بكل جوانبها، من غير اتخاذ تلك الاساليب القذرة والاكاذيب والافتراءات، التي تنتهجها اليوم قنوات الثورة التكفيرية كالعالم وبرس تي في والكوثر وبقية قنوات الشعوذة العراقية. ولم تكن معرفة الحقيقة هي الشيء الوحيد الذي أسر قلوب وعقول المستمعين العرب، بل إن التثقيف السياسي والاقتصادي كان أحد أهم أهداف البي بي سي العربية للمستمع العربي.
ولكن هذا العصر الذهبي اصطدم بعقبتين رئيسيتين أطاحتا بمصداقية وشهرة البي بي سي العربية، وهما عصر الفضائيات وانتشارها بسماء العالم العربي، والثاني ظهور جيل جديد للبي بي سي لم يكن بمستوى وبمهنية وحيادية وعقلية الجيل القديم. فالفضائيات العربية خصوصا الجزيرة والعربية ونجاحهما وشهرتهما، أطاحت بالبي بي سي وسحبت جمهورها العربي. وانتشار القنوات القذرة والطائفية سحبت أيضا جزءا من جمهور البي بي سي، لأن هذه القنوات كانت تعبر عن طائفية هذا الجمهور. أما الجيل الجديد للبي بي سي، فلم يستطع أن يجاري قوة وسطوة وشعبية طاقم وإدارة الجزيرة والعربية.
والبي بي سي العربية الآن تسير وفق ثلاثة روافد، يعمل اثنان منهما على استمرار هذه المؤسسة البريطانية، وسط هذا البحر الهائج من الفضائيات العربية. وأول هذه الروافد هي شهرة البي بي سي، وثانيها إمكانات البي بي سي الأم، وأخيرا إدارة الجيل الجديد. بمعنى ان البي بي سي العربية ساعدها في الاستمرار حتى الآن شهرتها وتاريخها السابق، بالإضافة الى الإمكانات الهائلة التي توفرها البي بي سي الأم. ولو فرضنا ان هذين الثلثين وهما الشهرة والسمعة السابقة وإمكانات المؤسسة الأم لم يكونا متوفرين، فلنا ان نعرف بأن وضع البي بي سي العربية سيكون مزريا ومأساويا.
أما لو نظرنا الى الثلث الاخير من هذه العوامل وهي ادارة الجيل الجديد، فاننا سنكون أمام قناة لا تمتلك ادارة وسياسة اعلامية واضحة، ولا ترتكز على أسس واضحة لمعنى الحيادية والمهنية، التي كانت تقود عقلية الجيل الجديد. ولو اخذنا مثلا مسألة تعاطي القناة مع الشأن البحريني، فإننا سنجد سياسة تحريرية طفولية لا تعرف للتحرير معنى واضحا. فالناظر الى تعاطيها، سيكتشف انه أمام قناة (برس تي في) الإيرانية الناطقة بالانجليزية، من حيث الدعاية الواضحة والتحيز المفضوح للمعارضة الموالية لإيران، من حيث استضافة رموز وقادة هذه المعارضة في بعض الأحيان بكل شاردة وواردة لوحدهم من دون وجود طرف آخر. وأيضا من خلال نشر أخبار لا ترتقى مطلقا لأن تكون على الشريط الإخباري او في النشرة الإخبارية. فمثلا تبث خبر مقتل 130 شخصا بنيران قوات الامن السورية، وبعده تبث خبر وجود جثة في إحدى القرى البحرينية “غير بعيدة عن موقع سباق الفورمولا”. وتارة اخرى تمجد بمرتزق دانمركي يقوم بحركات صبيانية ويمتنع عن الأكل، في سبيل استعطاف العالم العربي، وتسويق هذا المرتزق الدانمركي ليكون والعياذ بالله قدوة للعرب، مع العلم بأن مقاوما عراقيا أو سوريا يعادل في بطولته المعارضة الموالية لإيران كلها.
إن المهنية والحيادية تتطلب منك النظر الى مجموعة الاخبار لديك لتختار منها الأهم ثم المهم لتبثه للمشاهد، وهو ما لم يلتزم به الجيل الجديد من البي بي سي، في تعاطيه مع الوضع والشأن البحريني. ولعل احد أغبيائهم اشار عليهم بأنهم سيحققون سبقا إعلاميا بالتركيز على الوضع البحريني، لأن الجزيرة والعربية لا تتطرق الى البحرين. وهذا رأي غبي يثبت عدم وصول عقلية هذا الجيل الى عقلية الجيل القديم، لان المشاهد العربي يعرف أن ما يحدث بالبحرين هي محاولة إيرانية لقلب نظام الحكم من خلال التستر بثياب الثورات العربية، تمهيدا لاحتلال البحرين مثلما احتلوا العراق. والأمر الثاني هو ان المشاهد العربي مشغول بثوراته وإصلاحاته وبدعم الثورة السورية، ولا وقت لديه حتى يهتم ويتابع مظلومية المعارضة الموالية لإيران ولا مظلومية الجيل الجديد للبي بي سي وفشله بعدم الوصول الى شهرة وعقلية الجيل القديم.

كل هذا ممنوع

على المسافر إلى الولايات المتحدة أن يملأ استمارة لم تتغير منذ أكثر من نصف قرن: «هل كنت عضوا في حزب شيوعي؟ هل عانيت من صحة عقلية؟ هل تنقل أي خضار أو ثمار؟»، وعندما تدخل مطارات بريطانيا تطالعك التحذيرات: «هل تحمل أي خضار أو ثمار من خارج المملكة المتحدة؟»، ومنذ أكثر من نصف قرن تبدأ استمارة الدخول إلى السعودية بتحذير بالأحرف الكبرى: «تهريب المخدرات عقوبته الإعدام!».
تخالف الصيدليات في السعودية ودول الخليج القانون فتبيعك أي دواء من دون وصفة طبية. ليس المسكنات، فهذه لا تستطيع الحصول عليها حتى لو توسلت للصيدلي. والآن في بيروت، حيث يمكنك شراء أي شيء وأي أحد، أصبح مستحيلا الحصول على دواء مخدر من دون إجازة طبية. لا يمكن المزاح في صحة المواطن ولا في صحة الوطن. والسعودية كانت أول دولة عربية - منذ زمن - تمنع إعلانات السجائر في كل مكان.
لا يمكن أن تقبل الدول بأن تضع شوارع الدول الأخرى قوانينها وتنظيماتها. لم أسمع أن أحدا أو دولة اعترضت مرة على قوانين مطار القاهرة، أو مطار شرم الشيخ. ولا سمعنا أن سفارة، أي أرضا ذات سيادة، هوجمت لأن مهربا قد أوقف متلبسا بالجرم. العلاقات والأعراف الدبلوماسية تنظمها مواثيق واتفاقات فيينا 1961 وسواها، وليس الغوغاء وثقافة الشوارع، وينفذها السفراء والدبلوماسيون المعتمدون والذين يعرفون ويقدرون معاني وتاريخ وحجم العلاقات بين البلدين. ولعل العلاقة السعودية - المصرية أعمق وأوسع علاقة عربية مشتركة، منذ أيام الملك عبد العزيز، سياسيا واقتصاديا وثقافيا وتجاريا. وكانت هذه العلاقة أيضا سند العلاقات والاستقرار في العالم العربي. ويجب ألا يسلم كل هذا التراث وكل إمكانات المستقبل لمجموعة من الغوغاء الذين لا عمل لهم سوى عنف الشوارع.
لقد أضرت هذه المسالك من قبل بالعلاقة الجزائرية - المصرية، وأدت الاشتباكات البلهاء إلى سقوط قتلى وجرحى. لكن المتضرر الأكبر كان صورة مصر التي لوثتها صبيانيات الجهل والحماسات الفارغة.
تستحق العلاقة المصرية - السعودية رعاية وعناية أوسع وأعمق. كانت أول زيارة قام بها المشير طنطاوي بعد الثورة إلى ليبيا الجارة، وهذا طبعا حق، لكن كان يجدر به أيضا القيام بزيارة إلى دولة تستضيف 3 ملايين مصري باستمرار منذ عقود، وتعتبر أكبر مساهمة عربية في اقتصاد مصر واستثماراتها ومداخيلها. وربما كان في الأحداث الأخيرة درس غير مقصود لمعنى وأهمية هذه العلاقة التي تعرضت للانهيار مرة بسبب مدرس اعتدى على طفل ومرة بسبب محام اعتدى على أدق بند في قوانين الدول.

الجانب السياسي لفتنة الجيزاوي

ربما كان من أهم ثمار «فتنة» الجيزاوي، وهي فتنة بالمعنى اللغوي (الاختبار) لتصحيح تراكمات طويلة فيما يخص العلاقة المصرية السعودية وتحديدا في التجاذبات الإعلامية المفتعلة في مرحلة الثورة وما بعدها، بسبب ما يتوهم من موقف السعودية تجاه الثورة والذي كان صريحا في حينه أن المملكة مع خيار الشعب المصري، وأن ثمة قلقا كبيرا على مرحلة المابعد فيما يخص الاستقرار السياسي لبلد استراتيجي كمصر وهو ينسحب على كل البلدان التي شهدت تحولات جذرية وعميقة في مؤسسات الحكم.
هي «فتنة» بالمعنى الدلالي الشرعي للكلمة حيث تتحول قضية «عين» فردية إلى حدث سياسي دراماتيكي يتصدر الشاشات، ويعيد فتح ملف العلاقة بين البلدين، في حين أن «الجيزاوي» لا يدخل ضمن نطاق العمالة وهو الملف الذي فتح على خلفية الأحداث؛ بل دخل البلد بتأشيرة معتمر، كما أن الأحداث كشفت عن جهل كبير وربما تجاهل لطبيعة «القضاء» في المملكة بما يحيله إلى أنماط بدائية، فتكلم عنه مختصّون مصريون في الفضائيات بما يقترب من حدود الفضيحة العلمية، صحيح أن هناك أصواتا كثيرة تطالب بتطوير القضاء وتقنينه وإعادة النظر في جوانب إدارية وإجرائية لكن أن يعتقد قانونيون مصريون مختصون أنه يمكن الحكم غيابيا في المملكة على شخص انتقدها فهو أمر يدعو للخجل ويعكس مدى تغلغل «الصورة النمطية» التي نلوم اليوم من يكرّسها في الإعلام الغربي في عصر الانفتاح المعلوماتي.
في نهاية المطاف ليس من المهم الدخول في تفاصيل ما جرى على طريقة «مع» و«ضد»، أو حتى «الصلح خير» ومن ثم استعراض قائمة عريضة وطويلة من فضائل العلاقة بين البلدين أو ضرورياتها، المهم حتما هو قراءة للحدث من زاوية سياسية صرفة وهو ما يستدعى الحديث عن «الابتزاز السياسي» الذي مارسته قوى سياسية مصرية وأيضا شخصيات تنتمي لفضاء الإسلام السياسي بالمعنى العام، وهو ما ألقى في نظري بظلاله على القضية فزادها رهقا وتضخيما وحوّلها من مصاف «القضية الفردية» إلى «قضية رأي عام».
جذر المشكلة تمثل في الأداء السياسي للإعلام المصري، والذي يعيش مرحلة ارتباك منذ بدايات الثورة، فانتقاله من إعلام «النظام السابق» جعله يستبدل «الديكتاتور» النظام إلى «الديكتاتور» الثورة، ومن هنا نلحظ غياب أي ممارسة نقدية جادة لا سيما في الفضائيات التي تحولت فجأة إلى مسبّحة بحمد الثورة ورافضة لأي نقد أو مراجعة لمفرداتها على الواقع، بل واستطاعت - في توهم أجواء الحرية - الانحياز ضد المجلس العسكري بما يشبه الحس المؤامراتي كما هو الحال في تغطيتها لأحداث ماسبيرو وأحداث العنف في بورسعيد، والذي أكد عدم تغير الخطاب السياسي للإعلام المصري وإنما تحوّله من إعلام كان مدعوما من حكومة مبارك التي عادة ما كانت تصب قوتها في دعم مرشح للنقابة إلى أن أصبحت الثورة بديل النظام ومن يدفع بالترشيح؛ حيث انحازت لمرشح الإخوان أو حليفهم كما يحب أن يوصف ممدوح الولي على حساب يحيى قلاش مرشح الليبراليين وكلاهما كان يلعب على وتر حرية التعبير وحماية الثورة وهو ما تجاوز إلى عدم احترام الالتزامات السياسية لمصر، فأصبح الإعلام يعكس فوضى الشارع وينساق وراءه فضلا عن المنافسة بين أقطاب الإعلام المصري لا سيما الفضائيات الخاصة التي باتت تزايد في خطابها السياسي لاستقطاب أكبر قدر من الحشود الغاضبة من تردي الأوضاع والتي لا تنفك تصنع «ضحيتها» يوما بعد يوم.
الموقف من السعودية تحديدا - والجيزاوي ورقة صغيرة في مهب رياح الثورة المضطربة بعد أن تجاوز الاتهام تصريحا وتلميحا إلى الموقف من النظام السابق وهو مرتبط في السياق السعودي باحترام السيادة وحق الشعوب - انتقل إلى حديث عن دعم للإخوان تارة وللسلفيين تارة، وللمجلس العسكري على حساب باقي القوى تارة أخرى ومصدر بعض هذه الاتهامات هو الإخوان في محاولة لتفسير اكتساح السلفيين وكسبا لرضا الشارع وتحديدا قوى الثورة من الشباب، أو يكون الاتهام من شخصيات ثقافية لا ترى في السلفية إلا صورة كلاسيكية مهترئة وكأنها فكرة بالية يمكن أن تصدر برافعة المال، وهذا الاتهام عدا كونه ينم عن جهل شديد بسياق التجربة السلفية المصرية وتأثرها وتأثيرها بغيرها، فإنه ضعيف جدا إذا ما استحضرنا تصريحات زعماء سلفيين تجاه السعودية إن في أزمة الجيزاوي أو في غيرها، فضلا عن بيان حزب الحرية والعدالة التابع للإخوان والذي كرس كل معاني «الابتزاز السياسي» في لغة فوقية متعالية قفزت على أبسط أبجديات السياسة فيما يخص «السيادة» وهي حق الدولة داخل بلادها في وضع وتطبيق القوانين وفقا لإجراءات القانون الدولي الذي يتحدث بشكل تفصيلي عن معاهدات التسليم وحدود السيادة واستثناء الممثلين السياسيين بشروط مفصّلة وطويلة.
أزمة «الابتزاز السياسي» لم تكن بضاعة جماعات الإسلام السياسي وهي تخوض مرحلة استعدادها للظفر بالسلطة بأدوات أبعد ما تكون في الحنكة السياسية سواء في خطابها الداخلي غير المطمئن، أو حتى في خطابها الخارجي الذي اعتمد على رفع كروت الضغط مبكرا قبل التمكين.
الإشكالية في شخصيات مؤثرة ولها ثقلها الإعلامي سواء كانت حركية أو شخصيات ساهمت في صنع الثورة وربما كان استعجال وائل غنيم وحماسته في البداية إلى نقل الخبر المغلوط إلى وكالات الأنباء الأجنبية وتحويله إلى قضية رأي عام مثالا على هذا الاستعجال وقد اعتذر عنه بعد أن تأكد من «أصدقاء» كان بوسعه سؤالهم وهو يعلم ثقل كلماته في محيط الإعلام الجديد.
المثال الثاني وهو محبط للغاية في مجموعة من الشخصيات الفكرية المؤثرة لدى الجمهور الأوسع من أنصار الإسلام السياسي والذين تحدثوا بشكل لا يخلو من انتهازية كبيرة عن ضرورة إدراك أن مصر تغيرت ويقصد قوى الإسلام الصاعدة الجديدة، وأنه لا يمكن التعامل معها على الطريقة القديمة، وهي طريقة تعتمد الكثير من المراوغة والتلميح الذي يقول كل شيء ولا يقول شيئا، ماذا يعني أن يتحدث شخص بقامة المفكر السعودي (القطري جنسية) محمد الأحمري عقب إعلان الخبر في حسابه على «تويتر» عن أساليب الـ«إف بي آي» ضد الخصوم وتلفيق التهم الجنسية وزرع المخدرات في البيوت والسيارات، وهل يمكن أن تستهدف دولة كالسعودية بحجمها شخصا لا يكاد يعرفه أحد كالجيزاوي وبهذه الطريقة، ثم يمعن في الغرابة التي لا يمكن تفسيرها إلا بمحاولة توظيف أي حدث لتعزيز موقفه ليقول «مصر لم يعد بالإمكان التعامل معها كما كانت في السابق.. لم تعد عزبة مبارك»!!.
حديث الدكتور الأحمري الذي اقتبسته نظرا لتأثيره ومكانته، قد سبقه ولحقه كلام كثير حول التغير المصري بما يشبه «النذير العريان» أو التحذير على طريقة التخويف، فمن قائل بضرورة أن لا ندع الإسلاميين ويقصد الإخوان ليذهبوا إلى أحضان إيران كما ذهبت حماس ومن قائل أن الأهم هو تقديم المعونات الاقتصادية لكسبهم، وهي مقولات تتعامل مع تعقيد السياسية على طريقة إدارة المؤسسات الخيرية الحزبية، الأحمري وآخرون يدركون جيدا أن أي دولة أخرى بما فيها الدول الراعية للثورات كانت ستقيم الدنيا وتقعدها لو أنها تعرضت لما تعرضت له سفارة المملكة.
الأكيد أن تحولات مصر الجديدة تخصّ بالدرجة الأولى مصر ذاتها، وما حدث من الناحية السياسية هو خلل يتحمل المجلس العسكري بحكم أنه الحاكم الآن جزءا منه، حيث لا يعقل أن يحدث ما يحدث دون تدخل منه سواء كانت الاحتجاجات أو الفوضى مست سفارة أي دولة أو حتى المنشآت التابعة له، كما أن ما حدث من ناحية أخرى يدل على ضرورة قيام حركة تصحيحية فيما يخص تنظيم رعايا البلدين حيث تقيم أكبر جالية في كل بلد؛ مليونا مصري في السعودية ونصف المليون سعودي في مصر، وهي إجراءات قانونية يجب أن لا تخضع لأي مزايدة سياسية أو ابتزاز على طريقة «الفزّاعة».
أزمة مصر الحقيقية هي في اضطراب المرحلة الانتقالية وكانت «فتنة» الجيزاوي مثالا صارخا لما يمكن أن تتحول إليه قضايا صغيرة في غياب الاستقرار السياسي الذي يبدو أن مصر اليوم أحوج ما تكون إليه بغض النظر عن صانعيه وأبطاله.

هذه من المؤامرات الخطيرة

لا أريد التجاوز على بلاد الشام وشبابها الشجعان إذا ما وصفت مصر بقلب العروبة، فكان لمصر ثقلها الثوري والثقافي على طول العالم العربي وعرضه. ومن المد الثوري ما كان مفيدا، ومنه ما كان ضارا أيضا. وعلى الرغم من حب الزعامة لدى عبد الناصر، فإنه كان زعيما بعيدا عن الفساد، وهذا وحده يكفي أحفاده فخرا. بيد أن المد الثوري الناصري وما تبعه من مواقف، قوبل بمواقف عربية شعبية وحكومية بناءة وأحيانا تاريخية بغض النظر عن التصادمات هنا وهناك. وعلى مستوى الحرب، فإن العرب لم يكن لهم دور في غلق الملاحة الجنوبية في ممر شرم الشيخ، الذي أخذ ذريعة لحرب يونيو (حزيران). وأذكر أن ضابطا مصريا كان يدرسنا اللغة العبرية في الكلية العسكرية العراقية وقتذاك، أخرج علبة ثقاب وأشعل عودا وقال: «هذا غلق الملاحة».
وفي حرب أكتوبر (تشرين الأول) كان سربان من القاصفات التعبوية العراقية بطياريها في مقدمة طائرات الضربة الجوية الأولى، التي عبرت أجواء السويس لمهاجمة مواقع الدفاع الجوي الإسرائيلية وغيرها في سيناء، فيما كان البعثيون حكام العراق آنذاك على غير وفاق مع السياسة المصرية عموما.. ورابطت قوات رمزية سعودية وكويتية على جبهات الحرب.. وكان للمملكة العربية السعودية الدور الأكبر في استخدام النفط أداة مباشرة من أدوات الحرب.. وكان الموقف الجزائري مشهودا.. وفتح العراق سابقا، والخليج والأردن سابقا وحاليا، الأبواب أمام شباب مصر للعمل.. ومع أنه استحقاق قومي وتنموي، فإنه يدل على البعد الاستراتيجي بنظرة تفاعلية جديرة بالانتباه.
وكان القلق العربي على مصر كبيرا خلال ثورة الشباب، التي لولا القوات المسلحة بقيادتها الواعية ومخابراتها المنظمة، لتحولت بأكملها إلى ساحة فوضى لا تدع شبرا من الأرض إلا وتركت دخانا فيه؛ فوقف الخليجيون مع تفهم متطلبات التغيير ووقفوا مع مصر كلها. ومن تابع فضائيتي «العربية» و«الجزيرة» خلال أسابيع الثورة، يدرك الموقف التفاعلي الخليجي.
فماذا حدث يا شباب مصر؟ هل نسيتم أن الرئيس مبارك قد رحل بنفسه وبنظامه، وأن الأمة التي وقفت معكم في أحلك الظروف تريد لمصر أن تأخذ دورها القيادي بسرعة نهوض ثوري؛ وليس أن يجر نفر من الغوغاء والبلطجية حبال الشد خارج حركة التاريخ لضرب المسار التاريخي العربي.
أنا - بصفتي مراقبا عن بعد - لا يمكن أن أفسر ما جرى أمام السفارة السعودية في القاهرة، إلا وفق نظرية التآمر السلبي.. فالمطلوب الآن ضرب امتدادات مصر الراسخة، وضرب مناطق الاعتدال بعضها ببعض وإشاعة عدم الثقة، والتشكيك في وحدة العمل الجماعي المتضافر مع مواقف دولية بناءة، وإثبات عدم جدوى الوقوف إلى جانب المكافحين من أجل الحرية؛ طليعة الجيل الجديد من شباب تغنى بهم الفن المصري قبل غيره.
المهم ليس التحزب والتعاطف مع فرد مهما كانت الوقائع، بل المهم التنبه إلى أن المنطقة تمر بمرحلة خطيرة للغاية وستترك آثارها لعشرات السنين. وكل شيء يتوقف على التفاعل الإيجابي، حيث يبقى الشباب في أمس الحاجة لرؤية وتصورات القيادات العسكرية غير العادية، ولخبرة كبار السياسيين من خارج الطامعين في كراسي الحكم بغير وجه حق، ولخبرة وتفسير ومتابعات أجهزة المخابرات التي لها دراية تستحق الانتباه.
كان الأوفق أن يترك لسليمان وشفيق وغيرهما ممن عملوا في مؤسسات الدولة الترشح للانتخابات.. أليست هذه لعبة الديمقراطية؟ فإن فاز سلفي أو ممثل الإخوان المسلمين، فسيثبت أنه صاحب استحقاق بلا منازع، وإن فاز سليمان، فتلك إرادة الشعب.
لقد أصيب شمال أفريقيا العربي بصدمة التغيير ولم يستفق منها بعد. ولولا جيش مصر، لغسل العرب أيديهم من المنطقة من غرب القناة إلى المحيط. أما في السودان، فلم تشغل حرب الجنوب العرب، لأن حضوره القيادي كان مضطربا ومشوشا في الأساس، ومن الصعب معرفة هويته بين الادعاء والممارسة.
وتبقى مسؤولية العرب تجاه مصر كبيرة، وسيأتي يوم تشاهد فيه شوارع القاهرة مشحونة بملايين الشباب المعبرين عن قوة الوعي ولو بعد حين! فالعرب بلا مصر سيتحولون إلى معسكرات تحكم العلاقة بينهم البروتوكولات الرسمية والمصالح الضيقة. فإلى أين هم ذاهبون؟
ليس بحكم الثقافة والممارسة كما يظن البعض؛ بل وفق المعطيات الواضحة، فإن المنطقة العربية تمر بمرحلة تآمرين: سلبي وإيجابي. تصادم سري قوي، ولا يعقل الانسياق وراء تصرفات مجزأة ينقصها الفهم الاستراتيجي.

السعودية ومصر.. المصالح في زمن الثورة

تمر العلاقات السعودية - المصرية حاليا بمرحلة اختبار، ربما هي الأولى من نوعها، منذ رحيل الرئيس المصري السابق حسني مبارك عن السلطة، بعد «ثورة 25 يناير».
حادثة الاعتداء الأخيرة على السفارة السعودية ليست الأولى، فقد كان هناك جو من التوتر والمضايقات خلال العام الماضي، ولكن التخريب الذي تعرضت له السفارة وقنصلياتها، والإساءة للقيادة السعودية، وحملة التجريح والشتائم التي صاحبت الحادثة في بعض قنوات الإعلام المصري، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي تجاوزت كثيراً، بحيث بات السعوديون مخيرين ما بين قبول إساءات البعض- ولا أقول الكل- للسعودية قيادة وشعباً، أو التصدي الحازم لذلك، حتى وإن أثر على العلاقات بين البلدين. إذا ما تأملت طبيعة الإساءات الصادرة من البعض، وجدتها قد استخدمت «الصورة النمطية» الشائعة (stereotype) لتبرير ما حدث. فالمصري يرى السعودي، وفق انطباع شائع، وكذلك قرأ السعودي- أو فسر - الحملة عليه، وفقاً لانطباعه الشائع عن جاره المصري. لا حاجة لاستعادة تلك الصور النمطية، لأنها بالأساس صور تحوي القليل من الصدق والكثير من الوهم، فالمواصفات السلبية نفسها، التي يمكن أن تقال عن الشخصية المصرية، يمكن أن تقال أيضاً عن الشخصية السعودية، أي أن الأوهام السلبية الشائعة، تعبر عن ثقافة سلبية مشتركة، أكثر من كونها تشرح خصوصية كل طرف. هناك في كل علاقة بين دولتين، أو شعبين، أو حتى بين أي شخصين، شيء من التاريخ المشترك، أو التجربة، وهذه بدورها تتضمن نواحي إيجابية أو سلبية، أو قل ذكريات طيبة وأخرى سيئة. تأمل العلاقة بين كل من إنجلترا وفرنسا، اللتين تورطتا في حرب المائة عام (1337 ـ 1453)، ثم إبان التوسع الإمبراطوري بين بريطانيا وفرنسا أيضا، ومع ذلك يجمع بين البلدين تاريخ من المصاهرة بين الأسر المالكة، والفئات الشعبية، والتبادل الثقافي والتجاري وهلم جرا.
في كتاب ممتع صدر العام الماضي بعنوان «ألف عام من إغاظة الفرنسيين»، كتب ستيفن كلارك (2011) ان المشاحنات والتعليقات الساخرة بين البلدين، لم تكن محصورة في عصور الإمبراطوريات الماضية، بل استمرت جزءاً من التعليقات والشتائم حتى في ذروة التعاون البريطاني ـ الفرنسي لخلق وحدة اقتصادية وسياسية بين الأوروبيين. وصف الرئيس الفرنسي الأسبق جيسكار ديستان - مرة- رئيسة الوزراء البريطانية آنذاك مارغريت تاتشر بأنها «برجوازية قصيرة من الريف». أما الرئيس الأسبق أيضا فرانسوا ميتران، فقد استهزأ مرة بعقلية « بائعة البقالة» لدى تاتشر في إشارة إلى الصورة النمطية للبريطانيين كشعب، من باعة الدكاكين. وإذا كنت تعتقد أن هذه الأوصاف مهينة، فإن كلارك يشير إلى أن السفارة البريطانية في باريس، كانت قد وضعت في بهو الاستقبال الرئيسي للسفارة، لوحة ضخمة للدوق ولنغتون، الذي هزم نابليون في معركة ووترلو (1815). هناك أمثلة كثيرة ومعاصرة على علاقة الحب والكراهية، أو الصداقة والعداوة، صبغت تاريخ العلاقات بين دول أوروبية كثيرة. تاتشر - مثلاً- صرحت بمخاوفها لغوربتشوف من اتحاد شطري ألمانيا بعد الوحدة في 1990، والأميركيون ظلوا على علاقة متذبذبة بدول أميركا اللاتينية، حتى بعد انهيار المعسكر الشرقي، وإلى وقت قريب احتج بعض الأميركيين على الموقف الفرنسي الرافض لغزو العراق في 2003، فطالبوا بتسمية «الفرينش فرايز» بـ«فريدم فرايز». إذا ما عدنا إلى تارخ الشرق الأوسط، فنادرا أن نجد بلدين عربيين، ليس بينهما «صور نمطية مشوهة» عن بعضهما بعضا، وحتى في البلد الواحد ستجد نعرات جهوية، ومناطقية، وقبلية، ناهيك عن العصبيات القومية والعشائرية في منطقة واحدة. في الخليج هناك توتر شبه دائم بين الفرس والعرب، وفي العراق توتر دائم بين الترك والكرد من جهة والشيعة والسنة من جهة أخرى، وحتى في بلد متجانس -نسبياً - كمصر، هناك فروقات طبقية وجهوية بين الوجه البحري والقبلي، وتوصيفات خاضعة للأصول والعرقيات، التي لا يخلو منها أي بلد. في الأزمة الأخيرة بين السعودية ومصر، خرجت فئة قليلة وأججت التوتر، وبطريقة غوغائية اعتدت على بلد ذي سيادة، وكالت أفضع التوصيفات لقادة سياسيين سعوديين، يحظون باحترام ومحبة وشعبية داخل حدود السعودية وخارجها، ولكن في الوقت ذاته خرجت أصوات وكتبت أقلام من داخل مصر تندد بما حصل، وتعتذر عن أي إساءة تسببت بالتعدي على سيادة المملكة. أمام هذا المشهد هناك طرحان: أحدهما يذكر بعمق العلاقات التاريخية، ويحذر من المساس بالأخوة والتاريخ المشترك بين البلدين، وهناك- أيضاً- أصوات تؤجج للخلاف، وتريد تحميل العلاقات أكثر مما تحتمل تحت شعارات على نمط: «صيانة الكرامة» واستعادة «الشوفينية» القومية في إدارة العلاقات مع الخارج. حقيقة، العلاقات بين السعودية ومصر، أو أي بلدين آخرين، محكومة بالاحترام المتبادل، وبالتاريخ المشترك للغة والدين والمصاهرة، ولكن فوق ذلك كله هناك المصالح السياسية المتبادلة. منذ تأسيس السعودية واستقلال مصر، كانت العلاقات محكومة بالمصالح، فحين كانت مصر ترى مصالحها مع السعودية، كانت العلاقات تتطور والتعاون يتوثق، وحين غيرت مصر من توجهاتها السياسية، اختلفت المصالح فتوترت العلاقات. في الفترة الملكية في مصر كانت هناك فصول للتقارب، وأخرى للتوتر، وفي الفترة التي أعقبت ثورة يوليو 1952، كانت هناك مراحل توترت فيها العلاقات حد القطيعة، ومراحل تقارب فيها البلدان بناء على مصالحهما المشتركة. عالم السياسة المعروف، إلكسندر وندت، صاغ نظرية مهمة في العلاقات الدولية نهاية التسعينات في كتابه «النظرية الاجتماعية للسياسة الدولية» (1999) ملخصها أن العلاقات بين الدول مبنية على معطى من تاريخ ثقافي مشترك بين أي بلدين، وحددها في ثلاث علاقات: العداوة و(يمثلها المنهج الواقعي لتوماس هوبز). المنافسة و(يمثلها المنهج النفعي لجون لوك). والصداقة و(يمثلها المنهج المثالي لإمانويل كانت). هذه الثقافات الثلاث تؤثر على سلوكيات الدول تجاه بعضها بعضا، وهناك مستوى آخر للطريقة التي تسعى بها الدول لتبيئة تلك الثقافة في محيطها: فهي قد تفرض قيمها- ومصالحها كذلك- عن طريق الإكراه (القوة العسكرية والاقتصادية)، أو المقايضة عبر تغليب مكاسب التقارب، أو عبر استدعاء الشرعية، أي استخدام القوة الناعمة لثقافتها. تأمل دولتين أحداهما ديمقراطية/ليبرالية مثل أميركا، والأخرى ثورية/دينية مثل إيران. كلا البلدين استخدم القوة العسكرية لنشر قيمه، وفي الوقت ذاته، مارسا القوة الناعمة في محيطيهما. إذا ما حاولنا تبسيط نظرية وندت، فبإمكاننا القول إن هناك أنظمة تغلب طابع الإكراه لإجبار دول أخرى على القبول بسياساتها، أو تسعى لذلك من خلال تغليب المصلحة، التي تتأتى من خلال التعاون، وهناك أنظمة تتبنى منهج الثورة، وعليه فإنها ترى أن الحل هو في تصدير ثورتها -أو قل التبشير برسالتها- لتحقيق مصالحها مهما كانت تلك القيم. أهمية أطروحة وندت، تكمن في أن العلاقات الجيدة بين أي بلدين، ليس بالضرورة أن تكون ناشئة عن ثقافة متشابهة، فأي بلدين ثوريين على سبيل المثال قد يسعى كل منهما إلى تغليب رؤيته - أو ثورته - على الآخر. في هذا الإطار تأمل الخصومة التاريخية بين بلدين شيوعيين مثل الاتحاد السوفياتي والصين، أو نظامين بعثيين كما في «عراق صدام حسين» و«سوريا حافظ الأسد». العلاقات بين السعودية ومصر، يمكن قراءتها من خلال هذا المنهج، فقد كانت هناك حالة من محاولة فرض الرؤية السياسية، لطرف على حساب الآخر في فترة تاريخية، وكانت هناك مرحلة حاول كل طرف فيها تغليب مبدأ المصالح المتبادلة - أو المشتركة- بينهما، ونحن الآن نمر بمرحلة يريد البعض منها أن تعيد صياغة العلاقة وفق رؤية ثورية جديدة، كما كان الحال عليه في زمن تمادي المد الثوري/القومي، ضد الحكومات الخليجية في الستينات. اليوم، تمر مصر بمرحلة مضطربة، تتنافس فيها قوى سياسية مختلفة على إعادة صياغة سلم الأولويات، وإعادة تفسير المصالح القومية لمصر ما بعد النظام السابق، أي أن هناك من يرى التأكيد على مصلحة مصر في استمرار تقاربها مع السعودية، وهناك من يرى أن مصلحة مصر تكمن في الابتعاد عن السعودية، والتحالف- كما يطالب البعض- مع نظام ثيوقراطي مثل إيران. العلاقات بين البلدين لن تعود كسابقها، إلا إذا تغلبت رؤية توثيق المصالح مع السعودية على دعاة تغييرها، ولذلك من الواجب أن يتم دعم أصوات الصداقة بمواجهة دعاة الفرقة، وهذا لن يتأتى إذا ما لجأ أي طرف إلى تغذية الفرقة وتبريرها بالصور النمطية المشوهة عن الآخر. السعودية ومصر لديهما مصالح مشتركة مهمة، ولكي يتجاوزا الخلاف لا بد وأن يعود كل من البلدين إلى استحضار أهمية استمرار تلك المصالح. لا شك، أن الاحترام المتبادل هو أمر مهم، ولكن المصالح هي الأكثر بقاء.

الثورة والإصلاح في الميزان

لا تزال مفاجأة «الربيع العربي» تهز أوساط النخب السياسية والفكرية وحتى الأكاديمية العربية من زاويتين: الأولى أن أحدا لم يتنبأ بما جرى؛ كان هناك حديث عن الظلم، والحراك السياسي وزواج السلطة والثروة، ولكن أن يؤدي ذلك إلى ثورة مثل التي رأيناها فقد ظل ذلك دائما من المحال. والثانية أن ما جرى كان من حيث الكم والكيف والتعقيد أكبر من كل الأحلام والكوابيس جنونا، سواء داخل النخب الحاكمة أو حتى لدى الجماهير الشعبية التي تدافعت لتشارك في الثورات عندما جرت، والتي لا تزال تراقب وتزن الأمور عندما فضلت الانتظار على الاندفاع لكي يتم مشاهدة التجربة وهي تجري على أرض الواقع.
لم يكن معنى ذلك أن النخب الحاكمة كانت بعيدة تماما عن الواقع، بل كان في داخلها جماعات إصلاحية كانت قادرة على شرح القلق الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الجاري. وفي مصر وحدها كان عدد مرات وأشكال الاحتجاج الجارية في عام 2004 نحو 222 وقفزت إلى 690 في عام 2009، وفي العام التالي مباشرة بلغ المتوسط العام للحركات الاحتجاجية خمسا يوميا. وهكذا لم تكن الثورة بعيدة منطقيا، ولكن التعامل معها جرى وفق منهجين؛ أحدهما إصلاحي والآخر محافظ. كان الإصلاحيون يرون أنه من الممكن تفادي الثورة إذا ما سبقت السلطات الحاكمة «منحنى» الغضب المتراكم من خلال إصلاحات جدية في النظام السياسي تكفل تداول السلطة ومشاركة أجيال جديدة شبت عن الطوق ولم تر طوال حياتها سوى نفس الحكام الذين فقدوا طبيعتهم «الأبوية» التقليدية في عصر جديد متميز بالتكنولوجيا فائقة السرعة والحراك الاجتماعي المتواصل والاحتكاك الذي لا يتوقف بالعالم الخارجي، حيث يحصل الكل على نصيب من السلطة والثورة. لم تكن أهداف الإصلاحيين طموحة كثيرا، وفي مصر بدا ذلك أحيانا ممكنا عندما قبل مبارك بعد سنوات طويلة من الرفض فكرة تعديل الدستور. ومع ذلك عندما تم التعديل بالفعل ظهر أن تغييرا يُذكر لم يحدث.
كان المحافظون يستندون إلى مجموعة من الحجج التي تستبعد الثورة، وكان أولها أن «الديمقراطية» والمشاركة من المطالب النخبوية للتشبه بالبلدان الغربية، ولكنها ليست من المطالب الشعبية. لم يكن هناك «طلب» إذن يحتاج إلى عرض مقابل، وحتى داخل الحركات الاجتماعية الاحتجاجية فإن المسألة الاقتصادية هي جوهر الموضوع، ومن ثم بدا الخبز سابقا على الحرية. وكان ذلك ثانيا هو ما يدعيه المحافظون، فمن المدهش أن تحدث الثورة بينما كانت تونس ومصر في أفضل أحوالهما الاقتصادية، وفق كل المؤشرات المعروفة للنمو الاقتصادي. وليس صحيحا أنه كان هناك (على الأقل في مصر) خلل فادح في توزيع الثروة. وحسب كل المقاييس الاقتصادية، فقد كان توزيع الثروة في مصر أفضل حالا منه في البرازيل أو الصين أو جنوب أفريقيا أو تركيا أو الهند أو حتى الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن التحسن في الأمور الاقتصادية كان في جوهره أحد محركات الثورة لأن الجوعى لا يثورون وإنما يثور الذين يعتقدون أنهم - بعد أن ذاقوا الثروة - من حقهم المشاركة في توزيعها، وهو ما لا يتحقق إلا من خلال إنهاء احتكار السلطة السياسية.
وثالثا كان هناك تصور سائد، ولا يزال ذلك شائعا في الدول العربية التي لم تحدث لها ثورة، أن ما يجري من قلاقل في بلادهم لا يمكن أن يتحول إلى ثورة نتيجة الطبيعة السياسية السائدة في البلاد. «هذه الطبيعة السياسية السائدة» كثيرا ما تكون من صنع الإعلام، والاستقبالات المزيفة لرئيس الدولة، وأحيانا أخرى تستقر نتيجة وضع تاريخي أو تركيبة قبلية أو سيطرة طائفية.
ورابعا أن الجماهير، وهي عاقلة هذه المرة، تميز ما بين وضع قد لا ترضى عنه، والبديل الذي سوف يأتي، والذي هو واحد من اثنين: الفوضى أو البديل الإسلامي. لم يكن ذلك بعيدا كثيرا عن الحقيقة، فقد كان ذلك هو ما جرى فعلا في دول الربيع العربي، حيث غرقت إما في الفوضى أو سيطر عليها «البديل الإسلامي» أو كلاهما معا. وفي مصر هذه الأيام، وعلى الرغم من سيطرة الإخوان المسلمين على السلطة التشريعية، فإنها مصممة على عقد مظاهرات مليونية في ميدان التحرير لكي تستحوذ على ما يقال عنه «شرعية الميدان» مع «شرعية البرلمان». ولكن مع هذا التنبؤ الصحيح، الذي عرف في الأوساط الليبرالية بـ«الفزاعة»، وجدت الجماهير أنها ربما تكون أفضل حالا إذا ما قامت بالمحاولة والتجربة.
وببساطة كانت «المحاولة» و«التجربة» وحق الاختيار هي ما تبحث عنه الجماهير والشعوب بينما النخب الحاكمة مصابة بالحيرة من هذه الخيارات العقيمة، طالما أن الأحوال دائما على ما يرام. والحقيقة أن الأحوال لم تكن أبدا على ما يرام، وفي دول كان التقدم فيها أقل مما يجب عند توزيع الثروة، وفي دول أخرى كان التقدم الاقتصادي والتوزيع كافيا حتى ولو لم يكن عادلا، وفي الحالتين لم يكن النصيب هو القضية وإنما عملية التوزيع ذاتها هي الموضوع. وكان هذا ما يدركه الإصلاحيون حينما أرادوا أن يسبقوا منحنى التغيير وبسرعة أكبر من الحراك الاجتماعي والسياسي الجاري، ولكن المحافظين في السلطة كانوا يرون ذلك دائما كثيرا ويمكن تجنبه، بل إن مزيدا من الإصلاح كان يعني فتح الشهية للتمرد والثورة. على أي الأحوال حدث التمرد والثورة في بلدان، ولم يحدث في أخرى، وبقيت القلاقل الكبيرة والصغيرة في ثالثها، ولكن الثورات سرعان ما وقفت غير مصدقة ما نجم عن الثورة من نتائج. وفي مصر اليوم هناك حالة من الاعتذارات الكبرى لأن الثورة خذلت الشعوب حينما لم تلتحم بها أولا، ولأنها ثانيا تركت الساحة لقوى رجعية لم تدفع في اتجاه الثورة أبدا لكي تقطف الثمرة الناضجة حينما حان وقتها بقدرة ومهارة.
المدهش في الأمر كله كما يبدو هو أن الإصلاحيين فشلوا في إقناع الحكام بأن يسبقوا منحنى التغيير في بلادهم بأثمان معقولة، وتكون سببا في تقدم البلاد دون أن تعرضها إلى ما لا طاقة لها به من عنف وفوضى. وسواء التحق الإصلاحيون بالنظام حتى يمكن إصلاحه من الداخل أو بقوا في الخارج حتى لا يفقدوا استقلاليتهم، فإن النتيجة لم تكن فقط إسقاط النظام وإنما وقوعهم هم في ضرر بالغ حيث جرى حسابهم على نظام كانوا يحاولون إصلاحه. الثورة في جانبها كان ثمنها عاليا من الأرواح والجرحى وأشكال مختلفة من التدمير المادي والمعنوي، ولكن نتيجتها كانت استبعاد الثوار الأول وسقوطهم من حالق، بل وطردهم أحيانا من ساحات الثورة ذاتها بعد أن احتكرها تيار جاء من أزمنة قديمة ولا يزال لديه مشكلة في التعامل مع عصر وعالم. سقط الإصلاح والإصلاحيون، وشحبت الثورة والثوار، وفاز التخلف!

هل ينجح النظام هذه المرة أيضا؟

الحكومة السورية الآن تشن هجمة دعائية لإفشال مهمة المراقبين الدوليين الذين جاءوا للتحقيق في المجازر التي ترتكبها في أنحاء سوريا. فجأة مع بدء عمل المحققين الدوليين أصيبت العاصمة دمشق وإدلب وغيرهما بسلسلة تفجيرات كانت ملائمة جدا لإلصاق التهمة بالثورة لإقناع الخارج بأنها ضحية لجماعات إرهابية.
في العقود الماضية كانت تقنع كثيرين بمثل هذه القصص، لكنها الآن وصلت إلى نهاية حبل الكذب الطويل. للنظام السوري تاريخ وتجارب طويلة في إدارة معاركه وفق ركنين، التخويف والتضليل. لنحو أربعين عاما مارس هذا الأسلوب في المنطقة ضد خصومه اللبنانيين والأردنيين والعراقيين والفلسطينيين والمصريين. وما يفعله الآن ضد المعارضة السورية هو تمرين مكرر. وكان آخر وأطول معاركه ضد المعارضة في لبنان، الذي احتله لنحو أربعة عقود بخليط من القوة العسكرية والأكاذيب الدعائية.
قبل سبع سنين لم تكتف السلطات السورية باحتلال لبنان بل قررت فرض هيمنتها الكاملة وتصفية معارضيها. ولهذا الغرض أطلقت حملة أكاذيب ضد خصومها، لتشويه سمعتهم وتخوينهم، ثم بدأت بتصفيتهم واحدا بعد آخر لأكثر من عامين. بدأت بمحاولة اغتيال الوزير مروان حمادة، وعندما لم يتوقف رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري عن معارضته دبرت اغتياله وادعت أن إسرائيل خلف الجريمة. ثم قامت بقتل اثنين من مثقفي لبنان البارزين لإسكات البقية، سمير قصير وجبران تويني، وحاولت قتل المذيعة مي شدياق التي نجت لكنها فقدت ساقها ويدها. واستمرت في قتل اثنين وعشرين شخصية لبنانية من نواب برلمان وسياسيين، وكل من انتقدها من مسيحيين ومسلمين. وعندما أقرت الأمم المتحدة لجنة للتحقيق في جرائم الاغتيال لجأ النظام السوري إلى تهديد المحققين الدوليين أنفسهم، وقام باغتيال أحد أبرز رجال أمن لبنان عندما نجح في جمع معلومات تثبت تورطه.
الآن نحن نشهد نفس الفيلم السوري الذي لم يعد يصدقه أحد، فالسلطة تفتعل مسرحيات انفجارات تتهم بها المعارضة للتشويش على التحقيقات الدولية. فعلتها في المرات السابقة وتعيد فعلها هذه الأيام!
لقد ضحك النظام السوري على قطاع كبير من العرب الذين صدقوا شعاراته وأعذاره، ورفعوه إلى مصاف الأبطال ومنقذي الأمة، في حين كان يقتات على الشعارات ويدير حروبه بالأكاذيب. كان الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات أكثر من يشتكي من النظام السوري ويحذر بأنه أخطر عليه حتى من أعدائه الإسرائيليين لكن الكثيرين، بسبب الدعاية السورية الشريرة، خاصموا عرفات وأساءوا له.
لا ننسى ما فعله النظام السوري في القمة العربية ببيروت عام 2002، فقد أوعز إلى دميته الرئيس اللبناني السابق لحود بمنع عرفات من إلقاء كلمته المتلفزة. وكانت إسرائيل بدورها أيضا منعت عرفات من السفر وأبقته حبيس بيته في رام الله. جلس عرفات أمام الكاميرا لثلاث ساعات ينتظر ليخاطب المؤتمر لكن السوريين أصروا على منعه من إلقاء كلمته، حتى تدخلت السعودية والإمارات وخفضتا مستوى تمثيلهما في المؤتمر احتجاجا، كذلك انسحب الوفد الفلسطيني غاضبا، واضطر السوريون مرغمين لاحقا إلى السماح لعرفات أن يلقي كلمة الشعب الفلسطيني بعد أن أهانوه أمام الملأ نهارا كاملا. ماذا كان رد الحكومة السورية على فعلتها البشعة؟ قالت إنها منعت عرفات من المشاركة خشية أن يدخل شارون، رئيس وزراء إسرائيل آنذاك، على الخط التلفزيوني. طبعا كان عذرا سخيفا لكن بكل أسف نجح نظام الأسد وحزب الله في غسل دماغ ملايين العرب لسنين طويلة وفي قضايا كثيرة.
النظام يعتقد أنه يستطيع الاستمرار في الحكم بنفس الأسلوب طامعا في الخروج من جرائمه كما فعل طيلة أربعين عاما.

الملف النووي الإيراني في إطار أزمة الشرق الأوسط

تتواصل التصريحات النارية بشأن الملف النووي الإيراني، بين الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا وإسرائيل من جهة، وإيران وروسيا والصين من جهة ثانية. تطالب الولايات المتحدة ودول أوروبية، بإغلاق المنشآت النووية الإيرانية ووضعها تحت رقابة منظمة الطاقة الدولية، ووقف إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة 20%.
وتتحين إسرائيل الفرصة للحصول على ضوء أخضر أميركي وأوروبي، لضرب المفاعلات النووية الإيرانية قبل تحولها إلى خطر يهدد وجود إسرائيل (كما تقول).
في المقابل، تتمسك إيران ببرنامجها النووي، وترفض دخول مفاوضات بشأنه في حال وجود شروط مسبقة، وتصر على ممارسة حقها المشروع في إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة 20%، لاستعماله لأغراض التنمية السلمية.
وتساندها روسيا والصين في تحذير إسرائيل من القيام بأي عمل عسكري ضد مفاعلات إيران النووية، وتعتبره عملا عدوانيا يشعل فتيل حرب مدمرة تطال منطقة الخليج العربي، وتهدد أمن الشرق الأوسط والسلام العالمي.
وقد أدركت الأمم المتحدة مخاطر هذا الوضع المتشنج، فدعت إلى معالجة الملف النووي الإيراني بالطرق السلمية، وعقدت لهذه الغاية مؤتمرا هاما في مركز المؤتمرات في إسطنبول، في 14 نيسان/ إبريل 2012.
وعقد المؤتمر بحضور إيران ومجموعة الدول (5+1)، أي الدول الخمس الكبرى في مجلس الأمن، بالإضافة إلى ألمانيا، وذلك بعد مرور أكثر من سنة على الجولة الأخيرة من مفاوضات عقدت سابقا في إسطنبول، دون أن تخرج بنتائج إيجابية. ووصفت إيران والدول الست المشاركة، محادثات إسطنبول الأخيرة بالإيجابية والبناءة.
فما هي التبدلات التي حصلت مؤخرا وساعدت على توصيف الحوار الأخير بين إيران وتلك الدول، بالإيجابي والبناء؟
1- لقد حققت محادثات إسطنبول الأخيرة تقدما ملحوظا في معالجة ملف إيران النووي، استنادا إلى تصريحات إعلامية صدرت بالتزامن عن إيران والأمم المتحدة والدول الست.
2- اعتمدت الدول الست أسلوبا دبلوماسيا مرنا، لحث إيران على ضرورة وضع برنامجها النووي تحت رقابة المنظمة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة. وذلك لحسم الجدل القائم حول طبيعة برنامجها النووي، وما إذا أعد لأغراض التنمية السلمية فقط. فمندوبو الأمم المتحدة ودول غربية عدة، يجزمون بأن إيران لا تستخدم الطاقة النووية لأغراض سلمية فحسب، بل عسكرية أيضا.
3- بعد نجاح محادثات إسطنبول دعت روسيا إيران إلى الوفاء بالتزاماتها، لاستعادة ثقة العالم بأن برنامجها النووي لأغراض سلمية. فروسيا، إلى جانب دول كبرى ومعها إسرائيل، قلقة من وجود جوانب غامضة في برنامج إيران النووي، دون أن تمتلك معلومات دقيقة ومؤكدة حول وجود مكونات عسكرية فيه. ويتميز الموقف الروسي والموقف الصيني في الأزمة الإيرانية عن الموقف الغربي، من حيث رفض الدولتين لمبدأ فرض عقوبات قاسية على إيران.
وترى الدولتان أن الحوار الإيجابي وحده يجمع الأطراف المعنية بالأزمة الإيرانية، لتعزيز الثقة فيما بينها وتبديد الشكوك حول برنامج إيران النووي.
ويؤكد الروس والصينيون على ضرورة القيام بوساطة دولية لتبديد مخاوف الغرب من مخاطر هذا الملف، إلى جانب تبديد المخاوف من قيام إسرائيل المدعومة من دول غربية، بتدمير مفاعلات إيران النووية على غرار ما جرى في العراق وسوريا.
4- فرضت الدول الغربية على إيران عقوبات كثيرة مشددة، بدأت بحصار اقتصادي شامل من الولايات المتحدة ضد المؤسسات الحكومية والمالية والاقتصادية الإيرانية، بالإضافة إلى شركات دولية تتعاون مع إيران. وفي مطلع 2012، جمدت الولايات المتحدة أصول بنك إيران المركزي وأصولا مالية إيرانية أخرى.
وبدوره، خفض الاتحاد الأوروبي معاملاته مع إيران، في مجال التجارة الخارجية والخدمات المالية وقطاعات الطاقة والتكنولوجيا، ومنع شركات التأمين في دوله من التعامل مع الحكومة والشركات الإيرانية، وفرض حظرا على واردات إيران النفطية يبدأ مطلع تموز/ يوليو 2012، وجمدت أصول بنك إيران المركزي في أوروبا، بموجب قرار يهدد ركائز الاقتصاد الإيراني، لأن 80% من إيرادات إيران تأتي من صادراتها النفطية.
5- نتيجة العقوبات المفروضة من الولايات المتحدة وحلفائها في الدول الغربية ودول أخرى في العالم، ومنها دول عربية، اهتزت ركائز الاقتصاد الإيراني، ففقدت العملة الإيرانية الكثير من قيمتها مقابل العملات العالمية الكبرى، وتراوح معدل التضخم السنوي خلال السنوات الماضية ما بين 15-35%، وازداد الوضع الاقتصادي تأزما بعد ارتفاع أسعار الكثير من السلع بنسبة تتجاوز 50%، وانخفضت القدرة الشرائية لجماهير الشعب الإيراني، رغم ادعاء التقارير الحكومية بأن تلك العقوبات لم تؤثر على حياة الإيرانيين. ويواجه الشعب الإيراني ارتفاع تكاليف المعيشة بمداخيل متدنية، وبدأ حجم الطبقة الوسطى في إيران يتقلص بسرعة، تحت وطأة التضخم وارتفاع كلفة المعيشة.
نتيجة تلك العوامل مجتمعة، قدمت إيران بعض التنازلات الملموسة في مؤتمر إسطنبول، دون أن تستسلم للضغوط الأميركية. وأكدت على أن مسألة ملفها النووي لن تحل إلا بالطرق السلمية، وبصورة تدريجية، وفق معادلة واضحة مفادها أن تقدم إيران تنازلات معينة، مقابل تنازلات تقدم لها من جانب الدول الست المشاركة. فالجميع بحاجة للخروج من المأزق، وتجنب حل عسكري تصر عليه إسرائيل بالتواطؤ مع دول غربية.
لقد بدا واضحا من خلال التصريحات التي أعقبت مؤتمر إسطنبول لبحث ملف إيران النووي، أن الحوار الإيجابي يفتح الباب أمام الجهود الدبلوماسية للتهدئة والاستقرار، وبناء ثقة متبادلة تساعد على معالجة الملف بطريقة عقلانية تجنب الشرق الأوسط مخاطر حرب نووية.
وأطلق المؤتمر مفاوضات الخطوة خطوة، والتنازلات المتبادلة، للقيام بتسوية شاملة وعادلة لهذا الملف، فحقق اللقاء إيجابيات ملحوظة تحتاج إلى مواصلة الحوار، وصولا إلى حل دبلوماسي يجنب المنطقة حلولا عسكرية جاهزة. فالمسألة بالغة الخطورة، وتستوجب إظهار الكثير من المرونة، ومعالجة المخاوف التي تقلق أطراف النزاع، حتى يتكلل الحوار بالنجاح. والمفاوضات المباشرة هي أفضل الحلول العقلانية لمعالجة أي ملف نووي، أما التهديد بالحل العسكري فيزيد من حدة التأزم والاحتقان.
وبقدر ما تتعاظم الضغوط الخارجية على إيران، فإنها ستلجأ إلى مزيد من التصلب في الحفاظ على برنامجها النووي. وتخشى الدول الكبرى من أن يفضي إصرار إسرائيل على الحل العسكري، إلى وقف المفاوضات بشأن الملف النووي الإيراني، على غرار ما حصل في الملف النووي لكوريا الشمالية.
وقد لا تثمر المفاوضات نتائج ملموسة في هذا المجال تحت ضغط التهديد الإسرائيلي، مما يستوجب معالجة عقلانية للسلاح النووي أينما وجد، ووضعه تحت رقابة المنظمة الدولية للطاقة الذرية، والعمل على تحويل الشرق الأوسط إلى منطقة خالية من السلاح النووي وكل أسلحة الدمار الشامل.