Saturday, May 5, 2012

استفزازات إيران تسرّع خيار الاتحاد

علي حسين
منذ الأحداث التي شهدتها إيران في الانتخابات الرئاسية عام 2009 والتي خلقت مواجهات واسعة بين السلطة المطلقة المتشددة التي يمثلها مرشد الثورة الإيرانية وأدواته التي ينفذها نجاد ولا يرأسها، وبين قطاعات واسعه من الإصلاحين الإيرانيين الذين ضاقوا بالسياسات القمعية لنظامهم وخططه وأهدافه الخارجية، والتي لم تجر عليهم سوى خلق عداءات وعلاقات مضطربة مع دول الجوار وشبه عزلة دولية انعكست على القوانين المسيرة لبلادهم والحريات العامة والاقتصاد الداخلي، فزادت مساحات الفقر وانتشرت المشاكل الطبقية ومعدلات التضخم والبطالة التي وصلت عام 2010 إلى 25%، وحازت إيران المرتبة 135 من 161 على مستوى العالم في القدرة الشرائية للمواطنين؛ منذ ذلك الوقت كان المحللون السياسيون يميلون إلى التنبؤ أن إيران أمام واقعين أو لنقل خيارين؛ أولهما الزوال كما حدث للدولة الدينية المتعصبة التي حكمت أوروبا في القرون الوسطى!! والثاني افتعال مزيد من المواجهات والأزمات الخارجية من أجل إلهاء الداخل الرافض لسياسته وإمساك زمام الأمور في البلاد من جديد. من الواضح أن فكرة زوال هذا النظام الراديكالي المتشدد القائم على التعصب المذهبي العنصري قد لا تكون بالسهولة المتوقعة على الأقل في الحاضر، كما إنه من الواضح أن ذلك النظام قد سعى إلى الخيار الثاني؛ فعمل على افتعال الأزمات على صعد عدة ومع جهات مختلفة، فقام مثلاً بتحريك ملفه النووي وممارسة لعبة (البنغ بونغ) مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إضافة لتصعيد لهجته مع إسرائيل والتهديدات المتبادلة التي لا يصدر منها سوى جعجعة يعرف الطرفان أن مصلحتهما التي تتقاطع مع الإرادة الأمريكية تقتضي عدم رؤية أي طحين يصدر عنها!! إذ إن التوتر المصطنع بين الطرفين تستفيد منه أمريكا في لعبة المصالح والضغوطات في المنطقة بقدر ما تستفيد منه إيران وحتى إسرائيل نفسها، إضافة لذلك سعت إيران لتصعيد مواقفها ولهجتها من خلال مسؤولين كبار في نظامها وقنواتها الإعلامية ضد دول الخليج، فكانت مواقفها تلك موجهة بشكل خاص للمملكة العربية السعودية من تصريحات ومحاولات اغتيال، والبحرين التي تجددت الادعاءات بأنها المحافظة الإيرانية رقم 14، والإمارات من خلال ممارسات استفزازية على جزرها المحتلة، وكذلك تحريك الخلايا في الكويت عن طريق أدوار سفارتها المشبوهة هناك، ودعم اتباعها لخلق البلبلة في اليمن والعراق الذي توغلت فيه بعد أن مهدت لها السياسات الأمريكية ذلك. وحينما جاء (الصقيع) العربي وجدت إيران فرصة ذهبية للهروب من أزماتها الداخلية قفزاً للأمام بغرض تحقيق أجنداتها، فكانت تصريحات خامنئي وأمنياته في يناير 2011 بإقامة شرق أوسط إسلامي تقوده إيران!! وعليه تحرك إعلامها وبدأت خلاياها العمل مستغلة تلك الأجواء العربية، ومهما حاولت تلك الخلايا إبعاد إيران عن الصورة بحديثهم عن أوضاع داخلية ومطالب إصلاحية وديمقراطية قد يبدو بعضها مقبول؛ إلا أنه لا يمكنهم أن ينكروا أنها الإطار الذي يحيط تلك الصورة ويعلقها على الجدار!! ومع تصاعد وتيرة الثورة السورية بحساباتها المعقدة داخلياً وإقليمياً وطائفياً؛ أحست إيران أن أهم مناطق نفوذها في المنطقة على وشك الضياع، فعمدت لكل ما تستطيع القيام به سراً وعلناً لحماية ذلك النظام، إذ إن الخسارة إن حدثت كبيرة وقد تكون قاصمة، لذلك مدته بالأسلحة والجنود وبعثت علناً سفينتين عسكريتين إلى شواطئ سوريا ونسقت مع حليفيها الكبيرين الصين وروسيا، وزاد اتباعها من تحركاتهم لتشتيت الضغط الدولي عن سوريا، كما وأطلقت تهديداتها الوهمية المتبادلة مع إسرائيل وأخرى بإغلاق مضيق هرمز وأجرت تجارب وتدريبات عسكرية كبيرة، وكان آخر هذه التحركات الاستفزازية زيارة نجاد لجزيرة أبو موسى وتصريحاته عن الجزر الإماراتية المحتلة!! تاريخياً كان النظام الإيراني هو الجانب الذي طالما قام باستفزازاته تجاه دول الخليج، غير أن الظروف العربية والإقليمية والخليجية حالياً تختلف كثيراً عما سبق، لذلك كان لا بد من رد فعل مختلف لا يصدر من دولة الإمارات وحدها بل ومن كل دول الخليج العربي في موقف موحد لهذه التهديدات التي توجه لكل دول المنطقة وليس لدولة دون غيرها، فكان تنفيذ التمرين العسكري المشترك (جزر الوفاء) على أراضي دولة الإمارات رسالة واضحة للنظام الإيراني، لكنها تبقى في إطار ردات الفعل التقليدية التي تقوم بها دول الخليج أمام الانتهاكات والاستفزازات الإيرانية، في حين أن الواقع الجديد والذي يبدو واضحاً فيه أن أمريكا لم تعد تلك القوة التي يمكن الاعتماد عليها بعد الأدوار المشبوهة التي اتضح تورطها فيها، وعلامات تقاطع مصالحها غير المعلنة مع الأطماع الإيرانية، كل ذلك يؤكد الحاجة لتسريع إعلان الاتحاد الخليجي كخيار مصيري ملح، لأن ذلك سيعزز ثقل دول المنطقة بحجمها الاقتصادي والاستراتيجي والإقليمي في موازين القوى وأمام أي كيان أو دولة، وسيحسب ألف حساب له قبل أن تتخذ أي خطوة ضده أو تعمد إلى استهدافه بأطماعها، فمتى؟! متى يرى النور؟

الدور الإيراني في الأزمات العربية

احمد المرشد
رغم كل الاحداث التي تمر بها مصر منذ ثورة 25 يناير، لم يكن المرء ليتخيل ولو لثوانٍ معدودة ان تمر العلاقات المصرية – السعودية بمثل هذه الازمة التي تسبب فيها مواطن لا نقول عليه «نكرة» ولكنه قد يكون العوبة في يد الاخرين، وهم الذين يحركونه يمنة ويسرة مثلما حركوا دولا من قبله. وانا هنا اشير الى ايران مباشرة في هذه الواقعة التي تألم لها كل عربي اصيل، وبالمناسبة فان ايران استضافت مؤخرا مجموعة من الصحفيين والاعلاميين المصريين لتجمل صورتها امام المصريين خاصة بعد الازمة الخليجية – الايرانية بعدما زار الرئيس الايراني احمدي نجاة جزيرة ابو موسى الاماراتية بالمخالفة الى الاعراف المرعية في هذا الصدد.. وحاول الايرانيون الذين التقوا بالوفد الاعلامي المصري تصوير الموقف على انه مجرد زيارة رئيس لمدينة ايرانية وليست مدينة اماراتية محتلة. اقول ايران وقلبي مطمئن تماما، فايران خربت لبنان بدعمها حزب الله، ودمرت اقتصاد اليمن بدعمها العسكري والمادي والمعنوي للحوثيين الذين حاولوا ايضا تخريب العلاقات بين اليمن والسعودية وتدمير مناطق الحدود والهجوم على منشآت سعودية. وقد جاء الدور على مصر الان، لان الايرانيين يخططون للسيطرة على شعبها خاصة في مرحلة الاهتزاز التي يمرون بها، ومن هنا جاءت حملة تحريض خفية لبعض المصريين من اجل بث الفتنة والوقيعة بين مصر والسعودية، على اعتبار ان الدولتين يمثلان قوة عربية ترهب الايرانيين وغيرهم، والقضاء على تلك العلاقات التاريخية ستمس بالتأكيد هذه القوة، بما يمثل لايران منفذا مهما وضروريا للسيطرة على المصريين عبر الايحاء لهم بانها ستدعم اقتصادهم وستكون لهم عوضا عن السعودية والخليج. ولا يجب ان ننسى الدور الايراني المحرض في العراق وكيف وقع العراقيون فريسة لمخططاتها وامامنا ازمة الحكم هناك بين نوري المالكي رئيس الحكومة وبقية الفرقاء ومعهم الاكراد الذين باتوا يمقتون تصرفاته وتشبثه بالسلطة مدعوما بايران. حتى سوريا صديقة ايران وحليفتها العربية الاستراتيجية لم تسلم من اطماع الفرس، فبات الشعب السوري فريسة سهلة للقيادة الايرانية التي تحالفت مع الحكم ضد الشعب. وطبعا هذا الدور الايراني الشيطاني ضد الشعب السوري يتناقض في مجمله مع مطلب السعودية بعدم السماح للنظام السوي بالمماطلة والتسويف في تطبيق القرارات الدولية لحقن الدماء ووقف المجازر اليومية بحق شعب اعزل كل همه هو ان يعيش في سلام وطمأنينة. واذا كنا نتحدث عن سوريا، فلا يخفى على احد الدور السعودي العظيم لانهاء مأساة الشعب السوري وانقاذه من براثن حرب يؤججها الجيش السوري بسلاحه وذخيرته وترسانته العسكرية الضخمة بما يوقع العشرات والمئات بصورة يومية: فالسعودية تحيطها الازمات الاقليمية، فالقاعدة تنتشر في جبال أبين في اليمن، وكما اسلفنا فالحوثيون ايضا يتحرشون بالامن السعودي بغية ابعاده عن دوره الوطني وتوريطه في ازمات جانبية، ومنطقة الخليج التي على رأسها السعودية دخلت في معترك سياسي ودبلوماسي مع ايران بعد تصاعد ازمة الجزر الإماراتية المحتلة، وكذلك محاولات ايران التى لا تنتهي باثارة النعرات الطائفية في عدد من دول الخليج. لقد اعجبني تعليق احد الشباب السعودي على الازمة العابرة بين مصر والسعودية بقوله ان السعوديين والمصريين شعب واحد يعيش في قطرين، وستستمر العلاقات المتميزة بمتانتها المعهودة عبر الزمان، ولن يوقفها حقد الحاقدين. إن العلاقات السعودية - المصرية علاقات وطيدة وتاريخية قوية لا يمكن أن تتأثر باي شائبة أو قضية من القضايا، ونحسب لقادة البلدين العزيزين على القلب الاسراع لوأد المناخات التأجيجية المحرضة على إثارة الأزمات بين بلدين تربطهما علاقات تربط بين شعبين قبل البلدين، وأن ما يجري في الوقت الحاضر من شحن لايمثل الواقع الحقيقي للمحبة السائدة بين شعبي المملكة ومصر. واذا كنا اسرفنا في الحديث السياسي، فلدينا تعليق مهم للعالم السعودي الشيخ عائض القرني عندما اكد ان ما بين السعودية ارض الحرمين ومهبط الوحي وبين مصر ام الأبطال لا يتأثر بموقف عابر. واذا كانت الازمة سياسية او هكذا تبدو على السطح، فكان من المهم الى حكمة داعية بحجم الشيخ عائض القرني خاصة عندما يدعو كلا الطرفين الى التخلي عن التعصب والاختلاف في الرؤى الذي يؤدي إلى الفرقة التي لا يريدها الشعبان. وعلينا ان نحتكم الى العقل كما قال في رسالته التي وجهها الى المصريين: «أبعث برسالة من أرض الحرمين ومهبط الوحي إلى مصر أم العظماء والمبدعين والعباقرة والأبطال .. سلام عليكم عدد القطر وتحية عدد الرمل لكل مصري ومصرية، أيها السعوديون والمصريون لا للفرقة أو التعصب أو الاختلاف، فالذي بيننا أكبر وأعظم من أن يتأثر بموقف عابر». واعتقد ان مملكة البحرين ليست بعيدة عما يجري في عموم منطقتنا، ولعل كلمات صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس مجلس الوزراء تفسر ما تمر به المملكة من مخاطر، فعندما يتهم سموه في مقابلة صحفية حصرية لمجلة دير شبيجل الالمانية اطراف المعارضة بالسعي لتحويل البحرين إلى إيران ثانية، فهو هنا يقول الصدق وينقل ما نشعر به نحن ابناء هذا الوطن. لان ما يسميه الغرب حراكا سياسيا تقوم به المعارضة ما هو سوى «حراك إرهابي» مدعوم من إيران وحزب الله، وان ما تتعرض له البحرين هو يماثل تماما ما تواجهه أمريكا مع الإرهابيين، وذلك حسب اقوال سمو الشيخ خليفة. فمن يدعو للعنف والدمار من حرق إطارات السيارات وإلقاء الزجاجات الحارقة على رجال الأمن من أجل ترويع البلد، هو ارهابي بالتأكيد.. ومن يرفض الدعوة للحوار الا بعد استشارة منظريهم من آيات الله في «قم»، فهو ارهابي .. وحسنا فعل سمو الأمير خليفة عندما توجه بنفسه بسؤال الى محاوره الصحفي الالماني قائلا : «ماذا سيكون رأي الولايات المتحدة الأمريكية لو طلبت منها الدخول في حوار مع المنظمات الإرهابية كالقاعدة مثلا؟!».. بالقطع، سترفض واشنطن الدخول في مثل هذا الحوار العبثي، ولكننا تجاوزنا تلك العبثية ووافقت الحكومة على اجراء الحوار الذي يرفضه الاخرون ايضا في البحرين من اجل فرض رؤيتهم ولتغيير مسار المملكة من مجتمع متعدد الثقافات والأعراق الى مجتمع انغلاقي ظلامي يدين بالولاء فقط الى ايران التى تشعل النار ووقود الفتنة في كل البلاد العربية تقريبا. فسمو الأمير خليفة تمسك بوضع القرائن امام محاوره، ليؤكد له زيف ما تدعيه المعارضة من انتهاك حقوق الانسان في البحرين والتعامل بعنف ضد المحتجين.. وبالتالي عاد سموه الى اسلوب التساؤل ليرد على محاوره سؤالا بسؤال: «كيف يمكن للشرطة الغربية التعامل مع احتجاجات عنيفة غير شرعية؟! هل يتركون المحتجين لرمي الحجارة وقنابل المولوتوف؟!.. هل فكر الأمريكيون وحلفاؤهم بحقوق الإنسان عندما خرج المتظاهرون في العراق وأفغانستان؟!». وكما فعلت قلة من المصريين لتخريب العلاقات بين بلادهم والسعودية ، لم تتوان قلة هنا بالقيام بنفس المحاولة ولتحقيق نفس الهدف وهو بث الفتنة والوقيعة بين الشعبين.

جاردنر وحسين

عبدالله المناعي
هناك موضوعان ينبغي الإشارة إليهما هذا الأسبوع. وهما في غاية الأهمية للبحرين من ناحية التطور والتقدم في العمل الإعلامي. أولهما هو المقابلة الرائعة التي أجراها فرانك جاردنر من ال «بي بي سي» مع عبدالهادي الخواجة. هذه المقابلة أظهرت الكثير من الزيف والادعاءات البطالة التي تقدمها «المعارضة» من أن الخواجة على وشك الموت بل أظهرت الكثير من التفهم والدقة والحرفية من قبل جاردنر. وكل ما أستطيع قوله هو أن من رتب ومن وافق على إجراء مثل هذه المقابلة ينبغي أن يكافآ.
أما الموضوع الآخر وهو المقال الذي كتبه زميل الدراسات الشرق أوسطية في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية إيد حسين. وكان مقالا رائعا بيّن فيه الكثير من أوجه الحقيقة في البحرين. يقول حسين إنه «مرارا وتكرارا وفي اجتماعات مع قادة المعارضة الشيعية تكرر اسما واحدا بصورة دائمة وهو آية الله عيسى قاسم، الزعيم الروحي للوفاق، الذي يمتد نفوذه عبر حركة المعارضة الشيعية». ويضيف «إن خطب قاسم المتعلم في إيران هي في الغالب ضد أمريكا وضد الديمقراطية ومؤيدة لإيران بشدة. وعندما واجهت حركة الخضر الإيرانية الملالي في طهران اتهم آية الله قاسم الغرب بمحاولة تقسيم دولة آمنة وإظهار الكراهية ضد الاسلام».
ويقول حسين (وهذا هو الجزء الذي يظهر مقدارا كبيرا من البحث والمعرفة) أنه (أي آية الله عيسى قاسم) «أيضا لا يقبل آراء الشيعة المختلفة عن آرائه في بلده. وشرح لي ثلاثة من أعضاء البرلمان البحريني من الشيعة عواقب أن يجرؤ المرء على تحدي آية الله قاسم. فعندما قرروا عدم الانصياع لمطالبات الوفاق بمقاطعة الانتخابات في أكتوبر طالبت المساجد التابعة للوفاق الناس بمهاجمتهم وقد تم رمي قنابل حارقة على منازلهم وتمت مضايقة أبنائهم في الطرقات. لقد عاشوا في خوف من أجل حياتهم، وهم ليسوا وحدهم في ذلك».
ويضيف حسين راويا قصة أحد رجال الأمن الشيعة، في سترة تحدثت بالعربية مع رجل شرطة شيعي وقد قال لي «أنا بحريني قبل أن أكون شيعيا ويجب أن نعيش كبحرينيين ونعمل ما هو صحيح من أجل وطننا وألا يتم التحكم بنا من قبل رجال الدين الإيرانيين». ومثل السنة البحرينيين شعر رجل الشرطة هذا أن الملكية لم تكن تعطيه الأدوات للرد على المتظاهرين. واشتكى أن الدولة لم تزودهم بالأسلحة مما جعلهم تحت رحمة مثيري الشغب الذين يحملون الأسهم المحلية الصنع والقنابل الحارقة. ويقول الشرطي لحسين «في العام الماضي أخطأ رفاقي في الجيش ووحدات الاستجواب بتعذيب المتظاهرين، ولكن ماذا عن الهجمات علينا الآن؟ كيف نحمي أنفسنا؟».
ويؤكد حسين أنه في خضم هذا كله «لم يطالب آية الله قاسم أنصاره بالتوقف عن العنف ضد الشرطة والحكومة وقادة الشيعة الذين لا ينصاعون لأوامره. وبالمقابل فقد طلب من عضو مجلس النواب جواد حسين والقادة السياسيين ورجال الدين الشيعة الآخرين أن يحضروا إلى مسجده خلال صلاة الجمعة ويتوبوا علنا لخيانتهم المجتمع».
وبهذا فسر ايد حسين أساليب حزب الدعوة الذي أسّسه آية الله قاسم في البحرين قبل عقود طويلة ومازالوا يسيرون على هذا النهج. ولكن هناك رجال ونساء في هذا البلد يأبون أن يكونوا إمّعة في يد من خانوا المجتمع وتسببوا في دماره ودمار اقتصاده وساهموا جل إسهام في تفتيته وتمزيق العائلات وتشويه صورة الشرفاء منهم واستهدافهم. أعرف رجالا واجهوا القنابل الحارقة واستهداف أبنائهم وبناتهم منذ التسعينيات لأنهم لم يتفقوا مع نهج الغوغاء. وهناك آخرون طالبوهم بأن يستقيلوا من مناصبهم خلال الأزمة التي مرت ولكنهم أبوا ليس حبا في المنصب ولكن حبا في الوطن وعندما تم تهديدهم بالتبرؤ منهم حتى من قبل أقرب المقربين إليهم قالوا لهم افعلوا ما شئتم. هذه كلها قصص حقيقية. بعض هؤلاء أخذ حقه فأعطِي الشيء البسيط لولائه وبعضهم لا تعرف عنهم الدولة شيئا. هؤلاء هم الرجال الحقيقيون وهؤلاء هم من نصروا المجتمع ولم يخونوه. وإن من خانه هو من يركب المنابر ويمسك أبناءه عن الشارع خوفا عليهم من الأذى.

لصوص الثورات العربية: أمريكا

السيد زهره
بداية، في الفترة الماضية، ردد بعض الكتاب العرب وفي الغرب ايضا مقولة مؤداها ان ما اسمي «الربيع العربي» ما هو الا «صناعة امريكية». بمعنى انه على عكس ما يعتقد الكل من ان الثورات التي اندلعت في بعض الدول العربية هي ثورات شعبية وطنية، فان امريكا هي التي خططت لهذه الثورات ونفذتها.
وبصراحة، هذا كلام سخيف لا اساس له من الصحة.
إن اردنا الدقة اكثر، فان الذين يرددون هذا الكلام سواء من الكتاب العرب او في الغرب، يستندون في هذا الى معلومات هي بحد ذاتها صحيحة، لكن النتيجة التي يتوصلون اليها خاطئة.
أما المعلومات الصحيحة، فهي ان امريكا لها اتباع من «النشطاء» في عديد من الدول العربية. والصحيح ايضا ان مؤسسات ومعاهد امريكية مشبوهة نظمت دورات تدريبية لهؤلاء في انحاء متفرقة من العالم قبل اندلاع الاحتجاجات الشعبية في دول مثل تونس ومصر. دربتهم على اساليب الاحتجاج، وكيفية استخدام شبكات التواصل الاجتماعي في الاحتجاجات.. وهكذا. والصحيح كذلك ان امريكا تمول انشطة هؤلاء وقوى اخرى تابعة لها في عدة دول عربية.
مثل هذه المعلومات صحيحة ومعروفة وليست سرية. وحتى هؤلاء الذين دربتهم واحتضنتهم امريكا في دول مثل مصر والبحرين معروفون بالاسم.
لكن ليس صحيحا على الاطلاق ان يقال استنادا الى هذه المعلومات ان امريكا هي التي «صنعت» ما سمي الربيع العربي.
أولا، بشكل عام التابعون والعملاء لأمريكا او غيرها، لا يفجرون ثورات ولم يكن مخططا لهم اصلا ان يكونوا ثوارا. هؤلاء مهمتهم الاساسية هي التخريب وفقا للأجندة الامريكية في كل بلد.
وثانيا، من السخف ان يقال مثلا ان العشرة ملايين مصري الذين خرجوا الى الشوارع ايام الثورة المصرية حركهم عملاء لأمريكا. هذه اهانة للثورة.
وثالثا، الثابت ان امريكا نفسها فوجئت كما فوجئ العالم باندلاع هذه الثورات ناهيك عن نجاحها. وبدليل ان الادارة الامريكية ظلت فترة في حالة مصر وتونس مثلا لا تعرف أي موقف تتخذ بالضبط من هذه الثورات.
الذي يجب الانتباه اليه هنا هو ان الامريكان انفسهم هم الذين يقفون وراء مقولة ان الثورات صناعة امريكية، وهم الذين يروجون لها، وذلك بهدف اظهار امريكا كما لو كانت هي التي تتحكم في كل كبيرة وصغيرة في الدول العربية وان المقادير العربية بيدها.
الصحف الامريكية الكبرى هي التي روجت لهذا الكلام. وكبار المسئولين الامريكيين هم الذين حاولوا التلميح الى ذلك. ولنتأمل مثلا ما قالته وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون.
في نوفمبر ٢٠١١، ألقت كلينتون خطابا طويلا جدا في المعهد الديمقراطي الامريكي المشبوه، قالت في بدايته: «عندما كانت الشوارع العربية هادئة، كان المعهد الديمقراطي الأمريكي موجودا على الارض، يبني علاقات ويدعم الاصوات التي سوف تحول بعد ذلك الشتاء العربي الطويل الى ربيع عربي جديد».
كيلنتون تريد ان تقول ان عملاء المعهد الديمقراطي في الدول العربية هم الذين صنعوا الربيع العربي ووراءهم امريكا. كلام سخيف وليس له أي معنى.
كلام كلينتون وحرص الامريكيين على ترديد هذه المقولة هو في حد ذاته اكبر محاولة لسرقة الثورة العربية ونسبة الفضل فيها الى الامريكان زورا وبهتانا.
وبعيدا عن هذا، يبقى ان اخطر محاولات امريكا لسرقة الثورات العربية والمناخ الذي اوجدته في المنطقة تتمثل في امرين:
الأول: سعيها لتخريب هذه الثورات وخصوصا في دولة مثل مصر وحرفها عن مسارها ومحاولة دفع التطورات بما يخدم مصالح وتصورات امريكا الاستراتيجية، وبما يحقق هدف الحيلولة دون بناء دولة قوية ديمقراطية فعلا.
الحديث يطول هنا لكن اساليبهم معروفة، عبر عملائهم، وعبر الضغط والابتزاز للسلطات الرسمية. وقد كشف تقرير اللجنة المصرية للتحقيق في عمل المنظمات الامريكية المشبوهة معلومات كثيرة خطيرة في هذا الصدد سبق وكتبنا عنها ولسنا بحاجة الى اعادة التذكير بها.
والثاني: محاولة استغلال الاوضاع الحالية في المنطقة منذ اندلاع الاحتجاجات في الدول العربية لتنفيذ مخطط تخريبي هنا في البحرين وفي دول الخليج العربية عموما.
وكما سبق أن تحدثنا وكتبنا مرارا، هذا هو المعنى الوحيد لإصرار الامريكان على احتضان القوى الطائفية التخريبية في البحرين، والدفاع عن مشروعها سياسيا واعلاميا.
وفي كل الاحوال، سواء في دول مثل مصر او هنا في دول الخليج العربية، فان احد المهام الكبرى المطروحة هي الانتباه الى المخططات التخريبية الأمريكية، واتخاذ مواقف حازمة في مواجهتها.

أزمة البحرين والدفع إلى الخلف

عبدالله الكعبي

الأزمة البحرينية الآخذة في التعقيد كان سببها باعتقادي أن البحرينيين أنفسهم لم يعوا أن ما يمرون به من ظرف لم يكن ظرفاً محلياً وإنما كانت له أبعاد دولية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. فالشرارة التي انطلقت يوم الرابع عشر من فبراير 2011 كان الجميع يظنها مجرد عمل اعتيادي شاهدوا مثله في الكثير من أيامهم التي أعقبت دخولهم عالم الديمقراطية والحرية وما هو على شاكلتها والذي كان الهدف منه في الأساس إخراج  البحرين مما كانت فيه وليس إدخالها في دوامة جديدة لا عهد لها بها. المواجهات التي كان الجميع يعتقد إنها مجرد فصل من فصول المواجهات التي تنتهي في النهاية إلى لا شيء انتهت هذه المرة إلى عمل غير مسبوق عندما احتلت مجموعة من الخارجين على القانون دوار مجلس التعاون. وحتى عصر ذلك اليوم كان البحرينيون يرقبون المشهد على اعتبار أنه سينتهي بمجرد غروب شمس ذلك اليوم حينما يتوجه المحتلون إلى بيوتهم التي من المفترض أن يكونوا جاءوا منها، غير أن المشهد الذي استنسخ استنساخاً من تجربة الخارجين عن القانون في لبنان والذين احتلوا وسط بيروت لما يزيد عن العام قبل سنوات من الآن أوحت للبعض أن هناك حراكاً من نوع آخر بدأ يتشكل في البحرين، فيما لم يحرك هذا المشهد ساكناً عند البعض الآخر الذي عول على قدرات السلطة في التعامل مع هذا التعدي على حرية وحقوق الآخرين.
البحرين لم تكتشف أن ما يجري على ساحتها ليس شأناً محلياً خالصاً إلا بعد أن فات الأوان وبعد أن دخلت الأزمة فصولا جديدة لم يكن اللحاق بها ممكناً في ظل التصعيد الذي كان مخططاً له ولم يكن عفوياً بالمرة ولم يكن ردة فعل كما كان يصوره البعض أو يعتقده البعض الآخر. فمواقع الاحتلال التي أمسكت بمفاصل مهمة كانت مدروسة مثلها مثل بقية الفعاليات التي كان يعلن عنها مسبقاً وفق جدول زمني يراعي كل الجوانب المطلوبة للتصعيد والمشاركات الواسعة من القطاعات التي تم تسييسها مسبقاً برهنت على أن ما تمر به البحرين تتداخل فيه أياد كثيرة اتفقت منذ زمن على القيام بما قامت به والتي اتضح أنها اليوم أكبر حجماً مما نعتقد عند بداية الأحداث أو حتى عند إعلان حالة السلامة الوطنية.
ما مرت به البحرين عبر أكثر من عام من أحداث دراماتيكية أوضح للجميع عمق الأزمة البحرينية التي كان من المفترض علاجها بشكل مغاير عن ما تم أو ما يتم حالياً وهو الأمر الذي سيدفع بها إلى مستويات غير مسبوقة من التأزم قد لا تستطيع البحرين تخطيه بإمكانياتها المحدودة نظراً لحجم التحالف الذي عمل ضدها والذي كشف في الآونة الأخيرة عن عمق حقيقي لهذه الأزمة لا ينتهي عند أعتاب التدخل الإقليمي وإنما يتناهى إلى آفاق أممية غير محدودة قد تفاجئنا بتدخلات جديدة من قبل دول لم يحن وقت الإعلان عنها حتى الآن تنفيذاً للعبة تبادل الأدوار الذي أصبح من سمات الأزمات العالمية.
لجنة تقصي الحقائق التي تزعمها بسيوني لم تكن سوى لجنة جاءت لإعادة الوضع إلى ما كان عليه أيام الأزمة وتفويت فرصة الحل على البحرين التي لاحت في الشهرين اللذين سبقا عملها. فهي لجنة عملت في اتجاه تغليب مصالح الخارج على الداخل وصبغ أزمة البحرين بالصبغة العالمية عندما نجحت في تلوين المشهد البحريني بألوان المنظمات الحقوقية والإنسانية والدولية وإعطاء بعد إضافي كان الخارجون على القانون في حاجة ماسة له بعد أن انكشف أمرهم وسقطت أقنعتهم بالرغم من سماكتها وقدرتها الكبيرة على التشكل والتلون، وبرهنت على أن ما جرى ليس سوى شأن داخلي لا علاقة لأحد به عندما لم تشر من بعيد ولا من قريب إلى جهات خارجية أو دعم من أي نوع كان من المفترض فضحه وتبيانه للعالم الذي كان عليه أن يصدق ما جاء في التقرير ويكذب كل المشاهد التي عايشها المواطن البحريني طوال أيام الأزمة وحتى يومنا هذا.
المشهد البحريني الحالي بحاجة ماسة إلى من يقيمه ويعيد إليه توازنه بعد أن تاهت الخطى حتى التي كانت وحتى وقت قريب تبحث عن الحلول وتقدم مصلحة الوطن على ما دونها. فالتردد الواضح الذي يؤطر عمل أصحاب القرار شجع الكثير من العاملين على الساحة السياسية على اتخاذ مواقف متشددة مما يجري على الأرض سواء كانت تلك المواقف لصالح الوطن أو في الاتجاه الآخر المؤيد لأعمال التخريب التي تحولت في الآونة الأخيرة إلى إرهاب متكامل الأبعاد.
الدافعون باتجاه تفعيل القانون وفرض سلطة الدولة وإعادة الهيبة لها لم يعد بإمكانهم طرح المزيد من الحجج التي استهلكت على مدار أيام الأزمة من دون أن تثمر عن نتيجة إيجابية، في المقابل أصبح المناوئون للحلول السلمية أكثر قدرة على استمالة الشارع الذي بدأ يتحرك تجاه العنف الصريح سواء كان هذا العنف دعماً لعمليات التخريب المستمرة من فبراير 2011 أو التي بدأت تستدرج إلى الساحة للرد على بعض الأعمال التي خرجت عن إطارها المعلن إلى ما هو أكبر منه عندما توسعت عملياتها وطالت كل شيء وحذرت من المزيد على اعتبار أن كل شيء يتحرك على هذه الأرض يمكن أن يكون هدفاً لها.
الاستعراض الممل الذي تقوم به الأجهزة الأمنية في عرض ما ضبطت من أسلحة ومتفجرات أو الإعلان عن عدم قانونية المسيرات التي تدعوا لها جهات التأزيم لم تعد تستهوي الشارع الذي أصبحت مطالبه أكبر من هذه الإعلانات الهزيلة التي لا تسمن ولا تغني من جوع. فالوضع في البحرين أصبح عالمياً بمعنى الكلمة وبات يوحي باستحالة القدرة على التعامل معه من قبل الدولة التي إن استمرت على ما هي عليه من إجراءات فإنها ستطمع فيها كل الجهات حتى التي لا تعمل حالياً وتكتفي بالتفرج أو بعدم إدانة ما يجري على الأرض.
حجم الأسلحة المضبوطة ونوعيتها وقدرة أصحابها على استخدامها بهذه الحرفية وعدم خوفهم من ظهورهم على الملأ مكشوفي الوجوه وحصولهم على دعم من دول كبرى من مثل الولايات المتحدة وبريطانيا اللتان بدأتا بجانب تسخير سفاراتهما في المملكة للعمل جنباً إلى جنب مع المخربين والإرهابيين، تشجيع مواطنيها على الانخراط في تلك الأعمال التي جاءوا خصيصاً من أجلها حيث لا يمكن التستر إلى مالا نهاية على الأعداد التي بدأت تتزايد من هؤلاء الغوغاء والمرتزقة الذين يتحصنون بجنسياتهم ضد القانون ويقدمون خدمات جليلة لمخربي الداخل بحمايتهم من القانون الداخلي وأيضاً الإسهام بصورة أكبر في تشويه صورة البحرين خارجياً التي بالرغم من صغر حجمها وعدم شرعية ما يجري فيها إلا انها باتت أهم وأخطر من وجهة نظر الإعلام العالمي الموجه مما يجري في سوريا التي يقتل فيها الآلاف يومياً أو غيرها من الأزمات في مختلف دول العالم.
إذا كانت البحرين لم تع حجم أزمتها إلا بعد فوات الأوان ولم يدر في خلدها أن هذا العدد من الدول يقف في الصف الآخر في مواجهتها، فإن على دول مجلس التعاون أن تعي خطورة ما يجري في البحرين وانعكاساته على المنطقة التي باتت تقف على خط النار بدرجة أكبر بكثير من أي وقت مضى حيث لم تصل أوضاعنا لهذه الدرجة من الخطورة في أيام الحرب العراقية الإيرانية ولا في أزمة احتلال الكويت ولا حتى عندما قررت الولايات المتحدة غزو العراق بعد حصاره الطويل.
القمة التشاورية الخليجية المقررة في مايو يجب أن تكون في حجم الحدث وأن تؤكد على ما ذهب إليه خادم الحرمين الشريفين عندما اقترح الوحدة بين دول المنظومة الخليجية التي لم يعد بالإمكان تأجيل اتحادها أو إعطاء هذه الخطوة مزيد من الوقت للتفكير لأن الخطوات في الاتجاه الآخر أسرع بكثير من عملية التفكير الذهنية البطيئة التي لم توصل دول المجلس حتى الآن إلى قرار يمكن أن يولد على إثره الاتحاد المطلوب ليس على مستوى الدول والأنظمة فقط وإنما على مستوى الشعوب التي ستدفع ثمن إهدار هذه الفرصة إن لم تتحقق في القمة التشاورية.
صيغة الاتحاد ليست مهمة ولا حتى شكله وإنما المهم أن يكون هناك اتحاد عاجل يكون قادراً على التصدي لتبعات ومخاطر تلك الأزمة العالمية التي بدأت في البحرين ولكن لا يعلم أين ستنتهي.

الدور المشبوه لإيران في الخلاف المصري السعودي

حمد سالم المري
العلاقات الخليجية الايرانية لم تكن مستقرة منذ أيام الشاه وقد ساءت هذه العلاقات أكثر عندما أقدمت حكومة الشاه على احتلال جزر الامارات طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، ورغم تفاؤل حكومات الدول الخليجية العربية بتحسن هذه العلاقات بعد ثورة الخميني التي رفعت شعار ثورة اسلامية أقامت حكما جمهوريا الا ان هذا التفاؤل اصطدم بالواقع الجديد المتمثل في محاولة الجمهورية الايرانية تصدير الثورة الخمينية لدول المنطقة متخذة العقيدة ذريعة لتؤجج التوتر الطائفي بين فترة وأخرى، بهدف اعادة أمجاد امبراطورية كسرى التي أخمد نارها وكسر عرشها العرب بقيادة الصحابي الجليل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأشرق نور الاسلام على أرض فارس بعد ان كانت تغص في ظلام المجوسية وعبادة النار. فالكره الشديد للعرب عامة ولصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمح من قلوب ونفوس الحكومات الايرانية سواء في عهد الشاه أو في عهد ثورة الخميني الا ان حكومة الشاه كانت تتخذ الليبرالية غطاء لهذا الكره وحكومة الملالي اتخذت الدين غطاء لنفس الغرض. واستكمالا لهذا الكره سعت حكومات الملالي الى السيطرة السياسية على المنطقة من خلال إيهام العرب الشيعة في دول الخليج العربية ان حكم ثورة الخميني ستكون أفضل من حكم انظمتهم فوجدت من تعاون معها دون ان يكلف نفسه النظر في حال العرب في اقليم الأحواز الذين يعيشون في حالة اضطهاد، مما يكذب زعم القول ان ثورة الخميني لا تفرق بين عرب وعجم!. ومن ضمن المحاولات الدائبة للحكومات الايرانية المتعاقبة من بعد ثورة الخميني لزعزعة الأمن في دول الخليج العربية والتدخل في شؤونها الداخلية ومحاولاتها تفجير مكة المكرمة لأكثر من مرة كان أخرها التغرير ببعض الشباب الكويتي للقيام بهذه التفجيرات في أواسط الثمانينيات من القرن الماضي ولم تتوقف الحكومات الايرانية عن هذا التدخل السافر في الشؤون الداخلية للبلدان العربية الخليجية حتى يومنا هذا حيث حاولت بشتى الطرق اثارة الفتنة الطائفية في البحرين من خلال اثارة الشغب فيها ثم محاولتها التجسس على الكويت وأخيرا قيامها بنشر قوات عسكرية واسلحة هجومية ودفاعية في الجزر الاماراتية المحتلة بعد ان قام رئيس جمهوريتها أحمدي نجاد بزيارة استفزازية لهذه الجزر. بل أنها استغلت الثورات العربية وتقاربها مع حزب الاخوان المفلسين خاصة في مصر الذي كانت تؤيده منذ محاولة اغتيال الرئيس المصري أنور السادات مطلقة اسم منفذ عملية الاغتيال خالد اسلامبولي على أحد أكبر شوارعها في العاصمة طهران فانتهزت فرصة الخلاف المصري السعودي الحالي حول القاء القبض على المحامي المصري أحمد الجيزاوي فنشرت وكالة أنبائها الرسمية «فارس» خبرا كاذبا وغير صحيح على لسان وزير الخارجية السعودي صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل جاء فيه «للجندي السعودي في السفارة السعودية الحق في اطلاق النار على كل من يحاول المساس بأمن السفارة ولن نتهاون في ذلك ولكن أنتم تعلمون ان عقوبة تهريب المخدرات للسعودية هي الاعدام، فان ثبتت العقوبة على الجيزاوي سوف نرسله للقاهرة في تابوت». ولم تكتف بذلك بل غذت المظاهرات المصرية المنددة بالسعودية من خلال قنواتها وأبواقها الاعلامية بزعم ان هناك حكماً صدر بحقه غيابيا بالجلد لسبه العاهل السعودي! ورغم ان هذا الادعاء كذبه السفير المصري في الرياض موضحا ان الجيزاوي لم يحاكم بعد وأنه مازال محتجزا على ذمة التحقيق بتهمة حيازة مواد مخدرة غير مصرح بها الا ان حزب الاخوان المفلسين المسيطر حاليا على مجلس الشعب لم يصدر أي بيان وكأن لسان حاله يؤيد هذه المظاهرات المنددة بالسعودية. ان الخلاف السعودي المصري الحالي هو محاولة من ايران لضرب أكبر دولتين سنيتين من أجل أضعاف قوتهما فيتحقق لها السيطرة السياسية على المنطقة بالكامل.
الخاسر الأكبر من هذا الخلاف هو الشعب المصري الذي سيتضرر اقتصاده في حالة قطع العلاقات مع السعودية لا سمح الله فالمملكة العربية السعودية تعتبر ثاني أكبر مستثمر في الجمهورية المصرية، بعد الولايات المتحدة الأمريكية، بشكل عام، وتعتبر المستثمر الأول في بعض القطاعات الداعمة للاقتصاد المصري، وفي مقدمتها القطاع السياحي الذي تغطي السعودية ما نسبته 70 % من الاستثمارات فيه. كما سيؤثر هذا الخلاف بشكل كبير على أوضاع العمالة المصرية في المملكة، وعليه ستتأثر الحوالات الخارجية للعمالة المصرية في السعودية، المقدرة بنحو مليوني عامل، بالاضافة الى التأثير على معدلات التبادل التجاري. كما أنه قد يؤثر في تعهد المملكة أخيرا بدعم مالية مصر بـ2.7 مليار دولار. مما يتيح المجال لايران ان تتدخل بشكل سافر في مصر ومحاولتها سد مكان المملكة العربية السعودية فتحقق أهم أهدافها المتمثل في نشر الثورة الخمينية في مصر واعادة أمجاد الدولة الفاطمية العبيدية. فهل من عاقل يعي من المستفيد من هذا الخلاف؟

الأرقام التي لا تدونها الحروب

سمير عطا الله
يحدث ظلم هائل في تأريخ الحروب وتدوينها لا يقل عن ظلمها وفجورها. لا يعود هناك متسع إلا لإحصاء القتلى. لا يعود مهما جدا عدد الجرحى والمرضى والفقراء والبؤساء والمشردين والمظلومين الخائفين والأيتام والمعوقين والذين فقدوا عقولهم. لا تعترف الحرب إلا بالقتل، لأن كل ما عداه يصبح غير مهم.
لا أعرف كم من الكتب صدر عن برلين منذ هزيمتها وانتحار ادولف هتلر. لكن كلما قرأت كتابا آخر أدركت أنني لم أقرأ شيئا بعد. لن يكون لبرلين مدينة تشبهها، لا في انتصارها ولا في هزيمتها. ولن تكون أحجية إنسانية جماعية في مثل أحاجيها: كيف جرَّ عريف نمساوي شعبا مثل الشعب الألماني خلفه، بصناعاته وعبقرياته وفلاسفته ومخترعيه وعلمائه، لكي يدمر العالم ثم يترك للعالم أن يدمره.
كيف خطر لألمانيا أن في إمكانها أن تنتصر على روسيا، وإذا قدرت على الانتصار، فكيف يمكن لها أن تحكمها وإلى متى. لكن هتلر دفع جيوشه إلى روسيا. ولم يكتف الروس بأن هزموه فوق أرضهم بل ضمدوا جراحهم وطاردوه إلى برلين. ولم يكتفوا بإلحاق الهزيمة العسكرية وترميد المدن وطمر الشوارع بل قال ستالين لجيوشه، اهتكوا شرف الذين هتكوا كرامتكم ومنازلكم وأرضكم.
كنت قرأت في مصادر عدة أن عدد الألمانيات اللاتي اغتصبهن الجنود السوفيات يتجاوز مائة ألف امرأة. كتاب «برلين: السقوط» بقلم أنطوني بيفور، يقول إن العدد يتجاوز المليونين. ارتعدت النسوة الألمانيات في بيوتهن وهن ينتظرن اقتحام الأبواب. ذكرت لجنابكم قبل سنوات كيف يروي غونتر غراس، الألماني حامل نوبل للآداب، أن أمه سلمت نفسها للجنود السوفيات في دانزيغ، لكي تحمي ابنتها المختبئة من الاغتصاب.
تبادل الروس والألمان والأميركيون واليابانيون وجميع شركاء الحرب العالمية الثانية هتك النفس البشرية وإذلالها وتحويل الإنسان إلى وحش خال من كل رأفة أو عقل أو مشاعر. يدوِّن ضابط بريطاني في تحفة أدبية بعنوان «نابولي 44» يوميات المدينة في العام الأخير من الحرب. تمنعنا الأدبيات من إعادة السرد. لكن نسوة المدينة كن يحضرن إلى الساحة العامة لممارسة البغاء الجماعي لقاء وجبة طعام أو علبة سردين.
كلما كتبت عن هتلر أو موسوليني أو ستالين أتلقى رسائل مدافعة. كم هو سهل الدفاع على الذين لم يعرفوا الحروب ولم يقضوا يوما في ستالينغراد أو في برلين المهزومة أو في درسدن أو في نابولي. كم من السهل ذلك على الذين لم يروا أطفال لبنان يموتون قصفا وهم يحاولون الهروب بالبواخر. والذين لم يمضوا أعوامهم في الملاجئ تحت القصف. والذين لم يقتلوا في طوابير الخبز. أنا أكره الحروب.

العلاقات السعودية المصرية ومهـرِّب المخدرات

محمد بن علي الهرفي
أجزم أن العلاقة بين مصر والسعودية لن يستطيع مهرب مخدرات أن يؤثر عليها.. كما أجزم أن بعض الغوغائيين من رجال الإعلام أو من غيرهم سيفشلون في تحقيق مآربهم المشبوهة مهما قالوا ومهما كتبوا. فالحقائق مثل نور الشمس، وأكاذيبهم لن تخفي هذا النور، فالكذب بطبيعته لا يصمد أمام الحقائق ويتهاوى سريعا. عقلاء مصر هم من يقودونها، هم من يعرفون مصالحها، وهم من يدافع عن هذه المصالح، أما الغوغائيون فمصالحهم الشخصية هي التي تقودهم. أعرف أن بعضهم يجهل الحقيقة، ويظن أن ما يقوله المذيع الجاهل «محمود سعد» وأمثاله هو الحق، وأعرف ــ أيضا ــ أن البعض الآخر مدفوع من آخرين لمحاولة إيجاد شرخ في علاقة مصر والسعودية، لكن هذه المحاولات فشلت وستفشل أي محاولات أخرى قد يقوم بها جهلة آخرون. عقلاء مصر أدركوا منذ البداية أن السلطات السعودية قامت بما يجب أن تقوم به، وأن هذه السلطات أدت دورها بحرفية تامة؛ فالرجل يحمل كمية من المخدرات، وقد اعترف بفعلته أمام السلطات السعودية، ثم اعترف ــ أيضا ــ بما فعل أمام سفير بلاده وقنصلها كذلك!! وإذا كان بعض المغرضين شكك في اعترافه أمام السلطات السعودية فهل يستطيع هؤلاء التشكيك في السفير المصري؟! وهل يصدق أحد أن السفير متواطئ ضد مواطنيه؟! عقلاء مصر أدركوا حجم الخطيئة التي ارتكبها فئة من المغرضين فقرر بعضهم زيارة السعودية بوفد يضم قيادات سياسية وشعبية لشرح موقف الشعب المصري الكريم إزاء ماحدث في مصر من إساءات للسعودية، حكومة وشعبا! رئيس مجلس الشعب الدكتور «محمود الكتاتني» قال: إن الوفد سيقابل خادم الحرمين يوم الجمعة لشرح الموقف الحقيقي للمصريين، وأكد اعتزازه بالعلاقات المتميزة بين البلدين. ومجموعة من رؤساء الأحزاب وأساتذة الجامعات والإعلاميين كان لهم الموقف نفسه. آخرون وقفوا أمام سفارة المملكة وطالبوا بعودة السفير، وكانوا يرددون: «يا قطان مصر بلدك من زمان» !! نعم مصر بلد السعوديين جميعا كما أن السعودية للمصريين»، وشرذمة المخربين سيفشلون ــ قطعا ــ في إفساد هذه العلاقة مهما فعلوا !!، شرذمة المفسدين أشاعوا أن السعودية حكمت على مهرب المخدرات «الجيزاوي» بالسجن والجلد، وأنها عاملته بصورة سيئة !!، ونسي هؤلاء أنه قبل إصدار أي حكم لابد أن تمر القضية ــ مهما كانت ــ بسلسلة إجراءات قضائية لا يمكن أن تتم خلال بضعة أيام!!، كما أن «الجيزاوي» نفسه أقر أمام سفير بلاده أنه عومل معاملة حسنة.. وأكاذيبهم تؤكد سوء أهدافهم كما أنها تدل على غبائهم وجهلهم. الإعلام الغض وسوء القصد هو الذي صعد الأزمة التي ما كان ينبغي أن تكون أزمة أصلا!!، فهي ــ بكل بساطة ــ لاتعدو أن تكون عملا عاديا تمارسه كل الدول حفاظا على أمنها وعملا بقوانينها: ولو أن سعوديا ارتكب جرما في مصر لفعلت الشيء نفسه، وهناك شواهد لا يسمح مقالي بذكرها ولم نسمع أن بلادنا أنكرت على السلطات المصرية قيامها بواجبها. القضاء هو الذي يفصل في مثل هذه القضايا، والتواصل الحضاري بين البلدين هو الذي يقرب وجهات النظر ويسهم في حل أي مشكلة. أما ما يفعله الغوغائيون وبعض الإعلام الغض الذي لا يعرف أبسط قواعد الإعلام فهو لا يحقق شيئا، وسيؤوب أصحابه بالخيبة والخسران .. العلاقة بين السعودية ومصر ستعود كما كانت، وستتطور إلى الأحسن، لأن العالم العربي لن يطير إلا بجناحيه؛ السعودية ومصر.

عندما يذكر الشيطان اسم الله

منذر عيد الزملكاني
كم يخيفني الشيطان عندما يأتيني ذاكرا اسم الله، كلمات قالها أحدهم، ويقول توماس بين الكاتب الإنجليزي: «ليس الخير والعدل من صفات المؤمن فحسب، بل من صفات الشيطان أيضا، عندما يعمل تحت اسم الله».
حكم بالغة في السياسة والعلاقات الدولية وحتى في المجتمع وهي تعبر عن حذاقة سياسية لا مثيل لها. والفحوى السياسية والأمنية لهذه الحكم كبيرة وعظيمة لمن فهمها وتدبرها. ونحن اليوم في عالمنا العربي غابت عنا وعن سياسيينا، وحتى عن مسؤولينا، هذه المفاهيم واستحقاقاتها ووقعنا في إشكاليات ستجر على بلداننا ومواطنينا عواقب كارثية في المستقبل، إذا لم نسابق الزمن نحو التغيير الجذري لمنهجنا السياسي والعسكري.
لقد جاءت الثورة الإيرانية عام 1979 بعباءة إسلامية، توجس الساسة في عالمنا العربي خيفة من مظهرها بأنها شكل من أشكال الإسلام السياسي المرفوض وقتئذ، والتبس أمر الثورة الإيرانية على الجميع بين شعاراتها الإسلامية الثورية وحقيقة أهدافها الباطنية.
والأمر في حقيقته هو أن الثورة الإيرانية جاءت بالصبغة الدينية الشيعية من أجل تحقيق هدفين كبيرين لإيران الفارسية:
الهدف الأول هو تسييس الانقسام الطائفي الموجود في الدول العربية والإسلامية وخلخلة اللحمة الوطنية الداخلية في كل بلد متعدد الطوائف، وكسر العقد الاجتماعي بين أبناء البلد الواحد، من خلال زرع الفتن الطائفية في كل دولة عربية وإسلامية، وتحقيق ما لا تستطيع إسرائيل أن تحققه أبدا في هذه الدول، مهما بلغ بها من قوة. فالحرب من الخارج تعزز البنية الاجتماعية للوطن، لكن عندما تكون من الداخل عبر الفتن الطائفية والعرقية فالسقوط آتٍ لا محالة، وسيتحول البلد إلى دولة فاشلة كالعراق ولبنان.
والهدف الثاني للثورة الإيرانية هو القطبية، وذلك من خلال مبدأ ولاية الفقيه الذي ركز عليه كثيرا الخميني بعد الثورة. فبعد تسييس الانتماء الطائفي يأتي استقطاب الولاءات العابرة للحدود من أنصار ومن مؤيدي الولي الفقيه. وقد عبر عن هذه القطبية حسن نصر الله يوما عندما قال: «إن الولي الفقيه هو الذي يعين الحكام في جميع الدول الإسلامية ويعطيهم الشرعية، لأن ولايته ليست محدودة بحدود جغرافية، وإنما ممتدة بامتداد المسلمين». وهذا ما يفسر عمل إيران الدؤوب في نشر التشيع في كل الدول العربية والإسلامية. فهو ليس بهدف زيادة عدد الشيعة فحسب، بل وبشكل أهم زيادة حجم ارتباط سكان هذه الدول بإيران، وبالتالي نخرها من الداخل مع مرور الوقت.
إذن الدين كان الوسيلة للهيمنة والقضية الفلسطينية كانت المطية وبكليهما معا، ومن خلال اتباع سياسة النفس الطويل، تعزز الموقع الإيراني في المنطقة وسيتعزز أكثر فأكثر في المستقبل في حال لم تنجح الثورة السورية في هدفها، بإسقاط النظام السوري، لما لهذا النظام من دور كبير في ترسيخ المشروع الإيراني.
لقد كانت العلاقات العربية - الإيرانية قبل الثورة الخمينية تخضع لمبدأ الواقعية السياسية، من خلال تكريس التوازن الاستراتيجي بينها وبين العراق. واستمرت بعد الثورة الخمينية حتى احتدم الصراع ونشوب الحرب العراقية الإيرانية وتحجيم إيران. لكن بعد حصار العراق وسقوط بغداد وتعذر قيام قوة عربية بملء المكان، انهار مبدأ الواقعية السياسية في منطقة الخليج أمام الهيمنة الإيرانية عليها. إضافة إلى ذلك، فإن إيران أصبحت تمسك بقوى داخلية في الدول العربية عملت على استقطابها ولا تزال منذ الثورة، وهي تملك إثارتها وتسكينها متى شاءت، وتستطيع من خلالها هز الكيانات السياسية للدول العربية، كما تفعل دائما في لبنان وتفعل اليوم في البحرين.
لقد انكشفت عباءة الدين عن إيران بعد الاحتلال الأميركي للعراق، وظهرت صبغتها الفارسية الخالصة، وتبين دورها الحقيقي والمتمثل بكونها نسخة احتياطية داعمة ورديفة للمشروع الإسرائيلي في المنطقة، إلا أنها أشد خطرا. بل يمكن القول إن المشروعين الإسرائيلي والإيراني متزاوجان ومتكاملان ويتممان بعضهما البعض.
فالإسرائيلي سياسي عسكري من الخارج والإيراني سياسي اجتماعي من الداخل.
والطريق عبر كربلاء الذي قال به الخميني تبين أنه هو في الحقيقة باتجاه البحرين والإمارات والخليج العربي، عموما وليس باتجاه القدس.
ما الحل؟
1) الإيمان الثابت بأن الخطر الإيراني لا يقل أبدا عن الخطر الإسرائيلي، وأنه أصبح بالنسبة لنا في الدول العربية والخليجية خاصة مسألة صراع على البقاء.
2) يجب على الدول العربية والخليجية خاصة الكف عن سياسة التقارب والتقريب مع إيران، لأن هذه السياسة علامة ضعف ولا تزيد الجانب الإيراني إلا تماديا.
3) التعامل مع إيران على أنها دولة محتلة لأراض عربية ابتداء من إقليم عربستان (الأحواز) منذ عام 1925 ميلادية وهو الجزء الشرقي للخليج العربي، مما يؤكد الهوية العربية للخليج العربي، وانتهاء بالجزر الإماراتية ودعم تحريرها جميعا بكل الطرق الممكنة.
4) الكونفدرالية الخليجية حل ضروري لكنه غير كافٍ، فالخطر أصبح داهما والمشروع الإيراني الفارسي لن تنفع معه سياسية الردع الآن، والمطلوب هو جرأة وراديكالية في التعامل معه بحيث ننتقل من سياسة الردع إلى سياسة الهجوم بالطريقة المناسبة التي تحفظ لنا أمننا وأمن بلادنا.
5) عدم الرضوخ للتطمينات الأميركية حول أمن الخليج العربي وأنه مسؤوليتهم، فالخليج خليجنا والأرض أرضنا وبالتالي فإن الأمن أمننا، ولنأخذ العبرة من درس اقتحام روسيا لجورجيا عام 2008 وإذلالها على الرغم من التطمينات الأميركية لجورجيا، طبعا مع اختلاف الظروف المحيطة بكلتا الحالتين.
6) المصالح الأميركية مع إيران مصالح استراتيجية وحيوية متبادلة، مهمة لأميركا كما هي لإيران. لذلك فإن التعويل على الولايات المتحدة بالضغط على إيران وكبح جموحها، وإن حدث مرات، فقد لا يحدث مرة، وعندها ستكون الكارثة. وسنعرف وقتها أننا ما راعينا حق بلادنا ولا مواطنينا.
7) إيران دولة تجتمع فيها المتناقضات الاجتماعية والسياسية الداخلية أكثر من أي دولة عربية، فالبضاعة التي تصدرها لنا وتحاربنا بها يمكن أن نبادلها ببضاعة مماثلة بما يشغلها بنفسها عنا وعن الآخرين.
8) دعم الثورة السورية في هدفها بإسقاط النظام في سوريا بكل الوسائل الممكنة واعتبار الصراع في سوريا صراع الأمة بأكملها ضد المشروع الإيراني. والأخذ بعين الاعتبار أن فشل الثورة السورية وتمكن بشار الأسد مرة أخرى من سوريا يمكن أن يطيح بدول في الخليج العربي خلال سنوات. فالنظام في سوريا هو الرئة الإيرانية في الجسم العربي، كما وصفه الأستاذ الدكتور عبد الله النفيسي، بها يقوى ويتنشط المشروع الإيراني ومن دونها يخبو وينكمش. إن إيران تعي هذه الحقيقة تماما وتعتبر الصراع في سوريا صراعا من أجل البقاء، ولذلك تجدها مستنفرة على جميع الصعد لصالح النظام السوري في داخل سوريا وخارجها. فهي تزود النظام بالأسلحة والمساعدات الاقتصادية والأجهزة التقنية للتجسس والمراقبة، وتحشد الدعم السياسي العالمي له. في حين أنها تغرق المعارضة والثوار في الداخل بالأدوية الفاسدة والأغذية الفاسدة وحتى الأسلحة الفاسدة للجيش السوري الحر.
إن الانهماك الكبير في المشاريع الرخوة من استثمارات وعقارات وبنى رياضية ومؤسسات إعلامية لن يدفع الأخطار الخارجية إلا إذا تحصنت هذه المشاريع بمشاريع صلبة عمادها المؤسسة العسكرية والأمنية. فمن دون أمن لا أمان للملكية، فكل الإنجازات والنجاحات قد تصبح غنيمة للعدو كما غدت بيارات البرتقال في يافا بيد إسرائيل وكما غدت بوشهر بيد إيران.
وان كانت الدول العربية والخليجية خاصة لا تستطيع مواجهة إيران فلتكن المعركة في سوريا. ولتكن الثورة السورية هي الفرصة، فليستثمروا فيها وليدعموها. ففي سوريا اليوم يُكتب المصير لإيران والعرب. وكما قال الرياضي الأميركي برانش ريكي: «لا تترك فرصة أتتك من أجل الأمن».
 
* باحث في مركز الدراسات السورية في جامعة سانت أندروز بالمملكة المتحدة

سلفي أصلي وسلفي تايواني

حسين شبكشي
لعل المشاهد المؤلمة والمزعجة، وفي الكثير من الأحيان المذهلة، التي حصلت من أتباع حزب النور السلفي في الثورة المصرية، وتحديدا الذين كانوا يؤيدون مرشح الرئاسة عن التيار السلفي حازم أبو إسماعيل، تجعل الواحد يصاب بالحيرة الشديدة؛ فأتباع الفكر والتيار السلفي أساسا لا يؤمنون بفكرة العمل السياسي والتحزب ويبعدون عن كل ذلك تماما، وهناك أيضا في مبدأ الفكر السلفي طاعة ولاة الأمر طاعة كاملة والانصياع للأوامر والقرارات والتعليمات.
ولذلك كان الحراك الذى قيل إنه غير متحضر والذي حصل من المرشح الرئاسي المستبعد حازم أبو إسماعيل وأنصاره أساسا في فكرة «استغلال» السلفية كشعار ديني نقي وتوظيفه سياسيا (سبقه في ذلك الأمر حزب النور حينما أعلن تأسيس حزب سياسي سلفي). وبعد أن تم الاعتراض القانوني الرسمي من قبل الجهة المعنية بإدارة الشؤون الانتخابية في مصر وأسقط حقه في الترشيح بعد أن تم الكشف عن أن والدته المتوفاة كانت تحمل الجنسية الأميركية، وهو مخالفة صريحة جدا لشروط الترشيح، احتج أبو إسماعيل وتوعد بالرد وإظهار الحقيقة وخرج أنصاره بالآلاف «معترضين» على القرار الواضح والمدعم بالوثائق ولم يستطع أبو إسماعيل إثبات عكس ذلك وتوعد مؤيدوه بـ«ثورة حتى الموت» و«جهاد أكبر حتى النصر» ودخلوا في مواجهات عنيفة ودامية جدا مع الدولة وتسببوا في أذى العشرات وإتلاف العديد من المنشآت.. كل ذلك من دون تقديم دليل مادي حقيقي يثبت أن والدة حازم أبو إسماعيل لم تتحصل على الجنسية الأميركية.
كل هذه التصرفات والغوغائيات والاعتراضات والتصعيدات والتهديدات صادمة لكل من يعرفون الخطاب السلفي الحقيقي البعيد عن ذلك. فعلى الرغم من تبني حزب النور وأنصار حازم أبو إسماعيل «المظهر» السلفي في أسلوب إطلاق اللحى والملابس التي يرتدونها والديباجات التي يستخدمونها في حواراتهم والشعارات التي يرفعونها في مقابلاتهم واجتماعاتهم والاستشهاد بالشخصيات التاريخية والمعاصرة المعروفة والمحسوبة على الفكر السلفي وتبنيهم للمواقف التاريخية المعروفة في القضايا الاجتماعية الكبرى؛ فإن ما حدث في مصر كشف على ما يبدو عن أن هناك أنواعا مختلفة من السلفية، منها ما هو غير مسيّس وآخر اخترقته السياسة بقوة وباتت الموجه الكبير له.
اللعب على العواطف باسم الدين لأغراض سياسية ليس بالجديد في العالم العربي، بل هو ظاهرة عالمية شهدتها مجتمعات صناعية وأخرى ناشئة، وهي معادلة سريعة الانتشار وبالغة الفعالية والتأثير وتختصر الطريق والوقت لطالبيها، ولا شك أنه بعد أن رفعت شعارات قديمة في يوم من الأيام تقول باختصار إن «الإسلام هو الحل»، تبين لشريحة غير قليلة من الناس أن رافعي هذا الشعار هم جماعة سياسية وليسوا جماعة دينية في حقيقة الأمر، واهتزت الثقة فيهم وانقسم المجتمع في رأيه حول ما يقومون بقوله وعمله، وبالتالي كان هناك «فرصة» مهمة لراغبي استثمار التعطش الكبير الموجود داخل المجتمع في التغيير، وذلك بالاستمرار في الطرح الديني ولكن بتقديم «صورة» مغايرة والدخول ضمن خطاب وفكر ظاهره أكثر تمسكا بالدين في الشكل والقول، وبالتالي يبدو للمتلقي أنه «خال» من الشوائب والمنغصات التي قد تولد الشكوك والافتراضات وتخيف الناس منهم وتبعدهم عنهم.
ولكن الكثير من المنتمين للمدرسة السلفية التقليدية يعتبرون ما يحدث الآن «باسمهم» على الساحات السياسية ما هو إلا عبث وهوى كبيران، والضرر أكبر من النفع، والتصدع الذي أصاب الخطاب السياسي الهزيل أصلا للمجموعة السلفية في مصر جراء بعض المواقف «الغريبة» والتي اهتم بها الإعلام والشارع وحولها إلى مجال للسخرية والنكتة، سيجعل من المهمة السياسية لهم صعبة في ظل وجود منافسة قوية من الآخرين على الرغم من المفاجأة العددية للكثيرين من الحضور السلفي في الساحة المصرية، ولكن يبقى ذلك غير كاف.
ويبقى المشهد مثيرا للمتابعة.. كيف سيتخطى التيار السلفي السياسي في مصر الإخفاق الذي أصابه، ورهانه اليوم على قوة دعم لعبد المنعم أبو الفتوح مؤثرة للفوز بمنصب الرئاسة في مصر كداعم للمرشح بعد أن فقدها كمرشح مباشر، وهي مسألة ستعيد ترتيب المجموعة السلفية في مصر بشكل جذري.

العلاقة السعودية المصرية.. نسيجها أقوى من محاولات تمزيقه

زين العابدين الركابي
من ذا الذي يريد تمزيق العلاقة بين البلدان العربية، ولا سيما بين السعودية ومصر؟.. هم كثر بلا شك.. فقوة العلاقة بين هذين البلدين - بوجه خاص - إنما هي قوة للعروبة وللإسلام، ورافد عظيم لنهضة العرب والمسلمين.. ولهذه القوة أعداء متربصون.. نعم. هذه حقيقة.. والحقيقة الأخرى هي أن مرادات الأعداء لا تتحقق إلا عبر موالين عرب لهؤلاء الأعداء، أو (لتلطيف العبارة) عبر جهلة هم بمثابة أدوات مدمرة في يد الأعداء. وطالما قلنا: إن الدواهي والكوارث التي أصابت تاريخنا وواقعنا دلفت إلينا: إما عبر ذكي خبيث، وإما من خلال مخلص غبي: وفي كل شر.
ولئن سألنا: من المستفيد من تأزم أو تدهور العلاقات بين السعودية ومصر؟ فإن الجواب القاطع: هم أولئك الذين لا يريدون للبلدين - ولا للشعبين - خيرا ولا تقدما ولا وئاما.. وبقية الجواب هي أن ذلك التدهور لا يكون - بحال من الأحوال - لصالح السعوديين والمصريين.. ولعل الضميمة التالية تكشف مزيدا من جرائر العبث بالعلاقة بين البلدين.. فهذه الأزمة المفتعلة في أي زمن وقتت؟.. وقتت في زمن تبين فيه - بوضوح - مخطط:
أ) تمزيق الأوطان العربية، كل على حدة.
ب) تمزيق العرب من حيث هم أمة. إذ يتوجب - في نظر أصحاب المخطط - أن تمزق شر ممزق، تمهيدا لتغييرات واسعة النطاق في المنطقة هي - بالتوكيد - ليست في صالح الأمة العربية، لا في حاضرها ولا مستقبلها.
نعم.. إن الذي ابتدر الأزمة قلة من «المفتين الجدد» في شؤون السياسة الخارجية: بلا علم، ولا خبرة، ولا عقل، ولا حكمة، بيد أن كثيرا من الأزمات بدأت صغيرة على يد أناس لا يحسنون التفكير ولا الحساب ولا التقدير، ولا يملكون رؤية لمآلات ما يقومون به.
والحالة الأساسية في هذه الأزمة المفتعلة، هي أن رجلا مصريا ضبط بما يثير حوله الاتهام القانوني العادي العام (أي الذي ينطبق على كل مخالف من السعوديين أنفسهم ومن غير السعوديين من كل جنسية).. وهذه مسألة قضائية بحتة لا ينبغي أن تُقحم فيها السياسة، ولا أن يبتذلها الإعلام المتعطش للطم في كل مأتم، فإن لم يجد مأتما طبيعيا، افتعل مأتما، فالمقصود عنده اللطم على كل حال.. فمن الناس من يدمن النواح!!
هذه الحالة الفردية - ذات الاختصاص القضائي - لماذا يتحمل وزرها مليونان ونصف مليون مصري يعيشون في السعودية؟.. لماذا يتحمل تبعتها نحو نصف مليون سعودي يقيمون في مصر بصفة دائمة؟.. لماذا تبوء بإثمها علاقات تاريخية ومصلحية بين هذين البلدين العربيين المسلمين الكبيرين: السعودية ومصر؟
وَي!!!
أمن أجل أهواء بعض البشر يتوجب أن تكف الكواكب عن الدوران؟!! وأن تتعطل العلاقات بين الدول؟
أين العدالة في الطرح الإعلامي؟.. أين النضج في الفكر السياسي؟.. أين الرشد في تقدير المصالح والعمل الدائم على تنميتها وحراستها، لا على تعطيلها وإهدارها؟.
وإذا كان واقع الأمة يشكو من كثرة الحمق والنزق والسفه، فإننا نحمد الله - عز وجل - الذي قيض للبلدين - السعودية ومصر - عقلاء مبصرين يتداركون الوضع بإخلاص وحنكة وسرعة.. فقد عزم رجالات كبار في مصر على القيام بـ«فريضة إصلاح ذات البين».. ولقد سارعت القيادة السعودية إلى الترحيب بهذه الخطوة العاقلة الواقعية. وكان ثمرة الإرادتين: أن زار السعودية - في الأسبوع الماضي - وفد مصري كبير رفيع.. ومن المضامين العميقة في طبيعة هذا الوفد: أنه ذو حجم كبير (120 شخصية مصرية).. وأنه وفد اتسم بالتنوع البالغ فقد انتظم الوفد رئيسي مجلس الشعب والشورى، وممثلين عن الأزهر والكنيسة وأعضاء برلمانيين، وممثلين عن الأحزاب والقوى السياسية المختلفة، ودعاة إسلاميين، وكتابا وصحافيين، وفنانين ورياضيين، بمعنى أن مصر كلها - تقريبا - قد مثلت في هذا الوفد.. وأن مصر كلها قد حضرت في السعودية. وهذا تعبير كريم عن تقدير المصريين وحبهم للسعودية (بغض النظر عما بدر من البعض).
ولقد التقى هذا الوفد الشقيق الصديق بمسؤولين سعوديين كبار على رأسهم العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي تنطوي جوانحه على تقدير وحب عظيمين لمصر والمصريين: كما يعبر هو عن ذلك دوما.
وليس يجوز تسجيل ذلك كله دون توجيه تحية خاصة للدبلوماسية السعودية التي استطاعت أن تدفع الأمور إلى الخط السليم، في الاتجاه الصحيح.
إن للعلاقة السعودية المصرية جذورا عريقة عميقة.. ومن أمتن هذه الجذور أنه قبل نحو سبعين عاما - تقريبا - : زار الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود مصر زيارة رسمية وضعت أسس التعاون الصادق والقوي بين البلدين.. ولقد استقبله الشعب المصري استقبالا هائلا ملؤه الحب والتقدير والفرحة الغامرة بمقدم زعيم عربي مسلم من أكابر زعماء الإصلاح والنهضة في العالم العربي الإسلامي في العصر الحديث، وهو استقبال عبر عنه الملك عبد العزيز بقوله: «لقد لقيت في كل شبر مشيت فيه من أرض الكنانة من الحفاوة والإكرام ما لا يحيط به الوصف، ولا يفي بحقه وافر الشكر. فقد كانت قلوبهم تتكلم قبل ألسنتهم.. وليس البيان بمسعف. ولكن اعتزازي أني كنت أشعر أن جيش مصر العربي هو جيشكم (كان الملك عبد العزيز يخاطب الشعب السعودي) وجيشكم هو جيش مصر، وحضارة مصر هي حضارتكم، وحضارتكم هي حضارة مصر. والجيشان والحضارتان جند للعرب، وركن من أركان حضارتها».
وبإرادة هاتين الدولتين نشأت - بادئ ذي بدء - جامعة الدول العربية التي قال عنها البيان المشترك - السعودي المصري - آنذاك: «إن من دواعي سرورنا العظيم أن يكون اجتماعنا في هذا المكان التاريخي في الدار الجديدة لجامعة الدول العربية تلك الجامعة التي كان من حظنا وحظ إخواننا ملوك العرب وأمرائهم ورؤسائهم: أن يضعوا أسسها وأن يرعوها فيقيموها على دعائم من التعاون والتكافل لخير العرب، وخير البشر كافة، ويستجيبوا كذلك لرغبات الشعوب العربية وآمالها. ونحن واثقون بأن جامعتنا وهي تؤدي هذه الرسالة لا تريد علوا ولا استكبارا على أمة أخرى، بل نرى أن من أسمى مقاصدنا ومقاصدها: التعاون مع أمم الأرض كلها على البر والحق والعدل والسلم الدائم».. هذه هي أسس العلاقة بين السعودية ومصر: تعاون ثنائي كريم على كل ما ينفع البلدين والشعبين.. وسياسة خارجية تتوخى الحق والعدل والسلم الدائم في العالم.
لا نكران لتموجات مرحلية شابت العلاقة بني البلدين، بيد أن القاعدة الثابتة هي: تواثق الأخوة، ورعاية المصالح، والاحترام المتبادل.
ومن جانبنا نحن السعوديين، فإن هناك دلائل وقرائن عديدة تبرهن على «النية السعودية الحسنة» تجاه مصر والمصريين.
من هذه الدلائل الملموسة: عزم المملكة العربية السعودية - في الآونة الأخيرة - على إقامة جسر ضخم يربط بينها وبين مصر.
هذا الجسر.. تعبير ملموس محسوس عن «النية» السعودية الطيبة تجاه الإخوة المصريين. بل هو دليل على «تبييت» النية الحسنة تجاه مصر عبر آماد بعيدة. كيف؟
إن الذي يعزم على إقامة جسر يربطه بشعب آخر بشكل يومي، أو على مدار الساعة، يكون قد خطط - في الوقت نفسه - على استدامة الصلة مع ذلك الشعب. فمن طبيعة مثل هذه الجسور: أن يمتد عمرها إلى عقود، بل إلى قرون. والجسر وسيلة إلى غاية.
بمعنى أن الأهم هو ما يترتب على إقامة الجسر وهو:
أ) سهولة التواصل البشري.
ب) تدفق الحركة واستمرارها وحيويتها (تجارة - عمالة - سياحة) الخ.
ج) نمو التعاون بين البلدين وتصاعده إلى أعلى مناسيبه في المجالات كافة.

العنف في حلب مؤشّر لاتساع "ثوري" زيادة المراقبين تمهّد لمناطق آمنة

روزانا بومنصف

سلّط رد الفعل العنفي الذي قام به النظام السوري على طلاب جامعة حلب واعلانه اقفال الجامعة الضوء على مجموعة عوامل وفق ما تقول مصادر ديبلوماسية قد يكون ابرزها ان هناك نشاطا ثوريا على الارض في حلب حاول النظام التغطية عليه بكل وسائله مما عمم الانطباع ان دمشق وحلب بقيتا بعيدتين عن التحركات الشعبية. والعامل الاخر هو ان وضع النظام يزداد صعوبة يوما بعد يوم مع انتشار المراقبين ولو ان خطة كوفي انان تراعي شروطه الى حد بعيد وتمهله في تطبيق ما التزمه لجهة وقف العنف وسحب الآليات والاسلحة الثقيلة. فهذه المراعاة تنطلق من واقع ادراك ان النظام لن يوقف العنف كليا وسيبقي على استنفار جيشه لان ايقاف العنف سيؤدي حكما الى تعميم التظاهرات وزيادتها مما يطيح النظام كليا في الشارع في حين ان كل جهده منصب منذ سنة وشهرين على منع التظاهرات الضخمة علما ان انان وفق ما تقول هذه المصادر مقتنع بان النظام لن يتنازل ايا تكن طبيعة التظاهرات وحجمها وهو تخطى هذه المرحلة بكثير. لكن مواجهته المتظاهرين تعني في المقابل استمرار تحميل افشال خطة انان ومسؤولية عدم نجاحها جنبا الى جنب مع المعارضة ومن دون تحميل هذه الاخيرة وحدها المسؤولية.
تقول هذه المصادر ان التعامل مع خطة انان وإعطاءها الفرصة الكافية لاثبات قدرتها على احراز بعض التقدم يساعد في نضوج المواقف لا سيما منها الروسية والصينية. وبحسب هذه المصادر فان الصين وان كانت اعلنت اخيرا تطابق موقفها مع روسيا في موضوع دعم خطة انان فانها تظهر حساسيتها لمصالحها مع السوق العربية وحاجتها الى اسواق المنطقة اكثر بكثير مما تظهره روسيا التي تضاءلت مصالحها الاقتصادية فيها الى حد كبير. في حين ان الموقف الروسي ينتظر الاقتناع كليا بان النزف السوري سيجعل استمرار دعم النظام ورقة مكلفة وان الروس يطمحون الى الاقرار الاميركي بدورهم في الحل بما يمكنهم من التفاوض مع الولايات المتحدة الاميركية على اثمان غير سوريا كما يهمهم اعادة تحديد علاقاتهم الدولية انطلاقا من الازمة السورية. وهذا الانطباع لا ترتكز اليه رؤية المصادر الديبلوماسية الغربية المعنية بل تشاركها فيه ايضا مصادر رسمية عربية على بعض الاقتناع من ان الدول العربية تبدو وكأنها استقالت من مهمتها في متابعة الوضع السوري وبذل ما يمكنها لمعالجته بعدما سلمت الامور لانان. اذ تعتبر هذه الاخيرة ان مهمتها تتركز على المساعدة في توحيد المعارضة وهي مهمة تكتنفها صعوبات كبيرة وتحتاج الى وقت تتم الاستفادة منه من خلال خطة انان خصوصا ان المرحلة الماضية أظهرت معارضة لا تمتلك النضوج السياسي اللازم او القدرة على التنسيق وهي تحتاج الى بعض الوقت للنضوج في بلورة المرحلة المقبلة.
وتنفي هذه المصادر الانطباعات السائدة من ان تطور الوضع في سوريا بات متروكا لحاله وان خطة انان هي طريقة هروب للدول الكبرى ولا سيما الولايات المتحدة الاميركية لانشغالها بالانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني المقبل. لكن قد لا يكون حكيما القول بان الرئيس السوري انتهى وكذلك النظام كونه يتعارض مع قرار دولي بدعم خطة انان في الدرجة الاولى. وعدم وجود ارادة بالتوجه الى حرب ضد النظام بحيث يدفع الى التنحي او الرحيل او اي نوع من انواع التدخل المباشر لا يعني وفق ما تقول هذه المصادر ان المسألة السورية متروكة. ما يصح قوله ان لا قرار لحسم هذا الموضوع سريعا وهذا امر مفروغ منه. لكن هناك رهانا حقيقيا اولا على ان تؤدي خطة انان الى المزيد من تدويل الوضع السوري وليس الى التخفيف منه او الى التخلي عن الخطة الدولية. فعلى رغم المشكلات التي يطرحها توفير المراقبين فان هذا العدد الى تزايد وهو لن يتوقف عند حدود 300 مراقب وفق ما هو مقرر حتى الان بل ان يزداد في المرحلة المقبلة لكي يصل ربما الى آلاف المراقبين وربما اكثر. وهذا الامر يؤدي من حيث شاء النظام او لم يشأ الى ارساء مناطق امنية تتطور الى ان تكون عمليا مناطق آمنة للسوريين. ويشهد رغبة السوريين في وجود مراقبين بينهم في حمص او سواها من المدن على الرغبة في ان يساهم المراقبون في اقامة مناطق آمنة تؤمن لهم الحماية مما يساهم في فقدان النظام سيطرته اكثر فاكثر. وهذا رهان على تطور الامور في اتجاه التغيير تدريجا خصوصا ان لا اجوبة في الواقع لا لدى الاميركيين ولا لدى سواهم عن طبيعة النظام البديل من النظام الحالي. يضاف الى ذلك انه وعلى رغم استئثار الوضع السوري بأولوية مطلقة الا ان هناك عوامل مقيدة قد يكون اهمها المرحلة الصعبة التي تمر فيها مصر بنوع خاص والتي تتفاوت التقديرات فيها بين مخاوف من ضياع وتفكك وبين احتمالات التحدي التي تحملها المرحلة المقبلة وفقا لطبيعة من سيحكم مصر. اذ لن يكون ممكنا المساهمة في تسريع الامور في سوريا ولو ان نتائجها المبدئية باتت شبه محسومة على صعيد عدم تمكن النظام في الاستمرار من دون اخذ اعتبارات اخرى في المنطقة او محاولة عزل الموضوع السوري عما عداه. وهو ما يعزز العامل الآخر المتصل بتنسيق مواقف كل الدول المعنية كل وفق مصالحها بما يؤجل الامور ويعطي خطة انان الفرصة حتى نضوج الظروف المناسبة.