Saturday, June 16, 2012

إدانة واستنكار للتطاول على قوة دفاع البحرين

نجاة المضحكي
أولاً نبدأ بالتحية والكرامة لقيادة قوة دفاع البحرين ورجالها البواسل الكرام الشهام، تحية لقائدها العام ومشيرها البطل الهمام ذي الخطوات الواثقة والنظرة الثاقبة والشجاعة النادرة والحكمة الفائقة، تحية لك ضابطاً وفرداً، تحية لكم يا كرام يا من أعدتم للبحرين أمنها بكل سلاسة وسلام، تحية من القلب وتقدير نقدمها لجيش البحرين جيش الأمة والكرامة. فقد أثبتت المؤسسة العسكرية البحرينية بأنها صمام الأمان بمواقفها أثناء المؤامرة الانقلابية بأنها بوابة الأمن والسلام، والساهرة على أرواح العباد، أموالهم وأعراضهم وأنفسهم، فهاهو الليل يطل بسواده والناس تغط في منامها حين علمت بأن هناك عين الله ترعاها ثم عيون رجال تحرسها، فلم يغشاها نعاس ولا سهوة ولا غفوة، حين تملك قلبها الإيمان وفاضت أنفاسها بالإخلاص، ودقت ساعة الوفاء بالعهد والميثاق فلم تبال بروح ولا عافية، بل ساقتها المسؤولية والأمانة، على أن توفي بوعد عاهدت الله فيه أن تكون مخلصة لهذا الوطن ديناً وملكاً وشعباً وتراباً، وقد جاءت اللحظة الفاصلة وأثبت كفاءتها وحسن أدائها، فقامت بواجبها على أتم وجه، إنها المؤسسة العسكرية التي أسست على شريعة الله لا غازية ولا معتدية، فرجالها خيرة أبناء الأمة وعقيدتها الناصعة التي لا تقطع شجراً ولا تقتل مولوداً ولا تحرق ثمراً، وها نحن نشاهد بالأمس أبطالها كيف وقفوا على نواصي الشوارع يؤدون التحية ويردون السلام بوجوه سمحة وابتسامة مشرقة ونفس مطمئنة، إنهم جنود الأمة والكرامة. ونحن والله اليوم نعيش باطمئنان مهما اشتدت الظروف وتعددت أشكال الغدر، وتنوعت الخيانة، حين نتذكر بأن مؤسستنا العسكرية على أتم الجاهزية، حين يكون فيها رجال شجعان يتنادون وقت الزحام فلا يكترثون بحياة ولا مال ولا أهل ولا أبناء حين ينادي المنادي ويدعو الداعي فيتركون ما حولهم من زينة ورفاهية، منطلقين إلى ثكناتهم بروح عالية وبنفس راضية، لأنهم الرجال الذين يوفون إذا عاهدوا، إنهم امتداد الأمة الصالحة منذ بدء فجر الإسلام، إنهم بالطبع لن يختلفواعن أسلافهم الذين جاهدوا بأنفسهم وأموالهم لأجل نصرة الحق ورفع راية الإسلام ودرء الأعداء عن الديار، إنهم جنود الأمة والكرامة. فالحمد لله رب العالمين الذي خص الله البحرين برجال أوفياء مخلصين، فهاهو الفارس الأول جلالة الملك -حفظه الله ورعاه- حين لبس ثوب العسكرية وجعله شعاراً لمملكته، حين أثبت بلباسه العسكري أنه سيبقى الأول السباق والقائد الهمام في ميادين الدفاع عن مملكته وشعبه، إنه الملك الذي حمل على نفسه مسؤولية حفظ أمن البلاد، فضرب أروع المثل والأمثال بأنه الملك الشجاع الذي خرج بالبحرين من عتم الظلام إلى بر الأمان، إنه العسكري الأول الذي نؤدي له التحية والاحترام وإلى جنود الأمة والكرام كل تقدير وامتنان..
إدانة واستنكار.. التطاول على قوة دفاع البحرين هو تطاول على شعب البحرين كافة، ولا مجال بعد هذا التطاول للحياد أو التسامح، حين تصل الجريمة لحد القذف والتهكم بالقوات المسلحة وهي تمثل سيادة البلاد وكرامته، وإنه يتوجب على الجميع، مؤسسات المملكة الرسمية والمدنية والشخصيات السياسية والاقتصادية والجمعيات الدينية والسياسية والرياضية اليوم الوقوف صفاً واحداً مع قوة دفاع البحرين واستنكار هذا التعدي والتهكم الذي مس بالذات الملكية ومؤسسته العسكرية، وإننا ننتظر هذا الاستنكار إعلامياً مرئياً مسموعاً ومقروءاً، كما إننا ننتظر الإجراء القانوني الذي سيتم اتخاذه، حيث إن العالم ينتظر ردة الفعل حين انتشر خبر هذا التطاول والتهكم في جميع أنحاء العالم.

البحرين.. هل هي ثورة جوع أم فوضى عن تخمة

عوض العبدان
أغلب الثورات التي تندلع في العالم يكون سببها الرئيسي الجوع والظلم وأحياناً تكون هناك أسباب أخرى، ولكنها بالنهاية لن تخرج عن هذين السببين الرئيسيين. وعندما يصل المواطن إلى مرحلة لا يستطيع فيها توفير رغيف خبز لأطفاله ولا يستطيع العودة لهم لأنهم ينتظرونه بفارغ الصبر حاملاً هذا الرغيف، فكيف به إذا عاد ويداه فارغتان؟ وبنفس اللحظة يشاهد في بلده أشخاصاً يقيمون ولائم للطعام ومن أصناف لا تعد ولا تحصى، وهذه دائماً تكون لأصحاب النفوذ والسطوة والتجار ورجال الدولة، وعندما يشعر الشخص بالظلم وأن حقوقه تهضم وأنه إذا كان مظلوماً يتحول بعد فبركات معينة إلى ظالم ويتحول الحق إلى باطل والباطل إلى حق. كل هذه الأمور إذا ما تراكمت في شخصية الإنسان فإنها تولد فيه انفجاراً كبيراً تتلاحم مع حالات مشابهة فتكون الثورة. وهذا الأمر حصل مراراً وتكراراً وعلى مدار التاريخ وفي أماكن وأزمان متفرقة، ولكني وخلال بحث بسيط لم أشهد ثورة أشخاص عاشوا التخمة سواء من الطعام أو المال أو التكنولوجيا والوسائل والخدمات المتقدمة. لم أشهد أن مثل هؤلاء بحاجة إلى ثورة من أجل الجوع أو الظلم.. وإن أقدم أحد على هذا الفعل الذي هو الثورة فذلك يعتبر جنوناً، ولا أعتقد أن عاقلاً في العالم يقول لسلطته تعالوا واظلموني أو تعالوا واجعلوني جائعاً، نعم لم أشهد هذه الحالة ولم أسمع عنها، لكن شاءت الأقدار وفي هذا الزمان.. فكانت البحرين أو البعض من أشباه المواطنين البحرينيين أبطالاً لها وأولئك المحتجون أو الثائرون المغرورون المطالبون بالتغيير نموذجاً. فما التفسير لذلك ونحن نعلم أن البحرين بمجرد حصولك على الجنسية البحرينية حتى لو كنت قد قدمت من إيران واستوطنت هذا البلد وحصلت على الحقوق المدنية كاملة بعد حصولك على الجنسية أصبحت بنظر العالم مواطن خليجي ويمكنك التجول بجوازك بأي بلد في العالم مما يفتح لك مجالات كبيرة بالعمل والدراسة والتعرف على الحضارات ولك كل الحق في المواطنة، وبمجرد حصولك على الجنسية البحرينية تقدم لك الدولة الوظيفة المناسبة والأرض والقرض والتسهيلات المناسبة لكي تنعم بمستوى عالٍ من الحياة. في دول عديدة ومنها بلدي “العراق” مثالاً ورغم أن إيرادات بلدي النفطية وغيرها تصل إلى أرقام خيالية ،فإن بعض أبناء شعبي يعيش في بيوت من صفيح أو خيم، وتجدهم يقتاتون على فضلات النفايات ولا يتمتعون بفرص التعليم ولا يستطيعون الحصول بسهولة على جواز سفر وإذا ما حصلوا فإنه لا يسمن ولا يغني عن جوع، لأن الدولة الوحيدة التي يستطيع السفر لها هي سوريا لا غير. فمن يسافر لهذا البلد في هذه الأوضاع؟ ذلك ما أدهشني وأذهلني وقد يدهش كل العقلاء لما يجري ويدور في البحرين من أحداث بعيدة كل البعد الحاجة الملحة للفرد أو المواطن البحريني الذي يصنف من بين أفضل المواطنين العرب من حيث العيش وفرص العمل بل والرخاء ولننظر إلى المواطن العربي في موريتانيا أو تونس أو الصومال أو المغرب والأمثلة كثيرة. فكيف بهذا الشاب الذي عاش في بلد مسالم وتوفرت له كافة الخدمات والذي سبق له أن سافر وشاهد العالم وتطوره كيف له أن يتحول إلى وحش وقاطع طرق ومجرم؟ وكيف بهذا الشاب الذي يحرق العجلات المطاطية ويقطع الطرق وبطنه ممتلئ بوجبة دسمة من الرز واللحم واللبن والفواكه يثور.. وعلى ماذا يثور؟ هل يريد من الحكومة أن تحرمه من كل هذه الامتيازات .. ليصرح بذلك ويقولها علنا؟ ليقل.. أنا لا أستطيع العيش وسط كل هذا الدلال وإني بحاجة إلى الظلم وإلى الجوع لا يمكن لعاقل مهما كانت درجة عقله أن يحاول تبديل سلطته التي تدلِّـله ويبحث عن سلطة تهين شعبها. فكيف بها لا تهينه إذا ما سيطرت عليه؟ وهنا طبعاً أقصد إيران ولنا في ذلك تجربة مريرة فقد نكلت واستمتعت بإهانة العراقيين سنة وشيعة ماعدا عملاءها فيا معارضة البحرين كما تسمون أنفسكم اتقوا الله .. واعلموا أن النعمة زائلة .. واعلموا أن هناك أمماً وشعوباً تبيع أطفالها لتوفير طعام للأطفال.. وأن آخرين يقطعون مسافات تصل لآلاف الأميال من أجل الحصول على ماء صالح للشرب. يا معارضة البحرين.. إني لأخشى عليكم من غضب شديد من رب العالمين في الدنيا قبل الآخرة فأنتم تتبطرون وأنتم لا تحمدون نعم الله التي أنعم بها عليكم.. فعودوا إلى ربكم واستغفروه وعودوا إلى حضن بلدكم وابنوه ولا تلتفتوا لمن يدفعوكم تجاه الضياع فمستقبل أولادكم أمانة برقابكم، وندائي إلى الشباب المغرر بهم ..

وساطة دولية لأزمة البحريـن

يوسف البنخليل
تتوارد الآن الأنباء بعد انتهاء زيارة مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل مايكل بوسنر إلى المنامة عن محاولاته لعرض وساطة دولية بين مختلف الأطراف داخل النظام السياسي البحريني لمعالجة الأزمة التي بدأت في فبراير العام الماضي ولم تنته حتى الآن. رسمياً لم يتم الإعلان عن مثل هذه الوساطة، ولكن يجري الحديث عنها في أروقة السياسة عبر دوائر صنع القرار، وبعض المهتمين. ليس مطلوباً الكشف عن الأجندة المقبلة، ولكن المطلوب ألا يكون هناك حل أو مساع إلا بمعرفة الجميع، فلا أعتقد أن الرأي العام البحريني يتطلع إلى مبادرات يتم الكشف عنها بشكل مفاجئ ومباشر في ظل استمرار انفعاله تجاه الأوضاع والقرارات والسياسات المختلفة. الوساطة الدولية قادمة من واشنطن هذه المرة، وليست عربية أو خليجية، وإنما يتبناها البيت الأبيض الذي مازال متمسكاً بموقفه الداعم تجاه قوى المعارضة الراديكالية. فمثلاً في البيان الصحافي الذي أصدره مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل يوم الخميس الماضي تضمن (12) أمراً لحكومة وشعب البحرين ينبغي تطبيقها لأنها ستساهم في تعزيز المصالحة الوطنية والحفاظ على النسيج الاجتماعي! المسؤول الأمريكي زار المنامة 5 مرات خلال الشهور (18) الماضية، مما يعني أنه يزور العاصمة البحرينية كل ثلاثة شهور تقريباً. وهو ما يعكس حجم اهتمام دوائر صنع القرار بالأوضاع في المنامة. الوساطة الدولية التي تقودها واشنطن لأزمة البحرين تقوم على مسارين -بحسب بوسنر- الأول يقوم على تواصل الحكومة العمل مع الجمعيات السياسية المعارضة للتفاوض حول مستقبل البلاد السياسي. والمسار الثاني يقوم على الحوار حول القضايا الهامة عملياً لجميع البحرينيين والتي من شأنها أن تجعل جميع الناس في البحرين يشعرون بأن لديهم مصلحة في مستقبل البلاد. كيف نفهم هذين المسارين اللذين قدمتهما واشنطن في وساطتها الدولية لأزمة البحرين؟ أولاً: مازالت واشنطن ترى ضرورة الحوار بين الحكومة والجمعيات السياسية المعارضة حول مستقبل البلاد السياسي. ومازالت لا ترى أهمية في مشاركة كافة الجمعيات السياسية في هذا الحوار. ولذلك فإنها ترى ضرورة أن يقتصر الحوار على الجمعيات السياسية المعارضة فقط بحسب البيان الصحافي الذي أصدره بوسنر. ثانياً: واشنطن ترى أن جميع الناس في البحرين لا يشعرون أن لديهم مصلحة في مستقبل البلاد، ولذلك تطالب بمسار آخر من الحوار لمناقشة القضايا الهامة لجميع البحرينيين. نخرج بتصور أن الوساطة الأمريكية تعتمد بشكل رئيس على الانحياز لقوى المعارضة الراديكالية من خلال قصر الحوار معها فقط دون غيرها. ومن الواضح أيضاً أنها تسعى نحو التمكين السياسي لفئات معينة حتى يكون «لديهم مصلحة في مستقبل البلاد».

هواجس نفطية

عبيدلي العبيدلي
ناشد عدد من الدول الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) بعض الأعضاء الآخرين في المنظمة بتقليص الإنتاج الزائد لوقف تراجع سعر النفط الذي فقد 30 دولاراً من سعر البرميل منذ مارس، حيث تراجعت أسعاره من 128 دولاراً للبرميل، إلى حوالي 88 دولاراً للبرميل. جاءت هذه المناشدات إثر تصريحات وزير البترول السعودي علي النعيمي الأخيرة التي أشار فيها إلى احتمال أن «يتعين على أوبك رفع سقف الإنتاج». وقد عرفت الساحة النفطية العالمية تقلبات كثيرة خلال السنوات العشر الماضية، بفضل التهاب الأوضاع، وفي بعض الحالات اندلاع الصدامات المسلحة، في بعض دولها، وعلى وجه الخصوص العربية منها. عوضاً عن إغراق القارئ في أرقام أسواق النفط، واستقراء توجهاتها المستقبلية، برصد العوامل المتعددة التي يمكن أن تقود إلى هبوط أسعاره أو ارتفاعها، سنحاول، وهو، برأينا المتواضع، الأهم والأكثر فائدة في هذه المرحلة المعقدة على المستويين السياسي والاقتصادي في دوله المصدرة، تسليط الضوء، فيما لو، وبفعل عوامل كثيرة بدأت تطل برأسها في الآونة الأخيرة، تراجعت أسعار النفط العالمية، وهي مسألة تحذر منها العديد من المؤشرات التي تولدت في الآونة الأخيرة في السوق النفطية العالمية. حينها، بغض النظر عن نوايا الدول النفطية أو حتى الدول الأخرى الصديقة المتحالفة معها، من المتوقع أن تفرض مجموعة من العوامل المحلية أو الدولية نفسها على ساحة الدول النفطية، كي يبدو المشهد العالمي، وعلى وجه الخصوص في الدول المصدرة للنفط، على النحو التالي: 1. ارتباك في موازنات الدول الأعضاء في الأوبك، وخاصة تلك التي تشكل العوائد النفطية نسبة عالية، وربما العنصر الرئيس، من صادراتها. فبغض النظر عن الأرقام الرسمية التي توضع بموجبها تلك الموازنات التي تدعي دولها أنها حددتها بموجب أسعار منطقية تقل عن 90 دولاراً للبرميل، لكنها، أي تلك الحكومات، تضع خططها، وتصمم برامجها الأخرى، بشكل واعٍ أو غير واعٍ، اعتماداً على أسعار أخرى لنفوطها، ربما تفوق حتى الأرقام السوقية المفعمة بالتفاؤل. من الطبيعي أن يحدث الفرق بين ما هو متوقع، وما هو على أرض الواقع، وهو بون شاسع مالياً، إرباكاً حقيقياً في موازنات تلك الدول. 2. انكماش في أسواق تلك الدول النفطية، بفضل تقلص الإنفاقات الحكومية الداخلية، وهي مصدر الإنفاق الأساس في هذه السوق، جراء سياسة التقشف التي ستضطر أن تلجأ لها تلك الحكومات، التي لا تستطيع أن تكشف ظهرها للخارج، باللجوء إلى الاستدانة، من المصارف الدولية، أو الحكومات الصديقة، التي، وكما تتحدث التقرير الدولية، تعاني هي الأخرى من أزمات تشل حركتها، وتمنعها من تقديم أي شكل من أشكال الدعم أو المساندة. في الوقت ذاته، ربما لا يوجد بين تلك المنظمات الدولية المانحة، سوية مع الدول العظمى الغنية المقرضة، من يملك من الاحتياطي النقدي الذي كان يتمتع به، قبل أن تجرده منه الأزمة المالية العالمية، الذي يمدها بالقدرة على مد يد العون. بالقدر ذاته، لم تعد أموال الطفرة النفطية قادرة على ضخ السيولة الضخمة المتكررة التي باتت تلك الموازنات في أمس الحاجة لها إن هي أرادت أن تستعيد أحجامها المرسومة لها عند إقرارها. 3. شحة السيولة في الأسواق المالية، وتراجع الثقة فيها، الأمر الذي من شأنه إبطاء عمليات التداول، وتقليص أحجامها، ومن ثم تراجع أسعار أسهم الشركات العاملة فيها. ومن الطبيعي أن تكون الشركات الحكومية أو شبه الحكومية، وهي الأكبر حجماً في هذه الأسواق، والأكثر تأثيراً على مسارات البيع والشراء فيها، هي الأسرع تأثراً، والأشد عمقاً مقارنة بالأخريات. 4. التضحية بموازنات الوزارات الخدمية، على حساب تلك الأمنية والدفاعية لعدة أسباب: أولها تلك الاتفاقيات الدولية ذات العلاقة بالأمن والدفاع، التي لا تمتلك الدول النفطية الحق، ولا الرغبة في التراجع عنها، ، ناهيك عن كونها، أي تلك الدول، لا تتمتع بالجرأة المطلوبة حتى على مجرد التغيير في بنودها، وخاصة في مجال التقليص، أو تأجيل السداد. أما ثاني تلك الأسباب، فهو القدرة على تأجيل الكثير من مشروعات الوزارات الخدمية، دون الحاجة لتبرير ذلك، نظراً لتدني معايير الشفافية من جانب، وبفضل اتساع قنوات الصرف التي تبيح تمويه التقليص، أو إخفاء التأجيل. يشجع على كل ذلك انعدام نظام ضريبي متكامل راسخ، يبيح للمواطن الاحتجاج، ويرغم الحكومات على عدم التضحية، ويضع الاثنين على قدم المساواة من حيث الحقوق والواجبات. 5. تعثر برامج بعض المؤسسات الدولية، وعلى وجه الخصوص الإقليمية، مثل جامعة الدول العربية، أو المنظمات المنبثقة عنها ، مثل «الأليكسو»، نظراً لتأخر وصول سداد الدول الأعضاء فيها لالتزاماتهم المالية، الأمر الذي يضع تلك المنظمات الإقليمية أمام خيارات صعبة، من بينها تسريح بعض صغار الموظفين، لأن الأمر لن يطال الكبار منهم لكونهم جزءاً من صنع القرار، أو التضحية ببعض البرامج التنموية، بما فيها تلك ذات الطبيعة الحيوية والاستراتيجية في برامج الدول ذات العلاقة. هذا بدوره سينعكس سلباً على أسواق تلك الدول التي تنتظر ضخ أموال تلك المشروعات في أسواقها. 6. توقف، وفي أحسن الأحوال، إعادة جدولة، بعض المشروعات الحيوية، في البلدان المتلقية للمساعدات أو القروض من الدول النفطية المانحة لتلك القروض، نظراً للتراجع في دخول هذه الأخيرة، التي لم يعد في وسعها تنفيذ مشروعاتها الذاتية، فما بالك بالقدرة على مساعدة الآخرين. وإذا تحدثنا عن الأوضاع في البلاد العربية، وأخذنا بعين الاعتبار مرحلة إعادة خلط الأوراق التي تمر بها المنطقة العربية، فمن الطبيعي، والمنطقي أيضاً، أن تتأثر المساعدات التي نتحدث عنها بالتحالفات السياسية المتوقع انبثاقها في ضوء النتائج التي ستتمخض عنها صراعات انتخابات الرئاسة في الساحة المصرية، وما ستؤول له المعارك الضارية المحتدمة بين مختلف القوى فوق سوريا، على سبيل المثال لا الحصر. هذه هواجس مختلفة الأوجه، مصدرها نفطي، لكن ألوان طيف انعكاساتها متعددة، وكما هو واضح أعلاه، لن تكون محصورة في السوق النفطية، بل سيتسع نطاقها، كي يشمل الجوانب الاقتصادية، والسياسية أيضاً. أخطر ما فيها، أن القرارات من أجل الحد من تأثيراتها السلبية، ليس في أيدي الدول النفطية وحدها، إذ تشاركها فيه دول أخرى، ترتبط مصالحها مع إبقاء أسعار النفط عند سقوف معينة، لا تستجيب بالضرورة لمصالح الدول المصدرة للنفط، وهذا ما يضاعف من مخاطر تلك الهواجس، ويقتضي الانتباه لها، ووضع الحلول التي تقلص من تداعياتها، وربما السبل التي تحول دون وقوع مسبباتها، ومعالجة الدوافع التي تثير عوامل انبثاقها

عزيزي المواطن حاسـب مـن التشنج

فيصل الشيخ
بعضهم يسألني وكل الدهشة والغضب والاستياء تجمعت فيه في خليط عجيب عما إذا كانت التطورات الأخيرة، سواء الإجراءات على الأرض أو أحكام القضاء أو سجال الحوار تشكل لدي صدمة ومبعثاً على الاستغراب، فأجيب بهدوء بأن: كلا، فالسيناريو أصلاً واضح منذ البداية. المسألة واضحة باعتبار أنها نتيجة حتمية لإجراءات لم تكن تتم وفق نظرة شمولية تضع في اعتبارها الجوانب الأخرى، خاصة وأن الضغط اليوم يأتيك من الخارج لا الداخل، هذا الخارج الذي لم تعره الاهتمام المطلوب “وقتها” ولم تتحرك باتجاهه حينما كان غيرك يتحرك معه في سبيل استهداف البلد. حاولنا مراراً التعامل مع الوضع بهدوء وعدم توجيه النقد الصريح الذي “يؤلم” على اعتبار أن الدولة وبالأخص من يطبق السياسة المعنية في كل قطاع مرتبط بالأمور “يعرف” تماماً ما يفعله، لكننا وصلنا اليوم لرؤية كيف يكون “حصاد” العمل الخاطئ. حينما كانت البحرين تتعرض لعملية اختطاف ولمخطط انقلابي كان إعلامنا يتحدث في الداخل تاركاً الخارج لمن سعى لتشويه صورة البحرين ونجح بجدارة في ذلك، ومقياس النجاح حينما يرى الخارج ما يحصل في البحرين من منظور الانقلابيين لا من منظور الناس التي تضررت إزاء محاولة سرقة بلادها، وهنا اللوم يقع على من “استهتر” بعملية إيصال الحقيقة للخارج. في محاولة تبرئة لساحتهم يلومون الأفراد، يلقون المسؤولية على عاتق من قام بجهود فردية من منطلق حرصه ودفاعه عن وطنه، في حين أن من يضع السياسة ولديه الإمكانيات والقدرات التي “يتباهى” بها، بل يتباهى بتفوق قدراته على التفكير والتخطيط والمعلومية هو في الأساس الذي يتحمل المسؤولية. اليوم تأتي قوى خارجية لتحدد لدولة لها سيادتها المطلقة كيف تكون إجراءاتها القضائية، يأتي الغرب ليتشرط على مملكة البحرين، وليعرب لها عن “خيبة أمله”! بدلاً من أن يعرب الناس هنا عن “خيبة أملهم” بشأن دعاة السلام والحرية والعدالة ومحاربي الإرهاب حينما يكيلون بمكيالين. فسروا لنا ماذا فعلتم بمحتجي “وول ستريت” وماذا فعلتم بفوضى لندن، بعدها “تفلسفوا” علينا، لكن للأسف هذا الكلام لا وزن ولا قيمة له، لأننا بتنا كدولة نتأثر بهم، والتأثر ليس إلا نتيجة ضعف أداء قطاعات بعينها لم تعرف كيف تدافع عن قضية البحرين العادلة، لم تعرف كيف توصل الصورة الحقيقية، وظنت بأن الأمور هي بالتحرك في الداخل، بل بعضها مارس عمله وكأنها معركته وحده يريد من ورائها أن يبرز نفسه على أنه البطل الأوحد. اليوم لا يفترض بأي مواطن مخلص أن يستاء من أي نتيجة. ستجدون من يفترض أن يحاكم في دول أخرى على رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا بتهم الخيانة وغيرها يتم تخفيف الأحكام عليه، بل بدلاً من تطبيق القانون تطلق دعوات مصالحة “هلامية”، كلها في اتجاه دفع الناس لنسيان ما أصابهم خلال الأزمة. لو أنها عملية أصابت الدولة وتضررت منها وحدها لكان سهلاً على الناس القول بأن هذا حقها وإن تنازلت عنه فهي حرة، لكنها عملية أضرت بالكثيرين وطعنت البلد في مواقع عديدة، بالتالي التأخر عن تطبيق القانون أو التساهل فيه و«إرخاء” الأمور للانقلابيين والمناهضين للدولة ما هو إلا تنازل واضح. تصل لمرحلة تقبل فيها بإجراءات مؤسفة لأنك لم تدافع بشكل صحيح عن قضيتك، لم تعر جوانب هامة أي اهتمام، وظننت بأن الإجراءات الوقتية فيها الحل دون إدراك بأن بعض الإجراءات التي تمت وكأنها ردود فعل هي التي تسببت بتغيير منحى الأمور وإيصالها لنتيجة لا ترضي بالأخص من وقف مع الدولة في مواجهة أخطر عملية انقلابية في تاريخها. الظاهر أن هناك من يعرف أفضل مما يعرفه بسطاء الناس، الظاهر أن الحلول التي سترونها أمامكم خلال أيام هي أفضل من أية حلول أخرى، والظاهر أن هناك ترتيبات تمت بهدوء هي التي قادت الوفاق للتحدث عن حوار بدون شروط، وهي التي دفعت الوحدة الوطنية لتتحرك في نفس الاتجاه. إنها لعبة السياسة الآن، وعلى المواطن الذي كان يتأثر بكل شيء مهما صغر فيما مضى أن يهدأ وأن يتوقع مالا يتوقعه دون عصبية أو تشنج أو إحباط. اتجاه معاكس: الحياة قصيرة جداً، بالتالي حاولوا أن تستثمروا كل لحظة فيها، ابحثوا عن الفرح والسعادة وابتعدوا عن مصادر الهم ووجع الرأس. أما من يريد البحث عن “العدالة المطلقة” فعليه أن يدرك بأنه لن يجدها أبداً في هذا الزمان. لا أقول بأن على المتضرر اللجوء للقضاء، لكن على المتضرر اللجوء بالدعاء لأقوى الأقوياء.

هل نعي ما نقول دولة مدنية.. مرجعيتها

محمد المرباطي
عندما نعي ما نقول سنعيد انتاج الثقافة والفكر ونُقَوم السياسة، والكلمة لا ينبغي لنا أن نقولها على إطلاقها، فذلك من الأخطاء الشائعة على ألسنتنا، فنحن لا نعي في كثير من الإحيان ما نقول، والطريقة الصحيحة لدراسة المصطلح ان نبدأ بتقديم عام تمهيدًا للمدخل بحيث نكون على بينة بالأفكار الأساسية للمصطلحات بهدف تسهيل فهم خصائصها ومصادرها، ووفق هذا المنهج سأتحدث عن الدولة وصفتها المدنية «الدولة المدنية»، ثم نأتي بمصطلح آخر عندما نقول «ذات المرجعية الدينية»، لذا علينا التوقف عند عبارة «دولة مدنية ذات مرجعية دينية» المتداولة لدى جميع الأوساط العربية، وصارت جزءا من ادبيات ما يسمى بالربيع العربية، واصبحت مثار جدل واجتهادات لا حصر لها بين مختلف شرائح المجتمع العربي، ولكي نعي ما نقول سوف نجزئ العبارة ونعيدها لجذورها العربية ومن ثم لمصادرها الغربية، ولهذا سوف نبدأ بتعريف الدولة، ومن ثم صفتها المدنية، بعدها سنأخذ بالجزئية المضافة «ومرجعيتها الدينية»، وهنا لا اخص دين بذاته وانما اعني الدولة الدينية اياً كان هذا الدين او المذهب او العقيدة. مفهوم الدولة عند العرب: لم تعطِ اللغة العربية معنى للدولة حسب الاصطلاح المتداول، وقد اختلفوا في معنى الدولة، وقالوا الدولة بفتح الدال تختلف في المعنى عند ضمها، وقد جاءت الكلمة في سورة الحشر الآية 7 «مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ» ولكن المفسرين العرب اختلفوا في معنى الدولة، وقالوا في حال رفع الدال تأخذ الدولة بمعنى المُلك وتبدل الدهر والسنين، وإذا فتحت الدولة تعود لهزيمة وانتصار الجيش بمعنى هزيمة الهازم، وقد اخذ معنى الدولة في اللغة العربية للدلالة على عدة معانٍ اخرى، حيث نجد في تفسير الشيخ طنطاوي جوهري ( 1870 - 1940م ) في كتابـه «الجواهر في تفسير القرآن» أن معنى الدولة: «بأن تُدالَ إحدى الفئتين على الأخرى في الحرب»، والدولة بالضم تقال في المال، وتعني التداول وجمعها دولٌ ودولاتٌ، وقال أبو عمرو عيسى بن عمر الثقفي النحوي البصري، إمام النحو وعالم من اعلام اللغة في تفسيره للدولة انها تجمع: بين الحرب والمال، ويقول الكسائي «أبو الحسن علي بن حمزة بن عبدالله بن بهمن بن فيروز الكسائي» صاحب القراءة السابعة للقرآن الكريم ان مفهوم الدولة في تداول المال «المال يتدواله القوم بينهم، وفي الحرب تدال بين الهازم والمهزوم» وقال الصحابي ابو عبيدة بن الجـــراح ان «الدولة بالضم: اسم الشيء الذي يتداول به بعينه، والدولة بالفتح: الفعل» وقال سيبويه في تعريفه للدولة: «دالَتِ الأيام، أي دارت الأيام» ويقولون دواليك في المداولة، ويقول ابن منظور في لسان العرب ان : «الدولة الانتقال من حال الشدة إلى الرخاء»، ولكي لا نطيل الحديث عن تفسير معنى الدولة عند العرب نكتفي بحديث أبي سُفيان بن حرب: لهرقل عظيم الروم عندما سأله عن الحرب بينه وبين النبي محمد انه قال: «الحرب بيننا سجالٌ إنا نُدال عليه مرة ويدال علينا أخرى» وهذا في معنى الدولة للدلالة على على النصــــر والهزيمــة «إنـــا نـــدال عليه، ننتصر عليه، ويدال علينا أي ينتصر علينا» «شرح الصحيحين لمسلم والبخاري» وابن بري صاحب «الدرر اللوامع». يتضح مما سبق أن الدولة عند العرب ليست كلمة دالة كاصطلاح فلسفي وسياسي كما عَرَفَها فلاسفة اليونان والأغريق، ولا تخرج عن المعنى البسيط للتداول والغلبة بمعنى الإدالة، وفي هذا الصدد يقول الحجاج: «إن الأرض ستُدال منا كما أدلنا منها» بمعنى ان نكون في بطنها كما كنا على ظهرها. نستنتج مما سبق ان الدولة كمصطلح لم يأخذ ابعاده السياسية في التراث الإسلامي، لذا كانت اللغة العربية تخلو من كلمات مرادفة للدولة في الاصطلاح السياسي، مثل رئيس الدولة او ما يشير لمؤسساتها وطبيعتها، وقد اخذ المسلمون بمصطلحات اخرى كإشارة لطبيعة الحكم، مثل الخلافة والإمامة، وللدلالة على نظام الحكم استخدموا مصطلحات الخلافة والإمامة والولاية، وفي اشارة للهيئات السياسية فقد استخدموا الأمصار والألوية ومسميات الدار مثل «دار السلام ودار الحرب ودار الحكمة»، وقد تمكن ابن خلدون من تطوير مفهوم الدولة في الفكر العربي الإسلامي من خلال طرحه للأبعاد الاجتماعية والسياسية لمفهوم الدولة، ولكنه اخذ بمبدأ العصبية في استمرار او انهيار الدولة.
الدولة عند الأغريق واليونان: لقد صنف فلاسفة الأغريق الدولة الى صنفين: الدولة الفعلية القائمة والدولة المثالية، وتحدث أرسطو «384 - 322 ق م» في كتاب السياسة عن الدولة القائمة فعلاً وأسباب انهيارها، وكيف تحقق استقرارها، وعند حديثة عن الدولة المثالية يضعها في اطار القانون «الدولة القانونية»، ويقول أن القانون هو السيد الأعلى، وليس أي شخص كائناً من كان، وفي تحديده للعلاقة بين الحاكم والمحكوم يرفض مبدأ الخضوع، ويقول ان ذلك يتعارض مع احتفاظ كل من الطرفين بحريته، وعلى ذلك فهي تقتضي قدراً من المساواة بينهما، على الرغم مما يمكن أن يكون بينهما من فوارق، ويصنف القانون بأنه العقل المجرد عن الهوى، ويقول على الحكومة ان تستشير الفضلاء من مواطنيها، ثم يصنف الحكم الدستوري على أساس الصالح العام «المصالح العامة»، ووفق هذا المبدأ يؤكد ضرورة ان تدار الحكومة بمقتضى قوانين تنظيمية عامة وليس تبعاً للأهواء الشخصية، وان يكون التعليم القوة المساعدة على تكوين الرعايا الفاضلين، ويحدد غايات الدولة في سيادة القانون، وتحقيق المثل العليا، والحرية، والمساواة، وتقدم الإنسان، وعند تصنيفه للحكومات يجد افضلها الحكومة الدستورية لأسباب انها تجمع بين الديمقراطية والأرستقراطية. لقد كانت آراء افلاطون في كتابه «الجمهورية» تختلف عن تلميذه ارسطو، فقد هاجم ديمقراطية أثينا، معللاً ذلك بأسباب جهل السياسيين وما تميزوا به من أنانية تؤدي إلى إعلاء مصلحة فئة من الفئات على مصلحة الدولة نفسها، كما انتقد صراعاتهم الحزبية، وأرجع عدم استقرار الأنظمة السياسية المدنية إلى تضارب المصالح الاقتصادية بين فئتين، فئة تملك الثروة والسلطة وفئة لا تملك، ونتيجة لهذه الأفكار اخذ ينادي بضرورة إلغاء نظام الملكية الفردية، وأن يكون تعليم المواطنين موجهاً نحو تقديم الصالح العام، وقال ان ذلك لا يقل أهمية عن تثقيف الحكام أنفسهم، وكانت خلاصة افكاره في تخيله للمدينة الفاضلة التي حددها في اثني عشر بندا اهمها وحدة افرادها، والحاجة الإنسانية للدولة كتنظيم اجتماعي سياسي، وتأكيد الرغبة في العمل كقوة غريزية عند الإنسان، وقوة المنطق التي يمثلها الفلاسفة والحكماء، والأخوة كأساس للروابط بين الأفراد، ووضع اساس نظري للتعليم يشمل الفئات العمرية والتخصصات العلمية والعملية من خلال وظيفة الفرد داخل محيطه الإجتماعي، مؤكدا على ضرورة المساواة بين الجنسين، وحرم الملكية للحراس والجنود، كما وجد اهمية في المعرفة للحاكم لكي يستطيع أن يفهم اسباب تفعيل الشر أو الخير. مفهوم الدولة المعاصرة: تتفق مراجع القانون الدستوري في تعريف الدولة على توافر ثلاثة شروط هي الشعب، والأرض «الأقليم» والسلطة، وقد تبلورت الدولة الحديثة منذ مطلع القرن السادس عشر كرد فعل ضد دولة الأقليات الأرستقراطية المدعومة من الكنيسة، التي تميزت بالاستبداد في الحكم، وقد توسع مفهوم الدولة الحديثة منذ قيام الثورة الفرنسية «1789»، وغلب عليها الطابع الديمقراطي كعلامة فارقة بينها وبين الدولة الاستبداية، ولكنّ الدولة المدنية الحديثة لم تكتمل إلا بعد صراع طويل من اجل المساواة في الحقوق المدنية والسياسية، ونصيب عــــادل مــن الثــــروة، والملفت ان افلاطون كان يميز بين نوعين من البشر في هذه الحقوق عندما فرق بين الفرد الطبيعي المدفوع بحاجاته واهوائه ورغباته، وبين المواطن الذي يضع المصلحة العامة فوق مصالحه الخاصة، ويكون مدفوعا بقيم الخير والحق، وهي حقيقة لا نزال نبني عليها الوطنية وفضائلها السياسية كأساس تقوم عليه المصالح العامة، إذ لا وجود لصفة الوطنية مالم تكن مستمدة من المصالح الوطنية العامة، التي تقوم على علاقة الفرد بالوطن والدولة، وهي الحقيقة التي ألهمت فلاسفةَ عصر الأنوار الذين حرروا الدولة من سطوة الكنيسة ورجال الدين والإمتيازات الخاصة، واعتبروا الدولة مؤسسة سياسية عامة فوق الأفراد، الذين هم مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات، وميزوا الدولة عن السلطة بسيادتها على جميع السلطات الأخرى، من واقع ان الإنسان هو أساس الدولة وليس موضوعها، وعليه وجدوا بأن السيادة هي القدرة الدائمة على البقاء الطبيعي في شكلها الاجتماعي، فدوام السيادة مرهون بدوام الشعب صاحب السيادة ومصدرها، وهي الحقيقة التي قادت فلاسفة الأنوار لمفهوم علمانية الدولة وسيادتها باعتبارها نتاج العقل البشري بعيدا عن المثل العليا او التفويض الإلهي من واقع ان السيد هو من لا يستمد سيادته من الغير.
الدولة في الفكر الفرنسي المعاصر: يقول (الفيلسوف الفرنسي مونتيسكيو 1689 - 1755): الدولة اما ان تكون ديمقراطية أو أرستقراطية أو استبدادية، ويضيف بأن فساد الحكومات يبدأ بفساد المبادئ، ثم يؤكد ان مبدأ الدولة الديمقراطية التي تتجلى في المواطنة هي التي تحقق الحرية والمشاركة الفعلية في الوظائف التشريعية والتنفيذية والقضائية، والمساواة في الحقوق المدنية والسياسية، وتكافوء الفرص. يمكننا القول على ضوء ما تقدم أن الدولة مفهوم مركب يدل على نظام الحكم، والسلطة المستمدة من الشعب بطريق الانتخاب، والتي تمارسها مؤسسات تشريعية وتنفيذية وقضائية، وعلى هذه الدلالة تأسس المعنى الاصطلاحي للدولة المدنية. الدولة المدنية: المدنية كلمة لا معنى لها في معاجم اللغة العربية، فهي مشتقة من المدينة وجذرها المدن، فالأساس هي مدن ومنها اشتقاق مدينة كمفهوم اجتماعي للدلالة على وضع حضري لجماعات سكانية تتميز عن المستوطنة بكثافتها السكانية التي يفترض ان لا تكون اقل من الفين نسمة في الكيلو متر المربع، اضافة للإنظمة الإدارية التي تقوم عليها حكومة المدينة، وهي من الشروط التي تميز المدينة عن القرية او البلدة والمستوطنة التي تقوم في الغالب على انظمة اجتماعية وعشارية، وحديثاً لجان شعبية تقوم على التفاهم والإتفاق بين السكان، وللمدينة مراكزها التجارية والإدارية، ودائماً ما نجد علامات مرورية او ادارية تشير الى مركز المدينة وغالباً ما تكون وسط المدينة، ونلاحظ عبر الحقب التاريخية (دولة مدينة) والفاتيكان هي دولة المدينة المعترف بها في الأمم المتحدة. عندما نوجزء كلمة المدنية، نقف على جذرها) مدن (والياء للنسب كأن نقول) مدن/ي (و) بحرين/ ي ( ) وسعود/ ي (و)عراق/ ي (فالياء للنسب ولايجوز مدها، اما التاء المربوطة فهي للتأنيث. المدينة تعني في معجم اللغة العربية الحضارة، والمدني عكسه البدوي، هي للدلالة على التقدم والرقي الحضري) الحضارة (التي يقابلها البداوة كصفة لسكان البوادي، ونستدل من كلمة الحضارة الاستقرار، كونها مشتقة من كلمة حضر، فهو موجود ومستقر وحاضر في المكان، ولم يعد يترحل، كونه غادر حياة الترحال وفضل الاستقرار، ولذا يمكننا القول ان الاستقرار في المكان شرط من شروط المدنية) الحضارة (، كذلك نقول) حـــاضـــرة (بصيغة المـــؤنث الفاعــــل، وجمعها) حواضر (كأن نقول بغداد حاضرة الدولة العباسية ودمشق حاضرة الدولة الأموية والمعنى ان دمشق وبغداد عاصمتان للدولة الأموية والعباسية، ونستدل من هذا أن الحاضرة تعني العاصمة، وقد ترمز للمدن الكبيرة ايضاً، وفي العموم فإن الحضارة عند العرب تعني عكس البداوة، والحضر) المدن (عكس البوادي، وللدلالة على الرقي يصف ابن خلدون البداوة بالتوحش ويقـــول:» هم بالنسبة للحضـــــر بمقـــــام الوحـــش غــــير المقـــدور عليــــه، ويقول:الانسان مدني بالطبع ولا بد له من الاجتماع ويعني بالإجتماع المدنية (( ، وقد يكون هذا سَبَبٌ لربط العرب بين صفتي الحضري والحضاري، فالحضاري هو الإنسان غير المتوحش او حسب الإصطلاح الحديث الإنسان غير المتخلف ويقابلها الإنسان المتقدم كأن نقــــول الشعوب المتقدمــة والشعوب المتخلفــــة، وفي إصطلاح مماثل نقول الإنسان التقدمي والرجعي كإشارة للتقدم والتخلف، وفي تعريف ابن خلدون للحضارة والدولة لا يشمل الدين والعقائد التي على أساسها تقوم الدولة. الحضارة (civilization) تعني المدينة والتمدن والمدنية، والمنســــوب إليهــا المدنــي، وعليه فإن ما ينسب للمدن او المدينة يكون (مـــدني – مـــدن/ي ) وعليــه نقــول: (مؤسسات/ المجتمع/ المدني/ ) ونبي قولنا انها مؤسسة/ لمجتمع/ المدينة/ بمعنى المجتمع المتمدن (المتحضر) بخلاف مجتمع البدوي او القبيلة او الطائفة كشرط لشمول الفرد بحقوق المواطنه على إعتباره عضوا في مجتمع المدينة له حقوقه المدنية والسياسية وغيرها بمـــوجــب (عقد) اجتماعي (الدستور). العقد الاجتماعي: العقد الاجتماعي يعود لفترة الرومان قبل اكثر من الفي عام، وقد تحدث افلاطون وارسطو عن العقد الإجتماعي، وفي الإصطلاح الحديث هو الدستور الذي يرسم ويحدد المبادئ العامة التي تحكم علاقة الأفراد بعضهم ببعض في نطاق الدولة ككيان سياسي للمواطنين، وفي هذا الصدد نلاحظ صفة المدني قد شملت مجالات واسعة في الحياة العامة، فنحن نقول على سبيل المثال القانون المدني، والقضــــــاء المدني، والدفــــــاع المدنـــي، والزواج المدنـــي، والمسؤولية المدنية، الحريَّات والحقوق المدنية، وهي دلالة على المجتمع المدني.
الدولة المدنية في التراث الإنساني: عرفت البشرية الحكم المدني قبل حوالي «2500» عام، بموجب معاهـــدة الجبـــل المقــدس «شمالي اليونان» التي نصت على قيام «برلمان» ومدونة قانونية شملت الألواح الأثني عشر كأول مدونة قانونية رومانية، ولا تزال حاضرة، كجزء من القانون الروماني الذي حدد نوع الحقوق المدنية، فبموجب هذه المدونة صار بمقدور عامة الناس الزواج من أي مستوى طبقي او اجتماعي، واصبح بإمكانهم تقلد المناصب العليا في الدولة، وقد تطور هذا الوضع القانوني من خلال إعلان دستور الدولة المدنية، الذي بموجبه تم تصنيف وظائف الدولة وآليات انتخاب موظفيها واعضائها، منها البلدية والقضاء والوظائف الحكومية، كما تم تحديد وظيفة الدكتاتور – الدكتاتور كانت ظاهرة تاريخية ايجابية، وكان الدكتاتور ينتخب في الحالات الإستثنائية لدرء الخطر عن الوطن، حيث تتكثف جميع السلطات في الدكتاتور بإرادة شعبية - . لقد تناولنا بالبحث مفهوم الدولة وتطورها في الإصطلاح السياسي والحقوقي، ثم اخذنا بصفتها المدنية وخلفياتها التاريخية واسبابها الموضوعية، وقد تأكد لنا ان الدولة المدنية لم يعرفها التاريخ العربي إلا حديثا، فنحن امام اشكالية اصرار البعض، ودون وعي عند محاولة الصاق الصفة المدنية لمراحل تطور الدولة العربية الإسلامية، التي لم تؤسس على عقود «دساتير اجتماعية» حسب المفهوم المعاصر، وإنما على تراتبية الحكم المطلق، إضافة إلى ان الدولة المدنية مصطلح غربي قديم يعود لمراحل الدولة الرومانية، كما سبق الإشارة، والدولة المدنية يحكمها مدنيين لا مكان فيها لرجال الدين او العسكريين، وفي إطار التنظيم المدني للمجتمع تقوم الدولة المدنية على منظومة القوانين والنظم العلمانية، كحصيلة لتطور مسارات المجتماعات الأوربية من خلال تأسيس الدولة العلمانية المتميزة عن النظم القبلية او دول الطوائف الدينية والنظم العسكرية المستبدة التي عرفها التاريخ العربي الإسلامي، وعلى هذا الأساس فمن الخطأ القول «دولة مدنية بمرجعة دينية» لأن الدولة المدنية تقوم على مبدأ الفصل بين الدين والدولة، بمعنى عدم تدخل رجال الدين في السياسة، وإلا اصبحنا امام دولة علمانية بمرجعية دينية. إن شرط الدولة المدنية قيام انظمة الحكم الديمقراطية، فالدولة الديمقراطية بالضرورة دولة مدنية علمانية بمرتكزاتها الثلاثة: اولاً علمانية الدولة، ثانياً مبدأ وطنية الدولة، ثالثاً الديمقراطية كسمة مميزة للدولة المدنية، وعلى هذه الأسس الثلاثة تقوم الدولة المدنية وقوامها المواطنة المتساوية بعيدا عن الانتماء الديني او العرقي او غيره، والمواطنة تحددها جنسية الدولة المدنية، فطالما الفرد يحمل جنسيتها يكون متساوياً في الحقوق والوجبات، بينما يقـوم نظام الحكم الإسلامي على العقيدة الإسلامية، والأحكام الشرعية كمصدر للسيادة، ويقضي الخليفة أحكامه من كتاب الله وسنة رسوله، ولا تملك الأمة حق عزل الخليفة، ونظام الخـلافة لا يقوم على مؤسسات بالمعنى المتعارف عليه في النظم الديمقراطية، فالخليفة في الدولة الأموية والعباسية وما تلاها هو الحاكم المطلق في تعيين وعزل وزرائه ومعاونيه، فهم مجرد مفوضين لا يملكون من السلطة شيئا يذكر، فقد انعقد الاجماع على وحدة الخلافة التي تقوم على البيعة شرعاً لمن بُويع أولاً بيعة صحيحة، وإذا بويع لخليفة آخر قوتل الثاني، حتى يبايع للأول أو يقتل، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الآخِرَ مِنْهُمَا» كما وجبت الطاعة، وفي حديث أخرجه مسلم في «صحيحه» عن أبي سلام قال: قال حذيفة بن اليمان – رضي الله عنهما – قال: «قلت: يا رسول الله إنا كنا بشر فجاء الله بخير فنحن فيه فهل من وراء هذا الخير شر؟ قال نعم، قلت: هل وراء ذلك الشر خير؟ قال نعم، قلت فهل وراء الخير شر؟ قال: نعم، قلت: كيف؟ قال يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس، قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع» رواه الحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي والألباني، وفي هذا الصدد يقول الشيخ عثمان الخميس «ابوعمر» في موقع مسجل ان منهج اهل السنة والجماعة: «السمع والطاعة للحاكم ولو كان فاجرا ولو كان فاسقاً»، وَذُكر عن الأمام الطوسي في وجوب الطاعة انه قال: «... لا يجوز إيجاب طاعة أحد مطلقا إلا من كان معصوما مأمونا منه السهو والغلط وليس ذلك بحاصل في الأمراء ولا العلماء وإنما هو واجب في الأئمة الذين دلت الأدلة على عصمتهم وطهارتهم»، وفي هذا الشأن تحدث آية الله أحمد جنتي بتاريخ 7ا /12/2010م خلال مؤتمر في مدينة شيراز جنوب إيران بأن: «معارضة المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي ترقى إلى مرتبة إنكار الله» وقد نقلت وكالة فارس ومهر للإنباء، إضاف للوكالات العالمية، وفي خطبة الجمعة اكد بأنه: «لا مكان للتسامح الإسلامي» لاحظ صحيفة الوقت البحرينية في عددها / 1440 السبت 15 صفر 1431 هـ - 30 يناير 2010، هذا بالإضافة الى ما استند اليه بعض شيوخ الأزهر، مثل الشيخ أحمد عبد السلام المحلاوي الذي أعلن بوضوح : ((أن من يطالبون بالدولة المدنية في مصر كفرة وعبدة الطاغوت»، كذلك نجد الدكتور عبدالله الصبيح يؤكد في مقال بعنوان: الدولة في الإسلام بين التبعية واستقلال التصور أن: «من وصف الدولة الإسلامية بأنها دولة مدنية وقع في خطأ لا يقل عن الخطأ الأول، ذلك أن الدولة المدنية الحديثة تنكر حق الله في التشريع، وتجعله حقا مختصا بالناس، وهذا بخلاف الدولة الإسلامية، بل إن هذا يخرجها عن كونها إسلامية ويسمى هذا النوع من الحكم في الإسلام بحكم الطاغوت». بالتوافق لما سبق يمكننا القول أن الدولة المدنية عند بعض الجماعات الإسلامية ومنهم الإخوان المسلمين، هي دولة مدنية ذات مرجعية دينية، وهي تخريجة غريبة لقول يسوق لدولة مدنية علمانية كافرة مرجعيتها دينية، وهي بدعة تنم عن مأزق كبير تحاول تلك الجماعات الخروج منه بطرق ملتوية بهدف مسايرة التطورات العالمية التي اجتاحت كل انماط الدولة الأخرى من شيوعية وقومية ودينية، وإذا قبلنا جدلا بمنطق الدولة المدنية ذات المرجعية الدينية عندها سنكون امام حالتين الأولى دولة دينية بأحكام شرعية او دولة دينية بقوانين واحكام دستورية، عندها سنكون امام دولة مدنية علمانية، والصفة الدينية مجرد إضافة زائدة لا مكان لها في التشريع . أن الديمقراطية شرط من شروط الدولة المدنية، لأسباب ان الشعب يكون مصدرا للسلطات والتشريع والسيادة، بعكس المفهوم الديني للدولة حيث ينتفي دور الشعب كمرجع للتشريع والسيادة، فالقوانين والنصوص الدستورية في الدولة المدنية قابلة للتحول والتغيير، على خلاف الدولة الدينية التي لا تخضع تشريعاتها ولا يجوز ان تخضع لإرادة غير مراجعها ومصادرها، ولا تقبل في ظاهرها او باطنها التغير او الجدل باعتبارها نصوصا واحكاما شرعية ثابتة ومصادرها مقدسة، ولا تقبل الاجتهاد او التأويل إلا في إطار مرجعياتها الدينية، وفي هذا الصدد يقول احد مفكري الأخوان المسلمين: «أليس من الأمان للأوطان أن تطبق مدنية الدولة بالشكل العلماني « غير الكافر».. حتى لا نجد أن الصراع مستقبلاً يتحول إلى صراع ديني مذهبي بين هذه التيارات حول مفهوم الفئة الناجية التي لها حق الولاية على الأمة».

ألاعيب روسيا للحفاظ على بشار الأسد

احمد المرشد
طرحت تداعيات الأزمة السورية خاصة بعد المجازر الأخيرة في الحولة والقبير وما سبقها من اعمال قتل وحشية ضد المدنيين تساؤلات عديدة بشأن حقيقة الموقف الروسي حيال تلك الازمة، وهل موسكو تقف على الحياد أم هي منحازة بصور مطلقة للنظام السوري الذي لولا الدعم اللوجستي والعسكري الروسي وكذلك الدعم الايراني السياسي والمعنوي والاقتصادي لما استمر بشار الاسد في مكانه يوما واحدا بعد اندلاع الثورة السورية؟ ويحق لنا مباشرة وبدون تناول الحيثيات والبراهين والادلة ان نقول ان روسيا تخلت عن موقف المحايد واتجهت بقوة الى الانحياز ضد رغبة الشعب السوري الذي يئن من جراء مجازره اليومية وضحاياه ومصابيه. وكان حري بروسيا التي تريد العودة بقوة الى لعب دور استراتيجي عالمي لتعويض ما فاتها من أدوار، ان تقف بجانب الشعب وليس النظام حتى تخلق نظرة ايجابية في العلاقات الدولية، ولا تستغل الموقف لترتفع عالميا على حساب ضحايا ابرياء. ومن الواضح ان روسيا تنتقم من الامم المتحدة والولايات المتحدة واوروبا بسبب انتصاراتهم في ليبيا ومن قبلها في الازمة اليوغسلافية والتي انتهت باتفاق دايتون الشهير والذي رفضته روسيا بشدة لانه وقف الى جانب جميع الفرقاء وخاصة البوسنة ضد المجازر الصربية والتي دعمتها موسكو آنذاك ايضا لأنها أرادت لصربيا السيطرة على كافة انحاء الاتحاد اليوغسلافي السابق. فروسيا تريد انتهاز الفرصة لتفرض موقفها في الازمة السورية ويبدو انها سعيدة للغاية وهي تستقبل كل يوم مسؤول دبلوماسي دولي يحاول خطب ودها للاستجابة الى الخطة الدولية ودفع بشار الاسد نحو ترك السلطة طواعية والكف عن قتل وتعذيب شعبه وتلبية مطالب خطة كوفي انان. ولكن هيهات، فروسيا وبدلا من ان تشارك في خطة اعداد ترتيبات ما بعد الاسد، تتهرب من مسؤولياتها الدولية وتدعي انها «مسألة مبدأ»..اي مبدأ تدافع عنه سوريا وهي ترى القاتل والضحية ولا تتدخل بينهما، ثم تزعم ان غياب الاسد يعني نشر الفوضى وعدم الاستقرار في سوريا، ثم تدعي ايضا انه من الافضل ان يكون التغيير بيد السوريين أنفسهم وألا يفرض عليهم من الخارج. في حقيقة الامر، ان الكرملين نجح في ان يجعل من نفسه لاعبا رئيسيا في اللعبة السورية، وهو هنا يحاول تعويض انتكاساته في الازمة الليبية ومن بعدها اليمن، ولا يهم موسكو هنا استياء اوروبا والمجتمع الدولي والامم المتحدة وامريكا بسبب تواطؤ روسيا مع قوات الاسد، في الوقت الذي لم تتعرض موسكو لاعتراضات من جانب الدول العربية بسبب هذا التواطؤ بسبب المشاكل العربية الجمة التي تحول دون توجيه سهامهم الى الدب الروسي، ويبدو ان بالموضوع بعض المواءمات السياسية، اذ ربما يرى العرب ان لروسيا منفعة لاحقة ولذلك فهم لا يريدون اغضابها في الوقت الراهن حتى وإن كانت تساهم بقدر لا بأس به فى زيادة اعداد القتلى السوريين، فالطيران والقذائف والصواريخ روسية الصنع. ويبدو ان الروس لا يكترثون بما يحدث حولهم، فهم أسرى نظرية ازمة الشيشان عندما تعرضوا لانتقادات دولية جمة بانهم يستخدمون القوة المفرطة لإجهاض هجمات الثوار الشيشانيين، ولذلك فإن هناك قناعة داخل المجتمع الروسي ايضا وليس فقط على مستوى الكرملين بان ما يصوره الغرب ووسائل الاعلام بشأن بشاعة الموقف في سوريا ما هو الا اكاذيب يرددها الاعلام الغربي للتأثير على الشعوب عندما تتخذ قرارات جادة للتدخل العسكري في سوريا لمناصرة الثوار. ولذلك رأينا موسكو تقلل من اهمية ما ينشر يوميا بشأن المجازر والقتل الجماعي لتستعيد بذلك مخزونها من العقل الجمعي الروسي الذي يؤكد ان هجمات الثوار الشيشان كادت تقض مضاجع الدولة الروسية العريقة لولا التدخل القوي من قبل الجيش الروسي.. وهو ما تربطه موسكو بالوضع في دمشق، فهم يتصورون ان المعارضة ما هي سوى جماعة مرتزقة تحاول زعزعة استقرار سوريا وازاحة بشار الاسد عن سدة الحكم تلبية لرغبة الغرب وامريكا في احداث التغيير الشامل في المنطقة. ولذلك نجد كثير من المسؤولين الروس يتعامون عما يجري داخل سوريا ويلقون مسؤولية استمرار العنف على قوات المعارضة السورية والدول الاجنبية. وهنا يقول مسؤول روسي ان الغرب وامريكا تبعث بالمتطرفين والمتشددين بمختلف أنواعهم سعيا وراء تحقيق أهدافهم الخاصة، ثم يحذر من كارثة ستشهدها منطقة الشرق الاوسط بأكملها اذا تدخلت قوات دولية دون تفويض من مجلس الأمن. تداعيات الأزمة السورية تطال الرئيس الروسي نفسه فلاديمير بوتين، حيث ان لديه اسبابه الداخلية القوية التي تدفعه التمسك بموقف بلاده من الازمة. والسبب ان سلفه ديمتري ميدفيديف فشل في مواجهة المتشددين داخل الحكومة الروسية بسبب قراره عدم التحرك للحيلولة دون التدخل الغربي في ليبيا، مما أدى إلى سلسلة متتابعة من الأحداث بلغت ذروتها بمقتل العقيد معمر القذافي، الذي كان هو الآخر حليفا لروسيا. وينطوي قبول تنفيذ خطة انتقالية في سوريا على مخاطرة بأن يلقى بوتين مصيرا مماثلا لميدفيديف، كما سيعني أيضا التراجع عن موقف ما زال يحظى بتشجيع أوساط السياسة الخارجية الروسية. الغريب ان بوتين يعلن وبملء فيه ان بلاده تتبع سياسة تعزيز الأمن العالمي ولديها التزام أخلاقي كبير للدفاع بقوة عن مواقفها خاصة وان دروس الحرب العالمية الثانية مازالت مفيدة وأن «احترام سيادة الدول» ضمانة مهمة لعدم اندلاع الحرب مرة أخرى وذلك في إشارة تحذير للجهود الغربية لتغيير النظام في سوريا. وبعد موقف بوتين يخرج علينا وزير خارجيته سيرجي لافروف بزعمه ان روسيا لا يمكن ان تقول للأسد «ارحل». بيد ان الذي لم يفصح عنه الدبلوماسي الروسي ان بلاده ستخسر المشتريات السورية الضخمة من الاسلحة الروسية، وكذلك نظام يعتمد على موسكو في كل شيء، واذا انهار هذا النظام لوقعت منظومة الدومينو بالكامل.. وسيرجي لافروف يستغل هنا بعض المعطيات الحقيقية ولكنها لا تمثل الكثير بالنسبة للمعارضة السورية مثل انها تلقى تمويلا من الخارج، وهو الامر الذي يصوره الروس على ان اطرافا اجنبية تمول «مرتزقة سوريين» وتدعم قوى متطرفة لتحقيق اهداف جيوسياسية. ربما يبدو في الوقت الراهن ان فكرة دعم موسكو لإزاحة الاسد من سدة الحكم صعبة نوعا ما، ولكن ثمة بعض السيناريوهات التي طرحها الروس انفسهم وتتعلق في ان للدبلوماسية الروسية خطة لخروج سلمي للأسد يجري التخطيط لها بعناية على ان يقتنع الشعب السوري وحده بانه هو الذي حقق هذا الهدف.. ويدعم هذا التوجه ان موسكو وبوتين يعلمان تماما ان الأسد بات يفقد مستقبله السياسي وانه راحل لا محالة، وبالتالي يمكن الترويج للفكرة المشار اليها لكسب ثقة النظام السوري المقبل وعدم قطع العلاقة مع دمشق التي تعد بحق بيضة ذهب للروس.

مصر تنتخب رئيسها

محمد مبارك جمعة
اليوم تبدأ مرحلة الإعادة من انتخابات الرئاسة المصرية، بين الفريق شفيق ود. مرسي. نقول هذا الكلام وأيدينا على قلوبنا خوفاً من المشهد القادم في مصر. إن تجاوزت مصر هذا المشهد بأقل قدر ممكن من الخسائر فإن سفينتها ستبحر باتجاه الاستقرار ودوران عجلة التنمية من جديد. أما إن سادت الفوضى وساد معها العنف والتخريب فالله وحده العالم إلى أين ستؤول الأمور.
يوم أمس الأول أصدرت المحكمة الدستورية العليا في القاهرة قرارها بعدم دستورية قانون العزل السياسي الذي تم تفصيله لعزل كل من يمت إلى النظام السابق بصلة، بغضّ النظر عن نقاء صحيفته من عدمها، وعليه ثبت حق الفريق شفيق في مواصلة سباق الرئاسة. في مقابل ذلك، قضت المحكمة بعدم شرعية انتخاب ثلث أعضاء مجلس الشعب، وأوصت بحلّ المجلس، وهو ما سيستدعي إجراء انتخابات برلمانية جديدة، ستكون نتيجتها بالتأكيد تغير التركيبة الحالية لمجلس الشعب.
الفريق شفيق قال في حديث مثير لجريدة «الوطن» المصرية: إن أي محاولة من قبلهم (يقصد الإخوان) لاستخدام العنف سوف تودي بهم جميعاً إلى السجن..! وكان الفريق يردّ على سؤال يتعلق بما سوف يحدث لو لجأوا إلى العنف أو حاولوا تصفيته شخصياًّ..! والحقيقة أن مجرد وجود طرح كهذا في مصر يعتبر أمراً مخيفاً، بمعنى أن تكون هناك جاهزية لدى جماعات معينة لانتهاج العنف إن لم تتحقق مطالبها، وما سيقابلها من ردة فعل مؤكدة من الدولة قد تعيد مصر سنوات إلى الوراء، وخصوصاً في ظل وجود تجربة مريرة لا تزال حية وقائمة حتى يومنا هذا ممثلة في اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات.
العقلانية مطلوبة من جميع الأطراف في مصر، لأن نسبة الشحن الموجودة بين الناس، والتي نقيسها - ولو بشكل غير علمي - من خلال مواقع التواصل الاجتماعية، تعتبر عالية جداًّ، وقابلة للاشتعال. يضاف إليها ما صدر عن بعض الأطراف بأنها لن تقبل بنتائج الصندوق الانتخابي، وأن النتيجة إذا لم تأت بما ترغب هي فيه فإنها ستكون «مزورة»..! ووصل الأمر بأحد الأشخاص أن اتهم «كل» من صوتوا للفريق شفيق، وعددهم يتجاوز ٥ ملايين مواطن، بـ «الخيانة»..! ومثل هذا الطرح ليس سوى طرح خال من كل مبادئ الديمقراطية والاعتراف بالآخر، وهو بالتأكيد خطاب إقصائي بامتياز.
أتمنى لمصر الاستقرار والأمان، سواء حكمها الفريق شفيق أو د. مرسي، فأهل مصر أدرى بشعابها، لكن كيف سيتحقق هذا الأمان وهذا الاستقرار إذا كان الاحتكام إلى صناديق الاقتراع تحت الرقابة ليس كافياً ومشكوكا فيه سلفا.

حوار الطرشان في الدولة الضعيفة

أحمد سند البنعلي
ليس من الطبيعي صدور التهديد من قبل رئيس تيار سياسي بحق الدولة وتلويحه بإخراج الآلاف من البشر استنادا لفتوى دينية لو لم تظهر الدولة ضعفا في مواجهة خرق القانون منذ عدة سنوات وحتى اليوم الحالي الذي نرى ما يحدث في الشارع ونرى القضايا تعرض على القضاء ثم تعاد مرة أخرى لينظر فيها من البداية مع أن ذلك قد يكون أمرا محمودا ولكن ارتباطه بأحداث الشارع المستمرة يوحي بغير ذلك للمتابع.
نقد الحكومة بل وحتى الدولة في ما تقوم به أو تشرعه يمكن قبوله ويمكن إدخاله في نطاق حرية الرأي والتعبير ونقد المؤسسة التنفيذية والعاملين فيها يمكن قبوله إن كان في العمل وليس في الأشخاص ووضعه في إطار حرية التعبير والرأي كذلك، ولكن من غير الطبيعي مهاجمة الدولة وإطلاق التهديدات بحقها لأن ذلك يضع من يطلق تلك التهديدات في مصاف أعداء الدولة ويضفي صفة الخيانة الوطنية على من يمارسها ولا نريد إطلاق تلك الصفة على أحد ولكننا نتحدث عن الفعل المجرد وليس عن الأشخاص.
وما صدر من الأخ أمين عام جمعية الوفاق الإسلامية يقع في ذلك النطاق ويحمل المؤشرات على وجود دافع وراء تلك التهديدات ووجود شعور داخلي بعدم قدرة الدولة على الدفاع عن ذاتها ومؤسساتها أمام أي فرد يمارس الخطأ بحقها.
تتسرب يوميا وبصورة مستمرة أنباء عن وجود حوار من خلف الكواليس وربما خارج الحدود أحيانا ولكن ما بدر من أمين عام الوفاق يعني أو يوحي بعدم وجود تلك العملية إلا في حالة واحدة وهي أن الوفاق ومعها النظام “يستغبيان” باقي مكونات الشعب وهو ما نستبعده في ظل المعطيات المتوفرة.
في جميع المحافل الإعلامية نشاهد المتحدثين من أعضاء جمعية الوفاق وغيرهم ينادون بالحوار غير المشروط وهو ما نتفق معهم حوله كوننا نرى أن الحوار هو الوسيلة الطبيعية لحل أي قضية خلافية في المجتمعات المتحضرة ولكننا على الجانب الآخر نجدهم يتهكمون على دعوات الحوار التي تصدر من قبل ممثلي الحكومة كما حدث عندما تحدث وزير العدل عن ذلك الحوار بل وصل الأمر إلى توجيه تهمة الكذب للوزير على قناة العالم ثم اننا كذلك نجد الإخوة يعيقون الدخول في ذلك الحوار ويغلقون الأبواب أمام أي دعوة حوارية مستقبلية كما هو الحال الآن مع تهديد أمين عام الوفاق.
هو حوار الطرشان إذا حيث لا يسمع أي طرف للطرف الآخر ويتعامل بما في داخله فقط دون اعتبار لما في داخل الطرف الآخر أو الأطراف الأخرى وقد يجلس الجميع على طاولة واحدة ويؤشر كل طرف دون أن يتحدث ولا يفهم الطرف الآخر تلك الإشارة فالكل في واد مختلف عن وادي الطرف الثاني أو الثالث.
هل استخفت الوفاق بالدولة والنظام إلى هذا الحد الذي تلقي إليها بالتهديد في كل مكان وفي أي مناسبة وهي تعرف أنها خارج المساءلة؟ وهل الضغط الخارجي الذي خلقه الإخوة وأقاموا له العلاقات منذ سنوات يعيق الدولة على هذه الدرجة ويضعفها إلى هذا المستوى؟.
ما نعرفه أن جميع الجمعيات السياسية خاضعة لقانون معين بغض النظر عن صحة أو خطأ القانون (مع أننا لنا ملاحظات عليه ولكننا نحترمه كما هو) لذلك من الواجب أن تلتزم جميع هذه الجمعيات بما هو وارد في نصوص ذلك القانون، وتهديد الدولة ولا نقول النظام لم يرد من ضمن الأمور المنصوص عليه في ذلك القانون ولا أي قانون آخر سواء في الدولة أو أية دولة أخرى أو من قبل أي حزب في أي مكان وحين يرد التناقض بين الدولة وأحد مكونات المجتمع المدني فإن الدولة تسمو فوق ذلك التناقض وتكون لها الكلمة العليا وإلا فإنها لا تكون دولة حسب القانون الدستوري.