Tuesday, June 5, 2012

الوفاق داخل غرفهم المغلقة

سوسن الشاعر
يمر ائتلاف الوفاق الآن بأصعب مراحله وأكثرها حرجاً، مرحلته الصعبة تشبه -لكنها تفوق- ما مرت به الوفاق حين انفصل تيار الأفندية الأول نزار البحارنة والزيرة ومجيد العلوي عنهم، أو حين انفصل عنهم مشيمع وعبدالوهاب والسنكيس في عام 2005.
إذ يعاني الائتلاف اليوم من صراع حول دور العمامة المعيق للحراك السياسي بكلا الاتجاهين؛ اتجاه الحوار واتجاه رفضه، فالمشكلة أن العمامة تعيق حراكاً يسعى نحو الحوار، وتعيق على الجانب الآخر حراكاً متشدداً يسعى للصدام، مشكلة عيسى قاسم صاحب العمامة أن هذه العمامة تجمدت ووقفت في عالمها الافتراضي عند السبعينات ولم تخرج منها حين كانت تقود الكتلة الإيمانية عام 1973 في البرلمان الأول، وهو واقع افتراضي يريد أن يعيد عجلة الزمن إلى تلك الفترة بأدواتها بمعطياتها وذلك مستحيل.
عيسى قاسم يعتقد أن المخرج لأزمة الوفاق هو الإصرار على مجلس تاسيسي كالذي حدث في السبعينات، ومصر على قيادة كتلة إيمانية كالتي أسسها في السبعينات، ومصر على أن ينسب الفضل لتثبيت الحكم للمجلس العلمائي الذي يقوده مع فروعه من مآتم وصناديق خيرية، ومصر على اللجوء للشارع واستخدامه كأداة من أدوات إدارة الصراع بينه وبين السلطة؛ إنه رجل خارج نطاق الواقع الذي تجاوز كل هذه المعطيات ولا يريد أن يرى ما استجد في الشارع وفي العالم ككل، رجل تجاوز الثمانين ويعيش في عالمه الخاص ولا يريد أن يسمع أو يرى إلا ما يراه داخل فقاعته، ومن المؤسف أن يرتهن مصير جماعة بأسرها إلى هذا الغائب عن الواقع.
عيسى قاسم لا يبحث عن حل للجماعة؛ بل يتمسك بحل واحد لا ثاني له، وتلك عقلية غير تفاوضية تشكل عائقاً أمام حراك توافقي أو حلول وسطية ولا تملك أي دينامكية تحسب حساب الربح والخسارة من منطلقات واقعية، بل ترتكز على التاريخ الماضي والتاريخ السبعيني ولا تراوح عنه، وهذه قيادة انتحارية.
داخل الوفاق كذلك تيار آخر متشدد أكثر لا يرى أي شرعية في الحكم أبداً ولا يعترف لا بسبعينات ولا بتسعينات ولا بألفين ولا بأي ظروف واقعية، ومصر إلى الآن على قلب نظام الحكم بالكامل، وهم فلول حق ووفاء المرتهنين بالكامل للقرار الخارجي من العراق ولبنان وإيران، ويتلقى التعليمات من الخارج ويمول بشكل واضح وصريح من الخمس وله فروعه الكويتية والعراقية واللبنانية، وقيادته المحلية رهن المحاكمات ومنهم أعضاء في لبنان الآن وهم يشكلون حلقة وصل بين الداخل والخارج ومسؤولون عن أعمال العنف والإرهاب بشكل أساس، وهي كتلة ترفض الشرعية وترفض الحوار وترفض الوساطة، وتستعين بماكينة إعلامية على استعداد لتدمير وحرق أي عضو من الوفاق يلمح بقبوله الحوار، لذلك تتوارى قيادات الوفاق خوفاً من هذه الماكينة، فلا هي القادرة على كبح جماحها ولا هي القادرة على التبرؤ منها.
وهناك كتلة أخرى داخل الوفاق راهنت عليها أمريكا، لمعت فيها وبيضت وصقلت ودربت ومنحتها الجوائز، وحاولت المستحيل لصناعة أبطال شعبية منها، لكنها خذلتها، فهي أجبن من مواجهة المتشددين من التيار الولائي النجفي أو مواجهة الشيرازيين المتشددين القميين، صوتها ضعيف ولا يزيد عن الهمس داخل الغرف المغلقة ومهاجمة الحكومة البحرينية في وسائل الإعلام المفتوحة لها دون غيرها.
مجموعة (لا تهش ولا تنش) داخل الوفاق على رأي المثل، كان من المخطط لها أن تقود تيار الاعتدال التكنوقراطي ليس داخل الوفاق بل على المستوى الوطني، وتشكل لها قاعدة من كلتا الطائفتين لتكون نواة للتغيير، بعضهم في الكتلة النيابية وبعضهم في المنظمات الحقوقية، لكن المشكلة في هؤلاء أنهم بلا ثقل اجتماعي وبلا تاريخ سياسي، وليس لهم قاعدة شعبية جماهيرية حتى داخل الشارع الوفاقي، والمشكلة الأعظم أنهم حين تحضر العمامة فإنها بالفعل جماعة تاكل (..)، ولم ينفع لا تدريب ولا جل ولا أي بدلة أو أي تدريب لتقوية وضعهم وزيادة جرأتهم، رغم أنهم في غرفهم المغلقة يلعنون هذه العمامة ويعرفون مدى تسلطها وجهلها، لكن الشجاعة جينات لا تزرع صناعياً.
اليوم الوفاق تعيش كل هذه الصراعات التي مرت بها في بداية تشكيلها ومن كل هذه التيارات ويزيد عليها، أن الضغوط الدولية دخلت على الخط تحثها إلى الظهور بمظهر القوى السياسية السلمية والتي تعمل ضمن الأطر الدستورية.
من يستحق الشفقة ليس الوفاق، بل الوفاق جنت على نفسها كأختها براقش بضياع بوصلتها، من يستحق الشفقة فعلاً هم جمهور الوفاق الذي يدفع الثمن في كل مرة نتيجة هذه التيارات المتصارعة وعدم وضوح الرؤيا واختلاف التوجهات، لتضعهم الوفاق في مأزق وحيرة في الاتجاهات، وهي المقيدة (بالوفاء) لدماء الذين سقطوا في صراعها مع السلطة، ومقيدة بالنظرة الأحادية لعيسى قاسم، ومقيدة بالتيار الشيرازي المتشدد، ومقيدة بالضغوط الأمريكية التي تحث أبناءها (الطلبة) فلا تعرف ترضي من وتغضب من؟
من يستحق الشفقة هم هذا الجمهور الذي وثق بقيادته معتقداً أن المسار واضح ومحدد لهم، والنهاية مرسومة وقريبة، فقدم الغالي والنفيس وخسر الكثير الكثير واندفع بلا تفكير، وإذا به يجد نفسه معلقاً مع الوفاق في وسط الطريق بين السماء والأرض وقيادته لا تعرف أين المسار ومتى وكم وكيف؟ لتبقى الأسئلة معلقة داخل الغرف المغلقة، والجمهور مسكين في الخارج يصفق لانتصارات وهمية وفتات يلقى له في كل (ويك إند) في برنامج ترفيهي يستعان فيه بالأناشيد والفيديو والصور والمنصات والمسابقات والشعر عله يبقى واثقاً ومتمسكاً بهذه القيادة الضائعة.
القيادة جرأة وشجاعة وإقدام ومبادرات ومرونة وواقعية وفر وكر ونظرة شمولية وكاريزما وهي مفقودة إلى الآن في كل الوجوه التي إن توفر في أحدهم عنصر غابت عنه بقية العناصر.. ولا عزاء لجمهور الوفاق.

حين تتحول المغالطة إلى معارضة

نجاة المضحكي
لم تقبل أي دولة على مر التاريخ الحوار مع عصابات مهما كانت خطورتها، حين يكون الاتصال والحوار مع العصابات هو شهادة شرعيتها، وكذلك اليوم تسعى أطراف داخلية معروفة مقربين من أصحاب القرار لدفع الدولة للجلوس مع العصابات التي تواصل أعمالها الإجرامية والإرهابية في الشارع، والتي تسمي نفسها معارضة، وهي ليست معارضة وإنما هي “مغالطة” تحاول كسب نفسها الرسمية والأهلية ويكون لها شعبية وقبول من الدولة واعتراف دولي، وبالفعل استطاعت أن تقنع الداخل والخارج بأنها معارضة، لكن هل تقبل الدولة بهذه المغالطة؟ وهل تستمر في إضفاء الأهلية والرسمية؟ ويكون لها الاعتبار والمكان، فتحولها من حالة المغالطة إلى حزب مؤهل يكون شريكاً في الحكم وقد يكون غداً على كرسي الحكم، وذلك حين تقبل أن تجلس الدولة أو من يمثلها مع المغالطة على طاولة الحوار. إن الجلوس مع المغالطة هو عفا الله عما سلف، وهو عفو شامل لكافة مرتكبي الجرائم الإرهابية، وذلك حين تكون المغالطة معارضة وتصبح الجرائم والإرهاب الذي ارتكبته ميلشيات المغالطة لا يخرج عن أفعال ومزاولات فرضتها ظروف سياسية فتنزوي تحت بند المطالبة بالحرية والديمقراطية، فهذه ستكون أول نتيجة من نتائج الجلوس على طاولة الحوار مع هذه المغالطة والتي مع الأسف قد ساهم في صنعها سكوت الدولة وقبولها كند، حين استقبلت أعضاءها وخصتهم بالرعاية والعناية، وقربتهم حتى أصبح صعاليكها يحملون جوازات خاصة ويركبون سيارات فارهة دفعت فواتيرها الدولة، كما منحتهم عطايا وهبات مكافأة على قبولهم المشاركة في مجلس النواب، وكذلك ستفعل الدولة اليوم إن قبلت معهم الحوار، حيث إن الحوار نتائجه ستكون لحساب المغالطة التي ستتحول بعد الحوار إلى معارضة موثقة ومختومة، حين تكون نتائج الحوار الذي أصبح توقيع الدولة كطرف أول وتوقيع المغالطة كطرف ثانٍ، وحتى لو كان هناك طرف ثالث، فسيبقى الطرف الثاني هو الأصل في الحوار، حين يعترف به الطرف الأول والطرف الثالث ممثلاً عن جماهير الفاتح، أي أنه اعتراف ملكي وشعبي، وهو الهدف اليوم الذي تسعى إلى تحقيقه أمريكا وتنتظر نتائجه إيران، التي سيكون لها بعد الحوار تمثيل في الحكم، على غرار تمثيل حزب الله لها في دولة لبنان، كما ستتحول إيران إلى دولة صديقة حيث إن نتائج الحوار سيبرئ طهران دولياً من ضلوعها في المؤامرة الانقلابية، ومنها ستفتح البحرين أبوابها لجمعيات الصداقة الإيرانية والمشاريع الاقتصادية الكبرى، وستفتح المستشفيات الإيرانية ونواديها الثقافية، وهي مكاسب بالطبع تؤهل إيران للدور النهائي الذي فيه تضمن عدم تكرار فشلها. إن المغالطة التي استطاعت أن تصطنع لنفسها صفة المعارضة ما هي إلا مافيا على غرار المافيات الإجرامية العالمية والتي استطاعت إيران أن تستنسخ تجربتهم في السيطرة على ثروات الوطن العربية وأخضاع المنطقة العربية والخليجية عن طريق عصاباتها، وذلك حين نشاهد ما تمتلكه هذه العصابات من ثروات يستلمها رؤوساء العصابات مباشرة من طهران، إضافة إلى توفر القوة المحلية المتمثلة في رجال أعمالها وأفرادها في الحكومة استطاعت المافيا الإيرانية الكبرى في طهران إيصال الموالين منهم خلال فترات حسن النوايا، وكذلك في باقي دول الخليج، حين استطاعت العصابات المنتشرة في الخليج من توطيد علاقاتها بأصحاب القرار مباشرة أو المقربين منهم، حتى أصبحت مؤسسات الدولة الحيوية تقع تحت قبضت هذه العصابات، مما جعل الأمر صعباً بالنسبة للدولة أثناء المؤامرة الانقلابية الفاشلة، حين خرجت عصابات المافيا المتخفية كموظفين مخلصين ورجال أعمال ناجحين، مما يعني أن المؤامرة الانقلابية قادتها عصابات المافيا الإيرانية وليس معارضة، وهو الأمر الذي يجب أن تتعامل معه الدولة بحزم. إن الحوار مع الجماعات التي تقود المليشيات الإرهابية والإجرامية في الشوارع، هو الجلوس مع فرع من فروع المافيا الإيرانية، وأن نتائج هذه الجلوس هو تمكين المافيا التي أصبحت ميزانيتها قد تفوق ميزانية الدولة، وذلك حالها كحال المافيات في العالم، كما إن الحالة النفسية للعصابات الإجرامية أصبحت صعبة وتحتاج اليوم إلى هدوء واستراحة كي تسترد أنفاسها خصوصاً بعد أن أوصدت الأبواب في وجهها في الداخل والظروف الخارجية لا تخدمها، ولذلك قررت أن تحث وسطاءها المحلية المعروفين ووسطائها الغربيين حين نسمع بأن هناك بوادر للحوار بدأت مع الوفاق تزامنت مع الدعوات الأمريكية للمصالحة، في الوقت الذي ترفض فيه الأغلبية الشعبية أي حوار مع هذه العصابات الإجرامية، حين تأكد لهم بأن ما يحدث في الشارع هو عمل عصابات إجرامية تنتمي إلى المافيا الإيرانية وأن الجلوس على طاولة واحدة مع هذه العصابات هو تمكين المافيا الإيرانية من البحرين، التي سيكون قرارها موازياً لقرار الدولة على غرار حزب الله في لبنان.

نموذج لمرافعة المدافعين عن تجاوزات إيران

كمال الذيـــب
أرسل لي احد القراء ردا على السؤال الذي حاولت الإجابة عليه وهو: ماذا تريد منا إيران؟ يقول فيه: “أنتم ماذا تريدون من إيران صراحة؟ هل تريدون منها أن تتخلى عن قوتها وعن مصالحها في المنطقة لكي تعجبكم مثلاً؟ هل تريدونها أن تتخلى عن حقها في امتلاك القوة النووية؟ هل تريدونها أن تتخلى عن موقفها المقاوم لإسرائيل وأمريكا؟ هل تريدونها أن تتخلى عن المقاومة في لبنان وفلسطين وسوريا؟”. هذا ملخص التعقيب المدافع عن إيران والمليء بالانفعالات المشبعة بـ“البروباغاندا” الإيرانية المكررة والممجوجة، ومع ذلك يمكن تسجيل التوضيحات التالية: أولاً: إن العرب عامة، وعرب الخليج خاصة، قد عبروا دائماً عن استعدادهم للتعاون مع إيران لتكون جزءاً من منظمة الأمن والتواصل والتعاون في منطقة الخليج العربي، ولتكون قوة كبيرة حليفة للعرب والمسلمين، ضد الظلم الذي يلحقهم من أمريكا ومن إسرائيل خاصة والغرب عامة، ولذلك هم لا يريدون لإيران وشعوبها الإسلامية إلا الخير والقوة والكرامة والعزة، لأن أي قوة مسلمة هي عز للإسلام والمسلمين (هكذا كانت الأمور في أغلب مراحل التاريخ)، ولكن الذي حدث هو العكس تماماً، ولسنا في حاجة إلى سرد قصة تصدير الثورة من الحرب مع العراق إلى التآمر على أمن واستقرار واستقلال دول الخليج، إلى الإمعان في احتلال جزر الإمارات، إلى الاستمرار في اضطهاد عرب الأهواز، إلى التآمر مع الأمريكان على العراق وإسقاط دولته، وتقاسم الغنائم على أنقاضها، والإسهام في إقامة وبناء دولة الطوائف في هذا البلد العربي ليظل ضعيفاً تابعاً لإيران، إلى التدخل السافر في البحرين ومحاولة العبث بأمنها استقرارها، عن تمويل ودعم محاولة الانقلاب على الشرعية، إلى التجسس على الكويت والإمارات، ومحاولة إثارة النعرات الطائفية في شرق السعودية، ومحاولة بث البلبة الطائفية في مصر وفي المغرب العربي، إلى تسخير عشرات القنوات الفضائية المعادية للعرب، والمحفزة على الفتنة الطائفية، فأصبحت موضوعات من نوع سب الصحابة وتكفيرهم واتهام أم المؤمنين عائشة بالفسق على رأس جدول أعمالها، لتهدد ضمير المواطن المسلم وتسهم في التشويش على منظومة القيم التي يثق بها، مستجلبة أحداث الماضي وصراعاته السياسية لتوظيفها في خداع إخوتنا الشيعة العرب، وحرفهم عن مجراهم الطبيعي العربي - الإسلامي الأصيل، وفصلهم عن هويتهم العميقة الباقية ومحاولة ربطهم بهوية مزيفة، في محاولة يائسة للتقسيم والسيطرة عبر الخداع والتزييف وغسل الأدمغة. ثانياً: إن إيران التي تمتلك أسوأ ملف لحقوق الإنسان في العالم تتبنى قضايا حقوق الإنسان في البحرين وفي السعودية وتمول الناشطين وتعد الملفات ضد هذه الدولة، وكان أولى بها أن تحل مشاكلها مع شعوبها ومع ما تتعرض له من أنواع الاضطهاد والعسف والظلم، ولذلك لا يمكن للظالم أن ينصف المظلومين أو يقف معهم. ثالثاً: أما حكاية المقاومة ودعم القضية الفلسطينية فتلك قصة أخرى، فإن إيران قد رفعت شعار تحرير القدس وأعلنت عداءها لإسرائيل -وهذا أمر لا غبار عليه من حيث المبدأ- ولكن الكثير من الإجراءات التي يمارسها النظام الإيراني على الساحات العربية لا تنسجم مع تحقيق هذا الهدف، ومنها التدخلات السلبية في الشأن العربي. فقد شهدت السنوات الأخيرة تنامياً للنفوذ الإيراني في المنطقة العربية مع تراجع القوى القومية العربية، حيث تدير معركة “برنامجها النووي”، مستخدمة كل الأوراق، بما فيها قضايا فلسطين والعراق والبحرين والكويت وكل شيء تقريباً، وإن قراءة فاحصة في واقع النفوذ الإيراني في المنطقة، تشير إلى أنها لا تطمح لتوسيع مساحة أراضيها على حساب جيرانها العرب في الخليج العربي فحسب، بل تعمل على زيادة الخلافات الموجودة حالياً في العالم العربي؛ واستغلالها لتوسيع نفوذها، بتمسكها بـ“ورقة” القضية الفلسطينية، ودعم المقاومة، حيث دأبت على تحويل الأنظار عن الأزمات الداخلية إلى قضايا تخص فلسطين كيوم الأرض ويوم القدس وغيرها، لتستمر هذه الحركات الاستعراضية كوسيلة مثلى لوضع موطئ قدم في المنطقة العربية من جهة، وإلهاء الشارع الإيراني من جهة ثانية. رابعاً وأخيراً: إذا كان هذا فيضاً من غيض الفعل الإيراني المتراكم ضد دول الخليج، فإن السؤال يظل مشرعاً ومشروعاً: ماذا تريد منا إيران الجارة المسلمة؟ أما العرب، فإنهم لا يريدون منها إلا أن تكون قوية عزيزة تقف إلى جانب جيرانها في السراء والضراء متصالحة مع نفسها ومع تاريخها الإسلامي، ومع جوارها العربي، متعاونة، مسالمة، تبادل السلم بالسلم، والمصلحة بالمصلحة، وقد أثبت العرب عامة، وعرب الخليج خاصة، أنهم كانوا ضد ضرب إيران أو التآمر عليها، كما كانوا أول المدافعين عن حقها في امتلاك الطاقة النووية السلمية، ورفضوا أن تكون أراضيهم منطلقاً لضربها بأي شكل من الأشكال، وهذا أمر معلن ومعروف، في حين أنها كانت أول المتآمرين على العرب وأمنهم واستقرارهم (تآمرت عليهم في السابق ولاتزال تتآمر مع الشيطان الأكبر والشيطان الأصغر وجعلت أجواءها وعملاءها أو المتعاونين مع الاحتلال الأمريكي للعراق أو المتعاونين لتفكيك الدولة العراقية وتمزيق أواصرها).

مصر وجنون الانتقام

تركــي الدخيــل
بقيت الثورة المصرية في إطار التصفية مع المرحلة الماضية. لم تدخل مع المستقبل وإنمائه. معظم السجالات التي دارت وتدور مرتبطة بتصفية “الفلول”، حتى أن البلد توقف فعلياً ويمر بأزماتٍ اقتصادية فقط لأن الناس تريد أن تقتص من هذا وتضرب ذاك وتعدم أولئك. غابت الحكمة وحضرت العاطفة. مئات الأشخاص أصيبوا بصدمةٍ كبيرة بعد أن قضت المحكمة بسجن مبارك سجناً مؤبداً، وبتبرئة نجليه جمال وعلاء، يريدون للقضاء أن يكون ضمن عاطفتهم. يريدون الإعدام للجميع، وهذا لا ينطبق على الأخلاق التي تعلمناها من النبي عليه السلام الذي قال لأعدائه الألداء في فتح مكة حين وقف خطيباً: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”. كان بإمكانه تصفيتهم وإعدامهم، لكنه غلّب الخلق على الهمجية، والحكمة على العاطفة.
رفعت الشعارات منذ انتهاء الثورة تطالب بمحاكمة الرئيس، والقانون لا يدين أحداً ساعة المحاكمة، جزء من وظيفة القاضي أن يتعاطى مع مبارك بوصفه مواطناً مواطن وجهت إليه التهم في ملفات، القاضي لا يرتبط بعاطفة الناس وأوهامهم، المتهم دائماً هو شخص خارج سياق التصور المسبق، لهذا تأتي الأحكام على المسؤولين المصريين في النظام السابق صادمةً لمن يتعاطون مع الحدث بعاطفة. والقضاء المصري مشهور بتفوقه على الكثير من المؤسسات القضائية في العالم العربي، ولا داعي لإملاء الأحكام على القضاة، أو تلقينهم كيف يحكمون! لأن القاضي لديه وظيفته ومسؤوليته.
لو أخذنا نموذج مصر ونموذج العراق لوجدنا الكثير من التشابه، الدعوات التي أطلقت في العراق لاجتثاث البعث كانت مخيفة، وهي التي تسببت بإدخال البلد في حال فوضى كبيرة. الذي يجري بمصر خطير للغاية، هناك تصنيفات اعتباطية للكل، الثوار جاءتهم حالة نفسية تجعلهم يحتقرون كل من يختلف معهم ويصفونه بــ“الفلول”، أهذه هي الديمقراطية والأخلاقيات المدنية؟! بمصر أي حدث يمكن أن يتحول إلى كارثة أمنية، من مباراة رياضية إلى أكبر حدث يجري في الشارع. وهو أمر لا بد أن ينتهي! يجب أن تقف مصر على قدميها، وتعود عجلة اقتصادها للدوران، ويمارس الثوار والمعترضون اعتراضاتهم من خلال مؤسسات المجتمع المدني، سواء البرلمان أو النقابات، لكن أموال المستثمرين لن تطمئن إلى حالة الغليان المتواصلة بمصر، وستبحث بطبيعة الحال عن أماكن أكثر أمناً!
عقلاء مصر كثر، وما لم يكن لهم دور في توجيه هذا الحماس الثوري، والعاطفية الميدانية، والدوران في الشوارع ليذهب كلٌ إلى دكانه وفرنه ومكتبه فإن مصر ستصاب بحالة اقتصادية سيئة. الأخطر من ذلك الأحداث التي يمكن أن تجري بمصر، هناك تلويح من بعض الناشطين بالإسكندرية بأن تستقل الإسكندرية! كما إن الأجواء الاجتماعية متوترة، والبعض يتحدى الديمقراطية ويعتبر فوز شفيق عودة للنظام السابق! والقرضاوي يرشد أتباعه من الدوحة للخروج على نتيجة التصويت لو لم يفز مرسي، فأي ديمقراطية تدار في هكذا إرشادات؟!
مصر أمام مفترق طرق، وأظن أن محاكمة مبارك جعلت الأمور أكثر تعقيداً، ردة الفعل هذه تتجاوز حدود التفهم المدني. هناك تحديات جد خطيرة، والذي يخيف أكثر أن ينادي بعض الرموز بـ “ثورة ثانية” وهكذا نصبح أمام ثورات متلاحقة بعضها ينقض بعضاً، وإذا انفلت الشارع فتّش عن الحرب الأهلية، هذا هو الواقع بمرارته. بالتأكيد أتمنى أن لا تصدق هواجسنا وتخوفاتنا، لكن الواقع أقسى من أن يتحول لمجرد أننا عاطفياً نريده أن يتحول، فهل من معتبر؟!

نُذر حرب أهلية تتربص بسوريا

عبيدلي العبيدلي
تعمدت الاستماع بإنصات شديد لخطاب الرئيس بشار الأسد الأخير أمام مجلس الشعب السوري، وأتبعت ذلك بقراءة متمعنة لما ورد فيه محاولاً استنباط ما حاول الأسد أن يقوله للشعب السوري والعالم الخارجي في ذلك الخطاب المطول الذي يبدو من خلال المشاهد التصويرية التي طغت على عباراته واللغة المتينة التي سادت صياغاته، أنه كتب بعناية فائقة كي يقول كلمة واضحة للعالمين الداخلي السوري والخارجي الدولي مفادها أن مدى الصراع طويل، ومن ثم يصعب الوصول إلى نقط حسم في المستقبل القريب المنظور وربما المتوسط. ربما تكون هناك أكثر من قراءة لذلك الخطاب، لعل أهمها، لكنها ليست بالضرورة الأكثر صحة، هي تلك التي جاءت على لسان المعارضة، حيث اعتبر المجلس الوطني السوري المعارض كما قال عضو المكتب التنفيذي في المجلس سمير نشار ذلك الخطاب بمثابة “إعلان لاستمرار الحل الدموي، ولقمع الثورة بأي ثمن”، مضيفاً أن الأسد إنما “يحاول إخماد الثورة بغض النظر عن تداعيات هذا القمع على المجتمع السوري”. أما رئيس المجلس الوطني السوري المستقيل برهان غليون، فقد توقع، ولا أدري ما هي المعطيات التي قادته إلى هذه الاستنتاجات، نهاية قريبة لحكم الأسد الذي سيتجنب الجميع، حسب قوله “العمل إلى جانبه، لأنهم يدركون أنه في مرحلة نهايته”، لأن “الخطاب الذي ألقاه أمام مجلس الشعب هو ما قبل الوفاة”. الجامعة العربية، بوصف كونها إحدى الجهات الضالعة في إيصال سوريا إلى بر الأمان، اعتبرت خطاب الأسد نوعاً من المماطلة السورية في التعاون مع المبعوث الدولي العربي إلى سوريا كوفي عنان، وأكدت، كما جاء على لسان وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، أنه “لن تكون هناك ممارسة لأي عمل عسكري حتى تستقر الأوضاع في العالم العربي، وأننا نؤيد إقامة منطقة عازلة في سوريا يلجأ إليها المضطهدون. لكنها مسؤولية مجلس الأمن فالجامعة العربية لا تستطيع ذلك”. العجز العربي واضح هنا ولا يحتاج إلى أكثر من تأويل. لكن هناك قراءة أخرى قد تبدو بعيدة عن الواقع، وربما يعتبرها البعض ضحية النظرة التشاؤمية التي باتت تسود التحليلات الاستقرائية لمستقبل الأوضاع العربية. يحس من يعيد قراءة خطاب الأسد الأخير أن هناك مخاوف من احتمال دخول سوريا، ولفترة يصعب التكهن بها، في طريق حرب أهلية شبيهة إلى حد بعيد بتلك التي عاشتها ولاتزال تكتوي بنيرانها لبنان منذ 32 عاماً. نستشف ذلك من بعض العبارات التي وردت في ذلك الخطاب مثل قوله “إن سوريا تواجه حرباً حقيقية من الخارج ومشروع فتنة وتدمير للوطن أداته الإرهاب الذي ضرب كل الأطراف دون استثناء، ورغم أن العملية السياسية تسير للأمام إلا أن الإرهاب يتصاعد دون توقف أو تراجع”. واستطراده في الاتجاه ذاته، حين يقول “إن المهام تتجاوز الحلول وإذا كان البعض قد أرسل للشعب السوري الموت والدمار فنحن نريد أن نقدم لشعبه نموذجاً حضارياً يقتدي به لينال حريته وليصبح شريكاً في وطنه بدلاً من أن يكون الحاكم مالكاً للأرض وللشعب وللوطن وعندها ستصلنا رسائل الإنسانية من إخوة في بلدان الحرية بدلاً من نصائح الديمقراطية التي تأتينا من بلدان العبودية”. إلى أن يصل إلى القول “وأوضح الرئيس الأسد أن عدم الفصل بين الإرهاب والعملية السياسية خطأ كبير يعطي الشرعية للإرهاب التي بحث عنها الإرهابيون وأسيادهم منذ اليوم الأول للأحداث، مشيراً إلى أن الفصل بينهما أساسي من أجل فهم ومعرفة كيفية التحرك والحل”. هذه مقتطفات من ذلك الخطاب، ويمكن الاستعانة بكثيرة أخرى تكررت، كلها تنبئ بمجموعة من الإشارات التي تصب في طاحونة سيناريو احتمال تطور الصراع المحتدم اليوم في سوريا من مجرد صدامات عنيفة متفرقة إلى معارك حرب أهلية متكاملة. فالحديث عن إرهاب منظم يستمد قوته من دعم خارجي لا يمكن مواجهته إلا بتصعيد مقابل من جهة الدولة، يفصح بشفافية لا تقبل المناقشة أن سوريا مقدمة على معارك متصاعدة تنتقل من مدينة إلى أخرى، وإن كانت قاعدتها المدن الأكثر التهاباً اليوم مثل حمص وإدلب. نستشف من احتمال طول أمد هذه المواجهة وسعة ميدانها من عدم ورود أي نص في ذلك الخطاب يشير إلى أن يوم “انتصار النظام قريب”. بل نجد ما هو عكس ذلك تماماً، يتلخص في تهديدات لفظية اختيرت عباراتها بعناية فائقة كي تدغدغ عواطف أعضاء مجلس الشعب وتثير حماسهم، دون أن تقودهم إلى مشروع حاسم مؤكد. ما ينذر بتطور الأمور في سوريا إلى حرب أهلية، هو ذلك التشابه الكبير بين طبيعة الأوضاع فيها اليوم، مع تلك التي كانت سائدة في لبنان في مطلع السبعينات من القرن الماضي، وانفجارها في العام 1975، كردة فعل، لم تنبئ بوضوح عن تلك الحرب على اغتيال معروف سعيد في فبراير 1975، ومجزرة الحافلة التي كانت تقل مجموعة من الفلسطينيين المقيمين في لبنان في أبريل من العام ذاته، ولم تنتهِ حتى بعد خروج الفلسطينيين من لبنان في أواخر العام 1982. أول نقاط ذلك التشابه هو أن سوريا اليوم تحكمها، تماماً كما كانت لبنان، أقلية طائفية وصلت إلى السلطة ممتطية ظهر دبابة عسكرية، ورفضت منذ ذلك التاريخ الذي جاء بتلك الفئة العسكرية البعثية إلى سدة الحكم مشاركة أي من الطوائف أو حتى القوى السياسية الأخرى في إدارة البلاد. وأمعنت تلك الفئة في الوقت ذاته في التمتع بامتيازات مالية واجتماعية كثيرة سلبتها من قوى اجتماعية قائمة، وحرمتها على أخرى هي اليوم في طريق الازدهار والبروز. ثاني عناصر التشابه، هو حاجة إسرائيل إلى ضمان استمرار جبهة الجولان هادئة لا يعكر صفو ذلك الهدوء أية عمليات، مهما كانت شكليتها وصغر تأثيراتها، تضطر إسرائيل بموجبها إلى اتخاذ إجراءات عسكرية تضيف إلى أثقال الحكومة الإسرائيلية أعباءً جديدة غير قادرة على تحملها بفضل تردي الأوضاع الذاتية في إسرائيل، والتي تعبر عنها مجموعة الاحتجاجات على ظروف المعيشة جراء تدهور الاقتصاد الإسرائيلي من جانب، وعدم قدرة إسرائيل على وضع خطة مواجهة مع الخصم العربي، الذي لاتزال رياح التغيير تهب على أراضيه فاتحة المجال أمام احتمالات سياسية متنافرة من جانب آخر. ثالث تلك العوامل، هو النتائج الأكثر احتمالاً التي ستسفر عنها انتخابات الرئاسة المصرية، وهي فوز جماعة الإخوان المسلمين هناك في الانتخابات الرئاسية، الأمر الذي سيمد الجماعة في سوريا بمزيد من الأمل في الوصول إلى السلطة في سوريا، ومن ثم سيصعد من طبيعة الصراع من جانب، لكنه سيثير خلافات قوية داخل صفوف المعارضة من جانب آخر، الأمر الذي من شأنه تفتيت بؤر الصراع وتحويلها من مجرد صدامات بين طرفين أساسيين، كما هو عليه الحال، إلى حد بعيد اليوم، إلى جزر متناثرة من الصدامات غير القادرة على الحسم في ما بين الأطراف المتصارخة، حتى داخل المعارضة ذاتها. سُحب حرب أهلية سوداء تخيم على أجواء سوريا، ندعو الله أن تغير من اتجاهها فتكفي السوريين شر الاقتتال وتوفر عليهم دفع ضرائب باهظة غير طبيعية وغير مطالبين بتسديدها.

مبادئ ولّت ومؤامرة مستمرة

أحمد جمعة
الوفاق وبناتها الأخريات..في كل مرة يتطرق فيها الحديث عن اعادة طرح موضوع الحوار يطلع علينا بعض اعضاء الوفاق بتصريح مفاده التمسك بمبادئ ولي العهد وهي الأرضية للحوار مع ما سمي بوثيقة المنامة وهذا بالطبع يعني العودة الى الدوار، ما يقصده اعضاء الوفاق بأرضية مبادئ ولي العهد هو العودة للاحتقان الذي سبق احداث الدوار ودبر للمحاولة الانقلابية الرثة التي اصطدمت بجدار الفاتح الجماهيري الأول والثاني فسقطت على أثرها كل المبادئ والوثائق والأوراق ولا عودة للوراء إلا من خلال جماهير الفاتح ولن يكون هناك دور ولا مكان للوفاق ولا للجمعيات الاخرى اذا ما جرى اغفال جماهير الفاتح التي هي جدار الصد الوطني ضد أي اتجاه يشم منه التخاذل او التنازل عن مبادئ الفاتح المعلنة في أيام الأزمة والتي على أساسها وقف شعب البحرين وقفته السيادية وغير المعادلة والى جانبه رجل المواقف خليفة بن سلمان مما يلغي كل الجدل حول العودة للوراء والتنازل عن المكاسب والمنجزات الوطنية التي تحققت منذ لحظة اسقاط المؤامرة وحتى اليوم الذي تركض فيه ما تسمى بالمعارضة الى من يلقي لها بحبل النجاة بعدما فقدت كل أوراقها، وبشيء قليل من الصبر والصلابة والتعاطي الذكي سوف تخلع ما يسمى بالمعارضة ملابسها الداخلية قطعة قطعة فقط لو تجفف منابع المسامرات الليلية التي تستحوذ على الخريطة السياسية التي أفقدت الوسطاء دورهم الانحيازي القديم فأقدموا على لعب دور الوسطاء الوطنيين. نقلت نشرة صحفية لما يسمى بالمعارضة فقرة من تصريحات ضبابية فحواها «تمسكت ما يسمى بالمعارضة في مسيرة أمس الجمعة انطلاقاً من دوار جنوسان وصولاً الى دوار باربار (لاحظوا كلها دوارات) بالحوار الحقيقي والصادق والذي ينقل البحرين الى بحرين الديمقراطية والعدالة والمساواة والكفاءة والتنمية» من يستمع الى قادة الوفاق وتصريحاتهم ومن يستمع الى المتحدثين باسم الجمعيات الخمس وهي في ركب الوفاق حيث لم أسمع ولا كلمة بل ولا حرف نطقت به هذه الجمعيات يختلف عما يبدر من الوفاق وبالتالي لا ننتظر جديد بهذا الشأن فكل ما يتردد ويصرح به هو اجترار للخطابات السياسية الركيكة التي لا تنم عن ذكاء ولا دهاء فيمن يكتبها لأنها لا تستفيد من الاخطاء ولا تستفيد من المراجعات لإخفاقات السنوات الماضية وهي اخفاقات تكررت وكادت تصبح ماركة مسجلة. ان مبادئ الحوار من الاهمية بان يتعلم المرء كيف يأخذ قبل ان يخسر؟ كيف يقف في منتصف الطريق ليقطع ثلثي الطريق؟ وكيف يكسب اصدقاء بدلاً من توسيع دائرة الاعداء؟ وكيف تكون النتائج العامة ايجابية بدلاً من ان تكون سلبية؟ فهل عرفت الوفاق طوال المدة الماضية كيف تستثمر مبادئ العمل؟ بالطبع لا لأنها وبالدليل القاطع خسرت اصدقاءها قبل خصومها ولو نظرنا لدائرة العلاقات العامة الوفاقية بالأطراف الأخرى لوجدنا انها انحسرت باتجاه تضيق مساحة الاصدقاء الداخليين والخارجيين وبالتالي تسعى للخروج بأقل الخسائر وتتطلع لمن يلقي لها بالحبل المنتظر وهذا هو سبب الحراك الأخير. الجدل الدائر اليوم في البحرين حول العديد من الموضوعات، وعلى سبيل المثال تصريحات نواب الوفاق السابقين وردود الافعال بشأنها تستدعي الوقوف عندها وتأمل هذه التصريحات وكذلك التصريحات التي ادلى بها الآخرون في هذا المجال والتي تستجدي مبادئ ولي العهد، وكما أوضحت في مقال سابق فقد اعلن ولي العهد بنفسه بأن هذه العناصر كانت مرتبطة بمواقف واحداث وظرف وقد رُفضت في يومها فانتهى مفعولها، فلماذا اعتبارها حبل النجاة للوفاق وبناتها اليوم؟، وبالعودة الى الوراء قليلاً نجد الفترة الأخيرة قد ترددت العديد من التصريحات سواء لجمعيات سياسية او لوسطاء سياسيين وسماسرة علاقات سياسية عامة تتعلق اغلبها بالوضع السياسي العام والعودة للحوار وكان لها من ردود الافعال ما يظهر الفتور في طرف شارع الفاتح الجماهيري بل أن ذلك رفع من سقف التمسك بشروط التخلي عن دعم العنف من قبل الوفاق ورفع درجة الشحن الطائفي والسياسي وخلق مناخ التصلب يذكرنا بما جرى في الشهور الماضية حينما تعلق الأمر بتصريحات وبيانات صدرت حول الحوار وهو الأمر الذي تكرر خلال الشهور الأخيرة ولا مؤشر على حنكة سياسية فيه بقدر ما هو رد فعل لموقف خارجي دولي.

يا وفاق الشعب يريد

سعيد الحمد
بعد أن انتهكت الوفاق حق الشعب وظلت تتحدث باسمه على مدى عام وثلاثة شهور عجاف ولم تكف حتى الان عن ادعائها المزعوم والحديث باسم الشعب.. ليسمح لنا الشعب البحريني ولمرة واحدة فقط ان نخاطب الوفاق باسمه وننوب عنه «إن أذن لنا» للحديث مع الوفاق في هذه المساحة لعلنا نبلغ الوفاق وتوابعها رسالة نتصور انها مهمة وضرورية قبل ان تنغمس الوفاق وتوابعها في البحث عن مخارج للازمة المختنقة التي زجوا انفسهم فيها في لحظة غواية مغرورة بنشوة ضجيج اعلامي خادع مكر بهم بريقه حتى تكشفت الحقائق للناس اجمعين ليجدوا انفسهم في الزاوية الضيقة فيهبوا ابحثا عن مخرج مما هم فيه. ولا يعنينا هنا الوقوف على معالم الطريق والمخرج ولن ندخل في جدل حول هذا الحوار الذي بدأنا نقرأ ونسمع عنه ولن نخدع من الوفاق وتوابعها فقد علمتنا تجربة الانقلاب بمرارتها الكثير وكشفت الوجوه الحقيقية حين سقطت اقنعة التقية وتعرت الشعارات حتى من ورقة التوت.. وما يعنينا ان نبلغ الوفاق وتوابعها من المشاركين في مؤامرة الانقلاب الفاشل أن الشعب يريد هذه المرة ويريد منهم التالي وما يلي. أن تتحلى القيادات الوفاقية وعلى رأسها علي سلمان ونائبه حسين الديهي والامانة العامة بكامل اعضائها مضافا اليها رئيس مجلس شورى الوفاق بشيء من الشجاعة الادبية والسياسية فتقدم استقالات جماعية من جميع المناصب القيادية كونهم جميعا ساهموا بقصد مقصود في الكارثة الوطنية الكبرى كما تسببوا في الازمة الخانقة التي تعيشها الوفاق ويعاني منها اعضاؤها ومنتسبوها ومؤيدوها والمتعاطفون معها كما تعاني منها الطائفة الشيعية الكريمة التي زعموا جورا وبهتانا تمثيلها وادعوا ذلك علنا ما تسبب في معاناة فئات وشرائح شيعية كثيرة كانت ضحية هذا الادعاء الوفاقي الباطل لكنها «تلك الفئات» لم تستطع التبرؤ من ذلك الادعاء الكاذب خوفا من تهديدات الوفاق لها ومن ممارسة الارهاب ضدها فاختارت الصمت المقهور خشية وهلعا من التهديدات بالويل والثبور. والان وبعد ان انكشف الغطاء واصبحت الوفاق في حالة دفاع بعد ان كانت في ذروة الهجوم الانقلابي لا بد وأن تدفع قياداتها ثمن خطاياها التاريخية القاتلة بحق الوطن والمواطنين ولا أقل من ان تقدم استقالاتها وتنزوي بعيدا بعد الكارثة التي كانت سببا رئيسا فيها.. لعل وعسى للمواطنين ان يسمعوا للوفاق شيئا ما بعد ان اخذتها تلك القيادات الوفاقية الى خصومة شديدة من فئات وقواعد واسعة من شعب البحرين فقدوا معها الثقة تماما في كل القيادات الوفاقية وكذلك في قيادات الجمعيات السياسية التابعة للوفاق والتي ظلت قياداتها تبصم على كل ما تصدره الوفاق من بيانات ايام الانقلاب وتسير في ذيلية خلفها الى الدرجة التي فقدت معها هويتها وتلبستها الهوية الوفاقية بامتياز وبشكل فاقع كلف جمعياتها التي كانت ديمقراطية وكانت مدنية الكثير الكثير وفقدت آخر أوراقها في الشارع السياسي وبين الجماهير مما يستدعي منها استقالات جماعية هي الاخرى حتى تستطيع جمعياتها أن تحافظ على البقية الباقية من هوية مدنية ديمقراطية كانت لها قبل ان تبيعها قياداتها مجانا للوفاق. هذا ما يريده الشعب منكم الان ان كنتم يا وفاق وتوابعها تريدون ترميم علاقتكم المتدهورة بالشعب وبالقاعدة العريضة من الجمهور البحريني بل والجماهير الخليجية العربية التي صدمت صدمة أليمة ومريرة في انقلابكم الأسود الفاشل. نكتب هذا الكلام ليس من موقع استعداء ولا نحرض عليكم قواعد كم المتضررة من أسلوبكم في القيادة.. ولكننا نكتبه انطلاقا من الحس الشعبي العام الذي تلمسناه على مدى شهور الازمة من القاعدة الشعبية العريضة التي نتواصل معها وتتواصل معنا في حوارات ونقاشات واسئلة ورؤى وافكار خلاصتها لشيء من الخروج من ازمتكم الخانقة ما ذكرناه انفا متمنين ان تقرأه بعقل النقد الذاتي الذي غاب عنكم لفترة طويلة في استفرادات متعالية مارستموها وكانت تلك نتيجتها الكارثية الكبيرة.. فهلا استمعتم واصغيتم لرأي آخر ليس من دوائركم المغلقة لعلكم تقفون على شيء مما يفكر فيه الشعب؟؟

وماذا عن الأسوأ

إبراهيم الشيخ
إعلان وزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف أمس الأوّل، رفعها دعوى قضائية بطلب حل جمعية العمل الإسلامي لمخالفتها دستور المملكة وقوانينها، في مقابل ترك جمعية الوفاق تسرح وتمرح، شبيه بالقبض على إبراهيم شريف وترك علي سلمان.
قد يكون بالفعل لجمعية العمل الإسلامي من المخالفات الكبيرة ما يستوجب حلّها، لكن السؤال: هل تستوي في الجرم مع ما قامت وتقوم به جمعية الوفاق ورموزها (الدينية والسياسية)، والذي لم يبدأ بالتحريض والتشويه والطعن في خاصرة الوطن، ولم ينته عند المجاهرة بالارتماء في الحضن الأمريكي وممارسة خيانة الوطن «عالمكشوف»!!
طالما تساءلنا، ما هي المعايير التي تتحكّم في القبض على الأذناب المساكين، بينما «الحبل متروك على الغارب» لرؤوس التحريض، يواصلون فرزهم الطائفي، ويجاهرون بعدائهم لهويتنا الخليجية العربية؟!
الوضع للأسف، لا يقتصر على البحرين فقط؛ حيث تعاني الكويت من نفس المصيبة، وفي كلتا الحالتين لا يخفى الدور الأمريكي في توفير الحماية لهؤلاء، كما وفّروا الحماية لعملائهم في العراق من قبل. والمضحك في الموضوع، أنّ الشخوص التي كانت تدير تلك المهازل في العراق، تمّ توريدها إلى البحرين لتمارس ذات الأدوار؟!
نحن في البحرين ننعم بحرية تفوق الكثير من الدول التي تتغنّى بحقوق الإنسان، وبالتأكيد لا نتحدّث هنا عن دول تدوس على حقوق الإنسان كإيران والعراق، والتي تفاخر رموز الوفاق السياسية بتجاربهما السياسية.
صحفيّون وسياسيّون، نمارس حريّتنا في الحديث عن الفساد والسرقات التي تطحن الوطن، ونتحدّث عمّا نراه ويصلنا من أوجه للقصور، ونوجّه رسائلنا الى من نريد في الوطن. لم نجد من يقمعنا، لأنّنا نتحدّث وحبّ الوطن يجري فينا مجرى الدم.
جميع المعارضات الشريفة في العالم تقوم بدورها الوطنيّ في بناء الوطن وتقويمه، عدا من تسمّي نفسها (المعارضة) في البحرين!!
لو جلسنا نجرد سواد وسوء مواقفها تجاه الوطن والشّعب فلن نتوقّف، وليس الحديث عن دورها المخزي في أحداث البحرين فقط، وإنّما حتى مواقفها تجاه المجازر التي يتعرّض لها الشّعب السوري مثالاً وليس حصرا.
فئة منحرفة سياسيا، اختطفت الإرادة الشيعية في الوطن، وسخّرتها لخدمة مشروع طائفي يرفض الآخر ويريد الاستئثار بمصير من يعيش على هذه الأرض الطيّبة، بالضّبط كما يفعل الحزب الإيراني في لبنان.
برودكاست: مثلُ النّظام السوري المجرم كمثل بيت يحترق من دون نوافذ، تحطّمت جميع أعمدته، وبدأت النيران تأكل بعضها بعضاً بداخله.
لا يغرنّكم خطاب السفّاح قبل يومين، فها هو بدأ بتصدير معركته الفاشلة إلى لبنان، لأنّه على يقين بأنّه على وشك الانهيار السريع والمفاجئ.

الناصريون و الساداتيون

عبدالله خليفة
عبر الانقسام في قادة انقلاب يوليو ٥٢ عن مسائل اجتماعية وشخصية متداخلة. الهيمنةُ الفرديةُ للرئيس جمال عبدالناصر عبرت عن حس وطني تقدمي بلا وعي ديمقراطي عميق، وتشكلت هذه الهيمنة عبر السيطرة العسكرية التي جعلت من الرئيس هو الدولة واختصار الشعب.
هي ذاتُها ميراث الفراعنةُ والخلافةُ المطلقة حيث يُصعّد الحاكم ذاته ويعزل الخصوم مزاوجاً بين قرارات اجتماعية نهضوية وأدوات سياسية قد تكون فاسدة.
القراراتُ المفيدة تتآكل مهما كان حجمها، ربما بعض المشروعات العملاقة المفيدة كالسد العالي وامتلاك قناة السويس وغيرهما من المنجزات بقيت نظراً لإنشائها بنية اقتصادية وطنية مستقلة، لكن قرارات الإصلاح الزراعي والتأميمات للقطاع الخاص الصناعي، كانت متناقضةً معرقلة لتطور الاقتصاد الوطني الديمقراطي، فالإصلاحات الزراعية كانت محدودة لم تتمكن من تحرير الفلاحين من الإقطاع وحتى سنة ١٩٦٥ مع ظهور لجنة تصفية الإقطاع من جديد وبرئاسة عبدالحكيم عامر! عبرت عن عدم الجذرية والارتباك التاريخي، أما التأميمات فكانت ضربةً للطبقة الصناعية الخاصة التي كان يجب أن تُطور وتُدعم لا أن يُقضي عليها لتظهر طبقة العقاريين والمقاولين والسماسرة وهي الفرخة التي سوف تحتضن الإخوان لينتشر البيض الفاسد.
هنا نسخ بائس للتجارب (الاشتراكية) فجعلَ هذا من الناصرية شخصاً لا فكراً ولا برنامج عمل تحويلي للحياة.
كان الرئيس يعمق أزمتَهُ كبرجوازي صغيرٍ وسط طرق التحولات العالمية، ومواصلةُ السيطرة كان دافعه الواسع الكبير لكنه يبحث له عن محتويات تجريبية في كل فترة.
المحتويات التجريبية متضادة لا تشكلُ تصعيداً متواصلاً لفئات وسطى وعمالية متقدمة، ولا تراكماً فكرياً ممنهجاً، فمن الهجوم على الشيوعية في الخمسينيات حتى احتضان الاشتراكيين وهم في الزنزانات ومحاصرو الفكر. فالاشتراكية تغدو امتدادا لذاتٍ برجوازية صغيرة تبحث عن البقاء السلطوي وتصعدها في تحولاتٍ اجتماعية تضم الملايين والشركات، مفيدةً معطية للعاملين مكاسبَ مهمة، لكن رأسمالية الدولة تغدو رأسمالية موظفين على السكة التاريخية البيروقراطية العتيقة الحضور في وادي النيل.
إن غياب الديمقراطية والليبرالية والماركسية والعقلانية من تفكير الضباط لا تؤسس ثقافةً عميقة وطنية تتغلغل في الجمهور الطليعي، فالطبقات والفئات تغدو ملحقة ببدلة الضابط، لا متجذرة في المؤسسات والناس والتاريخ والوعي.
لم يتشكل في ذاته التحالف التاريخي الديمقراطي بين العمال والطبقة الوسطى، وهذا هو الفكر والإرث والعصر، بل تشكلت تجريبيةُ رأسمالياتِ الدول الشرقية الشمولية فوق جسدِ الناس، وفي كلِ بلدٍ تبحث عن صيغة تناسب الدكتاتور المحلي وتُركبُ على بلدته العسكرية حتى تحترق.
ولهذا فإن الرئيس- الوطن، الرئيس الذي اختصر الوطن والأمة في شخصه، عليه أن يفكك هذه العلاقة، لأنه لا أحد يستطيع أن يختزل الأوطان في شخصه.
ومن هنا فإن الأعداء ورفاق النضال ساهموا كل من موقعه في هذا التفكيك التاريخي؛ جيش جريح في سيناء يؤشر إلى كارثة المؤسسة العسكرية، وأعضاء مجلس الثورة يتساقطون وتتكشف ملفاتهم المحدودة في فهم العصر والوطن، ويظهر من بينهم شخص آخر نقيض يهدمُ كل ما سبق وكأن كل ذلك التاريخ النضالي البطولي هباء ورماد!
أناس عسكريون اغتروا بمركباتِهم الحربية فصعدوا ثم هبطوا، رافضين في صعودهم وسقوطهم قوانين الحداثة والديمقراطية والعلمانية، في تكوينهم للثورة المؤدية إلى ثروات من تحت الطاولات الاجتماعية، حطموا الطبقةَ الوسطى الصناعية والديمقراطية وتراكم العقلانية الصغيرة العصرية، وخلقوا فئات وسطى من نثار المضاربات، وسيطرة البيروقراطية المجنونة بملفاتها وقوانينها والفارغة من عمل حقيقي.
لا نجحوا مع شرق انضموا إليه ولا مع غرب، وولّدوا قوى غامضة تائهة هي نتاج ذلك النثار الاجتماعي السياسي الذي لم يتجمع على طبقة قائدة قوية بمشروعاتها وثقافتها وإنتاجها، وتبحث عن رئيس بعد أن سد الرؤساء العسكريون الأفقَ من كل شخصية عملاقة بالوعي والإنتاج لا بالعضلات والقبضات والملفات.
وآخرهم راح يبكي وهو يدخل زنزانة هي بحجم ذلك التاريخ وقد هبطَ من سماء الغرور والصولجان.

أمريكا و الوفاق.. حوار بين طرف واحد

عبد المنعم ابراهيم
من جديد تحاول الإدارة الأمريكية إخراج جمعية «الوفاق» من مأزقها السياسي تحت لافتة (الحوار مع المجتمع المدني)، ونحن لا ندري هل تعرف أمريكا بأمر المرجعية الدينية الطائفية وولاية الفقيه التي تحتكم اليها «الوفاق» في كل قراراتها السياسية والأمنية والاجتماعية.. أم انها تعرف ذلك ولكنها تحاول فعل المستحيل لإنقاذ «الوفاق» من العزلة السياسية والازدراء من قبل غالبية المجتمع البحريني (شيعة وسنة) مواطنين ومقيمين؟!
مجلس الوزراء أكد في جلسته يوم الأحد الماضي: (انه في ظل التوجيه والتأكيد الملكي السامي، فإن أبواب الحوار مفتوحة دائما أمام مكونات المجتمع كافة، طالما كان هذا الحوار شاملا للجميع، وفي اطار التوافق الوطني والانفتاح على الآخر من دون أن تستفرد به جهة واحدة).
وهذا يعني وجود اختلاف في الرؤية بين البحرين وأمريكا حول تمثيل (الحوار الوطني) داخل المجتمع البحريني.. فواشنطن تعتبر (جمعية الوفاق) هي وحدها التي تمثل (المعارضة) وهي الناطق الرسمي باسم الشعب البحريني! بينما (البحرين) ترى أن الحوار يجب أن يكون مع جميع مكونات المجتمع المدني وكل الطوائف الدينية.
إذن هناك خلل كبير في فهم الادارة الأمريكية لمن يمثل (المعارضة) في البحرين، أو من يمثل الشعب البحريني.. وحين تختصر ذلك التمثيل في (الوفاق) وأطقم (حزب الله) في البحرين، فإنها تكون قد جلبت لنفسها عداء وخصومة الأطياف السياسية والمذهبية الأخرى، ليس (السنة) فقط، بل عداء قطاع كبير أيضا من (الشيعة) الذين يختلفون مع (الوفاق) والمرجعية الدينية التي تنتمي إليها.. وحين تعتبر (واشنطن) ان المسيرات والمظاهرات التي تنظمها (الوفاق) ومن لفّ لفّها من الجمعيات السياسية الأخرى هي الوحيدة التي تمثل (المعارضة) وتمثل الشعب البحريني، ولا تنضم إلى المسيرات والمهرجانات الخطابية التي تنظمها الجمعيات السياسية الأخرى في (تجمع الفاتح) وفعاليات (تجمع الوحدة الوطنية) فإنها تكون منحازة لطرف واحد فقط في المجتمع المدني البحريني، وهذه المسألة وحدها كفيلة بإفشال أية مساع جيدة لإنجاح الحوار الوطني.
المسألة الأخرى التي يجب على (واشنطن) أن تدركها وهي تخوض الحوار مع (الوفاق) إن غالبية الشعب البحريني (ومرة أخرى شيعة وسنة) صاروا ينظرون الى (الوفاق) بعد أحداث شهر فبراير ٢٠١١ على أنها (صنيعة ايرانية)، واذا كانت (واشنطن) قد قبلت بهذه الصنيعة الايرانية في العراق فإن شعب البحرين يرفض ذلك جملة وتفصيلا.
نصيحة أخيرة لأمريكا.. قبل أن تحاولوا إنقاذ (الوفاق) من ورطتها السياسية، عليكم أن تنقذوا أنفسكم من نظرة (الشك والريبة) التي صار أهل البحرين ينظرون بها إليكم كلما غازلتم (الوفاق) وحدها.

للدولة نقول.. الميزان في صالحكم فلا تقلبوه ضدكم

فوزية رشيد
اليوم وبعد مرور أكثر من عام على المحاولة الانقلابية الفاشلة، لم يعد أمر «المعارضة الانقلابية الراديكالية» مفضوحا بالكامل داخل البحرين والخليج العربي فقط، وانما أيضا دول عربية واقليمية ودولية كثيرة أخذت تراجع نفسها بالتتالي، بما يخص حقيقة تلك المعارضة وحقيقة الأحداث في البحرين، حتى ان أغلب دول الثورات العربية، ومن خلال شباب ثوراتها أو القوى المحسوبة عليها، تبرأت علنا من نسب الحراك الانقلابي الى مشهد ما سمي الربيع العربي.
أما بما يخص الغالبية الشعبية في البحرين، ومن بينها جزء كبير من الطائفة الشيعية، التي لاتزال صامتة تحت ضغط التهديد الوفاقي وبقية الانقلابيين، فإن هذه الغالبية تريد من الدولة بعد ثبوت الوقائع وانكشاف ما وراء الأحداث، أن تعيد الدولة ممثلة في وزارة العدل التفكير والنظر، في شأن كل الجمعيات التي قادت المحاولة الانقلابية، وتورطت في جر البلاد الى أكبر أزمة، لم يكن لها مثيل طوال تاريخها المعاصر التي لاتزال تجر أذيال دورها اللاوطني حتى اليوم، والتي كأحداث لولا لطف الله بنا، لكانت موازين الخريطة الخليجية قد دخلت في فوضى وفتن كبرى، وتحديدا البحرين والكويت والمنطقة الشرقية، ولكانت البحرين قد دخلت مجرى الاختطاف، بالنسبة إلى الأطماع الايرانية فيها بغية احتلالها بمساعدة تلك الفئات ذات الولاءات المرجعية والسياسية والميليشياوية لها وللقوى الطائفية الأخرى.
في مثل هذا الوقت الذي ينقلب فيه الميزان يوما بعد يوم، لصالح الوطن الذي تم تشويهه وتخريبه وتقسيم مكوناته عبر ذلك الحراك الغادر، ولصالح الدولة التي تمت الإساءة إليها أيما اساءة من جانب هذه المعارضة الشيعية الراديكالية، المرتبطة بالأجندة الايرانية والامريكية معا، وتتلقى الدعم المنقطع النظير من كلتيهما أيضا، في مثل هذا الوقت الذي تطالب فيه الغالبية الشعبية (بإسقاط الوفاق وأتباعها ومشتقاتها المتطرفة الأخرى) الذين تنافسوا معا في خضم توزيع الادوار وتبادلها، في إحداث أكبر قدر من الضرر بالبحرين وبشعبها وباقتصادها واصلاحها وديمقراطيتها، تأتي الادارة الامريكية اليوم لتعمل مجددا على (تلميع) الوجه الوفاقي الكالح، تحت مسمى (المصالحة والإصلاح) لكأن أمريكا نفسها مثلا قد قبلت قط حتى مجرد التفكير في عقد مصالحة مع قوى داخلية، ولن نقول «القاعدة»، بل نقول مع قوى داخلية أضرت مثلا بكل الطرائق بالأمنين الوطني والقومي الامريكيين وباستقرارها، بل دخلت في عمليات تدريب «ميليشياوية» من أجل اسقاط الدستور بالعنف والإرهاب، بل تلقت تمويلا خارجيا، وطالبت بالتدخل الخارجي، وعملت على تغيير هوية البلاد وانتمائها، وتبديل اتجاه عمقها الاستراتيجي من الخليج العربي إلى الضفة الايرانية بالطبطبة والبناء على مطلب (الجمهورية الإسلامية) التي رفع شعارها «مشيمع» ومن على شاكلته في الدوار.
ستخطئ الدولة كثيرا هذه المرة، إن أعطت أي نوع من المكافأة أو الثقة في هذه الفئة الانقلابية الضالة، التي تعمل جزافا تحت غطاء الشرعية كمعارضة، لأن المسألة باختصار لدى هؤلاء ليست الإصلاح وليست سياسية وانما هي عقدية ـ سياسية، في اتجاه تنفيذ أجندة مرتبطة بالكيان الايراني وبالكيان الطائفي الخليجي، وأينما وجد، في اطار تنفيذ مشروع تعرف الدولة أكثر منا جميعا، كيف تم العمل عليه وعلى تنفيذه، وكم من عشرات السنين استغرق بين محاولة انقلابية فاشلة وأخرى وصولا إلى محاولة الانقلاب الأخيرة في العام الماضي، واسترضاء العملاء هو في حد ذاته مشكلة حقيقية.
والذين يتوهمون تغيير الطموحات أو الأطماع الايرانية أو تغيير مسار الدور الذي يلعبه «الانقلابيون» باعتبارهم الادوات الداخلية والخدم لتلك الطموحات الاستعمارية، والذين يتوهمون أيضا امكانية تغيير المشروع الامريكي المنفلت في كل الوطن العربي كالثور الهائج، نقول لهم: كفاكم ضحكا على النفس، ولا يغرنكم التغير التكتيكي في لغة المخاطبة الامريكية، لأن محاولتها لدس «الوفاق» مجددا وتمكينها سياسيا، بعد أن سقطت ورقة التوت عنها، هو مؤشر قوي على ان الجانب الامريكي لايزال يراهن على هذه المعارضة الراديكالية الشيعية بتلوناتها وتوزعات أدوارها كافة تحت غطاء الشرعية السياسية للوفاق التي تستغلها أيضا الإدارة الامريكية وتبتز الدولة بها، من أجل تمكينهم تحت لافتة «المصالحة والإصلاح» التي رفعها أحد كبار قادة الأمن القومي الامريكي مؤخرا، للبدء بالشوط الذي انتهى بانقلاب الميزان، ضد تلك المعارضة الراديكالية، لتعديله ليكون مرة أخرى في صالحها وصالح الدور المشبوه الذي تقوم به في البحرين.
آن الأوان لكي تفلت البحرين رقبتها ورقبة أبنائها المخلصين والشرفاء، من قبضة الضغوط والطموحات والمشاريع والاطماع سواء الامريكية او الايرانية، ومن قبضة هذه الجمعيات السياسية التي استغلت الديمقراطية والإصلاح والحريات أسوأ استغلال. الميزان في صالحكم وكل يوم تنكشف أمام العالم كله حقيقة هذه المعارضة فلا تقلبوه بأيديكم ضدكم فلا حوار مع العملاء والخونة، هذا ما يقوله كل الشرفاء في البحرين.

لا حول ولا قوة إلا بالله

بثينة خليفة قاسم
كلما حاولت أن أبتعد عن الشأن المصري لبعض الوقت شدتني الحوادث مجددا إلى هناك، فكل يوم يأتي جديد يستحق أن نتناوله في هذه الفترة العصيبة التي تمر بها مصر وشعبها.
أما الجديد الذي شدني هذه المرة فهو قيام الدكتور يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين بممارسة الدعاية الانتخابية لصالح مرشح الإخوان المسلمين للرئاسة المصرية في برنامج (ديني) على قناة الجزيرة القطرية، بشكل يدعو للصدمة من وجهة نظري، فالشيخ القرضاوي قيمة كبرى وله من القداسة والاحترام ما يجب أن يجعله ينأى بنفسه عن هذا الانخراط الواضح والمباشر في الدعاية الانتخابية، فلماذا فعل الشيخ ذلك؟
من الطبيعي أن يميل الإنسان إلى أيدولوجية معينة أو فرد معين ويرى الخير في هذا الحزب أو ذاك نتيجة لما قرأه أو علمه عنه أو نتيجة برنامج انتخابي قدمه، ومن الطبيعي أن يذهب الشيخ كما يذهب غيره إلى صناديق الانتخاب، إذا كان يحمل الجنسية المصرية حتى الآن، ولكن ليس من الطبيعي أن يستخدم الشيخ الدين ويستخدم مكانته الدينية لدى الناس في تأييد مرشح معين، وكأن هذا المرشح مؤيد من قبل الله سبحانه وتعالى والرسول عليه الصلاة والسلام دون غيره من الناس.
هل يعلم الشيخ الغيب ويعلم أن أحمد شفيق، المرشح المنافس لمرشح الإخوان المسلمين، سيكون حاكما فاسدا؟ وهل يعلم الشيخ في المقابل أن مرشح الإخوان المسلمين الذي أيده على شاشة التلفزيون سيكون حتما حاكما صالحا يفعل ما يرضاه الله والناس طوال حكمه؟
لنفترض أن أحمد شفيق كان وزيرا في عهد النظام الذي سقط، فهل هذا يجعل الشيخ على يقين تام أنه فاسد وأنه لا يصلح؟ ألا يمكن أن يصبح هذا الرجل في المستقبل حاكما صالحا يأخذ بلاده نحو التقدم والازدهار ويحقق العدل فيها بعد أن رأى مصير من سبقه؟
أنا لا أمارس الدعاية لصالح أحد المرشحين كما فعل الشيخ، ولكنني شعرت بحزن شديد عندما رأيت الشيخ الذي أحترمه يستخدم برنامجا دينيا للدعاية لرجل معين لأن هذا الرجل ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين!
لابد أن نبدي انزعاجنا من استخدام برنامج ديني، على فضائية تزعم الحياد، في الدعاية المباشرة لمرشح معين والإساءة إلى الآخر على لسان شيخ له من القداسة والاحترام ما يؤثر على عقول وقلوب بسطاء الناس ممن يجلون هذا الشيخ!
إنني أقول لفضيلة الشيخ القرضاوي بكل شجاعة إن ماضي الإنسان وصورته التي يقدمها لنفسه أو يقدمها عنه الآخرون خلال الانتخابات ليست دليلا على صلاح هذا الرجل وليست دليلا أيضا على صلاحيته للمنصب الذي يسعى إليه.
ألا يتذكر شيخنا الجليل قصة النائب البرلماني المتدين صاحب اللحية الكثة الذي ينتمي إلى حزب إسلامي آخر والذي انتخبه الناس لأنه متدين وذا لحية، والذي أجرى عملية تجميل لأنفه المعووج، ثم خرج ليكذب على الناس ويقول إن مجرمين كسروا أنفه وسرقوا ماله!!
زبدة القول إن رجال الدين من ذوي المكانة والاحترام مثل الشيخ القرضاوي يجب ان ينأوا بأنفسهم عن لعبة الانتخابات وأن يمتنعوا عن الدعاية لمرشح بعينه في العلن، لأن الله وحده هو الذي يعرف الصالح والطالح، والله تعالى قال “فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى”.
وإذا كان الله قد منعنا من تزكية أنفسنا، فهل من الجائز أن يزكي الشيخ مرشحا معينا في برنامج ديني؟

علينا أن نعي الدرس.. فخيانة البحرين ديدنكم

أسامة الماجد
سنكون على خطأ كبير إذا اعتقدنا أن خونة الوطن من “هواة السفر” والتنقل سيكتفون ببث أكاذيبهم وتلفيقاتهم على البحرين في دول أوروبا فقط.
أبدا... فهؤلاء الشرذمة والعملاء سيلفون الكرة الأرضية لتشويه سمعة بلدنا طالما ملالي طهران يدفعون لهم كامل المصاريف.. إنهم يحملون خريطة العالم في أيديهم ويختارون المناطق التي يعتقدون أنهم يستطيعون تمرير أكاذيبهم بسهولة، دولة تلو الأخرى، بعد أوروبا سيذهبون بكل تأكيد إلى أفريقيا ومن ثم إلى مناطق أخرى دون حياء أو وخزة ضمير.. فالخيانة تجري في دمائهم منذ الصغر!!
مازحني صديق قبل فترة وقال لي بأنه سيأخذني معه إلى البرازيل لحضور نهائيات كأس العالم عام 2014.. وطلب مني أن أستعد لإجازة طويلة.
جلست بعدها في المكتب وقلت في نفسي، بحريني في البرازيل.. إنه شيء جميل، سآخذ كل ما أستطيع أخذه عن البحرين من كتب سياحية وعن العادات والتقاليد، وعن تطورنا الاقتصادي والمصرفي، وريادتنا في التعليم والمسرح وفي كل شيء، المهم أن أعرف البحرين للاتينيين الذين لا يعرفون عنها شيئا. وفي الوقت نفسه انتابني شعور بأن الخونة لن يتركوا البحرين في حالها. بل من المؤكد أنهم سيحاولون الوصول إلى تلك التظاهرة الرياضية العالمية من أجل تشويه سمعة بلدنا، فهم يعرفون أن أنظار الكرة الأرضية ستتجه ناحية البرازيل في العام 2014. إنهم يفعلون كل شيء طالما ماما طهران تدفع لهم!!
بصورة عامة نحن لا تربطنا علاقات كبيرة مع دول أميركا الجنوبية، ويخيل إلي أن الوقت حان لزيادة التمثيل الدبلوماسي للبحرين في أميركا الجنوبية، تمثيل يواكب التطورات التي أفرزتها الأحداث الأخيرة.
ففي الوقت الذي نجد فيه لإيران “عدونا الأول والمحرك الأساسي للخونة” بعثات دبلوماسية منتشرة في أرجاء تلك القارة، لا نجد بالمقابل للدول الخليجية والبحرين على وجه الخصوص تمثيلا كافيا. حتى ان كان هناك تمثيل سيكون جهدها قاصرا وتمثيلا متواضعا.
لقد استطاعت إيران ان تنسق جهودها في أميركا اللاتينية وتنطلق في الصعيد الاقتصادي والتكنولوجي وربما العسكري، فهي تستفيد من أخطائنا وتقاعسنا وتحاول ان تهدم ما نبني وتقوضه، واستطاعت بمكر وخبث أن تروج هناك انها بلد محب للسلم وللصداقة، ولكن دول الخليج العربي تريد الضرر بها. ولا نستبعد إلصاق التهم بالإنسان العربي والخليجي في انه محب للهدم ولا تقوم شخصيته على ثقافة راسخة أو عقيدة ثابتة.
هذه الصورة عنا من المؤكد انها تدور في بعض بلدان أميركا الجنوبية، كيف لا وهم “أي إيران” قد تصدوا منذ فترة للتراث العربي وراحوا يشوهون القيم الحضارية التي أبدعها الفكر العربي ورعاها عبر العصور.
والعجيب اننا في دول الخليج لم نلتفت إلى هذه الظاهرة الخطيرة الهدامة التي باشرها نظام الملالي الوقح وأعوانه من الصهاينة، فالزمرة الحاكمة في إيران فعّالة في كل ميدان وفي كل شبر من الكرة الأرضية خدمة لمشروعها الصفوي القذر، ونحن لا نعرف لغاية الآن عن دول أميركا الجنوبية إلا كرة القدم فقط، بل وتخيلوا أن الكثير لا يعرف من تلك القارة سوى البرازيل والأرجنتين!!
صدقوني عملاء إيران لن يتوقفوا في يوم ما عن خيانتهم للبحرين، طالما “حنفية الدولارات” مفتوحة، وعلينا اليوم ان نعي الدرس الأكبر الذي تعلمناه خلال الأزمة، وأن نعرف حقيقتهم وما يفعلونه في الخارج ضدنا، واضعين نصب أعيننا خريطتهم، حاسبين لها حسابها من كل طرف وزاوية، لكي نستطيع ان نجابههم ونصد أخطارهم وأخطار من يحركهم.
ان نظرة سريعة إلى ما قد حصل للبحرين من خيانة عظمى من قبل البعض، كان حريا بنا أن نفتح أعيننا على الحقيقة الرهيبة، الحقيقة التي تتلخص بأن التاريخ لم يعرف في أحقابه المتطاولة خيانة اكبر وأشنع من خيانة هؤلاء الذين جندتهم إيران للنيل من سمعة بلدهم.

مجلس الشعب السوري وسنن التدافع

عبدالله الكعبي
بكثير من العطف وشيء من الشفقة تابعت خطاب رئيس النظام السوري وهو يفتتح دورة جديدة من دورات مجلس الشعب الذي يبدو أنه لا يمثل سوى أركان النظام وبعض الأذناب الذين وصلوا كما يقال إلى كراسي المجلس عبر التصويت الحر والمباشر. بشار وهو يفتتح أعمال المجلس حاول أن يعيش أجواء ذلك المساء من عام 1999م عندما قرر نفس المجلس وفي ظرف نصف ساعة فقط تغيير دستور سوريا بكاملها وإلغاء تاريخها وراء ظهره عندما عدل البنود التي كادت أن تمنع بشار من حكم سوريا ووراثة أبيه المؤسس الجديد لهذه الجمهورية الديمقراطية.
الوعود التي حاول بشار في بداية عهده أن يلمع بها صورته التي كان من المفترض أن لا تشبه صورة والده سيء الذكر، ذهبت أدراج الرياح عندما واصل السير على درب الفساد السياسي والإداري والمالي وأورد سوريا موارد الهلاك وحولها من قلعة للصمود والتصدي إلى مجرد أرض مشاع لكل الطامعين في التمدد والتوسع وأيضاً سوراً حصيناً لحماية العدو الإسرائيلي مع الإبقاء على خط الفقر الذي أصبح كل السوريين يعيشون دونه.
عند وفاة الأب بشكل مفاجىء واستلام الابن للسلطة بتلك الطريقة التي رسمها المجلس الذي استخدم صلاحياته في تمثيل الشعب أحسن تمثيل، لم يكن ممكناً قياس ردة الفعل الشعبية على ما جرى من مهازل صاحبت تغيير بنود الدستور وفرض الخليفة الجديد بقوة السلاح وليس القانون. الامتعاض المصحوب بالغصات والحسرات هو أقصى ما كان يملكه الشعب السوري للتعبير عن تلك المأساة، فلم يكن بالإمكان في ذلك الوقت التعبير بالطرق التي أصبحت اليوم متوفرة. وبالرغم من ذلك كان بإمكان حزب البعث السوري الحاكم أن يستغل الفرصة ويجدد بنيانه الذي كان من الممكن أن يصمد أكثر مما هو عليه الآن. فسنة التدافع التي كان بالإمكان تطبيقها على الحزب ولو بصورة محدودة كانت ستضمن للحزب سنوات إضافية لم يعد بالإمكان توفيرها اليوم. غير أن النظام السوري في ذلك الوقت لم يكن ليتقبل رئيساً من غير عائلة الأسد نظراً لارتباط مصالح كل أعضاء الحزب وليس السوريين بتلك المنظومة التي سيؤدي تداول السلطة فيها ولو كان على النطاق الضيق إلى تحول ديمقراطي قد يجرهم إلى ما لا يحمد عقباه.
الأسد الذي وقف أمام مجلسه الخاص المسمى بمجلس الشعب لم يكن بذلك العنفوان الذي كان عليه حتى في أيام الثورة الأولى، فالهزال والتعب والإرهاق والخوف كان مرتسماً على تقاطيع وجه الشاحب الذي ينذر بمستقبل مظلم للحزب الحاكم ولكل أعضاء المجلس الذي يسمى تجاوزاً بمجلس الشعب.
ما قاله الأسد في خطابه لم يلامس ما يجري على أرض الواقع وهي السمة التي تحلى بها كل الطغاة الذين رفضوا رفضاً قاطعاً الاعتراف بما يجري أو حتى النظر في الحلول التي يمكنها أن تعطي كل ذي حقاً حقه مع الاحتفاظ بهامش ولو صغير من الربحية من مثل النجاة من القصاص أو الاحتفاظ بالأموال المنهوبة التي تغص بها البنوك الغربية أو على أقل تقدير الدعوة لحوار حقيقي مع الشعب الذي يجب أن يجلس ممثلوه على المقاعد التي يشغلها اليوم العملاء والشبيحة.
اعتقد أن الأسد لو كان رئيساً حقيقياً ومنتخباً من قبل الشعب لما رضي على نفسه أن يقف مثل ذلك الموقف المخزي ولما تكلم بذلك اللسان الأعجمي الذي لم تكن من بين مفرداته أي كلمة عربية مفهومة بالرغم من وقوفه على منبر عاصمة اللغة العربية الأولى. فالشارع الملتهب والتظاهرات اليومية المستمرة والقتلى الذين يسقطون بالمئات في كل يوم، لم يلهموا الرئيس ولم يكونوا حاضرين في خطابه الذي واصل فيه التوهم بمستقبل زاهر لسوريا والسوريين الذين عليهم وعلى حد تعبيره التصدي للتدخل الأجنبي والقضاء على المؤامرة التي يقودها بعض الإرهابيين في الوقت الذي تناسى فيه كل عمليات الإرهاب التي ترتكبها مليشياته وعملائه وشبيحته والتي لم ينجوا منها طفل ولا امرأة ولا شيخ ولا حتى المباني التي تحول معظمها إلى أثر بعد عين.

يا أطفال الحولة.. اعذرونا

محمد المحفوظ
طوال الأيام السالفة كنتُ غارقا في الحزن ومكتظاً بالأسى وفي الوقت ذاته غير قادر على تصور هول الفاجعة فضلا عن استيعابها. وشعرتُ أنّ الكلمات تهرب منيّ. ولكم يؤلمنا أنّ كارثة مزلزلة بحجم اطفال الحولة تعجزنا عما نريد التعبير عنه وايصاله وشرحه فتخوننا الكلمات وترتعش الحروف وتخذلنا في التعبير عن مكنون الذات فنكتفي بملامسة الجرح والاختزال دون الاطالة.
الجريمة المروعة بالحولة لم تجعلنا فقط عاجزين عن الكتابة بل حتى من الكلام وهل هناك مصيبة افدح من هذه المصيبة. يا إلهي.. كيف لمن يزعمون انتماءهم للجنس البشري يقدمون على اقتراف جريمة مروعة بهذا الحجم من الوحشية. هذه المرة المستهدفون (الاعداء) لم يكونوا في يوم ما قد اقدموا على تصفية خصم لهم أو تفخيخ سيارة أو تآمروا على شخص الزعيم أو مؤامرة على قلب النظام بل لم يكونوا طرفا في الخصومة بل حتى لم يشتركوا في مسيرة أو مظاهرة سلمية أو غير سلمية بل كانوا غارقين في عوالمهم الملائكية ولعبهم. ونسبة من قضوا في الجريمة من هؤلاء الاطفال بلغت على اقل تقدير زهاء خمسين طفلا ذهبوا في ليل حالك السواد.
إنّ موت هذا العدد من الاطفال على ايدي عصابات الموت والدمار بل الذئاب البشرية أكدّ لي حقيقة لم أكن على علم بها وهي انّ الظاهرة المعروفة بمصاصي الدماء الذين كنا نتفرج عليهم في السينما طوال سنوات لم تكن لعبة سينمائية أو من خيال الكتاب بل هي حقيقة تجسدت امام اعيننا بكل فظاعتها وخستها. هذه الكائنات الذين كنا نعتقد أنّها شخصيات ميثولوجية اتضح أنّ هناك من يفوقونهم في البشاعة والرعب والاجرام ممن ينتسبون الى بني البشر.
إنّ الموت ذاته امام هذه المخلوقات الطاهرة الوديعة الرقيقة يخجل الاقتراب منها وأتصور أنّه اذا ما أطل في وجوههم التي تفيض براءة وعذوبة وجمالاً فانّه ينسحب بهدوء! حتى كأنّ الموت يتحول في حضرتهم الى كائن من طراز مختلف فكيف بهؤلاء الاشرار الافاقين لم يخجلوا من فعلتهم النكراء التي تكاد السموات ان تفزع وتنفطر منها وتخر الجبال هداً؟
في كل بلاد الدنيا تحتدم الخلافات بين الاطراف المتصارعة وتتعقد الآراء وتتشابك لكنهم في نهاية المطاف يجلسون على طاولة الحوار ويبحثون عن مخارج مقبولة من الطرفين الاّ في عالمنا العربيّ فإنّ الاختلافات تتحول الى خلافات وكل فريق لا يتورع عن استخدام ما يتوفر لديه من اسلحة ولا تحل الخلافات الاّ على طريقة فتح الجمجمة أو فتح القبر بتصفية الخصم وسحله لكي تفرغ الساحة للشخص الواحد والرأي الاوحد ولكي يصول البطل ويجول منفرداً.
كثيرة هي الجرائم التي نفذت في طول الوطن العربي وعرضه وكثيرون هم عدد الابرياء الذين ذهبوا ضحية لأعمال الحمقى والمأفونين لكنّ ما حدث في الحولة السورية هو عمل خارج الدين والعقل ولا يتفق مع المنطق ولا تقره كافة الشرائع السماوية والوضعية. وكم هو صعب الاقتراب من عالم الطفولة ولعله من اصعب المهمات على الاطلاق لما ينطوي عليه عالم الطفولة من طهر ونقاء وبراءة. ولأحد الكتّاب مقولة معبّرة في هذا المجال مفادها “ انّ موت الاطفال مثل موت النجوم ومثل موت البجع الابيض ومثل موت الاسماك الملونة يخلع النفس ويطفئ ضوء الشمس.. واذا كان موت الاسماك الصغيرة هو مأساة لا يحتملها البحر فإنّ الايمان بمن خلق البجع والسمك والاطفال يبقى حبة الفاليوم الوحيدة التي نلجأ اليها لقهر مواجعنا.
وفي ضوء الفاجعة الاليمة التي هزت كياننا واقتلعتنا من الجذور تكشفت لي حقيقة ثانية وهي أنّ العرب اليوم ليسوا اكثر من دُمى في مسرح العرائس تحركهم ايدي الأمريكان كيف يشاؤون تارة وايدي الروس تارة اخرى. واذا اشار المخرج الاميركي فما علينا الاّ ان نقول سمعا وطاعة سيدنا. وليس بالضرورة ان يقنعنا الدور بل ان يرضي غروره واطماعه هو.
ويا أطفال الحولة اعذرونا فالعرب تحولوا الى موتى ويا أيّها الاحبّة الصغار سلاما.