Sunday, May 27, 2012

يضربون الدولة بأموال الدولة

هشام الزياني
في هذا التوقيت المهم من مرحلة ما بعد العملية الانقلابية الفاشلة، يتوجب على الدولة أن تقوم بجملة مراجعات كبيرة لسياسات الدولة وللأموال التي تذهب إلى معاول الهدم التي لا تريد للدولة الإصلاح ولا التقدم، إنما تريد الانقلاب. إذا كان صحيحاً ما ذكره النائب عبدالله الدوسري من أن الانقلابيين ذهبوا إلى جنيف بأموال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وهذا يعني أن أموال البحرين تذهب إلى البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، وهذا البرنامج يعطيها للانقلابيين ليعملوا ضد البحرين، إن كان هذا صحيحاً فإنها كارثة حقيقية. كارثة تشبه كارثة الأموال التي تعطيها الدولة للوفاق من أجل أن تفعل كل ما تفعله خارج إطار القانون، بل وتمول أيادي الإرهاب وقطع الطرقات والمولوتوف، وكل ذلك دون أن يتم إيقاف الدعم عن الجمعيات الإرهابية. لتسمح لي الدولة؛ هي أدخلتنا النفق المظلم، وكانت على وشك تضييع أهم ركائز بناء الدولة البحرينية على أسس العلم ودون طائفية، حين سلمت وزارة التربية لمن يعمل ضد البحرين، وكان هذا بخراب سنوات طويلة. اليوم الخراب ليس في منصب مدير البعثات، إنما الخراب من الداخل في طائفية تزوير الدرجات “رفع أناس، تهبيط معدل آخرين” كل ذلك يحدث الآن من الداخل، والتربية تتفرج، فحين يضيع التعليم يضيع مستقبل البحرين، ويحدث لنا كما حدث في 2011 إضراب وعصيان مدني بأمر الولي الفقيه فتشل البلد من بعد أن سلمت الدول كل الوزارات لمن يريد الانقلاب عليها في اللحظة الحاسمة. أعود لموضوع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة الذي قال عنه النائب الدوسري إنه مول الانقلابيين للذهاب إلى جنيف، وبالتالي هو يمول كل تحركاتهم ويمول أنشطتهم ضد مملكة البحرين. ألا يحتاج ذلك إلى وقفة من الدولة؟ ألا يحتاج إلى مساءلة الأمم المتحدة عما تفعله، هل هو قانوني، هل هو شرعي هل هو مقبول دولياً، هل هو ضمن مواثيق الأمم المتحدة؟ هل ينقص الانقلابيين الدعم؟.. هم يتلقونه من إيران ومن الدول الكبرى ومن دول خليجية والآن الأمم المتحدة تمولهم..! هذا ما نطلبه اليوم من الدولة، عليكم أن تقوموا بسلسلة مراجعات للسياسات للتمويل الذي يضرب الدولة، هل نحن مغفلون، نعطي الأموال لمن يضربنا..؟ هل الدولة في غفلة لدرجة أنها تعطي البعثات الكبيرة والدراسات العليا، لمن يتظاهر ضدها في بريطانيا وفي أمريكا وفي مصر، أيعقل أن تفعل ذلك دولة ما في العالم مهما بلغت من الديمقراطية؟ اليوم نقول إن كلية المعلمين هي إحدى بوابات الدخول مباشرة إلى وزارة التربية والتعليم، من الذي تصرف عليه الدولة الأموال من أجل أن يصبح معلماً غداً وبعد غد؟ هل الدولة مازالت في غيبوبة لتسلم نفسها بنفسها وتقول لماذا حدث لي هذا بعد ذلك؟ أنت من فعلت بنفسك، لم يفعله بك أحد، كلية المعلمين، بوليتكنك، معهد البحرين للتدريب، كلها تحتاج إلى سياسات وطنية، فأهلاً ومرحباً بكل معلم ومعلمة يعملون من أجل البحرين ويحبون أهلها، ويدرسون الأطفال من غير طائفية، من غير تزوير للدرجات على أسس طائفية، أهلاً بهم من أي طائفة وملة ودين، لكننا لا نقبل أبداً أن تكون الدولة في غفلة وتنفق الأموال بسخاء في البعثات وفي كلية المعلمين على من يطأفنون التعليم ويخربون عقول الطلبة والطالبات بدس السم في العسل. متى تصحو الدولة.. متى نشعر أن القانون يسود؟.. متى نشعر أن ميزان الوطنية هو ميزان موجود فعلاً، في كل الوزارات، وفي كل المؤسسات؟.. لا أعلم.

عجل الله فرجه

فيصل الشيخ
أعتقد بأنها المرة المائة التي نتحدث فيها عن غياب التخطيط الاستراتيجي للدولة على شتى الأصعدة، والذي هو أساس ما نعانيه من مشاكل بل حتى مصائب. نقول بأن التخطيط الاستراتيجي “غائب” لأننا نلمس آثار ذلك على الأرض، نجد كثيراً من الدلائل التي تقود إلى قناعة بأن “العشوائية” و“الارتجال” هي الأساس الذي تبني عليه مختلف منظومات الدولة استراتيجياتها. صدقوني البحرين بحاجة لوزارة رفيعة المستوى معنية بـ “التخطيط الاستراتيجي” ترسم ملامح العمل وتلزم بها القطاعات المختلفة بعد مناقشة مستفيضة معها، وأقول هنا وزارة لا هيئة، لأن مفهوم الهيئات لدينا أصبح مفهوماً مخيفاً، ومن يتابع الوضع الحالي يدرك تماماً ما نعنيه. أبسط مثال على التخطيط الاستراتيجي هو ما يرتبط بإبراز المشروع الإصلاحي لجلالة الملك الذي بدأ منذ أكثر من عقد من الزمان. تخيلوا أننا وصلنا إلى مرحلة بالأخص بعد الأزمة تتحدث فيها كثير من القطاعات الرسمية في محافل دولية ولوسائل إعلام عالمية بخطاب هدفه بيان أن لدينا في البحرين مشروعاً إصلاحياً، وأن لدينا حقوق إنسان، ولدينا حريات، ولدينا نهضة وتنمية، ولدينا ولدينا الكثير. الحديث يتم بطريقة يتلقاها المستمع وكأنه يسمع عن هذه الأمور للمرة الأولى، وبعضهم لا يصدق أن كل هذا موجود أصلاً في البحرين، لأن الفكرة ترسخت في ذهنه بأننا دولة غير ديمقراطية ولا إنجازات تحققت في مجالات مهمة وحساسة كالحريات وحقوق الإنسان. طبعا تدركون بأن النظرة الغربية لا تعكس الواقع أبداً، لكنها لم تتشكل إلا حينما غاب التخطيط الاستراتيجي لتقرير أفضل الطرق لإبراز المنجزات البحرينية وبيان مكاسب المشروع الإصلاحي منذ انطلاقته، مقارنة بالأداء المحموم الذي يُبذل على الضفة الأخرى لتشويه صورة البحرين خارجياً أكثر وأكثر. يحز في النفس أن نتحدث للعالم اليوم لنذكرهم بأن هناك ديمقراطية ترسخت في البحرين منذ أكثر من عقد، ويحز في النفس أكثر حينما تكون ردة فعلهم بالتفاجؤ باعتبار أنهم لا يعرفون كل ذلك، يعرفون الفورمولا واحد وأنه تقام جولة من جولاتها في البحرين لكنهم لا يعرفون أن البحرين دولة لديها كل مقومات الدول الحديثة الناهضة. الخلل هنا في طريقة التخطيط لأي مشروع، في طريقة إبرازه إعلامياً وتوصيله لمعرفة العالم الغربي. أهناك خلل في إعلامنا؟! نقول نعم وهو ليس وليد اليوم بل هو موجود منذ سنوات. أهناك خلل في طريقة الإعداد لأي مشروع؟! نقول نعم، لأننا نعمل وكل همنا الداخل، متناسين أن نظرة الخارج مهمة أيضاً؟! ضربت مثالاً بشأن أكبر إنجاز بحريني تحقق على يد ملك البلاد حفظه الله، والذي من المفترض أن يكون قد وصل للعالم واستوعبه بتفاصيله ودقائقه منذ السنوات الأولى، لا أن نأتي الآن وكأننا نذكر الناس بأن كل ما يقولونه وكل ما يوصون به على هيئة توصيات واقتراحات موجود أصلاً في البحرين ومنذ سنوات. خذوا أمثلة أخرى على ضعف التخطيط الاستراتيجي، الإسكان أبلغ مثال، تعاقب الوزراء على الوزارة وعدم وجود خط ثابت يسيرون عليه، كل يأتي باستراتيجية جديدة تنتهي بزوال المؤثر، إضافة للتقلبات في القرارات، نتحدث يوماً عن بيوت ذكية، بعدها نلغي الفكرة، نتكلم عن أسبقية الناس في القوائم، ثم نعلن وجود مشكلة قوائم الانتظار ومشاكل في التوزيعات، نتحدث بأرقام ووعود، لكن الواقع يختلف. الرؤية الاقتصادية تحدثت عن رفع مداخيل الناس بطريقة مطردة على امتداد العمر الزمني لتحقيقها، لكننا إلى اليوم نبحث عن آلية صحيحة لتحقيق ذلك في ظل المتغيرات. تحدثت عن وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، ومازلنا نبحث عن تطبيق كامل لهذه النسبة فنستغرب من نتائج البحث. حتى ونحن نواجه اليوم أخطاراً خارجية، وحملات إعلامية تستهدف البحرين، مازلنا نعاني من غياب استراتيجية للتحرك نواجه بها كل ذلك بحصافة، ونعمل بموجبها بحرفية للدفاع عن البحرين. كل ما نراه ونحسه على مختلف الأصعدة هي اجتهادات يشكر عليها أصحابها ولن نبخس حقهم، لكن بعضاً منها لا يتلاقى في الهدف العام، بل للأسف يتصادم مع بعضه البعض، حتى بتنا نحتار من المشهد، إذ هل لدينا كانتونات يصارع بعضها بعضاً لبيان أن المنقذ والبطل فلان أو علان، عوضاً عن جهود جهات يفترض أن تتلاقى لتحقيق هدف واحد. تريدون لكل ذلك أن يُحل، خططوا كما تخطط الدول المتقدمة، ضعوا خططاً استراتيجية فاعلة، طبعاً الآن بعضهم يفكر بأسلوب عقدة الرجل الأجنبي باعتباره أفضل من يفكر ويخطط وهذه أيضاً كارثة، لدينا من أبناء هذا الوطن من المخلصين من يعملون بإخلاص لوطنهم لا لذواتهم، لديهم القدرة على التفكير والتخطيط ويمتلكون النظرة البعيدة. كل ما نحتاجه جهة تخطط استراتيجياً للبلد وتلتزم بخططها كل القطاعات وتعمل وفق منظومة واحدة دون السماح بأي قطاع أو أي مسؤول أن يغني وحده خارج السرب. شعوبنا العربية غريبة، تدرس أموراً رائعة، من ضمنها التخطيط الاستراتيجي، لكن حينما تأتي لتطبق ذلك على أرض الواقع، يتبخر كل شيء وتواصل العمل بأسلوب العشوائية والارتجال، وتفكر وفق مدى زمني ضيق ومحدود لا تأثير دائم له على المدى البعيد. التخطيط الاستراتيجي لدينا موجود فقط على الورق، أما على الواقع فندعو أن يعجل الله فرجه!

لماذا لا نملك أحزاباً وطنية

أماني خليفة العبسي
من الصعب إحداث تغيير في المجتمعات دون تغيير الأفكار، ومن هنا انطلقت عملية التغيير منذ عقود لتحويل المجتمع البحريني لما هو عليه اليوم، والأساس الذي اختير ليكون دعامة التغيير للأسف هو الدين والمذاهب، ماتت أو ضعفت التجمعات التي تتسم بسمة الوطنية والبحرينية، وسادت الأخرى المذهبية واكتسحت. ونواة حزب واحد مذهبي صارت حركة سميت شعبية وتجرأت لتعلن نفسها كحركة ديمقراطية، وها نحن نقف على مسافة ما من النموذج العراقي واللبناني، الكيانات المحكومة عن بعد من مركز التحكم في طهران والمحاصصة الطائفية وإهدار الوقت والطاقات والإمكانات على عراك مذهبي بغيض مستمر لا نهاية له، وكل هذا نعرفه ونعرف أصله، فهو ماركة فارسية مسجلة راجت وعمقت جذورها في أوطاننا. لم تعد الجماعة عندنا حتى تخجل من التصريح بهويتها وهواها، تخونها الكلمات حين يطلب منها إدانة تصريح إيراني مستفز أو التحدث عن مسمى الخليج العربي، وترفض احتمالات تطور العلاقات بين دول الخليج إلى اتحاد، حالنا حال البشر في كل أصقاع الأرض. فالعالم يبني كيانات كبيرة تسود وتملي شروطاً وتحصد امتيازات اتحادها، ونحن بمجرد التفكير في ذلك نكون قد تعدينا الخطوط الحمر وانتهكنا السيادة والاستقلال والأمن الوطني ودخلنا منطقة المحرمات. كل هذا سببه جمعية بلون واحد ومذهب واحد، يقول الأمين العام للوفاق في مقابلة مع البي بي سي إبان أزمة العام الماضي إن جمعيته مفتوحة لكل من يريد الحرية والديمقراطية، وهو يروج لهذه الفكرة إعلامياً لكنه لا يصرح بأن جمعيته عن بكرة أبيها مكونة من طائفة واحدة وتتبع مرجعية تأمر وتنهي وتبيح وتمنع وتحلل وتحرم، هو شخصياً سيف في غمدها وخادم لها. الخروج للتظاهر ملزم بفتوى وسلوكيات الناخبين واختيار المرشحين بفتوى والقوانين تخضع لميزان الفقيه، قانون الأحوال الشخصية هو بمثابة أساس اجتماعي في أي دولة ديمقراطية حرة يسقط بسبب توجيهات من النجف وقم. أخبرونا أي ديمقراطية في العالم تدار بهذه الطريقة؟! لا أحد يكره المزيد من الحريات والديمقراطية، لكن هل السبيل للحرية أن يقع الفرد مسلِماً خاضعاً تحت طائلة مرجع ديني من أي ديانة ومذهب يحدد لي مسبقاً لي المرشح المؤمن الذي انتخبه؟ دعونا نعود بالذاكرة للوراء؛ لا دخان بلا نار. ولم تكتسب الوفاق سمعتها الطائفية من فراغ، فالأحزاب التي تقوم على المذهب أو الدين أو العرق تميل بتطرف لعدم الاعتراف بحالة التعددية أو بأهلية الأطراف الأخرى في إبداء رأي في مستقبل البلد، وتعتبر لنفسها أفضلية بسبب مذهبها أو عرقها أو لونها، وهذه سمة بشرية تكررت عبر التاريخ؛ الميل لإلغاء الآخرين والتحكم في مصائرهم هو أساس الخلاف في كل مكان وليس في البحرين وحدها. الوفاق كانت معارضة برلمانية عايشت سلبيات وإيجابيات التجربة، وأعتقد أنها كانت معارضة واعدة رغم أعوامها القليلة كحزب رسمي وككتلة برلمانية، يشاء الله أن ما أقدمت عليه كان سبباً لبداية طفرة حقيقية في بلد يعاني من خمول سياسي وشارع مستكين لواقعه. الوفاق كانت لتسود من موقعها لأنها كانت محتكرة للمشهد السياسي مقابل أكذوبة الأقلية السنية التي عليها أن تأخذ ما تمنح وترضى بالقليل من باب أن موقفها ضعيف كأقلية. فشلنا في السابق في إحداث تغيير لأننا دخلنا تجربة الديمقراطية من باب التنازع على 40 كرسياً بين جمعيات شيعية وأخرى سنية، ولأن الشيعة انتخبوا شيعياً والسنة كذلك انتخبوا سنياً ولا يجدي إنكار ذلك، عجزنا عن الإتيان بمرشح بحريني كفء يمكن أن يرشحه الشيعي والسني، يعبر فقط عن فكر وموقف سياسي يمكن للمواطن اعتناقه أو رفضه أو انتقاده دون أن يتعدى على الأديان أو يكفر. نقول عندنا تنوع سياسي؛ إنه تنوع مريض لأنه يخفي تعصباً هائلاً، كل لمذهبه، وبكل غباء نجعل ذلك يدير دفة بلدنا ويؤثر على مستقبل أجيال قادمة. التجربة الديمقراطية بهذا الشكل أثبتت علاتها وعيوبها في دول حولنا ويستحيل أن ننجح ونحن نكرر أخطاء الغير. إما أن نحقق طفرة في الاتجاه المعاكس وندعم مجتمعياً تشكل أحزاب وطنية حقيقية أو أن نلغي الحياة الديمقراطية الصورية التي يديرها المعممون والملتحون.

الحوار مع المعارضة يبدأ من الإدانة الصريحة للعنف

جاسم بونوفل
تصريحات وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف لوكالة الأنباء الفرنسية الأخيرة حول الأوضاع السياسية في البحرين تدفعنا إلى القول إن الأيام المقبلة ربما تشهد جولة جديدة من جولات الحوار الوطني، وإذا ما تم هذا الحوار الجديد فإننا نتوقع بأنه سيضم كل الأطياف السياسية بما فيها الجمعيات السياسية التي تذيل تحت اسمها “بالقوى المعارضة “. نقول هذا الكلام بناء على قراءتنا للتصريح الذي نشرته الصحافة المحلية لوزير العدل والذي بين فيه أن الدولة ليس لديها أي حرج في الجلوس مع قوى المعارضة على طاولة واحدة والحوار معها في حال موافقة الأخيرة على إدانة العنف صراحة والاعتراف بالجميع والانفتاح على جميع مكونات المجتمع. الأكثر من ذلك -وكما نقرأ من وراء السطور في تصريحات الوزير- هو أن الدولة على استعداد تام بطرح كل الملفات الشائكة على مائدة الحوار وليس لديها أي تحفظ حول مناقشة أية مطالب ترى “المعارضة” أنها جديرة بأن تكون على رأس أجندة الحوار وكما أكد الوزير “أن السلطة لا ترفض من حيث المبدأ مطالب المعارضة، كما إن الدستور لا يحصر رئاسة مجلس الوزراء بعائلة أو بطائفة”. نفهم من حديث الوزير أن أبواب الدولة مشرعة على مصراعيها للجميع وأنها لم تغلقها في وجه أحد منذ اندلاع أزمة فبراير 2011 وما أعقبها من تداعيات لا تزال آثارها باقية في المشهد السياسي المحلي. كما إن يد الدولة ما تزال ممدودة لكل القوى والفعّاليات السياسية وهي على مسافة واحدة من الجميع رغم أن هذه الأزمة هي من افتعال “القوى السياسية المعارضة” التي كانت في حينها مشاركة بقوة وفعّالية في العملية السياسية، ولها حضور لافت للنظر في البرلمان. ومع ذلك فإن الدولة تؤكد مراراً وتكراراً إنها لن تقف عند الأخطاء الجسيمة التي ارتكبتها هذه الجمعيات بحق الوطن حيث استفادت من المناخ الديمقراطي في توطيد تواصلها مع العالم الخارجي واستثماره في تحقيق أجندتها حيث عملت من خلال بوابة الديمقراطية على نقل صورة سلبية عن النظام السياسي في البحرين، وقامت بنشر صور مشوهة عن نظام الحكم وعما يجري في الساحة السياسية المحلية حتى أن العالم صدق بأن ما يجري في البحرين هو امتداد لثورات دول الربيع العربي، وعلى هذا الأساس بدأت بعض الدول وخصوصاً الغربية منها توجه سهام نقدها إلى البحرين بناء على تلك المعلومات التي وردت إليها من قبل بعض القوى السياسية المعارضة، ومن هنا بدأت بعض الدول توجه اللوم للبحرين في مجال حقوق الإنسان وأخذت تمارس ضغوطاً عليها من أجل تعديل أوضاعها السياسية والحقوقية.. ولم تشعر هذه الدول بأن الذي نقل إليها هذه الصورة كان يحضر نفسه للانقلاب على الدستور والدولة وأن كل ما كان يقوم به من حملات إعلامية عن وطنه تصب في هذا الاتجاه. ومع كل هذا التزييف الممنهج التي قامت به هذه الجمعيات ضد الدولة ووضعها للنظام السياسي البحريني مع الأنظمة السياسية الدكتاتورية في سلة واحدة؛ إلا أن الدولة ما تزال تقدم المبادرة تلو المبادرة من أجل عودة جميع القوى السياسية إلى الانخراط في العملية السياسية. السؤال المهم الذي يطرح نفسه هو أين تكمن الإشكالية؛ هل في الدولة أم في المعارضة؟ في رأيي أن الإشكالية تكمن في القوى المعارضة وليس في الدولة، فالدولة من جانبها تريد أن يكون الحوار مع جميع التيارات السياسية ودون أن تستثني أحداً، بينما تريد المعارضة أن يكون الحوار مقتصراً عليها وعلى مزاجها وحسب رغباتها وهي من تضع أجنداته على اعتبارأنها تمثل الأكثرية في القوى الشعبية المعارضة وهذا لوحده يكفي لإعطائها الحق في فرض ما تراه مناسباً للبحرين. لذا فهي تتجاهل الأطياف السياسية الأخرى؛ لأنها حسب اعتقادها تمثل الأقلية وهذا لا يعطيها حق تمثيل الشعب. ورغم أن هذا القول لا يستقيم مع الواقع إلا أننا مع ذلك سنسير معهم في هذا الطريق وسنحتكم إلى الأعراف الديمقراطية إن كانت تجيز مثل التصرف وفي هذا السياق تحضرني مقولة للكاتب الكويتي خليل حيدر يعبر فيها عن هذه الإشكالية بقوله “ديمقراطية الأكثرية ليست معبراً للتسلط وإلقاء الآخر”، وهذا يعني أن الأكثرية ليس من حقها أن ترسم لوحدها الشأن السياسي للدولة وهنا لا بد من التوافق حتى لا تتحول الديمقراطية إلى دكتاتورية تقودها الأكثرية. خلاصة القول هو أن الدولة قدمت كل ما من شأنه السير بالعملية السياسية إلى الأمام وهي في ذلك تنطلق من الإرادة الشعبية التي توافقت على العديد من المرئيات وبدأت الحكومة بتنفيذها ولعل أبرزها التعديلات الدستورية التي أعطت الغرفة المنتخبة صلاحيات أكبر فيما يتعلق بالرقابة على الحكومة وحق الاستجواب، وثم إقرارعدم التعاون مع رئيس الحكومة وسحب الثقة منه. وهي على استعداد للاستماع إلى كل المطالب التي تطرحها جميع القوى السياسية بما فيها قوى المعارضة وكما أوضح وزير العدل “لم تكن هناك أبداً مشكلة في المطالب بل في كيفية المطالبة”، إذاً الكرة الآن في ملعب “المعارضة”، فإذا كانت تريد الإصلاح فعلاً كما تدعي وليس شيئاً آخر فعليها أولاً إدانة العنف صراحة والاعتراف بالآخر وإذا ما فعلت ذلك فإنها تكون خطت أول خطوة على طريق الحوار.

لا يفل الحديد إلا الحديد

نجاة المضحكي
سنقارن بين حالتين فيهما بعض التشابه بين الحركة الصفوية وأبعادها في البحرين وبين هتلر عندما قرر غزو تشيكوسلوفاكيا، ونبدأ من خطاب الحركة الصفوية في اعتصام 21 مايو بالمقشع والذي دعت فيه الحركة الوفاقية الدولة “بالتنفيذ الأمين لتوصيات تقرير لجنة تقصي الحقائق دون تأخير، والإفراج عن المعتقلين والشروع بالعدالة الانتقالية، وتمهيد لحوار مع المعارضة على أرضية مبادرة ولي العهد ووثيقة المنامة وتوصيات بسيوني”. ما أشبه هذه المطالب بخطة هتلر التي رسمها لغزو تشيكوسلوفاكيا واحتلالها ففي عام 1938، حيث عقد هتلر سلسلة من الاجتماعات السرية في برلين مع كونراد هنلاين قائد الجبهة الداخلية، وهو أكبر الأحزاب العرقية الألمانية في ستودينتلاند، وتم الاتفاق على أن يقدم هنلاين ذريعة تغزو بها ألمانيا تشيكوسلوفاكيا وهي مطالبة الألمان في منطقة ستودينتلاند حكومة براغ بحقهم في الحصول على الحكم الذاتي، وهو مطلب من غير المحتمل أن تقره الحكومة هناك، وفي أبريل من عام 1938 أخبر هنلاين وزير خارجية المجر أنه “مهما كانت عروض الحكومة التشيكية سخية، فإنه سيستمر في زيادة المطالب، لإفساد أي وسيلة للتفاهم لأن ذلك هو السبيل الوحيد لتدمير تشيكوسلوفاكيا سريعاً”، وبشكل غير معلن، فلم تكن قضية منطقة ستودينتلاند ذات أهمية كبيرة بالنسبة لهتلر، بل أن نواياه الحقيقية كانت استغلال هذه القضية كوسيلة يبرر بها داخل البلاد وخارجها شن الحرب على تشيكوسلوفاكيا وتدميرها بدافع حق أهل هذه المنطقة في تقرير مصيرهم ورفض حكومة براغ تلبية مطالب هنلاين، وخطط هتلر لضرورة وجود تعزيزات عسكرية ضخمة على الحدود التشيكية، ولشن هجمات دعائية ضارية تتحدث عن الاضطهاد الذي يلقاه الألمان في هذه المنطقة لإلقاء الضوء على مجموعة من الحوادث بين نشطاء الجبهة الداخلية والسلطات التشيكية بغرض تبرير الغزو الذي سيجتاح تشيوكوسلوفاكيا في حملة تستغرق أياماً قلائل قبل أن تتمكن القوى الأخرى من التدخل. بالرجوع إلى ما تطالب به المعارضة اليوم رغم سخاء الدولة مع المعارضة، وما أثبتته من حسن نوايا بدءاً من تنفيذ توصيات بسيوني وإطلاق صندوق التعويضات للمتضررين، وعودة المفصولين وإطلاق سراح أغلب المعتقلين ومن تخفيف أحكام حتى إلغائها، إلا أن الحركة الصفوية مازالت تواصل رفع سقف طلباتها وذلك حين نقرأ بمطالبتها بتنفيذ توصيات بسيوني بالكامل، وهو ما تقصد به دخول ميلشياتها المؤسسة العسكرية، وإبداء رغبتها في الحوار المشروط أن يكون على أرضية مبادرة ولي العهد ووثيقة المنامة، مما يجعل الأمر بالنسبة للدولة مستحيلاً، حين يكون القبول بمثل هذا الحوار يعني أن تسلم الدولة الحكم إلى الحركة الصفوية، ثم تواصل ميلشيات الحركة الإرهاب وتواصل الطاقم التنفيذي للحركة إعلامه الخارجي عن المظلومية ومطالبته بالحرية ودعوة الأمم المتحدة للتدخل، أي أن الحركة الصفوية هي ليست حركة تمثل الشعب وإنما حركة تقوم بتنفيذ الخطة التي رسمتها إيران وحليفاتها لغزو البحرين، حين يكون الغزو مبرراً لإنقاذ فئة تتعرض للاضطهاد، وهو مثل ما ذكر أن هتلر لم تكن قضية منطقة ستودينتلاند ذات أهمية كبرى بالنسبة له وإنما وسيلة يبرر بها دخول البلاد، وكذلك هي الطائفة الشيعية الكريمة في البحرين ليست ذات أهمية بالنسبة لطهران وإنما هي وسيلة لشن غزو على البحرين، مستغلة الوقت في تعزيز وجودها العسكري في بحر الخليج بالتزامن مع التصعيد الإرهابي في شوارع البحرين الذي يهدف إلى حدوث مصادمات أهلية تسعى لإشعالها الحركة الصفوية حتى تكون الدعاية كاملة أن فئة من الشعب تتعرض للاضطهاد والإبادة من قبل الدولة ومليشياتها، وهو الأسلوب الدعائي الذي أخذت تسلكه الحركة في خطاباتها وتصريحاتها العربية والإنجليزية، وهو كله يأتي تحت الخطة الإيرانية التي تستنسخها من سفاكي الدماء مثل هولاكو وهتلر، والذين يعتمدون في تحقيق مطامعهم على جماعاتهم المقربة من الدولة، ومثال ما حدث مع الخليفة العباسي المستعصم وغدر وزيره أبن العلقمي. لذلك نرى إن إيران قد استفادت من دروس التاريخ واستطاعت أن تؤسس دولتها وتمد من مستعمرتها، لكن للأسف نحن كأمة إسلامية لم نتعظ من الدروس ولا أمثال ضربت في كتاب الله ولا من تاريخ الماضي البعيد ولا حتى القريب ولن نتعظ حتى مما حدث لنا بالأمس وما يحدث لنا اليوم وما سيحدث لنا غداً، ولكن لا بد لنا هنا أن نقول للدولة في الأخير أن لا يفل الحديد ألا الحديد فسخاء الدولة لن يكون له أثر ما دام في رأس الحركة الصفوية هو تسهيل الغزو للدولة الصفوية.

أبناء العلقمي واستنزاف الوطن.. إلى متى

فوزية رشيد
لنتفق أولاً على أنه لا توجد المدينة الفاضلة في العالم كله. كل بلدان العالم وشعوبها تعاني بما فيها البلدان المتقدمة التي يدفع مواطنوها ضرائب باهظة تصل إلى أكثر من نصف رواتبهم أحياناً ليتم لهم توفير احتياجاتهم حتى رصف الطرق لهم، ومع ذلك ففيها الفساد وفيها البطالة وفيها الانهيارات الاقتصادية وفيها الفقر وفيها التلاعب بالديمقراطية والحقوق.
البحرين في مسيرتها التطورية سواء السياسية أو الحقوقية أو المجتمعية أو الاصلاحية أو الخدماتية قطعت شوطاً كبيراً ليس مقارنة بالمنطقة العربية، وانما مقارنة بالكثير من بلدان العالم بما فيها المتطورة، ومسيرتها متواصلة ولن تتوقف. «ايران» التي يواليها أبناء العلقمي، ظهرت في استفتاء غربي أخير نشرته الـ «بي بي سي» باعتبارها (أسوأ دولة في العالم) من نواح مختلفة، سواء في الوضع الحقوقي للإنسان الايراني بشكل عام أو للأقليات الدينية والعرقية بشكل خاص التي تعاني أشد صنوف القمع والاضطهاد، حيث أشار النائب «عبدالحكيم الشمري» في بيان له قبل أيام إلى ان هناك (١٢٠) ألف عملية إعدام سياسي خلال ٣٠ سنة الأخيرة، ناهيك عن التعذيب الممنهج والعقوبات الوحشية التي تنتهك بصورة لا مثيل لها حقوق الانسان رغم ادعاء نظام الملالي فيها بمناصرة المظلومين في العالم، متجاهلة حجم المظلومية الكبيرة في داخلها، حيث ثلثا الدخل القومي يتم صرفهما على أوهام (المشروع التوسعي الايراني) فيما غالبية مواطنيها يعانون الفقر واستبداد «الولي الفقيه» وديكتاتوريته ووضع قادة المعارضة في الاقامة الجبرية والمعارضين في السجون من دون محاكمات.
ابناء العلقمي «في البحرين» يتجاهلون الفوارق الكبيرة بين حياة المواطن البحريني والتطورات والمنجزات الاصلاحية المختلفة التي هم أول من يستفيدون منها، وبين حياة المواطن الايراني الذي يرتبطون عقديا وسياسيا بالولاء لمرجعياته المتجسدة في نظام المرشد الأعلى، ويعملون معه على استنساخ ما يسميه هذا النظام «النجاح الايراني في العراق»، ولعل أسهل وسيلة لارضاء هؤلاء ان يرحلوا إلى أحد البلدين ويعيشوا هناك في هناءة النموذجين، اللذين يضعونهما اليوم في مرتبة النجاح ان لم يكن في مرتبة القدسية. فهناك أيضاً «السيستاني» وهناك «خامنئي» وغيرهما من المرجعيات التي يدينون لها بالولاء المطلق.
«ابن العلقمي» الأصلي وحسب التاريخ المسجل الذي وصف في سجنه وبرسالة منه، ما جناه من خيانته للعراق ومساعدة «التتار» على تدمير بلاده الدمار الساحق واحتلالها، قد يتواضع في أساليبه كثيراً، حسب الزمن الذي كان فيه أمام أساليب (أبناء العلقمي الجدد) المنتشرين اليوم في البحرين والخليج والعراق ولبنان وسوريا واليمن. في البحرين وهو ما يعنينا هناك عبر الممارسة عداء معلن من هؤلاء ضد الوطن والشعب رغم التحدث باسمهما.
«أبناء العلقمي» في البحرين يستنزفون الوطن بكل الاشكال والاساليب الحديثة وفي كل الجوانب، ويتلاعبون بالثوابت الوطنية وضربها بكل ما يملكون من قوة، ويطفحون في العالم كالبالونات المنتفخة على سطح المياه السياسية والحقوقية لتشويه صورة وطن من المفترض أنهم أبناؤه رغم أنهم هم من يمارس العنف والارهاب ويستدعي المعالجات الأمنية. لم يتركوا باباً إلا طرقوه، ولا بلداً إلا استجدوه، ولا سفارات إلا اجتمعوا بسفرائها، ولا دعما مهما يكن نوعه إلا باعوا أنفسهم من أجله، وكل ذلك استقواء على الوطن وعلى كامل شعبه، وجرا للتدخلات الخارجية بما يضرب استقلاله وسيادته، ولن نتحدث عن كل ما فعلوه منذ الأزمة حتى الآن.
وهم كالقطط السمان ـ حسب التعبير المصري ـ يقفزون من بلد إلى آخر، ومن فندق درجة خمس نجوم إلى فندق آخر، ومن منظمة إلى أخرى، وكل ذلك لتشويه صورة بلدهم في كل الميادين، ولعل جلسة مناقشة التقرير الوطني الثاني للبحرين في «جنيف» وحجم حضورهم وأسلوب أدائهم، وأماكن إقامتهم، مجرد احدى الصور المعبرة، عما يعتقدونه نجاحاً لهم على وطنهم، وحيث مواقعهم الالكترونية توضح أي منقلب هم منقلبون.
إن ممارسة (التضليل السياسي) والتخندق في خندقه، وجعل انفسهم عبر الممارسة أيضا مجرد صدى للصوت الايراني الذي يوالونه، ويتنكرون جزافاً لولائهم له في الفضائيات والخطابات، جعل منهم قروداً للنفاق السياسي والتلاعب بالمصطلحات والمفاهيم، وادعاء المظلومية، وغيرها يقفزون بها من فضائية طائفية إلى أخرى غربية ذات أجندة، والغاية تحقيق أكبر قدر من هذا التضليل السياسي في تصوير الأوضاع في البحرين.
لم يتركوا إرهابا فكريا أو سياسيا أو ميدانيا إلا ومارسوه، ولم يتركوا بابا يستدعون من خلاله التدخل الخارجي إلا وطرقوه، ولم يتركوا عبثا بحياة المواطنين والتعدي على حرياتهم إلا ولعبوه، ورغم ذلك فهم المظلومون وهم دعاة الحرية والاصلاح، وهم حماة السيادة والاستقلال، وهم المناضلون وهم الأبطال، حتى عروبة الوطن وامتداده التاريخي والحضاري وعمقه الاستراتيجي الخليجي، طعنوا فيها جميعا، وخرجوا استجابة للولي الفقيه الايراني في مظاهرة تنديدية متزامنة مع المظاهرات هناك تماهوا فيها مع الشعارات الايرانية وكانوا فيها مجرد صدى للصوت الايراني المعادي للخليج العربي ووحدته.
السؤال الآن: إلى متى ستترك الدولة هؤلاء يستنزفون البحرين وشعبها بعد أن نفد صبر الناس عليهم؟
إلى متى سيتم تركهم أحراراً في افتعال الازمات وممارسة التضليل السياسي الكبير على نهج معلمهم الكبير في ايران؟
إلى متى سيعوقون الاصلاح والديمقراطية بسبب أزماتهم المفتعلة ثم يملأون العالم صخبا انهم دعاة اصليون لهما وكمواطنين؟
إلى متى سيعبثون بمصير شعبنا ومستقبل أجيالنا ويمارسون عبر الارهاب تدمير الحياة البحرينية الطبيعية؟
إلى متى سيفلتون من القانون والمحاسبة والعقاب، ليمارسوا هواية التشويه والاضرار بصورة بلادنا قفزاً من بلد إلى بلد ومن فندق إلى فندق؟ إلى متى؟ إلى متى؟
ألم يعلن شعبنا في «الفاتح» موقفه من هؤلاء.

فليـُطبخ الاتحاد الخليجي على نار هادئة

عبداالله المدني
في الوقت الذي كانت فيه الجماهير الخليجية «على الأقل في البحرين» تستعد للاحتفال بإعلان الاتحاد الخليجي في الاسبوع ما قبل الماضي حينما عقدت القمة التشاورية السنوية لمجلس التعاون في العاصمة السعودية، جاءتها أنباء تأجيل مشروع الاتحاد إلى وقت لاحق «من أجل المزيد من التشاور والدراسة» مثلما قيل، الأمر الذي أصابها بالإحباط. وبطبيعة الحال فإن نظام ولاية الفقيه في طهران، ومعه أتباعه من الميليشيات والشخصيات والقوى السياسية الطائفية في لبنان والعراق وسوريا والبحرين والكويت، من تلك المعروفة بكراهيتها ومعارضتها لمثل هذا التوجه الوحدوي في الخليج، الذي سيـُفشل حتما مخططات الأعداء والحاقدين والمتربصين ويقف بالمرصاد لأجنداتهم التوسعية ومشاريعهم التخريبية، إعتبروا قرار التأجيل نصرا معنويا لهم، وراحوا يروجون الإشاعات والأكاذيب حول وجود خلافات مستعصية بين دول مجلس التعاون، وتضارب في الآراء، وصراع على إحتكار المناصب، وغير ذلك مما استدعى – بحسب قولهم – تأجيل مشروع الإتحاد إلى أجل غير مسمى. ولأن الجهات الرسمية في المنطقة، ومعها الأمانة العامة لدول مجلس التعاون، التزمت الصمت كعادتها، ولم تقل للجماهير الخليجية شيئا عن النتائج التي توصلت إليها اللجنة المكلفة دراسة مقترح الاتحاد أو شيئا عن نقاط الاتفاق والاختلاف في مواقف الدول الأعضاء أو شيئا عن الدول الضاغطة باتجاه الاتحاد والدول المترددة حياله «كما كتب الصديق الدكتور خالد الدخيل في عدد الحياة ليوم 20 مايو 2012»، فإن إشاعات المغرضين وجدت لها بيئة خصبة للانتشار والقبول، ونجحت في بث الشكوك. إن الأمر الذي لا جدال فيه هو أن منطقة الخليج تعيش اليوم وضعا استثنائيا يتطلب من قياداتها وشعوبها التكاتف والتآزر وتوحيد الإمكانات والقدرات المتاحة على أعلى المستويات وبأقصى قدر ممكن، ودون الالتفات إلى صغائر الأمور، وهذا تحديدا ما استشعرته القيادة السعودية ممثلة في خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يحفظه الله حينما دعت إلى ضرورة «الانتقال من صيغة التعاون إلى صيغة الاتحاد». فالصيغة الأولى ولدت في زمن مختلف ومن أجل التصدي لظروف مختلفة، بينما الصيغة الثانية تستدعيها تحديات جديدة مغايرة، وإن كان لا يزال من بينها التحدي الأمني الذي هيمن على صياغة ميثاق مجلس التعاون في عام 1982. ولهذا فإن البعض المخلص الذي فوجئ بقرار تأجيل مشروع الاتحاد الخليجي كتب قائلا: أن الأوضاع المضطربة خليجيا وإقليميا وعربيا ودوليا لا يسمح بالانتظار، وأن الانتظار أو التردد يعني إرسال إشارات خاطئة إلى الأعداء والمغرضين مما قد يغريهم بالإقدام على خطوات حمقاء تجاه دول الخليج العربية وشعوبها. وهناك من استخدم وسائل التواصل الاجتماعي ليغرد قائلا: أمامكم يا قادة دول مجلس التعاون نموذج اتحادي زاه وقوي بناه الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في دولة الإمارات، فلماذا لا تلتحقون به، بدلا من إضاعة الوقت في الدراسات وتشكيل اللجان ولجان اللجان؟ غير أن هناك - وهذا رأي كاتب هذه السطور أيضا – من وجد في قرار تأجيل الإعلان عن الاتحاد خطوة لا غبار عليها، إنْ كان القصد منها فعلا المزيد من التشاور والدراسة بغية الحصول على اجماع أو شبه اجماع حيال المشروع المقترح. فأن يــُطبخ المشروع الاتحادي على نار هادئة، ويـُختار مكوناته بعناية ودقة، وتــُؤسس هياكله لبنة لبنة، خير من العمل المتسرع غير المدروس المؤدي إلى كوارث وإحباطات ومنغصات في المستقبل. نقول هذا وأمامنا تجربة الوحدة السورية – المصرية في عام 1958 والتي تبخرت في عام 1962 على يد صناعها وأكثر المتحمسين لها من ضباط الجيش السوري، من بعد أن بنت عليها الجماهير العربية الآمال العريضة ورأت فيها مقدمة لتوحيد كل العرب «من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر» مثلما كان يتردد في حينه كشعار لا يعلوه شعار آخر. إن من عاش تلك الحقبة يتذكر جيدا أن مآل تلك الوحدة إلى الفشل كان سببه الجوهري هو التعجل والجري وراء العواطف والمصالح الشخصية دون التوقف مليا أمام الاختلافات الجذرية بين مكونيها لجهة طبيعة النظام السياسي السائد، ودور الاقتصاد في المجتمع، ومدى ما تحقق من مكاسب اجتماعية وثقافية وحقوقية في كل قطر. ولا نجافي الحقيقة لو قلنا أن فشل تجربة ما سـُمي بـ «الجمهورية العربية المتحدة» بإقليميها الشمالي «مصر» والجنوبي «سوريا»، جعل صانع القرار العربي يتوق إلى مشاريع وحدوية بديلة للتعويض عن الإخفاق الأول، لكن دون الاتعاظ من ذلك الإخفاق لجهة التأني والدراسة المستفيضة. وهكذا جاءت الوحدة الثلاثية بين مصر وسوريا والعراق في عام 1963 والتي ماتت قبل أن يجف حبر ميثاقها، واتحاد الجمهوريات العربية بين مصر وسوريا وليبيا في عام 1971 والذي لا يـعرف أحد تاريخ وفاته بدقة بسبب تبرؤ إعضائه منه، ليزيد العرب إحباطا فوق إحباط. ولعل ما زاد إحباطهم ومرارتهم النهج العبثي للزعيم الليبي الراحل معمر القذافي في إستغفال نظيره التونسي الحبيب بورقيبة لإقامة وحدة إندماجية فورية بين تونس وليبيا في عام 1974 تحت إسم «الجمهورية العربية الإسلامية»، وهو المشروع الوحدوي الذي لشدة التسرع فيه كــُتب ميثاقه فوق أوراق الفندق الذي حل به القذافي في جزيرة جربة التونسية، بحسب شاهد عيان هو المفكر والوزير التونسي السابق «عبدالسلام المسدي». ما أشرنا إليه في هذه العجالة من أمثلة وحدوية أو اتحادية عربية فاشلة يؤكد أن السبيل الأمثل إلى كيان وحدوي متين وقادر على الصمود أمام كل الزوابع والعواصف يكمن في السير خطوة خطوة، وبناء الهيكل الاتحادي على أوتاد صلبة، أي على النحو الذي سلكه الأوروبيون في بناء مشروعهم الاتحادي. إن شعوب الخليج العربية انتظرت أكثر من ثلاثين سنة لترى حلمها في الإتحاد يتحقق، فلا يضيرها أن تنتظر سنة أو أكثر، إن كان في ذلك مصلحة مؤكدة كأن يصار إلى حل بعض ما تبقى من خلافات حدودية، وإزالة بعض ما تبقى من عوائق الإنتقال والعمل والتحرك الحر. ولنتذكر في هذا السياق نموذج الإتحاد الأوروبي المتميز في صيغته «لا كونفدرالي ولا فيدرالي»، وفي تدرج عدد أعضائه «من ست دول في الخمسينات إلى 27 دولة حاليا»، والمتميز لجهة إعداد الدول التي تريد الالتحاق به «تهيئتها من النواحي الاقتصادية والسياسية والتشريعية والتنموية مسبقا»، والمتميز من ناحية المؤسسات التي خلقها خلال مشواره منذ أن كان مجرد اتحاد للفحم والفولاذ في عام 1951 «محكمة العدل الاوروبية، المصرف المركزي الاوروبي المركزي، والبرلمان الاوروبي، ومفوضيات الشئون الخارجية والمالية والدفاعية والبيئية والبحثية والصحية والثقافية والتعليمية و شئون الطاقة وغيرها».

ضربني وبكى بجنيف اشتكى

صلاح الجودر
آخر الأكاذيب والأراجيف والأدعاءات الباطلة التي أبتدعتها المعارضة الشيعية في البحرين من أجل تغير هوية هذا الوطن العروبي، هي تلك التي أطلقتها بجلسة مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة بدورته الثالثة عشر بجنيف، فالمعارضة الشيعية المشاركة(فردا فرداً) لها القدرة الكبيرة في صنع الأكذوبة وتغليفها وتزينها، ثم وضعها على الطاولة للغير ليتناولها!. فقد زودت المعارضة الشيعية التي شاركت بمؤتمر جنيف رئيسة مجلس حقوق الأنسان بالأمم المتحدة السفيرة لورا ديبوي بمعلومات مغلوطة وكاذبة عن البحرين من أجل تشوية الصورة الحقوقية، خاصة بعد هزيمتها أمام المجتمع الدولي حينما استمعت الدول المشاركة إلى كل الإجابات المقنعة التي قدمها وزير الدولة لحقوق الإنسان الدكتور صلاح علي وأثنى على الدور الكبير الذي قامت به الدولة لتعزيز هذا الجانب الحقوقي. فقد زعمت السفيرة لورا ديبوي حسب المعلومات التي وردتها بأن هناك مطاردات وملاحقات أمنية للمعارضة الشيعية بجنيف(21مشارك) من أصحاب البطولات والزعامات الوهمية، وذلك حينما طالبت بالحماية والحراسة الأمنية لوفد الوفاق(على راسه ريشة) وأتباعه من الجمعيات الذين يعيشون الخوف والرعب بجنيف!!، في خرق واضح للأعراف والنظم داخل المجلس، إذا كيف بجلسة تناقش فيه الدول تقاريرها الحقوقية ويتم طرح قضية تتعلق بمنظمات غير حكومية، الأمر الذي جعل حالة من الاستياء الدولي على هذه السابقة الخطيرة. المجتمع الدولي إلى الآن لم يعرف أصحابنا المعارضين في كيفية صياغة الفبركات والأكاذيب والأراجيف، فالغرب إلى الآن لا يعرف مع أي نوع من البشر هو يتعامل، لذا يأخذ بكائياتهم ومظلومياتهم على محمل الجد، وهذا ما حصل مع السفيرة لورا ديبوي حينما طرحت هذه القضية في مجلس يناقش التقارير الحقوقية التي تقدمها الدول الموقعة على الأتفاقيات الحقوقية، فقد أنطلت عليها الحيلة والفتيلة من أناس تمروسوا في الكذب والزور، فإذا كذبهم في وطنهم بالليل والنهار فكيف بهم وهم أمام مجتمع يبحث عن الاستقرار. الجميع في هذا الوطن يعلم حجم الكذبة التي ساقوها للسفيرة لورا ديبوي، وألبسوها إياها، من أن هناك مطاردات وملاحقات أمنية في جنيف، فإذا كانوا بوطنهم يتنقلون بكل حرية من مكان إلى آخر، بل ويحزمون أمتعتهم ويحملون جوازاتهم من بلد إلى آخر دون المساس بحريته أو التضيق على تنقلهم، فكيف بهم وهم في مجلس الأمن؟!، لذا يطرح تساؤلات عن الذي منعهم من السفر؟، وعن الذي هددهم؟، لماذا لا يقدمون الأسماء إلى المجلس الذي أمتلئت أدرجه كذباً وزوراً خطته أياديهم وولغت فيه ألسنتهم!، الغريب أن وفد المعارضة الذي شارك في جنيف أناس لا ثقل لهم في المجتمع البحريني، وأبناء هذا الوطن لا يعرفونهم، فهم مجهولون يبحثون عن الشهرة، وليس هناك من وسيلة إلا بطلب الحماية الدولية لإيقاف المطاردات والملاحقات التي تعشعش في رؤسهم!. نعلم بأن الكذبة التي ساقوها للسفيرة لورا ديبوي هي من نفس مصدر الفبركات والأكاذيب والأراجيف التي أعتدنا عليها من أن توسد القوم الأرض بدوار مجلس التعاون وجاءتهم أحلام اليقظة بسقوط النظام وإقامة نظام صفوي على قرار الجمهورية الإيرانية، ويبدوا أنهم لا زالوا مصرين على مزيد من الكذب والفبركات والأراجيف في محاولة للعودة إلى واجهت الإساءة لهذا الوطن، فبعد أن قدمت الدول جميع استفساراتها حول الجانب الحقوقي في البحرين ومدى ألتزام الحكومة بتطبيق بنودها، ومن ثم الإجابة الشافية والوافية التي لا لبس فيها من قبل الحكومة، والتأكيد على توصيات اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق(تقرير بسيوني)، لم يتبق لوفد المعارضة إلا هذه الإكذوبة (مطاردات وملاحقات)، فبدل أن يعود الوفد إلى رشده، ويفيق من أوهامه، هو اليوم يجدد مسلسل الكذب والدجل من أجل مزيد من الأحتقان، فهو يحاول جاهداً أن يظهر بمظهر البريء والمظلوم ومسلوب الحقوق، هكذا يحاولون تصوير أنفسهم أمام المجتمع الدولي، وإلا فإن الحقيقة التي يعلمها الجميع بأن الوفد المشارك بجنيف هم أنفسهم من نثر سموم الفرقة والخلاف في دوار مجلس التعاون بالعام الماضي، هذه هي الحقيقة التي يجب أن يعلمها المجتمع الدولي وهو يجالس دعاة السلمية وحقوق الإنسان(كما يزعمون)!!. وفد المعارضة الشيعية في مشاركته بجنيف كان يعلم بأن أوراقه جميعها قد أحترقت ولم يتبقى له سوى ممارسة الكذب والدجل من جديد، من هنا حاولوا تصوير أنفسهم وهم تعلوهم علامات الخسارة الخذلان بأنهم أبطال تطاردهم وتلاحقهم الأجهزة الأمنية والاستخبراتية، والحقيقة أنهم فشلوا في كل شيء ولم يفلحوا إلا في تطبيق المثل المصري القائل: ضربني وبكى وسبقني وأشتكى، وجماعتنا متعودين على الضرب والبكاء والشكاوي!!.

كفى لعباً يا أهل الفاتح

أحمد جمعة
ما كان بودي قلته مائة مرة قبل أن اكتب هذا المقال. ما كان بودي التطرق للخلافات التي اصبحت مكشوفة بين بعض الجمعيات السياسية الوطنية حتى لا تستغل وتوظف من قبل الوفاق وتوابعها، لم أكن أنوي ذلك وترددت كثيراً في نشر أسرار العلاقات بين هذه الجمعيات وهي تحديداً الوحدة الوطنية والمنبر الاسلامي والأصالة لولا أن الأمر بلغ حداً لم يعد من حق هذه الأطراف أن تعتبر نفسها حرة في التصرف بالخلافات بينها، لأن الشارع الجماهيري الذي نشأ عن الفاتح لم يكن الفضل فيه لا للوحدة الوطنية ولا للمنبر الاسلامي ولا للأصالة ولا لأي من هؤلاء الذين يتقاتلون اليوم على المناصب والمراكز والزعامات، فهذا الشارع الذي انتفض عفوياً وانفجر كالبركان، فعل ذلك بوحي من خوفه وفزعه على الوطن، ولو كانت الدعوة فقط التي اطلقت للتجمع في الفاتح بذلك اليوم المبارك كان عنوانها تجمع الوحدة الوطنية وهو لم يتأسس بعد، أو ان الدعوة اقترنت باسم المنبر الاسلامي او الأصلة، لما وجدت الف شخص بالمكان، ولكن الذي حدث وليتذكر الجميع ذلك جيداً أن الدعوة انطلقت بشكل عفوي ومن غير اسم لجمعية أو تيار أو جهة سوى أنها حملت دعوة لنصرة البحرين والدفاع في وجه انتفاضة الشر التي لم ننس ولن ننسى حينها درجة الصفر من الرعب والفزع والذعر التي انتاب أهالينا وأطفالنا ونساءنا، فلم يكن أمامهم سوى فزعة انتفاضة الوطن الذي القى عن كاهله كل التسميات من احزاب وتنظيمات وتيارات وشخصيات وانضوى تحت يافطة الفاتح من تلقاء ذاته، وهكذا تأسست هذه الحركة التي بسببها يتقاتل اليوم أخوة الأمس من تحت الطاولة والضرب من تحت الحزام بين بعضهم البعض وفي الظاهر يتبادلون الابتسامات أمام الكاميرات ولا يخفى على احد حجم ودرجة لا أقول الخلافات ولكن الطعن فيما بينهم باسلوب يبدو للوهلة الأولى راقياً ومهذباً وفيه اخلاقيات ظاهرة ولكنه للأسف الشديد كلف أهل الفاتح وأهل البحرين الشرفاء كثيراً. حقاً كنت متردداً في التطرق علناً لهذا الموضوع لولا حجم الطعن في بعضكم البعض وحجم التكلفة التي ظهرت في النتائج وحجم الأخطار التي سيترتب عليها استمرار هذا النهج، لا تنفوا ذلك ولا تفسروه بالخلاف في الراي ولا بالاجتهاد كعادتكم فانا لست مطلعاً على الموضوع وحسب، أنتم أدرى بموقفي ودوري في هذا الموضوع الذي لمسته واضحاً من خلال جلسات ومواقف ومناورات ومساومات جرت كلها تحت الطاولات وفوق الطاولات، في العلن والخفاء وانفجرت مؤخراً على الشارع وأثرت على النتائج وشعر بها القاصي والداني ولم تخف حتى على المواطن البسيط البعيد عن دهاليز سوق السياسة الذي للأسف أصبح مؤخراً سوقاً للبيع والشراء والانتفاع، فهناك من استثمر الفاتح وانتفاضة الشعب الزاخرة بالمشاعر الملتهبة على الوطن لأجل فتات المصالح التي بعضها وصل لأهله والبعض ينتظر دوره في الفتات فيما لا زال الوطن جريحاً ولا زال الخونة يتربصون به ولا زالت أدوات الهدم تعمل معولها فيه بينما أنتم تتقاتلون من تحت لتحت ويطعن بعضكم في بعض من الخلف فيما تتصافحون وتتبادلون الابتسامات وكأن ذلك مسرحية من مسرحيات سعد الفرج. لم يكن بودي التطرق لهذه اللعبة التي لم تعد لعبة بل هي مشروع تمزيق لوحدة أهل الفاتح التي أقولها بصوت عالٍ.. لا فضل لأي من جمعياتكم ولا لأي من قادتكم فيه سوى الحضور والانصراف، أما الفضل من أوله لآخره فهو لأهل الفاتح البسطاء والعفويين والشرفاء والأفياء ممن عصرهم الخوف والذعر على وطنهم فخرجوا ملبين نداء الشرف والكرامة لا نداء الجمعيات والزعامات ولا نداء المراكز والمناصب والانتفاع من هنا وهناك، أقولها بكل صراحة بعدما مللت من الصمت واحترام اللعبة السياسية، كفاكم تقاتلاً من تحت الطاولات، وكفاكم طعناً في بعضكم البعض، وكفاكم انتفاعاً من استثمار الفاتح الذي هو ملك لشعب البحرين الوفي وليس لفرد أو جمعية أو زعامة أو دولة. أقولها من دون دبلوماسية ولا لف أو دوران، يا أهل الفاتح من وحدة وطنية ومن أصالة ومن منبر اسلامي ومن صحوة الفاتح ومن شباب الفاتح ومن بقية المساهمين السياسيين .. توقفوا أرجوكم عن الطعن من الخلف، توقفوا ارجوكم عن السعي في الخفاء لإضعاف بعضكم بعضاً لأني مدرك الاسرار التي تدور بينكم ومدرك ان هناك من يظن أن اضعاف الاصالة سيقوي الوحدة الوطنية ومن يضعف الوحدة الوطنية سيقوى المنبر الاسلامي ومن يضعف هذا سيقوي ذلك، هذا خطأ فادح وانعدام للمسؤولية واختطاف لانتصار الوطن، كفوا عن تمزيق الفاتح لأن اهل الفاتح لن يسكتوا بعد الآن ولن يغفروا لكم صراعكم على المصالح السياسية الضيقة وعلى فتات الانتفاعات الزائلة. الوطن شامخ بكم أو بدونكم.

إبادة جماعية مذهبية والصّمت سيّد الموقف

إبراهيم الشيخ
مذبحة «الحولة» بحمص أمس الأوّل، التي نفّذتها عصابات علوية تابعة لجيش الأسد، وراح ضحيّتها أكثر من مائة روح بريئة نصفهم أطفال، بعضهم قضى نحراً وبعضهم باليد من دون سلاح!! تعبّر عن الحقد الأسود الذي بدأ يظهر للعلن من العصابات الصفوية والعلوية على حد سواء.
التحليلات من داخل سوريا تشير إلى أنّ هناك صفقة تدار في الخفاء، تهدف الى انعزال العلويين بدولة منفصلة تحميها إيران وروسيا، وما المجازر المستمرة في حمص وريفها إلا بهدف التطهير المذهبي لأهل السنّة هناك، بهدف إفراغ أهلها منها، لتسهيل ذلك المخطّط!
وجود صفقة في الخفاء، قد يبرر صمت الغرب وتركيا والعرب عمّا يحدث هناك من مجازر ومذابح يشيب لهولها الولدان، ويعجز المرء عن وصف تفاصيلها!!
مع كل محنة ومصيبة نكتشف أنّ أمتنا هشّة ضعيفة، لم يولّ عليها من يخاف الله في تلك الأرواح، والدليل أنّ الغرب نطق، بينما أنظمتنا «لا حسّ ولا خبر»، حيث مازالت تعاني الخرس، ويبدو أنّها تعيش على كوكب آخر!
أعداد الشهداء في سوريا تجاوز العشرين ألفا، أعداد كبيرة منهم من الأطفال، وجميعهم يُقتلون بأبشع الطرق التي تعبّر عن حقد دفين لا تجده حتى عند اليهود!
اغتصابات بالآلاف، ضدّ النساء والصبايا، بعضهم أمام والديهم، تفنّن فيها الشبيحة والعصابات الصفوية، التي تحجّ إلى هناك مُبتعثين من جيش المهدي بالعراق ومن حزب الشيطان بلبنان.
البواخر الروسية مازالت تنقل إلى الأسد وشبيحته الأسلحة ليباد من تبقّى من أهل سوريا، والمليارات الإيرانية مازالت تتدفّق عبر بواخر النّفط الفنزويلي، وعبر شراء المواقف الدولية.
دولنا مازالت تعوّل على مواقفها (الحكيمة) من الأزمة!! وإذا أرادت فعل شيء فإنّها تقوم به في الخفاء!!
تركيا تفكّر في استقرارها مع الأكراد أكثر ممّا تفكّر في الإبادات والمجازر التي تدور هناك.
من الواضح جداً أنّ الجميع قد بيّت نيّته بالتخلّي عنهم، وبذلك صدقت شعاراتهم المدويّة: «يا الله.. مالنا غيرك يا الله».
برودكاست: إذا انتصرت إيران في سوريا، ونجحت خطّتها في انفصال العلويين بدولة مستقلة، فلتتأكّد دولنا أنّها ستعاني من ذلك الويلات، لأنّ تلك الشوكة السامّة ستظلّ كالخنجر المسموم المغروز في خاصرة الأمّة، لتستكمل معه إيران حلقات التطويق الصفوية، التي تستهدف عروبتنا وهوّيتنا.
آخر السّطر: أنتم تخونون الأمّة، وتسترخصون دماء أبنائها ومقدّساتها، وغداً ستدور عليكم الدوائر.

مجزرة الحولة

جمال زويد
ربما للمرة الأولى تتحفظ أو تمتنع بعض القنوات الفضائية من نشر لقطات ومقاطع لحدث إخباري معين لا لشيء سوى لهول وفظاعة هذا المشهد وعدم تحمّل أي إنسان مشاهدته. هذا بالضبط ماحصل مع المجزرة المروّعة في منطقة الحولة بمحافظة حمص، حينما استيقظ العالم على وقع صدمة تعيد إلى ذاكرة التاريخ أيام التتار ومذابحهم في المسلمين التي قال عنها المؤرخ الشهير ابن الاثير: «يا ليتني لم أعش حتى أكتب ما حدث للمسلمين في زمن التتار»، وأعتقد أن من شاهد «فيديوهات» مجزرة الحولة لا يمكنه أن يقول غير ذلك.
بلغ عدد الشهداء الذين قضوا في هذه المذبحة ممن يتوالى كشف جثثهم حتى الآن (١٢٦) شهيداً، منهم (٥٥) طفلاً ظهرت صور بعضهم مقيّدة أيديهم مضرّجين بدمائهم وأشلائهم ترتفع من حولهم أصوات التكبير وأسئلة «أين انتم يا عرب؟ أين أنتم يا مسلمون؟». وتقول الأخبار إن البحث يظهر بين حين وآخر جثث عوائل تم قتلها وتصفيتها بالكامل، رجالاً ونساء وأطفال.
ارتكبت مجزرة الحولة بينما المراقبين الدوليين موجودين في سوريا يؤدون مهمة التواطؤ الدولي ويشرّعون الصمت على القتل والذبح اليومي في بلاد الشام على أيدي الجلادين ومن يناصرهم. وارتكبت هذه المجزرة البشعة بينما مجلس حقوق الإنسان العالمي يعقد جلساته في جنيف ترتفع الصيحات والتقارير فيه عن البحرين، بينما يغض الطرف عن شلال الدم في سوريا.
شيء من الخجل هو أقصى ما يمكن أن نطلبه من الأنظمة العربية ومختلف دول العالم ومنظماتهم الحقوقية والإنسانية؛ وهم يرون قوافل الشهداء، تلطخت دماؤهم في الشوارع وتفيض أرواحهم على يد جزّار أُطلقت يداه يفعل ما يشاء من جرائم وحشية.
إن الدول العربية والإسلامية التي تبدو عاجزة عن عمل أي شيء تجاه إخواننا في سوريا، تستطيع - لو أرادت - أن تفعل الكثير، لكنها ؟ ربما - مشلولة الإرادة، ومشغولة بنفسها عن قضاياها الأساسية واكتفت بالتصريحات والبيانات، وهي بضاعة كاسدة في زماننا، والدليل أن هذه البيانات - على كثرتها - لم تردع إيران عن التدخل في شؤون دولنا ولم تخرجها عن جزرنا التي احتلتها ولم توقف تهديداتها رغم أن دول الخليج لو أعلنت، مجرّد الإعلان عن نية مقاطعتها اقتصادياً لأدى هذا الإعلان مفعول عشرات أو مئات البيانات التي صارت بدون أية قيمة ردعيّة لإيران وغيرها.

الشيوعيون العربُ والثورة السورية

عبدالله خليفة
صارت الثورة السورية مفصلا تاريخيا لتحديد تطور الاتجاهات الرأسمالية الحكومية المستوردة من الخارج أو الطالعة حديثا.
الأحزابُ الشيوعية العربية لم تستطع تطويرَ الماركسية داخلها، نظراً إلى تبعيتها للمركز الروسي أو للمركز الصيني، اللذين كانا شكلين لتشويه الماركسية في الشرق بسببِ نموهما بحسب رأسمالية الدولة.
لقد شرحنا مراراً كيف أن سياسات القفزات في التغيير قادت لهيمنة الدول، وكيف أن الجذورَ القوية للشموليات في روسيا والصين وإيران حاليا وغيرها من الدول التي جذرتْ سيطرات الدول في الاقتصاد والسياسة والثقافة والدين وضيّقتْ الخناقَ على التنوع والليبرالية تعدلا نماذجَ في حالاتِ أزمةٍ بنيويةٍ تاريخية، في حين استطاعت شعوبٌ عربية في بعض الدول أن تخترق الشموليات الرأسمالية الحكومية لأسبابٍ كثيرةٍ تم عرضها.
كثيرون لا يفهمون مثل هذا التعقيدات على المستويين العالمي والقومي، وعلاقاتها بالأحزاب والطبقات والطوائف.
التياراتُ التي تسمت بالشيوعية قفزتْ لمهماتٍ فوق قدراتها، وارتبطتْ بايديولوجيات خاطئة في رؤيتها لطبيعة التطور في الشرق، وقادها ذلك للتآكلِ التدريجي نظراً لقيامها بنضالات حادة، مضادة للتطور الحقيقي، وعدم قدرتها على القراءة الموضوعية والنقد وإعادة طرح تحليلات حية مع التطور.
الطريق الذي عبدتَهُ ضد الرأسمالية هو الطريق نفسه الذي أنشأ رأسماليةً حكومية شمولية، فلم يتحققْ التطورُ الديمقراطي، ولا هُزمتْ الرأسمالية.
قاد هذا التطرف إلى اشتباكاتٍ بين قوى التحديث القومية والاشتراكية والإسلامية، في تجارب لبلدان عديدة، بحيث صعدتْ هياكلٌ محافظةٌ قديمة كانت بعيدة عن تضحيات التحديث تلك.
في الثورات العربية السابقة لم تُطرح بحدةٍ مسائل الطائفية في حين تفجرت في الثورة السورية بقوة.
في الطائفة السنية هناك التنوع في المذاهب والدول، ولم تنشأ مركزياتٌ كاملة تامة مهيمنة على الطائفة، وإذا كان بعض الدول في الجزيرة يطمح إلى ذلك لكن هذا ليس كليا، فهي كذلك تعتمد على رأسمالية دول نفطية محافظة وتؤثر في العمليات السياسية والأحداث لكن قلبَ التطور الاجتماعي تشقهُ القوى الشعبيةُ في دول الثورات أساسا.
فيما الطائفةُ الشيعيةُ والطائفة العلوية تعيشان وضعا مختلفا، هنا جرى تمركُز لرأسماليتي دولةٍ شموليتين هما سوريا وإيران، عبر تاريخين مختلفين وفي بنيتين مختلفتين.
إن الوعي المذهبي ليس هو الذي يشكلُ رأسماليةَ الدولة، إنها تتشكل قبل هذا الوعي ومن خارجه عبر صعودِ تنظيماتٍ أو قوى اجتماعية سياسية شمولية تستولي على الدولة، وتحولها ضمن مشروعها السياسي، المشروع السياسي قد يكون (شيوعيا) أو (اشتراكيا قوميا) أو (ناصريا) أو (قوميا) أو غير هذا، فيجرى جعل الدولةَ رأسماليةً خاضعة لطبقة ما، بحسب تطور كل بلد وهي تستثمر الوعي الديني بحسب تطورها أو أزمتها.
الوعي المذهبي السني المتنوع لم يرفض الثورات العربية بكليته فهناك وجهات نظر كثيرة مختلفة، فلم يحدث فيتو من رأسماليات دول الخليج النفطية على الدول الحليفة لها في مصر وتونس خاصة، التي انتقلت لمسار سياسي آخر.
لكن رأسماليةَ الدولة الإيرانية مختلفة فقد دخلت في نفق مسدود بعدائها للتنوع الليبرالي والحداثي والقومي داخلها، وتداخلت مع النظام السوري في علاقة تحالف، لكونه هو نفسه يخضع لبنية شمولية تدهورت خلال عقود.
أحزابٌ عديدةٌ في العالم العربي وقفت من الثورات بشكل مؤيد عامة، لكن حول الثورة السورية اختلفت، فقد دخلت الثورة الشعبية مكانا احتكاريا لولاية الفقيه.
والمسألة ليست أشكالاً طائفية بل صراعات اجتماعية، عموم السنة وقفوا مواقف إيجابية تجاه الثورات، وعموم الشيعة وقفوا ضد الثورة السورية بشكل خاص.
إنها ثورةٌ توجه ضربة كبيرة للمركز الرأسمالي الحكومي الإيراني الذي أصبحوا يعيشون في ظله السياسي الاقتصادي، وهذا يجعل الأمر متماثلاً بين (شيوعي) وديني.
الشيوعي لم يعدْ ماركسيا منذ زمنٍ طويل، فتآكل المنهجُ المادي التاريخي من رؤيته، وكلستهُ الفورما الروسيةُ ذات الجذر الطبقي المشابه، مثلما كلستْ الفورما الماوية بعضَ القوميين الذين تحللتْ رؤاهم ولم يعودوا يفرقون بين الثورة والثورة المضادة.
الطبقاتُ الغنيةُ المسيطرةُ على رأسمالياتِ الدول الشمولية تتقارب وتتوحد، ولهذا ليس عجيباً أن تتوحد وزارات الخارجية في كل من روسيا والصين وإيران في تمرير قرارات ذبح الشعب السوري.
لا يعني هذا ان الشيوعيين كلهم في سلة واحدة، ثمة مناضلون رفضوا التكلس، أحياناً لأسباب طائفية كذلك، وأحياناً لرؤى سياسية موضوعية ولكن الذين يعيشون في ظلال الشموليات دخلتهم الطائفيةُ وصمتوا عن شعب يُقتل بدلاً من أن يسهموا في دعم ثورته.
هناك عيناتٌ من مواقف لأحزابٍ شيوعية رفضت الهجمة الفاشية على الشعب السوري، وأغلبها فصائلٌ راحتْ تنشقُ عن المستنقع الطائفي الذي يصورُ نفسه تقدميا. يقول تنظيمٌ في العراق:
(إن حزبنا الشيوعي العراقي - الاتجاه الوطني الديمقراطي، يتابع بقلق وألم وأسىً ما يجري في القطر السوري، على يد ذلك النظام الجائر المستبد، من قتلٍ وتنكيلٍ والاعتقالات والتعذيب وشتى صنوف القمع وإبادة جماعيّة مما لا يمكن تصنيفه إلا كواحدة من أبشع وأشنع جرائم الحرب النكراء التي تتنافى مع كل الأعراف والقوانين المتعلقة بحقوق الإنسان المعتبرة والمقررة في كل الشرائع السماوية والإنسانية).
إن عدم قدرة حزب تقدمي مفترض على أن يكون مع ثورة شعبية كاسحة تعود لكون تلك الرؤية التقدمية أفلستْ، وصار الأعضاءُ أشباحاً وظلالاً لا تمتلا إلى التيارات الديمقراطية بصلة.
إن رأسماليات الدول الشمولية الضارية ذات التاريخ الاشتراكي المزعوم من جهةٍ ذوبتْ التقدميين وأفلستهم من النظر الطبقي الشعبي وجاءتْ نظيراتُها الطائفيةُ فنفختْ في التيارات المذهبية السياسية وحولتها لمناضلين مزيفين يخربون النضالَ الوطني في كل بلد.
وبين السحل الفكري من جهة والنفخ الدعائي من جهة تكونتْ البالونات المعارضة لثورة الشعب السوري.
في لبنان نقرأ لكاتب وجهة نظر مسايرة لتلك الجماعة العراقية السابقة العرض التي أيدت الثورة السورية بقوة، يقول:
(وفي خضمّ حركة الاحتجاجات الثورية الواسعة، المطالبة بالحرية في كلّ أنحاء سوريا، التي وُوجهت بقمع مرعب انتهى حتى الآن إلى أكثر من ١١٠٠ قتيل وعشرة آلاف معتقل، جلّهم من الكادحين والفلاحين والعمّال السوريّين، يأتي البيان الأخير للمكتب السياسي للحزب الشيوعي اللبناني الصادر بتاريخ ٢٠ ابريل ٢٠١١، ليمنّن الشعب السوري بأنّ من حقّه أن «يتحرّك بكلّ الوسائل السلمية والديمقراطية من أجل الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومواجهة الفساد»، لكنّه، في المقابل، يتجاهل أيّة تسمية للشهداء والقتلى في سوريا، و«يأمل أن تسارع (الحكومة السورية) إلى تنفيذ سائر الإصلاحات التي تقدّم بها الرئيس بشار الأسد، فنتبيّن موقف الحزب الموارب أكثر، عندما نرى كلاماً طويلاً عن «مواجهة سوريا للفتنة الداخلية التي تسعى اليها الإمبريالية الأمريكية وإسرائيل بالتعاون مع بعض القوى العميلة والمغرقة في رجعيتها داخل سوريا وخارجها» لكنّنا لا نفهم شيئاً. أيّ «فتنة» يقصدها الحزب الشيوعي اللبناني؟)، خليل عيسى، جريدة الأخبار اللبنانية.
إن استخدام كلمة (فتنة) هو بحد ذاته فضيحة وتعبير عن عقلية دينية محافظة، لتوصيف صراع طبقي عصري، فهذه الكلمة تحيلنا لتراثنا التقليدي المتجاوَز حتى عند الدينيين المتعقلين، فبدلاً من وجود أدوات تحليل موضوعية لهذه الجماعة المدعية بانتمائها إلى الماركسية، وتقوم بالحفر في طبيعة رأسمالية الدولة السورية وتكشف عزلتها وأزمتها ولجوئها إلى أدوات قمع رهيبة تُوجز القضية في تعبير فتنة.
لكن كيف يتولد وعي طبقي منتم إلى الجماهير الشعبية في أناس تحللوا منه، وتقاربوا مع القوى المحافظة والرجعية والفاشية؟
يعودُ ذلك لوجودهم ضمن طائفتهم الشيعية في لبنان المأسورة عامة بولاية الفقيه الإيرانية وسيطرتها عليها، وعدم قبول تلك الولاية بتعدد وجهات النظر السياسية والفكرية في الطائفة، نظراً لتلك المركزية الشديدة.
كما كانت المركزية السوفيتية لا تقبل بمركزية صينية أو غيرها، و(الشيوعي) اللبناني كالشيوعي العربي عامة ذو الرؤية الشمولية الجامدة الذي تحلل من لافتات الماركسية المجردة بعد قيادتها له في صراعات حادة ضد المسيحيين والليبراليين ربما رآها من موقع الطائفة لا من موقع الطبقة العاملة، انهارت بقايا وعيه الاجتماعي الذي لم يتشكل وطنيا من خلال كل اللبنانيين، بل تقوقع في الجنوب وبين الطائفة، حتى اندثر.
فرقٌ كبيرٌ بين المحفوظات ومنهج التحليل، بين سياسات التبعية للشموليات وتطوير الديمقراطية وتصعيدها في الطوائف والجماعات والدول المختلفة، في تنمية النضال التوحيدي للشعب عبر ثورة شعبية كما في سوريا وتنميته في الشعب اللبناني لتجاوز الشموليات الطائفية المختلفة.
تقدميون وديمقراطيون سوريون انفصلوا عن الدولة وشاركوا في الحراك، فيما آخرون التصقوا بالأجهزة ودافعوا عن مشروعها الدموي بلافتات كاذبة، مثلهم مثل (اليسار) التابع للدكتاتوريتين الإيرانية والسورية في لبنان.
السبب الجوهري هو الانتهازية وليست المذاهب الإسلامية التي تُجيرُ عبر خداع لخدمة ذلك التوجه السياسي.
ما يجعل شيوعيين سابقين يدافعون عن نظام دموي بلغة سياسية هزيلة هو انتهازيتهم وخيانتهم للموقف السياسي النضالي، وهو أمر يُصّعد المشكلات ويُقوض أي تعاون بين شعبين، ويجرهما لصراعات وحروب خطرة.
ليس فقط النظام السوري المنهار هو الذي يطلق شرارته على شجرةِ الأرز اللبنانية بل العيون المعشية الانتهازية التي تلاعبتْ بالأفكار الماركسية والمذهبيات الإسلامية على جانبي الحدود لتجد نفسها الآن في مستنقع واحد مع الفاشيين القتلة في سوريا.