Thursday, May 3, 2012

ضــــــــــــبط النفــــــــس

أمريكا يا أمريكا بريطانيا يا بريطانيا هاتان الدولتان ماذا تريدان بالضبط من البحرين؟ ضبط النفس وضبطنا النفس حتى آخر رمق ولم يبق سوى الاستسلام وهذا محال لأنه ان كانت الدولة تريد فالشعب لا يريد. جمعيات ومنظمات وعصابات دولية باسم حقوق الانسان فتحنا لهم بدل الباب الف باب ورغم ذلك لم يسجلوا إلا ما يريدونه هم. رجال الأمن تمت محاكمتهم وهذا ما لم يجرِ حتى في أمريكا وبريطانيا. عودة المفصولين تمت. الاعلام تم تكميمه المسيرات والاحتجاجات في البحرين تتم في الاسبوع أكثر ما تتم في بريطانيا وأمريكا في السنة الواحدة. العالم عرف كله ان ما يجري في البحرين هو ارهاب ما عدا وزارتي الخارجية في كل من أمريكا وبريطانيا مصرتين على ان العنف في البحرين هو احتجاجات سلمية. آخر ما تفتقت عنه قريحة الخارجية الأمريكية هو على الدولة في البحرين ضبط النفس. ضبط النفس أكثر مما حاصل الآن، هذا ما أود أن افهمه ويفهمه غيري في البحرين وليت سفيري الولايات المتحدة وبريطانيا يفهموننا ماذا يعني ضبط النفس في القاموس الأمريكي والبريطاني؟ هناك هدف أمريكي بريطاني متفق عليه لم يعد يخفى على أحد، يريدون رأس البحرين مقابل صفقة مع الشيطان لا أعلم، لأنه لا توجد دولة في العالم تقدم ما قدمته البحرين من شهادات وحسن نية وحسن سلوك ومجاراة القوانين الدولية والحقوق الدولية والانسانية وغير الانسانية حتى وصل الأمر إلى حد ان المواطن البحريني يفكر في أخذ المبادرة بيده، وطبعاً هذا ما تريده بعض القوى أن تسود الفوضى ويعم الخراب ويسهل بعد ذلك جني الثمار كما تريد قوى الشر في العالم. هناك برنامج امريكي معروف منذ زمن وقد فشل فشلاً ذريعا متمثل في تسويق الديمقراطية على الطريقة العراقية ولم يجنِ الشعب العراقي سوى الخراب والدمار وانظروا اليه كيف فقد الأمن والاستقرار وفقد كل مقومات الدولة العصرية الحديثة، لماذا إذن اصرار الادارة الامريكية الحالية على تسويق نموذج العراق في المنطقة رغم فشل هذا المشروع بامتياز؟ لماذا تدعم ادارة أوباما الأحزاب والمنظمات الدينية المعادية للديمقراطية على غرار حزب الدعوة في العراق والوفاق في البحرين مع علمها بان هذه الاحزاب ما هي الا امتداد لحزب الله في لبنان؟ ما هذا التناقض الفاضح بين اعتبار حزب الله اللبناني حزبا ارهابيا ودعم مثيله في البحرين والعراق والخليج؟ هذه الاسئلة تعجز واشنطن على الرد عليها وتتجاهلها وترفض حتى مناقشتها وربما لهذا علاقة بخسارة الانتخابات القادمة لو جرى طرح هذه الموضوعات اليوم. الخلاصة هي ان واشنطن انسحبت من العراق بعد فشل مشروع الديمقراطية هناك وفي نفس الوقت تصر على تصديره لبلدان اخرى رغم النتائج الكارثية التي جرها النموذج الفاشل في العراق. لماذا هذا الاصرار؟ أما بريطانيا العظمى فهي تمارس نفس سياستها الاستعمارية القديمة التي ولى زمنها في عصر الاستعمار الجديد، فهي من جهة تدعي الصداقة وخلف الستار تضرب هذه الصداقة، أي الطعن من الخلف وقد اتضح ذلك من خلال مواقف تكررت كثيرا وكان آخرها موضوع السفارة. وما معنى المطالبة المستمرة ايضا باتباع سياسة ضبط النفس؟ ما المقصود بضبط النفس؟ هناك همس في بعض أروقة السياسة الدولية: ان بريطانيا وأمريكا تريدان تحجيم سنة العالم مقابل اتاحة الفرصة لشيعة العالم بالصعود وذلك بعدما عانى الغرب من آثار القاعدة وبن لادن، ولكن السؤال: هل هذه السياسة حقاً عاقلة وتملك رؤية ولها منظروها؟ ان كان ذلك صدقاً وانا هنا اتحفظ على تصديق ما يردد فان العالم سوف يشهد انقلاباً خلال السنوات القليلة القادمة لان التيار السني ان أدرك مثل هذا التوجه فسيكون هناك مليون بن لادن ولا أظن ان الغرب مستعد لمثل هذه الحرب، فقد كان بن لادن واحدا وفعل ما فعل، فكيف بألف بن لادن. هذه مجرد تسريبات ارجو الا تصدق، ولكنها من تداعيات سياسة ضبط النفس التي لا نعرف الى أين تريدان كل من بريطانيا وأمريكا أن نذهب في سياسة ضبط النفس.

حذار من الوقيعة بين السعودية ومصر

إذن محاولة اغتيال السفير السعودي في القاهرة بتخطيط عناصر إيرانية لم تكن كذبة، بل كانت حقيقة، وكانت هناك محاولة أخرى أيضاً لاختطاف السفير. يوم أمس بث موقع «العربية نت» تسجيلاً لمكالمة هاتفية مع مستشار السفارة السعودية في القاهرة محمد سامي جمال الدين، أكد فيه إلقاء الجهات الأمنية في القاهرة القبض على ثلاثة إيرانيين كانوا يخططون لاغتيال السفير أحمد عبدالعزيز قطان، وأن السفير تعرض أيضاً لمحاولة اختطاف من قبل مجموعة إيرانية اندست بين المتظاهرين المصريين.
تهديدات واضحة تتعرض لها سفارات المملكة العربية السعودية في مختلف بلدان العالم، من أمريكا إلى بنغلاديش ثم اليمن والآن مصر، وهذا يفسر قيام المملكة العربية السعودية باستدعاء سفيرها وإغلاق سفارتها في القاهرة وقنصليتين، إذ أن الأمر لم يكن محصوراً في تظاهرات غير مبررة أمام المباني الدبلوماسية التابعة للسعودية إثر قضية «الجيزاوي»، بل هناك محاولات اعتداء حقيقية على السفير والمساس بسلامته من قبل عناصر إيرانية، ولو كانت هذه الاعتداءات قد وقعت لتم إلصاق التهمة بالمتظاهرين المصريين، ولكانت حينها فتنة ما بعدها فتنة بين السعودية ومصر.
المتحدث باسم الخارجية الأمريكية مارك تونر قال «إن واشنطن لا تملك أي تفاصيل عن محاولة اغتيال السفير السعودي في القاهرة، إلا أن هذه المعلومات إن صحت فإنها تؤكد ما ذهبنا إليه في الماضي من أن إيران تسعى إلى زعزعة الأمن والاستقرار في العالم».
بالفعل، لم يكن أمراً معقولاً أن السعودية قد أغلقت سفارتها في القاهرة واستدعت سفيرها بسبب قضية المحامي المحتجز وما أعقبها من تظاهرات، وهو إن صح فليس فيه كامل الحقيقة، ويبدو أن السبب الفعلي لذلك له علاقة بالأوضاع الأمنية في مصر، وما تعرضت له سفارة السعودية وقنصلياتها من تهديدات قد تمتد لتطال حتى الجالية السعودية هناك، ومحاولة لاغتيال السفير، وأخرى لاختطافه. ولهذا فإن الإعلان عن استهداف السفير السعودي جاء بعد اتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة من إغلاق للسفارة وقنصليتي الإسكندرية والسويس وخروج السفير قطان من هناك تحت حراسة مشددة.
العناصر الإيرانية التي خططت لاغتيال السفير تم القبض عليها، والمصدر الوحيد الذي بث هذا الخبر وإن بشكل مبهم هو وكالة الأنباء العراقية كما قال المستشار جمال الدين، واليوم بدأت التفاصيل تخرج إلى العلن، ويتضح معها مدى خطورة التبعات التي كان من الممكن أن تحدث. الطرفان السعودي والمصري باتا اليوم في أمس الحاجة إلى تنسيق أكبر من ذي قبل، ومن الخطأ أن يترك الباب مفتوحاً لأي نشاط إيراني في مصر مهما كان مسماه، إذ أنه في النهاية سوف يهدف إلى إحداث وقيعة بين البلدين وتخريب علاقاتهما التاريخية.

الثورة السورية والخذلانُ العربي والدولي

تفجر الثورة السورية وسط المحور الإيراني السوري الإسرائيلي، من قوى شعبية ريفية في الأغلب، جعلها تخوضُ صراعاً ضارياً طويلاً دموياً.
هذا الذبحُ الفاشي من قبل عصابات سوريا وإيران والعراق، يواكبهُ تأييدٌ مبطنٌ أو صمت سامّ من بقية المحور أي من إسرائيل.
إسرائيل ليست داخلة رسمياً في المحور، بل هي عدوته في نزعاته الحربية ضدها، لكن نزعاته كانت لفظيةً، وتخريبيةً للوضع المادي وتحطيميةً للوحدةِ الشعبية في لبنان، وهي قابلةٌ بجمودِ جبهتهِ على الجولان الذي أتاحَ لها التفردَ بالشعب الفلسطيني واستمرار وضع الاحتلال والتهام الأراضي الفلسطينية وخاصة في القدس، مرحبةً بصواريخ غزة الإيرانية لتعطيها الفرصَ للسيطرةِ الدكتاتورية الحربيةِ على الشعب الإسرائيلي، وتحويل المعركة ضد العسكرية والفاشية إلى صراعٍ ديني بين اليهود والمسلمين.
هذا الوضعُ الثنائي من الجانبين الفاشيين الطائفيين في القسم (العربي الإسلامي)، وفي القسم الإسرائيلي، أتاحَ ذبحَ الشعب السوري بكلِ هذه الوحشية وعبر مستنقعاتِ البرود والتخاذل، والتعاون المتكالب على هؤلاء البسطاء المسالمين الذين يخرجون للمطالبة برحيل مثل هذا النظام الذي أوغل في دمائهم.
هذا درسٌ بليغٌ للذين مازالوا مخدوعين بصواريخِ الإرهاب وجمل النضال في هذه العواصم، حيث تتحول صواريخ حزب الله إلى بنادق تقتلُ السوريين، وعصابات الحقد الطائفي في العراق تتحولُ شبيحةً وحرساً يسحقُ ثورةً شعبيةً عارمة من دون أن يقدروا، مثلما رفاق الدرب الطائفي الفاشي المشترك في البحرين يحاولون خلط الأوراق وخداعَ الرأي العام بأنهم مناضلون يتعرضون لذبحٍ مماثل! فيبعدون الأنظارَ عن مذبحة الشعب السوري الحقيقية، وهم الذين يحرقون ويتسببون في موت المواطنين في البحرين.
والصمتُ والتخاذلُ امتدَ إلى دولٍ أخرى، اكتفتْ بالبيانات المنددة، فخاف النظامُ في الأردن أن تمتدَ الثورة إليه، فتراجعَ عن مواقفه المؤيدة للثورة بسبب قيام الجماعات المذهبية السنية بتفجير الصراعات في الأردن بدلاً من التركيز في تطوير النظام الديمقراطي، ومساعدة الشعب السوري ضد الإبادة التي يتعرض لها.
ثمة تداخلٌ معقدٌ فالمنظمات الطائفية والقومية الشمولية الأردنية لها جذور وعلاقات مع النظام السوري المتوغل فيها، حيث عاشت هذه المنظمات على تأييدِ ومساندة الأنظمة الشمولية في المنطقة مثل حركات (المقاومة) الفلسطينية الباسلة!
وكانت علاقاتُ المنظماتِ الأردنية بالنظام العراقي الدموي البائد نموذجاً على توغل الفساد السياسي فيها وعلى علاقاتِ الأشقاء في دهس الجماهير، وعلى غيابِ أقل درجات التبصر السياسي فيها، فيأتي تفجيرُها للوضع في الأردن في هذه الفترة وخاصة مؤشراً على مساعدتها للنظام الفاشي الدموي في الجارة الشقيقة الشمالية لكن بألفاظٍ نضاليةٍ موجهة لتفجير الداخل ولعدم مساعدة النظام للثورة السورية!
التحالفُ الإيراني السوري الإسرائيلي يمتد في أمكنةٍ كثيرة، فأطرافٌ عديدةٌ تشعرُ بالخوف من تحولات سوريا الملحمية هذه.
أين هم من الثورة العربية الكبرى؟! حين جاءت الثورةُ العربيةُ الكبرى الحقيقية خذلوها، والمدنُ العربية تُحرقُ أمام عيونهم، والضحايا المُقطَّعون يصلون إلى بيوتهم وساحاتهم وأسرةِ أطفالهم، لكن يغدو الوضعُ خاصاً بمنظمات الإغاثة الإنسانية والصليب والهلال ونجمة داود الحمراء!
العراقيون الثوريون أعداء صدام الألداء يتحولون إلى فاشيين بعد أن قبضوا على أعناق الناس في العراق وتمكنوا بمسدساتهم وخناجرهم وخرافاتهم من بيع عظام الكادحين العراقيين في السوق البيضاء، فيغيرون نشامى على الشباب السوري في أزقتهِ وتجمعاته يذبحون الناسَ على الهوية الطائفية.
الهويات الطائفية والدينية للأقليات الكبيرة: الإثنا عشرية والعلوية واليهودية، يعبر اصطفافها الغرائبي هذا، عن الاستغلال المتطرف للدين عبر شعائرية حادة في العادات وتم ذلك لإبعاد المؤمنين بها عن الذوبان في الآخرين الأغيار وتأسيس غيتوات التعصب العنيفة فيها، ولهذا سهل ذلك كله من إيجاد المتعصبين والعصابيين وسيرورتهم لأدوات بطش فاشية بالشعوب وخاصة الآن الشعب السوري.
والتحالف الغربي غير مسرع في إنقاذ الشعب السوري من حمامات الدم هذه، فهدمُ سوريا كقوة سياسية عسكرية وتقوية إسرائيل العدوانية، إيقاعان متداخلان، فتبقى إسرائيل قوة تابعة للولايات المتحدة وهراوة لضرب الرؤوس، كي يضعف نظام سوريا الاستبدادي لكن على شرط أن لا يُهزم أو يُسحق بأيدي الجماهير المنتفضة.
أو أن يتحول قادة الثورة السورية لاتباع لها، بحيث لا تفلت الخيوط من يدها ويقيموا نظاماً خطراً على الأنظمة الصديقة.
لكن الثورة في الداخل تتعمق وغدت العاصمة السورية دمشق مركزها، حتى بعد أن أوقف النظامُ السكك الحديدية لنقل الناس وخصصها لنقل الأسلحة والدبابات، وجعل من المنطقة الوسطى الزراعية المدنية المنتجة ساحات حرب للقضاء على معيشة المواطنين.

لمدعي المعارضة.. مطالبكم فقدت مصداقيتها ومشروعيتها

فوزية رشيد
من أين تستمد المشروعية حقيقتها وقوتها ومصداقيتها، لدى أي جماعة أو في أي خطاب؟ أو في أي مطالب وأينما كانت جهة انطلاقها في العالم وخاصة حين ترتبط تلك الأمور بجهة معينة ومحددة تدعي أنها معارضة تعمل في إطار الوطن ومن أجله؟ قبل أن نُفصل (بضم النون) نود أن نوضح أن ما بين المشروعية واللامشروعية في عمل أي معارضة مساحة كبيرة فاصلة، الحكم فيها هو توجهات وارتباطات وسلوكات قادتها تجاه الوطن ومصالحه الحقيقية وأمنه القومي ومصلحة الشعب في عمومه، خاصة حين ترفع مطالب بكونها معارضة سياسية وطنية، فإذا لم تستطع تلك الجهة وضع الاعتبار أو العمل وفقها، لكل ذلك فقدت مطالبها المصداقية، ومن ثم فقدت المشروعية، ولنُفصّل.
«الوفاق» وهي الجمعية التي تشكلت مع غيرها في ظل المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، باعتبار أنها جمعية (سياسية وطنية وإصلاحية) خرقت كل مبادئ ذلك التشكيل (قانونيا) لماذا؟
منذ أن عاد رؤوس قيادتها من المنفى، وهي الرؤوس التي كانت تقود العمل السري ضد الدولة، شكلت معاً الجمعية في إطار لم يخرج عن فحوى الأداء السري السابق، إلا أن الأداء والخطاب السابقين تم العمل بهما في الإطار العلني، مع فارق الاستفادة القصوى من كل ما فتحه المشروع الإصلاحي من ديمقراطية وحرية تعبير وحريات أخرى مؤسساتية ونقابية وبرلمانية فإذا بها تستغل كل ذلك بما يتنافى دائماً مع المصالح الوطنية الحقيقية ومع المصلحة الشعبية (العامة)، ونركز هنا في لفظي (الحقيقية) و(العامة) لأنهما يتناقضان جوهريا مع أي مطامع أو مطامح فئوية أو طائفية أو ولائية خاصة، للاستحواذ التدريجي أو الانقلابي السريع على السلطة من طرف واحد. فكل ذلك يناقض أيضاً الهدف الأصل الذي تشكلت من أجله كل الجمعيات السياسية في ظل المشروعين الإصلاحي والديمقراطي، وهو هدف خدمة المصالح الوطنية الحقيقية، والمصالح الشعبية لكل مكونات الشعب من دون تفرقة أو تجزئة، وبالتالي فإن عمل أي جمعية يكتسب مشروعيته ومصداقيته من خلال ذلك الهدف المزدوج تجاه الوطن وتجاه الشعب في عمومه، مثلما المشروعية والمصداقية تكتسبان حقيقتهما من خلال توافقهما في عمل أي جمعية سياسية مع الإصلاح والديمقراطية القائمين وتطويرهما ضمن آلياتهما وليس بمحاولة الانقلاب عليهما (جذريا) أو نسفهما أو قيادة ثورة ضدهما لبناء نمط ونظام آخرين، أو العودة بالوراء من الديمقراطية المدنية إلى الديكتاتورية الولائية المرتبطة بها (الوفاق) كنموذج، وبقية الجمعيات غير المرخصة، أي أن يكون البرنامج السياسي متوافقا مع بنود القانون المنظم للجمعيات السياسية، ومع الدستور وعمل المؤسسات الأخرى التي تشكلت هذه الجمعيات معها في إطار ديمقراطي يتوافق مع الميثاق الوطني، لا محاولة الانقلاب على القانون وعلى الدستور وعلى الميثاق وعلى التوافق الوطني، وطلب تأسيس (مجلس تأسيسي) ومحاولة الانقلاب على (كل أبجديات الحياة البحرينية) وتغييرها، وليس فقط تغيير النظام أو الحكومة، وهذا واضح سواء في إعلان الجمهورية الإسلامية، أو فيما تم تسميتها (وثيقة المنامة)، وطالما لا يوجد هناك توافق وطني، فهذا إلى جانب مخالفته لأسس تشكّل الجمعيات السياسية فإنه (انقلاب فئوي طائفي) ولا تسمية أخرى له، وهو أيضاً ما يخالف كل مبادئ الديمقراطية والإصلاح والقوانين والدستور والميثاق خاصة في ظل العنف والإرهاب.
إن أي جمعية تعمل في الوطن على أساس أنها «جمعية سياسية إصلاحية» لا يجوز لها بأي شكل من الأشكال (الدخول في أي محاولة انقلابية في ظل العنف أيضاً) مثلما لا يجوز لها الدفاع عن الإرهاب أو أصحابه بأي شكل. فعل المعارضة الصحيحة يتم بناؤه في ظل ما تشكلت من خلاله، أي في ظل مشروع جلالة الملك الإصلاحي، والديمقراطية التي هي للجميع على حد سواء أو «الديمقراطية التوافقية» مادام هناك مكونات أخرى، لها وجهات نظر أخرى تختلف تماماً عما ترفعه (الوفاق) أو أتباعها أو الجمعيات غير المرخصة اختلافاً يصل إلى حد أن يكون اختلافا جذريا في بعض المفاصل، وأن يكون العمل السياسي قائماً على وضع الاعتبار لحريات ومواقف تلك المكونات، وإلا تم اعتباره خروجاً عن كونها معارضة وطنية وشعبية وممثلة للمصالح الحقيقية لهما، وهذا للأسف ما عملت «الوفاق» وغيرها على ضرب تلك الاعتبارات عرض الحائط، فلاقت النبذ والإدانة، وفقدت مطالبها السياسية أي مصداقية أو مشروعية، سواء في الإطار الشعبي أو في الإطار القانوني لعمل الجمعيات السياسية الإصلاحية.
لم تفقد مطالب «الوفاق» وأتباعها المصداقية والمشروعية فقط لكونها تعمل على (الانقلاب الجذري على النظام) وإن بالتدريج في حين تعمل الأخريات على الانقلاب وإسقاط النظام مباشرة فيما تدعي (السعي إلى إصلاح النظام)، وبالتالي فقدت مع ازدواجية الجمع بين (العمل الانقلابي الباطني والعمل الإصلاحي) حقيقة كونها سياسية إصلاحية، وفقدت مصداقية ومشروعية مطالبها. ولكونها (طائفية ولائية) وليست ذات توجه سياسي فقط، ولأنها خرجت عن التوافق الشعبي، ولأنها ارتبطت بالخارج دعما وتمويلا وتدريبا، ولأنها تبنت العنف وهي اليوم تتبنى وتدعم وتدافع عن الإرهاب المنظم والممنهج والممول فإنها أصبحت مادة أزمة في الوطن.
حين تعمل أي جمعية سياسية، أيا كانت، تحت ادعاء كونها إصلاحية ثم تحاول الانقلاب بشكل مبطن عبر دعم العنف والدفاع عنه، على المشروعين الإصلاحي والديمقراطي اللذين تأسست في ظلهما، وتغيير الدفة السياسية بشكل جذري، عبر مطالب سياسية توصلها في النهاية إلى ذلك الهدف الانقلابي الذي تتبادل جمعيات أخرى غير مرخصة العمل عليه بشكل مباشر وعبر نشر الإرهاب في الوطن، حين تفعل ذلك فإنها فورا وطبقا للقانون الذي اكتسبت مشروعية وجودها الشرعي منه، تتحول من جمعية أو جهة سياسية إصلاحية إلى جهة أو جمعية انقلابية تقفز على كل الثوابت الوطنية وعلى الإصلاح نفسه وتقترح بديلا له حسب هواها، وبما يتعارض مع المواقف والرؤى الشعبية الأخرى والرسمية الموجودة عبر نظام شرعي تعمل هذه الجهة على نسفه مباشرة أو بشكل غير مباشر، عبر ما تدعيه من مطالب سياسية، وهذا يفقد مطالبها المصداقية والمشروعية معا.
وما يفقد «الوفاق» اليوم وغيرها من جمعيات (البصم) مصداقية ومشروعية مطالبها، كونها أنها قد خرجت من كونها سياسية إلى كونها (ولائية طائفية) أي مرتبطة من حيث المطالب والعمل أو الأداء السياسي بمرجعية طائفية تمثل (فئة في طائفة) وليست الطائفة كلها أيضا، ولهذا فان الشعب بكامل مكوناته غير ملزم أصلا لا بتلك المرجعية، ولا بتلك الجمعية أو الجمعيات التي تتبعها لكونها قد خرجت من إطار السياسة العامة إلى إطار التبعية للمرجعية الفئوية في قراراتها السياسية، وهذا مقتل بالنسبة إليها وبالنسبة إلى هويتها السياسية مهما تم نفي الحقيقة فيها، كمن يغطي الشمس بالغربال، فما بالنا حين تكون تلك المرجعية مرتبطة بمرجعيات في الخارج؟ وما بالنا أيضا حين تكون تلك المرجعيات الخارجية لديها أطماع تاريخية ومستجدة في الوطن في ظل مشروع (مهدوي) كبير، وتعمل عبر تلك الجمعيات وأتباع آخرين متطرفين وارهابيين على نسف النظام الشرعي في البحرين، لتحل مكانه بنظام ثيوقراطي تابع كما نظام (المالكي) ان لم يكن في ظل احتلال مباشر للبحرين، باعتبارها الاقليم أو المحافظة الـ١٤ الذي لاتزال تحتفظ بكرسيه في برلمانها؟
هنا تصبح (المطالب السياسية الداخلية) التي تسعى لاسقاط النظام مباشرة أو عبر التدرج في تلك المطالب، تصبح المطالب في ضوء ما سبق مجرد مشجب لتنفيذ اجندات مرجعيتها، التي تريد فرضها عنوة باعتبارها (مطالب سياسية وطنية)، مثلما يصبح وجود مثل هذه الجمعية المرخصة مجرد ستار سياسي يستفيد من كل أوجه الحريات في الحياة الديمقراطية البحرينية، ليحقق أهدافا يعمل عليها آخرون أيضا لتدمير النظام الشرعي، وتدمير الحياة البحرينية في كل أوجهها، وتدمير الاصلاح وتدمير الديمقراطية ذاتها، بالانقلاب الجذري عليها جميعا واستبدال نظام ثيوقراطي (نظام الولي الفقيه) بها لاحقا وبما تريد فرضه اليوم لتصل إلى ذلك، من بدائل لم ولن يقبل بها الشعب البحريني بكامل أطيافه وطوائفه أبدا.
حين تؤدي أي مطالب تدعي الاصلاح إلى افساد الحياة البحرينية، وادخال الخلل فيها، وتوالد الأزمات بشكل مفتعل في كل مرافق البلاد، واتباع الخطاب والأداء اللذين أوصلا إلى شرخ وطني كبير وتقسيم شعبي طائفي، وإلى خلق بؤرة فتنة داخلية، حينها نقول وبكل وضوح إنها مطالب غير وطنية وغير شعبية، وفقدت كل مصداقية لها، مثلما فقدت تماما مشروعيتها، بعد أن خرجت أيضا عن الإطار الوطني الجامع وعن أي توافق شعبي.
والأدهى في كل ذلك من حيث فقدان المصداقية والمشروعية حين يستند أصحاب تلك المطالب الفئوية إلى العنف والتخريب بل إلى الارهاب الممنهج والمنظم، ثم يتم تسويق كل ذلك للعالم بكذب واضح لم تعد تحتمله أعصاب الناس، بأنها مطالب عبر السلمية لتحقيق الديمقراطية والاصلاح والعدالة. فأي جرأة غريبة وأي سماكة جلد في الوجه لدى هؤلاء، حين يقلبون الحقائق ويزورونها ولا يرف لجفنهم طرف؟
هنا لا تفقد تلك الجهات مصداقيتها أو مشروعيتها فقط، وانما تتحول إلى ضفة الاجرام والارهاب بشكل صريح حين هي تدافع عن ارهاب الشارع والقائمين به وعليه، لنصبح ومن دون أي ممالأة أمام ارهاب جمعيات تدعي للملأ أنها سياسية اصلاحية، فيما هي تدعم الارهاب وتدافع عنه وتروجه على انه سلمية وعلى انه دفاع عن النفس.
وهل من يرهب الناس وهو يحرق بيوتهم ويتعدى على الأرواح والممتلكات العامة ويقتل رجال الأمن ويزرع الخراب والدمار في الوطن يدافع عن نفسه؟ أي كذب هنا وأي ترويج للإفساد في الأرض وأي دفاع عنه وعن إرهاب الإرهابيين؟ وهل يحق لأمثال هؤلاء أن يرفعوا بعدها مطالب في الوطن وهم يعيثون فيه خرابا وحرقا وارهابا؟
والأدهى أيضا بعد كل ذلك حين تستقوي هذه التي تسمي نفسها معارضة، حين تستقوي على وطنها بالسفارات الأجنبية وبالتدريب الخارجي وبالتمويل الأجنبي سواء الاقليمي أو من المنظمات الدولية وهي تعلم جيدا أن لكل تلك الجهات نهجا ومشروعا استعماريين، قائمين على الفوضى وزرع الفتنة، فتقبل أن تكون (أدوات تنفيذ داخلي) لتلك الجهات الاقليمية والدولية الاستعمارية، لتفقد صلتها الأخيرة بالوطن وبكل الشرفاء فيه، بل لتبلغ بها الوقاحة التي لا نظير لها وبما يقترب من الخبل والجنون، فتطلب (الحماية الدولية) وهي تعلم علم اليقين معنى ذلك الطلب فقط لتحقيق اجندتها فيما الحقيقة أن من يحتاج اليوم إلى حماية نفسه في هذا الوطن هو الشعب والدولة من جرائم من تدعي أنها معارضة سياسية اصلاحية وبقية الجمعيات غير المرخصة، فهي الجلاد الحقيقي وأداة الجريمة، والضحية هي الوطن والشعب البحريني الحقيقي بكامل مكوناته.
حين تعلن جماعة تدّعي انها معارضة سلمية اصلاحية انها بريئة من دعم العنف والارهاب، ثم تجدها على أرض الواقع، وعلى مستوى السلوك متناغمة معهما، بل تتاجر وتبتز الدولة والشعب بهما، بل تدافع عن القائمين عليهما في كل المستويات، فانها بالفعل جماعة أو جمعيات (سيان) منافقة، كاذبة، ماكرة، خبيثة، متآمرة على الوطن في ظل ما سردناه في المقالين السابقين من أسس لكل ذلك.
وحين تلعب احدى الجمعيات السياسية الولائية (الوفاق) دور المتناغم والمتناسق وموزع الأدوار مع فئات أو اطراف أخرى تدعي بدورها انها معارضة، وتعلن بشكل يومي انها تريد اسقاط النظام، ومحاكمة اطرافه، والانتقام منهم، ثم يعمل الجميع بعد ذلك مع بعضهم بعضا، وكل جهة بطريقتها واسلوبها، على تعميم ذلك المطلب النشاز في البحرين باعتباره مطلبا شعبيا، فانها تكون قد جرؤت على الشعب وكامل مكوناته، واختطفت صوته وتمثيله، بل اختطفت مصالحه الحقيقية ورخاءه وأمنه واستقراره، ومارست اكبر انواع الخداع، وأردأ أنواع الكذب، مما يجعل من مطالبها الفئوية التابعة للأجندة الاقليمية والدولية، مطالب فاقدة أي مشروعية سياسية أو قانونية، بعد أن فقدت مصداقيتها على ارض الواقع جراء ما تسببت به تحت غطاء تلك المطالب من محن وأزمات ومصائب لهذا الوطن ولشعبه مجانا كانا في غنى عنها، ولاتزال تعمل على المزيد منها، كأنها لن تكتفي أو تهدأ الا حين ترى هذا الوطن محترقا بالكامل على رؤوس الجميع.
قبل ازمة هذه الجمعيات مع الوطن، فهي بكل المقاييس ازمتها في داخله، وليست ازمة البحرين التي من دون هذه الجمعيات كانت ستكون في سلام وأمن قبل ذلك عملت بكل الطرائق بذاتها على نشر الفساد والافقار في المؤسسات الحكومية والخاصة، التي اخترقتها بعملائها والتابعين بها، من اجل رسم الصورة المشوهة للبحرين، ومن اجل عرقلة المشروع الاصلاحي وتصويره بأنه لم ينجز شيئا، ومن اجل المتاجرة في ملفات الفساد والفقر، وتصوير البحرين كأنها صومال آخر، أو أحد البلاد الآسيوية المنكوبة بالكوارث، ومن اجل ذلك عمل (عملاؤها) حتى على تزوير التقارير المتعلقة بالنقابات وبالصحة وبالتعليم وبالاقتصاد، حتى يتم رفعها إلى المنظمات الدولية لجلب الادانات والحملات على هذا الوطن المنكوب بجماعات كهذه تدعي انها معارضة، وفي هذا شهادات لأطباء وتربويين اكتشفوا بعد الازمة حجم التزوير في التقارير حين كان عملاء (الوفاق) في المناصب القيادية في كل مؤسسات الدولة قبل ازمتهم مع الوطن في فبراير ١٤(وسنترك الحديث في هذا إلى وقت آخر).
من كل ما سبق في المقالين السابقين وقبلهما من مقالات وفي هذا المقال وغيره كثير من الوقائع مما لم يتم كشفه بعد، نقول لهؤلاء الذين مارسوا ولايزالون يمارسون (أبشع انواع الخيانة للوطن) تحت غطاء المطالب السياسية، لمجرد وصولهم إلى سلطة يعملون ان تكون في اطارها الاخير حكومة تابعة لمجانين الحكم في طهران او في واشنطن وحسب الاجندات المتداخلة نقول اليوم مجددا كما قلنا سابقا:
لستم معارضة، واجندتكم ليست (اصلاحية) وليست سياسية وطنية وبالتالي لستم وطنيين، ولستم سلميين، وانما انتم أدوات الخارج في الوطن، تحت مسمى المعارضة ومسمى مطالبها، تستغلون المسميات السياسية المتعارف عليها في دول العالم الأخرى للتغطية على اجندتكم، وتمارسون أبشع انواع الكذب والافتراء والتزوير لتشويه وجه هذا الوطن.
أنتم ممولون من الخارج، ومدعومون ومدربون على ما يحقق اجندتهم ومطامعهم، في هذا الوطن، وبالتالي فوجودكم نفسه اليوم غير مشروع هنا، فما بالكم بمطالبكم التي فقدت كل مصداقية لها بعد سقوط اقنعتكم؟ ولأن سلوكاتكم في الوطن عبر العنف والإرهاب غير مشروعة، فما ينبني عليها من مطالب وشعارات وخطابات فكلها باطل، وما ينبني على الباطل فهو باطل.
انظروا إلى ما تسببتم به في هذا الوطن لتعرفوا حقيقة انفسكم.
نقول للدولة ولشرفاء هذا الوطن:
كفانا خداعا للنفس، والوقوف موقف الدفاع بدل اجتثاث الارهاب ومن يمثله في وطننا من جذوره، فللأسف هؤلاء اصبحوا اليوم عنوانا لأشكال الارهاب الاخرى كافة وليس فقط (الارهاب الميداني)، هم عنوان الارهاب السياسي والفكري والطائفي، ويعملون على اساس المثل الشائع (ورمتني بدائها وانسلت)، وهكذا هم يلقون بكل عناوين الارهاب لديهم والسلوكات اللاأخلاقية على الدولة وعلى الشرفاء.
ونقول بكلام لا لبس فيه:
اذا ارادت الدولة ان تحمي هذا الوطن من جنون الارهاب والارهابيين ومن جنون الادوات المستخدمة لتنفيذ ذلك، وان تحسم وضع الجمعيات السياسية في البحرين، فعليها ان تكف عن التعامل مع الجمعيات التأزيمية والانقلابية والمدافعة عن الارهابيين باعتبارها (جمعيات معارضة سياسية اصلاحية)، وباعتبار ان ما تطالب به هي مطالب مشروعة، فهي ليست كذلك في ظل كل ما اتضح، وعلى الدولة والشعب بكل طوائفه وأطيافه حسم الأمور مع هذه الجمعيات وبشكل لا رجعة فيه، وان تخرج (بضم التاء) الطائفة الشيعية من يمثلها تمثيلا وطنيا اصلاحيا وديمقراطيا حقيقيا بجمعية سياسية جديدة، تعمل من اجل البناء في الوطن وليس الهدم فيه، ومن اجل الوحدة الوطنية وليس تقسيم الشعب طائفيا، وان يتم تقنين دور الحسينيات ومنابر الخطابة الدينية.
وعلينا جميعا (دولة وشعبا) ان نكف عن موقف الدفاع عن النفس امام شرذمة ارهابية وتخريبية، وألا نستسلم امام (حربهم النفسية) المدعومة اقليميا وامريكيا وغيرهما من خلال المنظمات والمراكز الدولية المسيسة التي تدربوا فيها على ذلك، ولنضع النقاط على الحروف، مرة واحدة واخيرة ولننظر في عيونهم التي اختفى منها كل حياء بقوة، ونعلن حقيقتهم امام اعينهم، فهؤلاء قد بلغوا مستوى من الكذب والتلفيق والتسبب في المظلومية ثم المتاجرة فيها، بما لم يعد الوضع في البحرين يحتمل معه اي زيادة اكثر مما حدث.
البحرين من دون هذه الرؤوس الفاسدة والمفسدة التي تقود جمعيات او قطعانا ارهابية، ستسير في اصلاحها ونهوضها وتنميتها بشكل صحي من دون امراض وعقد واستغلال لمظلومية تاريخية. هؤلاء بقعة سوداء في بياض تجربتنا الاصلاحية والديمقراطية.
وهنا نناشد وزارة العدل أن تستند في اتخاذ الاجراءات الضرورية، إلى القوانين التي لم ولا يحترمها هؤلاء، والتي تنظم عمل الجمعيات ودوافعها واهدافها ومصادر دعمها وتمويلها، وارتباطها بسفارات معادية لدول ذات اجندات.
لا مفر في النهاية من حل هذه التشكيلات الطفيلية على جلد الوطن ووجهه، التي اختطفت بخبث الشعارات السياسية، وشرعية وجودها السياسي، لتنقل إلى وطننا وشعبنا كل امراضها وعقدها واحقادها وتبعيتها للخارج.
اما نصائح او ضغوط المنافقين افرادا أو دولا، فلتذهب جميعها إلى الجحيم، لأنهم كشفوا في اللحظات العصيبة عن حقيقة وجوههم ومدى قبحها وفجورها وانتهازيتها، فلا يستحقون من بلدنا اي اعتبار او احترام أو مجاملة، وانما الفضح والكشف والاحراج، فلهذا البلد رب حفظه وحماه مرارا وسيحفظه إن شاء الله تعالى، وشرفاء دافعوا عنه، وقيادة حكيمة عبرت به من فم الحيتان الشرسة وقوة خليجية ضاربة.
لقد لعبوا بكل أوراقهم واليوم يعيدون اللعب بالأوراق القديمة مجددا وآن للدولة أن تلعب بأوراقها التي لم تلعب بها حتى اللحظة وبقوة ومن دون تراجع.

لمدعي المعارضة: مطالبكم فقدت مصداقيتها ومشروعيتها 1

لمدعي المعارضة: مطالبكم فقدت مصداقيتها ومشروعيتها 2

لمدعي المعارضة: مطالبكم فقدت مصداقيتها ومشروعيتها 3

لصوص الثورات العربية.. إيران وتركيا

ثلاث دول على رأس الدول الأجنبية التي حاولت وتحاول سرقة الثورات العربية هي ايران وتركيا وأمريكا.
بطبيعة الحال، هناك خلافات كثيرة بين مشاريع الدول الثلاث في المنطقة، وبين خططها وأهدافها الحالية والاستراتيجية، لكن يجمع بينها أمران:
الأول: انها حاولت وتحاول ان تنسب إلى نفسها دورا وفضلا في هذه الثورات العربية، ليس لها أبدا.
والثاني: انها تعمل على استغلال نتائج هذه الثورات والاوضاع التي افرزتها في الدول العرية المعنية وفي المنطقة بشكل عام، لحساب مشروعها الخاص في المنطقة. هذا مع الاختلاف في طرق هذا الاستغلال وأساليبه.
فيما يتعلق بإيران، معروف كيف حاول النظام الإيراني في البداية ان يروج لادعاء عجيب مؤداه ان الثورات في دول مثل تونس ومصر استلهمت الثورة الإيرانية والنموذج الإيراني.
وبالطبع، لم يكن هذا الادعاء ليلقى أي آذان صاغية لسبب بسيط، هو ان النموذج الإيراني ليس بالنموذج الذي يحب أي ثوار استلهامه أصلا. ومنذ البداية، رد الثوار في ميدان التحرير بمصر بحزم على هذا الادعاء الإيراني، وأعلنوا ان المجتمع الإيراني هو المدعو أصلا لأن يتعلم من الثورة المصرية.
في وقت لاحق وفي محاولة يائسة للترويج لمثل هذا الادعاء، وجه المرشد الإيراني خامنئي خطابا طويلا بالعربية أسمته وكالات الأنباء الإيرانية «الخطبة العربية لخامنئي». وفي خطابه، ردد نفس الادعاء، وحاول ان يقدم «نصائحه» الى الاحزاب والقوى الثورية العربية. وقد كان أمرا ملفتا وبالغ الدلالة ان احدا من المعنيين من الثوار والأحزاب لم يستمع الى خطابه أصلا او يلتفت إليه، وتجاهله الكل ولم يعلق عليه احد ولو بكلمة واحدة.
غير ان اخطر ما فعلته وتفعله إيران في محاولاتها سرقة الثورات العربية، أمران:
الأول: هو احتضانها ودعمها المعروف للقوى الطائفية المتطرفة في البحرين بوجه خاص، في محاولة لاستغلال مناخ الثورات العربية في المنطقة لتمرير مخطط طائفي انقلابي يستهدف نظام البحرين واستقلالها وعروبتها.
والثاني: محاولاتها اختراق الدول العربية التي اندلعت فيها ثورات، وبالأخص في مصر، وضمان ولاء قوى سياسية وشخصيات عامة، بالمال أساسا. وسوف يأتي يوم على أية حال، وتتكشف فيه تفاصيل محاولات الاختراق هذه.
أما عن تركيا، فهي حاولت ان تستغل الثورات العربية وتؤثر على نتائجها بطريقة مختلفة.
حاولت تركيا ان تقدم نفسها باعتبارها النموذج الرائد الذي يجب ان تحتذيه الدول العربية التي اندلعت بها الثورات. وفي التفكير التركي ان الأخذ بنموذجها سوف يعطي لدورها الاقليمي زخما ويجعلها في موقع ريادي في المنطقة.
غير ان هذه المحاولة كان مقدرا لها الفشل بالضرورة لسبب بسيط, انه أيا كان التقدير للتجربة التركية في الحكم والممارسة السياسية وبناء الدولة، فهي تجربة تخص تركيا بظروفها التاريخية وبأوضاعها السياسية والاجتماعية الخاصة. وهي، كأي تجربة اخرى في الحقيقة، غير قابلة للاستنساخ في أي بلد عربي، حيث لكل بلد ظروفه وأوضاعه الخاصة.
وقبل أيام، قال وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو كلاما عجيبا أمام البرلمان التركي.
قال ان تركيا «مصممة على ان تقود موجة التغيير في الشرق الأوسط» وانه «يتشكل شرق أوسط جديد وسنواصل قيادته».
وزير الخارجية التركي يقول صراحة ان تركيا هي التي تقود التغيير في المنطقة. ولسنا نعرف في الحقيقة ماذا يعني بالضبط، ومتى قادت تركيا التغيير في المنطقة أصلا، وما هو دورها بهذا الشأن.
الأمر كما ذكرت ان تركيا من جانبها تحاول ان تنسب إلى نفسها فضلا ليس لها في التطورات التي تشهدها المنطقة.
أما إذا كان الوزير التركي يشير بهذا إلى موقف تركيا ودورها في الأزمة السورية على النحو المعروف، فإن هذا الموقف التركي من التطورات في سوريا، وبغض النظر عن موقفنا نحن من الأزمة، هو في حد ذاته يثير الشكوك والشبهات حول أطماع تركيا في سوريا وفي المنطقة عموما.
وبشكل عام، يمكن القول ان محاولات ايران وتركيا استغلال التطورات في المنطقة التي ارتبطت بالثورات العربية محكوم عليها في نهاية المطاف بالفشل. سبب ذلك انه مع الفوارق بالطبع، فان ايران وتركيا لدى كل منهما مشروعها الخاص في المنطقة، ومشروعهما هو بالضرورة على حساب المشروع العربي، ومن ثم لا يمكن ان يكون مقبولا. وهذا هو ما تدركه الأغلبية الساحقة من القوى السياسية العربية
والشعوب العربية لم تقم بثورات أو تتطلع الى التغيير من أجل ان تسلم مقاليد المنطقة العربية إلى إيران أو تركيا.
أما عن أمريكا ومحاولتها سرقة الثورات العربية، فهذا هو موضوع المقال القادم بإذن الله.

وما أكثر زنوج البيت

العلاقة بين ما كُتب في هذه الزاوية يوم أمس حول حكاية «زنوج البيت وزنوج الحقل» لمالكوم إكس، لا ينتهي عند حدود ما ذكرناه، ولكن للحديث بقيّة نكملها هذا اليوم.
«زنوج البيت» كما سمّاهم مالكوم إكس أو زنوج السيّد، هم فئات تعيش بيننا، منهم الحقوقيون ومنهم الصحفيون ومنهم الموظّفون العاديّون، جميعهم امتهنوا تلك العبودية، والسبب حصولهم على المنافع والمناصب والمكاسب!
هناك الموظّف الذي يعلم أن رئيسه في العمل فاسد مفسد، ومع ذلك تراه يدافع عنه، ويستميت في تجميله، لأنّه يستفيد منه العلاوات والترقيات والدرجات الوظيفية! فهو يعمل له كالجاسوس بين الموظفين، كما يقوم بتنفيذ المهمات المنزلية لمسؤوله، كشراء حاجيات المنزل أو توصيل الأولاد إلى المدرسة! بالرغم من أنّه موظّف في الدولة ولم يوظّف كـ«زنجي البيت» عند ذلك المسئول!
هناك الإعلامي، الذي تراه امتهن الإعلام ليس رسالة وإنّما كهاتف عمومي، متى ما وُضعت فيه الأموال، يشتغل لحساب من دفع! ترى مواقفه تتقلّب يمنة ويسرة بحسب من يدفع وبحسب المصلحة!
هناك من هو أسوأ من أولئك جميعا؛ وهو من تراه امتهن عبودية «زنجي البيت» من دون أن يطلب منه أحد، فتراه يمارس مهنة «التطبيل» للدفاع عن أي قضيّة وعن أي شخص، يظنّ أنّه سيصل من خلاله!
بمعنى آخر؛ هو الإنسان الانتهازي الذي ليس لديه لا قيم ولا مبادئ، لذلك تراه «مع الخيل يا شقرا»، يمتدح فلاناً ويوصله إلى درجات الربوبية - والعياذ بالله - والسبب أنّ مصلحته تتطلّب ذلك!
لن تفاجأ بعد مدّةٍ تتغيّر فيها الأحوال، أن ترى نفس الشخص يسبّ ذلك الشخص الممدوح، بل يتعدّى عليه بأسوأ العبارات، والسبب - كما ذكرت لكم - انتفاء المصلحة في مدحه، وحصولها في ذمّه!
وأكبر مثال على هذا النّوع من العبيد، هم بعض النماذج التي كانت تسجد لنظام مبارك غدوّاً وعشيّا، وبعد أن سقط ظهروا للناس يسبّون فيه ويلعنون!
«زنوج البيت» الذين ابتلي بهم الوطن، هم أناس يغيبون في الشدائد والمحن، ويظهرون عند الرخاء! تراهم يظهرون أمام الناس مدافعين عن الوطن، وهم في الخفاء قد أثخنوا بطونهم وملأوا جيبوهم لأنّهم - كما ذكرنا - كالهواتف العمومية، يسيرون وفق المبدأ البريطاني: Nothing for nothing، بمعنى: «كلّه بحسابه»!!
«زنوج البيت» الذين ابتلي بهم الوطن، تراهم في الرّخاء أوّل الواصلين، بل قد تجدهم يقولون الشّعر وهم ليسوا بشعراء! ويرقصون «العرضة» بدون السيوف! بينما في الشدائد تبحث عنهم ولا تجدهم، ولا تفاجأ إذا وجدتهم في الضفّة الأخرى مع طاعِنيك، يشاركونهم الأفراح والليالي الملاح؟
حكمة نبوية: «سيأتي على الناس سنوات خدّاعات، يصدّق فيها الكاذب، ويُكذّب فيها الصادق، ويُؤتمن فيها الخائن، ويُخوّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة، قيل وما الرويبضة،؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة». وكم مُلئ زماننا بزنوج البيت والرويبضة.

يقولون إنها ثورة.. يا للغباء المستفحل

أسامة الماجد

أضحك كثيرا عندما تردد قناة الكذب والدجل “العالم” كلمة ثورة البحرين .. يا للغباء المستفحل .. لغاية الآن يستمرون في كذبهم ويحاولون خداع الناس بهذه الكلمات الذين  هم أصلا  من كبيرهم وصغيرهم لا يعرفون معناها الحقيقي .. حتى بعض العقول هنا لا تزال تستخدم كلمة ثورة مع علمهم أنها ليست كذلك..فقط يخدعون أنفسهم ويتوهمون شيئا غير موجود .. يحاولون تلوين التمرد الطائفي بألوان الثورة ولكن على من تضحكون ..
وبصورة عامة لقد أصبح مصطلح الثورة مألوفا عند المواطن العربي والخليجي هذه الأيام نظرا لما يحدث من
حوله، بيد أن من المهم توضيح معنى الثورة الحقيقي واستحالة حدوثها في مجتمعنا الخليجي الذي يتمتع بخصوصية تختلف عن بقية المناطق، وتحكمه أسس وعادات وتقاليد وأعراف تجعله بعيدا تماما عن حدوث أي هزات، لا سيما وإذا عرفنا ان الأنظمة الحاكمة في دول الخليج أثبتت وعلى مر عقود طويلة استقرارها و قوتها وصلابتها  والتحامها مع شعوبها أكثر من الأنظمة الجمهورية التي بدأت تتساقط واحدة تلو الأخرى بسبب البون الشاسع بينها وبين الشعب ..فلا أبواب الرؤساء في الجمهوريات مفتوحة لعموم الشعب، ولا طريق واضح مرسوم للناس .عكس حكام دول الخليج الذين يستمدون القوة من الناس، حيث أن أبواب مجالسهم مفتوحة لكل فرد في المجتمع مهما كان، يستمعون إلى مشاكلهم وهمومهم ويلبون مطالبهم دون رسميات ،علاوة على تواضعهم مع الصغير والكبير وتفهمهم لكل المشاكل صغرت ام كبرت .إنه كعادة متوارثة .. ولهذا فدول الخليج هي بحق بلدان الأمن والاطمئنان الأخضر والبلدان المثالية في ريادة القيم الحضارية والإنسانية.
عموما يا سادة .. يا من يحاول أن يلصق بنا مصطلح غريب..أقول وحسب ما تعلمنا وفهمنا:
هناك فرق كبير بين الثورة والتمرد الطائفي ..فالثورة ليست انقلابا  ماديا يغير مظاهر الناس أو شكل المدن، انما تطور باطني يتم على دفعات ببطء في طريق سيرها المرسوم لها، ثم ان الثورة تقوم بناء على مبادئ وهي تمتاز بالدوام والتجدد لا تهدأ ولا تفتر. أما التمرد الطائفي فهو أمر عارض ومؤقت ليست له جذور عميقة من الفكر يستند إليها ويستمد منها وجوده، ولذلك فهو سرعان ما يؤد في مهده.
كما ان الثورة  ليست كالتمرد الطائفي .. الثورة أعظم  من هذا قدرا وابعد أثرا ..
في كتاب تشريح الثورة  للكاتب كرين برنتون فقرة تقول “إن الأنبياء هم اكبر الثوار في تاريخ بني الإنسان”.. فلا بد للثورة من قداسة ومن أمل ومن مبادئ مقررة  ولا تحسب من الثورة الصالحة كل ثورة تخرب  وتهدم ولا تقرر ولا تبني ولا تدين بقداسة الفكرة.
لتتعلم قناة الملالي في طهران ومن يسير وراءها كالقطيع المخدر بأفيون ولاية الفقيه، ان الثورة لا تعد ثورة إلا إذا سار فيها التغيير  السياسي جنبا إلى جنب مع التغيير الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، أما مجرد  التغيير السياسي فيسمى تعديلا أو إصلاحا، كما ان الثورة تختلف عن التمرد الطائفي، حيث ان الأخير ينقضي سريعا .. انه شهادة لا تماسك فيها ولا أحكام. أما الثورة فتبدأ بفكرة، انها ادخال للفكرة في سياق التجربة التاريخية على حين ان التمرد الطائفي هو مجرد حركة لا نتيجة لها في الواقع واحتجاج  غامض لا ينطوي على نظام ومذهب، أما الثورة فمحاولة لتكييف العمل وفقا لفكرة ابتغاء تشكيل العالم داخل إطار نظري.
التمرد الطائفي يا من تدعون العلم والمعرفة حركة سرعان ما تسقط من حساب التاريخ، فلا تذكر في صفحاته إلا كما تذكر العاصفة المدمرة .. اليوم شديدة وغدا لا شئ!! والأهم .. الثورة تتطلب تحرك جميع من في المجتمع وعلى اختلاف مذاهبهم .. وليست جماعة صغيرة من طائفة معينة!.
إذن فلتخرسي يا قناة العالم ولتعرفي حقيقة ما يحدث عندنا .. إنها ليست ثورة ولا هم يحزنون .. الثورة الحقيقية ستحدث عندكم .. في إيران .. وساعتها نريد أن نشاهد ملامح المذيعين كيف ستكون .. يا منبع العفونة والكذب!

أكذوبة الحياد في الإعلام الغربي

بثينة خليفة قاسم

الإعلام الغربي الذي يسكت عن المذابح التي تنفذ ضد الفلسطينيين ويصف المقاومة الفلسطينية بالارهاب هو نفسه الذي يغض الطرف عن قضية مئات الفلسطينيين المضربين عن الطعام في السجون الإسرائيلية، رغم أنهم معتقلون إداريا دون محاكمة، ويضخم قضية مواطن بحريني يقضي عقوبة حكمت بها محكمة بحرينية.
قتل امرء في غابة جريمة لا تغتفر  وقتل شعب كامل مسألة فيها نظر.
هذا هو شعار الإعلام الغربي الذي ينحاز ضدنا على الدوام.
نحن لا نقول كلاما مرسلا أو اتهامات بلا دليل ولكننا ننقل عن دراسة صدرت عن مركز بحثي معروف تكشف مدى الظلم الذي مارسته وسائل إعلام غربية لها اسمها في عالم الاعلام الغربي على البحرين.
الدراسة صدرت عن مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية تحت إشراف الدكتور عمر الحسن مدير المركز، وهي عبارة عن دراسة مقارنة تقوم بتحليل مضمون كمي وكيفي لما نشرته وسائل إعلام بريطانية حول شخصين عربيين مضربين عن الطعام، أحدهما عبدالهادي الخواجة المواطن البحريني الذي يقضي عقوبة السجن التي حكمت عليه بها محكمة بحرينية بتهمة الاشتراك في محاولة لإسقاط النظام الملكي في البحرين، والثانية هي الفلسطينية هناء شلبي المعتقلة دون محاكمة في سجون الاحتلال الاسرائيلي، والجميع يعرف بأي ذنب يحبس الفلسطينيون وبأي ذنب يقتلون.
ولا بأس أن نسلم جدلا أن قضية الخواجة وقضية هناء شلبي تندرجان ضمن قضايا حقوق الانسان كما زعمت الصحف البريطانية، رغم التباين المعلوم لكل من لديه حد أدنى من العلم والثقافة، لأن الأرقام سوف تنصرنا أيضا طبقا لما جاء في دراسة مركز الخليج، لأنها تكشف إلى أي مدى ظلمنا الإعلام البريطاني.
ولمن أراد أن يبحث الأمر بنفسه، فالدراسة تناولت ما ورد عن “الخواجة” في عدد (6) صحف هي: (التايمز، صنداي تايمز، فايننشيال تايمز، الجارديان، إندبندنت، وديلي تليجراف) خلال الفترة من 6-18/4/2012، وكذلك ما ورد في صحيفتين هما: (الإندبندنت، والجارديان) عن “هناء شلبي” خلال فترة أطول من 26/3/2012- 15/4/2012 (أي مدة أطول).
والأمر لا يتعلق فقط بعدد الصحف التي تناولت قضية هناء والخواجة ولا بالفترة الزمنية محل الدراسة، رغم الدلالة الواضحة لذلك، ولكن المواد المنشورة من حيث عددها وعدد الكلمات التي وردت ومن حيث نوع هذه المواد وعناوينها تفضح بشدة ذلك الانحياز الذي تمارسه صحف بريطانيا ضد البحرين.
فحالة “الخواجة” غطتها (35) مادة صحافية في مدة زمنية قدرها 13 يومًا من 6-18/ 4/ 2012 (وهذه المدة كانت هي الأكثر كثافة في تناول الصحف البريطانية لحالة إضرابه مقارنة بالفترة السابقة) بينما حالة “شلبي” غطتها (3) مواد صحافية فقط في 21 يوًما أي من 26/3-15/4/2012.
الدلالة واضحة ولا تحتاج إلى تعليق، وغدا نكمل التعليق على دلالات الأرقام، ونعرض للجانب الكيفي من تحليل المضمون لتلك الصحف لنبين مدى النفاق وعدم المهنية في تناول الصحف البريطانية كمثال أو عينة للاعلام الغربي بشكل عام فيما يتعلق بالبحرين.
حياد الاعلام الغربي كذبة انطلت على الكثيرين خاصة في عالمنا العربي، فالاعلام الغربي هو تعبير عن مواقف وأيدلوجيات وسياسات دول لها مصالح محددة، ولا يمكن لهذا الاعلام أن يخرج عما هو مرسوم له من خطوط حمراء، ولكننا كعرب دائما ننظر لما هو قادم من الغرب على أنه القدوة والمثل.
الصحف البريطانية اتخذت من قضية عبد الهادي الخواجة سببا لتشويه البحرين دون سند علمي واعتمدت على رسائل القراء والمعارضين ولم تشغل نفسها بالاصلاحات التي جرت في البحرين طوال عشر سنوات مضت، وافترت على قيادات البلاد دون سند سوى رسائل أبلغت إليها من بعض القراء.
وحتى لا نذهب بعيدا في  التعبير عن إحساسنا بالظلم بسبب ما اقترفته الصحف البريطانية المغرضة في حق بلادنا، نعود لما بدأناه بالأمس من تعليق على الدراسة الموثقة التي أصدرها مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية حول موقف هذه الصحف من قضية عبد الهادي الخواجة البحريني وهناء شلبي الفلسطينية خلال تناول هذه الصحف لاضراب كل منهما عن الطعام.
وبعد الاشارة في عمود الأمس للنواحي الكمية ودلالاتها، نشير اليوم للنواحي الكيفية التي تبين أن كبريات الصحف البريطانية اتخذت من قضية الخواجة سببا لإدراج التظاهرات الطائفية في البحرين ضمن الربيع العربي، واعتبرت حالة الخواجة نموذجا قابل للتعميم فيما يتعلق بحقوق الإنسان في البحرين ،وأبت في الوقت ذاته أن تتخذ من قضية هناء شلبي سببا للحديث عن معاناة الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، واعتبرت أن قضية هناء مجرد قضية فردية تخص هناء وحدها وليست صرخة شعب ضد الاحتلال الظالم.
إنني أدعو جميع المهتمين بالشأن السياسي والإعلامي وقادة الرأي وأساتذة الجامعات ورجال الإعلام أن يرجعوا لهذه الدراسة لمعرفة كيفية التناول الصحفي لقضية الخواجة وقضية هناء شلبي، ليروا كيف اختلفت العناوين وظلالها ومعانيها من قضية إلى أخرى وكيف كانت المساحة المخصصة ونوعية المواد الصحفية وحجم المغالطة التي وجدت في المواد التي أساءت للبحرين وقيادتها ولم تتعرض لممارسات إسرائيل ضد الفلسطينيين واكتفت بالإشارة العقيمة إلى القضية دون هجوم أو تنديد بهذه الممارسات، بينما استغلت كل مناسبة للنيل من البحرين وطمست إنجازاتها في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، وخلطت بين الرياضة والسياسة، متخذة من فعالية الفورمولا سببا للتشهير وتضخيم ما يجري فيها بشكل عدائي.
إن المواقف التي يتخذها الرأي العام الغربي، بل التي تتخذها الدول وقادتها يعتمد بشكل أساسي على ما تعرضه وسائل الاعلام في هذه الدول ،وبالتالي تتخذ الكثير من المواقف الظالمة وتمارس الضغوط  وتمرر الأجندات استنادا لما تورده هذه الوسائل مهما كان الذي تقدمه مجاف للحقيقة.
كل الشكر والتقدير لمركز الخليج للدراسات الاسترتيجية ورئيسه الدكتور عمر الحسن على إمدادنا بهذه الدراسة العلمية القيمة.

لماذا يؤيد الغرب “الثورات” العربية

ثمة حيرة تنتاب المراقبين لمجريات الأحداث في المنطقة العربية، كيف نفسر ما يحدث في العالم العربي فيما سُمّي بحركات “الربيع العربي”؟
إن نظرية المؤامرة، نظرية مكررة ممجوجة خاصة في الخطاب العربي، فالجميع يتآمرون علينا لما حققناه، وكأننا اكتشفنا الذرة وذهبنا إلى القمر، أو حتى فتحنا عكّا! ولكن إن توافرت شواهد ودلائل على أن ثمة “مؤامرة” فلا بد من رصدها، ومن الغباء استبعادها بأنها مجرد “مؤامرة”!
غير أن “الخارج” لايستطيع التأثير في “الداخل” إلا إذا انوجدت ظروف موضوعية في ذلك “الداخل” تساعده . وأعتقد أن الوضع العربي أخذ يشهد تلك الظروف الموضوعية منذ زمن بعيد، ومن ناحيتين:
* الناحية الأولى: إن الأنظمة القائمة التي تمت إطاحتها أو تجري إطاحتها، قد طوّلت ومضت عقود من الزمن وهي قائمة لا تسمح لغيرها بمنافستها والحلول محلها رغم كونها جمهورية، وإذا أصابت الشيخوخة أو حلت الوفاة بالأب الحاكم، فإن الابن الشاب يُعد لتولي السلطة (أو تولاها بعد والده)، هذا فضلاً عن واقع الفساد المستشري في تلك الأنظمة الذي يصيب باليأس أقوى المتفائلين . وكان الغرب يقف إلى جانبها ويؤيدها رغم سوءاتها .
أما الناحية الثانية: فهي أن تلك الأنظمة لم تتخذ أية مواقف مشرفة تجاه “إسرائيل” . وفي عالمنا العربي، أية مواجهة من أجل فلسطين هي مقياس “وطنية” و”عروبة” أي نظام عربي .
ولكن تبين أن تلك الأنظمة يهمها البقاء في السلطة والتمتع بامتيازاتها، بأي ثمن، “ومن بعدي الطوفان” .
والقوى الغربية، التي أضحت “ثوروية” اليوم، والتي تؤيد إطاحة تلك الأنظمة تدرك، أو أصبحت تدرك، أن تأجيل السلام في الشرق الأوسط وعدم حسم الصراع العربي - “ الإسرائيلي” من أسباب العداء المتأصل في نفوس العرب ضد الغرب بما يتضمنه ذلك من تحيز غربي ل”إسرائيل” ضد الدول العربية مجتمعة، إن تلك القوى أصحبت تدرك ذلك، لكنها لاتعلنه خوفاً من “إسرائيل” والقوى المؤيدة لها في الغرب، كما حدث مؤخراً للشاعر الألماني الذي اقترب من الحقيقة، ولكن الغرب يريد التخلص من تلك المشكلة في ضوء قبول العرب بالسلام وتوقيع بعضهم “اتفاقيات سلام” مع “إسرائيل” وقبول بعضهم الآخر بالمبدأ، هذا مع تعنت الجانب “الإسرائيلي” وتردده في قبول السلام .
وقد حاول الغرب الضغط على “إسرائيل” دبلوماسياً للقبول بالسلام والدخول فيه، من جورج بوش الابن إلى الرئيس أوباما - على ما بينهما من اختلاف في السياسة - ولكن تل أبيب ظلت ممتنعة!
فهل التغييرات الجديدة في عالمنا العربي، والتأييد الغربي لحركاته ضغط جديد على السلطة “الإسرائيلية”، بمعنى ظهور قوى سياسية جديدة في العالم العربي، كالإخوان المسلمين، الذي يمكن أن يعودوا لمحاربة “إسرائيل” ويدعموا القوى الإسلامية المحيطة بها؟ يلاحظ أن الغرب يبحث عن “إسلاميين معتدلين” ضد المتشددين، وهو لا يمانع إذا حدث صراع بين الجانبين .
وهل تصريحات نتنياهو - بتطرفه المعهود - في الآونة الأخيرة عن “الدولة الفلسطينية” وإرسال واشنطن لمبعوث أمريكي زار مصر والكويت والسعودية، فضلاً عن مروره بالأردن، و”إسرائيل” لبحث “السلام” مع الدول المعنية في المنطقة من مؤشرات اقتراب الحل “واستجابة” الجانب “الإسرائيلي” له، في ضوء تلك التغييرات التي أخذت مؤشراتها تترى من تفجير أنابيب الغاز إلى “إسرائيل” مرات عديدة إلى إلغاء الجانب المصري لاتفاقية الغاز جملةً وتفصيلاً . . الخ .
ويرى العالمون بحقائق الوضع العسكري العربي، أن الجيوش العربية تخلت عن تلك الأنظمة ما أدى إلى سقوطها .
فالجيش التونسي تخلى عن ابن علي ولم يدخل المعركة ضد الشعب التونسي معه، وهو الآن يتلقى “رد الجميل” الأمريكي، كما تحدثت الأنباء، والجيش المصري بالمثل والجيش اليمني اتخذ موقفاً هو أقرب إلى الحياد في الصراع السياسي إلى أن رحل علي صالح، وصار الجيش الآن في إمرة الرئيس الجديد . أما في سوريا، فقد وقف الجيش النظامي موقفاً آخر، واتخذت الأزمة مساراً آخر .
وفي ليبيا كان القذافي على وشك القضاء على الثورة في الشرق، فسارع حلف الأطلسي، وهو أقوى قوة عسكرية إلى إقامة مظلة حربية في الغرب فوق الساحل الليبي أدت إلى النتيجة المعروفة .
إن مثل هذه “المواقف” الغربية تغير الصورة التاريخية في المنطقة وتجعل “الجماهير” العربية أقرب إلى الغرب ولم نسمع أصواتاً ضده في ساحة الثورات، وذلك ما يجعل روسيا والصين في حالة ضيق، فالمراهنة لديهما على استمرار العداء العربي للغرب، وهذا دليل آخر على أن الغرب يقف وراء ما يحدث بدليل المعارضة الروسية - الصينية لذلك . وقال بوتين مؤخراً إن التقارب الروسي - الصيني “تقارب غير مسبوق”!
فيا وطني الكبير، هل تسمع النفير القادم إليك هذه المرة من واشنطن ولندن وباريس؟
فسبحان الله مغيرّ الأحوال و . . المصالح .

تسويات على ظهر سلحفاة

رغم التعثّر الواضح في تطبيق وقف إطلاق النار على الأراضي السورية، وهو البند الأساس في خطة كوفي أنان، فإنّ هذه الخطة هي الآن الخيار الوحيد الممكن للتعامل مع واقع الأحداث الدموية التي تشهدها سوريا منذ أكثر من عام. بل يمكن اعتبار هذه الخطة محصّلة لفشل كل المراهنات الأخرى، التي جرت محاولة تطبيقها من قِبَل كل الأطراف المحلية والإقليمية والدولية المعنيّة بتطوّرات الأزمة السورية.
فلا مراهنة السلطات السورية على الحل الأمني قد نجحت، ولا مراهنة بعض قوى المعارضة على تغيير النظام قد تحقّقت، ولا الوعود والتهديدات بالتدخّل العسكري الأجنبي كان ممكناً تنفيذها.
أيضاً، فإنّ المراهنات على حصول تفكّك في قوى الحكم السوري مقابل بناء معارضة سورية موحّدة، قد سقطت في الحالتين، إذ ما زال الحكم في سوريا قوياً موحّداً، بينما شهدت قوى المعارضة مزيداً من التباعد بين أركانها، حتى في داخل «المجلس الوطني» نفسه، وهو المجلس الذي كان يُراد من تأسيسه إيجاد نقطة جذب لقوى سورية عديدة، فإذا به يتحوّل إلى مصدر تنافر بين مؤسسيه.
لكن خطة أنان لم تكن أصلاً بمبادرةٍ منه، كأمين عام سابق للأمم المتحدة، وهي ليست أيضاً مجرّد مبادرة من الأمين العام الحالي بان كي مون، فهي أولاً وأخيراً صيغة أميركية ــ روسية، جرى التوافق عليها وتسويقها لاحقاً لدى حلفاء كل طرف، حتى وصلت إلى الأراضي السورية والأطراف المحلية والإقليمية المعنيّة.
وهذا التوافق الروسي ــ الأميركي على إعداد وإعلان خطة أنان، رافقه أيضاً التفاهم على كيفيّة التعامل مع الملف النووي الإيراني، حيث تزامن إعلان الخطة بشأن سوريا والإجماع في «مجلس الأمن» على دعمها، مع نجاح جلسة المفاوضات في إسطنبول حول الملف النووي الإيراني، وكثيرة هي الآن التصريحات الإيجابية عن المتوقَّع أيضاً من الجولة القادمة للمفاوضات في بغداد.
لقد أصبح واضحاً أنّ إدارة أوباما لا تجد مصلحةً أميركية في زيادة الخلاف والتناقض بين المواقف الروسية والأميركية. وكذلك أيضاً هي رؤية الاتحاد الأوروبي، المتضرّر الأول من عودة أجواء «الحرب الباردة» بين موسكو وواشنطن، في ظلّ التراجع الاقتصادي الأوروبي، والحاجة الأوروبية لعلاقات اقتصادية وسياسية جيدة مع الصين وروسيا. كما لا تجد الإدارة الأميركية الآن، أيَّ مصلحة في تصعيد التوتّر مع إيران، أو في تبنّي مقولة الحكومة الإسرائيلية بشأن استخدام الضربات العسكرية على مواقع إيرانية، بل تنظر إدارة أوباما إلى هذا العمل العسكري المطلوب إسرائيلياً، كخطر أكبر على أميركا ومصالحها من أيّة حرب أخرى خاضتها في المنطقة.
لذلك حصلت هذه التفاهمات الأميركية ــ الروسية حول كيفيّة التعامل مع الملفين السوري والإيراني، دون أن يعني ذلك «يالطا» جديدة، أو تفاهمات على توزيع الحصص الجغرافية في العالم، كما حصل بين موسكو وواشنطن عقب الحرب العالمية الثانية.
فهي الآن تفاهمات على منع استمرار الانحدار السلبي للملفين السوري والإيراني، أو وصول أيٍّ منهما لحالة الحرب الإقليمية، لكن لم يحصل بعد التفاهم الأميركي ــ الروسي على المطلوب مستقبلاً من وجهة نظر كلّ طرف، فهي مسألة مفتوحة الآن لمزيد من التفاوض، وعلى مرحلتين: الأولى، ومداها الزمني هو قمّة مجموعة الثمانية المقرّرة هذا الشهر (مايو) في «كامب ديفيد» الأميركية، والمرحلة الثانية ستكون مباشرة بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر القادم، لبحث الاتفاقات الممكنة بين المحورين: الأميركي ــ الأوروبي، والروسي ــ الصيني، على قضايا دولية عديدة، أهمّها خط الأزمات الممتد من طهران إلى غزة.
وفي حال إعادة انتخاب أوباما واستمرار نهج التفاهم بين موسكو وواشنطن، فإنّ الصراع العربي ــ الإسرائيلي سيكون المحطّة القادمة لقطار التفاهمات الدولية، من خلال الدعوة لمؤتمر دولي (ربّما في موسكو) على غرار مؤتمر مدريد في مطلع تسعينيات القرن الماضي، ومن أجل إعلان «الدولة الفلسطينية»، وتوقيع معاهدات على الجبهتين السورية واللبنانية. فخيار التسويات هو المطلوب حالياً من قبل الأقطاب الدولية، حتى لو كانت هناك «معارضات» لهذه التسويات على مستويات محلية وإقليمية.
هل هذه التوقّعات عن التسويات الدولية الممكنة لأزمات في المنطقة ومحيطها، تعني «برداً وسلاماً» للأوطان العربية وشعوبها؟ الإجابة هي بنعم، في الحدّ الأدنى، وفي ظلّ الظروف العربية السلبية القائمة حالياً، وما فيها من مخاطر أمنية وسياسية على الكيانات الوطنية، لكن هي حتماً مراهنات عربية جديدة على «الخارج»، لحلّ مشاكل مصدرها الأساس هو ضعف «الداخل» وتشرذمه. فأيُّ حلٍّ يرجوه العرب لمصلحتهم إذا سارت التفاهمات الدولية والإقليمية تبعاً لمصالح هذه الأطراف غير العربية، ولموازين القوى على الأرض، وليس مرجعية الحقوق المشروعة للشعوب والأوطان؟!
إنّ العرب لم يتعلّموا سابقاً من «قابلية ظروفهم للاستعمار». فالمنطقة العربية (وأنظمتها تحديداً) لم تستفد من دروس مخاطر فصل حرّية الوطن عن حرّية المواطن، ولم تستفد أيضاً من التجارب المرّة في المراهنة على الخارج لحلِّ مشاكل عربية داخلية. والأهمُّ في كلّ دروس تجارب العرب الماضية، والتي ما زال تجاهلها قائماً، هو درس مخاطر الحروب الأهلية والانقسامات الشعبية على أسس طائفية أو إثنية، حيث تكون هذه الانقسامات دعوة مفتوحة للتدخّل الأجنبي، ولعودة الهيمنة الخارجية من جديد.
إنّ المنطقة العربية تتميّز عن باقي دول العالم الثالث، بأنّ الدول الكبرى، الإقليمية والدولية، تتعامل مع هذه المنطقة كوحدة متكاملة مستهدَفة، وفي إطار خطّة استراتيجية واحدة لكلّ أجزاء المنطقة، بينما تعيش شعوب المنطقة في أكثر من عشرين دولة، وفق الترتيبات الدولية التي وضعتها في مطلع القرن العشرين القوى الأوروبية الكبرى.
ولقد أدّى هذا الواقع الانقسامي، وما زال، إلى بعثرة الطاقات العربية (المادّية والبشرية)، وإلى صعوبة تأمين مشروع عربي فاعل يواجه المشاريع والتحدّيات الخارجية، أو يمكّن من القيام بدور إقليمي مؤثّر تجاه الأزمات المحلية، بل أدّى أيضاً لوجود عجز أمني ذاتي في مواجهة ما يطرأ من أزمات وصراعات داخل المنطقة، ما يدفع البعض للاستعانة بقوى أمنية خارجية قادرة على ضبط هذه الصراعات.
إنّ سلبيّات الواقع العربي الراهن، لا تنحصر فقط في المخاطر الناجمة عن عدم إدراك العرب دروس تاريخهم، وأهمية موقع أوطانهم وثرواتها، بل أيضاً في سوء رؤية أصحاب الأرض العربية لأنفسهم ولهويّتهم، ولكيفية أسلوب إصلاح أوضاعهم السياسية والاجتماعية. فتداعيات العنف الداخلي المسلّح، المرافق الآن لانتفاضات شعبية في بعض البلدان العربية، تُنذر بالتحوّل إلى حروب أهلية عربية، يكون ختامها نجاح المشروع الإسرائيلي حصراً، حتّى على حساب المشاريع الدولية والإقليمية الأخرى الراهنة للمنطقة.
ومن المهمّ عربياً في هذه المرحلة، عدم الفصل بين الحاجة لتغييرات وإصلاحات داخلية في بعض الأوطان، وبين مسؤوليات ما تفرضه التحدّيات الخارجية على المنطقة ككل، ثم ما تحتّمه أيضاً دواعي الأمن الوطني، كما الحال الآن بالنسبة للثورة المصرية المنشغلة في ترتيب «البيت الداخلي» المصري، بينما تشتعل نيران في «البيوت العربية» المجاورة لها. فمصر معنيّة الآن بدور أكثر فعالية في مواجهة ما يحدث في السودان وليبيا من مخاطر واحتمالات، بعدما جرى تدويل الأزمات في كلٍّ منهما، وما نتج عن هذا التدويل من تقسيم للسودان ومن تهديد لوحدة وأمن ليبيا.
مصر أيضاً معنيّة بجبهتها الشرقية المتوترة مع إسرائيل، وبما يحدث في سوريا والمشرق العربي عموماً، وبإنجاح المصالحة الفلسطينية على أسسس وطنية فلسطينية مشتركة. ومصر معنيّة كذلك بحفظ عروبة منطقة الخليج العربي، وبرسم حدود العلاقات العربية مع إيران وتركيا. وهي كلّها مسؤوليات تصبّ في مصلحة الأمن الوطني المصري المباشر، وتتطلّب دوراً مصرياً أكثر فعالية في جامعة الدول العربية، وفي قضايا المنطقة عموماً.

إلى متى ننتظر

يبدو أن لدى الولايات المتحدة خطتين للتعامل مع ما يتحول سريعا إلى حرب أهلية في سوريا؛ الأولى: تطالب بالتطبيق الكامل لقرار الأمم المتحدة بوقف إطلاق النار، والتعاون الكامل من بشار الأسد، الديكتاتور الذي يجازف بحياته، لتسليم السلطة إلى المعارضة، أما الثانية فتتمثل في عمل عسكري باستخدام القوة الجوية، بيد أنه لتطبيق ذلك يجب أن تفشل الخطة الأولى وأن يموت المزيد من السوريين.
لكن، قد يتساءل البعض: كم من السوريين ينبغي أن يموت؟ الواضح أن الحصيلة الإجمالية - تتجاوز 9.000 - ينبغي أن ترتفع قبل أن تبدأ الولايات المتحدة و«الناتو»، وربما تركيا والسعودية، التحرك لوقف المذبحة. ونقلت وكالة «بلومبيرغ» تقارير تفيد بمقتل أكثر من 500 شخص منذ وقف إطلاق النار في 12 أبريل (نيسان)، وهو ما جعل وقف إطلاق النار يتحول إلى إطلاق نار أكثر من وقف له.
قليلون في واشنطن هم من يؤمنون بخطة الأمم المتحدة، التي طرحها الأمين العام السابق للمنظمة كوفي أنان، الذي قام بما تدرب على القيام به، من طرح الاقتراحات للتهدئة. هذه الجهود تنجح أحيانا، وأحيانا أخرى تكون غير ذلك، لكن هناك بروتوكولا لهذه الأشياء ينبغي السير وفقه. ومع كل فرصة تضيع، يموت المزيد من السوريين.
الوقت ليس في صالح الوسطية أو التسوية. فكلما استمرت عمليات القتل، زادت القوات المعارضة للأسد تطرفا وتشددا. والنخبة المثقفة التي دعمت الحركة ستتعرض للتهميش من قبل المتطرفين الإسلاميين - المتطوعين من الدول العربية المجاورة التي لا تؤيد الأسد ولا علمانيته. (بالفعل، فقد نقلت الأنباء تقارير عن عملية تفجير انتحارية). وكما كان الحال مع صدام حسين، فقد كان جاره الأسد وعائلته على غير وفاق مع الإخوان المسلمين ومنظمات مشابهة. ففي عام 1982، قتل حافظ الأسد 20.000 سوري في حماه معقل الإخوان المسلمين. والآن، حان وقت رد الصاع.
يجب أن يقر البعض منا ممن دافع عن ضرورة إضافة الولايات المتحدة بعض القوة إلى دبلوماسيتها - حتى قصف المنشآت العسكرية السورية وفرض منطقة حظر للطيران - بوجود صعوبات في ذلك. فالدفاع الجوي السوري كثيف، وصممه الروس لصد الهجمات الإسرائيلية. كما أن تشكيل المعارضة السورية غير معروف. أما الأمر الأكثر إثارة للقلق فهو امتلاك سوريا لمخزون كبير من الأسلحة البيولوجية والكيميائية. الأسلحة لم تستخدم - يصعب السيطرة عليها - لكن نظاما يقاتل من أجل البقاء ربما يستخدم كل ما في يده كما فعل صدام مع الأكراد. بيد أن أيا من هذا يمكن التغلب عليه، فقد تمكنت إسرائيل من قصف المفاعل النووي المشتبه فيه في عام 2007 دون خسارة أي طائرة، ومهما كانت القدرات الإسرائيلية فسوف تتمكن الولايات المتحدة من القيام به أيضا. ما يغيب عنا في الوقت الراهن ليس الوسائل المناسبة للتعامل بشكل عسكري مع الأسد، لكن الرغبة في القيام بذلك، وللقيام به بسرعة وكفاءة. هذا النوع من القيادة لم يثبت فيه باراك أوباما مكانة كبيرة.
تؤكد مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، في مذكراتها «شتاء براغ»، أهمية القيادة - أو غيابها - في الشؤون العالمية. كسيدة، ولدت أولبرايت في تشيكوسلوفاكيا لجوزيف كوربل وآنا سبيغيلوف. وكدبلوماسية، فهي ابنة ميونيخ - الاتفاق السيئ الذي حول جزءا من بلادها إلى ألمانيا النازية. وهي تنتقد تولستوي الذي «أكد أن الباحثين يعمدون بشكل منتظم إلى التهويل بشأن قدرة القوي والعزيز في السيطرة على الأحداث. بالاستشهاد بأن القادة الضعفاء والمتذبذبين فشلوا في إدراك الشر والوقوف في وجه هتلر».
التشابه مع ميونيخ ربما يكون مبالغا فيه (فصدام لم يكن هتلر)، لكن الترياق المفترض لميونيخ وفيتنام ربما يكون مبالغا فيه أيضا، فليس كل عمل عسكري ورطة، وعلى أية حال يمكن تفادي المستنقع باستخدام القوة الجوية. فالتدخل العسكري في البوسنة وكوسوفو وليبيا لم يتطلب وجودا عسكريا على الأرض، وقد انتهى عندما انتهت، وأثبتت أنها استراتيجية خروج عبقرية.
الثورة السورية تتجه نحو شيء أكثر إثارة للفزع، فكلما طال أمدها، زادت أعداد القتلى وفرص انتشارها عبر الحدود، والخطة، كما هي الآن، تتمثل في انتظار ما لا مفر منه - فشل كوفي أنان وبعد ذلك الفشل المتوقع للحظر على السلاح الذي سيضعف المعارضة أكثر مما سيفعل مع الأسد. وبصورة ما، يفترض أن يؤدي هذا الفشل المتكرر إلى النجاح. وهذا أسوأ من ميونيخ، إنه جنون.

سوريا.. بانتظار «انقلاب» اللحظة الأخيرة

في بدايات كل هذا الذي يجري في سوريا، وقبل أن يصل إلى ما وصل إليه، كان هناك اعتقاد - حتى لدى بعض أجنحة نظام بشار الأسد - بأن بعض الضباط الغيورين ومن الطائفة العلوية نفسها، التي لا يجوز وضع كل أبنائها في سلة واحدة، سوف يسارعون إلى القيام بانقلاب عسكري إنقاذي للحؤول دون تمزق البلاد، وقطع الطريق على حرب أهلية بدأ هذا النظام يدفع الأمور في اتجاهها دفعا لتحويل الصراع من صراع وطني وصراع انعتاق وحريات عامة إلى صراع طائفي يجد فيه ملاذا للحكم الذي ورثه عن والده والذي تكرس على أساس الركائز المذهبية والطائفية المعروفة.
لكن عاما وأكثر قد مضى، والانتظار قد طال ولم يقع هذا «الانقلاب الإنقاذي» وكأن الأرحام قد جفت وكأن «الجيش العربي السوري»، الذي هو مدرسة انقلابية معروفة بقيت تدفع بضباطها إلى الحكم والسلطة منذ نهايات أربعينات القرن الماضي وحتى انقلاب حافظ الأسد الأخير على رفاقه في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1970، قد تم تحويله من مؤسسة وطنية إلى مجرد «جندرمة» لحماية هذا النظام الذي بقي يستخدمه لقمع السوريين وإطفاء جذوة النزعة التحررية عندهم، وأكبر دليل على هذا مذبحة حماه الشهيرة في عام 1982، وهذه المجازر المتنقلة في كل المناطق والمدن السورية.
كان الاعتقاد بأن «الجيش العربي السوري» سيبادر - بعد تلك الجريمة التي ارتكبت ضد أطفال درعا في تلك الحادثة المعروفة التي فجرت هذه الثورة التي بقيت متصاعدة على مدى أكثر من ثلاثة عشر شهرا - إلى ما كان بادر إليه الجيش التونسي أولا والجيش المصري ثانيا، وأن ينحاز إلى شعبه كما انحاز هذان الجيشان إلى شعبيهما، وأن يرجح خيار الاصطفاف إلى جانب الشعب على خيار حماية نظام أوصل بلدا عربيا رئيسيا إلى هذه الحالة المزرية التي لا تليق بسوريا التي من المفترض أنها الآن في مقدمة الدول العربية سياسيا واقتصاديا وتجربة ديمقراطية ونهوضا حضاريا، وفي كافة الحقول والمجالات.
في تونس ما كان لانتفاضة الشعب التونسي أن تنتصر وأن يتم حسم الأمور هناك بسرعة وإزاحة زين العابدين بن علي من قصر قرطاج وإجباره على الفرار إلى الخارج لو لم يتحرك الجيش في اللحظة المناسبة ولو لم يبادر إلى حماية حركة شعبه من بطش الأجهزة الأمنية، ويقينا لو أن هذا لم يحدث لما كان الانتصار خلال أيام ولتضاعفت أعداد الضحايا عشرات، وربما مئات المرات، ولكان هذا البلد الجميل يغرق الآن في خراب يتطلب إصلاحه جهد سنوات طويلة.
وفي مصر، فإن المعروف أن الدور الذي قامت به القوات المسلحة هو الذي حمى ثورة ميدان التحرير، وهو الذي عزز هذه الثورة التي كانت معرضة لبطش الأجهزة بلا حدود، وهو الذي أجبر حسني مبارك على تقديم استقالته وعلى الرحيل، وهو الذي بقي يرافق انتفاضة الشعب المصري، وجنبها كل احتمالات السقوط والفشل، والتي لولا سهر المجلس العسكري ومتابعته المتواصلة لدقائق الأمور لما كان بالإمكان أن تصل الثورة إلى ما وصلت إليه في ظل ضعف قوى المعارضة، وبسبب خلافاتها المستفحلة، وعدم قدرتها على الالتفاف حول برنامج وطني يجمع الجميع.
وحقيقة، حتى لا يظلم «الجيش العربي السوري» أكثر من اللزوم، أن التجربة في سوريا تختلف كثيرا على هذا الصعيد عن التجربتين التونسية والمصرية، وأيضا عن أي تجارب عربية أخرى، إذ باسم «الحزب القائد»، أي حزب البعث، جرت غربلة هذا الجيش، وبخاصة بعد وصول حافظ الأسد إلى الحكم والسلطة في عام 1970، على أساس الولاء له ولتحالفه العائلي، وتم إقصاء الضباط المشكوك في ولائهم حتى من أبناء الطائفة العلوية، كما تم تحويل هذا الجيش من جيش موحد يقف على أرضية وطنية واحدة إلى جيشين: الأول جيش النخبة التي ولاؤها للنظام فقط والتي تقوم عقيدتها العسكرية على أساس أن هذا النظام مقدم على الشعب وعلى الوطن، وبالطبع أيضا على الحزب، وجيش الكثرة المهملة الذي جرى حجزه في المعسكرات النائية، وتم سحب حتى الأسلحة الفردية منه وتعطيل كل آلياته منذ أن بدأت هذه التطورات العاصفة قبل سنة وأكثر.
لقد خلق حافظ الأسد، الذي لجأ إلى تصفية كل مجموعات محمد عمران وكل مجموعات صلاح جديد وكل المجموعات المشكوك في ولائها ليس للوطن والشعب وإنما له شخصيا ولعائلته وأبنائه، ما يسمى بـ«الدائرة المغلقة» في هذا الجيش، بحيث أصبح كل ضابط ومنذ لحظة التحاقه بإحدى الكليات العسكرية تحت الرقابة الأمنية الحثيثة وعلى مدار الساعة، وكل الوقت، ولذلك ومن أجل هذه المهمة أصبح هناك نحو عشرين جهازا استخباريا، من بينها جهاز استخبارات القوات الجوية الذي هو صاحب الباع الطويل الآن، كما يقال، في قمع الثورة السورية.
لكن ورغم كل هذا، فإن ما يعرفه المتابعون للوضع السوري منذ انقلاب حافظ الأسد على رفاقه في عام 1970 ووضعهم في السجون لسنوات طويلة أنه كانت هناك محاولات انقلابية عدة تم إحباطها بقسوة لا حدود لها، من بينها ما قام به ضباط من الموالين لوزير الدفاع السابق رئيس اللجنة العسكرية التي كانت تشكلت في مصر في أيام الوحدة المصرية - السورية محمد عمران الذي تم اغتياله في طرابلس في الشمال اللبناني في بدايات سبعينات القرن الماضي، ومن بينها ما قام به ضابط من الموالين للواء صلاح جديد الذي وضع بعد «الحركة التصحيحية» في سجن المزة المعروف إلى أن مات وقضى نحبه مثله مثل رئيس الجمهورية السابق نور الدين الأتاسي وآخرين من القيادات الحزبية والحكومية.
هذا في زمن حافظ الأسد، الذي واجه محاولة شقيقه رفعت الانقلابية في عام 1984 بأقسى مما واجه به المحاولات السابقة، أما في زمن ابنه الرئيس الحالي بشار الأسد فإن أخطر ما تعرض له هو المحاولة التي قام بها غازي كنعان بعد سحبه من لبنان على أثر اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري التي يقال: إنها كانت محاولة جدية لكنها سحقت بعنف وقوة وجرى إعدام صاحبها، أي غازي كنعان، رميا بالرصاص في مكتبه، وصدر بلاغ عن أنه انتحر لأسباب شخصية، وهذا ما كان حدث مع رئيس مكتب الأمن القومي الأسبق عبد الكريم الجندي في عام 1968، وكان يومها الأسد الأب وزيرا للدفاع، وكانت قد تمت له السيطرة على كل شيء في الدولة بعد انقلابه الصامت في هذا العام نفسه.
والآن، وفي ضوء هذا كله، فهل لا يزال هناك أمل في أن يأتي الانقلاب الإنقاذي، الذي كان متوقعا منذ لحظة انفجار هذه الأحداث قبل عام ونيف، وإن متأخرا وفي اللحظة الأخيرة؟!
يتحدث بعض كبار المسؤولين السابقين من مرحلة ما قبل حافظ الأسد عن أنه رغم اعتقال المئات من الضباط خلال كل شهور العام الماضي، ورغم عمليات «التفكيك» التي بقيت تواصلها الأجهزة الأمنية المتعددة في كل الوحدات العسكرية على مدى الثلاثة عشر شهرا الأخيرة، فإن هناك عمليات استقطاب تتم بصورة سرية حتى في «القطاعات» التي تعتبر مطلقة الولاء، مثل الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري، وخاصة بين أبناء الطائفة العلوية الذين باتوا يشعرون بأن الأوضاع لم تعد تطاق، وأن طائفتهم ستكون هي الضحية إذا بقي هذا النظام مستمرا في مواجهة الشعب السوري بكل هذه المذابح التي غدت تشمل البلاد كلها، وبالتالي فإنه لا بد من التحرك ووضع حد لكل هذا الذي يجري، وإن كان في اللحظة الأخيرة.

سوريا أمام حلين.. حوار في موسكو أو تدخل عسكري دولي

المأزق السوري: أن سوريا اعتادت دائما أن تكون الفاعل ولا مرة المفعول به. هي كانت تخطط وترسل المسلحين للتنفيذ. في لبنان «أبدعت» في دورها، ميليشيات من كل الأنواع، لكل ميليشيا مهمة: تفجير، إشعال جبهات، اغتيالات. كانت تشعل النيران ولم يكن يهمها أن تلعب دور الإطفائي، هذا دور الضعفاء وهي كانت قوية جدا في لبنان.
في العراق فتحت حدودها معه لكل المتطرفين، «قاعدة» كانوا أو من فروع إسلامية أخرى. طالما هي الفاعل والدول الأخرى المفعول بها، كانت «بطلة الساحة». كانت تعتقد أنها ترتدي «قناع الإخفاء». تفوقت سوريا في فرض الأمن وإشعال النيران في الدول الأخرى، كانت أجهزة استخباراتها تعرف في لبنان، مثلا، زواريب الأحياء الصغيرة، لكن هذه الأجهزة أهملت «زواريب» الحدود السورية التي تحمل المسلحين و«الإرهابيين» إلى داخل سوريا. وهكذا تحولت سوريا من «فاعل» ناجح إلى «مفعول به» فاشل.
كتب أحدهم مقالا قبل سنة، في صحيفة «الهيرالد تريبيون»، جاء فيه أن بشار عندما كان في السادسة من عمره دخل مرة إلى مكتب والده حافظ الأسد، ورأى على الرف وراءه قارورة عطر... مرت السنوات وأصبح بشار رئيسا ودخل ليشغل مكتب والده وفوجئ بأن قارورة العطر لا تزال مكانها، محكمة الإغلاق. قد تكون المفاجأة خدعته وظن أن الأوضاع في سوريا، تماما كقنينة عطر والده، ثابتة مكانها، لا تتغير ولن تتغير، وأن سوريا ستبقى الفاعل ولن تكون يوما المفعول بها!
في جلسة مع أحد السياسيين الغربيين قال إن الأوضاع ستزداد سوءا في سوريا طالما ليس هناك قرار سياسي بعد.
خلال الأسابيع الماضية جرت عدة اجتماعات أميركية – خليجية على مستوى رفيع جدا؛ لبحث الوضع القائم في سوريا والعقبة الروسية التي تمنع بشار الأسد من التنحي. العقبات الأخرى التي ناقشها المسؤولون في اجتماعاتهم كانت: عدم توفر إجماع داخل الجامعة العربية حول التدخل، الافتقار إلى الوحدة بين الجماعات الرئيسية السورية المعارضة، مما يسفر عن عدم الوضوح بالنسبة لمن سيحل محل نظام الأسد إذا ما تمت الإطاحة به. في الاجتماعات عبر المسؤولون الأميركيون والخليجيون عن إدراكهم أنه كلما طالت الأزمة من دون حل، كالانتظار إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية مثلا، فإن تنظيم القاعدة وغيره من الجماعات الإسلامية المتطرفة ستجد فرص التحرك والتمكن من الداخل السوري.
وعندما سئل مسؤول خليجي نافذ عن رأيه بالنسبة لروسيا، اقترح الطريقة التي اعتمدها الرئيس الأميركي جورج بوش الأب مع الرئيس العراقي صدام حسين أثناء احتلاله للكويت، بأن «نحاول محاولة أخيرة مع الروس وإقناعهم بالتوصل إلى حل دبلوماسي، وذلك بالجلوس حول طاولة في موسكو إذا كانوا على استعداد للاستضافة». لكنه حذر من أن هذه الفكرة لن تنجح «إلا إذا كنا مستعدين للانتقال إلى ما ينبغي أن تكون عليه الخطوة التالية إذا ما فشلت كل الجهود الدبلوماسية، وهذا يعني أن نقول لموسكو إن هناك خيارين لوضع حد للقتل: إما إيجاد حل دبلوماسي، وإلا فستكون هناك حاجة إلى تدخل دولي. إذا كانوا مستعدين للعب دور بناء والعمل على إيجاد حل سياسي بسرعة، عندها، فإن التدخل لن يكون ضروريا. لكن إذا ما ظنوا أن هذه خدعة ورفضوا فكرة الحل الدبلوماسي الذي يبدأ بإيقاف آلة القتل السورية، فعندها علينا أن نكون على استعداد مع حكومات أخرى، للتدخل باستخدام منطقة آمنة أو ممر إنساني كذريعة للقيام بذلك».
المجتمعون اقترحوا أن يكون المشاركون في الحوار السياسي: الولايات المتحدة، روسيا، السعودية، قطر، الإمارات، فرنسا، بريطانيا وتركيا، إضافة إلى ممثلين رفيعي المستوى من مجموعات المعارضة الرئيسية: كـ«المؤتمر الوطني» والإخوان المسلمين.
تبين أثناء الاجتماعات أن الولايات المتحدة لا تتطلع إلى الإطاحة بالنظام ككل، إنما الإطاحة بالقيادة أو الذين يشكلونها من الموالين لنظام عائلة الأسد. ورأى المجتمعون أن المتحاورين قد يجدون في الواقع لواء عسكريا قويا من شأنه أن يكون زعيما انتقاليا.
في الاجتماعات الأميركية - الخليجية، رأى المجتمعون أنه يجب أن يكون مفهوما، خصوصا بالنسبة لروسيا، أن المناقشات على طاولة الحوار لن تكون مفتوحة، وأنه إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق في فترة قصيرة من الزمن، فسيتم الانتقال إلى الخيار الآخر: التدخل لأسباب إنسانية، أي خلق ملاذ آمن مدعوم من قبل تحالف عسكري دولي.
ردا على هذه الأفكار، افترض الطرف الأميركي أن الروس لا يهتمون إذا ما كانت واشنطن تقيّم مساهمتهم أم لا، يعتقد الأميركيون أن الروس مصرون على إلحاق الهزيمة بأميركا في سوريا، وهذا بالطبع «يثير المخاطر إلى حد كبير». وفي حين يدرك «الأميركيون» أنه لا يمكن السماح بحدوث هذا من أجل مصلحة المجتمع الدولي، فإنه لا اتفاق على ما يجب القيام به للحؤول دون ذلك.
رأي المسؤول الخليجي النافذ في تلك الاجتماعات كان أنه بالطبع لا يمكن أن نسمح لموسكو بالفوز عن طريق السماح لبشار بقمع شعبه بوحشية من دون عواقب، «لكن كما قدمنا لصدام حسين فرصة أخيرة للتوصل إلى حل دبلوماسي عام 1990، ينبغي لنا فعل الشيء نفسه مع روسيا، وبالتالي مع النظام السوري. فإذا قرروا (الروس) (التغلب علينا) والإتيان باقتراح سياسي لإبعاد بشار، اقتراح يخدم مصالحهم ويمكننا العيش معه، عندها نكون قد حققنا أهدافنا. لكن إذا رفضوا اللعب، أو قدموا أفكارا غير مقبولة لنا، وعلى الأخص للمعارضة السورية، فعندها سيكون لدينا مبرر قوي جدا للإعلان عن أن الدبلوماسية لن تنجح، وأن مهمة كوفي أنان إلى فشل، ونأخذ هذا إلى مستوى آخر بموافقة أو من دون موافقة الأمم المتحدة».
أما الرأي الخليجي فكان أن الأسد سينتصر طالما وافقنا على الانتظار ولم نرفع من وتيرة الضغوط، وربما لو وقع حادث دفع القوات السورية إلى إساءة التصرف على الحدود التركية، فقد يكون هذا سيناريو لا تريد روسيا أن تراه يحصل!
اجتماعات كثيرة تُعقد وآراء كثيرة تتردد. وكما صار معروفا، فإن سوريا دخلت في أتون نار «المفعول بهم». مرجع جزائري قال لي: هناك مثلان أمام سوريا: لبنان، حيث الحرب أسقطت الدولة وأبقت على نظام هش، والجزائر حيث إن الإسلاميين قاتلوا الدولة لأكثر من عشر سنوات، لكن الحكومة ظلت موحدة ضدهم والجيش ظل متماسكا في مواجهتهم، الآن يرفضهم الشعب الجزائري، إنما الدولة موجودة ونظامها قائم.
المراهنة على تركيا مشكوك فيها، لكن عرف وزير الخارجية التركي كيف يستفيد منها، فهو في كلمة ألقاها الأسبوع الماضي في البرلمان التركي أشاد بدور تركيا «الرائد» في الشرق الأوسط! قال حرفيا: «شرق أوسط جديد على وشك أن يولد. نحن سنملكه وسنكون الرائدين فيه وخدام هذا الشرق الأوسط الجديد(...) تركيا ستشارك في كل خطوة لمساعدة سوريا على الوصول إلى السلام! لقد انتهت حقبة سياسات (ننتظر ونرى)، وكذلك انتهى زمن اتباع القوى الكبرى». وأضاف «أن تركيا لن تشارك في أي سياسة لا تنشأ من أنقرة. لم تعد تركيا دولة تنقصها الثقة بالنفس وتنتظر موافقة الدول الخارجية على سياساتها. تركيا لديها الآن (الاقتدار)، حتى أحلامكم لا تستطيع ولن تصل إلى المكان الذي وصلت إليه قوتنا»!
إذا كان داود أوغلو قد وصل إلى هذا البعد، فهذا يعني أن المراهنة على دور تركي لم تعد معقولة، لأن «تركيا طارت» إلى مدى بعيد جدا عن متناول الحلف الأطلسي، وحتى عن البند الخامس من ميثاقه.

مصر التي بين الديمقراطية والفوضى

إذا كان هناك من يرى أن الثورة المصرية ناقصة وغير مكتملة فإني أراها أيضا غير ناضجة، وإذا كان التغيير يستهدف بنية الدولة المصرية والقفز على السياسات الخاطئة للنظام السابق فالتالي لم يكن أقل سوءا من واقع الفوضى السياسية والأمنية التي تعيشها مصر التي كانت النموذج بالنسبة للشعوب العربية في مرحلة تاريخية سابقة، وقد اتفق مع كثيرين يرون أن مصر فقدت دورها الريادي في محيطها العربي بسبب جملة من الأخطاء التي ارتكبها النظام السابق وعمقتها الثورة الحالية التي وجد فيها البلطجية موطئ قدم تحت شعارات الديمقراطية للتعبير عن سلوكياتهم الرخيصة على نحو استهداف السفارات والبعثات الدبلوماسية.
وفي الحقيقة ليس هناك ما يبرر التظاهر ومحاولة الإساءة للسعودية عبر سفارتها وقنصلياتها واستكتاب بعض ذوي الغرض للنيل من المملكة وقيادتها، وأيا كانت الدوافع للتفكير في عمل مسيء فإن ما يربط بين الشعبين أكبر من محاولات قلة أو شرذمة لا تعي طبيعة العلاقات القوية بين البلدين ودورهما المؤثر والفاعل في المنطقة، والتقليل من احترام المملكة يخدم أجندة خاصة وسلبية ينبغي أن يعيها غالب الشعب المصري ولا يسمح لهؤلاء بتخريب العلاقات في أي مستوى كان، وإذا عمد البلطجية للتصرف بهذا الشكل المسيء دون حساب وتحت غطاء الديمقراطية فذلك يعني أن هذه الديمقراطية تعبير عن الفوضى ومرادف حقيقي لها.
لنسلم جدلا بأن هناك من يرى، صائبا أو مخطئا، أن لديه نظرة سلبية تجاه المملكة، فهل يكون التعبير بالتهديد والتخريب؟ ثم انه إذا كان الدافع الرئيسي لذلك هو قضية المحامي الجيزاوي، وهو من يفترض أنه رجل قانون، فقد سب الرجل القيادة السعودية ونال من المملكة ودخل البلاد بشحنة حبوب مخدرة يعلم مسبقا عقوباتها وتجاوزها لأنظمة وقوانين بلادنا، وهي جريمة ينبغي ألا تصدر من رجل قانون، وبثبوتها عليه فهو مجرم ويخضع لقانون بلادنا وليس أي قانون، ولذلك فإن محاولة الانتصار الرخيص له على حساب بلادنا ونظامها يعتبر جريمة أخرى يقوم بها أولئك الذين استهدفوا السفارة والقنصليات، وليس في الأمر ما يوجب التظاهر إلا فقط لاستنكار فعل الرجل والذي يسيء للشعب المصري قبل النظام والقانون سواء في المملكة أو مصر.
جريمة الجيزاوي لا تخرج عن السياق الجنائي العادي ولا تحتاج الى كل تلك الفوضى التي حامت حول بعثاتنا الدبلوماسية، وما تسببت فيه من أزمة عابرة ستزول عندما يعود الفوضويون الى رشدهم وكف أذاهم عن المملكة، فالعلاقات أكبر من أن تخضع لتصرفاتهم وسلوكياتهم ولكن كان لابد من حزم يضع الأمور في نصابها ، والجيزاوي سيحاكم وفقا للقوانين السعودية فهو أساء التصرف وارتكب جرما بينا ولم يحترم النظام، ولن يوقف إجراءاته عائق من فوضى جماهيرية أو خلافها فهو ليس أكبر من النظام والقانون، وبالنسبة للعلاقات الدبلوماسية فهي تقدير كامل للقيادة السعودية، وبالنسبة للنظام فهو يسري على الجميع ولا يمكن أن يقفز عليه كائنا من كان.

في مصر.. الشارع أرقى من الإعلام

بسهولة مطلقة يمكنك أن تعد أسماء مجموعة من الإعلاميين المصريين الذين استطاعوا أن يسجلوا حضورا إعلاميا من خلال ارتباطهم وعلاقاتهم بالنظام السابق. كانوا مجموعة من المداحين والمتسلقين والعابثين حقا بالإنسان المصري وبكرامته وبكل قيمه المعنوية. جاءت الثورة فلاذوا بالصمت وانكشفوا أمام الجميع، لاذ بعضهم بالصمت لفترة من الوقت، تسلطت عليهم وسائل إعلام جديدة وإعلاميون جدد، اتجهوا سريعا لفضح تلك الحفنة من الإعلاميين ورأوا فيهم مجموعة من الضيوف الثقلاء على مائدة الثورة.
عمرو أديب كان يوشك على البكاء حين كان الرئيس السابق حسني مبارك يتلقى العلاج في مستشفى بألمانيا، وفيما قدم حلقة ظهر في خلفية الصورة مبنى المستشفى الذي كان يرقد فيه الرئيس كانت دموع ذلك الإعلامي الفذ توشك أن تغرق وجنتيه. هذا نموذج لإعلاميين في مصر استنزفوا كثيرا مما لديهم، وتراجعت مكانتهم وتراجع حضورهم الإعلامي بعد الثورة. إذن كيف يمكن أن يقدموا أنفسهم من جديد للشارع المصري بعد أن كانوا بشكل أو بآخر جزءا من الذراع الإعلامية للنظام السابق؟ لم يكن أمامهم سوى إعادة افتعال البطولات ولو من خلال قضايا ملفقة، ربما لم تكن الفرصة مواتية لهم كما كانت في قضية أحمد الجيزاوي.
بعدد سقوط النظام إذن تحول كثير من الأسماء الإعلامية ممن كانوا يصفون الثوار في ميدان التحرير بأنهم (شوية عيال) و(شباب عايزين حد يلمهم) إلى مؤيدين ومناصرين للثورة، وهو ما أعلن سقوطهم وانهيار مصداقيتهم أمام الجميع، وظهر الكثير من المقالات والكتابات والقوائم التي تضم أسماء لإعلاميين مصريين كانوا ضد الثورة. هؤلاء هم الآن من يقودوا تلك الحملة المفتعلة في قضية أحمد الجيزاوي. انساق مجموعة من الإعلاميين الجدد خلف هذا الغبار واستنشقوه مليا، لم يسأل أحد منهم نفسه كيف تحولت زوجة الجيزاوي لتكون المصدر الوحيد لتلك القصص: حكم سابق على زوجها، تنفيذ الحكم بالجلد سيكون يوم الجمعة، تهمة الإساءة للذات الملكية، وغيرها من التفاصيل التي لم يسأل أي إعلامي مصري ممن انساقوا خلفها عن أي دليل يمكن أن يسند كلامها.
ليست هذه المرة الأولى التي يكون فيها بعض الإعلام المصري خادعا للمصريين وللثورة ولمختلف تطلعات الشعب المصري. إنما سيمثل ذلك مدخلا لفرز حقيقي بين الإعلام الوطني والإعلام المضطرب والكاذب. الآن الذي يتكفل بالرد على كل هؤلاء ليس إعلاما مضادا ولا الإعلام السعودي، إنه الشارع المصري هو الذي يتولى الآن الرد على كل ذلك، خرج المصريون في تجمعات صادقة ومتحمسة ترفع اللافتات وتردد الشعارات التي ترفض الإساءة للمملكة، في موقف أشبه ما يكون بصحوة شعبية ضد الإعلام الذي بات يشهد تراجعا في عيون الناس.
اتسعت دائرة الإعلام المصري بعد الثورة إلى حد جعلها خارج حدود السيطرة، في بلد يفتقد كثير من مؤسساته للسيطرة بالمعنى الحقيقي، وتحول الإعلام إلى لاعب مؤثر في كل الأحداث التي شهدتها مصر، وسط هذه الأحداث وجد الفلول من الإعلاميين السابقين ممن تربوا في حجر النظام السابق فرصة للتحول من خلال القضية، أي اتخاذ أحداث كالتي حدثت أمام السفارة الإسرائيلية، وأحداث بور سعيد فرصة لإعادة مواقعهم السابقة والانشغال بتلك المستجدات عن تاريخهم الإعلامي الذي عاش في ظل النظام السابق.
لم يكن الإعلام المصري شريكا أو مؤثرا في صناعة ثورة الخامس والعشرين من يناير لكنه أبرز المتأثرين بها، خاصة بعد إلغاء وزارة الإعلام.
ويشير الباحث محمد شومان إلى أن الإعلام المصري يعيش واقعا أكثر حرية لكنه أكثر ابتعادا عن المهنية وعن مواثيق الشرف الإعلامي.
في الواقع أن أفضل ما تم الـتعامل به مع هذه الأزمة هو ما قام به الـسفير السعودي في القاهرة أحمد قطان، لقد أدرك قطان مبكرا أن الأزمة ليست قضائية ولا حقوقية ولا سياسية، إنها أزمة إعلامية فقط، ولذا تحول إلى شخصية تلفزيونية واستجاب للدعوات الحوارية التي وجهت له، لم يكن بحاجة إلى الكثير ليوضح بطلان القضية واستعجال الإعلام المصري. غالبا ستكون النتائج إيجابية للغاية، فعلاقتنا مع الشعب المصري، وليست مع إعلامييه، والمجموعة التي تظاهرت أمام السفارة السعودية احتجاجا لا تساوي في عددها شيئا أمام من تظاهروا اعتذارا وحبا. تلك هي مصر.

عدوانية السلطة الإيرانية ومبرراتها

معركتنا مع إيران ليست مذهبية وخلافية إسلامية، لأنه ما قبل الثورة الأمور كانت تسير في الاتجاه الطبيعي، لكننا في العهد الراهن دخلنا دوامة دولة تبحث عن حلم إمبراطورية فارسية في ثوب مذهبي، فهي تصدر لنا المخدرات من خلال العديد من المنافذ الحدودية، وتوظف عناصر ومنظمات تقوم بهذا الدور ضمن شبكات إجرامية عالمية، وتحاول تحريك أقليات للإخلال بالأمن وتتلاقى بحلف مقدس مع القاعدة، حتى إن قيادات رئيسية لا تزال تتواجد داخلها..
أيضاً حاولت قتل السفير السعودي في واشنطن من خلال عملاء استطاعت أجهزة الأمن الأمريكية كشفهم، وحاولت أيضاً قتل السفير السعودي في القاهرة، والمسلسل لن ينتهي طالما الأحقاد تتفجر كل يوم بواسطة مسؤول أو غير مسؤول..
آخر التقليعات تصريح مسؤول نفطي إيراني، بأن السعودية لايمكن أن تكون بديلاً عن النفط الإيراني، وكأننا من ألزم الدول الغربية وأمريكا، ومن قاطعوا نفطها بأن ينفذوا أوامر من السعودية، بينما القضية سياسية بالدرجة الأولى، عندما تحدت الإرادة الدولية بالتصعيد بالاستمرار في إنتاج قنابل نووية، ونحن نعرف أن تلك الدول تمارس سياساتها وفق رؤية تجدها تخدم مصالحها، وهي من تضع مركب عملها..
كنا نتمنى جواراً إيرانياً بعيداً عن الصراعات، والتعامل بعقلية العلاقات الطبيعية، وقد بدأنا بالفعل استضافة العديد من الشخصيات العليا الإيرانية، ما قبل حكومة نجاد، وبعقلية منفتحة وبدون نوايا سيئة، وكان الفهم المشترك أزال الاحتقان وتمنينا مضاعفة العمل من أجل مشروع طويل يخدم البلدين والعالم الإسلامي، غير أن تجديد الصراع صار سمة الحكومة القائمة وبدلاً من ذلك صار الخلاف جزءاً من عقيدة الحكم..
إيران تلعن أمريكا وتهدد بحرق إسرائيل ثم الخليج العربي، وقطعاً طالما تأتي هذه التصريحات من عناصر داخل صانع القرار، فهي تحفز أمريكا لأن تتحرك بما تعتبره صيانة مصالحها وخاصة تركيز قوتها العسكرية في المحيط الإيراني سواء العربي، أو آسيا الوسطى، وحتى تركيا أصبحت خصماً بعد أحداث سورية، وهي التي امتنعت أن تكون طرفاً في أي خلاف بينها وبين حلف الأطلسي التي هي عضو فيه..
لانقول إن إيران تتخبط في سياستها، لكنها تمارس صورة الدولة العظمى وهي ليست كذلك، وغالباً ما تجد القوى العظمى في أخطاء من يختلفون معها أي ذريعة لاستخدامها، وإيران من خلال تعدد تحدياتها أعطت الفرصة لمن يعادونها أن يواجهوها اقتصادياً وعسكرياً..
قلنا مراراً إن إيران قادرة أن تتعايش مع جوارها باحترام القواعد الدولية للعلاقات بدلاً من جعل المخاوف وسيلة ضغط وسباق تسلح، ثم دخول أطراف دولية في المسائل الوطنية، لكن يبدو أن ما يجري في إيران هو محاولة تصدير لقضاياها الداخلية للخارج وإلاّ لا يوجد مبرر لخلق عداوات وهي أحوج دولة للسلام