Monday, June 11, 2012

ماذا قال طلبة جامعة البحرين للسفـير الأمريكي

هشام الزياني
وردتني هذه الرسالة من طالبة بجامعة البحرين تنقل للقارئ الكريم بعض ما جرى في لقاء السفير الأمريكي مع طلبة جامعة البحرين قبل فترة. أترككم مع رسالة الطالبة ولي تعليق موجز بعدها. قبل فترة قام السفير الأمريكي، توماس كراجيسكي، بزيارة تعتبر الأولى من نوعها إلى جامعة البحرين للقاء طلبة الجامعة بحضور الطلبة من مختلف الكليات. ما إن دخل السفير القاعة ببدلته الأنيقة وابتسامته التي (شقت عرض وجهه) وعفويته معنا حتى قلت: “أيعقل أن يكون هذا السفير الذي أحدث كل هذه الفوضى في العراق -وكان وربما مازال- يسعى إلى تحقيقها في البحرين أيضاً؟ معقولة؟ يبدو لطيفاً”! لكني قطعت هذا التفكير وذكرت نفسي أن هذه الطلة إنما هي الطلة المعتادة للسياسيين الأمريكيين المعروفين بدبلوماسيتهم التي توهم الناس أن جل ما يفعلونه هو لمصلحة الطرفين، في حين تكون لمصلحتهم هم وحسب. وما إن فتح السفير فمه ليتكلم حتى تأكد ذلك من خلال كلامه المليء بالتناقضات، بدأ كلامه بقوله إن سبب قدومه للبحرين هو متابعة مصالح دولته (بطبيعة الحال فهذه وظيفة السفير) ولكنه أتى إلى الجامعة ليستمع إلى أصواتنا وتطلعاتنا لأن آرائنا تهمه وهو يريد سماعها (لم أكن أعلم أن من وظائف السفراء الالتقاء بطلاب الجامعات حتى يتعرفوا عليهم وعلى توجهاتهم السياسية أيضاً!). المهم، واصل السفير كلامه وطبعاً قدم الدعاية لبرنامج فول برايت (المعروف لابتعاث الطلبة إلى أمريكا) وقام باستعراض العلاقات البحرينية الأمريكية باختصار حتى ينتقل إلى “سماع آرائنا وتطلعاتنا”. هناك الكثير من النقاط التي طرحت، ولكن لضيق المساحة سأذكر بعضاً منها. كرد على سؤال أحد الطلبة؛ أوضّح السفير تأييد الولايات المتحدة الأمريكية المطلق لإسرائيل، وتكلم في ذلك بإسهاب وبكل فخر وقال إن إسرائيل هي حليفتهم وهم يحاولون “نصحها” بشأن ما تفعله في فلسطين ولكنهم في النهاية لن يتخلوا عن إسرائيل مهما كان (يعني الزبدة احنا نأيد إسرائيل واللي مب عاجبه يطق راسه في الطوفة). وهنا أقول: صباح الخير يا سعادة السفير، هذا الموضوع لا يحتاج إلى عبقري ليستنتج ذلك، ولكن كيف تتجرأ وتقول هذا الكلام بالفم المليان وأنت تخاطب مجتمعاً تعلّم وتربّى في بيته على أن القضية الفلسطينية هي قضيته دوماً وأبداً؟! لكني أعجبت برد أحد الطلبة على هذه النقطة الذي قال -باختصار- للسفير: “أنت قلت إن الولايات المتحدة الأمريكية لن تتراجع عن دعمها لحليفها الإسرائيلي رغم ما تفعله في فلسطين، وأن علينا أن نتقبل هذه الفكرة ونتعايش معها (وهنا كان كراجيسكي يبتسم بكل تعالٍ).. نحن نقول لك إننا سندعم القضية الفلسطينية وسنقف معها مهما كان الثمن وعلى الحكومة الأمريكية أن تتعايش مع ذلك.” أحدث هذا الرد من الطالب على السفير ضجيجاً وتصفيقاً حاراً منا جميعاً حتى ضجت به القاعة. أيضاً من النقاط المهمة التي تم التطرق إليها في ما يسمى لقاء السفير بالطلبة هو التدخل الأمريكي في مملكة البحرين. فقد قال السفير إن الحكومة الأمريكية صدمت مما حصل في البحرين، وخوفاً على مصالحها في المنطقة وعلى حليفها الاستراتيجي مارست (بعض الضغوطات على الحكومة البحرينية) لحل هذه الأزمة، ولكنهم لاحقاً اتخذوا قراراً في واشنطن بترك الموضوع للبحرينيين فهذا الأمر خاص بهم وعليهم أن يحلوا هذه المشكلة (والله مشكورين إنكم تكرمتوا وتفضلتوا بهالشي!)، وأن الحقيقة مختلفة عما نقرأه عن تدخلهم. أرأيتم التناقض؟ ردت عليه إحدى الطالبات وقالت: “كيف لم تتدخل الحكومة الأمريكية في البحرين وأنت قلت إنها مارست بعض الضغوطات على الحكومة؟ ألا يعد ذلك تدخلاً؟” وهنا طبعاً لف السفير ودار في الإجابة. بصراحة كنت فخورة بزملائي الطلبة والطالبات الجامعيين وبالأسئلة التي وجههوها للسفير التي تمنيت أن أنقلها جميعها هنا، ولكن أود أن أوضح أن السفير لم يسمع حتى ربع ما نحمله من مشاعر في صدورنا ومن غضب على الحكومة الأمريكية لتدخلاتها المستمرة في بلادنا، وأن هذه الأسئلة إنما كانت نسخة مهذبة احتراماً له ولأنه في النهاية ضيف محسوب علينا في الجامعة. اقول للسفير الأمريكي: “نحن واعون يا حضرة السفير أنه لا يوجد شيء اسمه فاعل خير في لعبة السياسة، ونحن نعلم أن كل دولة تفعل ما تفعله طالما يخدم ذلك مصالحها، ولكن ألا ترى أنكم تعديتم حدودكم في تدخلكم في مملكتنا من باب “حماية مصالحكم”؟ كيف ستشعرون لو تدخلت البحرين أو أي دولة عربية في المظاهرات التي حدثت في وول ستريت التي كان متظاهروها سلميين على عكس المتظاهرين في البحرين؟ أهذه الديمقراطية الفاضلة التي تروجون لها؟ وهنا أضيف: نحن لا نقبل أن يتدخل كائناً من كان في أمورنا الداخلية، فنحن دولة مستقلة ولنا سيادتنا، وكونكم دولة صديقة وعظمى ذات قوة لا يمنحكم ذلك الحق في استغلال ذلك وإصدار تصريحات متناقضة طوال الوقت والتدخل في شؤوننا. اعلم يا سعادة السفير أننا نرفضكم ونرفض كل ما تمثلونه، وتأكد أننا لا نهتم بمشاركة أفكارنا وآرائنا معكم كما يتهيأ لكم، فإن كانت المعارضة الإرهابية – التي هي أقلية لا تمثل الشعب البحريني- تأتي وتلتقي بكم وتتباكى عند أبوابكم طالبة أن تسمعوا نعيقها الكاذب (الذي يأتي على هواكم) فذلك لا يعني أن الغالبية تريد ذلك أيضاً، فرجاء لا تمنحوا أنفسكم حقوقاً ليست لكم، ولمرة مارسوا تلك الديمقراطية التي صممتم آذان العالم بترويجها ودعونا نهتم بشؤوننا كما نريد! رحاب العباسي طالبة إعلام في جامعة البحرين ^ تعقيب على الرسالة في الحقيقة لم أعرف ما هو الهدف من زيارة السفير الأمريكي إلى جامعة البحرين، لكن مع ذلك لا يعتبر هذا اللقاء سيئاً مادام لدينا طلبة وطالبات وطنيون يحبون بلدهم ويعرفون كيف يردون بذوق وأخلاق عالية على استفزازهم من السفير حين يذكر مغالطات أوأنه يقول لهم هكذا ودون مواربة (إننا ضغطنا على حكومة البحرين خلال الأزمة)..! إنني فخور تماماً بهذا الجيل الجميل الرائع الذي رد بشكل قوي على تلاعب السفير بالألفاظ، حقيقة أنا فخور بهكذا طلبة، أنا فخور بأنكم أسمعتم السفير أن قضيتنا الأولى هي القضية الفلسطينية (وفلسطين لن تحرر إلا بمثل رجلين، عمر بن الخطاب الذي فتح القدس، وصلاح الدين الأيوبي الذي حررها). وإني أقول للطلبة الكرام، وإلى السفير (إذا كان يود السماع) إن القضية التي تقف جنباً إلى جنب مع القضية الفلسطينية هي قضية وقف المد الصفوي، وتحرير بلاد المسلمين من احتلال إيران للجزر الإماراتية، والأحواز، وهناك من يقول حتى نحرر فلسطين يجب أن نفعل كما فعل صلاح الدين الأيوبي، حرر مصر من الدولة الفاطمية، عندها تمكن من تحرير القدس، حين نزع خنجر الغدر من الخاصرة. أقدم تقديري ومحبتي لكل الطلبة والطالبات الشرفاء الوطنيين الذين صدموا السفير بإجاباتهم عليه وربما عرف السفير حجم الحنق الداخلي على السياسات الأمريكية التي وقفت إلى جانب الإرهابيين والقتلة ومن يستبيحون الحرمات ويقطعون الطرقات ويعطلون مصالح الناس. تحياتي لطلبة جامعة البحرين وإلى أختنا الصغيرة رحاب العباسي.

قراءة متأنية في المشهد السوري

عبيدلي العبيدلي
بعد أن عبّر عن استنكار بلاده القوي لقتل المدنيين الأبرياء وطالب بمعاقبة القتلة، دعا المتحدث باسم الخارجية الصينية ليو ويمين “طرفي الأزمة في سوريا لوقف العنف وتطبيق خطة أنان للتسوية السلمية”، في محاولة منه لإبعاد اتهامات “دول غربية وعربية بحماية النظام السوري من تحركات دولية أكثر صرامة”. تلاقت هذه الدعوة الصينية مع إعراب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون “عن إحباطه العميق من مستوى العنف في سوريا وتحذيره من خطر حرب أهلية وشيكة في البلاد”، حيث يستغل “الإرهابيون الفوضى” مشيراً إلى “أن مراقبي الأمم المتحدة تعرضوا لإطلاق نار من أسلحة خفيفة أثناء توجههم لموقع المجزرة”، مؤكداً أن الرئيس السوري بشار الأسد أفشل خطة عنان وفقد كل شرعية”. تلى ذلك فشل واضح، كما تناقلت وكالات الأنباء، عرفته مساع “الولايات المتحدة الأمريكية في إقناع روسيا، بعد محادثات على مستوى رفيع حول سوريا، بالتخلي عن الأسد، مع استعداد موسكو للموافقة على تعديلات في خطة المبعوث الدولي كوفي أنان لحل الأزمة السورية من أجل إبقاء تلك المبادرة حية”، فيما لو وافقت واشنطن على مقترح موسكو البديل الداعي إلى ضرورة جلوس “جميع اللاعبين الإقليميين على غرار إيران على طاولة المفاوضات مع القوى العالمية لوضع استراتيجية مشتركة تناسب السوريين جميعاً”. من جانبه، قال المبعوث الدولي والعربي كوفي أنان بعد أن طالب “بمستوى جديد من العمل الدولي لوقف العنف”، “إنه بالإمكان تجنب الأسوأ وتمكين سوريا من الخروج من أزمتها لو توحدت الجهود توحداً حقيقياً، وتصرفت وتحدثت الأطراف بصوت واحد”. أما الصوت العربي فقد جاء على لسان أمين عام الجامعة العربية نبيل العربي، الذي قال: “إن سمعة الأمم المتحدة على المحك الآن بسبب الموقف من الأزمة وقتل المدنيين في سوريا”. في الوقت ذاته أفاد رئيس بعثة المراقبين الدوليين في سوريا روبرت مود “أن وفد المراقبين يواجه عوائق ولم يتمكن بعد من الدخول إلى مزرعة القبير في ريف حماة وسط سوريا، حيث قتل 86 شخصاً”. أما الرؤية الأمريكية وموقف واشنطن من الأوضاع في سوريا فقد جاءت في تصريح أدلت به وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، دعت فيه الرئيس السوري بشار الأسد إلى “تسليم السلطة ومغادرة البلاد، (مبدية استعداد بلادها)، للعمل مع جميع أعضاء مجلس الأمن، بما فيهم روسيا، لعقد مؤتمر يناقش المستقبل السياسي لسوريا شريطة أن ينطلق من مبدأ رحيل الأسد عن السلطة وإفساحه المجال لحكومة ديمقراطية”. ولم تكن تركيا، بوصف كونها متاخمة جغرافيا لسوريا، وحاضنة لنشاطات قوى المعارضة المختلفة، بعيدة عن مسرح العمليات، التي لا تستطيع أن تقف مكتوفة الأيدي إزاءها، فوجدنا رئيس وزرائها رجب طيب أردوغان، هو الآخر يناشد الرئيس السوري بشار الأسد ترك منصبه، مضيفاً بأنه “لا يمكن أن يستمر في هذا المنصب عاجلاً أم آجلاً من بعد أحداث حماة، وقصف المدن السورية على رؤوس سكانها”. توالت تلك التصريحات بعد المجزرتين الأخيرتين، اللتين يفصل بينهما زمنياً أقل من أسبوعين، كانت الأولى “ مذبحة الحولة التي قتل فيها زهاء 108 أشخاص نصفهم تقريباً من الأطفال”، والثانية “ مذبحة مزرعة القبير وقرية قريبة تبعد نحو 20 كيلومتراً من وسط حماة تضاربت الأنباء عن عدد ضحاياها ما بين 9 أشخاص، بحسب المصادر الرسمية و78 شخصاً بحسب ما ذكرته وسائل إعلام، بينهم نساء وأطفال”. هذا المشهد السوري المتأزم، التي تتضارب الحلول المقترحة لانتشاله من مأساته التي يغوص يومياً في أوحالها، يوحي بقراءة، متى ما جاءت متأنية، بوسعها أن ترى في ذلك المشهد مساحات ثابتة، ينبغي أن لا تخفي معالمها الحقيقة أي من التفاصيل الأخرى، التي ربما تحرف تلك النظرة عن مسارها الصحيح، وتغرقها في الرمال المتحركة لتلك التفاصيل، التي يحاول البعض إبرازها لتحقيق بعض المآرب الذاتية الضيقة. يمكن تشخيص معالم تلك القراءة في النقاط التالية: 1- وصول الصراع بين أطرافه المختلفة، محلية كانت أم إقليمية أم دولية، إلى طريق مسدود، بفضل شبه توازن موضوعي في موازين القوى المتناحرة، بما لا يسمح لأي منها حسم النزاع وبشكل واضح لصالحه، أو لصالح التحالف السياسي الذي يمثله. هذا التوازن، غير المتوقع، يشمل المحصلة الكلية لمصادر القوة التي بحوزة كل طرف من الأطراف على حدة، على المستويين الداخلي والخارجي، سواء في الإطار السياسي، أو في المقومات العسكرية. فلا يبدو في المشهد قدرة أي من القوى، اعتماداً على تفوقها السياسي والعسكري، أن تحسم الصراع لصالحها، وتفرض شروطها على الآخرين. 2- استمرار الحرب الأهلية القائمة اليوم، واتساع نطاقها، نظراً لانعدام القوة القادرة على حسمها لصالح طرف محدد، إلى درجة أنها قد تكرر النسخة اللبنانية. هنا من الطبيعي والمنطقي أن تفرز هذه الحالة قوى اجتماعية، لها حضور سياسي، تعززه مصالح آنية في استمرار النزاعات التي تقوي من مكانة تلك القوى الطفيلية السياسية، وتضاعف من حصتها عند اقتسام الغنائم. وما هو أكثر من ذلك، تضع بتصرفها مداخل مالية ترفع من مستوى أوضاعها الطبقية. هنا تتداخل العوامل، فينشأ حلف غير معلن بين تجار الحروب، وفئة اجتماعية جديدة يمكن أن نطلق عليها تجار الأزمات، يقود إلى زواج من مصلحته استمرار النزاعات المسلحة لأطول فترة زمنية ممكنة، لتحقيق أكبر دخل متاح، في أقصر فترة زمنية ممكنة. 3- تشظي أطراف الصراع، بدرجات مختلفة، إلى قوى متنافرة، يربط بين عناصرها خيط واه. هذا ينطبق على السلطة، تماماً كما تعاني منه المعارضة أيضا. يدلل على ذلك تكرار ظاهرة التمرد في صفوف قطاعات المؤسسة العسكرية الرسمية، إما بالامتناع عن الانصياع لأوامر قياداتها، أو بمغادرة ثكناتها والانضمام إلى صفوف المعارضة. وليست هذه الأخيرة في وضع أفضل، إذ لم تعد تتمتع بذلك التماسك الذي نعمت به في المراحل الأولى من تفجر الصراع، ووصلت الخلافات إلى أعلى إدارات مجالس التحالفات القائمة بين فصائلها المختلفة. 4- ارتباك مشروعات القوى الخارجية، العربي منها والإقليمي، بل وحتى الدولي، وتعثر خطواتها، سواء تلك القادمة من مؤسسات إقليمية مثل الجامعة العربية، أو عالمية مثل الأمم المتحدة، أو قطرية أمريكية كانت أم قطرية (دولة قطر). هذا يوصد الأبواب السورية أمام أي حل محتمل في المستقبل المنظور، ويجعلها مشرعة على مصراعيها، فاتحة الطريق أمام احتمالات كثيرة، لن تقود بالضرورة إلى الحل الذي يتوق له المواطن السوري العادي. مما يجعل طول الأزمة وتشعبها هو الأوفر حظاً من بينها. ذلك يجعل من سوريا ريشة في مهب الرياح الإقليمية، وهذه الأخرى غير معروفة الاتجاه، إذ تتحكم في مساراتها عوامل كثيرة، البعض منها ينبع من عناصر إقليمية، وبعضها الآخر له ارتباطات دولية. 5- دبيب الوهن في جسد الدولة السورية القائمة، وتهاويها، في مدة يصعب التكهن بخطها الزمني، قبل أن يخرج من رحمها نظام جديد يعبّر عن موازين القوى التي سيفرزها ذلك المشهد، والتي ليست بالضرورة من بين تلك الضالعة اليوم، بشكل مباشر في النزاعات اليومية، لكونها تمتلك من النضج الذي ينصحها بعدم استهلاك قواها، واستنزاف مواردها في بداية المعركة، كي تكون مؤهلة لحصد ما زرعه الآخرون، الذين جردهم نزيف المعارك من قدرتهم على مكافأة أنفسهم، والقوى التي تقف وراءهم

اطلبوا حريتكم أولاً من الأمريكان والإيرانيين

فيصل الشيخ
مشكلة الوفاق أن كل ضربة اليوم تأتي فيها، سواء من الشارع المضاد لها باعتبارها من قادت عملية اختطاف البحرين وسعت لتشويه صورة بلدنا في الخارج بالتالي استعدت الجميع ضدها، أو من خلال الدولة في حال رفض التعاطي معها دونما تقديم أية بوادر لحسن النوايا، أو إيران التي تتطلع من خلال مرشدها الأعلى لتنفيذ الوفاق لدورها المنوط بها في عملية سلخ هوية البحرين، أو من خلال أمريكا التي استثمرت في عناصر وفاقية لأغراض معينة وتلعب دور المستشار والوسيط اليوم، أو فوق كل ذلك شارعها الذي بات يحس بأنه سيترك في أي لحظة لوحده ليكون المتضرر الأول والأخير. اليوم الوفاق تتحدث عن حوار، يدافع متحدثوها عن موقفها ويقولون بأنهم لا يضعون الشروط أبداً بل الدولة هي التي “تتشرط”! تتحدثون وكأن غيركم من وضع شروطاً تعجيزية لمبادرة ولي العهد، بل تتحدثون وكأن غيركم الذي انسحب من حوار التوافق الوطني الذي دعا له جلالة الملك. يتردد اليوم بأن واشنطن التي تلعب دوراً محورياً في أحداث البحرين عبر سفارتها في المنامة قد اجتمعت مؤخراً مع الوفاقيين وبحثت معهم أفضل السبل للملمة الوضع، وأن الاتفاق كان على ألا تمارس الوفاق مزيداً لحرق الذات وخسارة لما تبقى من مكاسب، بالتالي التوجه للقبول بالتحاور مع الدولة وبقية مكونات المجتمع البحريني أقلها لتتحصل الوفاق على ما تحفظ به ماء وجهها الشخصي، في جانب آخر التوجيه يأتي لعدم تفكير الوفاق مجدداً بالإساءة لرمز وطني كبير هو رئيس الوزراء خليفة بن سلمان، كون استهدافها الصريح له ولمنصبه جعل كل مكونات المجتمع تقف في موقف المواجهة دفاعاً عن رموزها الوطنية. اليوم عليكم تحديد موقفكم بصراحة، هل تريدون العيش في البحرين بهذه الصورة؟! هل تريدون التباكي وتشغيل اسطوانة مشروخة في الخارج باتت لا تفيد ولا تؤثر، ترتكز على أكاذيب صريحة على رأسها “إخراجكم” من البرلمان رغم أن الحقيقة تكمن في أنكم أنتم من استقال من البرلمان، إلى غير ذلك من تصرفات وأقوال وأفعال تبين التناقض وتكشف التخبط في الحراك وتنضح بالكذب. التخبط موجود لأن النتيجة لم تأت بحسب ما يريدون، عملية الانقلاب فشلت، والبحرين بقت في مكانها، لم تتحول إلى ولاية تتبع المرشد الأعلى، ولا دولة يحكمها الولي الفقيه، بل الوفاق كتبت على أتباعها بالعيش في “عزلة” عن بقية مكونات المجتمع، كتبت على الناس أن يوصفوا بالخيانة وبيع الوطن بناء على عمليات الحرق والتخريب إضافة لممارسات التسقيط وتشويه صورة البلد في الخارج. حتى إن كانت واشنطن وقفت معكم في وقت سابق مدافعة عن ممارساتكم معتبرة أن الإرهاب الذي تمارسونه والتحريض الطائفي والخطاب العنصري ما هي إلا عملية تعبير عن الرأي، فإن ما مضيتم إليه أوقع البيت الأبيض نفسه في حرج كبير، خاصة حينما تقارن أفعاله وسياساته الخارجية في بقاع شتى مع خطابه المتعاطف مع الإرهاب في البحرين. كانت الوفاق تقول عند الكلام عن أي حوار بأن لديها شروطاً وشروطاً، وأنها لن تتنازل، واليوم نسمع خطاباً آخر لا يتضمن حديثاً عن شروط وضمانات، بل يتهم فيه الدولة بأنها هي صاحبة الشروط. سبحان مغير الأحوال! ليست الوفاق هي القضية هنا، بل هي باتت كالكيان المهترئ من كل جانب، أصبحت جهة تستجلب غضب كل الأطراف واستيائهم، فمن استعداء الأطراف المناهضة التي ترى فيها منفذة لمخططات إيرانية، وصولاً إلى استياء شارع اندفع اندفاعاً جنونياً وراءها مصدقاً وعودها بإنشاء “جنة الوفاق في البحرين” مشحون اليوم بنظرية “خداع” قائمة على أنه بالفعل استغل استغلال الأدوات في الحروب بالتالي هو الخاسر وليست هي. تريدون العودة للبرلمان؟! نعرف ذلك تماماً، ونعرف بأنكم لن تعودوا بأنفسكم، بل تتوسلون وساطة أمريكية بالخصوص وتوصية تقول للدولة بما معناه أن “أرجعوهم للبرلمان”. تريدون استعادة مكاسبكم التي تخليتم عنها؟! نعرف ذلك تماماً حتى عندما ألقيتم باستقالاتكم من البرلمان، لكنكم تريدون شيئاً يعيدكم دون أن تقولوها بلسانكم. هم يريدون حفظ ماء الوجه بأي طريقة، يقولونها صراحة للنظام بأن امنحونا شيئاً لنمتص به غضب شارعنا، رغم إدراكهم بأن شارعهم انفض أصلاً من حول خطاباتهم الكلامية وباتت فلول منهم تعمل وفق رؤية التيارات المتشددة متمثلة بشعارات حادة على رأسها شعار حركة حق غير المرخصة “شرعية الحق لا شرعية القانون”. إن كانت الدولة ستمنح الوفاق فرصة جديدة، وإن كان ذلك سيكون نتاجاً لتدخل الأمريكان وسعيهم لـ«عقلنة” خطاب وأفعال الوفاق بمنحهم ضوءاً أخضر للدخول في حوار غير مشروط، فإننا نذكر هنا التيارات الباقية في هذا البلد، نذكر المكونات الأخرى بأن كل ذلك لا يجب أن يأتي على حسابكم. من آثر النوم وشبع في نومه بعد أن أثار الغبار منذ شهور، نقول له “صح النوم”، انهضوا وتحركوا فلن يفيد أبداً البكاء على اللبن المسكوب إن تركت الساحة هكذا. بقي أن نسجل اليوم موقفاً واضحاً يصدر من الوفاق، وهي التي عودتنا على تقلب المواقف بناء على ما يصدر من إيران، والشواهد عديدة، هل سيتمثل حزب الله البحريني بما يقوله الوسطاء الأمريكان؟! بل السؤال الأكثر أهمية، هل ستأخذ الوفاق برأي الأمريكان إن كان للإيرانيين رأي مغاير؟! قلتم بأنكم تطلبون الحرية؟! طيب أطلبوها أولاً من الأمريكان ثم الإيرانيين بعدها تعالوا لتطلبوها من البحرين التي أعطتكم الحرية المطلقة منذ زمن طويل جداً.

كيف حالها أم أحمد

أماني العبسي
في ليلة من ليالي أبريل الماضي خرج أحمد ذو 17 ربيعاً مع صديقه في جولة بالسيارة، يمضي وقته كما يمضي كل الشباب الأسوياء في مثل عمره أوقاتهم، لكن ليس كل الشباب يعيشون الأجواء نفسها، أحمد يقطن مدينة حمد حيث تجول الأشباح أحياءها ودواراتها -كما في مناطق كثيرة- تحت أستار الظلام تزرع بذور الموت وسط الطريق لرجل أمن أو لعابر بريء لا فرق. عند دوار 18 ترجل أحمد ليزيح إطارات محترقة تسد الطريق مستعيناً بعصا حين انفجرت قنبلة مخبأة وسط الإطارات أشار التحقيق أنها معدة لتفجر عن بعد، واستحال الصبي في لحظات إلى كتلة من نار بحسب صديقه الذي اندفع نحوه من هول المنظر بلا وعي، ليصاب أحمد بحروق نسبتها 72% ويدخل فيما بعد في غيبوبة طويلة يصاب خلالها بتسمم في الدم وجلطة في الدماغ ويفقد حياته في 17 من العمر، ويصاب صديقه بحروق في محاولة إنقاذه، وليفخر زعماء المعارضة ويرفعوا أنوفهم عالياً، زرعتم الكراهية وهذا ما جنيتموه، رسمتم دوامة العنف والسحق وسحقتم أحمد وسطها، وهو لا من المرتزقة ولا مسّ حرة من الحرائر. أتساءل عن اللحظات الجنونية وإحساس الرعب والألم الذي عايشه أحمد الذي كان قبل لحظات فقط في منتصف تلك الليلة 16 أبريل 2012 شاباً عادياً جداً اهتماماته بسيطة وحياته أبسط، وصار رمزاً لما هو عليه الإرهاب وعواقب انفلات الأمن المرير وترك العصابات المجرمة تتلاعب بحياتنا وتقتل أولادنا، صار ببساطة رمزاً لن ينسى ومثله أبرياء آخرين غدر بهم الإرهاب ونحن نتفرج ونصدر البيانات ونتابع بصمت هو أسوأ من العنف ذاته. لا أدري كيف شعر أحمد إزاء منظر الإطارات المحترقة أمامه وماذا دفعه للترجل وتحريكها، لكني أحسب منظر إطارات تحترق على الطريق في محيط شاب مثل أحمد يعد أمراً عادياً مألوفاً وروتين يومي للأسف، بعض الصغار يحيون في بيئة آمنه وليس كل الصغار يحظون بمثل هذا الترف، ونعلم هذا جيداً هنا في البحرين، آخر ما وقعت عينا أحمد عليه كان منظر الإطارات المحترقة التي صارت تمثل رمزية خالدة في أذهان البحرينيين، فهي ليست إطارات؛ إنها قيود تخنق أنفاسنا، إنه إرهاب يفرض نفسه ويقول لنا تعايشوا معي شئتم أم أبيتم، إنها حاجز خوف نتمنى أن نكسره بدلاً من أن نتوقف منتظرين حضور الشرطة وإزالته.. وهذا ما فعله أحمد. لا يمكن أن يرقى ما أكتبه الآن وكل ما سوف يكتب لمستوى مشاعر أي بحريني فضلاً عن مشاعر أهل الشهيد أحمد سالم الظفيري، قلت لأشرف الظفيري أحد أقرباء أحمد أن أعلام الفرح قد نكست في قلوب كل أهل البحرين والبحرين في حداد لمصاب أسرة الظفيري والدموع في عيون كل أم وكل أب وكأن من استشهد ابنهم، وهو بالفعل كان من الممكن أن يكون ابن أو ابنة أي منا، سألته عن حال أم أحمد وأنا ألوم نفسي لمجرد طرح السؤال.. ما أقساه من سؤال.. وما أقسى هذا الواقع الذي نعيشه، لا أملك ولا نملك إلا أن ندعو لأحمد بالرحمة والمغفرة ولوالدته ووالده وجميع أفراد أسرته بالصبر وندعو لمشاركة الأسرة تشييع الشهيد بعد صلاة عصر اليوم في مقبرة الحنينية علها تستأنس بدفء القلوب وطيب المشاعر في وحشة مصابها هذا.

ورطة نوري المالكي في قضية طارق الهاشمي

د.أيمن الهاشمي
حين صرّحَ نوري المالكي أن قضية نائبه “صالح المطلك” هي قضية بسيطة وسهلة لأنها “سياسية” يمكن حلها بالحوار، أما قضية طارق الهاشمي فهي قضية “قضائية بحتة” لا تُحلّ إلا من خلال المحاكم!، فالمالكي يعني ما يقول، لأن قضيته مع المطلك محصورة في إطار المُناكفات السياسية التي يُمكن أن تُحلّ بالحوار أو بالأحرى عبر الصفقات التي اعتاد المالكي عليها!!.. أما قضية نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي فهي كما يقول المثل العراقي (دكَّت بالعظم!!).. أي لا مجال للتراجع عنها خاصة بعد أن بذل أعوان نوري المالكي وأزلامه في الأجهزة التحقيقية الأمنية والقضائية قصارى جهودهم لإخراج وترتيب الملفات للقضايا “مجهولة الفاعلين” على مدى خمس سنوات ومن ثم تلبيسها لحمايات طارق الهاشمي مستعينين بآخر إبداعات التعذيب لانتزاع الاعترافات!!. لكن قضية حسم ملفات المحكوم غيابياً بتهم الإرهاب “مشعان الجبوري” الخصم العنيد لنوري المالكي، والذي تحوَّل بين ليلة وضحاها أو بين صفقة وأخرى إلى أكبر مدافع عنيد عن وطنية وإخلاص نوري المالكي.. وراحت أدراج الرياح، تصريحاته النارية وتعليقاته الثورية عبر القنوات الفضائية التي كان يديرها بتمويل معلوم، وعاد لينشئ فضائية جديدة باسم “الشعب” يكرسها للدفاع عن وطنية نوري المالكي.. إن قضية الجبوري تشكّل فضيحة أخرى على المستويات كافة: الأخلاقية، والسياسية، والقانونية والقضائية.. فكيف أبطلت أحكام الإعدام بحق مشعان، وأطلق سراحه وتم تبييض صفحاته الجنائية وعاد مناضلاً عنيداً يدافع عن نوري المالكي.. وبالتأكيد فإن المسألة لا تخرج عن نطاق التأثير والضغط السوري، فمصالح مشعان التجارية كلها في سوريا، وبعلم المخابرات السورية، وهو مدين لبشار الأسد الذي احتضن مشعان وسمح له بإطلاق فضائياته من دمشق، من (الزوراء) إلى (الرأي) ثم (الشعب).. وبالتالي لا يمكن لبشار الذي اصطف بالحصيلة الطائفية الإيرانية مع نوري المالكي، خصم الأمس المشاكس، والحليف العتيد اليوم، وتلك هي أخلاقيات السياسة في عالمنا العربي.. أن تجد الحلفاء يوماً خصوماً فاجرين في اليوم التالي.. وبالعكس... قضية مشعان الجبوري تشكل وصمة عار في جبين القضاء العراقي الذي ثبت بما لا يقبل الشك تسييره من قبل السلطة التنفيذية وتحديداً من قبل رئيس الوزراء نوري المالكي وفق هواه وأوامره.. إن ورطة نوري المالكي في قضية الاتهامات التي (فبركت) و(أُخرِجَتْ) بشكل (مخربط) بحق طارق الهاشمي، بحيث وصلت الفوضى إلى استخراج مئات القضايا المسجلة (ضد مجهول) وتجييرها ضد طارق الهاشمي ابتدأت بـ (50) ثم(100) ثم(200) وقيل إن عددها بلغ الآن (300 قضية)!!، وربما أكثر، وتتمثل ورطة نوري المالكي في الآتي: 1- إن أجهزة المالكي سارعت وقامت بإبلاغ المشتكين وعوائل ضحايا (الـ300 قضية!!) أن الهاشمي وحماياته هم من يقف وراء الجرائم التي استهدفت ذويهم، وبالتالي دخلت المسألة في إطار “الشحن الطائفي الصريح” و«تأليب طائفة ضد طائفة أخرى”، وهو تأليب لا يقل خباثة عن حادثة تفجير مرقدي سامراء عام 2006 وما جرى بعده من أحداث دموية. 2- إنّ تحويل القضايا من (مجهولة الفاعل) إلى (معلومة الفاعل) يُحرج القضاء وبخاصة في ظل الاستخدام المفرط لأجهزة الإعلام في الترويج لتلك القصص، مما يجعل القضاء تحت رحمة ضغط الرأي العام الطائفي، والاعترافات التلفزيونية، ويؤثر سلباً على مهنية وحرية واستقلال القضاء. 3- إن مسألة انتزاع الاعترافات بوسائل التعذيب التي خبرتها وتفننت بها أجهزة الشرطة والأمن والمخابرات في العراق على مدى العقود الخمس الماضية، وصارت تقليداً ثابتاً وخبرات متوارثة وعلامة مسجلة لدى هذه الأجهزة، منذ قصص (قصر النهاية) و(زنازين البتاوين) و(زنازين البلديات) و(المواقف والتسفيرات) و(اللجان التحقيقية الخاصة) و(المحاكم الخاصة)، وغيرها عشرات.. بحيث انتشرت لدى هذه الأجهزة ثقافة (لا مستحيل في التحقيق) و(لا جريمة تمر دون كشف) بسبب تفنن خبراء التعذيب الذي أورثوا خبراتهم لجيل ما بعد 2003 (سواء من الأصليين أم من الدمج!!)، بل إن عدداً لا يُستهان به من عتاة التعذيب قبل 2003، مازالوا يُقدّمون خدماتهم الفعلية والاستشارية لجيل نوري المالكي من المحققين المتفننين بأساليب التعذيب التي تجعل الشخص يعترف ويقر بكل ما يمليه عليه المحقق الفنان، تخلصاً من آلام التعذيب التي لا يتحملها بشر!!... 4- تكمن ورطة نوري المالكي في قضية أو قضايا طارق الهاشمي وحماياته أن نوري المالكي لن يستطيع أن يتراجع أمام كمّ (الورطة) التي ورَّطه بها محققوه وسجّانوه وقضاته، بحيث ليس أمامه سوى أن يسير إلى النهاية في الدرب الخطير الذي سلكه، ولذلك حرص على توريط (الإنتربول) معه في تعميم أمر القبض الذي أصدره قضاة نوري المالكي ضد نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي. 5- كما إن عملية الشحن الطائفي التي لجأ لها نوري المالكي، في تأليب الشيعة ضد الهاشمي، من خلال تسيير التظاهرات التي غطتها أجهزة إعلام المالكي في الناصرية والبصرة والحلة ومدن أخرى تطالب بإعدام الهاشمي، وتطالب تركيا بتسليم الهاشمي، وقيام الغوغاء بإحراق العلم التركي والتهديد بضرب المصالح التركية في العراق!.. وهي عملية لا تخلو من التنظيم والتحريض وليست عفوية مطلقاً، هذه العملية زادت من إصرار نوري المالكي على السير بالقضية حتى النهاية. 6- إن عملية إخراج سيناريوهات المُحاكمة الهزلية لطارق الهاشمي وحماياته التي يبدو أنها تقع في إطار المخطط الذي يهدف لإخراج نوري المالكي من ورطته، عبر تثبيت التهم على المُعترفين تحت ضغط التعذيب دون مراعاة مطالب المتهم بالقضية، وتوفير الضمانات والتطمينات التي توفر له فرصة الدفاع عن نفسه وفق القانون. إن القضاء العراقي اليوم أمام اختبار صعب وقاس وخطير، لقياس مدى التزامه بسمعة القضاء العراقي النزيه والمستقل، أم تستمر ألاعيب السياسة والطائفية تفعل فعلها في دهاليز القضاء الذي يتحكم به عتاة مجرمي بل فنانو التعذيب وتلك الطامة الكبرى إن رضخَ القضاء لإرادة السلطة التنفيذية وأعوانها وتحوَّلَ إلى أداة لتنفيذ إرادتها في الشحن الطائفي وتلفيق التهم ضد الخصوم لإسقاطهم سياسياً.. ومع ذلك فإننا بانتظار موقف شجاع للقضاء العراقي.. ليكشف كل الحقائق أمام الشعب ويُنصف المظلومين. إن قضية التهم الموجهة ضد طارق الهاشمي تضع القضاء العراقي في أصعب امتحان له في تاريخه

لهذا تمادت إيـران

صالح القلاب
تردَّدْتُ كثيراً قبل أن أقول هذا الرأي ، الذي قررت أن أقوله، وذلك تحاشياً لسوء الفهم وتجنباً لليِّ أعناق الحقائق فقد كان على الذين بادروا إلى الاعتراض على إيران لأنها لجأت إلى الـ “فيتو” المعمم ضد الانتقال بمجلس التعاون الخليجي من صيغته الحالية إلى “الاتحاد”، ومعهم الحق كله، أن يتذكروا أن مثل هذا الـ “فيتو” هو الذي عطَّل انضمام الأردن إلى هذا المجلس ويبدو أن هذه المسألة باتت منتهية وأن هذه الصفحة غدت مطوية، ونحن إذْ نقول هذا الكلام فإننا نقوله ليس من منطلق لا الغضب ولا العتب وإنما من منطلق المحبة. ربما يتذكر الأصدقاء أو “الرفاق” الذين لا تزال لديهم بقايا لوثة يسارية أن “الرفيق” فلاديمير أليتش لينين قد قال: “أنك إن أنت تراجعت أمام الخصم خطوة فإنك تشجعه على أن يطالبك مجدداً بالتراجع خطوتين”، ولعل ما لم يتنبَّه إليه “الأشقاء” الأعزاء الذين اعترضوا على انضمام الأردن، “المملكة الأردنية الهاشمية”، إلى مجلس التعاون الخليجي استجابة للضغط الإيراني وتجاوباً مع الرغبة الإيرانية أنهم بهذا الموقف الذي اتخذوه قد شجعوا إيران على المزيد من التمادي وعلى استخدام الـ “فيتو” ضد الانتقال بهذا المجلس من صيغته الحالية إلى صيغة الاتحاد وفقاً لما أراده خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود. نحن لا نتحدث بمرارة لأن الذين اعترضوا على خطوة انضمام الأردن إلى مجلس التعاون الخليجي، والأردن هو أقرب الدول العربية إلى هذه المنطقة جغرافياً وسياسياً وديموغرافياً وتراثياً، هم الذين كنَّا نعتبرهم الأقرب إلينا وهم الذين علَّم أساتذتنا أطفالهم أول حروف القراءة والكتابة وهم الذين خضّبت دماء جنودنا البواسل تراب أوطانهم الغالية والعزيزة، وحقيقة أننا ورغم كلِّ ما حصل فإننا لا نزال نعتبرهم الأقرب إلينا وهم سيبقون الأقرب إلينا ودائماً وأبداً. لقد كان الأردن يعرف، وكان متأكداً من هذا، أن الاعتراض على انضمامه إلى مجلس التعاون الخليجي قد جاء إن ليس تحت الضغط الإيراني فاستجابة للرغبة الإيرانية، ولقد كان يعرف أن إحباط هذه الخطوة سيشجع ذوي النزعة الفارسية العنصرية في إيران على التمادي أكثر، ولهذا فقد جاء الاعتراض المعمم على الارتقاء بالمجلس الخليجي من صيغة التعاون إلى صيغة الاتحاد وهذا يؤشر إلى أنه قد يأتي اليوم، وهذا لا نتمناه، الذي قد تطالب فيه إيران دخول هذا المجلس أو إلغائه والخوف كل الخوف من أن يستجيب بعض الأشقاء الأعزاء أيضاً لمثل هذه الرغبة الإيرانية. عندما أبدى الأردن رغبة قديمة بالانضمام إلى هذا المجلس فإنه لم يلجأ إلى هذا تحت ضغط أوضاعه الاقتصادية الصعبة فقط؛ بل وأيضاً لأنه يدرك أن مسؤوليته القومية وأن موقعه الجغرافي يمليان عليه وفي كل الظروف ودائماً وأبداً أن يحمي خاصرة إخواننا الخليجيين الشمالية ليس من المخدرات والمتفجرات والسلاح فقط وإنما أيضاً، وهذا هو المهم، من أن تقترب إيران من خلال رؤوس جسورها في المنطقة، ورؤوس الجسور هذه معروفة، من حدودهم وتحقق تطلعاتها بتطويق عواصمهم من الشمال بعد أن طوقتها من الجنوب ومن الشرق. لا يمكن أن نغير أو نتغير وسنبقى نعض على الجرح ولن نتخلى عن واجب الأخوّة والجوار مهما حصل، ولكن ما يهمنا ويخيفنا أن تشجع الاستجابة للرغبة الإيرانية “أولاً” و “ثانياً” على أن تتمادى إيران في تمددها الإقليمي، وهنا فإن ما يجب أن نقوله وبصوت مرتفع هو أننا نسأل العلي القدير أن يطيل في عمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الذي كان قال في لحظة عصيبة قد مرّت بها المملكة الأردنية الهاشمية أن الأردن هو بؤبؤ العين وإنَّا لن نتخلى عنها مهما حصل.. وحقيقة أن المملكة العربية السعودية لم تتخلَّ عن الأردن في أي يوم من الأيام وهذا يقدره الأردنيون من هم من الناس العاديين ومنْ هم في مواقع المسؤولية. عن «الرأي» الأردنية

يريدون ديمقراطية ولاية الفقيه

جاسم بونوفل
في مقاله بجريدة الشرق الأوسط أشار الأستاذ طارق الحميد إلى الفتوى التي أطلقها آية الله كاظم الحسيني وهو أحد المراجع الشيعية المقيمة في إيران والتي تتلخص في “تحريم التصويت في أي مرفق من مرافق الحكم العراقي لمصلحة أي مواطن عراقي علماني”، ويفسر“ الحميد هذه الفتوى بأنها تعني وجوب التصويت لرجال الدين الشيعة فقط ويتساءل هنا عن أي ديمقراطية يتحدث هؤلاء في ظل هذه الفتوى التي تدعو إلى التصويت إلى رجال الدين دون سواهم”. ونتيجة لهذه الفتوى العجيبة يطالب الحميد في ختام مقاله: عقلاء الشيعة في كل من العراق والبحرين ولبنان وغيرهم بالمنطقة بالرد على هذه الفتوى؛ لأنها حسب رأيه تصطدم مع مطالب الشيعة بالإصلاح، وبحقوق الأقليات، وبالمشاركة السياسية. كلام الحميد حول هذه الفتوى يطرح مجدداً إشكالية في رأينا تتعلق بتركيبة وبنية النظام السياسي في إيران، وهل هذا النظام يؤمن بالديمقراطية فعلاً كما جاءت في كتب الفلسفة وعلم الاجتماع والقانون والسياسة والأدبيات الغربية عموماً وتطبيقاتها في الدول الديمقراطية وهي التي تقوم أساساً على التعددية التي تتيح لكل أطياف الشعب وألوانه السياسية أن تمارس حقوقها السياسية من دون منح امتياز أو تفضيل لطيف أو لون سياسي معين على آخر فالجميع متساوون في المشاركة السياسية وفقاً للدساتير المعمول بها في هذه الدول. في الحالة الإيرانية الوضع جد مختلف فالكلمة الأولى والنهائية في القرار السياسي ليس للرئيس المنتخب، ولا لأعضاء البرلمان المنتخبين، إنما للمرشد الأعلى فهو صاحب القول الفصل في أية قضية جدلية داخلية كانت أو خارجية. وإذا ما قال كلمته فعلى الجميع السمع والطاعة بما فيهم قمة الهرم السياسي وهو رئيس الجمهورية. لذا فإن النظام السياسي في إيران لا يسير في نهجه الديمقراطي وفقاً لقواعد الديمقراطية الغربية. فهو -أي النظام الإيراني- لم يأخذ منها إلا الإطار الشكلي المتمثل في وجود رئيس وبرلمان منتخب من الشعب. من جهة ثانية، حتى الرئيس المنتخب قبل أن يرشح نفسه يمر عبر مراحل حددها الدستور الإيراني فهناك عدة اشتراطات على المرشح أن يجتازها حتى يكون ترشيحه مقبولاً ويحق له بعد ذلك دخول المنافسة على كرسي الجمهورية. ولن ندخل في تفاصيل هذه العملية التي يعرفها الجميع التي أصبحت مجسمة في الواقع السياسي الإيراني بشكل واضح وجلي سواء في السياسة الداخلية أو في السياسة الخارجية والأمثلة كثيرة التي تثبت وتبرهن على أن المرشد الأعلى هو من بيده مفاتيح خزائن كل الملفات الإيرانية. فعلى صعيد السياسة الخارجية نجد أن الملف النووي الإيراني يتم التعاطي معه بناء على تعليمات المرشد الأعلى للثورة وهي التي يتم على أساسها الحوار التي تجريه إيران حالياً مع الدول الغربية وليست تعليمات الرئيس أو البرلمان. أما على صعيد السياسة الداخلية فإننا نجد أن ملف التعيينات في المناصب العليا للدولة فهو من اختصاصه فالوظائف العليا يتم اختيارها بناء على موافقة المرشد الأعلى ومباركته. من هنا نقول إن المؤسسة الدينية هي صاحبة السلطة في إيران وهي أعلى في رتبتها من مؤسستي الرئاسة والبرلمان. نخلص مما سبق إلى القول بأن الديمقراطية الإيرانية التي جلبتها الثورة الخمينية تم تفصيلها حسب مقاسات الملالى وهي مقصودة لتكون كلمتهم العليا في الشأن الإيراني، وبالمناسبة فإن فكرة المرشد الأعلى المطبقة في إيران مأخوذة من كتب الآباء الأوائل للإخوان المسلمين في مصر، حيث هم أول من ابتدع هذا المسمى ووظيفته في السلم السياسي. وعليه فإن فتوى “الحائري” تصب في هذا الاتجاه وتتناغم مع الديمقراطية التي أنشأها “الخميني” التي حصرت الانتخاب في رجال الدين ومنحت السلطة المطلقة للولي الفقيه في تقرير مصير الشعوب الإيرانية. الأمر العجيب والغريب أن الخمينيين لم يكتفوا بتطبيق نموذجهم في بلادهم بل حاولوا -ولايزالون يحاولون- استنساخ تجربتهم في دول الجوار وخصوصاً تلك الدول التي يتجاوب جزء من شعوبها مع الأفكار الخمينية مثل العراق والبحرين والكويت ولبنان وسواء كان ذلك من خلال تصدير الثورة لهذه البلدان أو عبر البوابة الديمقراطية كما حصل في العراق بعد الاحتلال الأمريكي له. فمن خلال تلك البوابة استطاعت الأحزاب الدينية أن تقود العملية السياسية في العراق وتتحكم في شؤونه وأصبح بيدها مفاتيح كل الشؤون العراقية. أما في البحرين فالوضع لا يختلف عن العراق أو عن الكويت فالفتاوى التي يطلقها “آيات الله” في إيران تلقى صدى واسعاً في صفوف الجمعيات السياسية “الأحزاب” التي تتدثر بالدين في هذه البلدان. فجمعية الوفاق لم تدخل البرلمان في نسخته الأولى بناء على فتاوى صادرة من مرجعيات إيرانية في هذا الشأن، كما إنها دخلت البرلمان في نسخته الثانية بموافقة مرشدها الوكيل الحصري للمرشد الأعلى في إيران، وانقلبت على الدستور والنظام السياسي وانسحبت من مجلس النواب بناء على أوامره أيضاً؛ لأنه هو من يحدد لها الطريق الذي تسير عليه ويرسم لها خطة العمل. إذاً هؤلاء دخلوا الديمقراطية من أجل أن تكون السيادة فيها للولي الفقيه. ولذلك يحق لنا القول إن هؤلاء لا يؤمنون بالديمقراطية وهم ركبوا موجتها؛ لأنهم وجدوا فيها ما يحقق مآربهم ومتى تحققت أهدافهم فإنهم أول من يدوس على الديمقراطية ونحن في البحرين نعرف أكثر من غيرنا. فتجربتنا معهم علمتنا ذلك. أخيراً، نقول للكاتب القدير طارق الحميد لا تنتظر من هؤلاء رداً أو إجابة لتعلم هل هم إصلاحيون حقيقيون، أم خمينيون، لأنهم في الحقيقة كلهم خمينيون.

ما لكم كيف تحكمون

سوسن الشاعر
رغم أنه كل وفاة لبحريني هي وفاة مأسوف عليها، وكل روح هي عزيزة علينا وكل وفاة هي خسارة للوطن؛ إلا أنه بالمنطق بالعقل بالحسبة العدلية كيف يتساوى من خرج من منزله حاملاً أداة للقتل مع من قتل وهو يحاول منع أو ردع هذه الأداة وحاملها؟! في أي شرع يتساوى حامل أداة القتل والبادئ بالاعتداء مع من يحاول منعه وردعه؟ في أي قانون؟ في أي ملة؟ نحن لا نقبل بالظلم، ومن قتل ومات تعذيباً نعتبره في عداد الشهداء، فهؤلاء حتى وإن كان قد قبض عليهم أثناء أحداث العنف والإرهاب إلا أنهم أبرياء حتى تثبت إدانتهم، وماداموا رهن الإيقاف فهم عزل، هذا منطق عدلي لا علاقة له حتى بأسباب القبض وأسباب الإيقاف أو الحبس أو السجن، فالتعذيب عقوبة بحد ذاتها غير إنسانية ولا يقرها دين أو مذهب أو ملة، ولابد من الإقرار بذلك شاء من شاء وأبى من أبى. وحتى الذين لم يموتوا بل تعرضوا للتعذيب نحن نقف معهم ومع تظلمهم، فالله لا ينصر من يسكت عن الظلم ويتغاضى عنه لمجرد أن الظالم من فئته أو من جماعته. إنما من يموت أثناء صدامه مع الأمن وهو حامل لأداة قتل فلا يمكن مساواته مع موت رجل الأمن الذي من مهامه بل ومن واجبه ردع المخرب أو القاتل، فلا يخرج من بيته من يحمل أداة قتل إلا ويجوز ردعه بكل الوسائل المتاحة. من يموت وهو يزرع المتفجرات ليس كمن يموت وهو يحاول تفكيكها، كيف يتساوى من يحترق وهو يصب الزيت ويشعل الحريق مع من يحاول إظفارها؟ كما إنه ليس هناك منطق في الدنيا يجيز العنف للقاتل ولا يجيزه للرادع، إن المنطق السليم يعطي الحق في ردع العنف حسب خطورة الأداة المستخدمة وبالنسبة لكم كل تلك الأدوات التي نشاهدها ويراها العالم مجازة أو مفبركة أو عادية أو طبيعية. فالقاتل عندكم يجوز له استخدام العنف، أما الرادع فلا يجوز له؛ أي منطق هذا؟ حتى الدخان ميزتم بينه؟ فدخان الإطارات الخانق بالكربون حلال، ولا يخنق ولا يسبب أمراضاً ولا يسبب سرطانات، ولا يؤدي لموت من به ربو أو أزمات في التنفس، أما الغازات المسيلة للدموع فهي حرام وخانقة! من المؤسف أننا نتجادل في مسلمات تم غسل أدمغة هذه الجماعات وإعادة برمجتها لتميز بين عنف وعنف وبين جرحى وجرحى وإصابة وإصابة وموت وموت، حتى الشهادة هي حصر وقصر على أبناء مذهب معين، فلا تجد ذكراً لكل القتلى والجرحى من رجال الأمن أو من المدنيين في خطابهم، فهؤلاء يختفون عن بصيرة بعض الجماعات فلا يرونهم ولا يسمعون بهم ولا يعترفون بموتهم أو بآلام أهلهم، أي عنصرية هذه التي تم زرعها في نفوسكم؟ فلا المعمري موجود ولا رانيا وابنها عبدالله موجودين ولا السردي موجود ولا أحمد الظفيري موجود، ولا كاشف ولا فاروق ولا المريسي ولا عشرات الأجزاء التي بترت من أجساد البعض، ولا مئات الإصابات بين رجال الأمن، كل هذه الأسماء وغيرها هي شخصيات كارتونية لا تتنفس ولا تموت ولا تتألم، فلا تجد اسم أحدهم في أي بيان أو أي تغريدة أو أي خطاب علني أو مقال صحافي. الشتم والسب والتسقيط يعد حرية تعبير حين تقولونه، ويرفع من يقوله على الأكتاف ويهتف باسمه وتقام له الاحتفالات، وذات الألفاظ تعد إهانة حين تقال ضدكم.. ما لكم كيف تحكمون؟ ما لكم كيف تحكمون؟

مصر.. محاولة للفهم

سعيد الحمد
من احتراق البوعزيزي انطلقت ثورة تونس هكذا قالوا لنا وصدقنا.. ومن الفيسبوك انطلقت ثورة مصر هكذا قالوا لنا وصدقنا.. وفي المسافة ما بين الاحتراق وما بين الفيسبوك كانت ثمة اسئلة وعلامات استفهام وألغاز لم تستوقفنا لمحاولة الاجابة عليها أو على اقل تقدير لفهمها وتفكيكها وإعادة تركيبها على نحو يجعلنا نفهم قبل ان نحكم.! ولأننا حكمنا قبل الفهم فقد صدمنا بأحكامنا وبالنتائج الاخيرة كوننا لم نقرأ المقدمات بدقة بل لم نقرأها أصلاً.. ولم نسأل هل صحيح ان الفيسبوك أطلق ثورة أم جمع الساخطين بكل اشكال وأنواع سخطهم فكان الهدم لكن لم يكن هناك بناء. وائل غنيم احد ابطال «ثورة الفيسبوك» تلقى أفضل التدريبات في امريكا على اسلوب جمع الناس في دائرة محددة وتحريك اسباب السخط وصولاً لهدم ما هو قائم من كيان ومؤسسات الدولة لكنه ومجموعته التي تلقت نفس التدريبات لا يملكون رؤية أو خطة ما بعد الهدم، ولذا فقد اختفى غنيم ومجموعة «ثورة الفيسبوك» بعد ان أدوا مهمة الهدم وجلست مصر على تلّة خراب الهدم. في المقابل خسرت كل مجموعات ثورة الفيسبوك استحقاقات جميع تحولات ما بعد الهدم.. من الاستفتاء على الدستور الى الانتخابات النيابية، وأخيراً انتخابات الرئاسة كما اشار الكاتب مشاري الذايدي في الشرق الاوسط وهي اشارة مُصيبة وعن حق. احتمال أول شبه مؤكد أن ثورة «الفيسبوك» هي في أحسن توصيفاتها ثورة سخط لا تملك برنامجاً بديلاً أو حتى رؤية محددة واضحة لما بعد الهدم، «خطة أمريكية للفوضى المدمرة»، فيما النخب الطليعية في الدولة المدنية المصرية تحديداً انبهرت وسرق رؤيتها ضجيج الميدان وبريق الفضائيات فانساقت واستغرقت في لحظة الهدم والفوضى بما فيهم من شيوخ في السن «هيكل مثالاً لا حصراً» ولم تقرأ الظاهرة من خارجها لأنها كانت داخلها. هيكل بعد عام ونيف قال: «سقطنا في امتحان السنة وعلينا الإعادة» وغاب عنه ان الاعادة التي يدعو إليها ستمزّق مصر كما الصومال؛ لأن الجميع فقد البوصلة الآن وباتت اللحظة المصرية مفتوحة على كل احتمالات المجهول أو التراجع الى الخلف إن جاء محمد مرسي أو البقاء كما كانت إن جاء شفيق وفي الحالين لماذا اذن «ثورة الفيسبوك»، وأين ابطالها وكيف اختفوا ولماذا اختفوا بعد ان هدموا القائم في الدولة من مؤسسات؟ المثقف الثوري في مصر ما زال اسير عقلية وذهنية الثورة في عنوانها العريض والقديم جداً، لم يفهم معادلات التغيير الجديد والتحولات والتبدلات في لعبة الكبار ولعبة الامم ولعبة المخابرات وما زال يعاني من ثقافة الحرب الباردة، وكان الاتحاد السوفيتي لم يسقط والصين لم تتغير وجيفارا لم ينتهِ.. فخرج الى الميدان بعقلية انتقام لا بعقل التغيير الحقيقي.. وسقط في لجّة بحر الانتقام للانتقام، لم يسأل ماذا بعد مبارك؟ ولكن سؤاله كان متى يسقط مبارك.. وعندما سقط وجد نفسه لا يملك برنامجاً لما بعد السقوط، فسقط المثقف الثوري في الضياع. انبهر المثقف العربي ولم يملك زمام فكره فرأيناه جزءاً من ظاهرة الدوارات والميادين التي افرزتها «ثورة الفيسبوك الامريكية» انغمس فيها وأصبح داخلها يصرخ كما يصرخ شبابها ويبشرنا بدولة القانون بالحريات والعدالة والديمقراطية غير المنقوصة وبتداول السلطة.. كل ذلك جرى في قفزة هتافات حنجرية صاخبة وغاضبة ما كان للمثقف أن يكون جزءاً منها حتى يستطيع فهم الظاهرة وفهم من يلعب فيها من وراء الكواليس، لكنه انساق خطيباً ومحرّضاً ولاعباً حتى استنفذ دوره في اسقاط النظام»، ولم يعطِ نفسه وقتاً للسؤال المصيري الكبير ماذا بعد السقوط؟ أسأل ثوار الفيسبوك وأسأل المثقف الثوري وأسأل الطلائع الثورية.. من جاء بعد الهدم؟ هدّمتم الدولة «برافو» فمن تقدم الصفوف بعد الهدم ليبني دولته؟. كنتم دولة مدنية بامتياز والآن تطلبون ضمانة وضمانة فقط لبقاء الدولة مدنية.. «ما كان من الأول» وكنتم دولة ابداع والآن تطلبون ضمانات لحماية الابداع؟ لماذا إذن كان ما كان وكنتم معْولاً فيه.. هل هي حكمة شمشون مرّرها لكم البعض؟ فتورّطتم فيها وتورّطتم معها بعد أن انهار المعبد؟

إلى متى والفؤوس تطيح على رؤوسنا

محمد الأحمد
إن استشهاد المواطن أحمد الظفيري بعد تعرضه لإصابة بليغة منذ شهرين أثناء إزاحته لعدد من الإطارات المشتعلة بمدينة حمد وتعرضه لانفجار قنبلة محلية الصنع التي كانت مخبأة داخل الإطارات هو خبر بمثابة سلسلة من سلاسل الفؤوس التي تتساقط على رؤوسنا ونحن نتفرج.. وهي فقدان الأبرياء نتيجة الأعمال الإرهابية التي يرتكبها الغوغاء والمرتزقة المراهقون بحفنة من الدنانير.. إن التعامل الأمني والقانوني مع هؤلاء الغوغاء ليس وفق مستوى الحدث، ولم يصل بعد ليكون أداءً رادعاً.. ولا يزال قانون الإرهاب محبوساً في الأدراج دون أن تستخدمه النيابة العامة.. ولا نعلم لماذا أقر هذا القانون وعلى من تريد الدولة تطبيقه إذن!. إن استمرار «ميليشيات الوفاق» التابعة لحزب الله في ممارسة الاعمال الإجرامية في الشوارع، وامتناع جمعية الوفاق عن إصدار أي بيان يدين العنف، هو مؤشر خطير في هذه المرحلة، يتطلب التعامل الحازم.. فنحن منذ أكثر من عام ونسمع نداءات الحوار... ولا يبدو أن أذن الوفاق مصابة بالطرش الإيرانية.. فلا نعلم متى ينزع الولي الفقيه يده عن أذن الوفاق.. نحن نقول للمسؤولين في كل المواقع، ماذا لو كان هذا الشاب ابنك أو أخاك.. ماذا ستفعل.. هل ستستمر في طلب واستجداء «التهدئة المزعومة» التي لم يستغلها البعض أبشع استغلال في استمرار ونشر الفوضى والإرهاب؟!. ونوجه رسالة إلى وزارة العدل، تحرككم في التعامل مع الجمعيات الراديكالية والمحرضة على العنف والإرهاب جيد.. ولكن متى سيحين الوقت لاتخاذ إجراء صارم مع جمعية الوفاق؟!.

اعذرنا يا أحمد الظّفيري

إبراهيم الشيخ
الشاب أحمد الظفيري (١٨) عاماً، استشهد أمس الأوّل، بعد معاناة مع حروق أصيب بها منذ إبريل الماضي، عندما حاول إبعاد الإطارات المشتعلة في الطريق، لينفجر به جسم غريب كان يستهدف رجال الأمن!!
استشهاد أحمد الظفيري يأتي ليعيد طرح مجموعة من الأسئلة، وليكشف مزيداً من الفضائح التي لم تتوقّف منذ عام!
أحمد لم يكن سوى حلقة في سلسلة «السّحق» التي سوف يُسأل عنها عيسى قاسم يوم القيامة.
خالد السردي، الطفل عمر، مهنّد، الشهيد المعمّري، زهرة، فاطمة العباسي، رجال الأمن الذين قضوا، ومجموعة العمالة الآسيوية التي انتهكت إنسانيتها وأرواحها، وغيرهم كثير. جميعهم أرواح بشرية، تمّ انتهاك حرمتها بتحريض بشع، كان هو أسوأ ما يمكن أن يصدر عمّن تحوّل من رجل دين، إلى متاجر بالدين وبالمذهب، أمر بسحق كلّ مخالف، كما حرّض على سقوط عشرات الضحايا من أبناء مذهبه، في سبيل غايات باتت لا تخفى على أحد!
(قيادات) و(رموز) تستنكر سقوط طفل من درج في زيمبابوي، بينما تصاب بالخرس عندما تنتهك حقوق أبناء الوطن، فقط لأنّهم ينتمون الى طائفة أخرى! ولا عجب في ذلك، فقد شاهدنا بشاعتهم الإنسانية والأخلاقية تجاه ما يحدث في سوريا!
أسوأ ما في استشهاد هذا الشاب، هو قيام الوفاق وأتباعها بالتشكيك في طريقة وفاته، بل وبتزوير تفاصيلها، حتى لا تصل الى العالم فضائحهم الأخلاقية!
بعد كل تلك الحكاية، سؤالنا للدولة: هل قبضتم على قتلة الظفيري؟! ويا ترى ماذا سيكون جزاؤهم؟!
النّاس تتألّم بسبب انحياز الدولة الى طرف من دون الآخر! فقضايا القتل والاعتداءات الطائفية، لم تلقَ من الدولة الاهتمام الذي وجدناه للطرف الآخر، ويكفينا أن نتابع نتائج تقرير بسيوني، لنتابع الاهتمام بإرجاع الحقوق الى المعتدين، بينما هناك تهاون فاضح وغير مفهوم في إنصاف المعتدى عليهم!
الطرف السنيّ كان أكثر المتضرّرين من أحداث البحرين، لأنّه لم يكن طرفاً أصلاً في المواجهات بين الانقلابيين والسّلطة، وفي نفس الوقت كان هو الطرف الذي لم يؤخذ حقّه ممّن اعتدى عليه!
حتى في تنفيذ الأحكام، تابعنا كيف كان الحكم على العبيدلي سريعاً ومتطرفاً، حيث حكم عليه ١٥ سنة بتهمة حرق مجموعة سيارات! بينما هناك من اعتدى على الأرواح، أو حرّض على «سحقها»، تؤجّل محاكماتهم، وغيرهم يسرح ويمرح من دون حساب ولاعقاب!
لا نريد أن نوغل في الحديث عن مظالم أهل السنّة في البحرين، والتهميش الحاصل بحقّهم، لكن ما يحدث لا يسير في صالح الدولة، ولا نتمنّى له أن ينفجر، ليأخذ منحىً لا تحمد عقباه أبدا.

برودكاست: مجازر سوريا تنتقل من قرية إلى قرية، والدّعم الصفوي الإيراني العراقي اللبناني متواصل، والحماية الروسية مستمرة.
مقابل ذلك كلّه، كنّا نستنكر ونشجب بيانات الاستنكار والشّجب العربية! أمّا اليوم، فحتى تلك البيانات اختفت.
آخر السّطر: لو كان الإمام الطبري حيّاً يرزق، لأضاف فصلاً جديداً في تاريخه، يتكوّن من ثلاث كلمات: سوريا.. وأشباه الرّجال.

زهرة والظفيري

جمال زويد
في أواخر العام الماضي ٢٠١١م تم إعلان وفاة المواطنة البحرينية زهرة صالح محمد رحمها الله حينما كانت عائدة من عملها إلى منزلها وتصادف خروج عدد من الأشخاص بمنطقة الديه في مسيرة غير مرخص لها، حيث قاموا بارتكاب أعمال شغب وتخريب، وإلقاء الأسياخ الحديدية التي طاش أحدها ليصل إلى مقدمة رأس زهرة التي كانت تسير حينذاك متجهة إلى منزلها.
على الفور استلمت خبر الوفاة (الماكينة) الإعلامية التي تعرفونها، قنوات الكذب والفتنة و(الدكاكين) الحقوقية، أيضاً التي تعرفونها، أشاعت الخبر وحولته إلى عملية اغتيال وقمع قامت بها قوات الأمن، ونشرت شريط فيديو يُظهر الشرطة وهم يحملون أسياخ، فندته وزارة الداخلية فيما بعد، وبينت أنه شريط قديم لا علاقة له بالواقعة، لا زماناً ولا مكاناً.
كانت الاستعدادات تجري على قدم وساق للمتاجرة باستشهاد زهرة واعتبارها من (قرابين) ثورتهم، وكان يمكن أن يكون تشييع جنازتها مظاهرة أخرى تُستغل في الضغوط المطلبية وتحدث فيها التجاوزات و(الاختراقات) والخروج عن أهداف المسيرة أو الاعتصام، بحسب ما اعتدنا عليه. ربما كانت هنالك تحضيرات لإضافة موتها إلى أوراق وقراطيس يجري تداولها في بعض العواصم الغربية كأدلة على ما يسمونه إجرام الدولة وانتهاكاتها لحقوق الإنسان، وخاصة أن مشهد قطعة الحديد (السيخ) مغروساً في رأس زهرة تتفطّر له القلوب وينبئ عن فظاعة ووحشية تتيح فرصاً أكثر للنواح والاستقطاب.
غير أن شيئاً من ذلك لم يحدث، وفجأة توقف الكلام عندهم عن زهرة، توقفت استعدادات وتحضيرات المتاجرة بجثمانها ووفاتها، حُذف كل شيء عنها في أدبياتهم ونشراتهم، وخلت قنواتهم الفضائية من أي إشارة إليها. لا لشيء سوى أن زهرة «طلعت سنية»!
اليوم سيحتضن الثرى جثمان الشاب الشهيد أحمد سالم الظفيري الذي قضى نحبه مغدوراً به إثر قيامه بمحاولة إماطة عدد من الإطارات التي يتم حرقها فانفجرت في جسده الطاهر قنبلة أحدثت به إصابات لم تمهله طويلاً حتى غاب عن دنيانا وهو لم يكمل العشرين من عمره وترتفع روحه إلى بارئها ويكون دمه بمثابة فضح لسلمية طالما زعموها.
ويكون كذلك صمتهم عن استنكار قتله، بل صمتهم حتى عن إعلان وتقديم تعازيهم فضيحة لطائفية حركتهم تُضاف إلى سجلهم في الاستنكار والتنديد بعدد من حوادث القتل في بلدان أوروبية بينما تنخرس أقلامهم وتتوقف ألسنتهم أمام مجازر ومذابح في سوريا يندى لها جبين الإنسانية، لا لشيء سوى ذات سبب صمتهم وسكوتهم هنا عن مقتل زهرة والظفيري عليهما رحمة الله.

إيران على أعتاب ثورة

عبدالرحيم فقيري
في خضم مسلسل السياسات العدائية التي ينتهجها الساسة في إيران، تستمر معاناة الشعب في ازدياد على كافة الصعد، حيث تشير بعض الدراسات إلى أن جميع عناصر مقومات الحياة لدى الشعب الإيراني شهدت تدهورا كبيرا في السنوات القليلة الماضية، وازداد الأمر سوءا في ٢٠١٠ و٢٠١١، بسبب تمسك الساسة هناك ببرنامح تخصيب اليورانيوم في محاولة لاستخدامه في الأغراض غير السلمية، والخروج في نهاية المطاف بما يسمى السلاح النووي.
فالشعب اليوم يعاني من نقص وندرة في الغذاء، ونقص وندرة في الأدوية، ونقص حاد وندرة في التنوير، فقد بدأت مؤسسات التعليم تتداعى، فيما يركز القادة صرف كل (تومان) على تعزيز المقدرات الحربية وبرنامج التسليح الذي استهلك كل مقدرات الشعب الإيراني وثروته، وهو شعب محروم ليس من حق التداوي والتعليم وطعام فحسب، بل محروم حتى من حقوق السؤال المباح عن مصير المئات من المليارات التي تكسبها الدولة من مبيعات النفط، كثالث أكبر قوة نفطية في الشرق الأوسط، وخامس دولة في العالم من حيث المخزون الاحتياطي، بعد فنزويلا والسعودية وكندا والعراق، ويقدر الاحتياطي بنحو١٣٨.٤ مليار برميل.
فالسؤال عن مثل هذه الحقوق في إيران يؤدي إلى التهلكة والجلد على قارعة الطريق والشنق على الأعواد المنصوبة في شوارع طهران جهارا نهارا.
السياسات الغبية التي يمارسها الإيرانيون على مستوى اتخاذ القرار، جعلت كثيرا من الدول الغربية والآسيوية التي كانت تستهلك النفط الإيراني ومشتقاته، تقلص وارداتها من طهران، وتدرس مستقبلا كيف تقاطع هذه المنتجات، وهو الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى خفض الصادرات الإيرانية من النفط بواقع ٤٠٠ ألف برميل يوميا، إلى ٣٠١ مليون برميل، مما أرغمهم إلى تخزين فوائض الإنتاج في أبراج مائية وسفن تقدر بنحو ٣٠٠ ألف برميل يوميا، طهران غير قادرة على تصديرها، وبهذا تكون قد حرمت شعبها حتى من هذه العوائد، وهو أمر يمكن لإيران أن تحاول استعاضتها من خلال فرض ضرائب مرهقة على شعب ٧٠% منه يعيش تحت خط الفقر.
بالطبع فإن للأبراج المائية والسفن الإيرانية سعة محددة للتخزين، مما يجعل طهران عاجزة قريبا عن اتباع سياسة التخزين النفطي، وهو ما سيدفعها ليس إلى تقليص إنتاجها في كثير من الحقول فحسب، بل إلى وقف إنتاج تلك الحقول، مع تبعات الوقف والتشغيل مرة أخرى، وهو ما يقول عنها الخبراء الجيولوجيون أنه أمر مكلف للغاية.
ونذكر، أن دول العالم لما هددت إيران بوقف استيراد نفطها ومشتقاته، استخدم الساسة هناك كل غبائهم السياسي، وهددوا أية دولة تحاول تعويض النقص الذي سوف ينشأ عن مقاطعة المنتجات النفطية الإيرانية، وتوعدوهم بدلا من أن يقوموا بدراسات استراتيجية توصلهم إلى الحقائق المرة التي وصلت إليها طهران اليوم، فالعالم به اليوم ما يكفي من المخزون النفطي، حيث يبلغ حجم المخزون النفطي الاستراتيجي في أمريكا وحدها يبلغ اليوم أكثر من ٧٤٠ مليون برميل، وإيران لن تكون قادرة في أي وقت من أوقاتها التعيسة على التأثير لا في الاستهلاك العالمي من النفط، ولا في أسعار النفط، فقد هبطت أسعار النفط إلى مستويات ٩٧ دولارا في آخر التداولات في أسواق النفط العالمية يوم الجمعة رغم تقليص العالم الواردات الإيرانية، من المستويات القياسية التي فاقت مستوى ١٢٨ دولارا للبرميل في مارس الماضي.
وبهذا، فإن الأوضاع المعيشية في إيران مرشحة إلى المزيد من التفاقم، حيث أكدت رابطة فرنسية لتصدير الحبوب، أن إيران بحاجة ماسة هذا العام، إلى مليوني طن من القمح، وسوف تزداد الأمور سوءا، كلما أصر الساسة الإيرانيون على التمسك ببرنامجهم النووي غير السلمي، كما أن الأوضاع الصحية والتعليمية مرشحة إلى المزيد والمزيد من التهالك، وهو أمر لا نستبعد أن يلهب الشارع الإيراني ويقوم شعبه الفقير بثورة عارمة لا تنتهي إلا بتقديم الساسة المسئولين، أيا كانت انتماءاتهم السياسية أو الدينية إلى المقاصل وأعواد المشانق، تماما كما يفعلون مع شعبهم الأعزل، فكل مقومات ومبررات الانقلاب الشعبي على الحكومة الإيرانية، وكل مبررات نجاحها، مع جاهزيات التدخل الغربي الذي سيكون سريعا وحاسما، موجودة، فما على الشعب إلا تحريك غضبهم إلى ميادين إسقاط الحكام المستبدين.

مبادرة د. المحمود.. هل هي قابلة للتنفيذ

محمد مبارك جمعة
أحد عشر محوراً طرحها د. عبداللطيف المحمود لإيجاد مخرج من حالة الانسداد والأزمة في البحرين، كإطار عام. مبادرة يشكر عليها كثيراً، وتبين حرصه على بحرين يشارك فيها الجميع، من دون إقصاء لأحد ومن دون انفراد بالقرار السياسي لأحد على حساب الآخر.
لكن لو نظرنا سريعاً إلى المحاور المطروحة من قبل د. المحمود، وحاولنا أن نستشف موقف الأطراف الأخرى، أو لنقل الطرف الرئيسي الذي يجر الأطراف الأخرى خلفه، من هذه المبادئ، سوف نتمكن بكل سهولة من معرفة ما قد تؤول إليه هذه المبادرة قياساً بالمواقف السابقة.
(الوفاق) ترفض بكل تأكيد المحور الثالث القاضي بإيقاف أعمال العنف وإدانتها، لسبب بسيط ذكرناه سابقاً هو أنها تسترزق من وراء هذه الأعمال، ولأنها أيضاً لا تملك قرار إدانتها لأنها عبد مأمور مطيع. وعليه فإن هذا المحور غير قابل للتطبيق عملياًّ. أيضاً سنجد أن (الوفاق) ترفض ولن تلتزم بالمحور الرابع، الذي يتحدث عن الانتماء العربي والإسلامي للبحرين، فإذا كانت عاجزة عن إصدار نصف بيان يدين التهديدات الإيرانية للبحرين العربية، ولم تستطع أن تفتح فمها لتدين مزاعم تبعية البحرين لإيران، فكيف يمكنها أن تلتزم بعروبة البحرين؟ هذا محور لن تطبقه (الوفاق)، وستمارس فيه النفاق السياسي الى أبعد مدى. (الوفاق) ترفض كذلك المحور الخامس، الذي يقضي بألا يكون الحل على حساب المواطنين، لأنها ببساطة لا تعترف بالمواطنين، ولا بشعب البحرين، هي تعتبر نفسها الشعب، وأنها تمثل كل البحرين، وتريد فرض ما تريده هي فقط، ولذلك فإننا نجد باستمرار أنها تشترط الانفراد بالحوار مع الدولة وتريد عزل بقية الأطراف.
المحور السادس هو أيضاً محور مرفوض من قبل (الوفاق)، فهي لا تريد فرض القانون على الجميع من دون استثناء، بل تريد فرض القانون على من يخالف أجندتها، في حين تريد خرق القانون وممارسة ما تريد، هي وأتباعها، كما يحلو لها ولهم. وعليه فإن أي اتفاق في هذا الشأن لن تكون له أي ضمانات، وسرعان ما سيتحول إلى سراب. (الوفاق) ترفض المحور الثامن بكل تأكيد، القاضي باعتراف الأطراف في الوطن ببعضها على أساس الشراكة، لأنها لا تريد شراكة مع أحد، ولذلك فإن علي سلمان ومن شايعه يتحدثون على الدوام باسم (شعب البحرين)، ويكفي موقفه المخزي من الاتحاد الخليجي حينما تجاوز ذلك إلى التحدث باسم شعوب الخليج أيضاً.
وأخيراً فإن (الوفاق) لا يمكنها أبداً تطبيق المحورين العاشر والحادي عشر، فهي لا تستطيع الالتزام بحل دائم لأنها تتبع الوالي الإيراني الذي يستخدمها كخشبة شطرنج متى يشاء، علاوة على أنها لا تستطيع تقديم أي ضمانات لعدم تكرار التأزيم لنفس السبب الذي ذكرته.
ومن هنا نستنتج، أنه رغم طيب مسعى د. عبداللطيف المحمود، واصالة طرحه الوطني، وجديته في إيجاد حل للأزمة، فإن الطرف الآخر لا يستطيع أن يقدم أي شيء في المقابل، ولن تنفع معه التسوية على الإطلاق.

الوطنية التي يعرفها نبيل رجب

بثينة خليفة قاسم
نبيل رجب لم يكذب عندما اتهم أهالي المحرق بعدم الوطنية، وإن كانت هناك مشكلة فهي بالتحديد في اختلاف المفاهيم واختلاف المصالح واختلاف المرجعيات والطموحات.
الوطنية عند نبيل رجب لها مفهوم مختلف تماما عن المفهوم الذي نعرفه جميعا، فالوطنية لديه هي الاخلاص والانتماء والولاء للوطن الإيراني والشوق الدائم للعودة إلى حضنه الدافئ.
الوطنية لديه هي التمرد على الدولة البحرينية والسعي في خرابها بقدر المستطاع، وهي الإساءة لقيادات البلاد والعمل على إشعال الفتنة الطائفية فيها، فكل شيء مباح في سبيل (الوطن).
الوطنية هي صناعة المولوتوف والاعتداء على رجال الشرطة والدعوة لسحقهم من فوق المنابر، ومعاداة كل ما هو عربي.
الوطنية هي القول إن البحرين هي المحافظة الرابعة عشرة في الوطن الايراني، وهي سب العروبة وسب المملكة العربية السعودية أكثر من سب إسرائيل.
الوطنية هي تشويه البحرين في أذهان الأبناء ومحو كل ما يتعلمونه في مدارسهم من دروس ومعان وحشو رؤوسهم بالحقد والغل والطائفية.
الوطنية هي فبركة التقارير وإرسالها إلى منظمات مشبوهة لا تريد الخير لمملكة طالما عاش أهلها في وئام وسلام وهي مملكة البحرين.
الوطنية التي يدين بها هذا الرجل ومن هم على شاكلته هي السعي بكل السبل للحيلولة دون تحقيق أي اتحاد أو أي وحدة (مشؤومة) بين دول مجلس التعاون الخليجي.
الوطنية الكاملة هي أن يصمت الانسان عندما يسمع من يسب البحرين من على الشاطئ الآخر للخليج العربي، ولا ينبس بكلمة عندما يستمع إلى ترهات شريعتمداري حول عروبة مملكة البحرين.
الوطنية النقية هي أن يصف الانسان الاتحاد المرتقب بين البحرين والسعودية بأنه احتلال لابد من التصدي له.
فهل يتوفر شيء من هذا في المحرق وأهلها؟ بالطبع لا، فالمحرق هي قلعة العروبة وهي اصل دولة البحرين التي نريد سلخها من عروبتها.
المحرق هي القلعة الحصينة التي لم تخترقها سهام الطائفية الحقيرة حتى الآن، وهي التاريخ الجميل لمملكة البحرين العربية.
المحرق هي حائط الصد المنيع ضد محاولات شراء الذمم وضد الأموال التي تتدفق من الشرق، تارة من اجل بناء مستشفى إيراني وتارة لشراء أراض، وتارة لشراء بيوت لتغيير التركيبة النقية للمحرق التي تكره الخطط الصفوية كما تكره الخطط الصهيونية.
إن محافظة كل ملامحها عربية وكل أهلها عروبيون يرفضون الاختراق ويطرودون الخبث والطائفية أولا بأول، لا يمكن أبدا أن يكونوا وطنيين بمفاهيم الأخ نبيل رجب.
وفي النهاية نقدم التهنئة لأهلنا في المحرق العربية الأصيلة لكونهم غير وطنيين على طريقة أخينا، ونهديهم أيضا قول الشاعر العربي:
إذا أتتك مذمتي من ناقص
فهي الشهادة لي بأني كامل

موت الظفيري ومرحلة ضياع الحقوق

أسامة الماجد
يكتب عن حقوق الإنسان والدين الإسلامي والتسامح، وأنا أتحداه اليوم أن يكتب عن الحادث الإرهابي الذي خطف شابا في عمر الورد وهو أحمد الظفيري ابن الـ 17 عاما الذي توفي يوم أمس الأول من جراء انفجار قنبلة محشورة في إطار يحترق عندما كان يحاول أن يفتح الطريق في مدينة حمد.
نتحداك أن تكتب حرفا واحدا تدين فيه إرهاب المولوتوف والإطارات.. أن تكتب وتدين وتقف مع الحقيقة مهما كانت.. فأنت قلم ناصح ويخدم الوطن.
أما السكوت وغض البصر عن تلك الأفعال المشينة ومحاولة بناء سدود عالية لإخفاء الحقيقة، فلا تعني في قاموس اللغة إلا.. الخيانة، أجل.. هذه الكلمة التي تحاولون غسلها عن أجسادكم ولكن دون جدوى!!.
مات الشاب الظفيري من عمل إرهابي واضح.. إطار وفي داخله قنبلة محلية الصنع، وحرق الإطارات في شوارعنا أصبحت قصة يومية اعتدنا عليها كالوجبات الثلاث، هذا هو الموت وهو ما علينا ان نواجهه شئنا أم أبينا.. فنضالهم المزعوم لن يتوقف، وقريبا جدا سيخسر المواطن استقلاليته وحريته في التنقل إلا بعد أن يأخذ الإذن المسبق من مليشيات الوفاق التي فاقت الفاشية والنازية في جرمها وهي الباعث الرئيس على تعطيل حرية الناس وأمنهم وسلامتهم.
ليست العلة فيهم ولا فينا، العلة في شيء اكبر من أن نفهمه كمواطنين، لقد بّحت أصواتنا ونحن نطالب بردع هؤلاء المخربين والضرب بيد من حديد وفرض قانون الإرهاب عليهم، وعزل الباطل وإزهاقه، لقد أصبح وطننا كالطريد، يتلوى في قبضة المجهول، سيارات الشرطة تجوب الشوارع بشكل غير معهود، ورجال الشرطة يقفون في أماكن ليس من المفترض أن يقفوا فيها، والمحزن والغريب الذي لم نعتد عليه في تاريخ البحرين هو خوف بعض المواطنين من الذهاب إلى مناطق لقضاء حاجة ولنقلها بكل صراحة ودون مجاملة، من كان يذهب في السابق إلى سترة ليشتري سمكا لبيته، لا يستطيع أن يذهب اليوم، يخاف، يتوجس من خروج الفئة الضالة ورمي سيارته بالمولوتوف، وأعرف عائلة من مدينة حمد لم تمر في شارع دار كليب منذ الأيام الأولى من الأزمة، بعد أن كانوا يشترون كل ما يحتاجون من السوق هناك، والسبب، رمي سيارة الأب بالمولوتوف لأنه كان يضع صورة القيادة على سيارته، تخيلوا ذلك، حتى وضع صورة القيادة على السيارة أصبح يشكل خطرا على المواطنين الذين يمرون في بعض المناطق، وكأننا في بلد غير خليجي!.
عكس الذي يسكن في سترة فيمكنه التنقل وبكل حرية في الرفاع أو الزلاق أو المحرق دون أن يشعر بأي خوف، لعلمه بأن هذه المناطق ليست مناطق المولوتوف وليست بأوكار للإرهاب! إذا نحن نعيش في خلل ونرزح تحت ضريبة الخوف من التنقل ودخول أي منطقة إلا بمحاذير، وكل ذلك بسبب هذه العصابات التي شاهدها العالم في التقرير الأمني الذي بثه تلفزيون البحرين يوم الخميس الماضي.
الشاب الظفيري توفي، وهناك سخط عام في الشارع البحريني “المحب لوطنه ولقيادته”. واستياء من المرحلة التي وصلنا إليها من ضياع الحقوق، فمن هو المسؤول عن دم هذا الشاب الذي قضى غدرا؟ لا أحد، نعم لا أحد، فحرق الإطارات وكما ذكرت قصة يومية اعتدنا عليها كالوجبات الثلاث. كل ما يفعلونه هو تلغيم الإطارات بقنابل محلية الصنع وإشعالها في الشوارع والهرب في ظرف دقائق والرجوع إلى جحورهم. والمواطنون الأبرياء هم من يتحملون تبعية ذلك. إن اقترب وحاول عمل ما عمله الشاب الظفيري رحمه الله، لقي نفس المصير، وإن حاول المرور بسيارته بالتأكيد ستحترق، كل ما علينا فقط هو الانتظار لغاية وصول الدفاع المدني ورجال الأمن، أما أعمالنا ومصالحنا فلتذهب إلى الجحيم!.
الذي أعرفه أن أي تصرف يتحول من ممارسة عادية متقطعة إلى ظاهرة متفشية في المجتمع تضر بالناس وبالأمن، تجند كل الطاقات للقضاء عليها حالا ودون تردد، ولا أعرف إن كان حرق الإطارات في شوارعنا يعتبر ظاهرة يجب القضاء عليها فورا أم مجرد ممارسات صبيانية عادية؟!