Sunday, June 3, 2012

شكراً للعربية

سوسن الشاعر
شكراً قناة العربية.. شكراً محمد العرب؛ لقد عوضتم جزءاً كبيراً من تخاذل سياستنا الإعلامية البحرينية تجاه معاناتنا، وساعدتم الشعب البحريني في إظهار مزيد من زيف ما يسمون أنفسهم (معارضة) للعالم.
شكراً فلولاكما لما رأى العالم ما يحدث في البحرين، ولاعتقدوا أننا نبالغ أو نضخم حجم الإرهاب والعنف.
فالتقرير الذي عرضته “العربية” ليلة الجمعة في برنامج صناعة الموت أعطى صورة واقعية عما يعيشه البحرينييون والمقيمون في البحرين من عرب وأجانب، بعد أن امتنع تلفزيون البحرين عن ملامسة هذا الواقع لحكمة نجهلها ويجهلها حتى القائمون على التلفزيون.
فنحن نرى هذا الإرهاب بأم أعيننا ونزور ضحاياه في المستشفيات، ويراه المستشاران الأمريكي والبريطاني في وزارة الداخلية، ويراه كل زوار البحرين من الأجانب إعلاميين وغير إعلاميين، لكن إعلامنا يمتنع و-بتعليمات عليا- عن نقل الإرهاب الذي تعيشه البحرين، فلا يرى أحد ما يجري عندنا إلا إذا زارنا وتنقل في مناطق نفوذ الإرهابيين وعرض نفسه للخطر، وتلك سياسة إعلامية لا مغزى لها بتاتاً وتخدم خصومنا وأعداءنا، ولا تخدم البحرين وقضيتها العادلة، فإن كانت هذه السياسة هي نصيحة مقدمة من أحد غير بحريني؛ فهي نصيحة مدسوسة يقصد بها تحييد أقوى الأسلحة في معركتك وخسرانك أقوى مواقع قضيتك.
تحتاج البحرين لسياسة إعلامية مدروسة تستخدم فيها الصورة التلفزيونية بشكل أساس، ولا أعرف حقيقة من الذي أشار على قياداتنا بتقييد التلفزيون بهذا الشكل، تحتاج البحرين للصورة الحية الناطقة في دعم موقفها كي يعرف العالم معنى “السلمية التي أبهرت العالم”، والتي تتغنى بها جماعات المعارضة على حقيقتها، صحافتنا المحلية مهما غطت فإنها تخاطب الداخل، أما الصورة التلفزيونية لو وظفت بشكل جيد فإنها تقطع لك شوطاً كبيراً وتكسبك تعاطف العالم وتحرج الحزب الكاذب وتكشفه على حقيقته.
إعلاميو البحرين قادرون على نقل الصورة لو أطلقتم يدهم فقط وتركتموهم يعرضون ما لديهم من صور وأفلام حبيسة أدراجهم، لأنهم مقيدون بتعليمات لا نفهم حكمتها.
فإن كان التعذر بالخوف على الاستثمار أو الاقتصاد؛ فبريطانيا وفرنسا وغيرهما تعرضوا للإرهاب وما استطاعوا أن يحاربوه إلا بمساعدة الإعلام، والإعلام المصور تحديداً، وما تأثر اقتصادهم أو استثماراتهم مادام إعلامهم يبين واقع ومناطق الإرهاب المحصور فيها، ويبين أن بقية مناطق البلاد تعيش حياة طبيعية، انقلوا الواقع كما هو بلا زيادة أو نقصان واكسبوا المصداقية، انقلوا الإرهاب في مناطقهم وانقلوا الحياة الطبيعية خارجها وكيف يعيش الشعب البحريني بعيداً عنهم ويمارس حياته بلا تنغيص.
واسمحوا لي؛ هناك جهل كبير بقوة وعظم سلاح الإعلام وماذا بإمكانه أن يفعل، فأنت لديك “إف 16” تتركها عرضة للصدأ في مرآبها في حين تتعرض لهجوم وقصف يومي إعلامي بلا هوادة من خصمك وخونة معتمدين كل الاعتماد على ترددك وضعفك وعلى كذبهم.
هم يستخدمون الإعلام المرئي والمسموع بشكل أساس، فلم تبقَ قناة فضائية إلا واستعانوا عبر مراسليهم وعبر أعضائهم الذين يتنقلون من بلد أوروبي لآخر، في حين أنك تجلس مكتوف اليدين إعلامياً ولديك ما يرد عليهم وبسهولة.
حتى الوفود الشعبية والرسمية التي تدافع عن البحرين وعن سيادتها تجهد في البحث عن فيديو هنا أو فيديو هناك يعرض حقيقة الإرهاب، في حين أن فيلماً كالذي عرضته العربية يغني عن ألف كلمة وألف محاضرة.
نحن في البحرين نعرف أن هناك تمويلاً للإرهاب ولخونة البحرين، وهناك تنظيم وهناك قيادات مركزية وهناك تعليمات تصل من الخارج، ونحتاج أن نثبت ذلك للعالم صوتاً وصورة كما فعلت العربية، لأننا نتعامل مع أكذب حزب مر على التاريخ البشري، حلل كذبه رجال دينه فأصبح التمثيل سمة من سمات رجاله ونسائه، وأصبح حرفة متقنة لا ترى غير نصف البحرين وتغلق عينها عن النصف الآخر، وتقرير كالذي عرضته العربية بيّن كيف يتم استلام التمويل وكيف يجند المراهقون والأطفال وكيف يتم الشحن، تلك وقائع نعرفها لكن العالم يجهلها والصورة تغني عن ألف بيان.
فلا نعتمد أو ننتظر أن يصحو ضميرهم وأن يقروا بجرائمهم فلا أحد منهم يرى (الكرنفالات) الليلية، لا رجال دينهم ولا عمائمهم ولا حقوقييهم، كلهم يغمضون عيونهم كقطر الندى من المغرب ويصبحون ثاني يوم يتغنون بالسلمية، ولا يسمعون صراخ وألم و معاناة ضحايا إرهابهم.
وحين يطلب منهم إدانة العنف قبل أي حوار؛ يسألون وبراءة الأطفال في عيونهم الناعسة: أي عنف؟ ليس هناك عنف، نحن أبهرنا العالم بسلميتنا!! لذلك لا فائدة من الاكتفاء بصحافتنا المحلية لمخاطبتهم.
نحن بحاجة لمخاطبة الخارج صوتاً وصورة و(لايف) على الهواء ننقل له ما يحدث دون حتى مونتاج.
فإن تخاذل إعلامنا عن نقل كذبهم وفضحهم ونقل الكرنفالات الليلية وحرائق الليل وخفافيشه التي تحدث على بضعة كيلومترات من مبنى التلفزيون، فاعطوا القنوات الأخرى على الأقل فرصة نقلها.. فلا حول ولا قوة.
ولي اقتراح للأخ بوعمر، محمد العرب، أن يعرض على (أبو السلمية) أن يكون مرافقاً له في جولاته في الجزء الثالث الذي يحضّر له الآن ليشرح للمشاهدين مغزى المولوتوف أبو دينار، ومغزى الأسلحة المصنعة محلياً ومغزى الحراب والأسياخ وطفايات الحرائق التي تحولت لقاذفات حتى نعرف المغزى من فتوى اسحقوهم وفتاوى باقي عمائمهم.
من جديد شكراً للعربية.. وشكراً لمحمد العرب.. ولا عزاء لتلفزيوننا.

سحب الجنسيات بالإمارات وسحب جنسية النجاتي

هشام الزياني
من بعد الثورة المصرية، للتو تم رفع قانون الطوارئ بمصر، أما قانون الطوارئ في تونس وهي أول دولة انطلقت منها الثورات العربية (النظيفة) فلم يرفع بعد قانون الطوارئ. وفي تونس أيضاً صرح وزيرالداخلية الذي جاء بعد الثورة، أنه سوف يستخدم الرصاص الحي ضد المتجاوزين للقانون. كل هذا المشهد يعطي صورة إلى أن أمن المجتمع والناس أبقى من حقوق المجرمين، لسنا مع قوانين تقمع الحريات للناس والمجتمع، لكننا مع حفظ أمن المجتمع من فوضى الإرهاب وقطع الطرقات، والمولوتوف، والعبوات الناسفة. في الإمارات أيدت المحكمة الحكم بسحب جنسيات سبعة أشخاص لمساسهم بالأمن الوطني، وما يحدث بالإمارات هو شأن إماراتي بامتياز هم أعلم بظروفهم ودولتهم وشعبهم. للدولة البحرينية نقول؛ إن المشهد السالف الذكر أمامكم، الدول تفعل كل ما يصون الأمن أولاً، وما يحفظ حرية الناس وأملاكهم، بينما الدولة البحرينية تسرف في البحث عن حقوق المجرمين وتبحث عن الأحكام المخففة وهذا لا يحفظ أمن المجتمع. وزير داخلية تونس بعد الثورة يقول إن الرصاص الحي سيستخدم لحفظ الأمن، وهو ليس وزير داخلية زين العابدين إنما وزير الثورة، بينما نحن في البحرين ننتظر أن يقتل رجال الأمن وأن يلقى المولوتوف على المارة في الشوارع بشكل عشوائي يصيب السني والشيعي وكل عابر للطريق دون أن تستخدم القوة المناسبة لوقف هذه الأعمال الإرهابية. رغم أن جنسيته اُعيدت إليه (ولا أريد أن أعلق على إعادة الجنسية) إلا أنه منذ ذلك الوقت لم نسمع صوتاً للنجاتي الذي كان يخرج كثيراً عن النص، ويرى نفسه أنه أعلى من عيسى قاسم علمياً، فدخل بياتاً قانونياً عرف فيه حجمه الحقيقي، وأن أي تجاوز للقانون فإن الجنسية سوف تسحب. للدولة نقول إن ما يحفظ أمن البحرين أكثر من الأحكام التي ترونها مشددة ويرى المجتمع أنها دون مستوى الجرم وهو سحب جنسيات الإرهابيين والمحرضين والقتلة والممولين، فقط أعطوا مثلاً لسحب الجنسيات، وسوف ترون النتائج. من تجاوزوا القانون في الإمارات كان جرمهم ليس كبيراً جداً ـ كما جرم القتلة الإرهابيين في البحرين ـ إلا أن للإمارات قوتها وسطوتها، وإرادتها في حفظ أمن الإمارات، فجاء الحكم ليلقن البقية درساً قاسياً. متى تستفيق الدولة البحرينية لتلقن متجاوزي القانون درساً، والله إن سحب الجنسيات له مفعول كبير في محاربة الإرهاب، وسوف ترون بأنفسكم. الكلام فقط لا يجدي، إنما يجب تفعيل القوانين لسحب الجنسيات من الإرهابيين والمحرضين والممولين وسوف تجدون أغلبهم يصمت ويعرف حجمه الحقيقي. رذاذ الحديث عن حوار مع الوفاق في هذا التوقيت أمر خاطئ جداً، هم الآن في لوثة الهزيمة فلا ينبغي تقديم هدايا لهم، هؤلاء أدخلوا البلاد في حالة الإرهاب واستهداف المكون الرئيس ودمروا الاقتصاد. لا ينبغي التحاور معهم الآن، هم يضعون شروطاً أيضاً للحوار وهي مبادئ ولي العهد التي رفضوها سابقاً، أي دولة تفعل ذلك وتتحاور مع من ينادي بإزالة النظام، على قولة بوجميل الجميل.. (مادري)..!

دبلوماسية بحرينية نشطة

يوسف البنخليل
إذا تتبعنا ما قامت به القيادة البحرينية خلال الشهرين الماضيين فإننا سنكتشف دبلوماسية نشطة للغاية تتحرك من أقصى الشرق في اليابان إلى أقصى الغرب في الولايات المتحدة الأمريكية. وبين هذين المدّين في الشرق والغرب يتركز نشاط الدبلوماسية البحرينية في دائرتين أساسيتين، الأولى هي الدائرة الشرقية ويقصد بها دول شرق آسيا وتشمل كلاً من الهند واليابان والصين وتايلند وكوريا بالإضافة إلى هونغ كونغ. في حين تتركز الدائرة الغربية في عواصم معدودة أبرزها أنقرة، كما تشمل مجموعة من الدول الأوروبية ومن بينها واشنطن. لماذا تنشط الدبلوماسية البحرينية في هاتين الدائرتين فقط دون غيرهما؟ من الناحية الاستراتيجية فإن السياسة الخارجية البحرينية أمام مرحلة تحول في المصالح من الغرب إلى الشرق لوجود قناعة بعدم جدوى الاستمرار في الشراكة حول المصالح مع الغرب بسبب الرغبة في التغيير السياسي وإعادة تشكيل المنطقة بشكل يخدم المصالح الغربية فقط دون غيرها. والفكرة الاستراتيجية هنا ليست إلغاء المصالح البحرينية أو نقلها من الغرب إلى الشرق، بل التنويع في مصادر القوى التي يمكن أن تستند عليها البحرين ضمن تفاعلها في النظام الدولي. فالعقود الأربعة الماضية أثبتت عدم جدوى الاستمرار في الاعتماد على قوة أحادية دولياً، وأثبتت كذلك الحاجة لتنويع مصادر القوى الدولية. الأهمية التي يمكن الاستفادة من تنويع القوى تتمثل في عدم قدرة طرف دولي واحد على التحكم والتأثير في سيادة الدولة البحرينية كما كان ذلك لافتاً خلال أزمة فبراير ـ مارس 2011 بالنسبة لواشنطن على سبيل المثال. لذلك ينبغي تفسير كافة التحركات التي تخطوها القيادة على مدى الشهرين الماضيين بأنها تخدم المسار الاستراتيجي في تنويع القوى الدولية التي تتحالف معها المنامة وتدخل معها في شراكة بالمصالح. بعض المحللين الغربيين، وخصوصاً العاملين في مراكز الأبحاث الأمريكية يرون التحركات الدبلوماسية الأخيرة بأنها تسعى لتحقيق هدفين رئيسين، وهما: الأول شرح مواقف البحرين وتأكيد التزامها بحقوق الإنسان، والثاني تسويق الإصلاحات السياسية التي قامت بها المنامة منعاً لأي مواجهات أو تحركات دولية لمحاربتها أو فرض عقوبات عليها كما تم بشكل جزئي عندما قررت الإدارة الأمريكية منع بيع الأسلحة للقوات المسلحة البحرينية. رؤية هؤلاء المحللين، ومنهم طبعاً الباحث فريدريك ويري، تقوم بشكل أساس على أن التحركات الدبلوماسية ليست في صالح واشنطن التي باتت تعاني العزلة داخل المجتمع البحريني، فهي مرفوضة لدى القوى السياسية الراديكالية التي ترى ضرورة أن تتخذ واشنطن إجراءات أكثر حسماً وتمارس ضغوطاً أكبر من أجل الاستجابة لمطالب هذه القوى. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن واشنطن مرفوضة من قبل القوى السياسية المعتدلة التي تمثلها مختلف التيارات السياسية التي لم تتورط في محاولة التغيير السياسي خلال مطلع العام الماضي، لأنها ترى أن واشنطن هي التي تقف وراء محاولة تغيير النظام وتسعى لتمكين فئة معينة على بقية مكونات المجتمع. والنتيجة النهائية أن الولايات المتحدة الأمريكية تعاني من عزلة فرضتها الظروف وفرضها المجتمع بشكل طوعي على نفسه في المنامة. مقابل الدبلوماسية البحرينية النشطة في محورين أساسيين، فإنه من المتوقع أن تتبدل بعض الاستراتيجيات على مستوى الأوضاع الداخلية من قبل القوى السياسية المختلفة، فضلاً عن النخبة الحاكمة. بالإضافة إلى توقعات تتعلق بتغييرات محتملة في المواقف والسياسات من قبل الغرب وتحديداً واشنطن تجاه المنامة.

البيت الغير أبيض

فيصل الشيخ
في عام 1901 وافق الرئيس الأمريكي السادس والعشرون ثيودور روزفلت على إطلاق مسمى “البيت الأبيض” رسمياً على قصر الرئاسة الذي كان في الأساس منزلاً يقطنه الرؤساء الأمريكيون في طريق بنسلفانيا في العاصمة واشنطن، وذلك بعدما أطلق الناس على المبنى هذا الاسم لسنوات واشتهر شعبياً بسبب تميز جدرانه باللون الأبيض للأحجار الجيرية التي بني منها وسط مجموعة من بيوت الطوب الأحمر. اللون الأبيض له رمزيته الخاصة، إذ على امتداد العصور كانت دلالته لدى الناس لا تختلف كثيراً عن كونه رمزاً للنظافة والنزاهة والاستقامة والعدالة والإنصاف، وفي زمن الحروب كان اللون الأبيض هو الدال على السلام. بعد ظهور الولايات المتحدة الأمريكية كلاعب رئيس على الساحة الدولية وتحولها لقوة عظمى وهي الدولة التي لا يضاهي تاريخها الحديث رقمياً وزمنياً تاريخ حضارات ودول أخرى مثل عدوتها اللدودة السابقة -حليفتها الحالية- بريطانيا التي أحرق جيشها البيت الأبيض نفسه في عام 1812 للميلاد، باتت كثير من الدول والشعوب تنظر بشك وقلق إلى البيت الأبيض الصادرة منه قرارات وتصريحات من شأنها تغيير الكثير من شكل الخارطة العالمية. أهو بالفعل بيت أبيض يجسد رمزية اللون الأبيض؟! إن كان اللون الأبيض يعني النقاء والشفافية والوضوح والصراحة، فإننا بالتالي أمام حالة تناقض صارخة، إذ كل هذه الأمور غائبة تماماً في كثير من سياسات وقرارات أصحاب السلطة في البيت الأبيض. في بعض الحالات تحول بيتهم الأبيض إلى “بيت أسود” مثلما في حالة العراق الذي تمت استباحة أراضيه بحجة البحث عن أسلحة الدمار الشامل، هذه الأسلحة التي لم تكن موجودة إلا في مخيلة الناس الذين صدقوا الترويج الأمريكي لها في حين تكمن الحقيقة بأن تحرك البيت الأبيض تجاه العراق كان بسبب أرضها التي تختزن كنزاً، أرضها التي ينبع منها “الذهب الأسود”. في الحالات الغالبة يتحول لون هذا البيت الأبيض إلى “الرمادي”، فلا تعرف موقفاً حقيقياً ثابتاً لأصحاب قرارات هذا البيت، تفاجأ وتستغرب من تقلب المواقف، وتصل لقناعة بأن لعبة ما تدور، وأن هناك ما يختبئ خلف الأكمة. الولايات المتحدة عبر بيانات ومواقف بيتها الأبيض تمنح نفسها صلاحية التدخل في الدول وشعوبها، تحدد أي دولة تتدخل في شؤونها وتفرض عليها إملاءاتها على هيئة نصائح واقتراحات، قد تقول وتصرخ بأعلى صوتها بأن هذه الدولة حليفة وصديقة، لكنها قد تضربها في نفس الوقت وبطريقة خفية. اللون الأبيض لم يعد يعكس نفس الرمزية إن كنا سنضرب به مثلاً البيت الأبيض في واشنطن، وثائق الويكيليكس بحد ذاتها تبين أصلاً أن صناع القرار الأمريكان لا يعترفون أصلاً باللون الأبيض في عملهم، السياسة لديهم مبنية على المصلحة المطلقة، والمصلحة بحد ذاتها لا علاقة لها بالنزاهة والعدالة والإنصاف وقول الحق. اليوم من تقول بأن الاستقرار في البحرين يهمها، ومن تقول بأن البحرين حليفة استراتيجية لها من خارج حلف الناتو، هي من تعمل على تقوية شوكة من يريد الإضرار بالبحرين، تعمل على استهداف “حليفتها الخليجية” من الداخل، في ممارسة “سوداوية” لا “ضبابية” حتى. هناك من فرح بالإدانة الأخيرة الصادرة من البيت الأبيض لاستخدام المولوتوف في العمليات الإرهابية وظن بأنه انتصر حينما نطقت “راعية السلام” بما يظنون أنها إدانة صريحة للانقلابيين. هؤلاء نقول لهم “لا تمشوا في الأرض مرحاً”، إذ سرعان ما تنقلب الأمور لديهم وتتساوى الضحية بالجلاد، بل يتحول الإرهابي لممارس لحرية التعبير. لن أصدق أي تصريح صادر عن البيت الأبيض متي لو تضمن سطراً إيجابياً عن البحرين، بل حتى لو كان التصريح منذ حرفه الأول والأخير مؤيداً ومناصراً للبحرين وقضيتها العدالة، لأننا اعتدنا على اللون “الرمادي” في كل شيء. اعتدنا أن نسمع إشادات منهم حينما يجتمعون مع كبار القادة ومسؤولي البلد، لكننا اعتدنا أيضاً على “السم الزعاف” الذي يتضمنه كلامهم في اجتماعاتهم السرية والمشبوهة مع قادة التحريض والانقلاب. اعتدنا أن نسمع خلال لقاءات الجنرالات العسكريين من الجانبين عن رغبة أمريكية جامحة في تعزيز التعاون العسكري مع البحرين، لكننا اعتدنا أيضاً على اكتشاف نقيض ذلك بسعي لوقف التعاون في مجال الأسلحة وسعي “البيت الأبيض” للضغط على أتباعه من الأوروبيين لتعطيل هذا الجانب التعاوني مع البحرين. الجميل أن بريطانيا غردت خارج سرب “البيت الأبيض” هذه المرة. لمرة واحدة أعيدوا للون الأبيض رمزيته التي عرفناه بها، لمرة واحدة اتركوا عنكم اللف والدوران، تحلوا بالشجاعة التي تتفاخرون فقط ورقياً وإعلامياً أو عبر قواتكم العسكرية، نريدها شجاعة اعتراف بأن دعمكم الأكبر موجه لمن يريد ضرب البحرين في مقتل، وأنكم من صنعتم عناصر منهم، وأنكم من تمنحونهم المشورة في حراكهم الساعي لإسقاط البلد. جاء باراك أوباما فكتبت حتى صحافتهم الأمريكية تندراً بأن هناك “رجلاً أسود في البيت الأبيض”. كان وصفاً موفقاً، وعنواناً يجذب الانتباه، لكن مع مضي الوقت بات واضحاً تماماً بأن هناك خطأ فادحاً لا يغتفر في العنوان، خطأ يتعلق باللون، ليس لون الرئيس القادم المتدثر بأحلام مارتن لوثر كينج، بل خطأ في وصف اللون الحقيقي للمبنى المشيد من الأحجار الجيرية. قد يكون أبيض بالفعل، لكن ما يصدر عن ما يدور داخله لا علاقة له بـ“البياض” بأي حال من الأحوال!

أفتونا يا وزارة الخارجية

جاسم بونوفل
الاجتماع الذي عقده نائب مستشار الأمن القومي الأمريكي دينيس ماكدونو مع أعضاء من جمعية الوفاق وأخواتها تحت مسمى “لقاء مع ممثلي المجتمع المدني” في مقر السفارة الأمريكية بالمنامة في أواخر الأسبوع الماضي، وبحضور السفير الأمريكي لدى البحرين توماس جراكيسكي، ليس الاجتماع الأول الذي تعقده السفارة مع من يطلق عليهم بالجماعات السياسية المعارضة ولن يكون الأخير؛ لأن هذا الاجتماع يأتي في إطار سلسلة الاجتماعات التي عقدتها السفارة الأمريكية سواء في ظل السفير الحالي أو الذين سبقوه وهو ينطلق من موقف الولايات المتحدة الأمريكية من الأزمة السياسية التي عصفت بالبحرين في فبراير من العام الماضي ووقوف البيت الأبيض في بداية الأزمة مع الحركة الاحتجاجية التي قادتها الجمعيات السياسية الراديكالية ونتيجة لهذا الموقف الذي تتبناه إزاء حكومة البحرين فهي مستمرة في عقد هذه اللقاءات والاجتماعات مع الأطياف السياسية التي تعول عليها كثيراً في قيادة التغيير في دول المنطقة. وهي بالنسبة لها ـ أي للولايات المتحدة ـ الحصان التي تراهن عليه في قيادة التحول نحو الديمقراطية في دول المنطقة. إزاء هذا المشهد المتكرر فإن السؤال المهم الذي يدور في أذهان الكثيرين في الشارع البحريني هو: هل هذه الاجتماعات تتم بعلم وبموافقة وزارة الخارجية البحرينية أم أنها تتم وفقاً لإرادة السفير الأمريكي الذي يتلقى أوامره مباشرة من وزارة الخارجية الأمريكية في واشنطون فإذا كانت الإجابة بنعم فإن ذلك يدفعنا إلى إعادة طرح السؤال على وزارة الخارجية بصيغة أخرى هل يجوز في الأعراف الدبلوماسية لسفير دولة ما أن يجتمع بمواطنين من الدولة التي يمثل بلاده فيها؟ حسب علمنا أن السفير يعين لرعاية مصالح شؤون مواطنيه في البلد الذي يوجد فيه. وهذا السؤال يقودنا أيضاً إلى سؤال آخر نريد من وزارة الخارجية أن تفيدنا حوله وهو: هل الاتصالات التي تجريها السفارة الأمريكية مع بعض القوى السياسية في البحرين تتم بطلب من البحرين. بمعنى آخر هل الدولة هي التي طلبت مساعدة الولايات المتحدة الأمريكية في إيجاد حل للأزمة السياسية التي عصفت بالبحرين في العام الماضي؟ وأعتقد أن مثل هذا الطلب جائز ومقبول بين الدول. وعليه يمكن القول إن تحركات السفارة الأمريكية تأتي في هذا السياق وبذلك يكون تحركها جزءاً من جهود الدولة وسعيها نحو احتواء الأزمة والخروج منها. وبناء على ذلك لا ترى الدولة غضاضة في الاستعانة بالأشقاء والأصدقاء والحلفاء وكل من يعاونها على إيجاد حل لهذه الأزمة. أسئلة كثيرة تدور في أذهان المواطنين حول تدخل الولايات المتحدة في الشؤون الداخلية للبحرين. وفي ظني أنها أسئلة مشروعة لأنها في الواقع تعبر عن حيرة المواطنين وقلقهم المتزايد على مصير بلادهم وأهلها الشرفاء خصوصاً في ظل الصورة القاتمة للدور الأمريكي في الأزمة وعدم توضيح الجهات الرسمية حقيقة هذا الدور وإلى أين يتجه؟ إن المواطنين الشرفاء الذي يرفضون وبشدة التدخل الإيراني في شؤون البحرين السياسية ويرفضون وصايتها على أحد مكونات الشعب البحريني ويطالبونها بالكف عن التدخل في شؤونها، فإنهم هم المواطنون الذين يرفضون أيضاً تدخل الولايات المتحدة الأمريكية، لأنه من حيث المبدأ يرفضون التدخل من أي دولة مهما كانت قوتها وهم في ذلك لا يفرقون بين إيران أو الولايات المتحدة. أما أولئك الذين يبحثون عما يحقق لهم مآربهم فإنهم على استعداد للجلوس مع “الشيطان الأكبر” ما دام ذلك يحقق أحلامهم وأهدافهم ولذا نراهم لا يترددون لحظة واحدة في الاستجابة لدعوة الأمريكيين بل يفعلون أكثر من ذلك في خطب ود الأمريكيين ما دام هؤلاء يعدونهم بمكافأة ثمينة وهل هناك هدية أغلى من البحرين. فإذا كان الأمريكيون قد قدموا العراق على طبق من ذهب هدية للأحزاب الطائفية المتحالفة مع إيران مقابل النفط العراقي وفتح الأبواب على مصراعيها لشركات النفط الأمريكية العملاقة للعمل في حقول العراق فما الذي يمنعهم من نسخ التجربة العراقية في البحرين إذا كانت الجماعات السياسية ستلبي كل مطالب الأمريكيين. خلاصة القول، إن نسبة كبيرة من البحرينيين الشرفاء يستنكرون مثل هذه الاجتماعات التي تقودها السفارة الأمريكية بحضور مسؤولين أمريكيين مع بعض القوى السياسية والمخصصة لمناقشة قضايا الشأن المحلي وهم في ذلك يؤيدون ما ذهب إليه بعض رؤساء الجمعيات والنواب الذين سجلوا مواقفهم حيال هذه الاجتماعات لكن في رأيي أن الاستنكار يجب أن لا يقف عند اقتصار الاجتماعات على إحدى الجماعات السياسية واستبعاد الأطياف الأخرى من هذه الاجتماعات كما عبر رؤساء الجمعيات السياسية في تصريحاتهم الصحافية فالصحيح من وجهة نظري هو رفض مثل هذه الاجتماعات في مجملها لأنها ببساطة مخالفة للأعراف الدبلوماسية وتعد تدخل سافر من جانب السفارة في الشؤون المحلية وإذا كان كاتب هذه السطور غير دقيق في معلوماته فيما ذهب إليه حول هذا الموضوع فإنه يرجو من وزارة الخارجية تصحيح معلوماته وفي الوقت ذاته تبين للمواطنين حقيقة ما يجري في السفارة الأمريكية.

الاعتداءات الممنهجة

هدى هزيم
تصريح وزارة التربية والتعليم عن حجم الاعتداءات الإرهابية على المدارس واستهداف أمن وسلامة الطلبة من قبل الحركة الانقلابية في البحرين، يعكس بشكل صريح وواضح للعالم أجمع، حقيقة الحركة ومدى بشاعتها ووحشيتها وسعيها المستميت في تحقيق مآربها التخريبية والاستعمارية.
لن يتوقفوا مهما صغروا وانفضحوا بخيانتهم، ولا تكفي أقبح الكلمات لوصفهم، فمن يحرق المدارس ويستهدف حياة الأطفال فيها لا يمكن أن يكون من عالم البشرية.
ومهما دافعت وزارة التربية عن إجراءاتها تجاه هذه الاعتداءات، فالمطلوب توفير أكبر مما هو متوفر حالياً، وزيادة عدد الحراس خصوصاً في المدارس المستهدفة وتدريبهم أمنياً لمواجهة مخاطر الحريق والمولوتوف وكل أنواع الأسلحة المستخدمة من قبل القتلة الإرهابيين أتباع الولي الفقيه.
استمرار الاعتداءات وزيادتها وتطورها باستخدام آلات القتل والحرق، يضع الدولة أمام مسؤولية كبيرة، فالأمر لا يقتصر على زيادة عدد الحراس بل يتعداه إلى كيفية حماية أرواح الطلبة المعرضين للحرق والقتل. لا تنتظروا وقوع الضحايا، مطلوب توفير كافة إجراءات الأمن والسلامة بما فيها تدريب الطلبة والمعلمين في مواجهة تلك الاعتداءات الوحشية والممنهجة التي لن تتوقف مادام رؤوس الفتنة والمؤامرة أحياء طلقاء يعيثون في البحرين فساداً وخراباً.
تدمير الاقتصاد الوطني
صورة أخرى من صور الخيانة والإرهاب تتكرر ومازالت مستمرة منذ الحركة الانقلابية وحتى يومنا هذا، وهو ما يسمونه بالحركة النضالية لتحقيق مطالبهم، ولا نستغرب قلب المعاني والحقائق بل تسمية أبشع أفعالهم وجرائمهم بأرقى المعاني والكلمات، فتلك حيلة الكذبة والخونة.
في سبيل تحقيق ما تسمونه “المهمة النضالية” تكبلت البلاد خسائر فادحة بلغت أكثر من 200 مليون دولار في الناتج المحلي الإجمالي، وتراجع قطاع السياحة بنسبة 80%، ومبيعات رجال الأعمال بنسبة وصلت إلى 60%، وانخفضت حركة السفر بسبب الأحداث بنسبة 80%، وتسبب إلغاء سباق الفورمولا العام الماضي بخسارة بلغت 150 إلى 200 مليون دولار وخسارة ألف زائر للبحرين. والقائمة تطول والبعض يشير إلى خسائر أكبر من هذه الأرقام، في النهاية حققتم مرادكم بخيانتكم الكبرى لوطنكم وضرب اقتصاده. لاتزالوا مستمرين في الخيانة تمارسونها علنا أمام الملأ ويزداد نشاطكم في العطل الأسبوعية مع زيادة الحركة السياحية لتحقيق أكبر إساءة وخسارة للبحرين. ومازلتم تتحينون الفرص وتسعون إلى إفشال أي فعالية أو نشاط اقتصادي باستهدافكم أرواح الزوار والأبرياء.
التدمير المتعمد والممنهج لاقتصاد بلادكم مارستموه أمام العالم وبأقبح الصور والأسلحة، ولم تستحوا من تسميته “بالنضال”، فتلك شيمتكم وحقيقتكم. تقتلون القتيل وتمشون في جنازته، تطعنون أخيكم وابن بلدكم بيد وتعطونه وردة باليد الأخرى، تقتلون الأبرياء ورجال الأمن فتقلبون الصورة والحقيقة لتصوروا أنفسكم ضحايا والضحايا جناة. لكن الله أوقعكم في مكركم، ولن يجد ابتزازكم للدولة والمجتمع، ولن يرضخ أحد لمطالبكم الأنانية المبطنة بأطماع استعمارية.
اليوم نعلنها لكم لن نتحاور مع من خان وطننا ومازال يخونه في اليوم ألف مرة، اليوم نحن نقول لكم، اذهبوا إلى أوطانكم التي تمنحكم الجنسية وتغدق عليكم بأموال طائلة لتحققوا أطماعها الاستعمارية، اذهبوا إلى أتباعكم، إلى من بعتم لهم ضميركم وإنسانيتكم، اذهبوا إلى الجحيم.

مخاطر الخلل الإعلامي العربي

عبيدلي العبيدلي
حتى الآن ما يزال المواطن العربي يجهل من هي الجهة التي ارتكبت مجازر بلدة “الحولة” في سوريا، وإلى يومنا هذا لم نصل إلى قرار حاسم حول من هي الفئة التي نفذت “جريمة معركة الجمل في ميدان التحرير”، ولا حتى القوى السياسية التي خططت لها. كما إن الشعب العربي، ومن بين صفوفه الشعب اليمني، في حيرة من أمره بشأن ما يجري في اليمن، والأمة العربية برمتها كانت تنتظر في يونيو 1967 كي تستمتع بالاستماع إلى صوت أم كلثوم يصدح من تل أبيب، قبل أن يكتشف الجميع أن سلاح الجو المصري قد دمر عن بكرة أبيه، وطائراته جاثمة على أرض المطار وخزاناتها تنضح بالوقود، ويلي ذلك المعارك ضد قوات العدو في شوارع مدينة السويس. القائمة طويلة وقديمة، لكنها لا تكف عن التمدد، ولا تتوقف كالأفعى عن سلخ جلدها كي يلائم الزيادة التي تطرأ على جسدها وهو ينمو. في الجوهر ما نتحدث عنه هو سلوك إعلامي مختل لم يعد محصوراً، كما يحلو للبعض أن يوهمنا، في الجهات الرسمية، بل تسلل إلى القوى المعارضة، التي باتت لا تتردد هي الأخرى، بوعي أو دون وعي، في لي رقبة الحقائق، وفي أحيان أخرى تزويرها لخدمة برامجها لكن بشكل مختل. الضحية الثابتة هنا المواطن العربي الذي أفقده ذلك السلوك الثقة حتى في ذاته. ربما يحقق مثل هذا الإعلام المختل، بعض المكاسب الآنية الضيقة الأفق، لكنه غير قادر على امتلاك المقومات التي تحقق له حضوراً ثابتاً ومتماسكاً في صفوف المجتمع الذي يخاطبه. ما هو أسوأ من ذلك أنه يولد سلوكاً مجتمعياً موازياً، سلبياً وخطيراً يمكن حصر أهم مظاهره في النقاط التالية: 1. الاختلال المهني، ففي سعيها لإعادة بناء بث المعلومة، ونظراً لاضطرارها لتشويهها كي تأتي منسجمة بشكل مفتعل مع ذلك السلوك المختل، تضطر المؤسسة الإعلامية المعنية إلى التضحية بالكثير من المقاييس المهنية، كي تلبي تلك الاحتياجات الأنية الضيقة الأفق. ينعكس ذلك تلقائياً على الطاقم البشري العامل، الذي يغادر صفوفه الحرفيون، ويلتحق بركبه “المنافقون”، ممن لا يمتلكون الكفاءة المهنية المطلوبة، والذين لا يكفون، بوعي بطبيعة الحال، عن محاربة التقيد بالمقاييس المهنية الضرورية، في سياق دفاعهم عن استمرار وجودهم في المؤسسة، ومن أجل إشباع طموحهم في التسلق إلى أعلى الدرجات الوظيفية في إداراتها. فيصبح السلم الوظيفي ذي اتجاهين مختلين، صعود المتسلقين غير الكفؤين، وهبوط الحرفيين الماهرين. ومحصلة ذلك تردي مستوى الجهة الإعلامية وتحولها إلى آلة لصناعة أي شيء، سوى الإعلام الراقي الحائز على ثقة من يخاطبهم، بمن فيهم المختلفون معه. 2. النزيف الاقتصادي غير المبرر، وغير القادر على الإبداع، وهو أكثر ما تحتاجه أية مؤسسة إعلامية. فهناك أكلاف باهظة غير تلك الطبيعية المتعارف عليها، التي لا بد من تحملها، كي ترضي احتياجات التشويه، او حتى التجميل. الأمر هنا شبيه بعمليات التجميل الباهظة الثمن التي تضطر إلى إجرائها بعض الفنانات، لإخفاء بعض المعالم غير الجميلة في أجسادهن، دون أن يدركن، وربما يغضضن الطرف، عن قدرة الجمهور، وهو ذكي بفطرته، على اكتشاف ذلك “التحسين”، المنافي للتكامل الجمالي الذي طوره الجسد الإنساني على مر ملايين السنين. أسوأ ما في الأمر، ونظراً لكون تلك العمليات منافية لآليات أداء الجسم لوظائفه، غالباً ما تكون نتائجها مدمرة لتلك الوظائف على المدى المتوسط، وعلى أعضاء أخرى في ذلك الجسم على المدى الطويل، ربما لم تكن هي المستهدفة بعمليات التجميل. المحصلة نزيف اقتصادي غير محدود ومستمر، ونتائج سلبية منافية لتلك المتوخاة من وراء ذلك النزيف. والمحصلة النهائية لذلك الاختلال الإعلامي مجتمع مريض اقتصادياً، ومشوه سياسياً، ومتضارب اجتماعياً. 3. فقدان الثقة المطلوبة والضرورية التي يحتاجهما بناء مجتمع متحضر ومتماسك يعمل من أجل التطور والتقدم على الصعد كافة، بين ذلك الجمهور، وتلك الجهات الإعلامية، يفرز فجوة من الحذر الشديد، تشكك في كل ما يصدر عن تلك الجهة، كي تصل في نهاية المطاف إلى التكذيب، بل وحتى السعي لدحض كل ما تبثه تلك الجهة الإعلامية، بما فيها حديثها عن قضايا أخرى ليست ذات علاقة بالصراعات المحلية. 4. سيطرة الشائعات التي تنتشر كما النار في الهشيم، فبعد فقدان المصادر الرسمية وغير الرسمية لمصداقياتها، يجرد المواطن المتلهف لسماع الحقيقة من موضوعيته، ومن ثم اتزانه المطلوب للحكم على ما يتلقى، من مسموعات أو مشاهدات، التي وجدت الجهات التي تقف وراءها أن الفرصة باتت سانحة لبث سمومها في جسد ذلك المجتمع، الذي يتهاوى، بعد أن تتمكن منه تلك السموم، أمام أول ضربة توجهه لها تلك القوى التي تحرص على تجيير تلك الشائعات كي تخدم مصالحها، وتدافع عن مشروعاتها، التي ربما تكون متضاربة مع المصلحة الوطنية العليا، على المستوى العربي القومي الشامل، أو حتى الوطني المحدود. 5. توجه المواطن نحو الخارج بحثاً، وهو سلوك خاطئ بطبيعة الحال، ويتعارض والمصلحة الوطنية، عن جهات إعلامية ربما تكون في بعض الأحيان “كاذبة”، ولا تتورع عن نشر معلومات غير صحيحة ومن الخطأ الركون لها. تفقد الجهة الإعلامية المحلية حينها القدرة على الدخول في منافسة عادلة مع تلك المؤؤسات الخارجية، الأمر الذي يفتح المجال أمام غزو خارجي لا تقف حدوده عند القضايا الإعلامية، بل يتسع نطاقه كي يشمل الاقتصادية، ولا يتورع عن مس الحضارية والعقيدية، بعد أن يمهد الأرض، ويتمكن من السيطرة على عقول المتلقين العرب، الذين باتوا لقمة سائغة في فمه، الواسع، وشهيته النهمة. ازدادت سلبيات هذا الإعلام المختل بعد التطور النوعي الذي شهدته المؤسسات الإعلامية جراء دخول عامل جديد في الساحة الإعلامية، وهو شبكة التواصل الاجتماعي، التي لم تعد قناة ناقلة للحدث فحسب، بل تجاوزت ذلك كي تصبح، بفضل ما تضعه من إمكانات هائلة بين يدي من يستخدمها، متى ما أحسن هو ذلك، جزءأً من صنع الحدث ذاته، تتضاعف سلبيات هذه القنوات، عندما تبدأ في التأثير على إعلام مختل مثل الإعلام العربي القائم. من هنا، هناك حاجة ماسة إلى أن يغير الإعلام العربي، الرسمي والمعارض من سلوكه المختل، ويخلع عنه الثوب السيئ الذي يرتديه اليوم، كي يستعيد ثقة المواطن العربي فيه، فيتوجه له، بدلاً من وضع ثقته في مؤسسات إعلامية أجنبية. وفي انتظار هذه اللحظة الانتقالية الحاسمة، يواصل المواطن عزوفه عن إعلامه المحلي، أو متابعته لكن بعين الشك والريبة

بلادي وإن هانت علي عزيزة

أحمد جمعة
لم أجد وصفاً للخيانة أدق من هذا. «قد أختلف مع الحاكم وقد أمقته وأمقت حكومته، قد يظلمني وطني، قد أحيا غريبا فيه بسبب ما ألقاه من أبناء قومي وأبناء جلدتي، لكن ما من عرف أو دين أو عقيدة أو فكر يبرر لي خيانة وطني. إنه العار نفسه أن تخون وطنك، إنه عار لن يكتفي أن تلبسه وحدك بل حتى جميع أهلك وذريتك، سوف ينظر لهم الناس شزرا، سوف يزدرونهم، ليس لأن الناس أشرار، بل لأن الجرم الذي اقترفته عظيم، وعظيمٌ جدا، لذا فأنت به تظلم نفسك وأهلك فوق ظلمك لوطنك وأهل وطنك، وما من شيء يغفر خطيئة خيانة الوطن». يقول الشريف قتادة أبوعزيز بن ادريس :
بلادي وأن هانت علي عزيزة  ***  ولو أنني أعرى بها وأجوعُ
ولي كف ضرغام أصول ببطشها  ***  وأشري بها بين الورى وأبيعُ
تظل ملوك الأرض تلثم ظهرها  ***  وفي بطنها للمجدبين ربيعُ
أ أجعلها تحت الثرى ثم أبتغي  ***  خلاصا لها؟ أني اذن لوضيعُ
لا يوجد تعريف للخيانة سوى قراءة هذه القصيدة ولو بحثنا في كل القواميس العربية والأجنبية عن المعنى للخيانة فلن نجد سوى مقارنة هذه القصيدة بفعل شنيع كهذا الذي رأيناه في البحرين منذ 14 فبراير 2011 وما تلى ذلك بعده من تداعيات، انا هنا لا اصيغ الخيانة واربطها بالشباب والأطفال والشيوخ ممن ظللوا وورطوا في تلك الاحداث، فهؤلاء مغرر بهم ولا علاقة بين فعل الخيانة وهؤلاء ومن الظلم حتى مجرد التفكير في هذا الربط، هذا الأمر واضح ولكن المقصود بالخيانة أولئك السياسيين والحقوقيين والصحفيين الذين باعوا البحرين للأمريكي والايراني والسويسري وأي أجنبي له علاقة ببيع البحرين بأرخص من التراب في سوق بيع الأوطان الدولي مع سبق الاصرار والمعرفة وهناك من قبض نقداً وهناك من قبض في شكل تذاكر سفر واقامة في فنادق ومصاريف يومية وغيرها من الدفع سواء بالدولار أو بالجنيه الاسترليني او بالتومان الايراني. يعرفني القارئ سنوات طويلة، لست من العاطفيين ولا المتحمسين ولست من الشوفينين القوميين المتعصبين فقد كان لي معهم حروب طويلة منذ الناصرية والبعثية ولهذا عندما اقف اليوم في خندق الوطن ومع شعب البحرين بأغلبيته السنية والشيعية والمسيحية واليهودية وبقية القوميات والتي لن أطلق عليها بالأقليات لأن الشعب واحد ولا توجد اقليات الا بقدر الولاء للوطن والوفاء له ومناسبة هذا الكلام اليوم أن احداً من الذين لم يتركوا فرصة ولا موقفا ولا مناسبة الا وشهروا في البحرين ولم يتركوا فرصة الا واجتمعوا مع الاجنبي وحرضوا حتى على غزو البحرين وقف منذ ايام يتباكى على اتهامه بالخيانة ولم أكن قد التفت اليه أو اشعر بأنه خان الوطن أو ما يشبه ذلك لو ترك الأمر ولم يثره ولم يحركه ولكن ما دام حرك الأمر فالمثل يقول من فوق رأسه ريشة يتحسسها وأنا اقول من فوق رأسه خيانة يتحسسها. لا نريد اليوم الدخول في حراك قومي ولا لغوي ولا فلسفي حول مدلول الخيانة دعوا المستقبل المنظور يحاكم هؤلاء ودعوا الاجيال القادمة من هذا الشعب تقرر مصير هؤلاء لا اطلب محاكم ولا شهودا ولا حتى اتهامات لأي انسان بقدر ما نترك التاريخ يحكم وهو حكم لا أظن أنه سهل بقدر ما حكم التاريخ، فالخائن «فيشي» في فرنسا المتعاون مع النازي كان حكم التاريخ عليه أصعب من حكم الشعب. ان خيانة الأوطان هي الجريمة الكبرى في التاريخ وبقدر ثقلها بقدر وطأتها على الانسان فاتركوا الأمر للتاريخ يحكم على من باع البحرين للأمريكي والايراني وغيرهما، فقط استغرب من شيء واحد أمر بمستوى الخيانة في حد ذاتها هو دعوة الخائن للحوار معه.

الأسد والقذافي.. زنقة زنقة

صلاح الجودر
لا تقل مجزرة الحولة التي ارتكبها النظام السوري قبل أيام عن المجازر التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية في حق الشعب الفلسطيني واللبناني، دير ياسين وكفر قاسم وصبرا وشتيلا وقنا وخان يونس والمسجد الأقصى وجنين وغيرها كثير، مجازر ارتكبت في حق الإنسانية، واليوم يتحدى النظام السوري الربيع العربي الذي أطاح بأربعة رؤساء عرب في عام واحد (تونس ومصر وليبيا واليمن) ليرفع من عدد المجازر والمذابح. مجزرة أو مذبحة الحولة كانت الأبشع من تلك المجازر الوحشية، وسبب بشاعتها وقسوتها أنها تأتي من نظام عربي لم يتعظ لما جرى حوله في الدول العربية التي هبت عليها رياح التغير، ولربما أكبر شاهد على ذلك هو مصير الرئيس الليبي معمر القذافي حينما اختار الاختباء في أنبوبة تصريف المجاري مع أنه كان يتوعد الشعب الليبي بالإبادة الجماعية حينما قال مقولته المشهور: دار دار، وزنقة زنقة!!. 108 اشخاص هم ضحايا مجزرة الحولة السورية، بالإضافة إلى الآلاف من البشر الذين يعانون من الإصابة والتهجير والمطاردة، المجزرة التي أبكت العالم بأسره ولم تدع مجالا للأمم المتحدة ولا منظمات حقوق الإنسان من تبريرها كما كانت تفعل في السابق، فصور الأطفال والنساء والرجال أكبر من أي محاولة لتبرئة ساحة بشار الأسد. النظام السوري إلى الآن لم يطبق النقاط الست في مبادرة الأمين العام السابق للأمم والمتحدة كوفي عنان والرامي لوقف سفك الدماء بسوريا، فعام كامل والشعب السوري يعاني من النظام السوري الجاثم على صدره رغم المبادرات الكثيرة، فلا حرية ولا ديمقراطية ولا مشاركة شعبية، وإنما القوة والبطش وإسالة الدماء، فعام كامل دون أن يتحرك المجتمع الدولي للتخفيف عن الشعب السوري، ومع ذلك نجد الشعب السوري صابرا ومصمما على التغيير بأي ثمن، فالنظام السوري في نظره قد انتهى ويجب عليه الرحيل، وليس هناك من مخرج سوى بمواصلة النضال لتقرير المصير. الأنظمة القمعية هي التي لا تستجيب للنداءات الدولية ولا المنظمات الإنسانية، بل تتمسك بخيار القوة والقمع، وما مجزرة الحولة إلا صورة أخرى لغطرسة النظام السورية، فرغم المبادرات التي قدمت للنظام السوري إلا أنه ينشد الحلول القمعية، فما يقوم به النظام السوري إنما هو في طريق تمزيق الوحدة الوطنية السورية، وتحشيد المجتمع ضد بعضه البعض من إيصالهم إلى الصراع الطائفي والمذهبي البغيض، فالنظام السوري بدأ يتخبط في العلاجات، ويترنح في الخروج من الأزمة، حتى أصبح معزولاً عن حلفائه في المنطقة ما عدى إيران وبعض الأحزاب العراقية واللبنانية التي تصفق له في مآتم العزاء على شهداء الحولة. ما جرى في المنطقة العربية من تغيير عبر الربيع العربي كان ظاهرة صحية لبعض الأنظمة القمعية لما تتعرض له تلك الشعوب من اضطهاد، فشرارة تلك الثورات رافقها عناد وإصرار من الأنظمة الاستبدادية على القتل والتصفيات الجسدية، فما يجري في سوريا هو أحد الفصول التي تزيد الخناق على النظام وتلف الحبل حول عنقه!. نظام بشار الأسد ليس جديداً في عملية التصفية والإبادة الجماعية، فهو نهج متوارث، فقد ارتكب والده الرئيس السابق حافظ الأسد الكثير من المجازر، فأحداث مجزرة حماة في عام 1982م حينما اقتحم الجيش السوري المدينة وأباد أهلها لأكبر دليل على وحشية هذا النظام، فقد كان عدد ضحايا حماة عشرات الآلاف، وقد فرض النظام حينها تعتيماً إعلاميا على المدنية من أجل طمس الحقيقة التي تتحدث عن أرقام خيالية في الإجرامية. ما يتعرض له الشعب السوري من تصفيات وإبادات جماعية جعلت النظام السوري في قفص الاتهام، فقد كانت مجزرة الحولة هي القشة التي قصفت ظهر الأسد!، فما تعرض له أبناء الحولة من تصفيات وإبادات جماعية كشف عن عقلية قمعية، فهو مازال يفكر بنفس العقلية البالية، فهذه المجزرة كشفت عن الحقيقة التي عليها النظام السوري والذي ليس له شبيه بالمنطقة سوى النظام الإيراني الرازح على صدور الإيرانيين. عدد الضحايا في سوريا قبل مجزرة الحولة بلغ خمسة عشر ألفا بالإضافة إلى المصابين والمهجرين والمبعدين، فالنظام السوري يرفض أن يستمع إلى صوت العقل في الداخل والخارج، وسعى من أجل تعزيز أركان النظام بنشر شبيحته في كل مكان، فمجزرة الحولة عجلت برحيل الرئيس الأسد ولم يتبق له سوى بعض الصور في الشوارع الداخلية لدمشق، وبعض المليشيات من حزب الله وجيش القدس الإيراني ومليشيات القتل العراقية والشبيحة السوريين الذين يهتفون باسمه: للأبد أحنا شبيحتك يا أسد!!.

مباركة دولية لذبح الشعب السوري

داود البصري
بعد أكثر من عام ونيف من عمر الثورة السورية، وبعد تكلفة دموية غالية وعالية لم يسجل ما يشابهها أو يقترب من حافاتها في تاريخ ثورات شعوب الشرق القديم، وبعد ضحايا تجاوزت الآلوف من الشهداء والمشردين والمعطوبين، وبعد سلسلة من الألاعيب الإقليمية والدولية التي مددت لجرائم النظام السوري وأعطتها فرصة رائعة لالتقاط الأنفاس ومواصلة تنفيذ مخطط الإبادة الشامل كموضوع المراقبين العرب الذي ولد ميتا رغم أنه استنزف وقتا ودماء ثم أتبعه ملف المراقبين الدوليين وقائدهم النرويجي الجنرال روبرت مود الذي تحول لشاهد عار على جرائم نظام يأبى أن يتراجع عن غيه، ويستغل كل الظروف والوقائع للانتقام من الشعب الثائر ولتنفيذ سيناريوهات الموت المعدة سلفا في خلية أزمات المخابرات السورية. حدثت الجريمة الجديدة في ريف حمص الثائرة وفي منطقة الحولة والتي قتل خلالها عشرات السوريين من الأطفال والنساء وأمام عيون المراقبين الدوليين الزرقاء والخضراء والسوداء، حتى تحول أولئك المراقبون لمجرد عدادات تحصي عدد الشهداء والضحايا وتوثق بالأرقام انتهاكات النظام السوري ولكن دون الجرأة ولا الضمير ولا الشجاعة على تحديد المسؤول الأوحد عن تلكم الجرائم والتي يمارسها شبيحة النظام وفرقه القذرة الطائفية الخاصة بأساليب هي مزيج من الخبث المتوارث ومن الروح الحاقدة التي تميز سياسة قادة النظام الاستخباري السوري في التعامل مع القضايا الساخنة، لم يعد مقبولا أبدا الإتكاء على رواية العصابات المسلحة الوهمية التي يختفي خلف ستائرها النظام المجرم والخبير في تقنية الموت وسياسات التمويه والخداع والالتفاف على كل القرارات الدولية المائعة التي ما عادت تفيد في شد أزر الشعب السوري الذي يواجه حرب إبادة منظمة من النظام المحمي جيدا من حلفائه في موسكو وطهران وكل طرف خبيث يتضامن مع ذلك النظام القاتل الذي شارفت ملفات جرائمه على الانطواء. لقد مارس النظام المجرم سياسة الانتقام تزامنا مع المحاولة الجريئة والشجاعة للقضاء على رموز الجريمة من عناصر وقيادات النظام الإرهابي وهي المحاولة التي هزت أركان النظام وأثبتت أن يد الشعب الضاربة لقادرة على الوصول لثعابين الإرهاب في أعمق أوكارها، لم يعد من المجدي أبدا التعامل السياسي مع النظام كما ان أي حوار قد تقترحه بعض الأطراف ليس سوى مضيعة للوقت والجهود وللدماء البريئة والعبيطة التي استنزفت، والحل الوحيد لأزمة النظام السوري ولوضع حد للمأساة الشعبية السورية هو تنادي المجتمع الدولي لحسم الموقف من خلال ضرب البنية العسكرية والإرهابية والاستخبارية للنظام السوري أسوة بما حصل في صربيا والعراق وليبيا والتخلي عن سياسة دفن الرؤوس في الرمال والتواطؤ المخجل في التآمر على الشعب السوري وفي إعطاء الفرص والوقت للنظام المجرم باقتراف جرائمه وتوسيع مداها وبطريقة تشكل عارا وشنارا على المجتمع الدولي الذي بات اليوم يقف ببلاهة أمام نظام رعديد سيتهاوى كقصر من الرمال إن لمس نوعا من الجدية الدولية في التعامل مع مأساة السوريين. لقد فشلت مبادرة كوفي عنان التي لا أتردد أبدا عن وصفها بمبادرة العار القاتلة فشلا ذريعا وبات لزاما على المجتمع الدولي وقوى الحرية العربية والدولية التنادي من اجل تشكيل حلف قوي وحقيقي يوجه الضربة القاصمة للنظام ويدعم قوى الشعب السوري الحرة في الجيش السوري الحر ويساهم في تقويض وإنهاء نظام القتلة بعيدا عن فذلكات المراقبين الدوليين ودموع التماسيح لقائدهم النرويجي الذي يعلم علم اليقين من المسؤول عن الجريمة ولكنه يناور ويراوغ وبما يصب في مصلحة النظام السوري الخبير في التعامل مع مثل تلكم القضايا، أي حل للقضية السورية لا يتضمن إسقاط النظام وتقديم رموزه للمحكمة الوطنية ولربما الدولية العادلة لا يسوى الورق الذي تكتب عليه مقرراته؟ وأي تلكؤ دولي في مواجهة فرق الموت السورية الشبيحة ليس سوى مشاركة فاعلة في جرائم النظام ودعما مؤسفا لجلاديه وتخليا مفضوحا عن الشعب السوري ونكوصا عن كل شعارات الحرية التي ترفعها دول الغرب الديمقراطية رياء ونفاقا، ليس من المعقول ولا المقبول ولا المنطقي استمرار مذابح الشعب السوري بهذه الدرجة من الوحشية والسادية، العالم اليوم أمام أزمة أخلاقية كبرى سيتحدد معها بكل تأكيد شكل وطبيعة (النفاق الدولي الجديد)..

الثورات.. نظرة واقعية

سعيد الحمد
منذ عهدنا الأول بالسياسة ونحن ننظر إلى الثورات نظرة طوباوية لا علاقة لها بالنظرة الواقعية.. فكل ثورة مطهرة في ثقافتنا وكل ثورة «مقدسة» في وعينا وكل ثورة هي حلم في ذهنيتنا.. لم نقرأ الثورة والثورات في واقعها المعاش ولكننا تخيلنا ما ندفع به تصوراتنا عنها واحلامنا وبرومانسية لا علاقة لها بالسياسة في سياق واقعيتها «قدسنا» الثورة والثوار والثورات ونصاب بما هو اقرب في الوصف إلى «اللوثة» منها إلى النشوة عندما نسمع مفردة ثورة تصف حراكاً واحتجاجاً وننحاز إلى حلمنا دون ان نقرأ المقدمات الأولى ثم لا نسأل ابداً عن النتائج فغواية «الحلم الثوري» في ثقافتنا العربية لم تمكننا حتى اليوم من اعادة قراءة تفاصيل أي ثورة من الثورات على ضوء نتائجها وواقعها. انحيازنا إلى الثورة انحياز العاطفة لا العقل فلم نكتشف اخطاء بل خطايا كل ثورة انحزنا لها.. وكل حزب بما هم فيه فرحون بـ «ثورتهم»، اليساريون فتنوا بمحاكمات المهداوي ما بين 58 و1960 وهي التي كانت بحكم وبمنطق القانون والمؤسسة القضائية «مهزلة»، والبعثيون كانوا في الاقطار العربية يرقصون فرحاً على انهار الدماء بعد انقلاب 1963 الذي ذبح اليساريين والشيوعيين من الوريد إلى الوريد باسم «الثورة» التي تغنى بها القوميون والبعثيون وصارت «حلماً» وبلغت مرحلة «التقديس» حتى طار في منتصفها عبدالسلام عارف لحماً ونزل فحماً في سيرة معروفة عن كل الثورات عندما تبدأ تأكل ابناءها في حرب القبيلة الثورية وتصفياتها الدموية، كما هي تصفيات قبائل الثورة في اليمن الجنوبي عام 1986 حين انطلق طوفان من الدم والدموع باسم «الثورة» والشرعية الثورية فانتهت الدولة ودفنت الثورة.. ومازلنا في الحلم الرومانسي نبحث عن ثورة لنرقص على ايقاعها ثم لنقدسها ثم لنشهد نهاية رحلة الدم أو بداية رحلة الدموع والندم.. ومع كل ذلك لم نقرأ سفر الثورة بواقعية حقيقية ومازلنا ننتشي بالثورة / الحلم. والمفارقة في ذهنية عربية تحلم بالثورة انها مازالت تسمي ما حدث في ايران عام 1979 بـ «الثورة» بينما الادبيات السياسية لنظام الملالي تسميها «انقلاب» وعودوا للقراءة بعيون مفتوحة لتقفوا على الحقيقة وتخرجوا من اطار الحلم الثوري. في الانقلاب الملالي كتجربة اعتبرها المسكونون بالوهم «ثورة» لم تأكل ابناءها كعادة الثورات ولكنها اخترعت بشكل غير مسبوق نظام تقديس وتأليه الافراد وبسلطة الدين وسلطان المذهب اخذت عبادة الفرد صيغة اكبر من الصيغة التي اتخذتها في عهد ستالين وهتلر من حيث توظيف الدين لخدمة تقديس الفرد وعبادته. يقول عالم الدين الشيعي السيد طالب الرفاعي في سردياته على الباحث الدكتور رشيد الخيون «قلت لهم في طهران وفي أحد الجوامع انتم حين يرد ذكر النبي الكريم تصلون عليه» مرة واحدة وبصوت واحد حين يرد ذكر الخميني تصلون عليه سبع مرات وبصوت واحد.. وهذا لا يجوز فهل الخميني أهم من النبي؟؟. هذه الملاحظة المبكرة التي اطلقها السيد طالب الرفاعي وهو المرجع الشيعي للمصريين لم تهتم بها ايديولوجية الثورة في صيغة الانقلاب كونها ايديولوجية تقوم على تقديس الفرد وتأليهه ليغدو السلطة الوحيدة النافذة في فلسفة «ثورة» تقوم على سلطة ولاية رجل فرد هو «الفقيه». وفيما الثورة في الحلم العربي تظل مجرد حلم لا علاقة له بالواقع المتجسد في مراحل ما بعد الثورات في سيرة ومسيرة الثورات فإننا نحتاج هنا إلى تشخيص حالة سيكيولوجية عامة عربية وليس حالة سوسيولوجية ثقافية سياسية وذلك امر عسير في واقع عربي يزداد صعوبة كلما اخترعنا «ثورة» تقوم للانقلاب على الثورة وتلك هي مأساتنا. لم نقرأ الثورة وتاريخها على ضوء واقعها ولكننا قرأنا الثورات بطوباوية تقفز على الواقع هروباً منه كونها لا تمتلك المشروع البديل فتحلم بحرق المراحل والهروب إلى الامام بـ «الثورة» حلماً في الخيال وكابوساً في الواقع المعاش.

الضغط الأمريكي.. دولة لا تمارس حقوقها ومعارضة لا تعترف بواجباتها

فوزية رشيد
أن الديمقراطية الغربية تضع وبشكل واضح سواء أمام مواطنيها، أو أمام معارضيها خطوطا حمرا، على الرغم من الحريات والديمقراطية، لا يمكن تجاوزها بأي شكل، وان كل حق ديمقراطي مكتسب يقابله واجب أصيل تجاه الوطن وحقوق وحريات الآخرين، وأن لا مجال لاستغلال أي من آليات الديمقراطية بما يمس أو يهدد الأمن الوطني أو الأمن القومي، أو إثارة النعرات المهددة للسلم الأهلي أو الاستقرار، مثلما لا مجال للولاء لغير الوطن سواء في الديمقراطية الغربية أو غيرها، ولا مجال للتلاعبات أو التجسس أو الخيانة في حق الوطن، أو الإضرار بمصالح الدولة والناس، أو تعطيل الخدمات، أو ضرب الاقتصاد، أو ممارسة العنف والإرهاب أو التمويل الخارجي للعمل ضد البلاد، فكل تلك الممارسات تدخل فورا في باب الجريمة والجنايات والإرهاب وعلاجها (الأمن + القانون + إسقاط حقوق المواطنة) لأنه باختصار الديمقراطية في الغرب أو في أي مكان آخر هي آلية لبناء الوطن وتطويره وليست لهدمه أو إعاقته عن النمو والتطور، وهكذا يبرز إلى السطح المعياران الأخلاقي والقانوني لتصنيف المواطنين ما بين مواطن صالح ومواطن طالح، والأخير تتعطل حقوقه تلقائيا مادام لا يقوم بواجباته ولا يتحمل مسئولياته، وبالتالي فلا الحريات ولا الآليات الديمقراطية فضاء مفتوح في الغرب، لكي يستغلها من يريد استغلالها من المواطنين للإساءة إلى الوطن ثم يأتي بعدها ليتشدق بحقوق الإنسان أو حرية التعبير، بعد أن ينتهك حقوق وحريات الآخرين أيضا وليس الوطن وحده.
إذاً السؤال إذا كانت الديمقراطية البحرينية لا تنتمي في جوهرها إلى الديمقراطية الغربية، التي للغرابة تبتز دولها الدولة البحرينية بطلب المزيد، على الرغم من «السيولة الديمقراطية البحرينية» فإلى أي ديمقراطية هي تنتمي في ظل الممارسات وليست النظرية أو المبادئ النظرية أو الكلام المسهب؟
ببساطة ومن زاوية ما نراه على أرض الواقع وحسب تعبيري، تنتمي ديمقراطيتنا إلى «الديمقراطية المفتوحة» أو «الديمقراطية الفوضوية»، وهذا النمط المناقض للديمقراطيات الغربية تماما، هي للعجب الديمقراطية التي يعمل الغرب وتعمل أمريكا على ترسيخها في البحرين وفي بلدان عربية أخرى، تعاني خلل العلاقة بين حقوق الدولة ومسئولية المعارضة، وبالتالي هي ذات الدول التي تعتبر ما تمارسه «المعارضة الراديكالية الشيعية» في البحرين من تخريب وفوضى وإرهاب وديكتاتورية وخيانة وعمالة وولاء للخارج، أنها تدخل في بند حقوق الإنسان وحرية التعبير، فيما ذات الممارسات عينها تعتبرها في بلدانها إن حدثت داخلة في باب الإرهاب والجرائم، وبما يستحق الأمر معه أقصى وأشد أنواع العقوبات، وإسقاط حقوق المواطنة.
من هنا فإن البحرين أمام مفترق طريق ديمقراطي حقيقي اليوم، فهي إما أن تصنف نفسها في إطار الديمقراطيات المعروفة والمشهود لها في العالم وتتمسك بحقوقها كدولة في إطار الديمقراطية والإصلاح، اللذين يعتبران آلية ثابتة لنمو الوطن وتطويره وتطوير حياة المواطنين، ومن بينها حقوق الإنسان وحرية التعبير وبما يقابلهما من أداء واجبات «المواطنة الصالحة» وتحمل المسئوليات، وإما أن تستمر تحت النفاق السياسي الغربي، وتحت ضغوط بعض دوله وعلى رأسها أمريكا، وتحت ابتزازهم لمعايير الديمقراطية والحريات وأداء المعارضة الصحيحة، وكما هي في الغرب، وإما أن تعمل الدولة بما يخالفها في البحرين، وبما يؤدي إلى الوصول إلى (الديمقراطية الفوضوية)، التي تعجز معها الدولة البحرينية عن ممارسة حقوقها كدولة، ومعاقبة الجهات التي تتنوع إساءاتها إلى المواطنين وللوطن، لمجرد أنهم يُسمون أنفسهم معارضة مدعومة من الخارج، وهذا ما يحدث اليوم.
هنا تصبح مثل هذه المعارضة قادرة بالطبع على ممارسة كل أشكال وأنواع الإرهاب التي تمارسها بحماية أمريكية أو غيرها، وبما لا تسمح أمريكا نفسها بذات الممارسات في بلدها، فيما تكون الدولة عاجزة عن تطبيق حقوقها عبر القانون والردع والمحاسبة ووفق الإطار الديمقراطي، لتضيع معها هوية الديمقراطية ذاتها، فتنتقل من كونها آلية للبناء والتطوير ـ كما قلنا ـ لتصبح آلية للهدم والإعاقة والفوضى وإسقاط الدولة، وفي خضم ذلك تضيع بالطبع حقوق وحريات الغالبية من المواطنين، الذين من أبسط حقوقهم ألا تتعدى أي فئة، مهما كانت، أو جماعة تحت مسمى المعارضة، على أمنها وحريتها واستقرارها وحقوقها.
اليوم تضغط الولايات المتحدة على الدولة لفتح أبواب الحوار مجددا، لذات الجماعات وعلى رأسها «الوفاق» بعد كل الجرائم وأشكال الإرهاب التي تمت ممارستها من جانبهم، من دون أي قيد أو التفات إلى ما عليها من واجبات ومسئوليات ومن دون عقاب، ليتم إجبار الدولة باعتمادها مجدداً كمعارضة رشيدة وصالحة، فيما الغالبية الشعبية ترفض رفضا باتا كل وجوهها وسلوكاتها، وتدرك أن المسألة هي الضغط من أجل «تمكين» هؤلاء في مسارب الدولة، أي مكافأتهم بدلا من معاقبتهم ونبذهم وحصارهم، للتأكيد أن الديمقراطية المطلوبة أمريكيا في البحرين هي «الديمقراطية الفوضوية» التي ستفتح الباب يوما بعد يوم للتذمر الشعبي العام، في حالة مكافأة الخونة والعملاء، ومن شوهوا صورة البحرين وأساءوا إليها بكل الإساءات، فذلك وحده كفيل بإشعال نار هذا «التذمر الشعبي الكامل» لدى المواطنين الشرفاء، بما يعني أن الضغط الأمريكي هو اليوم يريد دفع البحرين مجدداً إلى زاوية الأزمة المكثفة فيما الأمريكي يُصور نفسه بأنه يدفع إلى الحلول.
هو فخ أمريكي جديد بامتياز لا يقبله شرفاء هذا الوطن، فلا «الوفاق» ولا أتباعها معارضة رشيدة أو صحيحة، بل هم يريدون بعد الفشل الذريع لانقلاب فبراير٢٠١١ ، أن يتوغلوا مجددا بشكل مفتوح إلى مرافق البلاد ووزاراتها ومناصبها، لكي يقوموا مجددا بتنفيذ ذات الأجندة الانقلابية، وهذا يدفعنا إلى أن نهمس بصدق في أذن من يمتلك القرار: «الميزان في صالحكم كدولة فلا تقلبوه ضدكم مهما بلغ الابتزاز الأمريكي أو الغربي، ومهما بلغت ضغوطهم، ومهما تلونوا اليوم أمامكم باللون الوردي، فهؤلاء كالحرباء يتلونون حسب الحاجة، ليعيدوا الكرة مجددا.. وقد سقط القناع وبان الوجه الحقيقي للجميع: أمريكا وإيران والعملاء والأتباع، ومن حق الدولة أن تميز بين المواطن الصالح وما يستحقه وبين المواطن الطالح وما يناله من عقاب، فالغرب نفسه يميز بين مواطنيه على هذا الأساس، ولم يرفع هناك أحد ملفا اسمه ملف التمييز، وهو في البحرين لمجرد الابتزاز، مع انعدام الثقة».
كل الأزمات صادرة عن محاولة استرضاء من لا يقوم بدور المواطن الصالح، ومن لا يتحمل مسئولياته ولا يقوم بواجباته.

محاكمة القرن

لطفي نصر
صدور الأحكام أمس فيما يسمى بمحاكمة القرن.. وهي القضية المتهم فيها الرئيس المخلوع حسني مبارك ونجلاه، ووزير الداخلية السابق حبيب العادلي، ومعاونوه.. سوف يكون لها تأثير متباين ومتشعب على انتخابات الإعادة لاختيار رئيس جمهورية مصر العربية القادم يوم السابع عشر من هذا الشهر ومن أبرز هذه التأثيرات ما يلي:
ستبقى هذه الأحكام التي جاءت مفاجأة للجميع.. محلا للانشغال بها حيث ينقسم الرأي حولها بين راضٍ وغير راضٍ عنها... وموضع مناقشات حادة قد تصل إلى الصدامات التي بدأت بالفعل في أعقاب صدور هذه الأحكام.. وسوف يؤدي ذلك بالضرورة إلى تقليل الاهتمام بالانتخابات الرئاسية.. والانصراف عنها بعض الشيء.. وهذا قد يفسر لمصلحة الانتخابات والمترشحين الاثنين.. حيث كان الأمر قد وصل جراء عدم الرضا عن المترشحين إلى توجيه الاهانات إليهما.. والانشغال بوضع الخطط والترتيبات لعملية وأسلوب المقاطعة المتربص بهما إلى الدرجة التي جعلت الإعلامي الكبير حمدي قنديل يبتكر أسلوبا يراه فريدا للمقاطعة.. وهو أن يتوجه إلى لجنة الإدلاء بصوته ليكتب على بطاقة الانتخابات عبارة - اختارها فعلا - عبارة تلفت نظر الجميع وكل وسائل الإعلام.. لذا فإن المقاطعين قد انقسموا بدورهم إلى فريقين:
الأول: الامتناع عن التوجه إلى اللجان المختصة.. والثاني: إتلاف الصوت.
وسيؤدي صدور هذه الأحكام إلى ضعف الإقبال على صناديق الانتخابات بسبب عدم الرضا عن هذه الأحكام.. فالرافضون لهذه الأحكام قسمان لا أرى ثالث لهما:
- القسم الأول يرى أن من حصلوا على البراءة لا يستحقونها.. ورأيهم أن إدانتهم ومعاقبتهم كانت واجبة.
- القسم الثاني يرى أنه مع هذا الحجم أو الكم الكبير من البراءة في هذه القضية.. فإن الحكم الذي صدر ضد الرئيس السابق حسني مبارك، وضد وزير الداخلية السابق حبيب العادلي قد جاء مشددا أو مبالغا فيه إلى درجة أن البعض قد رآه ظالما.
وهذا الأمر أدى إلى أن البعض رأى أن هذا الحكم الذي ناله حسني مبارك وحبيب العادلي هو حكم «تكتيكي».. بمعنى أنه أريد به تهدئة الشارع، والتخفيف من مخاطر ثورة أهالي الشهداء ومحبيهم وأنصارهم.. حيث إنه في ضمير القاضي أو في يقين غيره أن هذا الحكم بالإدانة سوف يطعن عليه أمام محكمة النقض بالضرورة، وان الدائرة الاستئنافية المغايرة التي سوف تعاد المحاكمة أمامها في حالة قبول محكمة النقض الطعن، قد تخفف العقوبة في هذه الأحكام ضد مبارك والعادلي في الأعم الأغلب ولا تملك أن تزيدها، كي تهبط إلى المستوى الذي يجعل هذين الحكمين متناسبين مع الأحكام التي صدرت في القضية برمتها وخاصة أحكام البراءة.
هذه الأحكام التي صدرت أمس وبالكيفية التي صدرت بها تأتي في مصلحة الفريق أحمد شفيق.. حيث كان من بين المحاذير التي تتردد عن مجيئه رئيسا للجمهورية هي الخوف من إصداره قرارات بالعفو، حيث إن الحكم الصادر ضد حسني مبارك سيطعن عليه مليون في المائة.. وأن محكمة النقض سوف تقبل الطعن.. وستعاد المحاكمة.. وقد تعاد مرة واثنتين وثلاثة.. الأمر الذي يُصّعب عليه إصدار ما قد يريد.. وهذا سوف يستغرق وقتا طويلا.. ثم ان الحكم هو السجن المؤبد وليس الإعدام الذي كان يتوقعه البعض.. أما من الناحية الأخرى فإن بيان العهد الذي أعد حاملا تعهدات والتزامات المترشحين يمنع عليهم إصدار أي قرارات بالعفو.. وأن التملص من هذه التعهدات يدخل في دائرة شبه المستحيلات لعدة أسباب منها أن الرئيس القادم سيكون راغبا في دورة رئاسية جديدة الأمر الذي يجعله يميل نحو الالتزام التام بجميع التعهدات.. ثم ان هناك تهديدا دائما بالنزول إلى الشارع، والسعي نحو الإطاحة.. كما أن وثيقة التعهدات تشير فعلا إلى شيء من هذا القبيل.
أنا شخصيا أرى أنه رغم الحجم الكبير لظاهرة عدم رضا الشعب المصري إزاء هذه الأحكام، على نحو ما أشرت إليه في مقدمة هذا المقال.. فإن هذه الأحكام قد جاءت نزيهة، أو على الأقل قد جاءت متوائمة مع ما استقر في ضمير ووجدان القاضي المستشار أحمد رفعت وعضوي المحكمة الموقرين.. وإن كنت لا أستبعد تأثر هذه الأحكام بالحالة الثورية التي بدت في نفس رئيس المحكمة والتي عبر عنها في مقدمة أحكام الأمس من حيث إشارته إلى أن مصر قد عاشت أحلام ليل دامس على مدى ثلاثة عقود من الزمان.. وقد ظهر هذا التأثر في الحكم بالسجن المؤبد على مبارك والعادلي. كما لا استبعد أيضا أن يكون هذا الحكم قد جاء «تكتيكيا» مراعاة لضمان هدوء الشارع وخاصة أن هذا الحكم سيطعن عليه لا محالة. عموما كما قلت فإنني أرى في هذا الحكم نزاهة، وقد تعامل القاضي مع ضميره ووجدانه وحرصه على سمعته الطيبة التي كانت له عبر مسيرته القضائية.. وخاصة أن هذا الحكم - كما قيل - هو آخر أحكامه.. وهو الذي سيختتم به مسيرته القضائية.
سوف نقرأ أو نسمع آراء وتعليقات لا تعد ولا تحصى حول هذا الحكم في محاكمات القرن.. ستجيء كلها بالضرورة مختلفة ومتباينة.. وقد تكون هذه التعليقات منصفة، وقد تكون ظالمة.. لكن الحقيقة المؤكدة هي أن كل هذه التعليقات - بما فيها هذا التعليق الذي بين أيديكم - ستبقى بعيدة عن الحقيقة.. ذلك لأنها لا تطول ولا ترقى إلى هذه الجهود المضنية التي بذلها أعضاء هيئة المحكمة الموقرة الذين تعاملوا وتعايشوا مع عشرات الآلاف من الصفحات والمعلومات والأدلة والأسانيد والمستندات وشهادات الشهود والأقوال.. وستبقى معها قناعاتنا نحن وآراؤنا مجرد نقاط في بحر.. وفوق ذلك فقد تعامل السادة أعضاء المحكمة مع كل ما استقر في ضمائرهم ووجدانهم.. وما توصلت إليه قناعاتهم.. هذه القناعات التي تدربوا عليها مع آلاف القضايا التي نظروها خلال مشوارهم القضائي الطويل.
وتبقى طروحاتنا التي قد تصيب أو تخيب هي مجرد اجتهادات.. هذا إذا كان لنا حق، أو كانت لنا حيثية في تقديم هذه الاجتهادات.. ولست أظن أنه من حقنا أو من حق أحد التعقيب على أحكام القضاء أو مجرد الاجتهاد إزاءها.. ذلك لأن البون شاسع بينها وبين ما يقدمه أصحاب المهام الجليلة.. السادة القضاة الأجلاء.

من يُدير هذا التناقض

إبراهيم الشيخ
قد يكون مستغرباً أن يقوم مستشار الأمن القومي الأمريكي بزيارة للبحرين، بتنظيم من السفير الأمريكي بالطبع، ليلتقي فئات لفظها المجتمع البحريني بسبب طائفيتها واتصالها المخزي بالخارج.
لكن الأغرب في الموضوع هو أنّ الدولة «تاركة الحبل على الغارب»، للسفير الأمريكي ولإدارته أن يتدّخلوا في الشّأن البحريني، وأن يصطفّوا مع أطراف العمالة والخيانة، حتى تصل بهم الجرأة الى أن يأتي مستشار أمنهم القومي ويعقد لقاءات مغلقة مع من يشاء منهم، وكأنّ البحرين باتت محميّة أمريكية، ويبدو أنّها كذلك!
فيلم الزميل محمد العرب الذي بثّ ليلة السبت على قناة العربية، عرّف الكثير من الأمور المعروفة!
لقد شاهد الجميع عياناً ما كنّا نردّده شفاهة، حيث يزجّ بالأطفال والمراهقين لحرق القرى والمدن والتعدّي على الآمنين بزجاجات المولوتوف، والثّمن دراهم معدودة، يقبضها أولئك، من دون النّظر الى مستقبلهم الذي وجدناهم يتباكون عليه عند القبض عليهم!
عندما ينحرف دور القيادات الدينية والسياسية، وعندما يغيب دور الآباء في المتابعة، تجد الكوارث في خلق جيل ناقم حاقد مستعدّ أن يضيّع مستقبله وأن يحرق وطنه من أجل دينار وأقل!
الرابط في الموضوع ما بين دعم أمريكا وسفارتها للإرهابيين في البحرين، وما بين فضحهم في ذلك الفيلم، نجد موقف الدولة في الصمت عن التدخّل الأمريكي الوقح في شؤوننا الداخلية، وموقف أطراف معيّنة في الدولة، بمحاولة إعاقة نشر مثل تلك الأفلام!
حرموا تلفزيون البحرين من أن يتفاعل مع قضايا الوطن، وهاهم يريدون منع الحقيقة من أن تظهر للعلن عبر القنوات الأخرى! يا ترى من يدير ذلك التناقض؟!
عندما ترتفع الأصوات تنادي بالحوار الوطني الجامع، لن يرفضها العقلاء. ولكن أن يكون حواراً على شاكلة «الحب من طرف واحد»، يستثني أساسا راسخا في الوطن، ويغلّب مصلحة فئة على أخرى، والتغاضي عن جرائم لم تتوقّف، فهذا ما لن نرضاه، وسنقف له ولمن يروّجه بالمرصاد.
أن تظنّ الدولة أن الحوار مع رموز منتهية الصلاحية وفاقدة للشرعية أخلاقيا، كشفت الأحداث خبثها ونفاقها وارتباطها بالخارج سيحلّ المشكلة، فهو القبول بالسقوط المتكرّر في نفس الفخّ الذي كَلّ الجميع وهو ينبّه الدولة من الوقوع فيه!
سؤال بريء: هل تعرفون معنى العار.

وقف منتجاتهم السياحية

جمال زويد
يُروى في تاريخ الذل والهوان أنه أثناء غزو التتار لحواضر المسلمين وارتكابهم أبشع المذابح التي سالت على إثرها الدماء في الأنهار؛ بلغ الخوف والمهانة عند المسلمين آنذاك أن المرأة التترية كانت تأتي إلى الرجال العشرة وتَصُفَّهُم وتقول لهم انتظروا ليس معي ما أقتلكم به وتذهب لتحضر سيفاً فتقتلهم به! وأحسب أن موقف الدول العربية والإسلامية تجاه ما يجري في سوريا الآن لا يختلف كثيراً عن الرجال العشرة والمرأة التترية حيث يفتك بشار وشبيحته بالأطفال والرجال والنساء في مجازر هي أقرب إلى أفعال جنكيز خان وهولاكو من دون أن يحرّكوا ساكناً في انتظار أن يأتيهم ذات السيْف..
للمصادفة أن من يدعم ارتكاب هذه المذابح هم من أحفاد المغول والتتار أو قريبين منهم، وأعني الدبّ الروسي الذي - بالإضافة إلى الدعم العسكري واللوجستي - يقف حجر عثرة أمام أي تحرّك دبلوماسي دولي لاستصدار قرار أو حتى بيان إدانة (ما يودّي ولا يجيب) باستخدامه آليات الظلم والاستبداد في منظومة الأمم المتحدة. الفيتو الذي يذبح حقوق الإنسان ويهدر دماءهم أمام دول كبرى تمثّل علينا أو (تستهبلنا) ببكائياتها على الحريات والكرامة والديمقراطية بينما هي أشدّ ذابحيها وأكثرهم لعباً بها، وخاصة حينما تتعلق بدماء المسلمين وأرواحهم.
من يستطيع أن يتحمّل هذا النزف ويتغاضى أو يتعمّد أن يغضّ طرفه عن بشاعة وفظاعة الجريمة وخسّتها التي تدور أحداثها وتتوالى فصولها الآن ضد إخواننا في سوريا، بل لا يكتفي بالتغاضي والسكوت، بل يأخذ مواقف داعمة ومشاركة في النحر والذبح، وذلك على النحو الذي تفعله روسيا اليوم في سوريا.
بإمكان الدول العربية والإسلامية أن تفعل الكثير، غير إصدار البيانات، وغير جمع التبرعات، وغير وغير تلك الأشياء التي لا تردع مجرماً ولا توقف دعماً. محيطنا العربي أو حتى فقط دول الخليج العربي تربطها بروسيا علاقات تجارية واقتصادية يجب التفكير جدياً في استغلالها كسلاح ينتفض لكرامتنا ويحفظ ماء وجوهنا وينتصر للشهداء وللثكالى وللأيتام وللمظلومين والمفجوعين في سوريا. يمكن لدولنا أن تهدد بقطع تلك العلاقات ووقف استيراد البضائع من هناك أو على الأقل وقف استقبال منتجاتهم السياحية - أجلّكم الله - التي تنشر في مجتمعاتنا الانحلال والدعارة، فذلك أدعى إلى أن نكون أقرب إلى المولى عز وجل وأكثر حمداً وشكراً له، وكذلك يعرف الكرملين الروسي أن بإمكان الدول العربية والإسلامية أن تستخدم (فيتو) لا يقلّ قوة عما يستخدمه هو من (فيتو) يدعم به الجزارين والسفاحين.
سانحة:
يقول أحد السوريين: «يا عيب الشوم على شوارب لرجال، كل اللي شفتوه في الحوله ما غير فيكن الحال، حسبناكن أباضايات باب الحارة مش نسوان عديمي أفعال».

مصر والتجربة الديمقراطية

د.عمران الكبيسي
ما كنت أعيب على الإخوان المسلمون ترشيح أنفسهم لسباق الرئاسة، ولا استنكرت ترشيح شفيق بدعوى الفلول، ولا اعترضت على أحد بسبب سمته طالما ارتضى المصريون الاحتكام إلى الصندوق خيارا ديمقراطيا يرجح الأغلبية ولو بصوت واحد، فالخيار الديمقراطي يفترض حرية الترشح وحرية اختيار الناخب لمرشحه. وإنما اعترضت على الخيار الديمقراطي وأنه ليس الأفضل لشعب يشكو الكفاف وتؤثر في كسب الأصوات أكياس البطاطس والسكر واللحمة، ويُؤثِر الولاء والانتماء المناطقي والطائفي للثقة ويُشاح عن مرشح الخبرة والعطاء، وإن كنت لا أعد الخيار الديمقراطي أسوأ الخيارات.
الخيار الديمقراطي في مصر ليس الأفضل، ورأينا ما يدور ويحصل، فالمجلس العسكري، ولجنة الانتخابات العليا، والقوانين والأنظمة، والإمكانات اللوجستية، والأجهزة والكوادر التي تتولى القيام بالعملية ليست قادرة على الإيفاء بمتطلبات الخيار الديمقراطي وجعل نتائجه الأفضل قبولا لدى الشارع، ولا تحقق أعلى نسبة من الرضا. وكيف يتحقق الرضا في انتخابات سمح فيها لمن لا يحق له الإدلاء بصوته بالتصويت كما حصل مع بعض فئات العسكر، ومنع من يحق له ذلك من المدنيين؟ والشواهد تثبت هناك أموال وزعت، وأصوات اشتُريت، ومخالفات حصلت، ومراقبين لم يتسن  لهم الاطلاع على سير العمليات بما يكفي للحكم عليها.
لقد انسحب من السباق محمد البرادعي المرشح وكان الأفضل يوما بنظر الناس على منافسة مبارك لعدم توافر المناخ للفعل الديمقراطي، واستبعد المرشح أيمن نور الذي سُمح له في عهد مبارك بالترشح ومنافسة مبارك الذي فصل نظام الانتخاب على مقاسه، ومنع من الترشح في زمن الثورة وممارسة الحريات، أليس هذا وجها من وجوه التناقض؟ كما استبعد مرشح الإخوان خيرت الشاطر بسب حكم قضائي جائر لمقاومته مبارك واعفي منه وهو باعتقاد الجميع أفضل وأقدر من بديله محمد  مرسي، فهل يوجد أكثر من هذه التناقضات حدة؟ واستبعد عمر سليمان ببساطة تثير الشبهات، وأن وراء استبعاده لعبة لا نصفها بالقذرة ترفعا، بل لعبة شيطانية لصالح شفيق وقد يأتي يوما رئيسا للوزراء لو فاز شفيق! واستبعد المرشح السلفي أبو إسماعيل لاكتساب أمه المصرية ولادة ودما بظل ظروف غير طبيعية الجنسية الأمريكية وهي جريرة لم يقترفها، مع أن أوباما المسلم المهاجر الكيني الأفريقي ينتخب رئيسا لأمريكا أعتي دولة عظمى، أليس هذا من تناقضات الممارسة الديمقراطية ببلادنا؟ ألا تؤكد المتناقضات أن الظروف غير مواتية لتحكيم الخيار الديمقراطي؟ وكيف يكون الأفضل في جولة انتخابية ثانية امنح فيها صوتي لمن حجبته عنه في الجولة الأولى لاعتقادي انه لا يستحقه؟
بفعل هذا المناخ غير الملائم للديمقراطية في مصر اليوم نجد غالبية ثوار الربيع الشباب دعاة الديمقراطية وروادها ودعاتها وسدنتها يشجبون نتائجها ويدعون إلى تكتلات وتوافقات مكتوبة، ومقايضات أبعد ما تكون عن أسس المناخ الديمقراطي الانتخابي، تستبق نتائجه المرة المذاق ورائحتها المريبة؟ فماذا لو أسسنا على سبيل المثال ليس إلا- لأنفسنا شورى النخبة، ووزعنا المجتمع إلى مائة حرفة وشريحة  مثقفة أشبه بالنقابات والجمعيات مهندسين وحقوقيين وأطباء وجامعيين وصناعيين وزراعيين وعمال وطلبة وخصصنا لكل شريحة مثقفة مرشحين ذكور وأنثى ليمثلوا مجلس النواب وينتخبوا من بينهم رئيس الدولة ورئيس الوزراء، وأسسنا لأنفسنا ديمقراطية محلية خاصة بنا تناسبنا وتنسجم مع ظروفنا؟ عوضا عن ديمقراطية مستوردة جاهزة، يتساوى فيها العالم والجاهل بصوت واحد ويحسب فيها الغائب كالحاضر.
وماذا لو فاز شفيق بالرئاسة هل سيكون بين الرئيس والإخوان بمجلس النواب تعاون بعد عثرات الزمن الغابر ومخلفاته، أم يزداد الشد والجذب والارتباك كما هو سائد، وهل سيكون هناك توازن ديمقراطي فاعل بين اتجاهات الشارع المصري ومركز السلطة واتخاذ القرار فيما لو فاز محمد مرسي مرشح الأخوان؟ تحياتنا لشباب ثورة  أكتوبر ونقول لجميع اللبراليين والقوميين واليساريين والمستقلين  الحريصين على الديمقراطية الغربية “هارد لك” تعيشون وتأكلون غيرها!
ما كل ما يتمنى المرء يدركه  ***  تجري الرياح بما لا تشتهي السفن

يا عزيزي.. كلنا فلول

بثينة خليفة قاسم
استغرب الكثيرون نتيجة المرحلة الأولى من الانتخابات الرئاسية في مصر، بعد أن أسفرت عن وصول الفريق أحمد شفيق، آخر رئيس وزراء في عهد مبارك، إلى جولة الإعادة في مواجهة مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي، ولكن إذا عرف السبب بطل العجب.
السبب أن الإخوان المسلمين في مصر، ومعهم قوى أخرى، قد ارتكبوا نفس الخطأ الذي ارتكبه العراقيون بعد سقوط نظام الرئيس صدام حسين، حيث قاموا بحل حزب البعث واستبعدوه من الحياة السياسية العراقية نهائيا، فكانت النتيجة أن تحولت العراق إلى بحور من الدم بسبب العنف الذي مارسه فلول النظام وأعضاء الحزب الذين خسروا كل شيء.
الإخوان المسلمون في مصر، لم يكتفوا بمجرد حل الحزب الوطني الذي كان يهيمن على الحياة السياسية قبل الخامس والعشرين من يناير 2011، ولكنهم توسعوا في الأمر إلى حد وصف كل من ارتبط من قريب أو بعيد بالنظام السابق بأنه من الفلول، حتى ولو كان هذا الارتباط  في صورة وظيفة حكومية رفيعة المستوى، بل وصل الأمر إلى وصف من يصوتون لأي شخصية من شخصيات النظام السابق بأنهم أيضا فلول.
هذا الوصف الغبي، من وجهة نظري خلق حالة من الكراهية والخوف من الإخوان المسلمين، على وجه الخصوص، لدى فئات كثيرة من الرأي العام المصري.
لقد نسي الإخوان المسلمون أن  المنتمين للحزب الوطني المنحل، هم أباء وأمهات وأخوات وإخوة لضباط الشرطة والجيش والقضاء والمستشارين والدبلوماسيين، وهم أصحاب الأراضي والأغنياء والوجهاء في الريف المصري.
ونسوا أن النيل من هؤلاء لابد وأن يكون له ثمن، لأن إحساس هؤلاء بالخطر القادم المتمثل في جماعة الإخوان المسلمين حتما سيجعلهم يتحدون في معسكر واحد دون دعوة أو دعاية، لأن مصالحهم التي كانت مضمونة في عهد النظام السابق قد أصبحت معرضة لخطر أكيد، ولا سبيل أمامهم سوى خوض آخر معركة من أجل مصالحهم.
الإخوان المسلمون، وهم التيار الرئيس في الحياة السياسية المصرية بعد الخامس والعشرين من يناير، لم يحرصوا على طمأنة هذه الشريحة من الشعب، بل حرصوا على توجيه الإهانات لهم وتسفيههم ليل نهار وأغلقوا باب الأمل في وجوههم.
الإخوان المسلمون أخذهم الغرور إلى أقصى مدى واعتقدوا أن الصوت الإسلامي يمثل الغالبية العظمى من المصريين، ففوجئوا بأن الذين تضرروا في أرزاقهم وفي أمنهم بعد الثورة، وهم ليسوا قليلين، قد انضموا إلى الشريحة المؤيدة للفريق شفيق، وفوجئوا أيضا بسيل من التصويت الانتقامي الذي صب في خانة خصومهم، بسبب المواقف السيئة التي تبنوها خلال المرحلة الانتقالية.
وما زاد الطين بلة بعد إعلان نتائج المرحلة الأولى أن مرشح الإخوان قال في تصريح له أنه سيسحق خصومه بالحذاء، وكأنه لا يعلم أن خصومه أكثر من الخمسة ملايين الذين صوتوا لأحمد شفيق في الانتخابات.
ويضاف إلى كل هذا أنه حتى الشريحة الثورية من الشعب المصري التي تكره شفيق وترفض التصويت له، هي أيضا لا توافق على مرشح الإخوان إلا بشروط  تقيد طموح الإخوان وخططهم وتجعلهم يقبلون ما رفضوه من قبل من أجل كرسي الرئاسة، خاصة شرط أن يترأس الحكومة شخص من خارج الإخوان، وضرورة تشكيل حكومة ائتلافية وتولي شخصيات بعيدة عن الإخوان للحقائب السيادية في الحكومة، وهذا من وجهة نظري يقيد طموح الإخوان إلى حد بعيد، كما أن رفضه يضعهم في خندق ويضع بقية الشعب في الخندق الآخر.

أضواء على محاكمة القرن

عطا السيد الشعراوي
أسدل الستار أمس على فصل مهم من فصول محاكمة القرن بحكم تاريخي بالسجن المؤبد ضد الرئيس المصري المخلوع “حسني مبارك” ووزير داخليته حبيب العادلي ، مع تبرئة نجلي مبارك جمال وعلاء من إحدى قضايا استغلال النفوذ بسبب انقضاء المدة وهي عشر سنوات على تلك القضية ، إضافة إلى تبرئة مساعدي وزير الداخلية من التهم المنسوبة إليهم في ذات القضية التي عرفت بموقعة “الجمل “ التي قتل فيها نحو 850 متظاهر إضافة إلى آلاف الجرحي .
سوف تتفاوت الآراء وتختلف المواقف إزاء هذا الحكم ، وخاصة أن هذا التفاوت أصبح سمة مميزة للحياة المصرية في أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير في ظل الفهم الخاطئ للبعض لمفهوم حرية الرأي والتعبير والنظر إلى جميع القوانين على أنها تقيد حريته ولا تتفق مع ثورته وهو أمر يزيد من المشكلات ويصعب من الوصول إلى اتفاق حول العديد من القضايا المختلف عليها.
وإجمالاً ، يمكن القول إن هذا الحكم التاريخي هو درس جديد في استقلالية القضاء تقدمه مصر للعالم بعد دروس عدة في نزاهة الانتخابات وشفافيتها ومن قبلها سلمية وطهارة الثورة على الظلم والفساد ، ولا ينتقص من أهمية هذا الحكم انتقاد البعض له بعد تبرئة علاء وجمال مبارك ومساعدي العادلي .
فمن المعروف أن القاضي محكوم بما يقدم إليه من أوراق ثبوتية وأدلة وبراهين حتى وإن تعارضت مع قناعاته الراسخة ، وهو ما سار عليه المستشار أحمد رفعت في حكمه ضد المتهمين أمس .
ولا يحق لنا أن نثير الشكوك التي لا داعي لها في هذه المرحلة الخطيرة والحساسة من تاريخ مصر في هذه المحاكمة حتى لا نظل أسرى قضية واحدة هي بالنهاية ليست أهم ولا أخطر من مستقبل مصر .
ولا يجب أن ننسى أن الحكم قد صدر وكان بالإمكان أن يتم تأجيله إن كانت هناك نية بالفعل في التلاعب بمشاعر الناس والمماطلة إلى مالا نهاية أو على الأقل لحين انتهاء انتخابات الرئاسة المصرية بعد أقل من أسبوعين والتي ربما تأتي برئيس من اتباع حسني مبارك وهو الفريق أحمد شفيق وعندها قد تموت تلك القضية للأبد.
كما أن الحكم بالسجن المؤبد على مبارك تحديدًا يضعف من فرص فوز شفيق برئاسة مصر ، حيث سيؤدي إلى مخاوف الكثيرين من قيامه بالعفو عن مبارك في حالة فوزه وبالتالي قد يتجه هؤلاء إلى المرشح الأخر وهو الدكتور محمد مرسي الذي لم يحسن في نظري استغلال هذه القضية حيث صرح قبيل المحاكمة والنطق بالحكم بأن مبارك سيظل حبيس السجن إلى الأبد  وهو تصريح لا يحترم أحكام القضاء أولاً كما أنه يعبر عن وجود نوايا للتشفي في مبارك وأعوانه وهو أمر لا يجب أن يسود مستقبل مصر بعد أن تسبب هذا التشفي والانقسام في أزمات كثيرة وأطال من أمد الفوضى والضبابية في الحياة المصرية .
والقاضي الذي حكم بالسجن المؤبد ضد رئيس النظام ويده الطولى قادر على أن يحكم ذات الحكم أو اشد منه  ضد من هم دونهما من أمثال مساعدي العادلي ونجلي مبارك .
وعليه ، يجب أن تتحلى نظرتنا للحكم الصادر أمس بالنظرة الموضوعية وعدم الانجراف وراء عواطفنا أو الانسياق لرغبتنا في الانتقام من نظام أقر القاضي نفسه بفساده وظلمه وتسببه في كوارث لا حصر لها على الصعيدين الداخلي والخارجي وهو أمر يحسب للقاضي حيث بدا الحكم وكأنه محاكمة لعهد مبارك الذي حول مصر من دولة قائدة مركزية إلى دولة تابعة منقادة ضعيفة التأثير ومحدودة الفاعلية وكثيرة الأزمات الداخلية وأثقلت مواطنيها بالأعباء المادية والنفسية .

مغردون أم حكواتيون

محمد المحفوظ
الجدل الذي يدور اليوم حول المواقع الالكترونية “التويتر” بالتحديد يؤكد أننا تحولنا الى مجتمع حكواتي يبحث عن بطل وهميّ ليشبعه لطماً وتجريحاً . واذا كان حكواتيو الأمس قد انقرضوا فإنّ حكواتييّ هذه الايام بعضهم يلبسون الاقنعة و بعضهم يتخفون تحت مسميات مجهولة ويرفعون لافتات الحداثة والمعاصرة لكنهم لا يمتون لها بصلة. هؤلاء الحكواتيون سينقرضون أيضاً لانّ ممارساتهم ضد العقل والمنطق وضدّ التاريخ .
نفهم أن يعبّر الانسان عن قناعاته ووجهات نظره لكننا لا نفهم أن تتحول مواقع التواصل الاجتماعيّ الى ساحة لكل من هب ودب يصول ويجول فيها بلا حسيب ولا رقيب يمارس فيها ما يشاء بالإساءة لمن يختلف معه في الرأي حيناً وبالتهديد حيناً آخر والتسخيف لآراء الاخرين تارة اخرى ويستثمره البعض الآخر لتشويه من يتبنى وجهة نظر مفارقة له ويوظفه آخرون سبيلا للشهرة .
العرب اليوم يصنفون أنّهم من اشدّ الشعوب استخداماً للأنترنت لكنه للأسف البالغ أنّ الاغلبية منهم تستخدمه في اغراض دنيا كالدخول في المواقع الاجتماعية وثلة منهم في مشاهدة الافلام الاباحية ومقاطع اليوتيوب وقسم كبير من المنتمين للامة تصرف اوقاتها في مسامرات البالتوك التي تتسم اغلبها في الجدالات العقيمة. والاخيرة بصراحة لا تقرّب بين المختلفين بقدر ما توسع الهوة بينهم وتفضي الى الأحقاد والحساسيات والاضغان بين ابناء الامة الواحدة بل بين  المذهب الواحد !
انّ المواقع الالكترونية اضحت تحفل بالمنظرّين والمحللين والنقاد والسياسيين لكن المتابع المدقق لها يلفت نظره طغيان الانتقاد والانتقاص وكأننا نعيد انتاج ما كان سائدا في فترات من تاريخنا العربي والاسلامي من سفسطة ابان قرون المناظرات الانشائية حيث يقضي الادباء والعلماء جُلّ اوقاتهم في اللغو الفارغ . والمحزن انّ النتيجة من كل هذا ليس الا هشيما تذروه الرياح .
ويذهب نفرٌ من مفكّري الامة وعلمائها اليوم الى أنّه اذا كان العرب في الماضي يتكلمون لغة عربية واحدة فانّ الانترنت اليوم جعلهم يكتبون كما يتحدثون باللهجات المحلية ثقافة ودجل وحكي وتنظير بلا اي وظيفة اجتماعية عدا التسلية واستهلاك الوقت كما فعل شهريار في يوم وليلة . ويبدو السؤال حول الموضوعات التي تعالجها مواقع التواصل الاجتماعي وجيها الى ابعد الحدود . على سبيل المثال لماذا لا يعالج المغردون القضايا المصيرية الكبرى التي تمر بها الامة والمعيقة للتنمية والتقدم كالفساد الذي يضرب مفاصلها او معضلة البطالة بما تشكله من اعاقة للتطوير أو مشكلة بحجم الفقر ويتجهون الى مسائل هامشية وشخصية جداً لا تنتج سوى الاضرار على الافراد والامة .
في دولة خليجية شقيقة اثيرت قضّية جدلية كان موضوعها المرأة. وقد يتصور الكثيرون أنّ المغردين طالبوا برفع الظلم الواقع عليها أو اعادة الاعتبار اليها واسداء حقوقها كما اشار اليها الدين الاسلامي لكنّ الواقع كان مغايرا لهذا تماماً اذ انقسم المجادلون الى فريقين وكل فريق استخدم كل ما توفر لديه من اسلحة وكأنّهم في معركة كسر عظم هي اشبه بالحروب التي تشنها قبائل الماو ماو. الغائب الاكبر من مواقع التواصل الاجتماعيّ القضايا الفكرية الجادة وتراجع هموم وآلام وهواجس الطبقات المعدمة ومسائل الاصلاح السياسي والاقتصادي .
وفي الحالات النادرة التي يخصص فيها بعض الكتّاب الموضوعات  الاجتماعية والحقوقية فإنها للآسف البالغ لا تلقى الحماس والاستجابة . وهو ما يكشف عن خلل عميق وفادح لدى النخب والجماعات المثقفة وعلى فقدان البوصلة لدى ابناء الامة بأجمعهم من جهة وعلى الفوضى في ترتيب الاولويات من الجهة الثانية .
ما يحسب لمواقع التواصل الاجتماعي انّها الغت تحكّم ادعياء  الثقافة المهيمنون على صفحات الفكر في الصحف والمجلات وما سادها من شلليه بغيضة حتى وقت قريب .اليوم وفي ظل هذا الانتشار الكاسح للشتكنولوجيا فانّه بإمكان اي اشخص ان يكتب ما يشاء من قضايا دون خوف من أحد .وقد تحدث تغريده سطحية فجّة من احدهم جدلاً كبيرا وسجالا ثقافيا وردود فعل متباينة تمتد لأيام وربّما اسابيع .

حين يتحدث حسن نصر الله

جرير خلف
رغم أن الجميع توقع أن يكون خطاب نصر الله موجها بشكل كبير لتبرئة حزب الله من الدور الكبير في مجازر النظام السوري ومحاولة لفكفكة عقدة المخطوفين من خلال تحييد الطائفة والحزب عن الحالة السورية.. إلا أنه اختصر الأمر بفقرة واحدة في آخر خطابه ترك فيها الأبواب مفتوحة وحاول فيها تبسيط الموضوع، كأنه يملك كل المفاتيح، فهو لا يؤمن بالفشل رغم أنه يصنعه!.
فقد ظهر نصر الله في ذكرى وفاة الخميني بتكتيك خطابي حاول فيه قدر الإمكان المحافظة على شخصية القيادي ذي الهالة المقدسة التي لا تهتز رغم الضغط النفسي الناتج عن قضية المخطوفين، وحاول من خلال تسلسل خطابه البدء في تمتين صفة "المقاومة" على حزب الله حيث بادر بالخلط المقصود بين الثورة الفلسطينية و"المقاومة" التي تنتعل قضية الجنوب والمقاومة لـ"تمريق وتلزيق" الإرث الطائفي كاستحقاق ثقافي ووطني على الأمة، من خلال تسويق توجهات الخميني التي لم تقنع أحدا سابقا ولم يؤمن بها سوى جوعى الأيديولوجية الطائفية من أتباع "إمبروطورية فارس".
يتحدث نصر الله عن الخميني بحديث بدا كحديث اقتصاص وشماتة من الجميع، وحاول أن يجعل من وفاته نكبة موازية لنكبة حزيران.. وكانت مؤشرات السرد في خطابه كأنها جرعة إجبارية موجهه لأصحاب القضايا التي وضع أصبعه فيها، حيث يصف الخميني بأنه "فيلسوف عظيم وعارف ومفكر إسلامي مبدع ومجدد له مواصفات ذاتية كثيرة وله مواصفات لما أحدثه الإمام في تاريخ الأمة وما أسسه للمستقبل!!" مما قاله نصر الله عن الخميني".
وينتهز الفرصة نصر الله لتسويق الحس الروحاني لدى الخميني الذي قام بتكوين الدولة وبناء المؤسسات بعد الثورة "الإسلامية" في إيران خلال سنة، فيما لم تستطع ثورات الربيع العربي لغاية الآن ذلك، وينتشي أكثر نصر الله بالخميني ويعلن أن له الدور التأسيسي لكل التحولات الكبرى التي حصلت في منطقتنا وفي الثورات التي انعقدت "هنا اعتمد نصر الله على فقدان الذاكرة لنا فلم يأت على ذكر غدر الخميني عام 1979 باليساريين والليبراليين الذي قاموا بالثورة معه وقام بتصفيتهم وملاحقتهم".
كما لا ينسى نصر الله استخدام اسم فلسطين مرات عديدة لهضم المحتوى الفكري المسوق في خطابه حيث يذكر أن "فلسطين هي مسألة عقائدية في موقف الخميني بالإضافة إلى أن الخميني كان الداعية الدائم للوحدة والتكامل بين المسلمين والمستضعفين"؛ ويبدو هنا أن نصر الله تناسى أيضا فضيحة "إيران جيت" حين زودت "إسرائيل" نظام الخميني بالسلاح لمحاربة العراق.
نحن نقول لحسن نصر الله إننا نذكر كل شيء عن إمامك ونذكر له كتاباته، وخاصة كتاب كاشف الأسرار الذي يقول فيه الخميني "ص 85/ 86": "آن الأوان لتنفيذ وصايا الأئمة "ص": سنسفك دماء النواصب "نحن" ونقتل أبناءهم ونستحيي نسائهم ولن نترك أحدا منهم يفلت من العقاب، وستكون أموالهم خالصة لشيعة أهل البيت"!!
ثم يتابع الخميني في كتابه: "سنمحو مكة والمدينة من على وجه الأرض لأن هاتين المدينتين صارتا معقلا للوهابيين، ولا بد أن تكون كربلاء المقدسة قبلة للناس في صلاتهم وسنحقق بذلك حلم الأئمة "ع"".
ثم يقول في كتاب تحرير الوسيلة 1/ 352: "الأقوى إلحاق النواصب بأهل الحرب في إباحة ما اغتنم منهم وتعلق الخمس به".
والأحاديث تطول في استهدافنا.. والمخفي أعظم في أدبياتهم السرية، وعليه يمكن فهم كل شيء، وعليه فلينتظر وطننا العربي المصائب إذا لم نخلع العمائم السوداء عن القلوب السوداء، فهذه الخطابات النارية وتجارة المقاومة ولعبة الوطنية ما هي إلا أدوات لتسويق الموت المبشرين به من ملالي فارس.

الخلايا الإيرانية النائمة وراء كارثة حريق فيلاجيو بالدوحة

طلال معروف نجم
مهما تكتمت الحكومة القطرية، وحتى لو تكشفت التحقيقات عن أصابع إيرانية في كارثة حريق مركز فيلاجيو التجاري الضخم، لا بسبب الخوف من هذا الجار الغادر، بل محاولة لتحكيم العقل وتدارك النتائج التي ستترتب على توجيه الاتهام مباشرة إلى دولة الشعوب الإيرانية، يجب أن نعرف جيدا- وهذا ما لمسته من خلال زياراتي لكثير من دول الخليج العربي- بأن هناك خلايا إيرانية نائمة، وجالية إيرانية تعيش في المنطقة منذ عقود من الزمن، وقطر واحدة من دول الخليج العربي التي احتضنت جالية إيرانية منذ بواكير القرن المنصرم. وهذه الخلايا ترتبط مباشرة بقائد فيلق القدس الإيراني الإرهابي، الجنرال الدموي قاسم سليماني وتأتمر بأوامره وتتحرك حسب توجيهاته في الزمان والمكان المناسبين.
كما يجب أن نقف على أمر حيوي، لماذا هذا الحريق وليس تفجيرا؟.. فقد عرف عن أصابع إيران في كل تفجيراتها في عراق اليوم، أما الحريق فقد يبدو أمرا مشاعا ولا يثير الشكوك، بدليل أن وزير الدولة للشؤون الداخلية الشيخ عبد الله بن ناصر آل ثاني أعلن في مؤتمر صحفي مساء الاثنين أن "أحدا لا يستطيع الجزم بأسباب اندلاع الحريق، إلا أن النيابة العامة والجهات المعنية المختصة ستباشر التحقيقات للتوصل إلى أسبابه، وهو ما سوف يفصل فيه القضاء، وبالطبع سيحاسب كل من قصر في هذا الحادث".
وهاهو الحريق يفسر تفسيرات كثيرة منها أن الكارثة فتحت الباب واسعا أمام تساؤلات حول معايير السلامة في هذا البلد الذي يحقق معدلات نمو مذهلة وتعلو فيه الأبراج بسرعة، ويستعد لاستقبال كأس العالم لكرة القدم في 2022.
وكتب صالح بن عفصان الكواري رئيس تحرير صحيفة الراية "حقيقة فإن الحادث مؤسف، وينم عن قصور فاضح في إجراءات السلامة والأمن بالمجمعات التجارية التي يتوجب عليها أن تتخذ من وسائل الحيطة والسلامة ما يجنب زوارها والمترددين عليها من المتسوقين مثل هذه الحوادث الأليمة، ويجنبها هي نفسها الخسائر المادية والمساءلة القانونية والنيل من سمعتها". وأضاف "إنه الإهمال الذي يشبه القتل العمد".
إذن فالحرائق تغطي كثيرا على فاعليها. وهذا ما كنا نلمسه في الحرائق التي عمت مصر أيام مبارك وما بعده. وسار عراق اليوم على خطى مصر في إشعال الحرائق في كثير من وزارات ومؤسسات الدولة لطمس الأسباب والفاعلين وردوه إلى تماس كهربائي للتغطية على الحرامية، "حرامية اليوم".
في قطر الحريق ظاهرة غريبة وخاصة في مجمع عملاق فيه كل شروط الأمان والمتانة والتكنولوجيا، وليس هناك من مواطن قطري يمكن أن يقدم على هذه الفعلة الشنيعة. وهم شعب صغير توزع عليهم الثروة توزيعا عادلا. وهم من أكثر شعوب المنطقة رفاهية ورغدا. لهذا، الأيدي الأجنبية قائمة في هذه الفعلة، ولا تبتعد الشبهة عن الجار الغادر إيران.
لماذا قطر؟.. سؤال قد يبدو ساذجا لمن هو ساذج. وبديهي لمن خبر السياسة الخبيثة للفرس أمس واليوم وغدا. فمواقف الحكومة القطرية من مساندة ثورة الشعب السوري هي السبب الأوحد ولا غيره البتة.
المهم أن تتنبه الأجهزة الأمنية في قطر إلى القادم من الأهوال. وأحذر في ذات الوقت قائد شرطة دبي البطل الفريق ضاحي خلفان، من أن الخلايا النائمة ستتحرك في دبي، لتنتقم من مواقف دبي الجريئة والقومية. وخاصة بسبب تصريحات خلفان الأخيرة التي أوجعت إيران كثيرا.
إيران خبيثة أيما خبث وعراق اليوم هو ضحية هذا الخبث الفارسي الحاقد.