Friday, June 8, 2012

التمويــــــل

سوسن الشاعر
التقط السيد كمال الذيب تناقض السيد عبدالنبي العكري في مؤتمره الصحافي مع ما يمثله كرئيس لجمعية الشفافية، وهي المؤسسة المعنية بكشف (المستور) خاصة في الشأن العام، ومعنية لا بتنمية ثقافة الإفصاح عن الذمة المالية فحسب؛ بل المعنية بحث الدولة على تشريع القوانين التي تجبر العاملين في الشأن العام على الإفصاح عن مصادر تمويلهم وتشريع العقوبات بخصوص الممتنعين عن إفصاح تلك الذمة المالية، فكيف ورئيس الشفافية يمتنع اليوم عن الشفافية؟ إذ قال السيد العكري رداً على سؤاله عن الجهة التي تمول سفراته الدائمة ومنها آخر سفرة إلى جنيف بأنه لن يفصح عن مموله الخاص وأن من حقه إخفاء جهة التمويل! إذ قال العكري بالنص كما ورد في صحيفة الوسط في عدد الثلاثاء 29 مايو “لا حق لأحد أن يسأل عن تمويل زيارتنا إلى جنيف، وهذا حق لنا، كما هو حق الوفود الأخرى، وكان يجب على الدولة التعامل معنا بالمساواة مع جميع منظمات المجتمع المدني. ورأينا في جنيف كيف أن وفود الدول الرسمية كانوا يسلمون على الوفود الأهلية هناك، ولكننا واجهنا كل صدود ومواقف غير ودية من الوفد الرسمي”. في هذه الحالة يا العكري فإنك تقر مبدأ عاماً جديداً وهو إن (سرق) رئيس جمعية الشفافية أموالاً عامة فيحق له الامتناع عن الإفصاح عن مصادر أمواله لأن السراق الآخرين يخفون مصادر أموالهم!! وهل بعد ذلك لا تريد أن تثار الشبهات عن مصادر التمويل؟ ليس هو فقط من تثار الشبهات حول جهات تمويله، فهناك الآن مجموعة من الصحافيين تقيم في لبنان ومجموعة تقيم في لندن ومجموعة تقيم في أستراليا هي الأخرى (منقولة) من كل ما يلزمها من تذاكر وسكن ومواصلات ومصاريف معيشية ومخصصات وتنتقل ضمن العواصم الأوروبية وتعمل على تأسيس تشغيل مواقع على الإنترنت وقناة فضائية، وكلهم لا يفصحون عن مصادر تمويلهم. مهمتهم هي الحصول على تقارير من المنظمات الدولية الخاصة بالإعلام وحقوق الإنسان والأطباء ويستعينون بها إما للجوء لمجلس الأمن للدفع باتجاه التدخل العسكري في البحرين أو للضغط على حكومة مملكة البحرين لفتح المجال لهم للعمل بحرية تامة لتقويض أمن واستقرار الدولة من خلال انتهاك القوانين وتجاوز المؤسسات، فإن لم يكن التغيير ممكناً عبر التدخل العسكري فالتغيير ممكن عبر العقوبات أو عبر الدعم الدولي لهم، كل تلك الأنشطة التي تعمل على تقويض الدولة ممولة من جهات مجهولة وأصحاب الأنشطة يتحدون الدولة بعدم إفصاحهم عن جهة التمويل، فإن كان للخيانة عنوان فما هو عنوان هذا النشاط؟! كل الذين يعملون الآن خارج البحرين يداومون عند بوابات المنظمات الدولية وينامون عند ماسحة أحذيتها من أجل التكرم عليهم بتقرير يدين البحرين للانتفاع به واستخدامه وتوظيفه، كلهم دون استثناء كانوا في مناصب إعلامية مرموقة في وطنهم إلى ما قبل 15 مارس 2011 وكانوا يعيشون في مستوى معيشي جيد ويكتبون ما يشاؤون ويعملون بكل حرية يحسدهم عليها كتاب في معظم الدول العربية بسقف مرتفع وبأمن وسلامة، ونماذج كتاباتهم مازالت موجودة في أرشفة الإنترنت يكفي أن تضع اسم أحدهم لتظهر مقالاتهم السابقة تشهد على سقف الحرية الذي كانوا يتمتعون به، وتشهد على المناصب التي ارتقوا إليها. واليوم جعلوا من البحرين سواداً ويصورون الإجراءات التي اتخذت في العام الماضي على أنها اتخذت ضد من كان آمناً في بيتهم ولا يدري لم قبض عليه وإنها كانت ضد “حرية التعبير”!! من يمولهم الآن؟ من يدفع مصاريفهم؟ لا أحد يعرف وهم لا يريدون أن يصرحوا، فإن كان للخيانة عنوان هو المال الأجنبي؛ فماذا يسمى هذا التمويل المجهول؟ كل منظمات المجتمع المدني للدول التي تحضر لمناقشة تقاريرها الدورية تفصح عن جهات تمويلها، ولا يوجد دولة من هؤلاء تسمح لأي منظمة مدنية أن تعمل دون أن تفصح عن مصادر تمويلها وإلا أغلقت بالشمع الأحمر، فكيف برئيس لجمعية الشفافية أن يكتم مموله الخاص ولا يفصح عنه، أليس الإفصاح عن جهة التمويل مبدأ أساسياً من مبادئ عملك؟ أم أنكم تأمرون الناس بالشفافية وتنسون أنفسكم؟!! نقول لكل هؤلاء الذين يعقدون مؤتمراتهم الصحافية ويذهبون لبيوتهم يتعشون ويتغطون بلحافهم ويعيشون بأمن ورغد البحرين؛ أنتم بحاجة للعلاج من عقدة المظلومية، فإنها داء مرضي مزمن ووراثي، يصور للإنسان صوراً وأوهاماً ويجعله يرتاب ويتلفت خلفه رغم أنه آمن مطمئن في بيته. ونقول للذين يتمسحون بأحذية الأجنبي من أجل إقناعه بالتدخل في وطنه العار سيلاحقكم لأجيال. وأقول لمؤسسات الدولة أن ترصد كل تلك الانتهاكات والمخالفات والجرائم التي يرتكبها هؤلاء وتحاسبهم عليها وفق القانون، وأن تخاطب المنظمات الدولية بلغة القوة والعزة لا الخنوع، وأن تتضمن تقاريرها الأدلة على خرق هؤلاء للقوانين البحرينية؛ ليس هذا فحسب بل وترفق أيضاً ضمن تقاريرها حزمة الأدلة المقارنة بين القوانين في الدول الديمقراطية والقوانين البحرينية التي تدين مثل تلك الأنشطة وتمنعها، فلا يجوز أن تحفظ الدول الأخرى دساتيرها وأمنها وتمنع مملكة صغيرة كالبحرين عن ضمان أمنها واستقرارها وسيادتها. فهل الخيانة للدول الأوروبية شكلها غير الخيانة للدولة البحرينية؟ أليس هناك تعريف مشترك؟ هل العقوبات مسموح بها هناك لمن يخون وطنه وممنوعة على البحرين؟ هل قبول الأموال الأجنبية في النشاط العام مسموح به في الغرب وممنوع في البحرين؟ هل تمويل الخيانة جائز هناك وممنوع في البحرين؟

أزمة جديدة تتربص بالاقتصــــــاد العالمـــــي

عبيدلي العبيدلي
يلتقي وزراء مالية دول مجموعة السبع المكونة من فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا واليابان والولايات المتحدة وكندا في اجتماع طارئ من أجل التباحث “حول أزمة الديون في دول منطقة اليورو، وسط قلق متزايد على اقتصاد تلك الدول”، وخشيتها من أن يؤدي “فشل أوروبا في التعامل مع أزمة الديون إلى التأثير على فرص التعافي في العالم”. يبدو ذلك الخوف واضحاً أيضاً في تصريحات وزير المالية الألماني وولفجانج شوبل في مقابلة مع صحيفة “هندلسبلات”، قبيل ذلك اللقاء، حيث قال “أكدت حكومتنا أن هناك ضرورة لانشاء اتحاد مالي قبل البدء بالحديث حول تعامل مشترك مع أزمة الديون”، وعزز من تلك المخاوف تصريحات وزير مالية كندا قبل ذلك اللقاء حين قال إن “أوروبا هي مصدر القلق الآن”، في إشارة منه لاحتمال انتشار الأزمة لتضرب اقتصادات أخرى. سبق ذلك، وفي السياق ذاته، وتحديداً في 23 مايو 2012، تحذير البنك الدولي من “أن ازمة الديون السيادية في منطقة اليورو يمكن أن تضر بالنمو الاقتصادي في دول شرق اسيا، وأن اضطراباً كبيراً في منطقة اليورو يمكن أن يؤثر سلباً على النمو والطلب على صادرات شرق آسيا”. تزامن ذلك مع نشر نتائج دراسة مسحية أجرتها مؤسسة “ماركت” لأبحاث السوق تحدثت عن انخفاض “نشاط الأعمال في أوروبا لأقل معدلاته منذ ثلاثة أعوام في مايو 2012”. في الوقت ذاته، جاءت نتائج المؤشرات الرئيسة في البورصات الأوروبية والأمريكية مخيبة للآمال بعد أن سجلت “تراجعات ملحوظة متأثرة بالأرقام السلبية لأوضاع العمالة في الولايات المتحدة”، وليس هناك ما يبشر باستعادتها لعافيتها رغم دعوات الرئيس الأمريكي باراك أوباما المتكررة إلى الكونغرس من أجل “التحرك والتصديق على مشاريع قوانين لتنشيط الاقتصاد”. ولا تختلف صورة حالة العمالة الأوروبية عن نظيرتها الأمريكية، فهي الأخرى لا تبشر بالخير، فقد أظهرت أرقام الاتحاد الأوروبي “أن نسبة البطالة في منطقة اليورو بلغت في أبريل نحو 11%، وهي نفس نسبة مارس، لكنها تظل اعلى نسبة بطالة مسجلة منذ بدء السجلات في عام 1995”. وفي بريطانيا حذر اتحاد غرف التجارة البريطانية -الذي يمثل أكثر من مئة ألف مؤسسة تجارية- من احتمالات “انخفاض معدلات النمو توقعاته لنمو الاقتصاد هذا العام من 0.6% إلى 0.1% فقط”. الأسوأ من ذلك هو خشية الاتحاد من ارتفاع “عدد العاطلين عن العمل في بريطانيا من مليونين و625 ألف عاطل (8.2% من القوة العاملة الإجمالية) إلى مليونين و900 ألف عاطل (9%) في الربع الثالث من العام المقبل نتيجة الخفض المستمر في الانفاق على القطاع العام”. ويبدو أن بريطانيا تخشى من تطور أوضاعها الذاتية إلى ما هو أسوأ من ذلك فقد وضعت وزارة الداخلية البريطانية “خطة طوارئ للتعامل مع احتمال زيادة عدد المهاجرين الأوربيين، خصوصاً من اليونان، في حال انهيار اليورو”. وأكدت وزيرة الداخلية تريزا ماي، من أجل تطمين العاملين في السوق البريطانية، لصحيفة ديلي تليغراف إن “العمل مستمر للحد من عدد المهاجرين الأوروبيين حال حدوث انهيار مالي”. وليست هناك من حاجة للخوض في تفاصيل الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعاني منها اليونان، تكفي الإشارة إلى حث مديرة صندوق النقد الدولي كرستين لاغارد اليونانيين، في مقابلة أجرتها معها صحيفة الغارديان اللندنية “على دفع الضرائب المستحقة عليهم لأن وقت الحساب قد حان بالنسبة لليونان”، على حد قولها. الأمر لا يختلف عند الوصول إلى الاقتصادات العربية الرئيسة، والتي تعكس تراجعات أسواق المال العربية تداولاتها، بعضاً من جوانب الأزمة المتوقعة لها، إن لم تكن قد دخلتها، فقد أغلقت السوق السعودية مؤخراً “بانخفاض المؤشر السعودي الذي خسر أكثر من 33 نقطة”، تلاه المؤشر المصري “الذي لا زال مستمراً في تكبد الخسائر منذ بداية شهر يونيو الجاري”. يأتي ذلك في وقت حذرت فيه وكالة الطاقة الدولية من “إن سعر النفط قرب 100 دولار ما زال خطراً على الاقتصاد العالمي الذي يتباطأ ومن المرجح أن يستهلك كميات أقل من الوقود عن توقعات الوكالة”. هذا من شأنه أن يشكل تهديداً لمشروعات النمو التي وضعتها في موازناتها السنوية، معظم الدول العربية النفطية محتسبة الـ 100 دولار كسعر متوقع للنفط خلال هذا العام. كان ذلك على مستوى التكتلات الإقليمية والبلدان، لكن الأمر لا يختلف عنه عندما ننزل إلى مستوى الشركات، فقد توقعت شركة ناجحة بكل المقاييس، مثل الشركة المصنعة للهواتف الذكية من طراز بلاكبيري “أن تمنى بخسائر كبيرة في الربع الأخير من العام 2012 ما سيدفعها إلى اتخاذ إجراءات تقشف من بينها خفض عدد العاملين لديها”. الأمر الذي سيزيد من معدلات البطالة في الولايات المتحدة، وسينعكس سلباً، كما ذكرنا على منطقة اليورو. وأكدت الشركة “ريسيرش إن موشن”، أنها في خطوة استباقية تحصينية قد توصلت إلى اتفاق مع بنكي “جي بي مورغان” الأمريكي و« آر بي سي كابيتال ماركيتس” الأسترالي من أجل مساعدتها على مراجعة استراتيجيتها الاقتصادية، واتخاذ التدابير الوقائية التي يمكن أن تقلص من احتمالات المستقبل الأسود الذي يتربص بها. والأمر لم يكن مختلفاً بالنسبة لشركة التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، التي كان الجميع يترقب طرح أسهمها للاكتتاب العام، فقد “أنهى سهم شركة فيسبوك أول جلسة لتداوله بلا تغيير يذكر عن سعر الاكتتاب في الطرح العام الأولي، في بداية متعثرة على غير المتوقع خيبت الآمال المعقودة عليه”. هذه الصورة القاتمة القائمة والمتوقعة، تشير إلى مجموعة من الحقائق، وتدعو إلى مجموعة من الإجراءات التي تتمحور حوق نقطة مركزية واحدة، تنطلق من الاقتصاد الأمريكي، وتتمحور حوله، إذ تؤكد ظواهر الأزمات فشل كل الحلول الترقيعية التي لجأت إليها واشنطن في إصلاح اقتصادها المتعثر بنيويا، منذ أن ضربتها أزمة العقارات في مطلع هذا القرن، التي انتشرت كي تشمل الأسواق العالمية الكبرى، والسبب الرئيس الذي يقف وراء ذلك الاتساع الجغرافي المترافق مع تنامي الأزمة، يكمن في إصرار واشنطن على التحكم في مشاريع وآليات الإصلاح وتسخيرها، بشكل أناني مقصود، لما يخدم الاقتصاد الأمريكي، الذي لم يعد قادراً، كما كان في أعقاب الحرب الكونية الثانية، على الاستمرار في ممارسة دور الريادة. هذا يجعل الحل يحمل في أحشائه درجة عالية من التناقض بين النرجسية الذاتية الأمريكية، والمتطلبات الموضوعية النابعة من احتياجات الاقتصادات الأخرى. ومحصلة ذلك تعثر الحلول، واستمرار الأزمة التي تتمظهر في أشكال مختلفة تتناسب وطبيعة الاقتصاد الذي تتفشى فيه. ومن هنا فما لم تتخلى واشنطن عن أنانيتها، أو تقدم الاقتصادات الناشئة في دول “بريكس” على خطوة جريئة تعيد بناء المعادلات الاقتصادية القائمة، بحيث تعطي كل اقتصاد الثقل الذي يستحقه، فليس هناك ما يحول دون تفاقم الأزمة، وليست اليونان اليوم، سوى النموذج الأمثل للتعبير عنها، وهذا من شأنه وضع الاقتصاد العالمي أمام أزمة جديدة تتربص به.

الإسلام السياسي الإيراني

إسحاق يعقوب الشيخ
وتراهم خارج السلطة السياسية يشكلون مشكلة، وداخل السلطة السياسية يشكلون مشكلتين!! إنهم رجال الدين الذين دفعتهم أطماعهم الذاتية وطموحاتهم المادية والفكرية في تفعيل الدين بالسياسة.. وتفعيل السياسة بالدين.. إلى درجة التماهي حتى لا يمكن التفريق بين الروح العبادية المرتبطة بعبادة الله والروح المادية المرتبطة بأهواء السياسة.. وتطلعاتها الميكافيلية في تبرير دناءات الوسائل الروحية والمادية من أجل الوصول الى الاهداف السياسية، فالاسلاموية الدينية تشكل المطية «الجرباء» التي يمتطيها رجل الدين «الاجرب» ويدفع بها خبط عشواء في ميدان السياسة. انهم يفسدون دين الخالق بسياسة المخلوق.. ويجعلون من الخالق في السياسة مخلوقاً.. ومن المخلوق في السياسة خالقاً في خلط ماء الدين النقي الصافي بماء السياسة العكر الآسن: كبر مقتاً عند الله احالة الخالق الى مخلوق والمخلوق الى خالق في عالم فتيا الحياة والسياسة على حد سواء! وكأن أوطاننا العربية بين سندان رجال الدين خارج السلطة السياسية ومطرقة رجال الدين داخل السلطة السياسية! ولنا في اوضاعنا العربية ما يجعلنا ان نعيش مأساة هذا الاسلام السياسي أكان على رأس السلطة السياسية أم خارج السلطة السياسية في بذل الوسائل من اجل انتزاع السلطة السياسية والهيمنة على مقدرات الوطن المادية والفكرية، وتصفية وسائل وأجهزة الدولة المدنية والذهاب بها الى وسائل وأجهزة الدولة الدينية، ويلعب الاسلام السياسي الايراني دوراً طائفياً في المنطقة أكان في لبنان عبر «حزب الله» أم في الخليج والجزيرة العربية وتشكل الاقليات الشيعية في المنطقة قواعد سياسية للاسلام السياسي الايراني، حيث تأخذ المذهبية العقائدية الدينية التاريخية حوافز ذاتية عقائدية مذهبية في تفعيل مظلومية الحيثيات السياسية المذهبية الطائفية في المنطقة ودفع حراكها المذهبي الطائفي السياسي في زعزعة الاوضاع الاجتماعية والسياسية في انظمة دول الخليج والجزيرة العربية.. ويتشكل الاسلام السياسي الايراني في مواقفه وكأنه المدافع الوحيد عن المظلومية الشيعية وراعي حقوقها في الوقوف بجانبها والدفاع عن قضيتها ودعمها بالمال والعتاد والسلاح والتدريب، ناهيك عن تسخير ميديا الفضائيات في الدفاع عن المظلومية الشيعية في المنطقة!! ان للاسلام السياسي الايراني في المنطقة مواقع اجتماعية وسياسية وثقافية ودينية -شئنا أم أبينا- تتشكل في تباين درجات مظلومية المواطنة بين ابناء الشعب الواحدة، وهو ما يشكل نافذة موضوعية وذاتية تتيح للاسلام السياسي الايراني العبور منها الى اعماق مجتمعات دول الخليج والجزيرة العربية وإثارة الفتنة الطائفية وزعزعة الاوضاع الاجتماعية والسياسية! صحيح ان الثقة في المجتمعات العربية غير محكومة بحسن النوايا بين الاقليات الطائفية والمذهبية.. إلا ان تفعيل الثقة على قاعدة من العقلانية والموضوعية للخروج من عنق الزجاحة واقع تقتضيه الحكمة الوطنية من الطرفين طرف الحاكم والمحكوم على حد سواء وتفعيل وتفاعل جميع القوى الوطنية والديمقراطية أكان في مملكة البحرين أم على صعيد الخليج والجزيرة العربية، في تكريس ثقافة الحوار وقبول الرأي الآخر ونبذ روح الاقصائية الطائفية والسياسية.. وليس من الوطنية ولا العدل والانصاف قذف الطائفة الشيعية بقضّها وقضيضها بولائها للاسلام السياسي الطائفي الايراني.. وهو ما تدفع وتزيّن له وتدّعيه وتفاخر به وتموله جهات المخابرات الايرانية الفاعلة في المنطقة في زرع الفتنة الطائفية وغرس الجواسيس والمرتزقة بين ابناء الشعب الواحد.. وقد ألقت قوات الامن الكويتية على عناصر تجسس ايرانية في الفترة الاخيرة، ودفعت بهم للقضاء لينالوا عقابهم.. كما اوردت صحيفة «واشنطن بوست» ان هناك ادلة جديدة تشير الى وضع خطة محاولات من «حزب الله» اللبناني وعملاء يعملون لمصلحة ايران في القيام بتنفيذ اغتيالات دبلوماسية في سبع دول منها العربية السعودية.. وكانت المخابرات الايرانية -كما هو معلوم- قد قامت بمحاولة فاشلة في اغتيال السفير السعودي عادل الجبير في واشنطن.. ومحاولات اغتيالات دبلوماسية في الهند وتركيا وتايلند وباكستان وجورجيا، وقد اتهمت نيودلهي وبانكوك طهران بالتورط بتلك المحاولات وفق صحيفة «واشنطن بوست» ولا يمكن سحب مبادرات تأزيم الاوضاع الاجتماعية والسياسية من بين انشطة الاسلام السياسي الايراني في منطقة الخليج والجزيرة العربية الا بإزالة اسباب ومبررات المظلومية الاجتماعية والسياسية وتكريس المساواة في المواطنة وتفعيل الديمقراطية والعلمانية وحقوق الانسان وبناء الدولة المدنية والنأي بالسياسة عن الدين.. الامر الذي يُوصد الابواب بالضبة والمفتاح في وجه الاسلام السياسي الايراني من الخارج وفي وجه الاسلام السياسي الطائفي في الداخل على حد سواء!

حفريـــــات في الشــــــارع الســـــياســــي

صلاح الجودر
الخطابات الطائفية التي ازدادت وتيرتها في القنوات الفضائية ومراكز التواصل الاجتماعي وبعض الشوارع والطرقات جاءت بسبب السموم والأدواء التي نثرها دعاة الفتنة والمحنة بالعام الماضي، فقد حذرنا من أن تكون سبباً في مخطط تغيير هوية أبناء المنطقة الذي بشرت به بعض الدوائر الاستخباراتية تحت عنوان «الربيع العربي»، فقد كانت جميع المؤشرات تشير إلى ارتفاع وتيرة الخطابات الطائفية والمذهبية، وللأسف فإن الكثير من القوى الدينية والسياسية كانت تستهزئ بتلك التحذيرات وتعتبرها هرطقات أناس يعيشون عصر الصراع الطائفي، ولكن الأيام أثبتت للجميع صدق النبوءات التي كنا نحذر منها. بعد دخول القوات الأمريكية أرض العراق في عام 2003م لإسقاط نظام البعث وتصفية الحسابات القديمة مع الرئيس العراقي صدام حسين اشتعلت معها ومن خلالها الصراعات الطائفية بين العراقيين حتى تحولت أرض الرافدين إلى ساحات لسفك الدماء وتدمير الممتلكات ونشر الرعب والخوف بين الناس، وأبشع صور الصراع كانت من خلال استغلال المنابر الدينية، والدين منها براء!، وقد تناولنا خطورة مسلك التأجيج والتحشيد الذي يدفع إلى مزيد من الاحتقان والصراع والاصطفاف، فقد كانت التحذيرات متتالية في الكثير من المقالات والخطب، ومنها خطبة يوم الجمعة 10 أغسطس 2007م حينما حذرنا مما تتعرض له العراق من تغيير هويتها، والخوف من انتقال نار الفتنة إلى دول الجوار، ومنها البحرين التي زرعت فيها عقول عنفية تدميرية، تسعى لإشعال المجتمع وإشغاله بقضايا طائفية على حساب مشروع الإصلاح والنماء والبناء والرخاء، فالاستمرار في تلك الصراعات سيؤدي إلى ضياع حقوق الوطن والمواطن، حينها لن نجد من يتحدث عن بيوت الإسكان ولا الوظيفة ولا رفع مستوى المعيشة، فالجميع سيصبح مشغولا بأمن بيته وأسرته. التحذيرات التي أطلقناها قبل سنوات لاتزال قائمة بسبب استمرار حفريات الشارع السياسي، الحفريات التي تم تدشينها في فبراير عام 2011م حينما تبنى البعض المؤامرة الانقلابية تحت شعارات «التسقيط والموت والترحيل»، ومع ذلك جاءت الحلول والعلاجات لردم تلك الحفريات ضمن مبادرات إنسانية ولكن دون فائدة، فالعناد والصلف والاستعلاء من دعاة الفتنة والمحنة أضاع الكثير من المبادرات والفرص ولم يتبقى لهم سوى الجلوس تحت الطاولة للتباحث. لقد تخلى وتخلف الكثير من الرموز السياسية عن دورها الوطني في إيجاد مخرج لحالة الاحتقان التي تسبب فيها دعاة الفتنة والمحنة حينما أقاموا خيامهم ووضعوا فرشهم على دوار مجلس التعاون، فقد كان مسلكهم منذ تلك اللحظة العناد، فقد رفضوا الحوار، ورفضوا أن تكون لهم مطالب معقولة، بل رفضوا مكونات المجتمع الآخر مثل تجمع الوحدة الوطنية، فرضوا كل شيء وتمسكوا بقضية واحدة هي العنف، فقد استمروا في نهج العنف، فسكبوا الزيوت، وأحرقوا الإطارات، ورموا الحجارة، وأغلقوا الطرقات، ومارسوا العنف بجميع صنوفه حتى أذكوا نار العداوة والبغضاء بين الناس. لقد جاءت توصيات مؤتمرات الوحدة الوطنية والإسلامية إلى ترسيخ قيم الوحدة والانتماء والولاء، وانطلقت معها أناشيد الحب والفداء، وكانت الشعارات تتحدث عن أمة أسلامية واحدة، وأمة عربية ذات رسالة خالدة، فإذا بنا اليوم وقوى التطرف والتشدد ترفض كل ما يعرف بمشروع الوحدة والاتحاد، فقبل سنوات أطلقت حملة الوحدة والاتحاد «لا سني لا شيعي بس بحريني»، وكانت شعاراتها براقة، ولكن الأيام كشفت عن مخطط تدميري يقف خلفها، تدمير الدولة وتدمير المجتمع، والجلوس على أنقاضها، وإلا ما يحدث اليوم في المجتمع كان حرياً بدعاة الوحدة والاتحاد أن تكون لهم وقفة جادة معه. فالطائفية التي ترى وتسمع ويشتم رائحتها تستفيد منها قوى راسخة في الأرض ولها امتداد في الداخل والخارج، تدعمها وتمولها بالموارد المالية، الساحة اليوم تشهد تأجيجاً للصراع الطائفي بين أبنائه، سنة وشيعة، في ظل صمت وسكوت الرموز الدينية والسياسية، فما يحتاجه المجتمع هو الحوار والمصالحة ونبذ العنف، من خلال المنبر الديني والفعاليات المجتمعية، المسؤولية اليوم توجب علينا تذكير القيادات الوطنية والدينية بواجب تعزيز الأمن والاستقرار، وعدم التخلف عنه، والتصدي لتلك الكتابات التي تقرأ في صفحات التواصل الاجتماعي «التويتر» فما يتعرض له الوطن سيدفع الجميع ثمنه، ولن ينفع بعدها التلاوم. شهر رمضان على الأبواب، وهي مناسبة دينية يتواصل فيها المجتمع البحريني لإزالة أسباب الخلاف والشقاق، وهذه سنة بحرينية حميدة، فمن خلال المجالس والمنتديات الرمضانية تم معالجة الكثير من القضايا والإشكاليات، لذا يجب اسكات الأصوات النشاز التي تدعو للعنف والصدام والاحتراب، يجب أن يدينها القريب قبل البعيد، فقد استطاع جيل الأباء والأجداد أن يوقفوا الصراع الطائفي والمذهبي حينما اشتعلت في محرم عام 1952م، فقد قاموا بواجبهم الديني والوطني، واستطاعوا من نزع فتيل الصراع الطائفي، فالأحداث التي جرت بالعام الماضي أعادت الجميع خمسين سنة للوراء، ففي الوقت الذي تتسارع وتيرة البناء والنماء في الدول الخليجية المجاورة، نرى أن دعاة العنف والإجرام والإرهاب يدفعون بالمجتمع إلى أتون صراع طائفي مرير، الرابح الوحيد فيه هو الشيطان الأكبر ومحور الشر بالمنطقة!.

كشـــاف حســــاب

أحمد جمعة
البحرين كشفت وعرت المستور من أفراد ودول ومنظمات ومن مواطنين محسوبين على البحرين، ولو لا ما حدث في البلاد ولو لا ما مررنا به في السابق لظللنا حتى اليوم في حالة عمى بل لوجدت شعبنا كله مصابا بالعمى ومن حسن الصدف ومن حسن الحظ أنا مررنا بما مررنا به حتى ينكشف المستور ويزول العمى وسأخبركم من المسؤول الأول عما حدث في ختام هذا المقال. منذ سنوات ولدى تأسيس الجمعيات السياسية في البحرين مع بدء المشروع الوطني حذرت في لقاء جرى بين رؤساء الجمعيات السياسية حينذاك في مقر جمعية الوفاق وبحضور المرحوم عبدالرحمن النعيمي وعلي سلمان والمرحوم احمد الذوادي ولا أذكر يومها ان كان رسول الجشي حاضراً وهناك عدد من ممثلي الجمعيات التي تشكلت منها اللجنة التنسيقية، حذرت يومها من الدعوة الى تحويل الجمعيات السياسية الى احزاب قبل أن يتم ازالة الصبغة الطائفية عنها وقلت بالحرف الواحد أنا مع دعم التحول الى احزاب ولكن لا بد أولاً من تخلص الجمعيات الحالية من طابعها الديني وضربت مثلاً بجمعيتي الوفاق والأصالة وتحديت الحاضرين يومها أن يكون هناك طيف مذهبي غير الطيف الواحد المهيمن على هاتين الجمعيتين وذكرت أن الطائفية قادمة لا محالة. لقد تحققت تلك الرؤية وها نحن اليوم في ظل وضع طائفي اختطف البحرين وذهب بها بعيداً ورغم ذلك فمازلنا نتحدث عن الديمقراطية وتوسيعها بل وهناك من يطالب بتداول السلطة بينما عيناه على النظام الديني اللاهوتي وهذا ليس فقط غير مقبول وغير معترف به في أي من دول العالم الديمقراطي الحر بل ومستنكراً، فلو قام أي تنظيم في العالم الحر بالدعوة الدينية أو اشم مجرد رائحة دينية وراء هذه الدعوة لوضع ذلك التنظيم الحزبي قيد العزل وتمت تصفيته والغريب العجيب اليوم في ظل الحديث عن الديمقراطية وعن تداول السلطة وعن التحول الى نظام الاحزاب في خضم الوضع الطائفي للجمعيات بل للحراك السياسي العام أن نرى مسؤولي الادارة الأمريكية لا يخجلون بل لا يتوانون عن الحديث عن توسيع الديمقراطية واتاحة الفرصة أمام مزيد من الديمقراطية لأحزاب ومنظمات قائمة على نظام الولي الفقيه ومرتبطة بالتسلسل المرجعي الديني من البحرين الى قم وهذا واضح كالشمس ولا يستطيع أي مراقب ان ينكره او يغفله ورغم ذلك فان العالم الحر الذي تمثله الادارة الامريكية بنظرتها الضيقة الغريبة حتى عن مجرد رؤية هذا الموضوع من زاويته الواسعة الناصعة التي لا تحتاج لأي جهد في اكتشافه، نراها لأمر محير وغير مفهوم تدعم أعمالا ارهابية على انها أعمال حقوقية ومطالب، هل هؤلاء المسؤولون مصابون بالعمى أو أنهم منساقون لمصالحهم التي دمرت حتى الآن أكثر من نصف الدول العربية باسم الديمقراطية وحقوق الانسان؟ لا نريد ان نلوي عنق الحقائق والقفز عليها والقول اليوم بأن ما جرى من تداعيات كان فقط مسؤولية الوفاق واتباعها ولا نريد فقط القول ان اختطاف البحرين فقط كان نتيجة مؤامرة ايرانية، كل ذلك صحيح ولكن من مكن الوفاق وايران؟ من مكن الطابور الخامس وأتباعه؟ علينا أن نبحث في ثيابنا الداخلية فالعلة موجودة هناك من قبل ان تدخل ايران والوفاق وأمريكا، من أدخل هؤلاء جميعا هم... سأخبركم انتظروا قليلاً! هناك اليوم من لا يريد الازدهار والخير للبحرين وهو بحريني للأسف الشديد، هكذا يبدو على الأقل من خلال جواز السفر البحريني، حتى لو ضُربت المكاسب والمنجزات التي تحققت عبر السنين الماضية هؤلاء لا يريدون ذلك للبحرين حتى لو كانت نتائج الخير ستعود عليهم وعلى أبنائهم، من هنا كما قلت فهمنا نصف ما يجري وسنفهم النصف الآخر ان فتحنا عقولنا واذهاننا جيداً ولن تعمينا المصالح الضيقة التي تأتي على حساب البلد، ولكي اثبت اننا فهمنا ما يجري، على بعض رموز التيارات السياسية التي اعتادت ان تنقل الحقائق مقلوبة، وتزيف الكلام وتظهر نفسها الحاشية المخلصة، اقول فهمنا القصد ولم تعد لعبة هذه الزمرة مقبولة بعد ان فضحها كثير من المواطنين الذين يميزون بين الانجازات والشعارات، هؤلاء لعبوا دوراً في دفع البحرين في الماضي نحو الهاوية وبعدما تجاوزنا ما حدث عاد هؤلاء للظهور مرة أخرى في بداية حلقة جديدة لدفعنا نحو الهاوية مرة أخرى. والسؤال الكبير من رخص قبل اكثر من عشر سنوات للجمعيات السياسية على أساس طائفي؟ طبعاً لم تكن حينها وزارة العدل؟

حرائق في دول الخليج

محمد مبارك جمعة
١٧ سيارة تم حرقها في غضون ٧٢ ساعة، والشرطة تقوم بتحرياتها للقبض على الفاعلين. بالطبع من المستحيل أن تكون حوداث الحرق هذه عارضة، بل هي فعل متعمد، يشير إلى انتقال مستوى التخريب في البحرين من استهداف رجال الأمن وقطع الشوارع إلى التركيز على استهداف الأملاك الخاصة للمواطنين. بمعنى أنه بات من الممكن جداٌّ أن يركن أي شخض سيارته، أمام منزله أو في أي مكان في العاصمة مثلاً، ليعود ويجدها قطعة من الخردة المشتعلة..!
هل هي مصادفة أن تتزامن هذه الحرائق التي تستهدف أملاك المواطنين في البحرين مع الحرائق التي نشبت في عدد من مرافق دولة قطر الشقيقة؟ بداية بمجمع «فيلاجيو» وانتهاء بمبنى قيد الإنشاء يوم أمس الأول؟ أتمنى أن تكون مجرد مصادفة لا علاقة لها أبداً بأي مخطط يستهدف أمن الخليج، أو يمهد لعمليات «نوعية» تضر بالبلاد. لكن في الوقت نفسه يظل الحذر واجب، وبالتأكيد فإن الجهات الأمنية في البحرين وقطر وباقي دول الخليج تملك من المعلومات والأدلة والقرائن ما يكفي لجعل نقاشنا للمسألة ها هنا لا يكتسب أهمية على المستوى الأمني، إلا أنه مهم جداٌّ على المستوى الشعبي.
في البحرين لم تعد حالات الحرق والتعدي على أملاك المواطنين غريبة، بل أجزم بأن الناس قد اعتادت مثل هذه الأعمال لأن المجتمع البحريني عرف العنف والتخريب على يد الجماعات الراديكالية منذ بداية ثمانينيات القرن الماضي. إلا أننا لا يمكننا بأي حال من الأحوال، سواء نظرنا إلى أعمال الحرق والتخريب في البحرين، أو الحرائق التي نشبت في قطر، أن نقرأ هذا المشهد ببساطة وبمعزل عن التهديدات التي تعرضت لها دول مجلس التعاون إجمالاً على لسان النظام السوري وقيادات حزب الله ومن خلفهما إيران. الرئيس السوري بنفسه نقل عنه أنه سيقوم «بإشعال المنطقة» بسبب الأزمة التي تعانيها بلاده، في محاولة لممارسة سياسة لي ذراع مع دول الخليج. أحد الضيوف «المجانين» الذين استضافتهم إحدى القنوات السورية قبل عدة أشهر، في جلسة «تشبيحية» تحليلية للوضع في الداخل السوري، طلب من إيران مباشرة وعبر التلفزيون العمل على إشعال الوضع في المملكة العربية السعودية وتحريك الخلايا النائمة في دول الخليج.
لسنا وحدنا في الخليج من يعاني الآن من أعمال التخريب، بل حتى تركيا، الجار اللصيق للنظام السوري، تعرضت في الآونة الأخيرة إلى سلسلة من التفجيرات والأعمال الإرهابية التي راح ضحيتها مواطنون أتراك، واكتشفت الاستخبارات التركية لاحقاً أن منفذي تلك العمليات قدموا أو تم دعمهم من سوريا. ومما لا شك فيه أبداً أن ما يحدث في لبنان الآن هو أيضاً من صنيعة النظام السوري وحلفائه.
أجهزة الاستخبارات في العادة لا تتكلم، بل تجمع المعلومات وتلتزم الصمت، وأحياناً تكون على علم تام بطبيعة نشاط معين يجري على أراضيها لكنها تغض الطرف عنه بغرض جمع المزيد من المعلومات والأدلة الدامغة التي تخدم تثبيت القضية بدل تضييعها وخسارتها، والثقة عالية جداٌّ في أن هذا الوضع ينطبق على أجهزة الاستخبارات الخليجية أيضا.

استبدال

إبراهيم الشيخ
لن أجزم، ولكن ما مرّ بنا العام الماضي من أحداث مؤلمة ومفجعة، أخرج لنا حراكاً سياسياً جديدا، أبطاله شخصيات مختلفة، الكثير منها غير معروف، ولكنّها قامت بأدوار كثيرة خلال تلك الفترة، عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة وغيرها.
تلك الأحداث كَشفت لنا أنّ الكثير من الوجوه السياسية الموجودة على السّاحة، سواء تلك التي تتبوّأ مناصب رسمية، أو تلك التي تتزعّم الحراك السياسي والحقوقي والإعلامي المدني، ليست مؤهّلة لأن تكون في تلك المواقع!
منهم الوزراء، ومنهم أعضاء في الشّورى، ومنهم النوّاب، ومنهم رؤساء الجمعيات السياسية، من كل التلاوين المذهبية والتوجّهات السياسية، جميعهم رسبوا في إثبات أحقّيتهم بتبوء تلك المناصب والمواقع.
وجدنا شخصيّات وطنيّة على تويتر، تقوم بأدوار وزارات كاملة في الدفاع عن البحرين وهويّتها وعروبتها. كما وجدنا شخصيّات سياسية كانت تعمل كالهواتف العمومية، لا تتحرّك إلا بعد أن تمتلئ بالمنافع المختلفة، ولك أن تبحث عن الأموال والأراضي والهبات، كما لك أن تبحث عن الشقق التي يمتلكونها في لندن وجنيف وواشنطن!!
الفكرة فيما سبق، أنّ البعض حوّل العمل السياسي إلى وسيلة للكسب غير المشروع، فهو مستعد لبيع المواقف، وبيع الضمير، وبيع الأخلاق، كما هو مستعدّ لأن يبيع الوطن بمن فيه، ولكن بشرط أن يتسلم!
كنّا نلوم «البعض الكثير» من رجال الدّين، الذين حوّلوا التديّن إلى «صنعة»، أصابتهم بتخمة مفرطة، وتطوّر أمر بعضهم إلى جعل الدّين أداة بيد المستبد، تلك «الصنعة» باتت «انترنشيونال»، يتقنها الكثيرون لأنّها مُربحة وإن كانت من السلاحت!
ما يحدث في مصر الحبيبة هذه الأيّام، يُثبت أنّ تحطيم أي شكل من أشكال الاستبداد والقهر، إذا لم يصاحبه تحطيم العقلية التي أنجبته، فإنّه سيعود ربّما أقوى من ذي قبل.
ما أريد قوله هنا، على الجماهير أن تعي أنّ أولئك المنتفعين سنّة وشيعة، كبُروا أم صغروا في المقام، لا يمكن لهم أن يتنازلوا عن نفوذهم ولا كراسيّهم، حتى لو كانوا متوّرطين ومدانين أخلاقياً وسياسياً وإنسانيا!
عجلة التغيير تبدأ من الأفراد، كما تبدأ من المبادرات الشجاعة التي تحطّم تلك الأصنام، لتودعها في المخازن!
الوطن بحاجة الى قيادات وطنيّة حقيقية، عنوانها الإخلاص والولاء الكامل لتراب هذه الأرض الطيّبة، تنطق الخليج العربي وتفخر به، ولا تتلعثم في ولائها وإيمانها بالاتحاد بين دوله.
هذا الكيان يستوعب كل الاختلافات الدينية والمذهبية والسياسية، بشرط أن تكون تلك الاختلافات تحت مظّلته، وليست عصا في يد الخارج، تُستخدم لضرب استقرار أوطاننا.
برودكاست: هل تظنّون أنّ الحرائق المتتالية في قطر، وحرق أكثر من ١٧ سيارة خلال ٧٢ ساعة في البحرين، كانت حوادث عابرة! ابحث عن المستفيد، وستجد الكثير من الإجابات المهمّة.
كلمة أخيرة: لا يمكن للمرء أن يشتري الأخلاق من السوق، أليس كذلك.

حسني مبارك.. دراما السياسة والحياة

السيد زهره
لم يكن من المفروض ان تكون هذه هي النهاية التي ينتهي اليها حسني مبارك.
حسني مبارك ابن قرية مصرية، ولد ونشأ وتربى كما يولد وينشأ ويتربى أبناء كل الأسر المصرية البسيطة.
وحسني مبارك تعلم في المدارس الحكومية المصرية، الى ان أصبح مقاتلا طيارا. شارك وقاتل في حروب دفاعا عن مصر، وعلم ودرب مئات - وربما - آلافا من الطيارين المصريين.
على الأقل بحكم هذه النشأة والتربية، وبحكم هذا الدور العسكري الوطني الذي لعبه، كان من المفروض ان تكون له نهاية مختلفة عن هذا.
ما الذي جرى كي تكون هذه هي نهايته؟.. كيف سارت به المقادير كي ينتهي به الأمر سجينا يحمل رقما وتلاحقه اللعنات، وحتى نياشينه واوسمته العسكرية تم تجريده منها؟
هي دراما السياسة والحياة والبشر.
لقد شاءت الاقدار ان يحصل مبارك على اكثر بكثير جدا مما كان يحلم به في حياته.. أصبح رئيسا لمصر، الدولة الكبرى العظيمة. وهو الذي كان يقول ان أقصى ما كان يحلم به هو ان يصبح رئيسا لشركة.
حين أصبح رئيسا كان هذا فوق ما يتصوره.
يحكي الدكتور يحيى الجمل في إحدى مقالاته قبل فترة ما جرى حين التقى مبارك في اجتماع عام في الأشهر الأولى لتوليه الرئاسة. يقول انه فوجئ بعد نهاية الاجتماع والرئيس يسلم عليه مودعا.. فوجئ بمبارك يردد بصوت عال: «وبقيت رئيس.. وبقيت رئيس»!
التاريخ، أو القدر ان شئت، يمنح لبعض الناس فرصا أسطورية في الحياة لم ترد لحظة بخيالهم. ومبارك واحد من الناس الذين حصلوا على هذه الفرصة الأسطورية.. أصبح رئيسا لمصر.
كل الذين عرفوه عن قرب في بداية حكمه يقولون انه لم يكن رئيسا سيئا.. كان يحب ان يسمع ويريد ان يفعل شيئا، ولم يكن فاسدا.
ما الذي جرى إذن لينتقل في سنوات حكمه من سيئ الى أسوأ؟.. ما الذي جرى كي يغرق نظامه في الفساد والاستبداد، وتغرق مصر معه في البؤس والشقاء، الى الحد الذي تتفجر فيه ثورة شعبية تطيح به، فينتهي هذه النهاية؟
الكثيرون يحلو لهم ان يقولوا انها السلطة.. السلطة مفسدة لمن يتولاها. لكن هذا قول غير صحيح أبدا على إطلاقه.
كثيرون جدا في العالم تولوا السلطة، وحاولوا إقامة العدل وبناء دول قوية .. أخطأوا أو أصابوا .. نجحوا أو فشلوا.. هذا ليس مهما.. كثيرون في العالم تولوا السلطة لكنهم لم يغرقوا في الفساد السياسي أو المالي.
جمال عبدالناصر مثلا حكم مصر وكان زعيما للأمة العربية كلها، لكنه حين رحل، لم يكن هو وأسرته يملكون شيئا تقريبا.
السلطة مفسدة لمن لديه الاستعداد الشخصي للفساد.. والسلطة مفسدة لمن ليس لديه ما يحصنه ضد الفساد. والحصانة ضد الفساد تأتي من الأسرة الصغيرة، وتأتي من البطانة المحيطة، وتأتي من المناخ العام وطبيعة النظام.
ولم يكن لدى مبارك أي من هذه الحصانات.
ابتلاه الله بأسرة صغيرة جشعة، جشعها للسلطة والمال لا حدود له.
بطانته كانت فاسدة سواء تمثلت في حزب حاكم أو مستشارين أو مقربين منه.
هو نفسه بعد فترة قصيرة من بداية حكمه اظهر استعدادا لا حدود له للفساد وللاستبداد.
ثقافته العامة لم تسعفه. لم يكن قارئا للتاريخ ولتاريخ مصر خصوصا.. لم يعرف أبدا قدر مصر ولا قدر شعب مصر.. ولم يعرف قيمة الموقع الذي وضعه فيه التاريخ والقدر.
وقبل هذا كله وبعده، كانت الطامة الكبرى ان النظام برمته الذي كان هو على رأسه، كان نظاما فاسدا من رأسه حتى قدميه، ولم يكن يقوم على أي مؤسسات أو يؤسس لأي آليات للحساب والعقاب لردع الفاسدين ولترشيد الحكم ومسيرة الحاكم والمسئول.
وليس في هذا كله ما يمكن ان يعفي مبارك من المسئولية أو يلتمس له أعذارا. هو الذي اختار هذا الطريق. وهو الذي اختار هذه الحياة. وهو الذي اختار هذا النوع من النظام. هو الذي اختار عن وعي وإدراك.
الله سبحانه تعالي يؤتي الملك من يشاء.. وينزع الملك ممن يشاء.
وحين يمنح سبحانه الملك يمنحه لحكمة.. وحين ينزعه ينزعه لحكمة.
وفي القلب من الحكمتين، اختبار لإرادة البشر، إرادة الحاكم.
ومبارك بارادته الحرة اختار هذه النهاية الدرامية.
وهي في كل الأحوال عظة وعبرة بطبيعة الحال لكل حاكم وكل من هو في موقع مسئولية في مصر وفي غير مصر.

التمييز ضد التابعين للخارج لا يعني التمييز ضد الطائفة أيا كانت

فوزية رشيد
لأن غالبية مطلقة من «الفئة الانقلابية» هي من طائفة واحدة بعينها.. فهل المنطق يبيح لنا مجرد التفكير في أن أي جناية أو جريمة أو مخالفة للقانون والدستور يرتكبها هؤلاء، وتواجه بالمحاسبة أو العقوبة القانونية، فان ذلك يعني تمييزا ضد الطائفة التي جاء منها هؤلاء، أو تعتبر خرقا للديمقراطية ولحرية التعبير كما يروّج الانقلابيون في خطاباتهم وعلى منابرهم ونموذجهم الديمقراطية الفوضوية؟ في مثل هذا الكلام شيء كبير من التغابي ومن استغباء العقول، فالجناية جناية والجريمة جريمة ومخالفة القانون أو الدستور لها أيضا عقوبات قانونية مشروعة، والأمر لا صلة له بالطائفة من جهة، مثلما لا صلة له بحرية التعبير أو الديمقراطية، والا أصبح قانون الغاب يحكمنا، ويصبح الاهمالان القانوني والدستوري ضد هؤلاء، اختراقا قانونيا ودستوريا بحد ذاته لحق الغالبية الشعبية من كل المكونات وحرياتها وتمييزا ضدها، فيما المنطق يقول ان يكون التمييز ضد من خالف القانون والدستور وضد من ارتكب الجنايات والجرائم باعتبارات انتهاكات واجبات المواطنة وليست باعتبارات طائفية.
ذات الشيء من وجوب التمييز الوطني ينطبق على من تآمر على وطنه، وعقد تحالفات خارجية، وتلقى دعما ماليا خارجيا، وتدرب مليشياويا في الخارج للقيام بأعمال عنف أو تخريب أو إرهاب، وقام بالولاء في كل ذلك لقوى إقليمية أو دولية طامعة في بلده ولديها مشاريع أو استراتيجيات أو غيرها وطالب بعدها بالحماية الدولية أو التدخل الخارجي، إلى جانب كل القائمة الطويلة من المخالفات القانونية والدستورية في الداخل، التي تحتاج لرصد آثارها المجتمعية والسيكولوجية والتربوية والاقتصادية إلى مجلدات، فكيف يتم اعتبار كل ذلك حرية تعبير؟
هل يدرك هؤلاء الذين لا وصف لهم، وحسب كل من يراقب أعمالهم وسلوكاتهم، غير وصف «الخيانة» بتدرجاتها حتى تصل إلى الخيانة العظمى للوطن؟ أي خروق يقومون بها؟
المسألة هنا وبكل بساطة ومن دون فذلكة أو تعقيد هي:
هناك مواطن صالح وولاؤه الكامل للوطن وحده، ويعمل بشكل حقيقي على تطوير البلد وتنميته، فتنفتح له الأبواب الوطنية تلقائيا، وله الحق في المطالبة بكل الحقوق والامتيازات (من هذا المنطلق الوطني ومنطلق المواطنة الصحيحة) ومن حقه أن يعرض رؤاه ووجهات نظره بما فيها السياسية أو الإصلاحية من دون أن يدعي أن رؤاه كفرد أو كفئة هي رؤى كامل الشعب، أو أنه يمثل الشعب، فذلك عين الديكتاتورية وعين الاستبداد وعين التسلط، وإذا كانت رؤاه أو أطروحاته (تخدم وظيفيا دولة خارجية) فذلك هو عين الخيانة للوطن، وعليه أن يتحمل في ذلك كل الإجراءات العقابية قانونيا ودستوريا ومجتمعيا من دون أن يخلط بينها وبين حرية التعبير أو الحقوق الديمقراطية، بل على الدولة أن تمارس التمييز ضده، لأنه لم يلتزم قانونيا أو دستوريا أيضا، بما يلتزم به الآخرون، وعليها أن تحرمه من حقوق المواطنة الطبيعية، لأنه باختصار تحوّل بذلك من مواطن صالح إلى مواطن طالح، ولاؤه لغير الوطن، ويعمل على نسف وتخريب كامل الحياة البحرينية، ثم ينتظر بكل سذاجة أن يتم التعامل معه على أساس أنه مواطن صالح وديمقراطي والا كان ذلك (تمييزا طائفيا) أو اختراقا لحقوقه الديمقراطية.
التمييز هنا على أساس المواطنة والوطنية ومدى صلاحهما أو فسادهما وليس من حق فرد أو فئة أو طائفة أن تستأثر لنفسها كامل الحرية تحت لافتة الديمقراطية المخادعة والكاذبة والمتلاعب بها لاختراق حقوق وحريات الآخرين ورؤاهم المختلفة وإلا أصبحت ديكتاتورية، وذلك التمييز ضد أمثال هؤلاء تحديدا ما يتم تطبيقه في كل دول العالم من دون استثناء، إلا في البحرين التي ترى «فئة انقلابية» عنيفة أن من حرية التعبير، تغيير النظام لتؤسس هي وحدها نظاما آخر بعينه تريده، وان من حرية التعبير القيام بممارسات العنف والإرهاب لتحقيق ذلك التغيير الثيوقراطي الذي تسعى إليه، فئة كهذه أو جماعة أو قيادات أو جمعيات سياسية كهذه لا حل لها إلا تفعيل بنود القانون والدستور في وجهها، لتلتزم بمسؤولية كل خروقها ضدهما، وضد الديمقراطية.
الغريب أن الدولة المتهمة منذ عقود بالتمييز الطائفي ظلما فيما هي ان ميزت أحيانا على استحياء فإنها تميز كغيرها من الدول بين حقوق المواطنة الصالحة والتقتير في إعطاء تلك الحقوق للمواطنة الطالحة أو الفاسدة، إلا أنه يتضح اليوم كم هي كدولة قد خضعت ولاتزال لابتزاز هؤلاء ولكذبهم، ولخلطهم للأوراق وهم يرفعون ملف التمييز على أساس طائفي في وجه الدولة، فإذا بأحداث فبراير ٢٠١١ تكشف النقيض أمام ذهول المكونات الأخرى، حيث اتضح أن كل الأبواب كانت مفتوحة لهم (للانقلابيين والطالحين)، ولنكتشف معا حجم التوغل والتغلغل الخطرين في كل المراكز ومنها مراكز حساسة، ومن خلالها تمكنوا أثناء الأحداث بمحاولات شل البلاد ومصالح العباد لولا لطف الله، وتطوع آلاف الشرفاء من المواطنين لسد «الثغرات الوظيفية» ونحن في عين الإعصار ورغم ذلك لاتزال هذه الفئة غير الوطنية بل العميلة للخارج تتاجر في ملف «التمييز الطائفي» حتى بعد جلاء الأمور، وحجم الامتيازات المختلفة التي استأثروا بها، وظائف وبعثات وغيرها مثلما هو الابتزاز وخلط الأوراق ساريا المفعول إلى الآن والأغرب أنه لايزال هناك في الدولة من يوليهم الآذان الصاغية، فيما الشرفاء أو أصحاب المواطنة الصالحة يصرخون ليل نهار: يا عجبي، وإلى متى الاستغفال.

الرئيس السوري وشماعة الإرهاب

بثينة خليفة قاسم
منذ أن اندلعت الثورة السورية قبل أكثر من عام وسقط الآلاف من القتلى والجرحى والرئيس بشار الأسد يرد بنفس الحجة كلما وقعت مذبحة مريعة لأبناء الشعب السوري الصامد.
هذه الحجة هي أن الإرهاب هو الذي يقتل السوريين وأن أعداء الشعب السوري هم الذين يرتكبون هذه المذابح وهم الذين يرتكبون كل هذا العنف الذي يجري في المدن السورية.
وسمعناه وهو يعلق على حادثة الحولة التي يندى لها الجبين حياء بسبب الأطفال الأبرياء الذين قتلوا بلا ذنب.
ونحن لا نكذب الرئيس الأسد فيما قال، فلا شك أن هناك طرفا ثالثا بالفعل يضمر الشر لسوريا وأهلها ويسعى لتفتيتها وضربها بالحرب الأهلية والطائفية المقيتة، وينفذ عمليات إرهابية حقيرة في وسط هذا الزحام ليزيد النار اشتعالا ويسعى لتوجيه الأحداث إلى وجهة معينة، بالضبط كما كان يفعل حزب الله وإيران في مصر خلال أحداث ثورة يناير 2011، حيث اقتحم عملاء لهما السجون المصرية وأخرجوا المسجونين التابعين لحزب الله الذين كانوا يقضون العقوبة في السجون المصرية بسبب قضية خلية حزب الله التي كانت تخطط لأعمال إرهابية في مصر، إلى جانب قيام عملائهما أيضا بالمشاركة في قتل المتظاهرين المصريين في ميدان التحرير وفي غيره من الميادين.
ولكن هل كل السوريين الذين سقطوا تم قتلهم بواسطة هذا الطرف الثالث أو الإرهاب كما يقول الرئيس بشار؟ أم أن هذه مغالطة ومحاولة يائسة لاستخدام نظرية المؤامرة كمخرج أو مبرر وحيد لما تم ارتكابه من جرائم ضد هذا الشعب الجريح؟
هل كان الجيش السوري على مدار العام الماضي يقوم بحماية الثوار السوريين أو يلقي على رؤوسهم باقات الورود؟
حتى لو ألغينا عقولنا لبعض الوقت وصدقنا التبرير الذي دأب الرئيس السوري وإعلامه على ترديده حول الإرهاب الذي يحصد أرواح السوريين، فهل هذا يعطي البراءة للرئيس السوري ونظامه ورجال جيشه من هذه الدماء الزكية؟
الاجابة لا وألف لا، فالجيش السوري والشرطة السورية مهمتهم حماية السوريين من أي خطر يتعرضون إليه، سواء كان هذا الخطر من الإرهاب أو من غيره، وإذا كان الإرهاب قد قتل هذه الآلاف من السوريين خلال عام مضى، فما فائدة جحافل الجيش والشرطة إن هي عجزت عن حماية الشعب، ولماذا يأكلون ويشربون ويتسلحون من أموال هذا الشعب؟
ألا يعلم الرئيس الأسد أن الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك حكم عليه بالمؤبد خمسة وعشرين عاما هو ووزير داخليته حبيب العادلي لأنه لم يقم بحماية الثوار؟
القاضي الذي أصدر الحكم على مبارك لم يجد دليلا على قيامه بإصدار أوامره بقتل الثوار، ومع ذلك لم يحكم ببراءته، لأنه مسؤول بحكم موقعه كرئيس للدولة عن حياة هؤلاء الناس حتى إن كانوا في حالة تظاهر ضده.

اتحاد واحد للعمال أم اتحادان

أحمد سند البنعلي
لم أكن أتوقع كل تلك الحقائق التي أوردها نقيب عمال ألبا علي البنعلي في ندوته التي أقامتها جمعية الوسط العربي يوم الثلاثاء الماضي مما جعلني أشعر بنوع من الفراغ المعرفي في ما يتعلق بواقع الحركة العمالية في البحرين خصوصا تلك الأرقام التي أوردها عن واقع الجمعيات العمومية في بعض النقابات وبالذات تلك التي ساهمت في أحداث المملكة الأخيرة وكيف تم استغلال القانون الحالي للولوج إلى قلب الحركة العمالية وتسييسها ودفعها دفعا لاتخاذ مواقف يمكن أن تكون مناقضة لما تريده الحركة العمالية في واقعها.
غريب أن تتحكم بعض النقابات في مصير المنتمين إليها واقعا عن طريق قلة ضئيلة من المنتمين لمهنتها كما حدث في نقابة المعلمين ونقابة الممرضين (فقط على سبيل المثال لا الحصر) عن طريق عدد لا يتجاوز الأربعين فردا من أعضاء الجمعية العمومية في حين أن عدد المعلمين وعدد الممرضين يعد بالآلاف، أي أن أقل من أربعين عضوا يمكن أن يعقدوا اجتماعا لجمعية عمومية وينتخبون مجلس إدارة يشارك في تقرير مصير النقابة ويحول مسيرتها لخدمة هدف سياسي بعيد عن الحركة العمالية ومطالب العمال في غيبة جسم النقابة الحقيقي المتمثل في الكتلة الحقيقية للنقابة.
ليس ذلك فقط بل ما فهمناه من خلال طرح النقيب البنعلي أن الاتحاد الحالي لعمال البحرين يحاصر النقابات الفعلية والممثل الأكبر لعمال البحرين عن طريق عدد من النقابات الصغيرة التي يتم إنشاؤها فقط من اجل الجمعية العمومية التي تحدد الأمانة العامة للاتحاد بسبب عدم التناسب بين عدد المنتمين لكل نقابة على حدة وعدد ممثليها في المؤتمر العام، فعلى سبيل المثال وكما قال البنعلي فإن نقابة ألبا التي تضم أكثر من ثلاثة آلاف عضو تمثل بأحد عشر ممثلا في المؤتمر في حين أن عشر نقابات لا يصل عدد أعضائها إلى نصف عمال ألبا تمثل مجتمعة ما بقارب من خمسين فردا، مما يعني أن الاتحاد الحالي يقوم بإنشاء نقابات في مواقع صغيرة فقط من اجل المؤتمر العام ولكي يهيمن على الاتحاد ثم تنتهي تلك النقابات بمجرد انتهاء المؤتمر وتظل الأمانة الحالية والنقيب الحالي مهيمنين على مسيرة الاتحاد بهذه الطريقة.
ليس ذلك فقط بل يصر الاتحاد الحالي على أن يضم الحركة العمالية البحرينية إلى اتحاد عالمي لا يمثل الحركة العمالية العالمية تمثيلا واقعيا ويمالئ الحركة الصهيونية ويجلس أعضاء من الأمانة العامة الحالية مع من يمثل عمال المستوطنات المقامة في فلسطين من الصهاينة وعلى حساب الشعب الفلسطيني، أي أن الأمانة الحالية للاتحاد تعترف بالكيان الصهيوني وبصورة غير مباشرة في تناقض بين القول والفعل... فهل هذا اتحاد للعمال أم اتحاد للعمالة؟ مجرد سؤال، وهل الدعوات التي وردت من الأمانة الحالية بشأن الدخول في إضرابات عمالية أثناء الأزمة الأخيرة هي دعوات ممثلة للحركة العمالية فعلا أم انها ممثلة لجزء يسير من تلك الحركة؟ مجرد سؤال كذلك.
تلك المعلومات الغريبة التي وردت على لسان نقيب ألبا تدعو فعلا للتفكير الذي يسري في قلب الكثير من النقابات كنقابة ألبا والمصرفيين وباس وغيرها من النقابات التي تمثل الصناعة الأساسية في البلاد، تدعوهم فعلا للتفكير الجاد في تشكيل اتحاد عام جديد للعمال وتعديل نصوص النظام الأساسي له ليكون ممثلا حقيقيا للحركة العمالية البحرينية وليس لفئة واحدة من جسم الحركة، أي تشكيل اتحاد وطني وليس فئوي.

رسالة إلى الرئيس سليمان

راجح الخوري
تقول يا فخامة الرئيس ان "المطلوب منا استعادة تقاليد الحوار من دون عقد وخلفيات وشروط"، ولكنك تعلم ان استعادة هذه التقاليد وسط حال الانقسام في لبنان تتطلب من الوقت ما يمكن ان يستهلك ما بقي من عهدك وكل العهد الذي سيأتي من بعدك.
انت تعرف ان هناك شرخاً عمودياً يضرب المستوى السياسي ويتفشى افقياً على مستوى الطوائف والمذاهب، وخصوصاً ان لبنان بات ساحة رديفة تتصل بالنار السورية، فهل تظن فخامتك ان المتحاورين سيضعون هذه "العقد والخلفيات والشروط" عند الباب ويدخلون اليك بأجنحة الملائكة وعقول المرسلين، ام انك تأمل بما هو اكثر اهمية من الصورة تنزل برداً وسلاماً على الناس ولو "شبّه لهم"، وهو ما لا نصدق انك به تأمل!
فخامة الرئيس، لن اكرر ما تكرر دائماً في الاشارة الى قرارات الحوار التي بقيت حبراً على ورق تماماً كما تبقى نصوص من الدستور، ولكنني وقد قرأت كلامك عن "تطوير النظام والتغيير من ضمن الدستور ووثيقة الوفاق الوطني... من دون التورط في ازمات جديدة اوتعديلات في اساسيات ميثاق العيش المشترك وتوازنات النظام"، فإنني اسمح لنفسي بأن اطرح عليك سؤالاً افتراضياً تمليه تحديداً دعوة السيد حسن نصر الله الى عقد "مؤتمر وطني تأسيسي" وقد جاءت كاستطراد لدعوتك الى الحوار:
ماذا تفعل ويفعل المتحاورون اذا وصل السيد حسن او من يمثله ليضع امامكم المعادلة الآتية: نعطيكم السلاح بما يطمئن اللبنانيين الخائفين منه في مقابل اعطائنا ما يطمئننا بجعل المثالثة في الدستور بدلاً من المناصفة؟
في نظر البعض ربما يكون من مصلحة الحزب امام التطورات السورية الشديدة التأثير على حساباته المستقبلية، ان يسعى الى مقايضة مرحلية السلاح بديمومة الدستور، وخصوصاً الآن، فالمنطقة في مرحلة المخاوف الكبيرة من انفجار يقلب موازين القوى والحسابات الاستراتيجية ويمتد الى لبنان وهو ما يخشاه المسيحيون والسنّة والشيعة وحتى الدول العربية والغربية، التي تشجع الحوار وتحضّ عليه من دون ان تتنبه الى ما يمكن ان يقود اليه هذا الحوار، في ظل الدعوة الى مؤتمر تأسيسي!
طبعاً يرى البعض يا فخامة الرئيس ان "حزب الله" لا ولن يقايض إطلاقاً سلاحه بالمثالثة او بغيرها، ولكن مع تغيّر التوازنات الاستراتيجية في المنطقة، قد يكون هذا هو الوقت الأنسب لمقايضة الاطمئنان الى السلاح بالاطمئنان الى تكريس الثلث المعطل في الدستور.
فخامة الرئيس، تنقصني فضيلة ان اكون مسلماً يكتب هذه الكلمات وقد استذكرت قول الرئيس الشهيد رفيق الحريري: "لو بقي مسيحي واحد في لبنان فيجب ان تكون له المناصفة من اجل لبنان ومعناه ورسالته ومن اجل مسلميه قبل مسيحييه"... فليكن الحوار لكن تأسيس الدساتير لا يتم في ارض الهزات ولا على حافة البراكين.

لا جدوى من طرح سلاح.. حزب الله.. حالياً حوار ما بعد الأزمة السوريّة غير ما قبلها

روزانا بومنصف
هل الحوار بعد انطلاق الازمة السورية وتطورها هو غيره ما قبلها، بحيث يمكن التعويل على نتائج مختلفة؟
لا احد يعتقد بذلك. اذ يبدو لكثير من المراقبين ان الحوار الذي دعا اليه رئيس الجمهورية ميشال سليمان لا يحتمل حتى جدول الاعمال الذي حدده على الاقل والمتعلق بموضوع السلاح. فهناك معطيان اساسيان لا يمكن الحوار اللبناني ان يؤدي الى أي نتيجة في ظل عدم اتضاحهما، بغضّ النظر عن مواقف الافرقاء الداخليين وما اذا كانت تساهم في تزخيم الحوار ام لا. المعطى الاول هو ذلك المتصل بالمفاوضات الغربية للدول الخمس الكبرى زائد المانيا مع ايران حول سعيها الى حل لملف السلاح النووي. اذ سيكون من الصعب طرح موضوع السلاح في لبنان وارتباطه بـ"حزب الله" على بساط البحث قبل بلورة نتائج الاتصالات والمفاوضات الغربية الايرانية، لان اتفاقا محتملا بين ايران والغرب عموما او بين ايران والولايات المتحدة خصوصا يمكن ان يؤدي بسهولة الى ازالة المبررات وراء ضخ ايران السلاح الى لبنان، او ان يفقد هذا السلاح جدواه. وهذه المسألة هي راهنا على النار بغض النظر عما اذا كانت المفاوضات المتجددة، والتي عقدت جلستان منها احداهما في اسطنبول ثم في بغداد، ستؤدي الى أي نتيجة، كما انها مرتبطة بموضوع الاستهداف الاسرائيلي للمنشآت النووية الايرانية الذي يظل خطرا محتملا من الصعب على ضوئه وضع مناقشة سلاح الحزب على طاولة البحث من ضمن استراتيجية دفاعية او سواها من التسميات. وهذا الامر يعرفه كل طرف من دون أي لبس او غموض.
المعطى الاخر يتعلق بالاتصالات الدولية الجارية حول الوضع السوري والتي تحركت بقوة على اثر مجزرة الحولة وزيارة المبعوث المشترك للامم المتحدة والجامعة العربية كوفي انان الى دمشق واعلانه ان خطته لم تنفذ، محذّرا من مخاطر حرب اهلية في سوريا. ويصعب في ظل المفاوضات الدولية ليس على بقاء الرئيس السوري او عدم بقائه حيث إن البحث لا يجري كما ساد  انطباع لدى انطلاق الانتفاضة السورية حول انهيار النظام واستبداله بواحد آخر، بل يجري على مواقع ومصالح ومكاسب، يصعب على الاطراف الاقليميين كايران مثلا التي تدافع عن نفوذها في سوريا وتحصيل مكاسب او على اطراف محليين، مناقشة موضوع السلاح في ظل عدم اتضاح صورة التفاوض الدولي على الوضع السوري. وقد يسفر هذا التفاوض عن مكاسب لا تسمح بالتفريط ببعض امتداداتها في لبنان والعكس صحيح بحيث ان أي تغيير جذري في سوريا قد يعزز اوراق افرقاء بحيث لا يمكنهم من قبول المساومة على ما يطلبونه. فضلا عن ان هذين المعطيين قد يكونان مرتبطين في شكل او في اخر، بحيث ان التفاوض على الوضع السوري بين تيارين دوليين فتجد ايران نفسها في موقع واحد مع روسيا والصين في الموضوع السوري والدفاع عن النظام كما في الموقع نفسه تقريبا حول سلاحها النووي بحيث ان التسوية على هذا الاخير قد يسير في موازاة الحصول على مكاسب او نفوذ في سوريا مستقبلا.
وهناك من يعتقد ان "حزب الله" قد يكون اجرى حسابات في ضوء هذين الملفين بما قاده الى طاولة الحوار مجددا حول عنوان السلاح، لكن هذا المنطق لا يجد مؤيدين كثيرين له بل على العكس من ذلك، نتيجة المواقف الاخيرة لمسؤولي "حزب الله" التي لم يجف حبرها بعد حول التأكيد على عدم امكان المساس بالسلاح. لكن الحزب يسعى الى ان يظهر في موقع المسؤول في الدولة واستعداده للمحافظة على الاستقرار امام الخارج كما امام الداخل من دون ان يعني ذلك تنازله عن مواقفه. وهذا يسري على اقتراح عقد مؤتمر تأسيسي جديد للدولة في لبنان على اساس عقد اجتماعي جديد وفق ما اقترحه الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله اخيرا بحيث لا يعتقد انه يمكن ان يكون بوابة عبور الى الحوار بين الافرقاء اللبنانيين. فهناك من يعتبر ان هذه المسألة هي بدورها ملهاة جديدة للاخذ والرد كما كان موضوع البحث في استراتيجية دفاعية قبل عامين بحيث تغرق الطبقة السياسية في نقاش لا جدوى منه حول امور لا مجال لها في الوقت الراهن بأي شكل من الاشكال فيظهر المسؤولون اللبنانيون انشغالا بأمور جدية وجوهرية في حين ان كل المسألة ان هناك محاولة لتخفيف التوتر وتنظيم الخلاف الداخلي في الحد الادنى كما هي حال الاتفاق مثلا على تأمين الغطاء السياسي للجيش اللبناني للدخول الى طرابلس وفك الاشتباكات هناك بما يعني موافقة "حزب الله" الذي يمون على الطرف الموالي لسوريا في مقابل مونة الاطراف الاخرين على خصومه. وثمة من يعتقد ان هذه الرمية المتعلقة بالدعوة الى عقد اجتماعي جديد قد لا تكون موفقة تماما في هذا التوقيت وفي ظل عدم اتضاح الوضع السوري لاعتبارات عدة لكن قد يكون ابرزها ما يتعلق بالطرف المسيحي الحليف للحزب لجهة ظهور الاخير في موقع الساعي الى مكاسب له عبر المثالثة او ما شابه في مقابل تقليص حصة المسيحيين في السلطة في هذا الوقت بالذات.

صراع الأمم على سوريا ٢٠١٢

علي حماده
فيما كانت جميع الجلسات النقاشية التي حفل بها "مؤتمر الشرق اوسط، شمال افريقيا واوراسيا" الذي نظمه "المنتدى الاقتصادي العالمي" في مدينة اسطنبول في اليومين الماضيين، والتي ركزت على التحولات الجيو- سياسية في المنطقة في ضوء الربيع العربي، تولي الازمة السورية مكانة الصدارة، كان وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو يستضيف في اسطنبول نفسها مؤتمرا دوليا تحت عنوان "مكافحة الارهاب" ويشارك فيه رؤساء حكومات ووزراء خارجية عرب واوروبيون بالاضافة الى وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون والى جانبهم مسؤولو 29 دولة. وقال لي صحافي اميركي كبير كتب مؤخرا عن الازمة السورية في احدى كبريات الصحف الاميركية، انه وفقا لمعلوماته، فإن المؤتمر المذكور سيشهد على هامشه لقاءات عربية اوروبية اميركية ستركز على الوضع السوري. اضاف محدثي، انه شعر بأن المؤتمر برمته يدور في روحه حول سوريا، او بمعنى آخر الصراع الدولي على سوريا! فالاتصالات الخلفية بين الاميركيين والروس والاوروبيين والعرب قائمة على قدم وساق، في ما يبدو انه تحضير لصفقة دولية كبرى يجري عقدها بين كل الجهات المعنية، وكلها تدور حول مرحلة ما بعد النظام. وفي الاثناء تبقى المعركة على الارض مستعرة بعدما اغرق بشار الاسد نفسه ونظامه في بحر من دماء السوريين.
تزامناً مع المؤتمر الدولي لمكافحة الارهاب في اسطنبول، كان ديبلوماسي تركي يشير الي بمتابعة جولة وزيرة الخارجية الاميركية على كل من جورجيا وارمينيا واذربيجان، وعدم استبعاد ان تكون جزءا من "كونشيرتو" الامم التي تجمع اوراقها لتحسين مواقعها في المعطى السوري المستقبلي. وجولة كلينتون تزعج موسكو التي تعتبر الجمهوريات الثلاث السوفياتية سابقا، واقعة في نطاق حديقة روسيا الخلفية. وفي المقابل كانت متابعة لزيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لبكين، تقابلها زيارة وزير الدفاع اميركي ليون بانيتا لنيودلهي تحت عنوان تعزيز التعاون العسكري بين البلدين. كل هذا يحدث وسوريا تتحول بسرعة هائلة الى مسرح حرب مفتوحة بين النظام والثوار في الداخل، وعلى مستوى آخر، فإنها تتحول الى مسرح لحرب باردة جديدة بين محورَي "موسكو – بكين" من جهة والغرب وعرب الخليج من جهة اخرى.
انه الانزلاق المتسارع الخطى نحو مزيد من القتل والتدمير، والنظام في سوريا يرفض النظر في المعطى الداخلي الاساسي الذي يمثل الرافعة الاولى لتدخل العالم كله في سوريا.
على صعيد آخر، تتقاطع المعلومات التي تؤكد ان الجيش الحر يتلقى اسلحة نوعية بوتيرة اسرع، مما يفسر الخسائر المرتفعة لجيش النظام في العديد من المناطق السورية.
في الخلاصة، نقول ان بشار، بالسلوك المافيوي التي مارسه منذ بدء الازمة، اوصل الى طرح سوريا على مائدة الكبار، وصار جزءا من الماضي.

العقل العربي وثقافة الديموقراطية

علي سعد الموسى
إذا ما أردت أن تكشف عورات العقل العربي مع – ثقافة الديموقراطية – فانظر لما يحصل في ألبوم الصور للشقيقة مصر. في الجولة الأولى، حصل مرشح اسمه – خالد علي – على فراطة 134 ألف صوت من بين أربعة وعشرين مليون مقترع، وهذا يعني أنه حصد صوتاً واحداً من بين كل مئتي صوت، ومع كل هذه الخسارة الفادحة عاد خالد علي ليقود الجماهير في ميدان التحرير ثم يعلن أمام الآلاف أنه سيعلن من الميدان، وغداً الجمعة، مجلساً رئاسياً (لأنه مطلب الثورة الثاني، بعد الأول وهو إلغاء جولة الإعادة). وبجوار خالد علي في المنصة وقف حمدين صباحي وعبدالمنعم أبوالفتوح، وهو الثلاثي الخاسر في اقتراع حر نزيه كان فيه الصندوق هو الحكم من حلايب حتى دمياط. من المخجل للعقل العربي أن تبلع قامات مثل صباحي وأبوالفتوح موقفيهما قبل الجولة الأولى وأن يكون – الميدان – هو الصندوق الذي اختصر فيه عشرات الآلاف أصوات عشرات الملايين.. هذا هو عقل العربي مع ثقافة الديموقراطية. إن لم تفز بشرعية الصندوق فإن الشوارع هي الحل.
مشكلة العربي مع ثقافة الديموقراطية لها جانبان: جيني بيولوجي وآخر تربوي. أما الجيني البيولوجي فلأنه ممتلئ بهرمونات عاطفية تدفعه لأن يكون غوغائياً وساخناً شديد الارتباك مثلما هو اندفاعي في ردة فعله التي تفتقد لأبسط مقومات تحكيم العقل. العربي بحاجة إلى علماء نفس وإلى أبحاث هائلة في – البيوكمستري – لضبط جينات وكروموزمات هندسته الوراثية. وفي الجانب التربوي، وإذا كانت النخب العليا بهذه المواقف المخجلة في القبول بنتاج الصندوق، فما بالك بالعوام وسائر الطبقات العادية؟ مازال العربي بالبرهان في مرحلة الروضة لكنهم يستعيرون نماذج الديموقراطية التي وصلت فيها شعوب إلى ما بعد – دكتوراة – الديموقراطية.. يقرأ ما بعد دكتوراة الآخرين وهو مازال بالبرهان في الروضة. الديموقراطية تدريب وتأهيل وتعليم وممارسة. ومن العار بمكان لإنحطاط العقل العربي أن يقود الجماهير مرشح ثانوي هامشي مغمور، مثل خالد علي، وأن يصادر الصندوق ليعلن مع الخاسرين الآخرين مجلسهم الرئاسي. في فرنسا، خسر ساركوزي أمام هولاند بفارق نقطة مئوية واحدة. وفي اليوم التالي دعاه إلى الإليزيه وأفطرا معاً على فاتورة كانت تكلفتها 85 يورو ثم سلمه – رمزياً – ثلاثين مفتاحاً لغرف قصر الرئاسة. وبعد الإفطار خرج ساركوزي من باب جانبي ببدلة رياضية ثم ذهب للجري في غابة – بولونيا – على أطراف شمال باريس وفي نهاية الغابة واجه عشرات الصحفيين ولم يقل لهم سوى جملة واحدة: شكراً هولاند لقد افتقدت الغابة لخمس سنين. كم هي المسافة شاسعة واسعة ما بين عقلين حتى وهما يتمتعان بذات المستوى النظري من الحرية.

روسيا والصين.. إنه الإصرار على بقاء الأسد

الوطن أون لاين
البيان المشترك الصادر عن روسيا والصين، عقب المحادثات بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والزعماء الصينيين أمس، يشكل حلقة جديدة في مسلسل إطالة أمد الأزمة السورية، وهو استمرار لاستخدامهما حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، واتباعهما وسائل سياسية أخرى لحماية نظام الأسد الذي يبدو أنه يمنح روسيا موطئ قدم في الشرق الأوسط، وربما كان السوق الأهم للأسلحة الروسية.
التاريخ سيذكر الفيتو الثنائي المشهور بوصفه صخرة في طريق الحسم، أو بوصفه سكينا أسهمت في قتل المزيد من النساء والأطفال، وأدخلت إلى تاريخ الأزمة السورية ما بات يُعرف بالمذابح، لأنه كان من الممكن تلافي الكثير من المآسي الإنسانية، في حال وجود حزم دولي بقرار هو أقوى بكثير من البيانات والمواقف السياسية.
الأخطر من مضامين البيان المشابهة ـ في بعض أجزائها ـ لخطاب الأسد الأخير، هو ما صرح به وزير الخارجية الروسي لافروف، حين قال: "نعتقد أن من الضروري عقد اجتماع لدول لها تأثير حقيقي على جماعات المعارضة المختلفة.. وعددها ليس بالكبير"، وكأن التأثير المطلوب يتحتم أن يكون على جماعات المعارضة السورية، وليس على النظام السوري، وهو تصريح يشي بالرغبة في حماية النظام القائم في سورية، من خلال إقناع أقطاب المعارضة بالتخلي عن مطالب الشعب السوري، وهو التفسير الأوضح لفكرة حل الأزمة من خلال الحوار السياسي بين جميع أطراف النزاع، كما ورد في البيان.
الروس يعلمون أنه لا يمكن تطبيق خطة عنان، في ظل تردّي الأوضاع على الأرض، فضلا عن انتقال الأحداث إلى الحدود اللبنانية، لكنهم يرون في الخطة مكاسب زمنية لنظام الأسد، ولذا يصرون على دعمها، رغم أنها ميتة قبل الولادة، وهو ما يفسر وقوف روسيا في وجه مجموعة أصدقاء سورية، ووصفها بـ"المجموعة المدمرة التي يمكن أن تقوض جهود عنان لإحلال السلام، والسبب الحقيقي في هذا الموقف المضاد لمجموعة أصدقاء سورية، هو أنها لا تؤيد النظام السوري في إراقته للدماء.

يا أبناء مصر لا تستهينوا بمصر

أنس زاهد
عندما أطلق وزير الخارجية الأسبق وأمين عام الجامعة العربية السابق «عمرو موسى» حملته الانتخابية، كان يحاول إقناع الشارع المصري بقدرته على إنعاش الاقتصاد عبر رؤية تعتمد في مجملها على قدرته على جلب أكبر قدر ممكن من المعونات والهبات والاستثمارات لمصر، انطلاقاً من علاقاته المتميزة إقليميا ودوليا.
ورغم أن موسى أصبح الآن خارج السباق الرئاسي رسمياً، إلا أن طرحه آنف الذكر ما زال يجذب قطاعا من الناس. الخلل في هذا الطرح يكمن في أنه يحتوي على استهانة بمصر وقدراتها، ويعكس في نفس الوقت، عدم إدراك لمقومات الثراء والرخاء المتوفرة في هذا البلد المتميز على مختلف الأصعدة.
مشكلة مصر ليست في قلة الموارد الطبيعية أو حتى في الكثافة السكانية. مصر لديها موارد كثيرة تكفيها وتفيض عن حاجتها، ومصر لا تعاني من مشكلة كثافة سكانية إذا ما قسنا عدد السكان على حجم مساحتها الذي يستوعب على الأقل ضعف عدد السكان الموجود حاليا.
مشكلة مصر تكمن في سوء الإدارة وسوء التخطيط، وهاتان المشكلتان تسبب في وجودهما الفساد الذي تحول من ظاهرة إلى ثقافة ومن ثم إلى مؤسسة قد تكون الأضخم بين كل المؤسسات الفاعلة في حياة الناس.
مصر تمتلك الموارد الطبيعية المتنوعة، وأكثر من ذلك فهي تمتلك أهم وأخطر مورد طبيعي يمكن أن يمتلكه بلد ما: الإنسان. فتش في موقع غوغل عن الخبراء والعلماء المصريين المنتشرين في كل أنحاء العالم، وستعرف أن الهبات وفلسفة (عشانا عليك يا رب) لن تنتشل بلداً عظيماً كمصر، من محنته. ولعل ما فعله الرئيس الأسبق السادات من الاستعانة بصندوق النقد الدولي والاعتماد على المعونة الأمريكية، هو خير دليل على ذلك.
صحيح أن تراجع مستوى التعليم وعدم قدرته على مواكبة تطورات العصر وعجزه عن تلبية احتياجات البلاد، أدى إلى عدم قدرة مؤسسة التعليم على تخريج أجيال مؤهلة وقادرة على انتشال الاقتصاد المصري من محنته، لكن إصلاح التعليم بالإضافة إلى الاستعانة بالأدمغة المصرية المهاجرة، سيضمنان الوصول إلى نهضة اقتصادية حقيقية بعيداً عن المشاريع الريعية كبناء القرى السياحية والمراكز التجارية والفنادق ذات الخمس نجوم، ودون الحاجة إلى الهبات.
لا تستهينوا بمصر.

نهاية المطاف

جريدة المدينة
يبدو أن الرئيس بشار الأسد لا يزال يجهل حتى الآن أن إرادة شعبه وإصراره على نيل حريته وحقوقه وكرامته الإنسانية أمر لا يقبل المساومة، وغير قابل للتراجع مهما كان الثمن. وإذا كانت هناك بعض الأطراف الدولية ساهمت -بشكل أو بآخر- في المزيد من معاناة، وآلام الشعب السوري مبتعدة بهذه المواقف عن الإجماع الدولي، وعن القيم الإنسانية، وأساسيات القانون الدولي، ومبادئ حقوق الإنسان، فإنه آن الأوان لتلك القوى أن تستيقظ ضمائرها، وتكفّر عن أخطائها التي ارتكبتها في حق هذا الشعب المكلوم، سواءً باستخدام الفيتو في مجلس الأمن الدولي؛ للحيلولة دون إدانة هذا النظام، والجرائم التي ارتكبها في حق شعبه، أو من خلال تزويده بالأسلحة التي تستخدم في قمع هذا الشعب، أو بوسائل أخرى.
ما يدعو إلى الاستغراب أن الدعم الذي ظلت تقدمه موسكو لنظام الأسد منذ اندلاع الأزمة السورية يتناقض مع مصلحتها، ويسيء إلى علاقتها مع دول مجلس التعاون الخليجية، وعلى الأخص المملكة، إلى جانب أن هكذا موقف يبدو كمن يراهن على حصان خاسر، خاصة بعد أن نفد صبر المجتمع الدولي من فظاعة إرهاب الدولة الذي يمارسه النظام السوري والذي اعتبرت مذبحة الحولة الأخيرة التي صدمت مشاعر العالم كله، عندما قامت قوات الشبيحة الموالية للنظام بذبح الأطفال الأبرياء بدم بارد، وأيضًا بعد أن أصبح المجتمع الدولي يقترب من الإجماع حول قرار من مجلس الأمن تحت البند السابع، وهو ما أكده سمو وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل خلال مؤتمره الصحفي في ختام اجتماع المجلس الوزاري الخليجي أمس الأول بتوجيه الدعوة إلى موسكو لإعادة تقييم سياستها في المنطقة، وأن موقفها في مجلس الأمن "لا مبرر له".
الموقف الروسي الجديد المتمثل في تصريح نائب وزير الخارجية الروسي بأن موسكو لا تعتبر بقاء الأسد في السلطة شرطًا مسبقًا لتسوية النزاع، والمتمثل أيضًا فيما نشرته صحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية نقلاً عن مصدر في وزارة الدفاع الروسية عن احتمال مشاركة قوات روسية في عمليات حفظ السلام في سورية لحماية المدنيين. هذا الموقف يعتبر مؤشر إيجابي على تغير في الموقف الروسي تجاه النظام السوري بما يعجل ببدء العد العكسي لنهاية هذا النظام.

لماذا انحاز الروس والصينيون لنظام الأسد

يوسف الكويليت
يفسر البعض أن تأييد روسيا للأسد، وانحيازها ضد شعبه أن مصالح اقتصادية كبيرة وعسكرية تربط البلدين، وخاصة في مجالات استخراج النفط، وبعض الصناعات العسكرية، وجانب استراتيجي فهي تملك قاعدة بحرية وحيدة في كل المنطقة، وأن الدول العربية الأخرى لم تذهب لها لتكون بنفس المركز والمبادلات الاقتصادية مع أمريكا ودول أوروبا بالعلاقات المختلفة، وبالتالي فتمسكها بسوريا يأتي لهذه الأسباب..
هذا التحليل تبسيطي لا يرقى لحقيقة ما ترمي إليه روسيا، فقد خرجت من الاتحاد السوفييتي مثقلة بهمومها بما في ذلك عجزها عن تحديث أنظمتها، وسوء الإدارة التي أبعدت دولا ذات قوة اقتصادية هائلة، وكذلك الفساد، وعدم وجود ضمانات مما أبعد عنها الشركات الكبرى، وكذلك المصارف، وإلا فالاستثمار الاقتصادي يبحث عن المنافذ التي يصل لها ضمن ضوابط وقوانين تحمي مصالح كل الأطراف، والدليل أن الدول التي خرجت من العباءة السوفييتية بادر بعضها دخول الاتحاد الأوروبي ضمن تحديث للقوانين ونجاح مالي واقتصادي، وأخرى استطاعت استغلال إمكاناتها بالبحث عن شركاء يلبون احتياجاتها، وعلى عكس روسيا ذات الإمكانات الهائلة، والتي حتى الآن، وفي آخر جولة (لبوتن) في أوروبا ذهب ليبحث هذه القضايا، وتسهيل دخول مواطنيه بدون تعقيدات إلى دول الأطلسي، لكن حقيقة تقاربها مع سوريا محاولة خلق توازن مع الغرب، وسوريا موقع مثالي لإطلالتها على البحر الأبيض المتوسط، وجوارها لتركيا وبلدان عربية أخرى وكذلك إسرائيل، وهناك شعور باطني أن انحسار الدول التي كانت صديقة للسوفييت خرجت بنهاياته وذهبت للغرب، والداعي الأهم أن وجودها في سوريا يمكنها مقايضة صفقات مختلفة مع الغرب وحتى إسرائيل سواء عسكرية أو استراتيجية..
وعلى العكس، فالصين دولة شيوعية رسمياً بجسد رأسمالي، ومبادلاتها الاقتصادية مع دولة خليجية واحدة، يفوق عملياتها الاقتصادية مع سوريا كاملة، ومع ذلك تقف نفس الموقف الروسي، وتنطق نفس الكلمات الموجهة للدول الأعضاء في مجلس الأمن واتخذت الفيتو دون مراعاة للنتائج التي قد يترتب عليها تقليص علاقاتها التجارية مع دول المنطقة التي تعارض نظام الأسد، والحيثيات والأهداف الصينية لا تختلف عن الروسية، ولم يأت هذا نتيجة حلف بين البلدين، كأن تقفا مع كوريا الشمالية ضد أي نزعة اقتصادية أو عسكرية يخطط لها الأطلسيون وحلفاؤهم في آسيا تجاهها..
هناك محاولة توازنات، والبحث عن فضاء جديد لا يجعل الغرب يحتكر كل شيء في دول العالم، وهذا بالتفسير الموضوعي حق للدولتين، لكن لو نجح الشعب السوري في إزاحة النظام، فهناك ستتبدل الاتجاهات والمواقف، ولذلك نجد بعض التصريحات الروسية ذهبت بأنها لا تحمي نظام الأسد، وإنما حتى لا تنزلق سوريا لحرب أهلية، وهي مؤشرات جاءت نتيجة قراءة دقيقة للوضع السوري وحفظ خط الرجعة لأي تطور جديد يجعلها مع الشعب كله، لا نظامه، وهي فلسفة قد تنجح أو تسقط..

الأممُ الصاعدة وهواجس الغرب الجامحة

راكان المجالي
يحلو للغرب الرأسمالي «الغالب» أن يُحدّد، سياسياً، جِهات العالم الأربع مِن موقعه، فيكون الشرق، بالنسبة إليه «أقصى وأدنى وأوسط». وكذلك يفعل، في تصنيفه للإمبراطوريات، حين يكون قلقاً، لا غالباً ولا مغلوباً. فتصبح الصين «إمبراطورية وسطاً»، باعتبار العالم الغربي، بشكلٍ عام، هو إمبراطورية المقدّمة، أو مسرحاً لجغرافيتها. بهذا المعنى، الغريزي والغرائزي، القائم على المصالح المباشرة أو المأمولة، يُحدّد مفكرو الغرب ويُسمّون القوى والأمم الأخرى في العالم، الصاعدة منها أو الكامنة. فتغدو الصين، بما هي إمبراطورية الوسط، بالنسبة إلى الغرب، أفعى سامّة! هذا ما يقرّره كتاب فرنسي جديد نسبياً، بعنوان «إمبراطورية الوسط، الأفعى السامة»، مِن تأليف «فيليب كوهن» و«لوك ريشار».
ولهذا الفهم الغربي، للصين وقوّتها واقتصادها جذور، أشار إليه، ذات يومٍ، وزير إعلام «الجنرال ديغول»، السيد «ألان بيرفيت»، الذي كان حينها كاتباً متخصّصاً بالصين، بقوله: «عندما تستيقظ الصين سوف يرتجف العالم»!
فالفكر الغربي، بكلِّ أنواعه، وبالتالي سياسته، يتقصّى الآن، وبهوسِ مذعور، «كيف تفرض الصين قوانينها علينا»، أي على العالم الغربي عموماً. ولا أدلّ على ذلك مِن التحريض والحقد، اللذين يرشحان مِن عناوين فصول الكتاب المُشار إليه. فتتراءى له العلاقة مع تلك الإمبراطورية على أنها علاقة «كونفوشيوس ضد تياننمن»، أي بين ثقافتين متضادتين، يحكمها «عصب الحرب» وقوانينها، لتنتهي ب«قبلة الأفعى السامة». وبحسب تلك الرؤية الغربية للصين، فإنّ «الشركات المتعددة الجنسيات» الصينية أعلنت عن وصولها، في «زمن إضافات اقتصادية»، يشمل «هونغ كونغ وتايوان ولاوس وكمبوديا»، فيتحدد «الشتات الصيني، بالمقاطعة الصينية الرابعة والعشرين». وهنا يرتسم المشهد العالمي ب«عودة الخطر الأصفر»، فيصبح «أصدقاء الصين الفرنسيون» هم «آذان الأفعى السامة»، ليكون ذلك مقدمة كي «تشتري الصين العالم»، بشركاتها المتعددة الجنسيات.
فالصين، بحسب الهواجس الغربية، تمكّنت مِن تحقيق نهوضٍ هائلٍ، وخلال فترة قصيرة من الزمن، والذي كان بمثابة الخلفية، التي قامت عليها صورتها الجديدة، كقوة عالمية على المسرح الدولي، كممارسة طبيعية لدورها وحجمها ووجودها. فبلاد الحكيم الصيني «كونفوشيوس»، وعنوان ثقافتها، لم تعد تكتفي بكونها «ورشة العالم» أو «مختبره»، بل تحوّلت الى «مصّاصة دماء»، تريد أن تجذب إليها جميع ثروات العالم، بحكم موقعها في وسطه. كما أنها لا تطمح الى أن تكون «ملتقى جميع التكنولوجيات المتقدمة» فحسب، بل تسعى الى «الانتفاع من جميع موارد الطاقة والمواد الأولية»، بما في ذلك «الأراضي الزراعية في العالم». ‏
فقوة الصين الاقتصادية، التي تقوم عليها دبلوماسيتها بشكلٍ عام، هي الوسيلة الأساسية التي تستخدمها لتحقيق غاياتها، المتمثلة في تجاوز قوة الولايات المتحدة الأميركية، وهو ما يبدو ممكناً ومتوقعاً بعد ثلاثة عقود، في أقصى التقديرات.
فالصين تريد الانتصار بتحقيق غاياتها وأهدافها، ولكن مِن دون أي قتال، أو خوض أية معارك فعلية، ومِن دون أن يعني ذلك عدم امتلاكها «أسلحة فعّالة». والمقصود بتلك الأسلحة هو «اليد العاملة المؤهلة وذات الكلفة القليلة»، وكذلك «اليوان» الصيني، ذو القيمة المنخفضة. يضاف الى ذلك «سلاح التجارة»، الذي أصبح استخدامه هيّناً على الصين، بعد انضمامها إلى «منظمة التجارة العالمية». وعلاوة على ذلك فإنّ الصين تمتلك «أدوات تربوية ودعائية فاعلة»، عِمادها ‏«مئات المعاهد، ‏التي تنشر تعاليم الحكيم كونفوشيوس»، خاصة ما يتعلق منها بالطاعة والانضباط. ولا يقلّ عن ذلك أهمية، مِن عناصر القوة، التي تمسك بها السلطات الصينية، ما يسمّى ب«الشتات الصيني»، وهو يقدّر بعشرات الملايين من الصينيين، المتواجدين في مختلف أنحاء الأرض، الذين يدافعون عن مصالح الصين، بروح عالية من الإيمان والانضباط. ‏
ولعلّ السؤال الأهم هو عن الإستراتيجية، التي توجّه وتحكم التحرّك الصيني نحو العالم وحياله. فالصين تستفيد، بصورة خاصة، مِن واقع قدرتها الكبيرة على المنافسة، حيث كلفة الإنتاج فيها أقل بأضعاف المرات مما هي في البلدان الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية. ‏
فعلى الرغم مِن أنّ «الأزمة المالية العالمية» أدّت إلى «كبح التقدم الاجتماعي الصيني عامة، وإلى انخفاض الاستهلاك الداخلي»، إلا أنّ النهوض الصيني، خلال العقود الثلاثة الأخيرة، جعل ما يقرب مِن أربعمئة مليون صيني يغادرون «خطّ الفقر». فالانعطاف الجديد، في تاريخ الصين الحديث، هو أنها لم تعد «بلاداً صاعدة»، بل تجاوزت تلك المرحلة، لتصبح اعتباراً من الأشهر الأولى للعام الحالي، تحتلّ المرتبة العالمية الثانية، في «حقل المنتجات المصنّعة». وهي الآن تتوجّه الى مختلف أسواق العالم «كبائعة» من جهة، و«كباحثة» عن مواد أساسية تحتاجها، بسبب ازدياد الطلب عليها، كإحدى نتائج نهضتها، وعلى رأسها موارد الطاقة التقليدية. ‏
قبل نحو ثلاثة عقود، أطلق الغرب على الدول الصاعدة في جنوب شرق آسيا، تعبير «النمور الآسيوية»، في إشارة الى تحسّسه للمخاطر التي يتوقعها على مصالحه مِن ذلك الصعود. وكأنّ الغرب وثقافته ورؤاه لا تقدر على النظر الى العالم وقواه، الصغيرة منها والكبيرة، إلا وفق قوانين الغابات الاستوائية، التي تضمّ الوحوش والكواسر والزواحف الخطرة. ما يعني بالنتيجة أنّ العالم، بالنسبة الى ذلك الغرب، محكوم إلى قوانين غابةٍ، لا يستمر في البقاء فيها سوى القوي، القادر على الدفاع عن مصالحه بالقوة. أما الآخرون، فليس لهم غير التلهّي بالاعتراض، والرجاء والدعوات المستمرة بالتمسك بشرعة العالم الحديث، وما توافقت عليه الأمم مِن قوانين. أما مصائر «النمور» و«الأفاعي السامة»، فيتكفّل بهما الوحشان الكبيران «صندوق وبنك النقد الدوليان».؟ فلا طموح لأحدٍ، ولا قوانين، تتحكّم في عالم اليوم، إلا لهذين الوحشين الأسطوريين الغربييّن، وذراعهما الجديد «منظمة التجارة العالمية»، ومِن خلفهما الجيوش والأساطيل وآلة الدمار الشامل!

كتاب التحولات

عبدالله باخشوين
** دائماً لدينا من يقول:
- العالم - أصبح - قرية صغيرة!!
يريد أن يقول بتوفر المعلومة.. وسهولة الوصول إليها.
وهذا لا يعني أن العالم قرية صغيرة.. بقدر ما يعني أن قدرة من يريد حجب «المعلومة» أصبحت شبه معدومة.
لأن الحقائق أصبحت تظهر بطريقة لا يمكن حجبها.. وهي حقائق قابلة للتأويل والتهويل وتحميل الكثير منها إلى الكثير من الكذب والتضليل.
والقول بـ«قروية العالم» قول ناقص وغبي جداً.. لأن «القرية الصغيرة» تتيح لمن فيها ليس المعرفة والاحتكاك والتفاعل والدراية بكل صغيرة وكبيرة.. بقدر ما تمنح الفرصة لإثارة المزيد من الفضول تجاه كل ما هو خارجها وكل ما يفد إليها وكل من يذهب بعيداً عنها.
«المعلومة السهلة».. كانت قضية محورها الإعلام المضلل.. والكذب الرسمي.. والسياسة المبرمجة على الكذب وتكميم الأفواه.
غير أن المعلومة السهلة.. لا تعني القدرة على الاستفادة.. منها.. وعندك «جهازك» واتحداك.
طيب بلاش.. قول الدنيا كتاب مفتوح.. وافتح الكتاب.. وأنا اتحداك أن تلم بكل ما فيه أو حتى بعضه.
ان هناك عجزاً كبيراً وواضحاً تجاه قدرتنا على الاستفادة من المعلومة.. أو المعرفة التي تزعم أنها كانت محجوبة ثم أزيل عن «كشحتها» اللثام وأصبح من الممكن الاطلاع عليها ومعرفة مصدرها وخلفيتها وما وراءها والهدف من نشرها.
ان العجز عن القدرة عن الاستفادة من المعلومة هو المشكلة الحقيقية فإذا كانت المعلومة هي التي كانت تنقصنا وأصبحت متوفرة.. فماذا بعد.. لماذا لا نستفيد منها ونستثمرها.. في الاتجاه الصحيح الذي يمكن من خلاله تطوير قدراتنا وامكانياتنا وأعمالنا ومصالحنا.
ان الاستثمار الوحيد الذي نراه لـ«المعلومة» لا يسير سوى باتجاه «الاشاعة» لقد ساعدت «القرية الصغيرة» على تطوير الاشاعة وتطوير أساليب نقلها وتعميمها.
إن القدرة على نشر الاشاعة أصبحت هي «التقنية» التي توصلنا إليها من قراءة كتاب القرية المفتوح.. أما فيما عدا ذلك فكل يدور في فلكه لا يتقدم أكثر مما يتأخر.. باستثناء أصحاب الشركات والأعمال والمصالح الحيوية الذين أرادوا لأنفسهم وأعمالهم أن تكون في قلب حركة العالم.

مرساة مرسي الى اين

محمد عبدالواحد
**غاية ما يمكن تصوره ان تصل الثورات العربية في ربيعها الدامي الى ما وصلت اليه من فصول موجعة وداكنة ولا تبشر بالخير..
**وفي مصر وحدها تبرز اكثر من مشكلة ومعضلة يصعب حلها..
**حاكموا رئيسهم السابق حسني مبارك وحكم عليه مع وزير داخليته بالسجن المؤبد.. ولم يشفع له تاريخه النضالي في الدفاع عن مصر وخوضه ثلاث حروب ضد اسرائيل.. ولم يرضهم هذا , وتخرج مئات الالوف الى ميدان التحرير تطالب بالقصاص لدماء الشهداء كما يقولون.
**«طيب» وماذا بعد - يأتي  الاخوان المسلمون ليركبوا «الموجة» مرة اخرى لدعم مرشحهم للرئاسة وكالعادة «يعدون» ويخلفون - لقد وعدوا من قبل بانهم لا يودون الاستحواذ على السلطة في البرلمان ومجلس الشورى ولن يرشحوا احدا لرئاسة الجمهورية.. فاذا بهم يسيطرون باغلبية مطلقة على المجلسين معا.. ويشغلون في جلسات برلمانهم «بختان المرأة» وامور هامشية اخرى وكأن كل مشاكل مصر قد حُلت.. الاقتصادية والاجتماعية والصحية والفقر ولم يأت في اولياتهم الا مشاكل «الخلع والختان».
** وفوق كل هذا يأتي مرشحهم «مرسي» ليضيع كل المرافىء الآمنة.. ويعلن عن مرسى جديد لتنطلق منه الخلافة الاسلامية من القدس - كما يرى - ويبدو انه لا يرى التشرذم والفرقة والتشتت في بلده وفي معظم بلدان الفوضى العارمة في ربيعها الدامي والمؤلم.
**هذا «المرسي» الذي لم تسقط مرساته في بحر الامان الى اين تبحر مراكبه في زمن القوة التي لا يملكها.. وهل الاقوال وحدها تكفي والوعود التي لم تصدق من بدايتها والتي قد تصل الى نهاية مفجعة لا يرتضيها احد.
**واذا كنا لسنا في حاجة في وطننا العربي الى خميني اخر وخامئني يتبعه.. فلسنا في حاجة ايضا الى عرابين ومرشدين.. ورئيس يقود الامة الى الهلاك..
**لقد سئمت الامة من شعارات الزيف والاكاذيب وما عاد لاحد اذن تسمع لهذه الاراجيف.. لقد تعلم الانسان العربي ان لا يقاد الى حتفه كما تقاد الخراف الى الذبح.
**ان من يقود الامة ينبغي ان يعرف الطريق لصون دمائهم ويحرص على امنهم وسلامتهم.. وجمع شملهم لا فرقتهم.. والعمل على اعلاء شأنهم بين امم الارض بالعلم والعمل والعدل ، ولا يمكن لاحد ان يحقق امجاد بلاده ونهضتها ورقيها واحلامها بالاقوال.. بل بالافعال واختيار طريق العدل والمحبة والسلام.. وعلى الراشدين والعقلاء السلام.

مؤشرات انهيـار النظـام السـوري

محمد عبدالعزيز السماعيل
النظام السياسي السوري المتحجب بالفيتو الروسي، ذلك النظام الذي يتحدث عن العروبة والإسلام ويعامل الناس بوحشية وإجرام، وتوجّهت بالخطاب إلى سفراء سوريا، لأحثهم على أن يبدأوا إحدى مراحل إضعاف النظام بالتبرؤ منه وإعلان انحيازهم لإرادة شعبهم الذي يموت منه العشرات يوميًا، ولكن للأسف لم يستمع السفراء لندائي، ولذا جاءهم الخزي بطردهم رسميًا من الكثير من الدول، ولو أنهم استمعوا لندائي، وانحازوا للواجب الأخلاقي، ونصروا أبناء شعبهم، وأعلنوا انسحابهم من خدمة النظام السوري؛ لما نالهم الخزي الذي نال النظام بطرد ممثليه وسفرائه من عدد غير مسبوق من الدول حول العالم.
اليوم أعيد النداء إلى مَن تبقى من السفراء والممثلين للنظام السوري المتوحّش حول العالم، وأحثهم على تبنّي الحد الأدنى من المطلوب منهم؛ وهو إعلان تبرُّئهم من هذا النظام قبل فوات الأوان، فمؤشرات سقوطه قد لاحت في الأفق.. فيا ممثلي وسفراء سوريا الأحرار.. الوطن أكبر من نظام انهياره وشيك..
لن يتركه التاريخ والقوانين الدولية دون حساب.. حاسبوا أنفسكم وحدّدوا مواقفكم واتخذوا قراراتكم قبل فوات الأوان.. أعلنوها الآن لتكتبوا أقوى سيناريوهات انهيار نظام إجرامي فاشل مؤشرات انهياره كثيرة، منها التالي: أن نظام الأسد يحاول نقل الشرارات الأمنية إلى لبنان.. بل والمنطقة ليغيّر مجريات الأمور وفشل في ذلك، ومنها أنه فقد السيطرة على المدن ذات الطبيعة العشائرية، ومنها أن السيولة التي بحوزة النظام استنزفت بسبب العنف والعمليات العسكرية المتواصلة والمستمر منذ اكثر من 15 شهرًا، والنظام يستنزف منها مليار دولار شهريًا، وتقدّر الاحتياطات النقدية لديه بقرابة 30 مليار دولار، وهذا يعني أنه لم يبق سوى شهر على انهيار نظام الأسد ماليًا، ومن ثم ستتلاحق باقي الانهيارات، ومن تلك المؤشرات ايضًا أن الموقف الروسي الداعم بلا حدود للنظام السوري أخذ يتصدّع قليلًا باعتراف وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الذي اعتبر أن بلاده لاتهمّها هوية النظام الذي يحكم سوريا، وربما جاء ذلك عقب الاحتجاجات غير المسبوقة التي تواجهها سياسة الرئيس الروسي في كثير من المجالات من مواطنيه، ومنها تبنّى دبلوماسيون من حوالى ستين بلدًا في ابوظبي خطة دعم تهدف الى منع انهيار الاقتصاد السوري في حال سقوط نظام بشار الاسد، ومنها ما أكده المبعوث الدولي العربي المشترك كوفي عنان من أن سورية وصلت لنقطة اللاعودة، ألا تكفي هذه المؤشرات لكي يقتنع ممثلو النظام الأسدي بأنه لا جدوى من الوقوف خلف هذا النظام؟.

رهانات روسـيا الخاسرة

جريدة اليوم
يبدو أن روسيا لا تدرك، وكما قال صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية، إنها «ستفقد الكثير إذا لم تغيّر سياستها في المنطقة العربية» ذلك أن السياسة الروسية التي نراها الآن في الشرق الأوسط، خاصة ما يتعلق بالوضع في سوريا، تثير الكثير من السخرية والغضب.
المخجل أن الروس لم يدركوا ـ حتى الآن ـ أنه حان الوقت كي ينتقلوا «من تأييد النظام السوري الى وقف القتال وانتقال السلطة سلميًا».. والمؤسف كذلك أن الروس لا يزالون يتعاملون مع الملف السوري بعينٍ واحدة.. هي عين النظام القاتل والمجرم، بينما لم يرفّ جفن واحد، لمرأى الضحايا السوريين وهم يقتلون ويسحلون ويرقص جنود النظام على اجسادهم بالأحذية.
لقد كان ـ ولا يزال ـ موقف موسكو في مجلس الأمن الدولي «لا مبرر له».. وفضيحة أخلاقية، لا تقل خزيًا عن ممارسات الرئيس الأسد وجيشه وشبّيحته وبلطجيته، وجاءت خطة المبعوث الأممي كوفي عنان لتسوية الأزمة في سورية سلميًا، لتفضح أي إمكانية لجعل النظام السوري يتراجع عن حملته الوحشية ضد شعبه، وفشلت فعليًا في أن يثبت من خلالها نظام الأسد نواياه السلمية على الأقل، التي يمكن أن تشفع له بالخروج الآمن.
موسكو، وقادة الكرملين، لم يتعظوا من رهاناتهم الخاسرة وسياساتهم الرعناء تجاه الشعب السوري، وبالتالي لم يعُد ممكنًا قبول أية تبريرات يحاولون من خلالها تسويق أفكارهم؛ لأنهم فقدوا مصداقيتهم بانحيازهم الأعمى لنظام مجرم وقاتل، ولأنهم بالتالي مسحوا صورتهم التي ورثوها عن الاتحاد السوفيتي السابق، بأنهم من مساندي الشعوب المظلومة.
العالم الآن أمام خيار واحد، بعد أن فقدنا الأمل في الوصول إلى حل عن طريق مبادرة عنان، وبات على مجلس الأمن الدولي أن يتخذ قرارًا بموجب الفصل السابع، يضع من خلاله حدًا للممارسات الوحشية التي يرتكبها نظام بشار الأسد، والعالم الآن عليه ان يردّ على موسكو، ولا يكتفي بمجرد الإدانة أو الصمت؛ لأن ما يحدث سيكون عارًا لن يستطيع أحد التنصّل منه أو الاكتفاء بشجبه أو التبرؤ منه.

قراءة في أطروحة كيسنجر حول الحرب المقبلة

فرحان العقيل
في محاولات فهم السياسة الأمريكية تستحضر غالبا آراء عجوزها المخضرم «هنري كيسنجر» وبعيداً عن عاطفية التحليل أو رد بعض الآراء إلى مصدرها حتى وإن كان بحجم كيسنجر أو الاستهانة بحيثياتها بحكم الشيخوخة أو الميول الفكري اليهودي للرجل، إلا أننا أمام حتميات تستوجب الفهم المتعمق لكل ما قاله وزير الخارجية الأمريكي الأسبق في مطلع هذا العام لصحيفة «ديلي سكيب»
اليومية في نيويورك، حيث حدد ملامح الحرب المقبلة بين الولايات المتحدة من جهة، والصين وروسيا من جهة أخرى بعد أن أعطتهما الولايات المتحدة فرصة النهوض والاعتداد بالنفس بعد سقوط الشيوعية وانحسار الاتحاد السوفيتي تمهيداً لهذه المواجهة التي سيسبقها احتلال إسرائيل سبع دول شرق أوسطية استغلالاً لمواردها من النفط والغاز في تلك الحرب الشرسة التي ستنتصر فيها الولايات المتحدة ـ حسب رأي كيسنجر ـ تبعاً لآلة الحرب الضخمة لديها, فحديث كيسنجر لـ «الديلي سكيب»
كان عاماً سبق الفيتو الروسي الصيني المزدوج بشأن أحداث سوريا ومع أن الملمح الشامل لمجريات الأحداث ـ حسب رواية كيسنجر ـ ليس بجديد على الساحة وتكهناتها التاريخية سوى انه أعلن عن الخارطة الجيوسياسية للسيناريو المرتقب للحرب المقبلة، معتبراً الحدث الحلم الأسمى للولايات المتحدة , ومع أن جملة المحللين من أمريكان وغيرهم ممن اهتموا بأطروحة كيسنجر التي يشخصها البعض بنتاج الخرف السياسي لرجل في التسعين من العمر فقد ابتعد عن محددات السياسة الأمريكية التي تزين ذاتها غالباً برعاية الحريات والالتزام بتأسيس الديمقراطيات ومحاربة الإرهاب، بل ويدلل البعض على أن حلم كيسنجر لم يأخذ في الحسبان الحالة الاقتصادية المتردية لبلاده التي تعد الأسوأ في تاريخها، إلى جانب الفشل الذريع للتدخل الأمريكي في العراق وأفغانستان الذي لم يفض إلى إيجابيات كاملة في نتائجه سوى انه نشط تجارة النعوش التي حملت رفات جنود الولايات المتحدة إلى ذويهم وصب الزيوت على نيران مشتعلة في مناطق تحمل الكثير من الحنق على الليبرالية الأمريكية ولا تتجانس أوساطها مع مجمل السياسة الأمريكية وتاريخها حيال المنطقة، وكانت حروبها تلك مدعاة لقيام الحركات المناهضة لهذه السياسة ومؤيديها في الحكومات المحلية, فكل تلك المسلمات أسقطها كيسنجر من حساباته في الحديث المشار إليه الذي حسبه البعض أيضا تحولا في الفكر السياسي للرجل الذي ظل مرجعاً للسياسة الأمريكية طيلة عقود طويلة خاصة فيما يتعلق بالشرق الأوسط ومشاكله المعقدة التي تظل إسرائيل طرفاً نشطاً فيها, فالرجل هو صاحب نظرية «السياسة الواقعية Real politik» ومعاصر مراحل الحرب الباردة بين قطبي القوى العظمى، بيد أنه في تلك الفرضية غير المحددة بزمن «سوى أن الربيع العربي كان مشتعلا والمواجهة الغربية ضد الروس والصين كانت محتدمة بشأن سوريا ما أنجب الفيتو المزدوج «قد خلع واقعيات السياسة في أطروحته وظل تواقاً للحظة الحرب الحاسمة ضد الروس والصينيين, فهل تعد الولايات المتحدة الشرق الأوسط ليكون الطعم الأكبر للقوى العالمية المفترضة لتكون الملحمة الكبرى هنا وعما قريب؟ أم أن مجمل الأحداث هي مسكنات لتمادي التوغل الإسرائيلي وعبثه في المنطقة بمباركة كل أطراف القوى العالمية واتفاقها على أدوار محددة لكل طرف خاصة أن السيد كيسنجر ألمح إلى إيران بأنها الحجر الأخير في المواجهة العالمية المرتقبة ؟ عموماً تلك فرضيات مشحونة بالاستنتاج والتقديرات فقط، بينما للمشهد العام محدداته التي يفرضها على واقع العالم وضميره فسواء كانت المعادلات العالمية حول سوريا محددة الأطراف وقيم النتائج, إلا أن ليوميات الشارع ومنتجات الحدث ومكونه محدداتها أيضا والقادرة على قلب المعادلات في أغلب حالاتها مهما كانت مسوغاتها ومحاولات ضبط نتائجها.

تدجين الشعوب

محمد طالع
ما بعد الربيع العربي, أضحى مهماً أن تحدث قراءات ومحاولات للفهم, إذ إنه كان من غير المتوقع أو المعقول ما أحدثه الربيع العربي, ولمعرفة كيف أن الأمر كان غير محتمل الحدوث.
وحتى نُدرك في محاولةٍ للفهم كيف تعاملت بعض الأنظمة العربية مع مواطنيها, فمن المعروف أن البعض من الأنظمة العربية كانت تسعى جاهدةً إلى جعل شعوبها تحت الهيمنة, ومازالت تلك الأنظمة تمارس مع شعوبها الممكن وغير الممكن, والمشروع وغير المشروع حتى تنفذ أجنداتها التي لا تهدف في الأساس إلا إلى ابقاء الشعوب تحت الظلم، فمن أساطير تلك الأنظمة ما قبل الربيع العربي؛ تلك الأفعال التي نصفها بممارسات الأنظمة مع الشعوب, ومن مظاهرها الحكايات التي كان يتم تداولها وترويجها بين تلك الشعوب والتي كانت تستند في مجملها وغالبها إلى تكريس الفهم لدى المواطن البسيط بأن انظمتها ذات قدرة خارقة ومن يجرؤ ويفكر مجرد تفكير في النشاز يجد الأمر اتخذ أبعاداً ومناحي خطرة ووصل إلى درجة تصنيفه من قضايا أمن الدولة الشائكة وغير المستساغ التفكير فيها على مستوى الذهنية العربية, وعلى ذلك فنظامه مهدد بأن يقضي ما تبقى من عمره بين جدرانٍ أربعة, وقد تًدركه الرحمة بعد عقدٍ أو عقدين من السنين فيخرج إلى الحياة من جديد, وقد تحول إلى مواطن يخشى أن يكتشف جزء مخه الأيسر ما يفكر به الجزء الأيمن من ذات مخه.
أما من كان يعمل على نقل ذلك الرعب في الأوساط العامة, ويدمجها بشكلٍ أو آخر بحياة الناس اليومية, فإن هنالك موظفين مجندين من قبل أمن الدولة ومهمتهم نقل تلك الأخبار من داخل مديرات الأمن والتي من المستحيل اختراقها ومعرفة ما يجري فيها, هؤلاء الموظفون المختصون بالنقل لا يعلمون بالضرورة ما يقومون به من أدوار حيوية وهي صميم هذه العملية المعقدة, فأثناء تواجدهم في مديراتهم الأمنية, يقوم مختصون على درجة عالية من الإعداد والتدريب والتمرس في تغذية أفكار النظام وما يريد إيصاله وضخه من معلومات إلى المواطنين المدنيين في حياتهم العامة, يقوم هؤلاء المختصون بضخ هذه المعلومات إلى الموظفين المختصين بنقلها بطرق وسيناريوهات مختلفة, ومعلومٌ أن هؤلاء الرواة يتفاعلون من شرائح المجتمع المختلفة وفي جميع مناحي حياتهم, وعن طريق ذلك التفاعل يؤدون الدور الموصل للمعلومة بكل اتقان وهم لا يعلمون, وعلى هذا يبقى الناس في رعب مما يتفلت إلى مسامعهم بين الحين والآخر من داخل تلك المعاقل والمعتقلات الحصينة, غير أن تلك المعلومات مع تناقلها وكثرة من يتداولها قد يدخلها الزيادة والتضخيم بنسب مختلفة, والمهم من الأمر في النهاية أن يُبقي النظام القمعي مواطنيه تحت وطأة الخوف والذل من أي شيء محتمل الحصول, والأنظمة القمعية على مدى تاريخها تبذل ما بوسعها حتى تتنبأ بأي شيء قد يحدث, ومن ثم صياغة سيناريوهات مناسبة.
لكن ما أحدثه الربيع العربي تمكن بجدارة من اجتياح تلك الخطط والمتاريس, وأوجد ما لم تفكر به تلك الأنظمة حتى في أكثر الأحوال وأشدها سوءً, وتمكن من سحقها إلى الأبد, ولم يعُد لدى تلك الأنظمة إلا أن تكون أكثر رقياً من ذي قبل على حدٍ سواء الجديدة منها والتي أتت بها رياح الربيع العربي أو من كانت بمنأى عن مسرح الأحداث ومازالت تتخيل أن مبدأ السلامة سيطول أجله.

الكلمة أمانة وليست مراوغة

نادية ياسين
ما يمر به العالم من انفتاح منقطع النظير، وانفلات غير مسبوق، وصراعات وحروب ونزاعات، لا أخلاقية وغير متكافئة وبعيدة عن القيم؛ كل ذلك انعكس بشكل واضح على مضامين وفحوى ومدلولات ما يُكتب، وعليه نحتاج جميعا لمراجعة أنفسنا بهذا الخصوص، وضبط أقلامنا وكتاباتنا وما تسطره أيدينا، ولا يتم ذلك إلا بأن يتسلل إلى أذهاننا، وينغرس في خواطرنا، ويرسخ في عقولنا السؤال التالي: لماذا نكتب؟.. لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، قال أحدهم: ما تكلمت بكلمه ولا فعلت فعلاً، إلا أعددت لذلك جواباً بين يدي الله عز وجل.فالبعض يكتب للتسلية أو ملئ الفراغ ,.وآخر يكتب ليقال كاتب, وثالث لإجبار الآخرين على تغيير قناعاتهم والاقتداء به، ورابع يكتب لنقل آراءه الشخصية ويتظاهر بالمعرفة بكل شيء، وآخر يكتب لحض الناس على توجه فكري أو سلوكي أو منهجي خاص به، ومنهم للطعن والتشهير والتنقيص من الآخرين، وهكذا ...إلخ.لكن بالمقابل لا نستطيع أن ننكر وجود صور مشرقة ومنارات شامخة، يكتبون بيد بيضاء ونوايا صادقة وأسلوب معبر بأقلام واعية، امتثلوا في كل شيء قول الله سبحانه وتعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا )، وقول نبينا عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح( إنّ الدين النصيحة ، إنّ الدين النصيحة ، إنّ الدين النصيحة . قالوا : لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ، وكتابه ، ورسوله ، وأئمة المؤمنين ، وعامتهم ، وأئمة المسلمين وعامتهم ).
فالكتابة رسالة، وأمانة ، وفكرة فيها عبرة وليست فلسفة ومراوغة، وإرشاد وبيان لا تضليل وإيهام، وتحرر من الشخصانية إلى الشمولية، لا تقوقع ووصولية وانتهازية، والكتابة توجيه ونصح وسداد، وليس توبيخ وتشهير وتشتيت، كما أن الكتابة عِظة وتدبر وتأمل، لا اضطراب وتأرجح وضياع، والكتابة تنوير وتأصيل وتوسيع للمدارك وإيجاد حلول، وليس متاهة وتجهيل وفلسفة.
لماذا تضيّع وقتك وجهدك وفكرك وقلمك؟ من غير أن تكون لك رسالة نبيلة وهدف مرموق، ثم إياك أن تجعل كتاباتك مجرد هواية أو ردود أفعال، لأنّ علينا الترفع عن سفاسف الأمور، والتكرار الممل وانعدام الفائدة، والثرثرة الزائدة وحشو الكلام، والابتعاد عن السطحية والنظرة الضيقة للأشياء.
فكل ما تسطره أناملك هو مسؤولية شرعية وأخلاقية؛ وقبل تسويده ثم تبيضه ثم نشره، لابد من تمريره على مقياس السيطرة النوعية، المتكون من تلك الأسئلة: هل هذا الحرف أو تلك الكلمة أو الجملة والفقرة حق أو باطل؟ موافق للشرع أو مخالف؟ فيه مصلحة أو مفسدة؟ هل سيستفيد منه القارئ أو لا؟ فإذا كان المكتوب حقا موافقا للشرع وفيه مصلحة راجحة وسينتفع منه القارئ، سيجتاز المقياس وبخلافه سوف تندم عاجلا أم آجلا إذا أقدمت عليه، لأن ربنا سبحانه يقول في كتابه العزيز (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) أي ما يتكلم ابن آدم من كلمة إلا ولها من يرقبها، وهو حاضر معدّ لذلك، يكتبها، لا يترك كلمة ولا حركة.
من أجل ترشيد الكتابة ينبغي التحلي بآداب البحث والنقاش والحوار والمناظرة، ثم التدرج والارتقاء بأسلوب البيان، وتوضيح الحق من الباطل بالحكمة والموعظة الحسنة، وعدم المجاملة على حساب دينك وعقيدتك وثوابتك ومبادئك .إذا تحمل الكاتب المسؤولية الملقاة على عاتقه، وأيقن بأن الكتابة أمانة في عنقه، فإنه سيبقى كالجبل الراسخ الذي لا تهزه ريح، ويستمر بنشر الحق والخير من خلال كتاباته، فقلمه يقوده لتسطير قناعات ورؤى حقيقية نابعة من القلب، بعيدا عن أي مؤثرات خارجية فئوية أو مصلحية أو شخصانية، أو حتى زمانية أو مكانية.
وعلينا التفاعل مع النقد البنّاء والتعاطي والاستجابة، دون الترفع والتنكر والتكبر والعناد، وليس عيبا بأن يخطأ الكاتب في تصور أو طرح أو عبارة أو أسلوب، لكن العيب كل العيب والنقيصة أن يصر على ذلك ويستمر بأخطاءه دون مراجعة أو محاسبة أو ترشيد واستجابة.
وينبغي كذلك اختيار الوقت المناسب والحال والظرف، مع تجنب التأخير لقضايا مهمة ومواضيع جوهرية أساسية، لأن تأخير الواجب عن وقت الحاجة لا يجوز، ومن باب الشيء بالشيء يذكر؛ إياك أخي الكاتب وأكذوبة " الرأي والرأي الآخر" على إطلاقها!! فالكثير للأسف روجوا لذلك من أجل نشر الجهالات والضلالات والباطل وقسم كبير لعدم إتقانهم كتاباتهم وكثرة الأخطاء وعدم وجود العزيمة على نشر الصواب والحق والتراجع عن الباطل، تذرعوا بهذه المقولة، وكذلك حتى تنعدم النصيحة والنقد البناء تجد الذريعة جاهزة " الرأي والرأي الآخر"، فلا بأس بقبول الرأي الآخر إذا كان حقا وصدقا وفيه مصلحة، مع اختلاف في وجهة النظر والأسلوب والطريقة، من غير المساس بقيم الحوار.

مناورة روسية

حسان حيدر
الاجتماع الدولي الموسع الذي دعت إليه روسيا أمس بمشاركة كل من إيران وتركيا لبحث الوضع في سورية ودعم خطة الموفد الدولي كوفي أنان وتصريح وزير الخارجية سيرغي لافروف بأن تغيير النظام السوري سيؤدي إلى «كارثة»، شكلا التفافاً سريعاً على «التغيير» الذي لحظته الأوساط الدولية في كلام نائب الوزير غينادي غاتيلوف الذي قال إن بلاده لا تعتبر بقاء بشار الأسد في السلطة شرطاً مسبقاً للتوصل إلى تسوية سياسية في هذا البلد.
واعترف لافروف أمس بأن خطة أنان ماتت وتحتاج إلى إعادة إحياء، لكنه ألقى اللوم في فشلها على المعارضة السورية وعلى مجموعة «أصدقاء سورية» الدولية وليس على نظام دمشق نفسه الذي أنكر رئيسه قبل أيام وجود أزمة سياسية في بلاده مؤكداً إمعانه في الحل الأمني. ولهذا اقترح الوزير الروسي حضور إيران، الحليف الآخر الوثيق للأسد، لإيجاد «توازن» كما قال والضغط على جماعات المعارضة.
وكان العالم استشف في موقف غاتيلوف نوعاً من الاستجابة للضغوط التي يمارسها المجتمع الدولي على موسكو للتراجع عن دعمها المطلق لنظام دمشق، بعدما وجد الروس أنفسهم عملياً في مواجهة أوروبا والولايات المتحدة والعالم العربي. وهي مواجهة ظهرت جلية في قمة بطرسبورغ الأوروبية الروسية التي تأكد خلالها أن مستقبل التعاون بين الطرفين رهن بتعديل مواقف موسكو وخصوصاً في ملفي سورية وإيران، وكذلك في موقف وزيرة الخارجية الأميركية في استوكهولم حيث دعت الروس إلى لعب الدور المطلوب لإحداث تغيير في سورية، وأيضاً في الاجتماع الوزاري الخليجي الذي حذر موسكو على لسان وزير الخارجية السعودي من أن تمسكها بدعم الأسد سيفقدها قاعدة التعاطف التي حققتها سابقاً في العالم العربي، ويحرمها من بناء مصالح جيدة لها في المنطقة مستقبلاً.
لكن شبح الاعتدال الروسي الذي تسعى واشنطن إلى بلورته نقاطاً واضحة تشكل أساساً لعملية انتقالية على غرار ما حصل في اليمن حيث كان التعاون بين الدولتين لافتاً، تلاشى بسرعة، بعدما تبين أن موسكو تهدف من ورائه بالدرجة الأولى إلى امتصاص النقمة الدولية التي تصاعدت بعد مجزرة الحولة، وإلى كسب الوقت لمصلحة نظام الأسد.
كانت موسكو في الزمن السوفياتي تقول إنها مع الشعوب العربية ضد أنظمتها وتحرض الأحزاب والجهات الموالية لها على فرض التغيير وتنتقد الغرب بشدة لدفاعه عن الأنظمة. واليوم عندما هبت هذه الشعوب للتخلص من الأنظمة الديكتاتورية التي حكمتها عقوداً بلا رحمة وقفت موسكو «الجديدة» ضدها غير عابئة بالشعوب التي طالما ادعت صداقتها.
هذا الانقلاب في الأدوار مرده إلى رغبة قادة الكرملين الحاليين في استعادة هالة «الدولة العظمى» بأي ثمن، بل أساساً عبر المعارضة المسبقة والعمياء لكل ما يطرحه الغرب من حلول وأفكار، وفي أي ملف كان، بذريعة إنه يهدد أمنها ومصالحها، مستفيدة في ذلك من قدرتها على التعطيل في مجلس الأمن، وأيضاً من فترة المهادنة التي يفرضها اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية.
ومع ذلك لا يزال البعض يعتقد بأن موسكو تفاوض في مناطق أخرى، وأنها مستعدة للتعاون في الملف السوري مقابل تنازلات غربية في خصوص «الدرع الصاروخية» التي ترى أنها تفقدها قدرة الردع النووية، وتسعى لإبرام معاهدة شراكة استراتيجية مع الاتحاد الأوروبي تشمل إلغاء تأشيرات الدخول لمواطنيها، وكذلك لمنحها تسهيلات إضافية في إطار منظمة التجارة الدولية. لكن إلى أن ينجح الروس في الحصول على مطالبهم أو بعضها، أو أن تنتقل الضغوط الدولية عليهم إلى مرحلة أكثر فاعلية، سيظل الشعب السوري يعاني من آلة النظام العسكرية التي تمدها موسكو بشكل مضطرد بوسائل القتل والتدمير.