Monday, May 14, 2012

غيفارا جنوب اليمن.. يروي قصة التدخل الإيراني وعروض التسليح

عدن: غيث عبد الأحد
باتفاق خاص مع «الغارديان» البريطانية
لقاء بالسفارة الإيرانية في دمشق أعقبه وفد من 15 يمنيا إلى طهران لمقابلة مسؤولين بأسماء مستعارة عرضوا أسلحة وتدريبا

جماجم، هو قيادي مسلح ذو عينين داكنتين يلقب نفسه بـ«غيفارا جنوب اليمن». إنه ينتمي إلى جماعة الحراك الجنوبي التي تتخذ من منطقة ميناء عدن الفقيرة مقرا لها وتدعو الشباب اليمني إلى الانفصال عن الشمال لنحو نصف عقد. ليس من الصعب إدراك سبب اعتقاده أن مستقبل الجنوب سيكون أفضل من وضعه الحالي، حيث بات مستقرا للحزن والفقر منذ عقود كثيرة. تعج الشوارع بأكوام من السمك الفاسد والقمامة المتعفنة، في الوقت الذي يجلس فيه رجال منهكون على الأرصفة يمضغون القات في محاولة لدفع ملل البطالة بعيدا. وتمتلئ المرتفعات ذات الصخور البركانية بأكواخ المهاجرين غير الشرعيين المصنوعة من طوب الفحم وألواح الصفيح. مع ذلك يقبع تحت هذه الطبقة من القذارة شكل من أشكال التدخل في اليمن سيؤدي على الأرجح إلى تزايد الصراع وتعميق الانقسامات داخل الدولة. بعد فترة قصيرة من تنحي الرئيس علي عبد الله صالح في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي خلال الربيع العربي، اتصل بجماجم وسيط مكلف من رجل قال إنه من «دولة صديقة» تعرف بدعمها للثورات. كان جماجم محبطا، فرغم رحيل صالح، لم يتم تحقيق أي من مطالب الانفصاليين، لكن لاحت يد المساعدة كما قال الرجل. هل كان مهتما؟ يقول جماجم: «بالطبع أنا على استعداد للحصول على المال من الشيطان إذا كان يستطيع مساعدة دولتي، فالغريق يتعلق بقشة».
كانت مقابلته مع الرجل الذي تبين بعد ذلك أنه من إيران مميزة في حد ذاتها، لكنها تلقي الضوء على قضية أكبر تتمثل في التدخل الأجنبي في اليمن، وكيف دمرت الصراعات بين دول الخليج وإيران والولايات المتحدة و«القاعدة» أجزاء من اليمن وحولتها إلى أنقاض، وكيف دفعت اليمنيين إلى أحضان الجهاديين. عندما بدأ الإيرانيون الاتصال بجماجم، طلبوا منه تجميع مجموعة من نشطاء الحراك الجنوبي، وبعد أسبوع ذهبوا إلى دمشق حيث التقوا مسؤولين من السفارة الإيرانية. وأخبر المسؤولون تلك المجموعة بأنهم سيدعمون مطالبتهم بتطبيق النظام الفيدرالي في اليمن، لكن ليس بإقامة دولة منفصلة كما يريدون، بحسب جماجم والنشطاء الآخرين. وقال: «لقد أخبرتهم بأنهم يريدون الاستقلال، وأن القرار ليس بيدي، فمن معي سيدينونني إذا وافقت على النظام الفيدرالي».
بعد أيام عاد الإيرانيون وأخبروا اليمنيين بأن عليهم الذهاب إلى طهران لمقابلة مسؤولين رفيعي المستوى. وأجروا ترتيبات سفر 15 يمنيا إلى طهران من دون تأشيرات على إحدى رحلات «الخطوط الجوية الإيرانية». ولم يكن هناك أي شخص آخر على متن الطائرة على حد قول نشطاء. وعندما هبطت الطائرة مروا من دون الحاجة إلى ختم جوازات السفر. وبدأ التعامل معهم منذ ذلك الحين كمعتقلين لا أطراف مشاركة في مفاوضات على حد قول اليمنيين، حيث تم نقلهم بالحافلة إلى أحد الفنادق ولم يسمح لهم بالتحرك إلا بصحبة حرس لمقابلة المسؤولين الإيرانيين. وقالت ناشطة في المجموعة، رفضت الكشف عن اسمها: «كانت أسماء كل المسؤولين الذين قابلناهم مستعارة. ولم يخبرونا من الذي يعملون لصالحه، لكنهم طرحوا علينا الكثير من الأسئلة. وعقدت الاجتماعات في وزارات، لكننا لم نعرف أيا منها، وكان الإيرانيون كثيرا ما يتحدثون العربية التي كانوا يجيدونها إلى حد كبير». وقال جماجم: «لقد قالوا إن إيران تود الاستثمار في مشاريع البنية التحتية في الجنوب. وقالوا إنهم سيبنون مستشفى وسيدفعون رواتب للنشطاء. وكذلك سيمنحونني بضعة ملايين من الدولارات لأبدأ بدفع الرواتب». وأضاف: «الأهم من ذلك هو قولهم إنهم سيمدوننا بالأسلحة والتدريب».
كان الإيرانيون يبحثون عن موطئ قدم في شبه الجزيرة العربية بحسب قيادي في جماعة الحراك الجنوبي، الذي رفض ذكر اسمه. قائلا ان كل من إيران والمملكة العربية السعودية تتدخلان في شؤون اليمن منذ سنوات، لكن زادت حدة هذا التدخل بعد الربيع العربي. اما جماجم فيدعي: «تدعم الدول العربية السنية، مثل السعودية وقطر، السنة في سوريا وتغض الطرف عن الشيعة في البحرين، بينما يبحث الإيرانيون عن موطئ قدم في المنطقة من أجل الضغط على المملكة العربية السعودية، وليكونوا بالقرب من مضيق باب المندب في حال خوض حرب مع الأميركيين».
يمر عبر مضيق باب المندب، حيث يلتقي البحر الأحمر وخليج عدن قبالة الطرف جنوب غربي اليمن، كل السفن التي تمر من قناة السويس ونحو 30 في المائة من نفط العالم. كذلك لليمن حدود طويلة غير مسيطر عليها بشكل كامل مع المملكة العربية السعودية حيث تمتد بطول 1100 ميل عبر الجبال والصحراء والتي تهرب عبرها الأسلحة والقات والعناصر الجهادية المسلحة إلى المملكة العربية السعودية. وكان الشباب يتجهون إلى إيران بهدوء لتلقي التدريب على حد قول قيادي من النشطاء. وأوضح قائلا: «إنهم يتحركون في أعداد صغيرة. لا أعتقد أن الإيرانيين يدربون جيشا هناك، فنحن لسنا بحاجة إلى تدريب عسكري. أعتقد أنهم يجندونهم من أجل العمل كعملاء استخباراتيين هنا في المستقبل، لكن هل هم بحاجة إلى تجنيد عميل استخباراتي في ثورة؟ إذا ساعدت الثورة فسيساعدك الشعب بأكمله». وليست إيران هي الدولة الوحيدة التي تحاول أن تزرع جواسيس في المنطقة، حيث تبين مؤخرا أن أحد الانتحاريين الجهاديين، الذي تورط في التخطيط لهجوم على طائرة أميركية، كان يعمل لدى الأمن السعودي ووكالة الاستخبارات الأميركية. ويقال إن هناك علاقة بين العميل المزدوج والغارة الجوية التي شنت يوم الأحد وأسفرت عن مقتل فهد القصع، زعيم «تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية»، الذي كان وراء الهجوم على المدمرة الأميركية «يو إس إس كول» عام 2000.
كان اليمن دولتين منفصلتين قبل عام 1990. وعندما غادرت القوات البريطانية الجنوب عام 1967، استولى الماركسيون على الحكم وأصبحت تعرف باسم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. وتفاوض علي عبد الله صالح، الذي كان يحكم الشمال آنذاك، في عام 1990 مع النظام في الجنوب لتوحيد اليمن في إطار اتفاق لتقاسم السلطة.
وسرعان ما أعاد سكان الجنوب التفكير واندلعت الحرب في عام 1994 بين جيشي الشمال والجنوب اللذين حافظا على انفصالهما. وهزمت قوات صالح قوات الجنوب في غضون أسابيع، ثم أحكمت قبضتها على المنطقة. وكانت النتيجة زيادة الفساد مع استئثار النخبة الشمالية بأفضل الوظائف والأراضي. وقال سكان الجنوب إنه تم تهجير مسؤولين حكوميين من الجنوب من العقارات المميزة الساحلية التي تم إحاطتها بالأسوار وحل محلهم أشخاص من العاصمة صنعاء. وكان المقاولون الذين يديرون حقول النفط والغاز من الشمال.
كل ليلة كان الشباب والعجائز يخرجون في مسيرات في شوارع عدن وهم يحملون الأعلام ويدعون إلى إنهاء هذه الوحدة. واندلعت احتجاجات عفوية مع مغادرة الطلبة مدارسهم.
وفي أحد أيام الجمعة تابعنا مسيرة لخمسة عشر شخصا يحملون جثتي شهيدين قتلا على أيدي الشرطة. عندما وصلت الجموع إلى المقبرة وبدأت تلوح بما تحمله من أعلام، اتخذ الجنود مواضعهم على أرض مرتفعة تطل على الجنازة ثم فتحوا النيران عليهم، مما أدى إلى إصابة ثلاثة شباب. وسخر المتظاهرون الغاضبون من الجنود قائلين إنهم يجب أن يتوجهوا إلى أبين حيث سيطر الإسلاميون المسلحون على المنطقة وأعلنوها إمارة إسلامية. ورقص مجموعة من الشباب بعد ذلك بعلم جنوب اليمن القديم أمام سيارات مدرعة تابعة للجيش. وكانت المدينة تمتلئ ليلا بوحدات صغيرة من المسلحين يعرفون باسم «طيور الجنة». ولا أحد يعرف على وجه الدقة هويتهم وهل هم من الجهاديين أم الانفصاليين أم مزيج من الاثنين. وفي صباح أحد الأيام في منطقة المعلا في عدن رأينا خمسة منهم وكانوا شبابا نحيفين قصار القامة جوعى يقفون على حاجز طريق يخطفون حافلات تابعة للحكومة. ورأيناهم مجددا في إحدى الليالي وهم يقفون في ركن قصي من الشارع بجانب سوق القات تأهبا لمهاجمة موكب من سيارات الشرطة. وفي واقعة أخرى، قطعت مجموعة أخرى من الرجال الملثمين المسلحين طريقا آخر للمطالبة بإطلاق سراح أحد رفقائهم.
في منزل قديم في عدن، جمع جماجم مجموعة من رجاله. وكانت ثيابه مثل سياسته، مزيجا يعبر عن كل التوجهات العسكرية والثورية التي مرت على منطقة الشرق الأوسط، حيث كان يرتدي قميصا رياضيا أسود وبنطال صاعقة أسود ويلف كوفية سوداء حول رأسه مثل مقاتلي حزب الله، بينما تمثل لحيته الطويلة الشعثاء وشعره الأسود الطويل الذي يصل إلى كتفه تحية للجهاديين في جنوب اليمن.
وقال جماجم لهم: «يشعر الشباب بالحنق ولديه السلاح ويطالب بالحرية، والطريق الوحيد للحرية هو انتزاعها. لن تمنحنا أميركا الحرية، يجب أن نقاتل من أجلها».
قبل الربيع العربي بسنوات كثيرة، دشن هو ومئات من رفاقه في جنوب اليمن حركة سلمية تطالب بالحرية وإنهاء حكم صالح الاستبدادي واستغلال الشمال للجنوب. وكان رد الدولة هو الظلم. واعتقل جماجم، خلال أقل من نصف عقد، ست مرات وتعرض للضرب وشتى أنواع التعذيب، مثل تعليقه في سقف الزنزانة لأيام،، وكان يحلق شعره وذقنه بالسكينة. وبعد هذه التجربة تحول من متظاهر سلمي إلى قائد مسلح يدعو إلى صراع مسلح.
تحول المتظاهرون السلميون إلى حركة انفصالية، تسمى الحراك الجنوبي، تطالب بـ«الاستقلال» و«عودة دولة جنوب اليمن»، ولكن اتبعت الحركة مسار الثورات العربية الأخرى لتصبح حركة شعبية كبيرة من دون قائد تحولت إلى أكثر من مجلس أعلى للإنقاذ، ولجان ثورية، تزعم كل منها أنها ممثلة للشعب بينما يتصارعون بسبب خلافات وعداوات شخصية. قال جماجم لأنصاره: «أيها الإخوة، يجب عليكم أن تثوروا ولكن ليس ضد قمع الشمال فقط، بل أيضا ضد هؤلاء الذين يزعمون أنهم قادتنا. يعزل العالم العربي الطغاة، بينما تقومون أنتم بصناعة طاغية آخر، هؤلاء القادة ليسوا سوى مومياوات».
لقد كان السبب وراء توجه الحركة لطهران، هو الإحباط الذي شعرت به الجماعة نتيجة عجز قادتها، حيث تقول ناشطة: «لقد ذهبنا إلى إيران ونحن نشعر بالخزي، حيث أغلقت كل الأبواب في وجوهنا وكان الإيرانيون هم فقط من عرض علينا المساعدة».
ماذا قالوا لإيران في النهاية؟ أجاب جماجم: «لقد رفضنا». لقد وضعت إيران شرطا أساسيا، وهو عدم تحكم الحراك الجنوبي في مخزون الأسلحة، بل ستكون تلك مهمة المتمردين الحوثيين في الشمال، وهم الشيعة الذين ظلوا يحاربون الحكومة المركزية على مدار ما يقرب من عقد ويعتقد أنهم مدعومون من قبل.
وأضاف جماجم: «لقد أخبرونا أن الحوثيين سيمدوننا بالأسلحة والأموال، نحن نحاول أن نحرر بلادنا من أيدي سكان الشمال، ولن نكون تحت سيطرة طرف شمالي آخر. لقد أدركنا حينئذ أن إيران تريد خداعنا، ولذلك رفضت تلقي أموال من إيران».
ومع عودته من إيران، قرر جماجم أن يصبح جهاديا، حيث قضى بضعة أسابيع معهم في الإمارة الإسلامية المنشقة الموجودة بمدينة جعار جنوب اليمن. ورغم كونه علمانيا، أعجب «غيفارا جنوب اليمن» بقوة الإسلاميين.
قال جماجم لجماعته في اجتماع بمدينة عدن: «انظروا إلى الإخوة المجاهدين في مدينة جعار، لقد حملوا سلاحهم وحرروا أراضيهم، وأقاموا نظاما. لقد صنعوا شيئا من لا شيء، أتعلمون لماذا؟ لأن شباب (القاعدة) يحاربون من أجل قضية بينما نحن في الحراك الجنوبي نبقي معتقداتنا داخل قلوبنا. يجب علينا أن نضحي ونموت».
وعندما وصل إلى تلك المرحلة، تململ بعض الثوار الشباب المجتمعين، حيث إن أغلبهم نشطاء علمانيون يمضغون القات ويدخنون وغير ملتزمين دينيا. فسأله أحدهم: «هل تريد دولة إسلامية تطبق الشريعة؟! نحن نريد دولة مدنية، وهو ما لن يفعله الجهاديون من أجلنا».
أجاب جماجم: «لا أريد دولة إسلامية تطبق الشريعة ولكن الجهاديين قادمون»، وقام برسم دائرة على وسادة قائلا: «انظروا، يحيط الجهاديون بعدن، وقد استولوا على الشرق (مدينتي زنجبار وجعار)، ويهاجمون الآن المداخل في الشمال حتى أن بعض رجالهم قد دخلوا المدينة بالفعل». وأضاف جماجم أن المعركة للاستيلاء على عدن أصبحت وشيكة وإذا قاومهم الانفصاليون فسوف يكون ذلك خطأ كبيرا. وأوضح قائلا: «لقد أخبرت قادتنا أنه إذا استولى الجهاديون على عدن، فلن أرسل رجالي ليموتوا وهم يحاربونهم. إذا فقد الشباب الأمل في قضيتنا، فسوف يبحثون عن بديل، وحينئذ سوف ينضم شبابنا المحبط اليائس لـ(القاعدة)».

سوريا..الأبناء وتراث الآباء

محمد بن عبد اللطيف ال الشيخ
لا أعتقد أن ثمة طريقاً بقي لبشار الأسد وذويه غير الهروب واللجوء لطهران، ليتخلّص من مأزقه ومن مصير القذافي الذي أراه يقترب نحوه يوماً بعد يوم؛ وأعتقد أن مكابرته، وإصراره على القتل والتدمير لن يُنجيه من هذا المأزق في النهاية؛ فقد جرب القمع أربعة عشر شهراً فلم يخرجه القمع من نفقه المظلم، بل زاد ظلامه ظلاما.
واضح أن بشار فشل بامتياز في إدارة اللعبة في بلده، وأن إصراره على أسلوب والده وعمه والرعيل الأول من آل الأسد هو ما أوصله إلى هذا المأزق، وجعل الخناق يضيق عليه وعلى جيشه وشبيحته يوماً بعد يوم. ورّط بشار وأهله وطغمته اعتقاده أن حلول الأمس صالحة لمواجهة أزمات اليوم، وأن ما حكم به والده صالح ليحكم به الابن من بعده؛ لذلك بقي حافظ الأسد (حياً) لم يمت، وكأني به وبمن حوله يستحضرون شخصية حافظ كلما واجهوا مشكلة أو حلَّت بهم مصيبة من خلال استحضار تراثه وتصرفاته ومقولاته وتوصياته، يبحثون فيها وفي منطقها عن حل لمشاكلهم، وكأنَّ الزمن عنصر (استاتيكياً) ثابتاً وغير متغيّر، وهذه ليست وقفاً على بشار وذوي حافظ الأسد بالمناسبة، وإنما هي من ثوابت الذهنية العربية؛ فما سار عليه الآباء صالح دائماً لأن يسير عليه الأبناء، أما اختلاف الزمن والظروف والعوامل بين الأمس واليوم فلا قيمة لها عند المقارنة والبحث عن الحلول؛ أي أن عامل اختلاف الزمن ليس حاضراً في أذهانهم.
هل لو واجه حافظ الأسد (الداهية) هذه المتغيّرات اليوم سيعالجها بنفس الطريقة التي واجه بها ثوار حماة في بداية الثمانينيات من القرن المنصرم؟.. أكاد أجزم أن الإجابة هي (لا)، لسبب بسيط مؤداه أن حافظ هو من الدهاء والذكاء والقدرة على قراءة الأحداث، ناهيك عن الواقعية، بحيث يتهيأ لها ويستعد قبل أن تقع، ما يجعلها تمر عن يمينه وعن شماله دون أن تؤثّر على بقائه. أما بشار فهو شاب مترف، بلا تجربة، ولم يعرف المعاناة قط، غارق في الملذات؛ وكأي إنسان منغمس في الترف حتى أذنيه، وفي النعيم حتى الثمالة، ومحفوف بمجاميع من المطبلين وماسحي الجوخ، تتبلّد لديه حاسة الشعور بمعاناة الآخرين، وتوقّع ردود أفعالهم، وتتضخم (الأنا) لديه حتى يتوهّم أن الناس من حوله مجرد أقزام وهو العملاق الوحيد بينهم، لذلك كانت ردة فعله، أو هي ردة فعل صديقه وابن خالته حاكم درعا، على مشاغبات أطفال درعا وشخبطاتهم على الجدران قاسية وشرسة ومتطرفة ولا تتناسب إطلاقاً مع الجرم الذي اقترفوه، لأنه فهم أن الحكم يعني (القمع) فقط، والضرب بيد من حديد كما كان مورثهم يفعل في زمنه، ليكون هؤلاء الأطفال عبرة لآبائهم، غير أن هذا التصرف الأرعن كان بمثابة الجذوة التي أشعلت سوريا بكاملها في وجهه، فاكتشف متأخراً، وبعد فوات الأوان على ما يبدو، أن (القمع) والضرب بيد من حديد ليس دائماً هو الحل، وها هي الثورة رغم أعلى درجات القمع تحث خطاها قادمة إليه في قصره في دمشق، ولا بد من أن تصل إليه طال الزمن أو قصر.
مشكلة الأبناء أن آباءهم الذين ورثوهم الحكم لا يموتون، وإنما يبقون أحياء في أذهانهم، أو في لا وعيهم، يُشكلون لهم قدوة، ويستعيدون تصرفاتهم وأقوالهم وقصصهم، ويغفلون عن حقيقة مؤداها أن الزمن وما يكتنفه من ظروف عناصر مُتغيّرة وليست ثابتة؛ فلو كان آباؤهم يمرون بما يمر به الأبناء الآن فليس بالضرورة أنهم سيمارسون نفس الحلول التي مارسوها لمواجهة تلك التحديات، فلكل زمان دولة ورجال وظروف أيضاً.

جورج كينان العربي

سعود كابلي
قصة جورج كينان تضيء جانبا من لماذا سقط الاتحاد السوفييتي وظلت الولايات المتحدة؟ وهو جانب الفرق بين مؤسسة الفرد وفرد المؤسسة. قصة كينان هي قصة دولة مؤسسات تعلي من قيمة الفرد وإسهاماته
تقول الأسطورة الشعبية أيام الاتحاد السوفييتي إن الخط الدائري لمترو الأنفاق في موسكو والذي يقع في وسط المدينة لم يكن موجودا في الخرائط الأصلية لشبكة المترو، وما حدث هو أن المهندسين عندما عرضوا الخرائط على جوزيف ستالين (الدكتاتور الروسي الشهير) قام بوضع فنجان قهوته على الخرائط الأصلية فانطبع أثر بعض القهوة من أسفل الفنجان على الخرائط في المكان الذي يوجد به اليوم خط المترو الدائري في موسكو، والذي للمفارقة تم اختيار اللون البني له وهو لون القهوة، حيث إن كل خط من الخطوط يحمل لونا مغايرا كما هي العادة في رسومات خرائط المترو. وتمضي الأسطورة في أن المهندسين قاموا بإنشاء هذا الخط لأنه ما كان أحد ليجرؤ على المناقشة أو ليتحمل مسؤولية تفسير عدم وجود الخط الذي رسمه انطباع فنجان قهوة ستالين على الرسومات الأصلية، ولاحقا عُد هذا الأمر مثالا على عبقرية ستالين المتناهية ورؤيته التي لم يضاهها أحد.
مضت الأيام وسقط الاتحاد السوفيتي بكل جبروته كبيت من ورق، وربما لم يكن هناك شاهد أفضل على سقوط الاتحاد السوفيتي من السياسي الأميركي المخضرم جورج كينان (George Kennan) الذي عاش أكثر من ١٠٠ عام (ولد في ١٩٠٤ وتوفي في ٢٠٠٥) وكان أحد القلائل من الساسة الذين كتب لهم أن يشهدوا قرنا كاملا بكل ما فيه من أحداث من قلب العمل السياسي. بدأ كينان حياته كدبلوماسي تنقل بين عدة مدن وكان ضمن طاقم أول سفارة أميركية في الاتحاد السوفيتي تفتتح في موسكو عام ١٩٣٣ بسبب إجادته اللغة الروسية وتعمقه في الشأن الروسي، وبعد عدة تنقلات عاد لموسكو مرة أخرى في عام ١٩٤٤ كنائب للسفير هناك. خلال كل تلك الفترة شهد كينان من خلال وجوده في أوروبا الحرب العالمية الثانية وكذلك صعود الاتحاد السوفييتي قبل الحرب. في عام ١٩٤٦ كتب كينان ما بات يعرف "بالتلغرام الطويل" (the long telegram) وهي مراسلة كتبها من السفارة ردا على وزارة الخارجية الأميركية يشرح فيها سياسة الاتحاد السوفييتي وتحليله لها وكذلك رؤيته حول سبل التعامل الأمثل معها. كان كينان معارضا للتعاون مع السوفييت وفي تلك المراسة استخدم مصطلح "احتواء" الاتحاد السوفييتي، وبنى عليه مقترحا لسياسة الولايات المتحدة تجاه السوفييت، وهو ما قامت عدة دوائر في واشنطن لاحقا بعد جدال بتبنيه، وقام على إثرها الرئيس هاري ترومان بتبني "سياسة الاحتواء" (containment policy) ضد الاتحاد السوفييتي وأعلنها في مبدئه الشهير الخاص بسياسة أميركا الخارجية (Truman doctrine) في عام ١٩٤٧. سياسة الاحتواء هذه هي التي شكلت بصورة أو بأخرى أساس الحرب الباردة التي طبعت القرن العشرين بالعديد من الأحداث فيه. في نفس العام قام كينان بتوسعة تحليله ومقترحه الخاص بسياسة الاحتواء من خلال كتابة مقالة بعنوان "مصادر سلوك السوفييت" (Sources of Soviet Conduct) نشرت في مجلة "فورين آفييرز" تحت معرف مجهول أشير له بمستر X لاسم الكاتب فاشتهرت لاحقا "بمقالة إكس" (X article). هذا المقال كان في الواقع تقريرا أعده كينان لوزارة الدفاع الأميركية، ونشره أطلق نقاشا عريضا في الولايات المتحدة حول الاستراتيجية العامة للتعامل مع الاتحاد السوفييتي، وشكل أساس النظرة الأميركية للسوفييت. في بداية الستينات ترك كينان العمل الدبلوماسي وانتقل للمجال الأكاديمي حتى وفاته ليصبح أحد أهم أساتذة العلوم السياسية في العالم، وأحد مؤسسي ومنظري "المدرسة الواقعية" في العلاقات الدولية (realist school).
قصة جورج كينان تضيء جانبا من لماذا سقط الاتحاد السوفييتي وظلت الولايات المتحدة؟ وهو جانب الفرق بين مؤسسة الفرد وفرد المؤسسة. قصة كينان هي قصة دولة مؤسسات تعلي من قيمة الفرد وإسهاماته، وتسعى لتمكينه لأنه جزء من تمكين المؤسسة والدولة ككل. ثقة الدولة في كينان ودوره تجاه موسكو جعلت من مراسلته أساسا لصناعة توجه دولة، ضمن عمل مؤسساتي هرمي سليم حتى فُتح نقاش عام في المجتمع حول مثل هذا التوجه وتوائمه مع مصالح الدولة. وفي المقابل كان كينان نتاجا طبيعيا لدولة مؤسسات تجعل من الفرد عضوا فاعلا ذي ثقل في أي مؤسسة هو جزء منها، يختلف معها ويضيف لها باختلافه، فالمؤسسة والدولة تصبحان ناتج مجموع عطاء أفرادها وليس العكس. خرجت الولايات المتحدة منتصرة من الحرب الباردة لأنها صنعت أفرادا منتصرين داخل أنفسهم قادرين على العطاء وعلى تقديم أفكار لمجتمعاتهم ضمن مؤسسات أتاحت للفرد وإن كان حتى داخل المؤسسة أن يختلف وأن يقدم أفكاره بحرية وابتكار. في مقابل مجتمعات كمجتمعاتنا العربية خنقت الفرد، وليس أبلغ من مثال العراق، فعندما قام صدام حسين بإضافة جملة (الله أكبر) للعلم العراقي وكتبها عليه بخط يده في عام ١٩٩١، وارتكب خطأ إملائيا فادحاً (أضاف همزة للألف في لفظ الجلالة) لم يجرؤ أحد على تغييره أو مناقشته، وظل العراقيون يقفون لمدة ١٣ عاما تعظيما لعلم بلادهم وهم يرون فيه خطأ إملائيا فادحا دون أن ينبس أحد ببنت شفة.

إيران في المنطقة مثلها مثل القاعدة

طارق الحميد
لا تنشط «القاعدة» إلا في المناطق الانفصالية، أو التي تطغى عليها النزاعات القبلية، كما أنها تزدهر أينما وجدت أجواء طائفية. والأمر نفسه ينطبق على السياسة الإيرانية بمنطقتنا؛ فطهران تدعم الأسد البعثي، العلماني، العلوي، مثلما تدعم «القاعدة» السنية المتطرفة المتعايشة مع الحوثيين باليمن!
فبالأمس نشرت «الشرق الأوسط» تحقيقا مذهلا بالاتفاق مع صحيفة «الغارديان» البريطانية، يكشف عن التحرك الإيراني المحموم لدعم الانفصاليين الجنوبيين باليمن، وهو تحقيق يشير بوضوح إلى خطورة ما تفعله إيران بمنطقتنا، سواء اليمن، أو العراق، أو البحرين، أو لبنان، أو سوريا، أو غزة، حيث توزيع الأموال، والسلاح، وإنشاء وسائل إعلام مسمومة سواء مرئية، أو ورقية، وعلى الإنترنت، هدفها تمكين إيران من اختراق دولنا، بما فيها مصر والمغرب العربي. فتحقيق «الغارديان» يسلط الضوء على الطريقة التي يعمل بها الإيرانيون، وهي طريقة مشابهة لعمل «القاعدة»، حيث نجد أن طهران تنشط في المناطق الانفصالية، والطائفية، وحتى بين من انطلت عليهم حيلها، تارة باسم الممانعة، التي بات معلوما للقاصي والداني أنها مجرد كذبة، وتارة أخرى باسم الثورات، بل ها هو مسؤول كبير بالحرس الثوري الإيراني يحتج على مسمى الربيع العربي مطالبا بتسميته بالصحوة الإسلامية، ولا نعلم هل ينطبق هذا على سوريا، والبحرين أيضا!.. وإذا كان كذلك فلماذا تقف إيران مع الأسد ضد السوريين، ولماذا تدعي المعارضة الشيعية البحرينية المدعومة من إيران الديمقراطية؟ أمر محير فعلا!
ومن هنا فإن أهمية تحقيق «الغارديان» الذي نشرته صحيفتنا تكمن في أنه يظهر بوضوح علاقة إيران بالحوثيين، وسعيها لاختراق الجنوبيين باليمن، خصوصا أن إيران تشترط أن يكون تسليح الجنوبيين من خلال الحوثيين!.. كما أن أهمية هذا التقرير تتضح من خلال معرفة أن الخمسة عشر يمنيا الذين سافروا لطهران قد تم التعامل معهم منذ وصولهم وكأنهم معتقلون، وهذا ما تم مع أفراد «القاعدة» الموجودين بإيران ومنهم أبناء بن لادن، وقد ذكر أحد المصادر اليمنية التي سافرت إلى طهران أن أسماء كل المسؤولين الإيرانيين الذين قابلوهم كانت مستعارة! كما كشفت الصحيفة أن الإيرانيين قد أخبروا الجنوبيين بأن طهران تود الاستثمار في مشاريع البنية التحتية في الجنوب، من بناء مستشفى ودفع رواتب للنشطاء.. و«الأهم من ذلك هو قولهم إنهم سيمدوننا بالأسلحة والتدريب».
وهذا ما تفعله إيران بالطبع بمنطقتنا من العراق للبنان، وسوريا، وهذا ما كانت تفعله «القاعدة» سابقا بأفغانستان، واليوم في اليمن، حيث تمد بعض المناطق اليمنية بالماء والكهرباء مجانا، حتى بتنا لا نرى فرقا بين أسلوب «القاعدة» وإيران! ولتتضح الصورة أكثر فيكفي تأمل الآتي.. فبينما يكتشف العالم أن الأمن السعودي هو من أحبط العملية الإرهابية لـ«القاعدة» والتي كانت تستهدف طائرة مدنية، ومن اليمن، نكتشف اليوم أن إيران تحاول تسليح وتدريب الجنوبيين هناك، مثلما تفعل مع الحوثيين والصدريين، وحزب الله، والأسد.. فهل يمكن القول إن هناك فرقا بين «القاعدة» وإيران؟ بالطبع لا!
ولذا فإن خطر إيران بمنطقتنا لا يقل عن «القاعدة»، وكلتاهما تتحرك بنفس الأسلوب، وبشكل مفضوح.

خميس دمشق الأسود..هل هو إنذار أخير

فايز سارة
كان خميس دمشق الأخير دمويا. عشرات القتلى ومئات الجرحى، عشرات السيارات المحطمة والمحروقة منتشرة على مساحة كبيرة من الطريق السريع في قلب دمشق، واجهات بيوت ومحلات قريبة من مركز الانفجار إضافة إلى واجهتي فرعين للمخابرات العسكرية السورية ظهرت منهارة أو مدمرة. كان مشهدا مأساويا بكل معنى الكلمة، كان في أحد وجوهه يلخص خمسة عشر شهرا من مسارات القتل والدمار السوري الذي رسمه الحل الأمني العسكري الذي اختاره النظام مسارا لمعالجة أزمة سياسية اقتصادية اجتماعية وثقافية، بدل أن يختار حلا ومعالجة سياسية للأزمة كما هو مفترض.
بعيد الانفجار المزدوج، اتهم النظام جماعات إرهابية بارتكاب التفجير المدمر في إشارة لمعارضيه، فيما كانت المعارضة توجه أصابع الاتهام مباشرة للنظام بارتكاب الجريمة.
ورغم أن كل طرف ساق مبرراته لاتهام الآخر، فإن المعارضة، بدت أكثر قدرة على نفي إمكانية قيامها بمثل هذا العمل سياسيا وتقنيا، وشددت على أن المستفيد الرئيس من هكذا عمل هو النظام سواء لسعيه إثبات وجود جماعات إرهابية في البلاد أو من أجل تعميم الخوف في صفوف السوريين أو للاثنين معا.
وبغض النظر عن مرتكب هذا العمل، فإنه ينبغي العمل في كل المستويات المحلية والخارجية على كشف المرتكبين، وتقديمهم للقضاء ليقول بحقهم قراره جراء ما قاموا به من عمل إجرامي، يلحق الأذى بمدنيين عزل وأبرياء، ويساعد في انزلاق سوريا نحو عنف أوسع ستكون له تداعيات إقليمية ودولية أكثر بكثير من المتوقع.
وخطورة حدث الخميس الأسود، لا تعود إلى تفاصيله فقط، فقد شهدت سوريا ما هو أخطر منه في إطار الخطة الأمنية العسكرية في معالجة الأزمة كما حدث في حمص ودرعا وريف إدلب، إنما تعود أيضا إلى ظرفه، إذ جاء الحدث بمحتوياته وتفاصيله في ظرف تواجه خطة أنان انسدادات جدية في تطبيقها ولا سيما بصدد البند الأول الخاص بوقف العنف وسحب الأسلحة الثقيلة من الأماكن السكنية ومحيطها، والذي صار بمثابة أحجية يصعب حلها، الأمر الذي اعتبره كثيرون بمثابة نهاية لخطة أنان أو مؤشر بهذا الاتجاه على الأقل، ووسط هذا الاعتقاد جاء حدث الخميس بكل محتوياته دافعا نحو احتمالات تفجر عنف أعمى أوسع نطاقا في سوريا.
والصحيح أن التخوفات من انزلاق الوضع السوري في ضوء ما تواجهه خطة أنان من انسدادات في تطبيقها، لها ما يبررها في ظل أمرين اثنين؛ الأمر الأول ما تسوقه السلطات من مبررات تمنع تنفيذ ما يخصها في وقف العنف وسحب الأسلحة نتيجة خرق ما تسميه بالجماعات المسلحة لوقف النار، والأمر الثاني عدم تقدم الموفد الدولي وفريق مراقبيه لتنفيذ بقية بنود الخطة، والبقاء في حالة دوران حول البند الأول، ونسيان أو تجاهل بقية بنود الخطة الأخرى وفيها خمسة بنود منها ثلاثة يمكن تنفيذها دون أي إرباكات وهي المتصلة بإطلاق سراح المعتقلين، والسماح بمرور المساعدات الإنسانية، وحق الوجود الحر للإعلام، إضافة إلى بند السماح بالتظاهر للسوريين والذي يجد رفضا من جانب السلطات السورية.
إن بدء تنفيذ هذه البنود، إذا كانت هناك إرادة سياسية وعملية للتنفيذ من شأنه أن يدخل تعديلا جوهريا في مسار الخطة كلها، لأنه يوفر بيئة إيجابية للخروج من نفق بند وقف العنف وسحب الأسلحة الثقيلة، والمضي في حل سياسي يكون بديلا للحل الأمني العسكري للأزمة، مما يجنب البلاد انزلاقات الدخول في حرب داخلية وتداعياتها الإقليمية.
وبالخلاصة، فإن خميس دمشق الأسود بما حمله من تفاصيل، وما يحيط به من ظروف، يمكن اعتباره بمثابة إنذار نهائي، يؤشر إلى الأخطار التي يمكن أن تكون بعده في أخذ سوريا ومحيطها الإقليمي إلى أخطار، لا يمكن العودة منها في مدى منظور، وهذا يعني، أن على المعنيين فعلا بمعالجة الأزمة في المستويات المحلية وخاصة النظام، وفي المستويات الإقليمية والدولية، أن يعملوا بجد وبمسؤولية للخروج من الأزمة، ولعل أقرب الطرق، وأيسرها البدء الفوري بتنفيذ النقاط التالية من خطة أنان، التي وافق عليها الجميع، بدل التوقف عند النقطة الأولى ومشكلاتها سواء كانت هذه المشكلات جدية كما تقول السلطات السورية، أو أنها حسبما يقول الآخرون مجرد ذريعة لتهرب سلطات دمشق من مسؤولياتها وموافقتها غير المشروطة على خطة أنان.

وهل الربيع العربي صيغة من تطبيقات الفوضى الخلاقة

زين العابدين الركابي
من غرائب مفكري الغرب، أو (للدقة والعدالة) من غرائب (بعض) مفكريهم.. أنهم - وهم يؤبّنون الماركسية والشيوعية - يستعيرون أدبياتها ومفاهيمها.. ومن صور هذه الاستعارة لمقولات ماركسية:
أ) استعارة مقولة «الحتميات التاريخية»، وهي استعارة تبدت - أكثر ما تبدت - في كتاب فوكوياما «نهاية التاريخ وخاتم البشر»، فكما زعمت الشيوعية أن الحتمية التاريخية ستقود البشرية - حتما!! - إلى عهود الشيوعية الأولى التي انتفت فيها (بزعمهم) الاحتكارات والصراعات والمظالم والحروب، وأن الشيوعية التالية هي السقف الأعلى والنهائي للتطور البشري، زعم فوكوياما (أيضا) أن الرأسمالية الليبرالية هي الحتمية الموضوعية التي ستختم بها التطورات البشرية.. نعم. إن الرجل قد تراجع، تحت مطارق النقد الموضوعي والمنهجي.. تراجع عن تطرفه الفكري الذي لا يليق بمثله، وهو تراجع يدل على عقل يحترم النقد ويستفيد منه، وعلى شجاعة أدبية رفيعة.. وفي كل خير.
ب) من صور الاستعارة الغربية من الفلسفات الماركسية: نظرية.. أو مقولة «الفوضى الخلاقة».. فمن ثوابت الشيوعية أن النظام العالمي القديم كله قد فسد وتعفن لكثرة المظالم، وطول أمدها، وأنه يتوجب هدم هذا النظام كله بالقوة، وهذا هو نص مقولتهم في البيان الشيوعي الأول (المانيفستو): «إن الشيوعيين يعلنون جهرا أن أهدافهم لا يمكن تحقيقها إلا بقلب النظام الاجتماعي الحالي بأكمله بوسائل العنف».. وعبر عملية الهدم - التي تشيع الفوضى بالضرورة - «يتخلق» نظام جديد أفضل من القديم (حتما!!) بناء على قاعدة فلسفية يقينية عند الماركسيين وهي أن «الشيء يلد نقيضه الأرقى منه» في سلسلة التطور البشري.
إن رموزا غربية تبنت هذه النظرية فلسفيا واستراتيجيا وتحدثت عنها، وعملت على تطبيقها.. فماذا كانت النتيجة؟
من المنهج العلمي الصحيح لتقويم «النظريات وتطبيقاتها»: القياس بالأثر والنتيجة.. فلنُعمل هذا المقياس في تجارب ثلاث انبنت على نظرية «الفوضى الخلاقة»:
1) التجربة الأولى هي «الشيوعية».. ومما لا ريب فيه أن القياس بالأثر يقول: إن هذه التجربة فشلت على مستوى المجتمع والدولة.
2) التجربة الثانية هي «غزو العراق».. فماذا «خلقت» الفوضى الخلاقة في العراق؟.. «خلقت» عراقا كسيحا مهدما حضاريا، ممزقا اجتماعيا وسياسيا. فلم يصبح قاعدة لنفوذ الغزاة كما كانوا يتوقعون بموجب ما تخلقه نظريتهم من خلق جديد مفيد، بل أصبح العراق قاعدة لنفوذ دولة أخرى معادية لهم، ولو في ظاهر الأمر.
3) التجربة الثالثة هي «إنشاء القاعدة» التي طفقت تضرب بالعنف الدامي يمينا وشمالا.. ومن الكذب على الذات، وعلى الآخرين، الزعم بأن اللاعبين قد أنشأوا التطرف والغلو إنشاء. فبذور الغلو عندنا (بسبب الفهم المنحرف للدين) أسبق من وجودهم، بيد أنه من المؤكد أنهم «وظفوا طاقة الغلو والتطرف» في صناعة «فوضى خلاقة».. وبقياس الأثر.. ماذا خلقت هذه الفوضى الخلاقة؟ خلقت رعبا ودمارا في ديار الذين وظفوها واستعملوها: بمنطق روياتهم هم لما حدث في 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001.
أعلّمه الرماية كل يوم
فلما اشتد ساعده رماني
والسؤال الكبير المثير هو: هل يمكن أن يكون «الربيع العربي» صيغة من صيغ «تطبيقات الفوضى الخلاقة»؟
السؤال مذهل «!!!!!!». تريليون علامة تعجب.
نعم. بيد أن ما هو أكثر منه ذهولا ألا يُطرح هذا السؤال من خلال سياقات تتعلق بحاضر الأمة ومصيرها؛ مجاملة أو منافقة للرأي العام.
وأول مصادر الذهول: أن يكون الخوف من الرأي العام بديلا للخوف من الحكام المستبدين الهالكين، أي الخوف الذي يصادر «حرية التعبير» ذاتيا.. وكثيرا ما تكون سطوة الرأي العام كبتا رهيبا لحرية التعبير، حتى وإن سمحت القوانين بحرية نسبية للتعبير.
ثم إن السؤال الكبير المثير الآنف لم ينشأ من «العدم»، بل تكونت مضامينه من قرائن ووقائع تدل على «الفوضى».. من هذه القرائن والوقائع:
أ) منذ أيام، شن مسلحون ليبيون هجوما مسلحا على مقر الحكومة الليبية، مطالبين بحقوقهم كقوى مسلحة شاركت في المغرم، أي في الكفاح ضد نظام القذافي، وينبغي أن تتمتع بالمغنم (أموال في شكل أجور ومنح).. فردت الحكومة الليبية بأن هناك (لعبا وتزويرا)، بمعنى أن كثيرا من هؤلاء المطالبين لم يشاركوا في القتال ضد القذافي، وإنما هي دعوى بلا دليل وهذا «نوع من الابتزاز المالي».. التعبير بين القوسين تلفظت به الحكومة الليبية.. فهل هذه فوضى أو نظام؟ إنما فوضى في السلاح وحمله واستعماله، وفوضى إدارية في إدارة المال العام، وفوضى تمثلت في انعدام هيبة الدولة، والاجتراء على غزو مقر الحكومة.
ب) في مصر: الحكومة ترفض أن تخضع لمساءلة البرلمان ومحاسبته.. وهذا إلغاء واقعي لصلاحيات البرلمان التي من بدهياتها مساءلة الحكومة ومحاسبتها.. فهل هذه فوضى أو نظام؟
ج) وفي مصر أيضا - وفي زمن الفوضى في الفتيا الدينية -: أصدر أحدهم فتوى «دينيّة» (أي دينية سياسية) حكم فيها بالكفر (المخرج من الملة) على المجلس العسكري، وألْحق فتواه بما يترتب عليها، وهو وجوب قتال رجالات المجلس العسكري، بعد إعلان الجهاد ضدهم.. ومن المعروف أن هؤلاء الرجال مسلمون، ربما من بينهم من هو أصدق إسلاما من هذا المفتي، على الأقل ليس من بين هؤلاء من اجترأ على أن يتحمل تبعة «تكفير» المسلم (كما فعل مفتي هذه الفوضى الطامة العارمة).. روى البخاري (بسنده) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من دعا رجلا بالكفر أو قال: عدو الله، وليس كذلك، إلا حار عليه»، أي رجع الحكم بالكفر على من قذف مسلما بالكفر.. فهل هذه فوضى أو نظام؟ ألا إنها عين الفوضى ومحضها.
د) ومن صور الفوضى الخالصة: «سيولة» المعايير وميوعتها وتلونها حتى أصبحت تتلون بلون أمزجة وأهواء حملتها.. ومن أدق خصائص تعريف الفوضى: تحطيم المعايير والمقاييس حتى تصبح الأهواء هي المعايير؛ فمن صور هذه الفوضى: الطيش والنزق في الفتوى الدينية (راجع الفقرة «ج» الآنفة)، والجهالة المطبقة المتمثلة في الفتوى في السياسة الخارجية، وهي فتاوى قامت على أنقاض المعايير الموضوعية للسياسة الخارجية، وهي: الحرص على المصلحة.. وتكثير الأصدقاء.. وتقليل الأعداء.. ومن تلك الصور الفوضوية شيوع «ثقافة التبرير»؛ تبرير أعمال وأقوال وتصرفات ثوار الربيع العربي.. ومن هذه التبريرات: إرجاء تطبيق الشريعة الإسلامية (والمرجئة هم إسلاميون)، وتبرير تبريد الصراع مع إسرائيل بمنطق أن الظروف غير ناضجة لذلك.. وفي حقيقة الأمر، فإن هذه التبريرات هي ذاتها تبريرات الأنظمة السياسية التي ثارت عليها ثورات الربيع العربي.. فالحكام الهالكون لم يعلن أحد منهم كفره بشريعة الإسلام، وإنما كانوا يتعللون بـ«الظروف غير المواتية».. ولم يجاهر أحد منهم بـ«الحب الأبدي» لإسرائيل، وإنما كانوا يقولون إن تبريد الصراع معها أمر تمليه المصالح الوطنية العليا.. وإذا كان الربيع العربي يستعير منطق الأنظمة التي ثار عليها في أهم قضيتين: تطبيق الشريعة.. وإنصاف الشعب الفلسطيني من ظلم الاحتلال الإسرائيلي.. إذا قلد الأنظمة الزائلة، في موقفها من القضيتين الأهم، فلماذا ثار وقدم نفسه بديلا؟!
هـ) ومن صور هذه الفوضى: تفتيت الإرادة الوطنية التي لن تصح نهضة إلا بوحدتها، على الأقل في مجال ثوابتها التي لا تحتمل الاختلاف.. فحين تتفتت الإرادة الوطنية ما بين جيش ومدنيين، ويتفتت المدنيون تحت رايات شتى باسم «التعددية الجهول»، أي تعددية «التضاد»، لا تعددية «التنوع».. حين يحصل ذلك فإن الوصف الموضوعي له هو «الفوضى» وليس «النظام».

تصدير عنف جديد

عماد الدين أديب
لا بد أن يهتم السياسي العربي بما يحدث الآن من نشاط متزايد لتنظيم القاعدة في اليمن.
هذا النشاط يترجم سياسة جديدة يتبناها أيمن الظواهري الوريث الطبيعي لأسامة بن لادن في قيادة التنظيم.
وتهدف رؤية الظواهري الجديدة إلى تحقيق 3 أهداف رئيسية في المستقبل القريب:
1- نقل حركة الجهاد من دول «الخارج» مثل أفغانستان وباكستان إلى دول «الداخل» مثل مصر ودول الخليج العربي واليمن.
2- بدء التنظيم في التحول من حركة جهاد قائمة بالدرجة الأولى على «الجهاد بالنفس» إلى إعلاء دور الدعوة السياسية لنشاط وأفكار التنظيم.
3- محاولة استثمار حركة ثورات الربيع العربي وتحويل حركة الشارع من التظاهر والاحتجاج السلمي إلى الجهاد بالمال والنفس بشكل منظم تحت قيادة «القاعدة» أو فصائل موالية لها.
ولعل أكبر دليل على هذا، هو الأنشطة الأخيرة والعمليات المؤثرة التي قام بها البعض من أنصار «القاعدة» في منطقة «أبين» في اليمن وفي منطقة الحدود الفلسطينية المصرية داخل نطاق سيناء المصرية.
ويمكن فقط فهم هذا النوع من الأعمال ثم البيانات الصادرة منها على أنها محاولة لزرع جذور وأسس تنظيمية وخلق جمهور من الموالين لتنظيم القاعدة في هذه المناطق.
ويبدو واضحا أن فلسفة الدكتور أيمن الظواهري الجديدة القديمة والتي طالما مال إليها هي ألا ينحسر نشاط «القاعدة» الجهادي في أفغانستان فحسب، لأن «الخطر الأكبر» على حد قوله «يكمن في العالم العربي وأنظمته التي يتعين إسقاطها».
الأزمة التي سيواجهها العقل المعتدل في العالم العربي، أننا أمام ظاهرة محاولة تنظيم عنفي مثل «القاعدة» يريد امتطاء صهوة جواد ثورة سلمية مثل الربيع العربي.
هذه الأزمة سوف تعقّد أي تقدم حقيقي لثورات الربيع العربي، وقد تقوم باختطافها نحو دروب ومسالك العنف العبثي الذي قد يحول هذه الثورات إلى فوضى.
من هنا يتعين على أصحاب ثورات الربيع العربي أن ينتبهوا إلى محاولة الاختطاف الجديدة التي يقودها العنف الآتي من أفغانستان.

الخليج لم يعد فارسياً

خالد الدخيل
يمثل اسم الخليج الذي يفصل الجزيرة العربية عن إيران، وتطل عليه سبع دول عربية، بالنسبة للقيادة الإيرانية قضية تعتبرها موضوعاً ليس فقط للاختلاف مع العرب، بل وللصراع معهم أيضاً. دول مجلس التعاون، رغم قناعتها بالتسمية العربية للخليج، تتفادى في خطابها الرسمي والعلني ما قد يؤجج القضية. أما القيادات الإيرانية فتصر على تأجيج هذه القضية بمناسبة ومن دون مناسبة. فهي لا تكتفي بالتمسك بالتسمية الفارسية للخليج في خطاباتها ووثائقها الرسمية، بل تهدد المؤسسات والشركات التي لا تلتزم بهذه التسمية في وثائقها الرسمية. وآخر المواقف الإيرانية في هذا الصدد الانتقاد الشديد الذي وجهته إيران لشركة غوغل (محرك البحث) بسبب حذف اسم «الخليج الفارسي» من خرائطها الرسمية، بحسب موقع «الجزيرة نت».
إصرار إيران على تأجيج قضية التسمية هذه لافت لناحيتين: الأولى، أن إيران تعتبر نفسها دولة إسلامية، وهو ما يقتضي أن تكون المعايير الإسلامية مرجعية لمواقفها وسياساتها تجاه دول إسلامية أخرى. لكن إصرارها وبعنف على التسمية الفارسية للخليج يتناقض مع ذلك، لأنها تستند في هذا إلى موروث، ومرجعية قومية سابقة على الإسلام، وإيران تؤكد بذلك على أنها دولة قومية قبل أن تكون دولة إسلامية، وهذا حق لها وللشعب الإيراني، لكنه حق يستدعي التخلي عن توظيف الشعارات الإسلامية. الأمر الثاني اللافت في الموقف الإيراني، أنه ينطلق من مغالطة تاريخية مفادها أن لا علاقة للعوامل التاريخية والسياسية بتسمية المواقع الجغرافية، وأن الأسماء القديمة لهذه المواقع لم تتغير، ويجب أن تبقى كذلك مهما تغيرت الأحوال السياسية والظروف.
ترتكز المجادلة الإيرانية على فكرة وحيدة، وهي أن تسمية الخليج بـ«الفارسي» هي تسمية قديمة، وأنها يجب أن تبقى كذلك. وهذه مجادلة صحيحة، لكنها ليست دقيقة، فضلاً عن أنها تستند إلى مغالطة تاريخية، فمع أن اسم «الخليج الفارسي» كان الأشهر قديماً، إلا أن له أسماءً أخرى، والأهم من ذلك أن أسماء المواقع الجغرافية لم تكن يوماً واحدة وثابتة، وإنما تتغير تبعاً لتغير الظروف والمعطيات الاجتماعية والسياسية. وبما أن حديثنا هنا يدور حول «الخليج» سنقتصر على مسميات البحار، وكيف تغيرت أسماؤها بتغير الحقب التاريخية. وسنعتمد في ذلك على مقارنة الأسماء المتداولة حالياً لبعض البحار، والمعترف بها من المراجع الدولية والعلمية، بالأسماء التي كانت تعرف بها هذه البحار في التاريخ القديم. وسنأخذ الأسماء القديمة لهذه البحار بشكل أساسي من مقدمة ابن خلدون، وذلك لسبب بسيط. أولاً: أن ابن خلدون كتب مقدمته في القرن 8هـ/14م، وبالتالي فموقفه لا علاقة له بالجدال الدائر حالياً بين العرب والإيرانيين. ثانياً: أن مقدمة ابن خلدون تعتبر من أهم وأوثق النصوص التاريخية، وهي في ذلك تعتبر من أكثر النصوص التزاماً بالمنهج العلمي وفقاً لمعطيات الزمن الذي كتبت فيه. فماذا يقول هذا المؤرخ العربي عن هذا الموضوع، وبخاصة عن اسم الخليج، موضوع الجدال الحالي؟
أول ما يذكره ابن خلدون في مقدمته الثانية ما يسميه بـ«قسط العمران من الأرض». ومن البحار يذكر «البحر المحيط، ويسمى أيضاً «لبلاية» بتفخيم اللام الثانية، ويسمى أوقيانوس، أسماء أعجمية، ويقال له البحر الأخضر والأسود». (ج1، ص340). يقول بعد ذلك، «وذكروا (يعود الضمير إلى الجغرافيين القدامى مثل بطليموس) أن هذا البحر المحيط يخرج منه من جهة المغرب .. البحر الرومي المعروف». (ص342). هكذا كان هذا البحر يعرف في القرن الـ14م. ومن أسمائه أيضاً «بحر الروم». يقول ابن خلدون في إشارة لافتة إلى أن هذا البحر كان يسمى بـ«البحر الشامي»، نظراً لأن منطقة الشام تقع على ساحله الجنوبي. والأرجح أن هذه التسمية لم تكن متداولة إلا على ذلك الساحل، مقابل اسم «البحر الرومي أو بحر الروم». و«الروم» هو الاسم الذي كان يطلقه العرب على الأوروبيين نسبة إلى روما. وكان العرب يسمون هذا البحر بالرومي رغم أنه يقع على جانبيه في وقت ابن خلدون «أمم من الروم والترك وبرجان والروس». في وقتنا الحالي يعرف «البحر الرومي» أو بحر «الروم» بـ«البحر الأبيض المتوسط».
ويواصل ابن خلدون وصفه للبحر الأبيض، فيقول: «والبحر الثاني من خليجي هذا البحر الرومي هو بحر البنادقة». يقول محقق المقدمة، علي عبدالواحد وافي، بأن «بحر البنادقة هذا هو بحر «الأدرياتيك»، نسبة إلى شعوب البنادقة التي تنسب إليها مدينة البندقية، أو فينيسيا». (ص343). أما المحيط الهندي فكان يعرف زمن ابن خلدون بأسماء عدة، هي «البحر الصيني والهندي والحبشي». والبحر الأحمر الذي يحد الجزيرة العربية من الغرب فكان يعرف باسم آخر، هو «بحر القلزم». يقول ابن خلدون أنه يخرج من البحر الحبشي «بحران آخران أحدهما يخرج من نهايته عند باب المندب، فيبدأ متضايقاً ثم يمر مستبحراً إلى ناحية الشمال ومغرباً قليلاً إلى أن ينتهي إلى مدينة القلزم ...». والقلزم بحسب المحقق «بلدة ساحلية بجوار السويس». ويضيف ابن خلدون عن هذا البحر بأنه «يسمى بحر القلزم وبحر السويس». (ص344). أي أنه كانت لهذا البحر ثلاثة أسماء، الأحمر، والقلزم، والسويس، والأول هو المعروف والمعتمد حالياً.
يأتي ابن خلدون بعد ذلك إلى الممر البحري الذي يهمنا، أو البحر الثاني الذي يخرج من البحر الحبشي، كما في الاستشهاد السابق. يقول ابن خلدون إن هذا البحر كان يعرف باسم «الخليج الأخضر». وكان له اسم آخر كما يبدو من استطراد صاحب المقدمة حين يقول: «يخرج ما بين بلاد السند والأحقاف من اليمن، ويمر إلى ناحية الشمال مغرباً قليلاً إلى أن ينتهي إلى الإبلة من سواحل البصرة ... ويسمى بحر فارس». (ص 345). ويلاحظ هنا أن ابن خلدون استخدم مرة كلمة «بحر»، وأخرى «خليج»، لكنه أتبع كليهما بالصفة الفارسية، مما يعني أن الصفة الفارسية لهذا الخليج كانت هي الشائعة في زمنه، وأنه لم يكن لهذا الخليج اسم واحد في كتب التاريخ والبلدان. كذلك استخدم ابن حوقل في «صورة الأرض»، وياقوت الحموي في «معجم البلدان» اسم «بحر فارس» للتعريف بالخليج نفسه. وهذا هو الخليج العربي أو الفارسي، كما يسمى حالياً. من ناحيته، يشير جواد علي في «تاريخ العرب قبل الإسلام» إلى أنه كانت لهذا الخليج أسماء مختلفة عند قدماء أهل العراق، مثل «البحر الجنوبي» و «البحر الأسفل» و «البحر التحتاني» (لأنه يقع في الجنوب مقابل الشمال المرتفع) و «البحر الذي تشرق منه الشمس» (لأنه يقع في الشرق). كذلك من أسمائه «البحر المر» و «البحر المالح». (ج1، ص140-141).
نستنتج من ذلك ثلاثة أشياء: الأول، أنه ليس هناك اسم واحد ثابت للمواقع الجغرافية، بل كانت لها أسماء مختلفة. ثانياً، أن الأسماء القديمة الشائعة للمواقع الجغرافية ليست دليلاً على صحة الاسم، أو مبرراً لبقائه عبر الدهور، بل هي أسماء تتغير مع الزمن تبعاً لتغير الظروف والمعطيات السياسية والتاريخية، مثلما حصل للبحر الأحمر والمحيط الهادي والمحيط الهندي، وغيرها. ثالثاً، أن التغيرات التي تحصل لأسماء المواقع الجغرافية مرتبطة بالظروف التاريخية والحضارية التي تحيط بها من مرحلة تاريخية لأخرى، والتسمية الفارسية للخليج العربي في القديم مرتبطة بشكل أساسي بأن الدولة الفارسية كانت من بين القوى العظمى آنذاك، وكانت هي القوة الوحيدة المطلة على الخليج، لكن هذا الوضع انقلب رأساً على عقب منذ ظهور الإسلام، وحتى العصر الحديث، فإيران لم تعد دولة عظمى، وانضمت إلى الحضارة الإسلامية، وأصبح هناك الآن سبع دول عربية تطل على الخليج، تحتل إطلالتها أكثر من ثلثي سواحل الخليج، وهي تحولات كبيرة لا تدع مبرراً لتمسك الإخوة الإيرانيين بتسمية تجاوزها التاريخ، وعفّ عليها الزمن.
ومع أن منطق الرئيس الإيراني، أحمدي نجاد، في مقاربته للقضية ينطوي على عنصرية لا تليق، إلا أنه منطق يؤيد التسمية العربية للخليج. فهو ينطلق من أنه «في الماضي لم تكن هناك حضارة سوى الحضارة الإيرانية». وهذا صار من الماضي السحيق. الآن تغيرت هذه المعطيات، ومعها تغيرت المرحلة التاريخية. لم تعد إيران الدولة الوحيدة المطلة على الخليج. بل أصبحت تمثل أقلية، جغرافياً وسياسياً، من هذه الناحية. وإذا أخذنا في الاعتبار القبائل العربية التي تقطن السواحل الإيرانية على الخليج، فإن إيران قد تصبح أقلية حتى بالمعنى الديموغرافي. ماذا بقي من مبررات بقاء الاسم القديم لـ«الخليج العربي»؟!

من إسقاط النظام إلى هدم الدولة

السيد يسين
هناك اتفاق بين علماء السياسة حول ضرورة التفرقة بين الدولة والنظام السياسي الذي يسود فيها.
بعبارة أخرى، الأصل أن تتسم الدولة –أيُّ دولة- بنوع من الثبات النسبي الذي يسمح لها بأن تواصل أداء وظائفها الأساسية، والتي تتمثل في القدرة على الدفاع عن الأمن القومي وردع أي عدوان خارجي يهدف إلى غزو الدولة أو اقتطاع أجزاء منها ووضعها تحت السيطرة الأجنبية، إضافة إلى احتكارها لممارسة العنف المشروع ضد أي محاولات لهدم الدولة أو زعزعة أركانها. وسواء كانت هذه المحاولات نتيجة حركات معارضة داخلية تتبنى العنف وسيلة لقلب النظام السياسي، أو بفعل حركات إرهابية لها شبكات عالمية مثل تنظيم «القاعدة» الذي يسعى إلى تفويض أسس عديد من الدول، تمهيداً لأسلمتها من خلال تحويلها إلى دول دينية تحكم بأحكام الشريعة الإسلامية، وفقاً لتأويلاتها المنحرفة للنصوص الدينية الإسلامية.
غير أن الدولة التي ينبغي أن يتم الحفاظ عليها وضمان استمراريتها، تختلف عن النظام السياسي الذي يمكن أن يتغير بصورة جزئية أو بطريقة جذرية، وخصوصاً إذا كان نظاماً شمولياً أقام أركانه على أساس ممارسة القمع السياسي المعمم، ومحو المجتمع المدني بكل مؤسساته، أو كان نظاماً سلطوياً يقوم على أساس الهيمنة النسبية على مجمل الفضاء السياسي، بحيث لا يسمح إطلاقاً بتطبيق مبدأ تداول السلطة ويقمع الحريات العامة، ويهمش دور أحزاب المعارضة السياسية.
وهكذا يمكن أن يتغير النظام السياسي –أياً كانت طبيعة توجهاته- ولكن تبقى الدولة.
ولو طبقنا هذه المبادئ النظرية على حالة مصر-على سبيل المثال- لقلنا أنه بفضل قيام ثورة 23 يوليو 1952 سقط النظام الليبرالي الذي ساد في مصر منذ إصدار دستور العام 1923 حتى العام 1952. وهذا النظام كان يقوم على أساس نظام ملكي دستوري، وفيه تعددية سياسية تمثلت في أحزاب تتصارع عبر الانتخابات للوصول إلى الحكم، وفيها حزب للأغلبية كان هو حزب «الوفد» وأحزاب للأقلية حكمت –بحكم مؤامرات الملك فاروق وسلطات الاحتلال البريطاني- على حساب حزب الأغلبية، والذي لم يتح له الحكم إلا ثماني سنوات فقط من عام 1923 تاريخ وضع الدستور حتى العام 1952 تاريخ قيام ثورة يوليو.
تغير هذا النظام من نظام ملكي دستوري إلى نظام جمهوري أسقط النظام الملكي، وأصبحت البلاد تدار بواسطة رئيس للجمهورية يتم اختياره عبر الاستفتاء العام وليس في انتخابات حرة ومفتوحة كما هو الحال في النظم الجمهورية.
تغير النظام في مصر، ولكن الدولة المصرية بقيت بمؤسساتها التقليدية ثابتة الأركان، ونعني القوات المسلحة التي تحمي حدود البلاد وقوات الشرطة التي تحافظ على الأمن، والمؤسسة القضائية المستقلة التي تقيم العدل بين الناس.
وحتى حين تغير النظام السياسي الذي ساد في حقبة جمال عبد الناصر حين تولى الرئيس السادات الحكم، وألغى الحزب السياسي الواحد (الاتحاد الاشتراكي)، وفتح الباب أمام تعددية حزبية مقيدة، بقيت الدولة. والشيء نفسه ينطبق على تغير النظام السياسي المصري بعد اغتيال السادات وتولي الرئيس السابق مبارك الحكم من بعده، والذي قنن انتقال مصر من الاشتراكية إلى الرأسمالية، وقضى على مؤسسات القطاع العام عن طريق الخصخصة، وجعل الدولة تستقيل من أداء وظائفها التنموية، وجعل القطاع الخاص هو المسؤول عن التنمية بالكامل تقريباً. وقد أدى هذا الوضع في النهاية إلى الزواج غير الشرعي بين السلطة والثروة، مما فتح أبواباً واسعة للفساد كانت أحد أسباب قيام ثورة 25 يناير.
وفي كل هذه الحالات، من تغيير النظم السياسية المصرية منذ العام 1952 حتى الآن، بقيت الدولة المصرية.
غير أنه من قبيل المفارقات التاريخية حقاً أن ثورة 25 يناير بحكم عديد من العوامل، أدت في الواقع نتيجة انتهازية النخب السياسية وغوغائية الشارع إلى محاولات منهجية لهدم الدولة!
وقد بدأت هذه المحاولات من قبل بعض الائتلافات الثورية التي انتقدت بشراسة شديدة مؤسسة الشرطة، بل واصطدمت معها مباشرة في ميدان التحرير حيث وقعت مصادمات دامية سقط فيها مئات الثوار وأصيب آلاف منهم، مما اضطر الشرطة إلى الانسحاب الكامل.
واعتبر الثوار أنهم هزموا الشرطة هزيمة نهائية، مما أدى إلى توقف قوات الشرطة عن العمل بعد ما تم الهجوم المخطط على السجون وأقسام الشرطة، وأصبحت النتيجة النهائية انفلاتاً أمنياً واسع المدى لم تشهده مصر من قبل.
وكان أحد أسباب ذلك تعميم الهجوم الثوري على مؤسسة الشرطة بالكامل، بدلاً من توجيه الاتهامات فقط إلى جهاز مباحث أمن الدولة، والذي كان يمارس القمع السياسي وتعذيب المواطنين في عهد الرئيس السابق مبارك.
وهكذا نشأت فجوة ثقة كبيرة بين جهاز الشرطة والشعب، مما صعَّب من محاولات إصلاح هذا الجهاز من خلال إعادة هيكلته، بعدما انخفضت الروح المعنوية للعاملين فيه نتيجة النقد العنيف والهجوم المنهجي على قوات الشرطة.
وهذا الهجوم لم يكن مجرد نقد عنيف لمسلك الشرطة، بل سعت ائتلافات ثورية إلى الصدام المباشر معها من خلال تظاهرات حاشدة حاولت في أحداث معروفة اقتحام مبنى وزارة الداخلية ذاته، ما أدى إلى مصادمات دامية وقع فيها عشرات الضحايا من قبل الشرطة والثوار معاً.
ولم يدر قادة هذه الائتلافات الثورية، أن إسقاط جهاز الشرطة بالكامل فيه هدم لأحد أركان الدولة ذاتها.
غير أن تتبع الأحداث المتلاحقة التي وقعت بعد ثورة 25 يناير يؤكد أن هناك مخططات مدروسة تهدف إلى إسقاط الدولة بالكامل، من خلال افتعال الصدام مع القوات المسلحة ذاتها، والتي هي -كما أكدنا- أحد أركان الدولة.
ولو تابعنا الأحداث الأخيرة في مصر، وأهمها توجه عشرات الآلاف من أعضاء الحركات السلفية إلى حي العباسية حيث يقع مبنى وزارة الدفاع للاعتصام أمامه رافعين شعارات غوغائية متعددة، وأهمها «يسقط حكم العسكر»، ليس ذلك فقط، بل جرت محاولات لعبور خط الأسلاك الشائكة الذي يحيط بمبنى وزارة الدفاع لاقتحامها بالفعل إلى حدوث مصادمات دامية، أدت إلى وقوع عشرات القتلى ومئات المصابين، مما دفع القوات المسلحة إلى فض الاعتصام بالقوة وفرض حظر التجول في المنطقة.
ويندهش المرء فعلاً من الانتهازية الفاضحة لقادة التيارات الثورية والسياسية في مصر وخصوصاً حزب «الحرية والعدالة»، والذين أصروا على أن حق التظاهر والاعتصام السلمي حق مقدس لا يجوز المساس به، بل إنهم استنكروا فض القوات المسلحة الاعتصام بالقوة، وكأن هناك أساليب أخرى لفض هذا الاعتصام، والذي تحول من تظاهرة سلمية إلى معركة استخدمت فيها الأسلحة.
بعبارة أخرى كانت هناك استهانة كبيرة بالمخاطر التي تهدد الدولة من خلال استجابة القوى السياسية المختلفة للتظاهرات الحاشدة والمليونيات المتعددة التي تنطوي بالضرورة على اللجوء إلى العنف وافتعال مصادمات دامية مع قوات الأمن والقوات المسلحة.
وهدم الدولة -الذي يمكن أن يترتب على الخطط التخريبية لتيارات دينية سلفية متطرفة أو تيارات ثورية مثل حركة الاشتراكيين الثوريين- أصبح هدفاً معلناً في التظاهرات، بل وفي برامج الفضائيات المصرية.
وهكذا يمكن –لو نجحت هذه الحركات التخريبية استناداً إلى انتهازية النخب السياسية وجبنها الأخلاقي والذي يتمثل في عدم نقدها المباشر لغوغائية هذه الحركات في هدم الدولة- أن نصل إلى نتيجة بالغة الغرابة هي أن ثورة 25 يناير التي قامت في الأصل لاقتلاع جذور النظام السياسي الاستبدادي القديم أدت في النهاية إلى هدم الدولة المصرية وجعلها مستباحة لديكتاتورية سياسية جديدة هي الديكتاتورية الدينية التي تقودها جماعة «الإخوان المسلمين»، ولديكتاتورية الشارع السياسي التي تدعو لها الائتلافات الثورية الفوضوية.
وهكذا نصل إلى المفارقة التاريخية، نعم سقط النظام السلطوي في عهد مبارك، ولكن تم هدم الدولة!

سورية..العنف بين النظرية والممارسة

عبدالله إسكندر
كان الشعب السوري كامل الاوصاف، بحسب التوصيف البعثي. فهو في مجموعه، باستثناء خونة وعملاء ومتآمرين و«اخوان مسلمين»، من نوع «البطل» النموذجي الذي يراه حزب البعث الاشتراكي. كان مقاوماً وممانعاً ومعادياً للغرب والاستعمار والامبريالية والصهيونية وعملائها. وأهم من كل ذلك كان، بحسب التوصيف نفسه، متطابقاً مع قيادته الحكيمة والصلبة وداعماً لها في احباطها للمؤامرات.
وحتى ايام قليلة قبل اندلاع الحركة الاحتجاجية في سورية، وفي ظل بدء انهيار النظم في تونس ومصر وليبيا، كان هذا التوصيف ما زال صالحاً.
لم يصدر هذا التوصيف عن ثقة ما في الشعب السوري، حتى لو كان لهذا الشعب، منذ الاستقلال وحتى وصول البعث الى الحكم، ارث في العمل الوطني والديموقراطي والدفاع عن الحريات. لقد كانت وظيفته الاساسية والوحيدة هو مسح أي مسافة بين التطلع الى الحرية والديموقراطية وبين الحكم. واستندت هذه الوظيفة الى نظرية، اعتمدت خصوصاً منذ الحركة التصحيحية، ان للشعب ما تيسر من مأكل ومشرب، اما السياسة ومنافعها فهي للحاكم ومحيطه. وعلى هذا الاساس، وُضع الدستور وأُصدرت القوانين وأُجريت انتخابات وُشكلت حكومات. اي ان كل ما أقدم عليه الحاكم هو في اطار احتكاره التام للسياسة ومنعها عن الشعب. وفي هذا المعنى تُفهم خطوات نسف النقابات التي حاولت الاعتراض على سياسات الحكم، والزج بالسجون للمعارضين وتشريد آخرين. ذلك ان احتكار السياسة في ذاته ينطوي على إكراه وعنف، تبدى في شكل دموي لدى انتقاله من صيغة فردية الى جماعية قد تؤدي الى عصبية وجمهور معارضين.
ادوات اثبات هذه النظرية كانت الاكراه والقمع. وتحققت اغراضها حتى بدا الاستقرار في سورية أبدياً، بحسب مفهوم الحكم الذي افترض انه قضى على أي تحد داخلي. وذلك بعد إحكام السيطرة على ادوات الامن والاقتصاد. وهذا ما نوّه به الرئيس بشار الاسد باستبعاد أي تهديد لهذا الاستقرار واعلانه العلاقة الخاصة مع شعبه، في حديثه الشهير. اي ان لا تحدي ممكنا للحكم في سورية، في ظل اندلاع الحركات الاحتجاجية العربية.
استولدت هذه النظرية رديفتها حول «المجموعات المسلحة» والمؤامرة، فور اندلاع الحركة الاحتجاجية. ومع استمرار التظاهر، جرى تغيير في توصيف المتظاهرين، وهم جزء من الشعب السوري الذي بات يضم خليطاً من العملاء والمتآمرين.
اذ ان أي نظرية اخرى حول مطالب اجتماعية واصلاحية تعني كسر احتكار الحكم للسياسة، وانتقال العمل السياسي الى المجال العام. ما يعني نفياً لطبيعة الحكم وآلية سيطرته على البلاد.
ومن هنا يمكن فهم الدعاية الاعلامية لهذا الحكم وممارسته العنيفة ضد المتظاهرين على الارض. فوظيفة الحرب الاعلامية على «المجموعات المسلحة» والتكفيريين و«القاعدة» هي بالضبط لنفي أي طابع سياسي داخلي للحركة الاحتجاجية. اما عمليات مطاردة المتظاهرين والاعتقالات والقتل والتدمير، فهي عقاب للشعب الذي لم يعد يرضى بالتوصيف البعثي، ويطالب بحقه في المشاركة السياسية. وفي هذا المعنى يمكن فهم ذلك الشريط المصور حيث ينهال احد الشبيحة بالضرب على متظاهر معتقل، ويؤنبه لمطالبته بـ«الحرية»، أحد الشعارات الثلاثة لحزب البعث.
اما التفجيرات الدموية التي باتت تتزايد وتيرتها وتطاول مواقع مختلفة، وبغض النظر عن المسؤولين الفعليين عنها، فهي تؤكد النظرية نفسها عن «المجموعات الارهابية».
وتحتاج هذه النظرية حالياً، في ظل وجود المراقبين الدوليين والجدال حول دورهم وطبيعته وكيفية الانتقال الى الشق السياسي من خطة كوفي انان، الى مزيد من العنف على الارض، خصوصاً التفجيرات الارهابية.

الخيار الروسي في مواجهة الثورة السورية

علي العبدالله
بعد عام ونيف على انطلاق الثورة السورية، ووقوف روسيا إلى جانب النظام، واستخدامها لحق النقض (الفيتو) مرتين في غضون أشهر، ناهيك عن عمليات الدعم اللوجستي الواسعة للنظام (تسليح، وخبرات ميدانية في مواجهة الاحتجاجات بما فيها تقنيات اتصال وتعقب الاتصالات بواسطة طائرات من دون طيارين) وتقديم النصح السياسي في مجال التعاطي مع المبادرات العربية والدولية، غدا التساؤل عن هدف روسيا وخطتها لتحقيق ذلك ملحّاً وضاغطاً. فما هو هذا الهدف، وكيف تسعى موسكو لتحقيقه؟
في مواجهة الثورة الشعبية التي تريد تغيير النظام القائم في دمشق تبنت موسكو خيار بقاء هذا النظام، والدفاع عنه، وحمايته، ليس من خصومه فقط بل من تصرفاته الرعناء التي ستنعكس سلباً عليه وعلى حلفائه في الوقت نفسه، ولتحقيق هذا الهدف تبنت سياسة متعددة المستويات ركائزها:
1- تبني رواية النظام للأحداث، وإنكاره وجود معارضة سياسية، بل «جماعات إرهابية»، والعمل على تسويق مقولته عن «عصابات مسلحة» تهاجم قوى حفظ النظام ودوائر الدولة، وتصوير الثورة الشعبية كتمرد مسلح، وبطش النظام كعمل مسؤول يهدف إلى حفظ الأمن والاستقرار وحماية المواطنين.
2- عرقلة صدور قرار في مجلس الأمن يدين النظام لانتهاكاته لحقوق الإنسان وقتله المواطنين العزل، واستخدامه الأسلحة الثقيلة في قصف المدن والبلدات والقرى، كي تمنع صدور قرارات لاحقة تحت الفصل السابع تجيز استخدام وسائل الإكراه بما فيها القوة العسكرية، وتمنع إحالة المسؤولين عن هذه الجرائم ضد الإنسانية إلى المحكمة الجنائية الدولية.
3- الضغط على الدول، العربية وغير العربية، لثنيها عن التعاطف مع الشعب السوري، وتخويفها من حرب أهلية، أو من تقسيم سورية، وامتداد ذلك إلى دول الجوار، ومطالبتها بوقف كل دعم مقدم أو يمكن أن يقدم للمعارضة بدعوى أن ذلك يشجع الأخيرة على التشدد ورفض الحوار مع النظام.
لقد نجحت روسيا، ومعها الصين، في شل مجلس الأمن الدولي لكنها لم تستطع منع التحركات العربية والدولية عبر جامعة الدول العربية، والجمعية العامة للأمم المتحدة، وتجمع «أصدقاء سورية» حيث بقيت قضية الشعب السوري ومطالبه في الحرية والكرامة حاضرة على جدول أعمال المجتمع الدولي. وهذا أجبر روسيا على القبول بمبادرة المبعوث الدولي العربي السيد كوفي أنان على رغم انطوائها على إدانة ضمنية للنظام، ووضعه تحت رقابة دولية، وتقليص سيادته بنشر المراقبين الدوليين، والحد من تمثيله للشعب السوري.
غير أن التغير الذي حصل في موقف روسيا، بما في ذلك الاعتراف بوجود معارضة سياسية، لم يغّير هدفها وإنما غيّر تكتيكها بتبني مقاربة مختلفة جزئياً عن موقفها السابق، ترتكز إلى عدة محاور وهي:
أ- التركيز على وقف العنف وتجاهل أسبابه، وتحميل المعارضة مسؤولية استمراره «المعارضة هي المسؤول الأول عن المعارك» (لاحظ كلمة معارك وإيحاءاتها)، كما قال الناطق باسم الخارجية الروسية، واتهام «جماعات إسلامية» بالسعي لإفشال خطة أنان، كما قال وزير خارجية روسيا، ومطالبة الدول التي تؤيد المعارضة بوقف دعمها، والضغط عليها للقبول بمبادرة السيد أنان قبولاً صريحاً، والالتزام بوقف إطلاق النار.
ب- تبرير عنف النظام ووحشيته بذريعة «حق سورية (لم يقل النظام، قال سورية، ما يعني المطابقة بين النظام والدولة) في التصدي للإرهابيين بحزم»، كما قالت الخارجية الروسية.
ج- التركيز على نشر المراقبين وعدم التشديد على تنفيذ وقف إطلاق النار أولاً، وتنفيذ بقية بنود خطة السيد أنان الأخرى: سحب الجيش، السماح بدخول الإعلام، السماح بالتظاهر السلمي، كوسيلة لشراء الوقت للنظام، عبر إشغال المراقبين في تفاصيل خرق وقف إطلاق النار والغرق في تحديد المسؤولية عن ذلك، عل النظام يستطيع القضاء على الاحتجاجات بالقتل والاعتقال وغيره من الأساليب.
د- التلاعب في تنفيذ خطة السيد أنان وعدم احترام أولوياتها والعمل على تجاوز تسلسلها بالقفز من البند الأول إلى البند الأخير بالمطالبة بالدخول في العملية السياسية قبل إنجاز البنود التي تهيئ المناخ لعملية كهذه. فقد قال نائب وزير الخارجية الروسية: «إن مسائل وقف إطلاق النار وسحب القوات مهمة بالتأكيد مبدئياً، ولكن يجب أن تترافق عملياً مع مسائل على علاقة بالعملية السياسية».
هـ- اللعب على خلافات المعارضة السورية، والعمل على تكريس الشرخ داخلها على خلفية معارضة داخل ومعارضة خارج مرتبطة بأجندات عربية ودولية معادية للنظام، كي لا يتحقق شرط السيد أنان وحدة المعارضة كمقدمة لتنفيذ البند الخاص بالحوار بين النظام وكل أطياف المعارضة، أو إعطاء النظام فرصة اختيار معارضة «وطنية» و «شريفة» (معارضة وطنية وشريفة من وجهة نظر النظام تعني انها تقبل ببقائه في السلطة) تقبل بإصلاحاته وببقائه في السلطة أو تقبل المشاركة معه في حكومة «وحدة وطنية» تبقي على سيطرته وهيمنته على الدولة والمجتمع.
تريد روسيا من استخدام النظام للقوة العسكرية سحق الاحتجاجات، لكن مأزقها أن النظام غير قادر على الحسم العسكري، وغير قابل بالحل السياسي، ما يضعها في مواجهة مع العالم، وبخاصة الشعوب العربية والإسلامية، وهذا يهدد مصالحها على المدى البعيد.

ماذا عن الربيع الإسرائيلي واحتمالات تفجير المنطقة

عادل مالك
بعد انقضاء أربعة عشر شهراً من الأزمة في سورية، يبدو المشهد العام وكأنه يتجه إلى «إدارة أزمة» أكثر منها عملية حسم بين النظام والثائرين عليه في وقت قريب.
ولأن الشرارة التي أطلقت ثورة الثائرين في سورية بوجه نظام بشار الأسد لم يتم تصعيد وقائعها الدرامية كي تقف الآن وعند هذا الحد، أي المكان الذي بلغته حتى الآن وكأنها تستعير الشعار اللبناني الذي بقي شعاراً وهو «لا غالب ولا مغلوب». ويُستدل من تواصل المواجهات واتساع رقعتها ان المعركة ستطول إذا لم يظهر أي عامل مفاجئ يغير المعادلة القائمة حيث لن ينتهي الأمر بموقف ضبابي مائع، بل إلى وجود مغلوب ومغلوب أكثر، ولا مجال لوجود غالب إلا من الوجهة الثأرية.
ومرة جديدة تؤكد أحداث سورية سقوط جميع الرهانات التي اشعلت شرارة الأحداث والصراع ما زال على أشده بين «الحل الأمني» و «الحل العربي والدولي».
ما الذي يحدث في سورية هذه الأيام؟
يحدث ان كل شيء «ماشي». فالحرب مستمرة ومتواصلة و «الاصلاحات» المقترحة من جانب النظام ماشية أيضاً. وكأن الوضع «هادئ جداً» وطبيعي ما خلا بعض الجيوب والعناصر غير المنضبطة التي تعيث في الأرض فساداً وفق قاموس ومفردات النظام وأهله.
والعالم كله (تقريباً) يطالب بصرف رئيس الجمهورية العربية السورية من الخدمة، والنظام ماضٍ في «تسيير» شؤون الدولة. وأعمال القتل في سورية ما زالت على ما هي عليه والفارق الوحيد هو تواصل أعمال القتل في حضور المراقبين الدوليين كما كان عليه الوضع قبل وصول هؤلاء المراقبين، والذين تعرض موكبهم يوم الخميس الفائت إلى متفجرات خلال توجههم بقيادة قائد الفريق الجنرال مود في درعا الذي أكد استمرار أعمال العنف، داعياً السوريين – جميع السوريين - للاجتماع في ما بينهم والعمل على حل الإشكالات القائمة.
لكن لو كان بإمكان السوريين على اختلاف مشاربهم اللقاءَ والبحث في مخرج للأزمة لم يكن الأمر في حاجة إلى وجود المراقبين الدوليين وصاحب المبادرة العربية - الأممية كوفي انان يحذر قائلاً: «إنها الفرصة الأخيرة لتفادي حرب أهلية قد تؤثر على المنطقة بأكملها». وحذر الأمين العام السابق للأمم المتحدة من ان مهمته «ليست فرصة مفتوحة إلى ما لا نهاية، وربما يأتي يوم يتعين فيه تبني «نهج مختلف» عن خطته».
وتقضي مهمة كوفي انان بالسير في حقل من الألغام لا يعلم هو وغيره متى تنفجر فيهم، عاملاً على دراسة كل كلمة يصرح بها كي لا يفهم منها انحيازه لفريق النظام أو لفريق المعارضة والثوار كالقول على سبيل المثال: «ان الوضع لا يمكن ان يستمر من دون تحميل القوات الحكومية والمعارضة على السواءَ مسؤولية تواصل العنف». لكن هل ان تفجيرات درعا ترمي إلى اغتيال خطة انان؟
على ان التحذير من سقوط سورية في فخ الحرب الأهلية يبدو وكأنه احتمال بعيد، فيما الأحداث اليومية تؤكد وجود هذا النوع من الحروب ولو في شكل غير معلن، فما يجري من تصفيات واقتتال في مختلف المحافظات السورية أليس هو نوع من الحرب الأهلية؟ وما هي مواصفات الحرب الأهلية أكثر من انقسام الناس والنظام على أنفسهم وعلى بعضهم البعض، وبخاصة التفجيرات المريعة التي حصلت في قلب دمشق في الساعات الأخيرة بما يذكر بـ «العرقنة».
وفيما يتصرف النظام وكأنه الأمر لا يعنيه كإجراء الانتخابات البرلمانية وإعلان التركيب الجديد لمجلس الشعب، والسؤال: إلى أي مدى ستكون نتائج هذه الانتخابات هي صالحة ومقبولة وشرعية من جانب القوى المعارضة؟
وإذا خرجنا قليلاً من سورية إلى الديار العربية المجاورة لمعرفة ما الذي يجري فيها هذه الأيام لوجدنا ما يأتي:
وضع في العراق متفجر ينقلب فيه نائب الرئيس على رئيس الحكومة نوري المالكي. ويتطور الأمر إلى إصدار دوائر «الانتربول» مذكرة توقيف بحق نائب الرئيس العراقي – حتى كتابة هذه السطور - طارق الهاشمي والذي اتهمه رئيس الوزراءَ المالكي بالضلوع في عمليات إرهابية استهدفت مسؤولين عراقيين. ولجأ الهاشمي إلى كردستان العراق حيث لقي كل ترحيب، وهو الآن في تركيا، التي رفضت طلب «الانتربول» تسليم الهاشمي مهما كلف الأمر.
ويبدو ان السيد رجب طيب أردوغان قد أسقط في يده في ما يتصل بأحداث سورية ولم يتمكن من تنفيذ مخططه، لذا يلاحظ تراجع الدور التركي في هذه القضية بانتظار تطورات أخرى – ربما - يمكن أن تحدث على الصعيد الإقليمي.
في هذا الوقت شهدت العاصمة اللبنانية في الأيام القليلة الماضية «مطاردة إيرانية - أميركية» وتجلت بوجود نائب الرئيس الإيراني حسن رحيمي، ومساعد وزيرة الخارجية الأميركية جيفري فيلتمان (اياه)، فبدا المشهد فولكلورياً بعض الشيء من حيث مقابلات المسؤولين الإيراني والأميركي إلى المسؤولين اللبنانيين هي نفسها بوجه الإجمال، ما عدا بعض «التحركات» الخاصة لكل من الطرفين كاجتماع فيلتمان بجماعة 14 آذار، وعدد من الزعماء الروحيين وهو الأمر الذي يحدث للمرة الأولى، مقابل توجه رحيمي إلى مقابلة الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله، وزيارة الجنوب اللبناني إلى أقرب نقطة من العدو الإسرائيلي الذي أقام سوراً كبيراً على طول الحدود تقريباً بارتفاع عشرة أمتار في سعي من إسرائيل لحماية نفسها من هجمات مفترضة من الجانب اللبناني. ولكن مع ظاهر هذه المطاردة، تحدثت معلومات عن سير الأمور في اتجاه إيجابي – إلى حد ما - بين الولايات المتحدة والجمهورية الإيرانية الإسلامية حول موضوع السلاح النووي، ويبدو ان بعض المساعي التي بذلت تواصلت إلى عقد اجتماع بين الجانبين في العراق خلال الأيام القليلة المقبلة في سعي لتحقيق اختراق ما في هذه المسألة.
وبانتظار معرفة نتائج هذا اللقاءَ المرتقب طلعت إسرائيل بمفاجأة من العيار الثقيل، مع إعلان رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو قيام ائتلاف كبير مع زعيم حزب كديما المعارض بقيادة رئيسه الجديد شاؤول موفاز، وتأليف حكومة ائتلافية تحصل على تأييد أكثر من تسعين صوتاً من أصوات الكنيست، وبذلك تخطت إسرائيل أزمة إجراءَ انتخابات مبكرة.
لكن ما هي أبعاد الخطوة الإسرائيلية؟
البعض وصفها بـ «الربيع الإسرائيلي» أو ان ما حتم قيام هذا التحالف العريض هو مواجهة ما يجري حالياً في العالم العربي وبصورة خاصة في مصر واحتمال تأثير ذلك على إمكانية طلب الحكومة المصرية الجديدة، التي ستظهر بعد الانتخابات - هذا إذا جرت هذه الانتخابات - إعادة التفاوض على بعض الاتفاقيات المعقودة مع إسرائيل (كمب ديفيد وغيرها).
ومعلوم ان إسرائيل في كل مرة تلجأ إلى تأليف حكومة «اتحاد وطني» فهي تضمر السوء للجانب الفلسطيني والعربي، حيث يصعب التصور ان نتانياهو قد تحول بين ليلة وضحاها من «صقر» إلى «معتدل» يعمل على فتح المفاوضات المتوقفة مع الفلسطينيين أو أن يقدم تنازلاً عربياً في مكان ما وعلى جبهة ما وهو الأمر المستبعد من جانب إسرائيل، والمهم بالنسبة إليها أنها بهذا التحالف العريض قد انقذت نفسها من انتخابات برلمانية كانت ستجري قريباً، ولا يعرف كيف ستكون عليه نتيجة هذه الانتخابات.
ويتحدث بعض المراقبين عن وجود «ربيع إسرائيلي» من ناحية التغيير والتبديل في الطروحات المتداولة في سعي لإخراج المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية من المأزق الذي تعاينه، أو الاستجابة لطلب الحكم الجديد في مصر فتح مفاوضات جديدة حول اتفاقات كمب ديفيد الموقعة بين مصر وإسرائيل في العام 1979 في القرن الماضي. لكن الأمر يبدو مرتبطاً بالوضع المعقد دستورياً وسياسياً في مصر، الأمر الذي يهدد بتعطيل إجراءَ انتخابات الرئاسة في مصر والمقررة – مبدئياً - قبل نهاية شهر أيار (مايو) الجاري. لكن الصراع الناشب بين المحكمة الدستورية واللجنة المكلفة بدراسة أوضاع المرشحين ربما أدى إلى عدم تمكين إجراءَ الانتخابات الرئاسية في مصر تحت أسباب واهية، الأمر الذي يهدد بوجود حالة من الفراغ الرئاسي يمني الاخوان أنفسهم تسلم أحد مرشحيحهم للمنصب، للمرة في تاريخ مصر، كما تمنى بعض الليبراليين والمستقلين أمثال عمرو موسى، أو اللواءَ أحمد شفيق من بلوغ الرئاسة في مصر.
وبعد... ليس هناك في العالم العربي من اقصاه إلى اقصاه ما يدعو إلى بعض التفاؤل، بل ان البوصلة تشير إلى احتمال غرق المنطقة بالمزيد من التخبط قبل تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود في ثورات «الربيع العربي». ومن منطلق ان قيام أي حكومة «اتحاد وطني» في إسرائيل ينبئ بحدوث أمر خطير، فالكلام يجري على الاحتمالات التالية:
- توجيه ضربة عسكرية لإيران طال الحديث عنها مع العلم بتعقيد الإقدام على مثل هذه الخطوة من حيث إشعال المنطقة بكاملها.
- توجيه ضربة موجعة لـ «حماس» وقطاع غزة تُساهم في إرباك الفلسطينيين أكثر فأكثر.
- الاستدارة نحو لبنان و «حزب الله» تحديداً لتوجيه ضربة شديدة على أساس أنها عملية الثأر لهزيمة إسرائيل في عدوان العام 2006.
أما الحالة السورية فلا تزال تشكل التصدع الأكبر في الواقع العربي بوجه الإجمال وسط نظام تجاوز مرحلة تقديم التنازلات لخصومه الذين يصرون على المضي في مقاتلة النظام بشتى أنواع الأسلحة والتي بدأت تتدفق إلى سورية عبر منافذ بعضها معروف وبعضها الآخر مجهول.
وتتحدثون يا سادة عن المخاوف من سقوط سورية في حرب أهلية... لكن ما الذي يجري فيها حالياً: أليس هو الحرب الأهلية بعينها؟

الحرص على سورية

مصطفى زين
يعيش العالم العربي أزمة هوية. لا الأنظمة القائمة استطاعت تجاوزها. ولا الجماعات الكثيرة استطاعت إيجاد حل لها. ولا الشعارات أو البرامج السياسية المطروحة تشكل قاسماً مشتركاً يجمع هذه الجماعات (في العراق يسمونها مكونات). لنأخذ سورية مثالاً. كان يفترض أن تكون العروبة التي طرحها البعث وحكم باسمها إطاراً جامعاً للطوائف والمذاهب والأعراق والجماعات المتناحرة، إلا أن هذه العروبة كهوية سياسية أضحت، في سورية وفي غيرها، مثار خلاف وصل إلى حدود شن عرب حروباً على عرب آخرين (احتلال الكويت وحرب الحلفاء على العراق)، ولا ننسى في هذا المجال المعارك بين المغرب والجزائر وسكان الصحراء. ولا ننسى أيضاً أن بعض العرب عقد مصالحات مع إسرائيل، وآخرين في الطريق إلى ذلك. العرب يختلفون على من هو العدو ومن الصديق.
ما يصح قوله في الأنظمة يصح في المعارضة. كل الاجتماعات والمؤتمرات والضغوط الدولية والعربية والإغراءات المالية، لم تستطع جمع المعارضة السورية حول برنامج موحد يكون بديلاً لطروحات السلطة. «المجلس الوطني» يسعى بكل قوته إلى استجرار تدخل عسكري خارجي، ولم يقتنع حتى الآن بأن هذا التدخل مستحيل في الوقت الراهن. وبعضها ضد التدخل. بعضها يؤيد الحوار مع النظام. وبعضها يكفر كل محاور. بعضها مع العنف المسلح. وبعضها مع التظاهرات السلمية إلخ...
حتى أصحاب الأيديولوجيا الإسلامية منقسمون بين «إخوان» وسلفيين و «قاعدة». خلافاتهم تتعدى السياسة إلى التشريع. بعضهم يريدها تمهيداً للخلافة. وآخر يريدها أداة لتربية المجتمع، والفرد، وليس لإدارة شؤونه العامة. قسم منهم مع النموذج التركي. وقسم مع النموذج الإيراني. وثالث لا نموذج لديه.
في هذه الأجواء من «الفوضى الخلاقة»، وهذه في المناسبة طرح ديني أستله المحافظون الأميركيون الجدد من التوراة، ليس أجدر من «القاعدة»، تنظيماً وتسليحاً وأيديولوجيا، لإدارة لعبة القتل والدمار. وليس أفضل منها في ادعاء «الحق الإلهي» بوراثة الأنظمة القائمة في كل بقاع العالم الإسلامي.
إن الانقسام في الإسلام السياسي لا يقل عنه في الحركات القومية واليسارية واليمينية، إذا لم نضف إليه الانقسامات بين المذاهب الفقهية، وهذا أمر طبيعي، فليس صحيحاً أن الدين يؤثر في البشر ولا يؤثرون فيه (أمين معلوف- «الهويات القاتلة»). ويضيف خلاف هؤلاء إلى استبداد الأنظمة القائمة استبداداً من نوع آخر متسلحاً بالمقدس.
وسط هذه الخلافات المتراكمة، يصبح تحذير كوفي أنان من اندلاع حرب أهلية في سورية في غير مكانه. فالحرب واقع يعيشه السوريون كل يوم. يعرف ذلك المهجرون من حي الحمدانية في حمص، ومن ريف حماة وحلب، وبعض أحياء دمشق، ويعرف ذلك أهالي المخطوفين والقتلى والذين تعرضوا ويتعرضون لمحاولات الاغتيال.
عرقنة العراق بدأت من اليوم الأول للانتفاضة. بدأت بإنشاء مواقع على الإنترنت تقسم الشعب السوري إلى طوائف ومذاهب وأعراق، لكل منها آدابه وأساطيره وعلمه، وتاريخه المستقل.
بدأت الحرب الأهلية بتسلح جماعات ضد أخرى. وما العمليات التي تشنها «القاعدة»، ومنها عملية دمشق منذ يومين، سوى تجسيد لهذا الواقع الأهلي. ولهذه الحرب التي يشترك فيها الداخل والخارج. وكل يدعي حرصه على سورية.

لا أهلاً بماركس

محمود المبارك
في مقال لأحد الكتاب مؤخراً في صحافتنا المحلية، كان يتفاخر بجمعية من الجمعيات السياسية ذات التوجه اللا ديني. رغم أن هذه الجمعيات التي تحمل الفكر الشيوعي لم تكن في السنوات الأخيرة تحب الكلام ظاهرياً عن موقفها من الدين و من العقيدة. هذا التوجه من هذه الجمعيات كان محاولة للتخلص من الغربة التي يعيشها مثل هذا التيار في مجتمع متدين كمجتمع البحرين و مجتمعات الخليج بصورة عامة.
عندنا ولله الحمد باتت أي جمعية سياسية لا دينية صار يشار إلى أعضائها بالوطنيين، و كأن الوطنية صارت مقابلاً للدين فيصير اللا ديني وطنياً!! على أي حال، يقول كاتب المقال في مدح هذه الجمعية و قد عنون مقاله بعنوان “عود المنبر التقدمي”، يقول فيه: “عقدوا عقوداً، و وعدوا وعوداً، و دفعوا نقوداً، على أن يكسروا عود المنبر و يثنوه عن الطريق الذي اختاره و اختارته له جبهة التحرير، طريق الماركسية اللينينية”.
  هنا، حين أتوقف عند هذه الكلمة فأنا لا أوجه أي سؤال للكاتب أو لرواد هذا الإتجاه أو أعضاء جمعياته السياسية، و إنما أوجه سؤالي للجمعيات الإسلامية المتحالفة مع هذه الجمعيات و التي صنعت بتحالفها معهم مكانة لهم في قلوب الشباب  و الذين لا يدرون عن واقع هذه الجمعيات و عما تحمله من فكر و ما هو موقفها من الدين. و بالطبع، فإن الملاحظ أن قيادات هذه الجمعيات صاروا يحملون شيئاً من الرمزية عند أعضاء الجمعيات المتحالفة معهم.
لم يأنف الإسلاميون كما يبدو أو يستنكفوا من التحالف مع الماركسي، إلا ان هذا الماركسي صاحب المقال لم يتحمل أن يتحالف مع الإسلاميين. و هنا نقطة تستدعي التوضيح، حين يتكلم أحد عن ماركس فلا يمكن أن يغفل كلمته الشهيرة “الدين أفيون الشعوب” و حين يتكلم عن لينين فلا تغافل عن كلمته “ الدين خرافة و جهل”.
  نعم، لم يعد الماركسيون أو بقاياهم يجاهرون بالكلام عن موقفهم من العقيدة و من الدين، إلا لماماً، و إلا فلغة السبعينات و الستينات تغيرت ما لم تتكلم مع أحد كبار السن منهم، فهؤلاء أو بعضهم لا يتحملون حقيقة أنهم صاروا يعيشون في مجتمع لفظ التوجهات الإلحادية كما تلفظ اللقمة الفاسدة من الفم، فتراهم يزبدون و يرعدون، أما الأعم الأغلب فلا نرى كتاباتهم حول الدين أو آرائهم عن العقيدة، و لكن قد يأتي وقت غير بعيد يعودون فيه لطرح هذه البضاعة الكاسدة من الأفكار الإلحادية.
يكمل صاحب المقال الذي تكلمنا عنه، فيخرج بقائمة من الألفاظ المغبرة و التي لم نعد نسمعها حتى من الجمعيات التي يتفاخر بها كونها ذات توجه شيوعي، فتتناثر كلمات مثل: الرجعية، الظلامية ، التنويريين. و هذه بلا شك هي نظرة عموم الشيوعيين إلى ذوات الدينيين الظلامية مقابل ذواتهم هم التنويرية، إلا أنه في مجتمعنا كان هؤلاء قد عرفوا حدودهم مع الدين على المستوى الظاهري، و اليوم قد فتح المجال لهم بالتنسيق و التمكين و التخندق ثم التحالف من قبل الناس، و  بهامش الحرية من قبل الدولة، فهل سنسمع قريباً كلامهم القديم في مهاجمة الدين؟! أم أن من يحالفهم سياسياً مستعدٌ لمواجهتهم عقيدياً؟! و الله من وراء القصد...

الخليج من التعاون إلى الاتحاد

عبدالله الكعبي
الضجة المثارة حول الاتحاد الخليجي الذي من المتوقع الإعلان عنه في القمة التشاورية الاثنين بالرياض أو تأجيل الإعلان عنه إلى القمة الخليجية في ديسمبر القادم ، ليست ذات معنى وأن من يحاول أن يدفع بها إلى الواجهة لا يهدف إلى خدمة تلك الوحدة وإنما يرمي من وراء ما يقوم به عرقلة الوحدة ووضع العصا في العجلة من أجل خدمة مصالح من تضر الوحدة بمصالحهم وتعطل خططهم التي يعتقدون أن أوان جني ثمارها قد حان .
شعار من التعاون إلى الاتحاد يجب أن يركز عليه القادة ويحسمون أمره بشكل عاجل . فالوحدة المنشودة هي التي تتحقق على كل الأصعدة وليس على صعيد أو اثنين كعلاج مؤقت لعلاج ما تعاني منه المنطقة التي تتهددها الأخطار من كل جانب . فالعزوف المتوقع من قبل بعض الدول الخليجية عن ذلك الاتحاد أو تأجيل النظر فيه لمزيد من التفكير والدراسة يجب أن يؤخذ في الاعتبار ولكن لا يجب أن يكون معوقاً أمام ولادة الاتحاد الذي إن لم يكن بشكل كامل بين كل الدول فإنه سيكون خطوة كبيرة إلى الأمام إن تم بين اثنتين أو ثلاث منهم .
اعتقد أن الزمان الذي أظلنا الآن هو زمن الوحدة وليس سواها وذلك من أجل ترتيب الأوراق التي تبعثرت طوال السنوات الماضية بفعل المخططات التي رسمتها دول الجوار المعادية التي عملت بكل طاقاتها للوصول إلى أهدافها التي كان من بينها ضرب هذه الوحدة والقضاء على ذلك الحلم والذي لازال وللأسف الشديد يعشش في مخيلة البعض الذي بادر وسبق إعلان الاتحاد ببيانه الرافض والمشكك في النوايا على اعتبار أن مثل هذه الخطوة يجب أن يستشار فيها شعب البحرين بالرغم من أنه وقبل عام من الآن كان على وشك الإعلان عن نوع آخر من الوحدة بعد تحويل البحرين إلى جمهورية إسلامية كان من المفترض أن  تتكامل في كل شيء مع الجمهورية الأم في إيران والتي لم تكن من وجهة نظره تحتاج إلى استفتاء ولا إلى مشورة .
تجاربنا مع الأحداث التي مرت بها المنطقة في الثلاثين سنة الماضية علمتنا أن دولنا الخليجية هي الأقدر على البقاء والاستمرار من غيرها الذي كان يأخذ دوره ومن ثم يمضي إلى غير رجعة وهو الأمر الذي يجب أن يحفزنا على تطوير هذه المنظومة وبلورتها بشكل يكون قادراً على مواجهة التحديات القادمة من دون الالتفات إلى الفقاعات التي لن تلبث أن تتلاشى وتذهب مثل ما ذهب غيرها .
فالحلم الإيراني بتغيير ديموغرافية المنطقة واستبدال الأنظمة الحالية بنظام مشابه للموجود في طهران لن يكتب له النجاح وهو الآن في نهايته . فإيران التي تلعب بأوراقها الأخيرة الآن تعي أكثر منا خطورة الموقف والأزمة التي ستعصف بها عما قريب . فلو كانت الخطط الإيرانية التي استنفذت كل أوراقها ناجحة ومفيدة لكانت حققت النجاح في سوريا التي تركت لثلاثين سنة كاملة تحت المخلب الإيراني الذي عمل بها كل ما يستطيع وضخ فيها المليارات التي ذهبت هباءً منثوراً بعد أن اثبت الشعب السوري أنه أقوى من كل المخططات التي كانت أشبه بالوهم ولم تكن حقيقية كما يصورها البعض وهو الأمر الذي سنراه يتكرر في العراق في القريب العاجل وفي لبنان وغيرها من الدول التي تنتظر لحظة الصفر للإعلان عن رفضها لذلك التمدد الذي سينتهى إلى لا شيء .
اعتقد أن العالم بأسره سيحترم خطوة الاتحاد الخليجي وأتمنى أن يعي الجميع معنى هذا الاحترام . فالدول الخليجية التي راقبت ما يجري في البحرين منذ يومه الأول ووقفت مع جهود الشعب السوري ضد نظامه الإرهابي وسجلت مواقف كثيرة لصالح الشعوب العربية الطامحة للتحرر تستطيع أن تنتقل إلى هذا الاتحاد بشكل حضاري وواعي . فالدول التي لم تتلطخ يدها بدماء شعوبها من مثل ما يفعل النظام الأسدي الإرهابي في سوريا ، بالرغم من كل الاستفزازات والتدخلات التي حاولت النيل منها ، هي دول قادرة على الانتقال من التعاون إلى الاتحاد بشكل يكون في صالح الشعوب وليس الأنظمة كما يظن البعض ، ومن ثم فإن خليجنا العربي مقبل على مستقبل أكثر إشراقاً بعد زوال ليل المخططات الغبية التي لم يكن حظها أفضل من سابقاتها التي تحطمت على صخور التاريخ والجغرافيا التي لا تعترف بالأحلام والأوهام وإنما هي صنيعة الواقع الذي لم يكن له أن يقف في يوم من الأيام مع الشر مهما عظم وكبر وأصبح غولاً في أعين الناس.

اتحاد أم وحدة..المهم الفعل وليس الاسم

أحمد سند البنعلي
تطوير منظومة مجلس التعاون الخليجي تأخر كثيرا وطال على الشعب العربي في الخليج العربي ما يرنو إليه من كسر الحواجز المصطنعة بين أقطاره التي طال بقاؤها هي الأخرى ، بالتالي فإن الدعوة إلى توحيد الأقطار العربية في الخليج العربي أضحى أمرا ملحا في ظل ما آل إليه المجتمع الدولي أخيرا وبعد سقوط الحدود كما يقال والشعب العربي في الخليج داعم لهذا التوجه حتى لو شابت مواقف الأنظمة في المنطقة شوائب بسيطة يمكن تجاوزها .
ما تتناقله الأخبار مؤخرا عن اجتماع القمة القادمة والنية في طرح مشروع الوحدة بين البحرين والسعودية فقط يصيب الكثيرين بالإحباط بسبب التمنع الذي تبديه دول أخرى في الخليج العربي وترددها في الدخول في المنظومة لأنها ربما تريد أن ترى تأثير النتائج على الغير قبل الشروع في الدخول في النظام الجديد .
معلوم أن كل نظام بل كل فرد يتردد كثيرا قبل القبول بأي عمل تطويري خشية مما هو غير مرئي من نتائج والأنظمة أو بعض الأنظمة في الخليج العربي تزيد عندها عوامل التردد كونها تخشى أن يعمل النظام الجديد على طمس أو تغيير الوضع القائم داخليا أو بمعنى أدق أن يمس المكتسبات الذاتية لكل نظام من رأسه حتى  المنتفعين منه وهذا أمر طبيعي ومفهوم ولا غبار عليه ولا يعيب من يميل إليه ، على هذا الأساس يمكن وضع الحسابات الخاصة التي تراعي تلك المخاوف وتشكيل منظومة وحدوية عربية تمس الشأن الخارجي والأمني في البداية وتكون قابلة للتقييم بعد عقد من الزمان تكون بعده نتائج التطوير قد آتت آكلها وبدأت في إزالة المخاوف التي تعتري بعض المترددين حاليا .
الوحدة الخليجية ليست بالأمر الغريب أو المستجد بل هي عودة إلى واقع كان سائدا ربما قبل عقود من الزمن وقبل أن يشرع المستعمر في وضع خطوط على الخرائط لتقسيم الوطن العربي إلى أجزاء تخدم مصالح دول الاستعمار وتوقف مصالح المنطقة لتضعها في خدمة المستعمر نفسه ، لذلك فإن الوحدة لن تأتي بالجديد بل تعيد ما كان قائما ، ثم أن الوحدة الشعبية بين الدول العربية في الخليج العربي هي أمر قائم حاليا في جميع مناحي الحياة إلى درجة الوحدة العائلية بين عائلات وقبائل المنطقة مما يسهل عملية التطوير الوحدوي على عكس المناطق الأخرى كالقارة الأوروبية التي نزعت إلى تلك الوحدة بالرغم من الفوارق الشاسعة بين شعوبها وبالرغم من الحروب المدمرة التي كانت بينها والملايين من الضحايا التي راحت من جراء تلك الحروب ولكنها وجدت أن التوحد هو أفضل السبل لتهيئة وضع أفضل لتلك الشعوب ومستقبل القارة نفسها .
قد يكون من ضمن ما تخشاه بعض الدول الخليجية الفارق بينها وبين السعودية في الإمكانات والمساحة والقوة مما يعني أن تبتلع السعودية باقي الدول وهو ما يروجه أعداء التوجه الوحدوي مع انه يمكن دراسة نظام وحدوي يخدم السعودية وباقي الدول بالطريقة التي تمنع وجود تلك المخاوف وتعطي الشعب العربي في المنطقة الحرية في التطوير مستقبلا وتجعل القرار شعبيا في المرحلة القادمة ، أما أن تقف تلك المخاوف حائلا دون تحقيق حلم الوحدة العربية الجزئية فإن ذلك يعد ظلما للشعب العربي في المنطقة .
قبل عقود قليلة من الزمن كان المواطن العربي يتنقل بكل حرية ودون أي عائق بين المناطق المختلفة في الخليج العربي حتى وضعت العوائق التي أريد لها أن تخلق فوارق بين أبناء المنطقة ، ومن واجبنا أن نمحو تلك العوائق كبداية لطريق الوحدة الحقيقية التي نريد وهذا ما يجعلنا نقف داعمين لذلك التوجه ليس خوفا من القوى الأخرى كما يعتقد المناهضون للتوجه الوحدوي ، بل لأن ذلك الوضع هو الوضع الطبيعي وفيه المستقبل الواعد للشعب العربي في الخليج العربي .
بقي أن نعرف مواقف الأطراف المختلفة من ذلك التوجه وهو ما نأمل في إلقاء الضوء عليه في لقاء آخر بمشيئة الله.

نبذ العنف والاحتجاج السلمي كلمات فقدت معناها

بثينة خليفة قاسم
عندما تتحدث أي شخصية بحرينية إلى وسائل الإعلام المختلفة تقول أنها ضد العنف وأنها ترفض العنف وتدعو إلى نبذ العنف وترحب بالحوار، وكأن نبذ العنف قد أصبح مجرد عبارة بروتوكولية أو دبلوماسية يلوكها الجميع من أجل استكمال أدب الحوار وعدم خرق الأعراف الدبلوماسية.
فهل نحن حقا في البحرين ننبذ العنف وندعو للحوار؟ الإجابة لا، لأن نبذ العنف ليس كلاما للاستهلاك الاعلامي واتقاء النقد من قبل الآخر، سواء كان الآخر دول أو منظمات أو مؤسسات إعلامية في الداخل أو الخارج، ولكنه واقع يمكن إدراكه بسهولة.
والذي يريد أن يعرف هل يقوم قادة الرأي والفكر في البحرين بنبذ العنف أم لا، فعليه بتحليل أدبياتنا المكتوبة، وتحليل الخطب التي يلقيها مشايخنا والدروس التي يتلقاها الشباب في المآتم والحسينيات وفي غيرها من التجمعات.
فهل يتلقى شباب البحرين رسائل تنبذ العنف، أم رسائل توغر الصدر وتقتل الولاء والانتماء وتقسم البحرين إلى فسطاطين مختلفين في كل شيء ولا يجمع بينهما صلات التاريخ والدم والدين؟
العنف لا ينتج عن أمر مباشر يتم إعطاؤه للشباب لكي يخرجوا في وقت أو مناسبة معينة، ويمارسوا العنف ،ولكنه حصاد أو ثمار لشهور وسنوات من غسيل المخ الذي يتعرض له هؤلاء الشباب حتى تغلي صدورهم وعقولهم فيرتكبون أي فعل اعتقادا بأن هذا الفعل يدخل ضمن الدفاع عن الحقوق والانتقام من الظالم حتى وإن قتلوا الأبرياء وخربوا ممتلكات غيرهم من الناس.
الذي يريد معرفة الحال التي وصل إليها شبابنا بسبب التحريض على مدى السنوات الماضية ،عليه أن يقرأ التعليقات التي يكتبها قراء الصحف البحرينية على الانترنت، عقب كل حادث من أحداث العنف وعمليات التخريب التي تنشر الصحف موادا إخبارية أو غير إخبارية بشأنها، لكي يعرف إلى أي مدى تشوهت عقول وعواطف هؤلاء الشباب وأصبحوا أداة طيعة لكل من يعطي لهم الإشارة للنيل من الوطن والمواطنة التي لا بديل لنا سواهما.
عندما تقرأ هذه التعليقات تجد تبريرات عجيبة للعنف والقتل، وكأننا نعيش في دولة احتلال، وكأن هؤلاء الذين يفقدون ذراعا أو ساقا أو يفقدون حياتهم كلها بسبب العنف ليسوا مواطنين تجمعنا بهم وشائج الدم والتاريخ!
إننا لم نر نبذا للعنف ولم نر تعبيرا سلميا في البحرين على مدى ما يزيد على العام، فنحن نسمع كلاما في وسائل الإعلام الأجنبية من بعض سياسيينا حول نبذ العنف وحول سلمية الاحتجاجات، ولكننا لا نرى أثرا لذلك على أرض الواقع.
نبذ العنف والتعبير السلمي ثقافة نزرعها وننميها في عقول وسلوك الشباب وليست تعابير دبلوماسية باهتة لا صلة لها بالواقع، وإلا فعلينا أن نصدق تصريحات المتحدثين الإسرائيليين عن نبذ العنف بعد كل محرقة ينفذونها ضد الأبرياء من الفلسطينيين.

سيناريو إيقاف عيسى قاسم

محمد المحميد
أول السطر:
من المفترض أن تبادر الجهات المسئولة في مملكة البحرين بكشف الرؤية القانونية والفقهية والحق السياسي والسيادي في قرار الاتحاد البحريني السعودي, الذي يأتي ضمن تطلعات وأهداف مجلس التعاون الخليجي.., لأن (المعارضة الطائفية) تحاول وستحاول الآن التشكيك في الأمر من الناحية القانونية والسياسية، رغم إيماننا بأنهم لن يقتنعوا بأي أمر لأنهم مرتبطون بالقرار الطائفي الخارجي.

إيقاف عيسى قاسم:
سأفترض جدلا أن وزارة العدل والأوقاف والشئون الإسلامية قررت وبشكل قانوني ومدروس إيقاف عيسى قاسم عن الخطابة، نظرا إلى خروجه عن قواعد الالتزام بالخطاب الإسلامي المعتدل في منبر الجمعة، وممارسته لكل أنواع التحريض على العنف والكراهية، إضافة إلى فتواه لسحق رجال الأمن، واستمراره في بث الفتنة وشق الصف بين أبناء الوطن الواحد.. ورأيت أن هذا الافتراض سيتبعه سيناريو معروف من جهات عدة.. فكيف سيكون؟
أول أمر قد يحصل أن بعض أعضاء في المجلس الأعلى للشئون الإسلامية قد يعلق عضويته، وبعض أعضاء في الأوقاف الجعفرية ربما يهدد بالاستقالة، وبعض خطباء مآتم سيعلنون تضامنهم، ثم ستصدر إعلانات من حوزات ومآتم تندد بالقرار، وبالطبع سيكون للجمعيات السياسية الطائفية (وجمعيات الذيل) بيانات رنانة ومسيرات ترفع فيها صور عيسى قاسم وتتباكى على حرية الدين والمعتقد وحرية التعبير، أما الماكينات الإعلامية في الداخل والخارج المساندة للمعارضة الطائفية فستعرض أرشيفا لخطب قاسم التي تدعو إلى الوحدة وإبراز الفتاوى التي صدرت ذات يوم ضد الحرق وتعطيل الشوارع ثم نسخت بفتاوى أخرى.
القنوات الفضائية المحرضة والمعروفة لن تبتعد عن الساحة وستكون حاضرة من خلال عقد ندوات وبرامج حول إيقاف قاسم عن الخطابة وحرية الرأي في البحرين والحديث عن التمييز والطائفية، ولربما عرضت لقطات من خطب شيوخ دين آخرين لم يتم توقيفهم من قبل وزارة العدل كدليل على التمييز في القرار.
المنظمات الحقوقية والسيد بان كي مون وبعض دكاكين أخرى سيطالبون بدعم حرية الرأي في البحرين وعدم التضييق على الشخصيات الدينية، فيما السيدة كلنتون وزيرة الخارجية الأمريكية ستلعب على الحبلين كعادة السياسة الأمريكية التي تؤكد دعمها للعلاقات البحرينية الأمريكية وأهمية تطبيق القانون، ولكن مع توفير كل سبل دعم حرية الرأي والمعتقد.. (أحد فهم شيء)..!!
سيتزامن كل ذلك مع خروج مسيرة من هنا ومظاهرة هناك، وحرق إطار هنا، وسد شارع هناك، وسيصل الأمر إلى ذروته في أول جمعة يمنع فيها قاسم عن الخطابة، وسيحاول أن يصرح ويعلن وقوفه ضد القرار من أجل الجماهير وحقوق الشعب (كل الشعب)، ثم سيقرر السفر إلى الجمهورية الإيرانية في رحلته السنوية المعتادة، بعد أن يتحدث عدد من الزعماء في إيران والعراق لمناصرة قاسم، وبالتأكيد سيكون المجنون (مقتدى الصدر) أبرزهم.
مثل كل قرار في الدولة.. سيخرج بعض (فلاسفة ومنظرين) بأن يقولوا بأن منع قاسم من الخطابة زاد رصيده وشعبيته، فيما سيكتب (مشدخ آخر) أن علاج الموضوع في البحرين لا يكون بإيقاف عيسى قاسم، كما ستقف (مخبلة) تعاني من عقد نفسية وتكتب إن قاسم أب الجميع ويجب مراعاة سنه وعمره، وهذا لا يجوز، وستبرز أنواع عديدة تتحدث في هذا الشأن، ولكن في النهاية ستتمسك الدولة بقرارها، ثم تعيد قاسم إلى الخطابة بعد فترة، وبذلك تكون قد كسرت (الحاجز النفسي) لدى البعض بأن قاسم فوق القانون، وبالتالي سيكون إيقافه مرة أخرى لو تجاوز وكرر الخطأ ودعا إلى الفتنة والسحق، أمرا عاديا بالنسبة إلى الدولة والناس والداخل والخارج, لأنها طبقت القانون وكانت شجاعة في المرة الأولى.
مثل هذا السيناريو يمكن قياسه مع أي أمر مخالف ومع أي شخص مهما كان اسمه ومركزه، فهناك حكايات وتوقعات نسجت في خيال الدولة والرأي العام بأنه لا مساس ببعض الأشخاص مهما مارسوا من أعمال وقالوا من كلام، ولكن قوة القانون وشجاعة الدولة بإمكانهما تحطيم مثل تلك الخيالات والحواجز النفسية، ولكل قرار فعل وردات فعل يجب أن تقاس ويستعد لها جيدا، فنحن دولة قانون ومؤسسات.. عموما هذا السيناريو كان مجرد افتراض ولكنه لو حصل فإن ما جاء في السيناريو لن يختلف كثيرا عن الواقع الذي سيحصل.

آخر السطر:
من جحره القابع فيه تحت الأرض وعبر التصوير التلفزيوني خرج السيد حسن نصرالله ليؤكد للمرة المليون أن (حزب الله الطائفي) مستعد لضرب أهداف إسرائيلية في تل أبيب.. والرئيس الإيراني (نجاد) قال إن إسرائيل مجرد بعوضة وسنسحقها، ولكن كل تلك التصريحات مجرد فقاعات فارغة مثل زبد البحر، وتصريحات (خريط) لا تحرر أرضا ولا تنفذ فعلا.. ونقول للسيد والنظام الإيراني وأتباعهما إن تحرير جنوب لبنان وفلسطين لن يأتي بالتصريحات المليونية.. كلام كثير وكذب أكثر وجبن وخوار لا حدود له كالعادة.

المطلوب هو أن تنزعج وتقلق

محمد مبارك جمعة
ما هي وجهة نظر الغالبية الساحقة من مواطني دول مجلس التعاون حول الاتحاد الخليجي؟
وأنا مغمض العينين أستطيع أن أقول إن ما لا يقل عن ٩٠% منهم يؤيدون وبشدة فكرة اتحاد دول مجلس التعاون في كيان واحد. توجد هناك أقلية وشرذمة بسيطة لا يسرها هذا الاتحاد، ولذلك فهي تحاول إحداث ضجة وفوضى لن يكون لها أي تأثير. (بالمناسبة، الشرذمة في اللغة العربية هي القلة القليلة من الناس).
من بين أفراد هذه الشرذمة رئيس الوفاق علي سلمان. يقول في حديث مضحك له - وشكراً لـ ((تويتر)) الذي قدم لنا الكثير من هذه الأحاديث- إن البحرين نالت استقلالها ولا يمكن التفريط فيه. بمعنى آخر سلمان يريد أن يقول إن الاتحاد الخليجي هو عبارة عن ((احتلال)). ليس هذا فقط، بل نصب نفسه متحدثاً باسم شعب البحرين، وتحدث قائلاً إن الشعب يرفض الاتحاد. وبالطبع فإن حديثه ومن يشاطره الرأي فيه من الشرذمة لا يقابل إلا بالاستهجان والضحك، ولن يكون الرد عليه سوى تنفيذ الاتحاد من دون إعارة أدنى اهتمام للضجة التي يحاول أن يحدثها.
ربما لم يستوعب رئيس الوفاق حتى الآن أن الجميع قد أدرك حجمه وحجم جماعته، مهما سلطت عليه وسائل الإعلام أضواءها وأخبارها، فإنه سيظل محصوراً في كيان متشرذم يدعي السياسة ويمارس الطائفية. ولذا فإنه لا تعويل على ما يقوله، ولا اهتمام يلقاه حول وجهة نظره، التي تختلف معه فيها غالبية البحرين، وغالبية ساحقة من شعوب دول مجلس التعاون.
ولكن ثمة سؤال مهم ربما إجابته معروفة سلفاً لكن من الحكمة أن نكرره كثيراً كي نذكر أنفسنا بالإجابة: ما الذي يزعج ويغضب هذه الشرذمة من فكرة الاتحاد الخليجي؟ ولماذا مجرد الإشارة إلى هذا الاتحاد تجعلهم يخرجون رؤوسهم ليصرخوا معارضين له؟ المعروف أن مواطني دول مجلس التعاون الذين يشعرون بالانتماء العميق إليه ويعتزون بذلك كان ولا يزال حلم الاتحاد يراودهم منذ تأسيس مجلس التعاون الخليجي، وخصوصاً أن شعوب هذه المنطقة تجمعها عوامل الدين واللغة والثقافة والنسب والمصاهرة والمصير المشترك، بمعنى آخر جميع العوامل الشعبية للاتحاد مهيئة وجاهزة. فلماذا يا ترى تخرج شرذمة ترفض هذا الاتحاد؟ ولصالح من يا ترى هذا الرفض؟
الجميل في المسألة أن انزعاج علي سلمان، ومعه الشرذمة المنقادة خلفه، هو أمر جيد جدا، لأنه إن دل على شيء فإنما يدل على ضرورة تنفيذ هذه الفكرة -أعني فكرة الاتحاد-، والحق أقول لكم إن المطلوب هو أن ينزعج علي سلمان أكثر ويقلق أكثر لأن ذلك يؤكد لنا أننا نتخذ خطوات على الطريق الصحيح.

على شعبنا أن يقول كلمته بوضوح

فوزية رشيد
لم يعد الأمر في البحرين يحتمل أي مهادنة، أو تراخ، أو استرضاء، الإرهاب في البحرين يتصاعد كل يوم ويحاول الإرهابيون الذين لم يعودوا مجرد صبية أو مراهقين وإنما مليشيات مسلحة ومدربة، تطوير إرهابهم نوعيا بما يهدد كامل الحياة البحرينية التي لم تعتد طوال تاريخها، ظهور مثل هذه الجماعات الإرهابية ولا نوع عملها، ولا أدائها لنسف كل المنجزات الحضارية والمدنية التي تم العمل عليها طوال عقود لنصل إلى مرحلة الإصلاح والديمقراطية، فإذا بها هي المرحلة التي تستعر فيها نيران المحرضين على العنف والتخريب، ثم على الإرهاب، عبر مليشيات مسلحة ومدربة تريد استنساخ الفوضى والحالة العراقية بالتدريج في البحرين، مما يوضح أن كل منجزاتنا المدنية والإصلاحية وحياتنا الطبيعية ـ وليس فقط النظام السياسي ـ هي في قلب الاستهداف.
اليوم لم تعد المسألة مسألة جمعيات سياسية متطرفة أو لا وطنية أو طائفية أو تأزيمية أو تستغل الديمقراطية والإصلاح لمآرب لا صلة لها بشعبنا، فهذه الجمعيات أصبح وضع حد قانوني لها من المسلمات ولن يقبل شعبنا بعد اليوم ان تتم مخاطبتها باعتبارها معارضة صحيحة، فقد خلعت هذا الدور منذ عقد من الزمن أو منذ بداية تشكلها علنيا.
المسألة هي اليوم بالنسبة إلى هذه الجمعيات أنها تدعم الإرهاب في البحرين وتدافع عنه وعن المتورطين فيه، وفي هذا يجب ان يقف شعبنا وقفة لا حياد فيها سواء ضد الإرهاب، أو ضد هذه الجمعيات التي تعتقد أنه بإمكانها ببضع كلمات وبضعة شعارات وبضعة مصطلحات وبضعة مفاهيم أن تستمر في الضحك على الذقون، وان تواصل دورها في إشعال المزيد من الفتن في البحرين تحت شعاراتها الزائفة حول الإصلاح والسلمية، ولا تهمنا أزمة هذه الجمعيات الداخلية ولن نبرر لأي منها، أو نستثني أحدا منها (من الجريمة في حق البحرين وشعبها)، ومن دواعي تحمل المسؤولية القانونية الكاملة عن ذلك.
كذلك فان المسألة ليست مسألة نشطاء حقوقيين حقيقيين، وإنما نشطاء حقوقيون مزيفون يلعبون دورا مخزيا في (حرب الوكالات على البحرين) وهي حرب الطوائف، وحرب المنظمات الدولية التخريبية لأمن مجتمعنا واستقراره، فهؤلاء الشق الحقوقي من المليشيات العسكرية المدربة تدربوا بدورهم على المساهمة الحقوقية الزائفة لتجميل الإرهاب والدفاع عنه واغتصاب حقوق وحريات كل المكونات الشعبية في الطريق، فأي جريمة أكبر من هذا؟
ومثلهم تلك الأبواق السياسية، التي تمثل بدورها الشق السياسي للإرهاب ونشر الفوضى وبضاعتهم التلاعب بالحقائق السياسية على ارض الواقع وتصوير الحياة السياسية كأنها صحراء من دون زاد أو ماء، واعتبار الإرهاب والمليشيات العسكرية المدربة التي تريد حرق البحرين بكاملها باعتبارهم أناسا مسالمين ينشدون الحقوق والمطالب. لهؤلاء وهؤلاء يجب أن يقول شعبنا كلمته الواضحة والا يكتفي بعد اليوم بالإدانة اللفظية من بعض فاعليات أو جمعيات سياسية وطنية هنا أو هناك، بل ان يتخذ الجميع موقفا شعبيا حازما مما يحدث سواء بالخروج في مسيرات تعلن الموقف أو رفع قضايا أمام القضاء أو أخذ أي موقف عملي آخر وما أكثرها ان تم التفكير الجدي فيها!
× هذا التنسيق الغريب بين المليشيات العسكرية المدربة التي تمارس الإرهاب وتعمل على تصعيده نوعيا كل يوم وبين الشق السياسي والشق الحقوقي والشق الإعلامي والشق المنبري الديني، جميعها يمثل وجها واحدا لما يدور في مجتمعنا من إرهاب وبدعم إقليمي طائفي، وآخر من المنظمات الدولية والإدارة الأمريكية الداعمة، ولا يهمنا في ذلك تلون الخطاب الأمريكي فهذا الخطاب يقوى أو يضعف أو يتلون كالحرباء مع الدولة في البحرين حسب معطيات وقوة وضعف أدواتهم في الداخل.
لذلك فان الحرب على الإرهاب في البحرين ليست مجرد مواجهة مع المليشيات العسكرية الإرهابية وجنودها وإنما مع كل وجوهها الأخرى الداعمة والمحرضة والمنشطة لها سواء في الداخل (جمعيات وحقوقيين مزيفين وتجار سياسة وإعلام ودين)، أو في الخارج، وفي هذا فان الشرفاء من كل المكونات مدعوون اليوم إلى اخذ موقف شعبي حازم من كل تلك الجهات لكي يوصلوا إلى القائمين على الإرهاب في الداخل وفي الخارج أن لشعب البحرين كلمة وموقفا ضدهم، ولكي يوصلوا إلى الدولة انهم معها في مواجهتهم.
قلنا ونكرر ان لم يتحرك النواب اليوم وهم لديهم أهم سلطة هي السلطة التشريعية ضد ما يحدث في البحرين، واكتفى بعضهم بإطلاق التصريحات الصحفية، فان مجلس النواب يسهم عمليا في استشراء ظاهرة الإرهاب لتحرق الأخضر واليابس بعد قليل، وليتحملوا مسؤوليتهم الكاملة في ذلك أمام الشعب الذي انتخبهم.
وقلنا ونكرر ان لم تتحرك الجمعيات السياسية الوطنية لإعلان موقف عملي محدد، والاكتفاء عوضا عن ذلك ببعض البيانات الإنشائية فان تلك الجمعيات بدورها تسهم عمليا في استشراء الإرهاب في بلدنا، وكفانا تملصا من الدور الشعبي المنوط بها.
قلنا ونكرر ان لم تتحرك المؤسسات المدنية والأهلية الوطنية ويتحرك كل الشرفاء فيها كالمحامين والقانونيين والأطباء والمعلمين وغيرهم من العاملين في المؤسسات والمهن فإنهم أيضا يسهمون في استشراء هذه الظاهرة الخطرة، وعليهم مسؤولية وطنية في ذلك.
وفي هذا لن نقول ما على الدولة عمله فهي تعرف جيدا ان المهادنة وعدم الحسم وعدم تطبيق القانون سريعا على هؤلاء هي من عوامل تقوية كل تلك الجهات التي تسعى إرهابا وفتنة وفوضى في بلادنا، وكفانا مهادنة ومماطلة.
اليوم شعبنا مطالب بأخذ «مواقف عملية» قانونية وقضائية ومسيرات من ظاهرة تصاعد وتيرة الإرهاب ومن الجمعيات ومن النشطاء المزيفين الداعمين له، حقوقيا وسياسيا وإعلاميا ودينيا، والدولة مطالبة بتثبيت حقها وسلطتها في مواجهة هذه الظاهرة مستندة إلى الرفض الشعبي العام لها، الذي يمدها بالقوة في إنهاء هذه الظاهرة من جذورها، ومعاقبة كل المحرضين عليها، فالأمر لم يعد يحتمل المماطلة أو التأخير فالمرض السرطاني في مرحلة الانتشار فهل من مستمع ومن مستجيب.