Tuesday, July 19, 2011

واشنطن وسُنة البحرين‮.. ‬ التمسك بولاية الفقيه

يوسف البنخليل
صحيفة الوطن - العدد 1983 الأثنين 16 مايو 2011

التمسك بأنصار ولاية الفقيه كخيار استراتيجي‮ ‬لواشنطن حالياً‮ ‬باعتبارهم الحلفاء الجدد والمستقبليين له العديد من السلبيات والإيجابيات للطرفين‮ (‬الولايات المتحدة وإيران وأنصارها في‮ ‬البحرين) ‬على الإدارة الأمريكية أن تعيد حساباتها إذا كانت تتطلع إلى استمرار نفوذها السياسي‮ ‬والعسكري‮ ‬والاقتصادي‮. ‬ وسواءً‮ ‬كانت سلبيات أو إيجابيات في‮ ‬التمسك بالخيار الاستراتيجي‮ ‬لولاية الفقيه،‮ ‬فإن الخاسر الأكبر في‮ ‬هذه المسألة هم طبعاً‮ ‬الطائفة السنية والعائلة المالكة في‮ ‬البحرين،‮ ‬وكذلك الحال بالنسبة لشعوب وحكام دول مجلس التعاون الخليجي‮ ‬من الطائفة السنية التي‮ ‬تترقب في‮ ‬هذه المرحلة الدقيقة ما ستؤول إليه تحالفاتها التاريخية مع واشنطن رغم ما‮ ‬يتداول من‮ ''‬مجاملات دبلوماسية مستمرة بشأن تعزيز العلاقات الخليجية ـ الأمريكية‮''.‬ لنتحدث عن البحرين والطائفة السنية فيها،‮ ‬ففيما‮ ‬يتعلق بالسلبيات فسنتحدث عن أهمها وهي‮ ‬خسارة الحلفاء التقليديين من الطائفة السنية والعائلة المالكة،‮ ‬بالإضافة إلى أنها تفتح المجال أمام إيجاد تحالفات إقليمية تمتد خليجياً‮ ‬وتنتهي‮ ‬دولياً‮ ‬من أجل تقوية الجبهة الخارجية‮. ‬وهو ما تشهده السياسة الخارجية للمملكة حالياً‮. ‬فالمؤشرات الحالية تشير إلى ظهور تحالف إقليمي‮ ‬ـ دولي‮ ‬من شأنه تعزيز العلاقات بين القوى الخليجية المناوئة لولاية الفقيه،‮ ‬تشمل السعودية وبعض دول مجلس التعاون الأخرى،‮ ‬بالإضافة إلى قوى إقليمية عربية مثل الأردن والمغرب،‮ ‬وقوى إقليمية‮ ‬غير عربية مثل تركيا والصين‮. ‬فإذا كانت واشنطن متمسكة بحلفائها الجدد فإنه‮ ‬ينبغي‮ ‬أن تدرس حجم هذا التحالف الإقليمي‮ ‬ـ الدولي‮ ‬الذي‮ ‬من شأنه أن‮ ‬يكون لاعباً‮ ‬سياسياً‮ ‬هاماً‮ ‬في‮ ‬النظام الدولي،‮ ‬لاسيّما وأن هذا التحالف‮ ‬يتحكم بأكثر من نصف الثروة النفطية في‮ ‬العالم‮.‬ بالمقابل فإن الإيجابيات من وراء تمسك واشنطن بحلفائها الجدد وهم أنصار ولاية الفقيه من الطائفة الشيعية استمرار الاستراتيجية الجديدة التي‮ ‬بدأتها واشنطن منذ السبعينات وحتى اليوم،‮ ‬وأنفقت عليها مليارات الدولارات من الخزينة الأمريكية ومن موازنات دول مجلس التعاون الخليجي‮ ‬ومن بينها البحرين بلاشك‮. ‬وهو ما‮ ‬يحقق لها جملة من المكاسب سنتحدث عنها لاحقاً‮. ‬ خيار التمسك بالحلفاء الجدد سيخلق أيضاً‮ ‬تحدياً‮ ‬لواشنطن في‮ ‬تصاعد النعرات المناهضة للأمركة التي‮ ‬تسعى الولايات المتحدة لتكوينها منذ سنوات طويلة‮. ‬وبالمقابل فإنه من المتوقع أن تزداد النعرات الدينية طبقاً‮ ‬لأسس طائفية،‮ ‬حيث سيزداد الالتزام الديني،‮ ‬ويتيح المجال نحو مزيد من التطرف المناهض للغرب،‮ ‬وتعود المسألة سلباً‮ ‬من جديد في‮ ‬مواجهة دولية جديدة بعد المواجهة التي‮ ‬ابتكرتها واشنطن إثر أحداث الحادي‮ ‬عشر من سبتمبر‮ ‬‭,‬2001‮ ‬وهو أمر إيجابي‮ ‬بالنسبة للولايات المتحدة إذا كانت متمسكة بحلفائها الجدد‮. ‬وهذا المسار خطير للغاية لأنه‮ ‬ينذر بمواجهات فكرية وسياسية واقتصادية وحتى عسكرية بين الطرفين،‮ ‬وهذه المواجهة لن تقتصر على البحرين محدودة الموارد والتأثير دولياً،‮ ‬ولكنها ستشمل محوراً‮ ‬أكبر من ذلك بكثير‮. ‬ غداً‮ ‬نتحدث عن الخيار الثاني‮ ‬أمام واشنطن حالياً‮ ‬وهو التمسك بالوضع القائم في‮ ‬البحرين ودول مجلس التعاون الخليجي‮ ‬كخيار استراتيجي‮ ‬بدلاً‮ ‬من الحلفاء الجدد المقترحين‮. ‬

واشنطن وسُنة البحرين‮.. ‬المخفـــي‮ ‬القــــادم‮

يوسف البنخليل
صحيفة الوطن - العدد 1982 الأحد 15 مايو 2011

بعد انتهاء أحداث فبراير الماضي‮ ‬بعملية الفاروق التي‮ ‬أدت إلى إخلاء وتحرير المناطق المحتلة في‮ ‬البلاد من أنصار ولاية الفقيه أدركت واشنطن أنها فقدت جانباً‮ ‬كبيراً‮ ‬من استراتيجيتها الرامية لتمكين حلفائها الجدد،‮ ‬ولذلك بدت المواقف الأمريكية متضاربة بعض الأوقات،‮ ‬إلا أنها اتخذت مساراً‮ ‬مغايراً‮ ‬بعد ذلك‮.‬ فمن مطالبتها ودعمها للحوار الوطني‮ ‬بين كافة القوى السياسية والحكم انتقلت بعدها لتشكل موقفها سريعاً‮ ‬إزاء المشاركة الخليجية في‮ ‬حفظ الأمن والاستقرار السياسي‮ ‬في‮ ‬الدولة البحرينية،‮ ‬فإذا كانت بعض المواقف الدولية‮ ''‬القاصرة‮'' ‬ترى المشاركة الخليجية‮ ''‬غزواً‮'' ‬أو‮ ''‬احتلالاً‮'' ‬فإن واشنطن اعترفت سريعاً‮ ‬كغيرها من بلدان الاتحاد الأوروبي‮ ‬بأن المشاركة الخليجية من خلال قوات درع الجزيرة‮ ‬يأتي‮ ‬انطلاقاً‮ ‬من‮ ''‬اتفاقيات الدفاع الخليجي‮ ‬المشترك‮''. ‬فلماذا كان ذلك؟ كما ذكرنا كان موقف واشنطن حرجاً‮ ‬بعد أن انكشف الغطاء الذي‮ ‬كانت تحرص عليه طوال العقود الماضية من أجل التخلي‮ ‬عن الحلفاء التقليديين من الطائفة السُنية،‮ ‬حيث وصلت الأمور إلى درجة إمكانية إنهاء العلاقات القائمة بين الحكّام الخليجيين السُنة من جهة وواشنطن من جهة أخرى في‮ ‬حالة انتقادها المشاركة الدفاعية الخليجية،‮ ‬وهو ما أدركته سريعاً‮ ‬وسعت إلى تأكيد شرعية هذه المشاركة،‮ ‬وبيان دعمها لكافة إجراءات الأمن والاستقرار‮. ‬ في‮ ‬فترة سريعة لاحقاً‮ ‬بدأ الخطاب السياسي‮ ‬لأنصار ولاية الفقيه من الطائفة الشيعية في‮ ‬البحرين بالتحوّل من المطالبات بإسقاط النظام إلى المطالبة بالحفاظ على أمن الطائفة،‮ ‬وأمن القوى السياسية التي‮ ‬تورطت في‮ ‬أحداث فبراير،‮ ‬ولذلك كنا نجد محاولات مستميتة عبر وسائل الإعلام الإلكتروني،‮ ‬أو حتى عن طريق البيانات التي‮ ‬كانت تصدرها جمعية الوفاق بعد عملية الفاروق تدعو لوقف محاسبة المتورطين‮. ‬ولكنها سرعان ما تحولت إلى مواقف سياسية تضغط على الدولة البحرينية والطائفة السنية من أجل عدم المساس بالمكتسبات التي‮ ‬تحققت لأنصار ولاية الفقيه طوال عقد من الزمن‮. ‬ بعدها تحوّل الموقف إلى درجة أشد،‮ ‬بحيث‮ ‬يتم تشويه سمعة البحرين دولياً‮ ‬وتكوين صورة ذهنية بأنها تعاني‮ ‬من انتهاكات لحقوق الإنسان،‮ ‬وأن المحاكمات تتم في‮ ‬محاكم عسكرية‮. ‬وهذه الصورة كانت واضحة في‮ ‬العديد من وسائل الإعلام الأمريكية،‮ ‬وكذلك وسائل الإعلام الداعمة لتيار ولاية الفقيه في‮ ‬الشرق الأوسط مثل طهران وبغداد وبيروت،‮ ‬ونحن مازلنا نعيش هذه المرحلة التي‮ ‬يتوقع أن تستمر لفترة من الزمن‮. ‬ هذه الحالة السياسية التي‮ ‬وصلت لها العلاقات بين واشنطن وسُنة البحرين أتاحت أمام الإدارة الأمريكية عدة خيارات‮ ‬يمكن عرضها في‮ ‬الآتي‮:‬ أولاً‮: ‬الاستمرار في‮ ‬دعم الخيار الاستراتيجي‮ ‬بإيجاد حلفاء جدد من أنصار ولاية الفقيه‮. ‬ ثانياً‮: ‬إعادة النظر في‮ ‬إيجاد حلفاء جدد آخرين‮ ‬غير ولاية الفقيه‮.‬ ثالثاً‮: ‬الحفاظ على الوضع القائم في‮ ‬منطقة الخليج العربي‮. ‬ أما فيما‮ ‬يتعلق بجدوى تنفيذ هذه الخيارات فسنفصله ابتداءً‮ ‬من‮ ‬غد لمعرفة تفاصيل أكثر حول هذه الخيارات وإمكانية تنفيذها،‮ ‬وتأثيرها على الطائفة السُنية في‮ ‬البحرين‮. ‬

واشنطن وسُنة البحرين‮.. ‬المعادلة الثلاثية

يوسف البنخليل
صحيفة الوطن - العدد 1981 السبت 14 مايو 2011

كيف‮ ‬ينبغي‮ ‬التعامل بين الطائفة السُنية وأنصار ولاية الفقيه من الطائفة الشيعية المدعومين من قبل واشنطن؟ المعادلة الفريدة التي‮ ‬ابتكرها تجمع الوحدة الوطنية عندما تأسس في‮ ‬فبراير الماضي،‮ ‬بوجود ثلاثة أطراف في‮ ‬النظام السياسي‮ ‬البحريني‮: ‬الطائفة السُنية،‮ ‬والطائفة الشيعية،‮ ‬والعائلة المالكة خلقت درجة كبيرة من التوازن بين مختلف مكونات المجتمع المحلي،‮ ‬بعد أن ظلت المعادلة مقتصرة على طرفين فقط طوال أكثر من‮ ‬30‮ ‬عاماً‮ ‬لأسباب متعددة‮. ‬ ففي‮ ‬المرحلة التي‮ ‬سبقت تأسيس تجمع الوحدة الوطنية كان التحالف بين الطائفة السُنية والعائلة المالكة‮ ‬يخوّل الأخيرة الدفاع عن الأولى،‮ ‬والحديث باسمها وحماية مصالحها وتحديد حجم المكتسبات التي‮ ‬يمكن الحصول عليها‮. ‬إلا أن مرحلة ما بعد تأسيس التجمع أصبح الوضع مختلفاً‮ ‬فرغم استمرار التحالف إلا أن الجديد في‮ ‬المسألة هو زيادة نسبة اعتماد الطائفة السُنية على ذاتها في‮ ‬حماية مصالحها ومكتسباتها،‮ ‬وهو أمر نادر في‮ ‬التاريخ السياسي‮ ‬البحريني،‮ ‬ويذكرنا بالأوضاع السياسية التي‮ ‬شهدتها البحرين في‮ ‬بداية القرن العشرين‮.‬ الآن بات تجمع الوحدة الوطنية قادراً‮ ‬على جمع مطالب الطائفة السُنية والعمل على تحقيقها بشكل أكثر استقلالية ووضوحاً‮ ‬عن ذي‮ ‬قبل‮. ‬ومثل هذا النشاط السياسي‮ ‬لا‮ ‬يعني‮ ‬تماماً‮ ‬التأثير سلباً‮ ‬على تحالفه مع العائلة المالكة،‮ ‬أو حتى انتقاصاً‮ ‬لولائه تجاهها باعتبارها صمّام الأمان للمعادلة الثلاثية في‮ ‬حكم الدولة البحرينية تماماً‮ ‬لأن العلاقة بين الطرفين أكبر من اختزالها في‮ ‬تحالف فالمصالح المشتركة والعلاقات التاريخية عميقة للغاية ومن الصعوبة بمكان تجاهلها،‮ ‬وتصل المسألة إلى درجة استمرار الولاء والتحالف حتى إن لم تتحقق مطالب أنصار تجمع الوحدة الوطنية كما كان ذلك واضحاً‮ ‬خلال فترة الأحداث الأخيرة التي‮ ‬سبقت المحاولة الإرهابية لإسقاط نظام الحكم في‮ ‬فبراير الماضي‮.‬ اللافت في‮ ‬تجمع الوحدة الوطنية هو قدرته السريعة في‮ ‬الحصول على الشرعية السياسية من قبل الطائفة السنية خلال أيام معدودة،‮ ‬بحيث تكون هناك مرجعية سياسية للطائفة لأول مرة تاريخياً‮. ‬بالإضافة إلى ذلك فإن التجمع استطاع زيادة قوته السياسية بضم حلفاء جدد من مكونات النظام السياسي‮ ‬مثل طائفة البهرة،‮ ‬وهو ما‮ ‬يتيح المجال خلال الفترة المقبلة لإضافة هؤلاء الحلفاء مثل الطائفتين اليهودية والمسيحية‮. ‬ هذه الخطوات خلقت تحدياً‮ ‬كبيراً‮ ‬لأنصار ولاية الفقيه من الطائفة الشيعية وكذلك لواشنطن التي‮ ‬كانت تدعمها وفقاً‮ ‬لرؤيتها باستحداث حلفاء جدد‮. ‬والسؤال هنا هو كيفية التعامل مع هذين الطرفين؟ الوضع الحالي‮ ‬يستدعي‮ ‬خلق حالة علنية معادلة لنظرية ولاية الفقيه وأنصارها باعتبارها نظرية سياسية تستهدف كيان الدولة البحرينية،‮ ‬بحيث‮ ‬يصل الوضع إلى درجة الاجتثاث‮. ‬فنظرية ولاية الفقيه نظرية متطرفة تقوم على سلوكيات إرهابية من الدرجة الأولى،‮ ‬ودليل ذلك الممارسات التي‮ ‬شهدتها البحرين وكذلك بعض دول مجلس التعاون الخليجي‮ ‬منذ اندلاع الثورة الإيرانية في‮ ‬طهران عام‮ ‬‭.‬1979‮ ‬ أما بالنسبة لواشنطن فينبغي‮ ‬عليها أن تدرك فشل التوجه الاستراتيجي‮ ‬الذي‮ ‬تنتهجه في‮ ‬سياساتها الخارجية منذ بداية السبعينات لإيجاد بدائل عن حلفائها التقليديين،‮ ‬بحيث‮ ‬يكون الخيار بين استمرار التحالف مع الحلفاء التقليديين أو إيجاد بدائل عن التحالف التقليدي‮ ‬مع واشنطن كما هو الحال بالنسبة لخيارات توسيع نطاق منظومة مجلس التعاون الخليجي،‮ ‬أو تكوين تحالفات دولية جديدة مع تركيا والصين وباكستان وغيرها‮.‬ يتبع هذا الطرح المزيد من التحليل على موقف الإدارة الأمريكية من أحداث البحرين،‮ ‬وموقفها من الطائفة السُنية في‮ ‬مرحلة ما بعد أزمة فبراير،‮ ‬وإمكانية حدوث تغيير استراتيجي‮ ‬في‮ ‬السياسة الخارجية الأمريكية خلال الفترة المقبلة،‮ ‬وهو ما سنناقشه‮ ‬غداً‮.‬

واشنطن وسُنة البحرين‮.. ‬مـــــــوعـــد الارتبـــــــاك

يوسف البنخليل
صحيفة الوطن - العدد 1980 الجمعة 13 مايو 2011

إذا كانت أحداث‮ ‬14‮ ‬فبراير قد أنهت الثقة المتبادلة بين واشنطن من جهة والعائلة المالكة والطائفة السنية من جهة أخرى،‮ ‬فإنها لحظة ارتباك تاريخي‮ ‬لم تعشها واشنطن في‮ ‬تاريخ العلاقات البحرينية ـ الأمريكية أبداً‮. ‬ من وجهة نظر واشنطن كانت المعادلة السائدة هي‮ ‬وجود طرفين في‮ ‬النظام السياسي‮ ‬البحريني،‮ ‬الأولى تمثلها الأسرة المالكة التي‮ ‬تتحالف مع الطائفة السنية،‮ ‬والثانية هي‮ ‬الطائفة الشيعية التي‮ ‬لديها معارضة نشطة تمثل الحلفاء المستقبليين للإدارة الأمريكية في‮ ‬هذه الدولة‮. ‬ ولكن قيام تجمع الوحدة الوطنية بعد أسبوع واحد فقط‮ (‬21‮ ‬فبراير‮ ‬2011‮) ‬بشكل عفوي‮ ‬أوجد معادلة صعبة تستحق مزيداً‮ ‬من الدراسة والتحليل‮. ‬والسؤال هنا‮: ‬لماذا تشكّل تجمع الوحدة الوطنية بهذه السرعة رغم المحاولات العديدة التي‮ ‬بذلت على مدى أكثر من عقد من الزمن؟ الإجابة‮ ‬يمكن تقسيمها إلى جانبين،‮ ‬الأول‮ ‬يتعلق بالظروف السياسية التي‮ ‬لم تكن متوافرة في‮ ‬الفترات التاريخية السابقة على فبراير‮ ‬‭,‬2011‮ ‬والجانب الثاني‮ ‬يتعلق بصعوبة تشكيل تحالف بين جماعات سياسية مختلفة أيديولوجياً‮ ‬وإن كانت من ذات الانتماء الطائفي‮. ‬ فيما‮ ‬يتعلق بالجانب الأول فإن الظروف السياسية المتقلبة التي‮ ‬مرّت على البحرين منذ الستينات وحتى العام‮ ‬2011‮ ‬لم تحدث حالة من التهديد ضد الطائفة السنية بسبب تحالفها التاريخي‮ ‬والتقليدي‮ ‬مع العائلة المالكة،‮ ‬وحتى إن تعرّضت في‮ ‬أوقات كثيرة لأزمات فإنها سرعان ما تزول بسبب قوة هذا التحالف‮. ‬ولكن أحداث فبراير الماضي‮ ‬تجاوزت مرحلة الخوف أو الهاجس ووصلت إلى التهديد المباشر الذي‮ ‬تمثل في‮ ‬مظاهر عديدة‮ (‬حرق صور رموز الطائفة السنية،‮ ‬ورفع شعار‮ ''‬ارحلوا‮''‬،‮ ‬الاعتداء على مواطنين من الطائفة السنية كما هو الحال بالنسبة لأحداث جامعة البحرين والفتاة بالقرب من المرفأ المالي‮). ‬ولذلك كانت الظروف مواتية جداً‮ ‬لأن‮ ‬يتم جمع حشود هائلة من المواطنين السُنة في‮ ‬تجمع الوحدة الوطنية لأن ما‮ ‬يجمعهم ليس الانتماء الطائفي،‮ ‬وإنما التعرّض المشترك للتهديد من قبل أنصار ولاية الفقيه‮. ‬ أما الجانب الآخر من الإجابة على سؤال تشكيل تجمع الوحدة الوطنية،‮ ‬فإنه‮ ‬يرجع إلى الأحداث التي‮ ‬شهدتها البحرين منذ‮ ‬2010‮ ‬بعد خسارة الإسلاميين السُنة في‮ ‬الانتخابات التشريعية لأول مرة منذ العام‮ ‬‭.‬2002‮ ‬ولذلك كانت هناك مصالح جماعية مشتركة لدى كافة القوى السياسية التي‮ ‬تمثل الطائفة السنية في‮ ‬الاتفاق سريعاً‮ ‬والدخول في‮ ‬ائتلاف‮ ‬يضم مجموعة من التنظيمات السياسية بحيث‮ ‬يكون هذا الائتلاف قادراً‮ ‬على استقطاب جماهير الطائفة لمواجهة التهديد المقبل‮. ‬ولذلك كان من مصلحة الإسلاميين سواء الإخوان أو السلف المشاركة في‮ ‬ائتلاف سياسي‮ ‬مع الصوفية ومع الليبراليين من السُنة وغيرهم،‮ ‬وكذلك الحال بالنسبة لجميع القوى السياسية السُنية‮. ‬ بتشكيل تجمع الوحدة الوطنية كانت المفاجأة التي‮ ‬لم تكن واشنطن تتوقعها من سُنة البحرين بعد أن عكفت مراكز الأبحاث الأمريكية على رصد اتجاهات الطائفة السنية وتحليل مساراتها المستقبلية لاستحداث حلفاء جدد في‮ ‬منطقة الخليج‮. ‬وباتت المعادلة الجديدة اليوم في‮ ‬النظام السياسي‮ ‬البحريني‮ (‬العائلة المالكة،‮ ‬وتجمع الوحدة الوطنية،‮ ‬والطائفة الشيعية‮). ‬ هذه المعادلة الجديدة خلقت وضعاً‮ ‬جديداً‮ ‬في‮ ‬البحرين،‮ ‬وأصبح هذا الوضع بحاجة ماسة إلى إعادة النظر في‮ ‬كيفية التعامل معه سواء من قبل واشنطن أو حتى من قبل الطائفة الشيعية‮. ‬هذا ما سنسعى لطرحه‮ ‬غداً‮. ‬

واشنطن وسُنة البحرين‮.. ‬المواقف الأربعــــة

يوسف البنخليل
صحيفة الوطن - العدد 1979 الخميس 12 مايو 2011

المواقف الأمريكية تجاه البحرين خلال الأحداث الأخيرة ارتبطت بحلفاء واشنطن الجدد في‮ ‬المنامة،‮ ‬وهم شيعة ولاية الفقيه،‮ ‬حيث تدرج الموقف الأمريكي‮ ‬من الحياد إلى محاولة الضغط على الحكم،‮ ‬وبعدها انتقل إلى تأييد الحكم في‮ ‬دعوته للحوار،‮ ‬وأخيراً‮ ‬انتقل إلى الانتقاد المستمر تجاه مرحلة ما بعد الأزمة،‮ ‬رغم وجود بوادر على عودة الضغوط من جديد خلال الفترة المقبلة‮. ‬ السبب في‮ ‬ذلك كما ذكرنا أن واشنطن أدركت أنها خسرت الحلفاء الجدد إلى حد ما في‮ ‬ظل المعطيات الحالية،‮ ‬وما كان مخطط له منذ سنوات طويلة تم إنهاؤه بشكل سريع لأسباب متنوعة أبرزها استعجال الحلفاء الجدد في‮ ‬تحقيق الأهداف بعيداً‮ ‬عن النفس الطويل‮. ‬ فواشنطن كانت ترى ضرورة التأكد من كافة المعطيات حتى تضمن وصول الحلفاء الجدد إلى الحكم،‮ ‬وما حدث أن الحلفاء الجدد كانوا‮ ‬يرون المعطيات في‮ ‬صالحهم بشكل كبير،‮ ‬وهو ما دفعهم حتى إلى رفض الحوار الوطني‮ ‬عندما دعت إليه القيادة إلى نهاية الأحداث الفاشلة‮. ‬ بالمقابل لم تُعر واشنطن العائلة المالكة أو الطائفة السنية اهتماماً،‮ ‬فكانت مواقفها مبنيّة على مطالب حلفائها الجدد من أنصار ولاية الفقيه ومصلحتهم بالدرجة الأولى،‮ ‬ولم تنظر هذه المواقف تماماً‮ ‬إلى مصالح العائلة المالكة والطائفة السنية أو حتى العلاقات التاريخية معهم‮. ‬فهي‮ ‬إن ضغطت فإنما ضغطت لحماية حلفائها الجدد باسم الديمقراطية،‮ ‬وإن ضغطت فإنها ضغطت لتحقيق مطالب الحلفاء الجدد سواءً‮ ‬تراوحت بين المطالبة بمزيد من الإصلاح السياسي،‮ ‬أو المطالبة بإسقاط النظام‮. ‬ المواقف الأمريكية تدرجت حسب الآتي‮: ‬الحياد،‮ ‬الضغط،‮ ‬دعم المبادرة،‮ ‬الانتقاد المستمر‮. ‬وخلاصة هذه المواقف أنها تتزامن بشكل‮ ‬يؤيد تطورات الأوضاع الميدانية التي‮ ‬يقوم بها حلفاء واشنطن الجدد،‮ ‬إضافةً‮ ‬إلى وضع خط رجعة للإدارة الأمريكية في‮ ‬حالة فشل هؤلاء الحلفاء المقترحين‮. ‬ كان التركيز قائماً‮ ‬على مصالح الحلفاء الجدد،‮ ‬وليس مصالح الحلفاء التقليديين،‮ ‬والسبب ظهور شعور عام لدى العائلة المالكة والطائفة السنية بأن الولايات المتحدة قامت بتغليب مصالحها على حساب مصالحهم والمصالح العليا للدولة البحرينية رغم عمق العلاقات بين الطرفين‮. ‬ مثل هذا الشعور أنهى الثقة بين الحكم والطائفة السنية من جهة وواشنطن من جهة أخرى بشكل كبير وهي‮ ‬التي‮ ‬تولدت على مدى أكثر من قرن من الزمن بشكل بات من الصعوبة بمكان إعادته سواءً‮ ‬قررت واشنطن ذلك أو حتى قررت المنامة ذلك‮. ‬هذه هي‮ ‬حقيقة الوضع إذا كنا نتحدث بصراحة عن علاقة واشنطن بسُنة البحرين خلال الأحداث الماضية‮.‬ بعد هذا الشعور ابتكرت الطائفة السنية معادلة جديدة للحكم داخل الدولة البحرينية بتأسيس تجمع الوحدة الوطنية الذي‮ ‬قلب الأوضاع داخل النظام السياسي‮ ‬بشكل أثر كثيراً‮ ‬في‮ ‬المعطيات التي‮ ‬ابتكرتها واشنطن مع حلفائها الجدد،‮ ‬وهذا ما سنتحدث عنه‮ ‬غداً‮.‬

واشنطن وسُنة البحرين‮.. ‬ساعة الصفر

الوطن - 11 مايو , 2011
 
نحن الآن في‮ ‬مطلع فبراير‮ .‬‭.‬2011‮ ‬الأجواء في‮ ‬البحرين كانت ساخنة ومشحونة بالتوتر كثيراً،‮ ‬والسبب ظهور دعوات لما سمي‮ ‬حينها بـ(ثورة البحرين‮)‬،‮ ‬وهي‮ ‬الأحداث التي‮ ‬ظهرت في‮ ‬البداية باسم المطالب الإصلاحية،‮ ‬ولكنها سرعان ما كشفت عن أهدافها الحقيقية‮. ‬ بشكل عام لم تكن واشنطن تتوقع سرعة اندلاع احتجاجات شعبية في‮ ‬البلدان العربية،‮ ‬طبقاً‮ ‬للعديد من مراكز الأبحاث ودوائر صنع القرار الأمريكية،‮ ‬حيث فوجئت بالسرعة وما‮ ‬يسمى في‮ ‬العلاقات الدولية بنظرية‮ (‬الدومينو‮)‬،‮ ‬وهي‮ ‬نظرية تقوم على أن ما‮ ‬يحدث في‮ ‬دولة ما‮ ‬يمكن أن‮ ‬ينتقل بشكل سريع ومباشر إلى الدول الأخرى المجاورة‮. ‬ لذلك كان لافتاً‮ ‬بالنسبة للإدارة الأمريكية انتقال أحداث تونس إلى مصر ثم إلى ليبيا والبحرين‮.. ‬إلخ‮. ‬أيضاً‮ ‬من الواضح كذلك أن واشنطن لم تكن مقتنعة بأن الفرصة مواتية جداً‮ ‬لاتخاذ مواقف نهائية حاسمة تجاه أحداث البحرين،‮ ‬فهي‮ -‬أي‮ ‬الإدارة الأمريكيةـ من الأهمية بمكان بالنسبة لها حماية مصالحها واستمرار نفوذها في‮ ‬المنامة والمنطقة‮. ‬وبالتالي‮ ‬من الصعب اتخاذ مواقف سريعة تجاه الأوضاع وتداعياتها في‮ ‬البحرين‮. ‬ لاحظت واشنطن‮ -‬كما لاحظ سُنة البحرين‮- ‬أن أحداث الرابع عشر من فبراير الماضي‮ ‬كانت منطلقاتها طائفية،‮ ‬فالمشاركون فيها كانوا جميعاً‮ ‬من الطائفة الشيعية،‮ ‬مع وجود أقلية محدودة العدد من الطائفة السنية تمثل بعض اليسار والليبراليين التابعين للتيار الإسلامي‮ ‬الشيعي‮ ‬وفي‮ ‬مقدمتهم جمعية العمل الوطني‮ ‬الديمقراطي‮ (‬وعد‮). ‬ ولذلك كانت خطوات احتلال دوار مجلس التعاون خطوة ممتازة للتأكد من قدرة وقوة حلفاء واشنطن الجدد والمستقبليين على بسط نفوذهم بشكل تدريجي‮ ‬في‮ ‬العاصمة ابتداءً‮ ‬من عملية احتلال الدوار مرتين خلال أقل من أسبوع واحد‮. ‬ في‮ ‬البداية كان واضحاً‮ ‬أن أنصار ولاية الفقيه رفعوا شعارات مطلبية وسياسية بهدف الظهور على أن حركة‮ ‬14‮ ‬فبراير هي‮ ‬امتدادات لحركات الاحتجاج الشعبي‮ ‬التي‮ ‬شهدتها عدة عواصم عربية مثل تونس والقاهرة‮. ‬ولكن أمام التنسيق المستمر والجهود التي‮ ‬بذلك آنذاك ظهرت حقيقة المطالبات،‮ ‬وتحولت بشكل عفوي‮ ‬مقصود إلى المطالبة بإسقاط النظام السياسي‮. ‬وهي‮ ‬المطالبة التي‮ ‬أذهلت الطائفة السُنية في‮ ‬البحرين،‮ ‬فكثير من أبناء هذه الطائفة كان‮ ‬يسمع منذ أن كان صغيراً‮ ‬بأن هناك مخططاً‮ ‬لإقامة حكم شيعي‮ ‬في‮ ‬البحرين وإنهاء الحكم الخليفي،‮ ‬ولكن لم‮ ‬يكن أحد مقتنعاً‮ ‬بذلك بسبب التعايش السلمي‮ ‬الذي‮ ‬اعتادت عليه البلاد،‮ ‬والتطبيع المذهبي‮ ‬السائد بين الطائفتين على مدى قرون طويلة‮. ‬هذا المشهد السريع أحدث أيضاً‮ ‬صدمة قوية لدى الطائفة السُنية التي‮ ‬لم تعتد كثيراً‮ ‬على مواجهة صدمة داخلية بهذا الشكل،‮ ‬فما حدث في‮ ‬البحرين طوال القرن العشرين،‮ ‬وحركات الاحتجاج الشعبي‮ ‬حتى نهاية التسعينات لم تكن تحمل مطالب صريحة تطالب بإسقاط الحكم الخليفي‮ ‬بقدر ما كانت تحمل مطالب تطالب بمزيد من الإصلاحات السياسية‮. ‬الأمر الذي‮ ‬خلق دافعاً‮ ‬قوياً‮ ‬لدى أبناء الطائفة بالحاجة إلى مواجهة هذا التحدي‮ ‬الداخلي‮ ‬الذي‮ ‬بات عامل تهديد للوجود الكياني‮ ‬للطائفة السُنية في‮ ‬البلاد‮. ‬ اللافت في‮ ‬هذا المشهد كله أن واشنطن في‮ ‬بيانها الأول عن أحداث البحرين والذي‮ ‬صدر في‮ ‬15‮ ‬فبراير لم‮ ‬يتضمن موقفاً‮ ‬واضحاً،‮ ‬وكان بياناً‮ ‬عاماً‮ ‬تضمن قلق الإدارة الأمريكية من أحداث البحرين‮. ‬فرغم ثورية المطالب التي‮ ‬رفعت ووصلت إلى حد المطالبة بإسقاط النظام كان متوقعاً‮ ‬أن تكون واشنطن منصفة،‮ ‬وتتمسك بحلفائها التقليديين من الطائفة السُنية والعائلة المالكة،‮ ‬ولكن البيان تضمن نكراناً‮ ‬لهذا التحالف،‮ ‬ولم‮ ‬يشر بشكل مباشر أو‮ ‬غير مباشر إلى تحفظ واشنطن على مطلب إسقاط النظام،‮ ‬أو على الأقل حاول تسمية هذا المطلب بمسميّات أخرى تماماً‮. ‬وهي‮ ‬بالفعل صدمة أخرى قوية للنظام السياسي‮ ‬في‮ ‬البحرين من حليف دولي‮ ‬قديم مثل الولايات المتحدة،‮ ‬خصوصاً‮ ‬وأن هذه الصدمة لم تقتصر على أبناء الطائفة السُنية والعائلة المالكة في‮ ‬البلاد،‮ ‬وإنما شملت كذلك الحكومات والعوائل المالكة في‮ ‬دول مجلس التعاون الخليجي‮. ‬نواصل‮ ‬غداً‮ ‬الحديث حول تدرج المواقف الأمريكية تجاه أحداث البحرين،‮ ‬والاستنتاجات التي‮ ‬يمكن الخروج بها لفهم أعمق للعلاقة بين الإدارة الأمريكية والطائفة السُنية‮. ‬

واشنطن وسُنة البحرين‮.. ‬الأحقية في‮ ‬الحكم‮

يوسف البنخليل
صحيفة الوطن - العدد 1977 الثلاثاء 10 مايو 2011

من الذي‮ ‬يجب أن‮ ‬يحكم البحرين من وجهة نظر واشنطن؟ طبعاً‮ ‬مثل هذا السؤال الحسّاس والمعقد لا‮ ‬يقوم على حق واشنطن في‮ ‬تقرير مصير شعب البحرين الذي‮ ‬قرر مصيره منذ قرون عندما بايع آل خليفة حكاماً‮. ‬وبالتالي‮ ‬ليس من حقها ذلك سواءً‮ ‬بشكل مباشر أو‮ ‬غير مباشر‮. ‬ ولكن هذا السؤال‮ ‬يساعد على تقريب فهم العلاقة بين واشنطن وسُنة البحرين،‮ ‬فواشنطن عندما تسعى لتحديد طبيعة علاقاتها مع هذه الدولة أو تلك،‮ ‬أو عندما تحاول استحداث استراتيجية جديدة تجاه منطقة معينة‮ ‬يهمها كثيراً‮ ‬فهم مكونات المجتمع حتى تقرر من الذي‮ ‬يجب دعمه ليتولى الحكم‮. ‬ في‮ ‬البحرين المعطيات التاريخية معروفة وواضحة جداً،‮ ‬فمنذ فتح الأسرة الخليفية المالكة البحرين عام‮ ‬1783‮ ‬تحكمها الأسرة دون انقطاع،‮ ‬وهذا الحكم‮ ‬يقوم على عدة أسس تاريخية أهمها أن هناك قبيلة حاكمة ويجمعها تحالف تاريخي‮ ‬من الصعب إغفاله مع عدة قبائل أخرى بايعت الأسرة المالكة منذ قرون وبقيت حامية لها وتعيش في‮ ‬حكم آل خليفة‮. ‬ ورغم أن القبائل المتحالفة سُنية المذهب،‮ ‬إلا أن هذا لا‮ ‬يعني‮ ‬أن العائلة المالكة حرصت منذ قرون على الحفاظ على الخصوصية التي‮ ‬تتمتع بها البحرين من تعدد الأديان والمذاهب،‮ ‬والسماح للجميع بممارسة حرياته الدينية حتى وصل الأمر إلى مرحلة من التقنين بإصدار تشريعات تكفل هذه التعددية‮. ‬ واشنطن حصلت على منافع كثيرة من هذا التحالف منذ الأربعينات من القرن العشرين عندما بدأت بالحصول على تسهيلات عسكرية من حاكم البحرين،‮ ‬ورغم ذلك كانت تنظر إلى أن الحكم في‮ ‬البحرين مقسّم بين عدة أطراف وأجنحة،‮ ‬بعضها تقليدي‮ ‬وبعضها حديث،‮ ‬والآخر‮ ‬يمثل مرحلة انتقالية بين التقليدي‮ ‬والحديث‮.‬ بهذه الرؤية القاصرة تنظر واشنطن إلى الحكم في‮ ‬البحرين بأنه‮ ‬يمر في‮ ‬مرحلة انتقالية بين الحكم التقليدي‮ ‬والحكم الحديث المعاصر،‮ ‬وهو ما‮ ‬يدفعها إلى الاعتقاد بأن الفرصة مواتية للاستفادة من هذه الظروف لإعادة هيكلة الدولة البحرينية وتشجيع ودعم قوى جديدة‮ ‬يمكن أن تحكم البحرين،‮ ‬وتحافظ على المصالح الأمريكية في‮ ‬هذا الأرخبيل على أن تكون امتداداً‮ ‬لقوة إقليمية جديدة‮ ‬ينبغي‮ ‬أن تكون الحامي‮ ‬الأساس لمصالح واشنطن في‮ ‬منطقة الخليج العربي‮. ‬ والجانب الآخر الذي‮ ‬تهمله واشنطن أنها لا ترى أهمية لتحليل القوى القبلية الموجودة في‮ ‬الدولة البحرينية،‮ ‬فهذه القوى ـ من الناحية التاريخية ـ تعمل على حفظ نظام الحكم ودعمه باستمرار،‮ ‬وإذا كانت هناك أية محاولات لتغيير الحلفاء التقليديين في‮ ‬الحكم إلى حلفاء جدد،‮ ‬فإنها لن تكون دقيقة وفعّالة إذا لم تشمل استهداف التكوينات القبلية الموجودة في‮ ‬البحرين والتي‮ ‬لها امتدادات على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي‮. ‬ غداً‮ ‬نتحدث عن ساعة الصفر التي‮ ‬انطلق فيها أنصار ولاية الفقيه لقلب نظام الحكم في‮ ‬البحرين،‮ ‬وموقف واشنطن من هذه الأحداث،‮ ‬وكيف كان موقفها من سُنة البحرين؟

واشنطن وسُنة البحرين‮.. ‬من خدع الأمريكان

يوسف البنخليل
صحيفة الوطن - العدد 1976 الأثنين 9 مايو 2011

الانتخابات البرلمانية‮ ‬2010‮ ‬شهدت تحولاً‮ ‬جديداً‮ ‬في‮ ‬البحرين بعد أن خسر الإسلاميون السُنة مقاعدهم،‮ ‬وتراجع نفوذهم داخل البرلمان‮. ‬بالمقابل استطاعت الوفاق المحافظة على نفوذها داخل البرلمان بعدد مقاعد‮ ‬يتناسب مع طموحها‮. ‬وبالتالي‮ ‬كانت المعادلة تراجع نفوذ الإسلاميين السُنة واحتفاظ الإسلاميين الشيعة بنفس النفوذ السابق الذي‮ ‬حصلوا عليه في‮ ‬انتخابات‮ ‬‭.‬2006‮ ‬فما معنى ذلك بالنسبة لواشنطن؟ كان هناك اهتمام خاص من قبل السفارة الأمريكية في‮ ‬المنامة بالانتخابات الأخيرة لسببين،‮ ‬الأول‮: ‬أنها كانت تنتظر نتائج قبول الشارع الشيعي‮ ‬للوفاق بعد أربع سنوات من المشاركة في‮ ‬العملية السياسية في‮ ‬حالة استمرار دعم الشارع للوفاق‮. ‬والسبب الثاني‮ ‬أنها كانت ترغب في‮ ‬قياس مدى قدرة تمسك الشارع السني‮ ‬بالتيارات الإسلامية السُنية،‮ ‬وطبعاً‮ ‬النتيجة كانت تخلي‮ ‬شريحة واسعة من السُنة عن تأييد التيارات الإسلامية آنذاك‮. ‬ولكن‮ ‬يبدو أن النتيجة التي‮ ‬خلصت إليها واشنطن لم تكن متوافقة مع الواقع فعلياً،‮ ‬فهي‮ ‬لم تدرك تماماً‮ ‬أن تراجع تأييد الإسلاميين السُنة كانت له بدائل متنوعة من المواطنين السُنة أنفسهم،‮ ‬بل من الواضح أن الفهم الأمريكي‮ ‬كان‮ ‬يقوم على أن هذا التراجع‮ ‬يعني‮ ‬صعوداً‮ ‬للتيار الإسلامي‮ ‬الشيعي‮ ‬الداعم لولاية الفقيه‮. ‬وامتداد ودليل هذه الحقيقة عندما تأسس تجمع الوحدة الوطنية لاحقاً‮ ‬حيث فوجئ الأمريكان بهذا الائتلاف من التنظيمات السياسية الذي‮ ‬جمع أنصار التيارات الإسلامية السُنية وغير السُنية،‮ ‬وهو أمر لم‮ ‬يكن وارداً‮ ‬من ضمن سيناريوهات أعدتها واشنطن سلفاً‮. ‬الإدارة الأمريكية شعرت أن تراجع الإسلاميين،‮ ‬يعني‮ ‬رغبة الطائفة السنية في‮ ‬التغيير،‮ ‬وهذا التغيير الذي‮ ‬تتطلع له الطائفة‮ ‬غير موجود على الساحة أصلاً‮ ‬ـ من وجهة نظر أمريكيةـ وبالتالي‮ ‬فإن المجال متاح للتيارات الإسلامية الشيعية الداعمة لولاية الفقيه للتحرك ميدانياً‮ ‬نحو خطوات أكبر كما هو بالنسبة لإسقاط نظام الحكم‮. ‬ الخطأ الاستراتيجي‮ ‬في‮ ‬هذه المرحلة هو قناعة واشنطن بأن تراجع نفوذ الإسلاميين السُنة‮ ‬يعني‮ ‬صعوبة عودته من جديد،‮ ‬أو حتى عدم وجود بدائل قوية وفعّالة لدى الطائفة السنية بعد أن اختار عدم تأييد هذه التيارات في‮ ‬الانتخابات الأخيرة‮. ‬إذ من الواضح أن واشنطن لم تفهم حجم تغلغل التيارات الإسلامية السُنية في‮ ‬المجتمع البحريني،‮ ‬وإمكانية تجميع كافة مكونات الطائفة السُنية بمختلف اتجاهاتها الفكرية في‮ ‬حالة وجود تهديد كبير‮ ‬يمس وجودها التاريخي‮ ‬وكيانها كما حدث عندما تأسس تجمع الوحدة الوطنية‮. ‬ في‮ ‬الانتخابات البرلمانية الماضية تعززت الفكرة لدى واشنطن أنها تسير وفق الاتجاه الصحيح نحو استبدال حلفائها التقليديين من الطائفة السُنية في‮ ‬البحرين بحلفاء جدد‮ ‬يمثلون ولاية الفقيه‮. ‬ولكن القراءة الأمريكية من وجهة نظري‮ ‬لم تكن دقيقة تماماً،‮ ‬وهناك من‮ ‬يرى ذلك من الأكاديميين والمحللين في‮ ‬واشنطن‮. ‬ من الإشكاليات المعقدة في‮ ‬العلاقة بين واشنطن وسُنة البحرين هي‮ ‬العلاقة مع الحكم في‮ ‬البحرين،‮ ‬فكيف‮ ‬يمكن النظر إليها؟ هو محور الحديث‮ ‬غداً‮. ‬

واشنطن وسُنة البحرين‮.. ‬الإرهاب السني‮ ‬والشيعي

يوسف البنخليل
صحيفة الوطن - العدد 1975 الأحد 8 مايو 2011

تورط جمعية الوفاق في‮ ‬أحداث فبراير الماضية التي‮ ‬دعت إلى إسقاط النظام وإنهاء الحكم السُني‮ ‬للبحرين معروف جداً‮ ‬للجميع،‮ ‬ولكن كيف نفسّر أسباب لجوء أمين عام جمعية الوفاق الشيخ علي‮ ‬سلمان إلى حكومة بغداد برئاسة نوري‮ ‬المالكي؟ كما تحدثنا سابقاً‮ ‬فإن وفد الوفاق الذي‮ ‬زار بغداد قبيل انتخابات‮ ‬2010‮ ‬التقى العديد من الشخصيات الدينية والسياسية في‮ ‬العراق،‮ ‬ومن هذه الشخصيات رئيس الوزراء العراقي‮ ‬نوري‮ ‬المالكي‮ ‬الذي‮ ‬طلب من الجمعية الاستفادة من تجربة حزب الدعوة العراقي‮ ‬الحاكم في‮ ‬ظل تشابه التحديات بين العراق والبحرين‮. ‬ وهذا الموقف من رئيس الوزراء العراقي‮ ‬يكشف لنا كيف‮ ‬ينظر حزب الدعوة العراقي‮ ‬الحاكم تجاه سُنة البحرين،‮ ‬وضرورة استبدال حكمهم وحكم العائلة الخليفية المالكة،‮ ‬فمن الواضح أن التحديات التي‮ ‬تحدث عنها المالكي‮ ‬هي‮ ‬استمرار الحكم السُني‮ ‬وضرورة العمل على تغييره عبر الاستفادة من التجربة العراقية لتغيير النظام والتي‮ ‬تمت بشكل مزدوج عبر العمل من الداخل والخارج‮.‬ لذلك كانت واشنطن داعمة لحكم المالكي‮ ‬وحزب الدعوة في‮ ‬العراق من أجل تعزيز الترابط بين منظومة ثلاثية من طهران مروراً‮ ‬ببغداد وصولاً‮ ‬إلى البحرين التي‮ ‬يفترض أن تكون مدخلاً‮ ‬لتغيير الأنظمة السياسية الخليجية وتغيير الحلفاء السُنة التقليديين في‮ ‬المنطقة لصالح النفوذ الشيعي‮ ‬الداعم لولاية الفقيه‮.‬ واللافت أن الوفاق استفادت كثيراً‮ ‬من تجربة حزب الدعوة العراقي‮ ‬لضرب سُنة البحرين بمطالباتها في‮ ‬أحداث فبراير ـ مارس بإسقاط النظام السياسي‮. ‬فعلى سبيل المثال قام حزب الدعوة في‮ ‬العراق خلال حكم البعث وأيام الرئيس الأسبق أحمد حسن البكر بتنظيم مسيرة‮ ''‬سلمية‮'' ‬تتحدى الحكومة العراقية عام‮ ‬1977‮ ‬من النجف إلى كربلاء وهو ما أطلق عليها الحزب آنذاك‮ (‬انتفاضة صفر الجريئة‮). ‬مثل هذه الحادثة تذكرنا بالتحدي‮ ‬الذي‮ ‬قام به أنصار ولاية الفقيه من تيار حزب الدعوة في‮ ‬البحرين‮ (‬الوفاق‮ + ‬شباب‮ ‬14‮ ‬فبراير‮) ‬من مسيرات تتحدى الدولة البحرينية بالتوجه إلى مجلس الوزراء أو الديوان الملكي‮ ‬بالرفاع أو حتى إلى قصر الصافرية‮. ‬ ومازالت الأعمال الإرهابية التي‮ ‬قام بها حزب الدعوة الحاكم في‮ ‬بغداد في‮ ‬الذاكرة الخليجية من تفجير السفارة العراقية في‮ ‬بيروت عام‮ ‬‭,‬1981‮ ‬وتفجير وزارة التخطيط العراقية عام‮ ‬‭,‬1982‮ ‬وتفجير السفارة الأمريكية في‮ ‬الكويت عام‮ ‬‭,‬1983‮ ‬ومحاولة اغتيال أمير الكويت الراحل عام‮ ‬‭,‬1985‮ ‬وتفجير فندق الميريديان بالكويت عام‮ ‬‭,‬1987‮ ‬وخطف الطائرات مثال الجابرية وكاظمة في‮ ‬الثمانينات بالتنسيق مع حزب الله اللبناني‮. ‬بحرينياً‮ ‬نتذكر المحاولة الانقلابية الفاشلة التي‮ ‬قام بها أنصار ولاية الفقيه بدعم من إيران وحزب الدعوة عام‮ ‬‭.‬1981‮ ‬ واشنطن لم تكن تهتم لمثل هذه الأنشطة بقدر اهتمامها بتعزيز نفوذها في‮ ‬منطقة الخليج العربي‮ ‬عبر زيادة نفوذ أنصار ولاية الفقيه في‮ ‬بغداد والبحرين‮. ‬ولم‮ ‬يكن في‮ ‬دائرة اهتمامها بشكل رئيس موقف سُنة البحرين من هذه الأحداث لأنها كانت تسعى لإيجاد حلفاء جدد،‮ ‬والتخلص من الحلفاء التقليديين‮. ‬ ولنتحدث هنا عن مسألة هامة للغاية،‮ ‬ففي‮ ‬الثمانينات قام حزب الدعوة العراقي‮ ‬المؤمن بولاية الفقيه بسلسلة من العمليات الإرهابية كما عرضناها قبل قليل في‮ ‬منطقة الخليج،‮ ‬ولكن واشنطن لم تطلق حملة لمكافحة حزب الدعوة كما فعلت عندما شهدت المنطقة عمليات إرهابية مماثلة في‮ ‬السعودية وبعض دول مجلس التعاون الخليجي،‮ ‬حيث أطلقت حينها حملة لمكافحة الإرهاب الذي‮ ‬قام به تنظيم القاعدة‮. ‬والخلاصة أن واشنطن‮ ‬غضت الطرف عما‮ ‬يمكن تسميته بالإرهاب الشيعي،‮ ‬مقابل مكافحتها للإرهاب السني،‮ ‬والنتيجة في‮ ‬النهاية معروفة‮. ‬ السؤال الذي‮ ‬سنحاول الإجابة عليه‮ ‬غداً،‮ ‬هو ما تأثير خسارة الإسلاميين السُنة في‮ ‬انتخابات‮ ‬2010‮ ‬على علاقة سُنة البحرين بواشنطن في‮ ‬ظل مساعي‮ ‬الأخيرة لإيجاد حلفاء جدد؟

واشنطن وسُنة البحرين‮.. ‬سياسة الإذلال

يوسف البنخليل
صحيفة الوطن - العدد 1974 السبت 7 مايو 2011

تفاصيل كثيرة كتبت عن المعتقلين البحرينيين الستة الذين اعتقلتهم السلطات الأمريكية وحجزتهم واشنطن في‮ ‬سجن‮ ‬غوانتنامو في‮ ‬قاعدة كوبا الأمريكية لسنوات طويلة دون محاكمة،‮ ‬وتعرّضوا لانتهاكات إنسانية وأعمال تعذيب منافية تماماً‮ ‬لأبسط مبادئ حقوق الإنسان‮. ‬دائماً‮ ‬ما كان‮ ‬ينظر إلى قضية المعتقلين البحرينيين في‮ ‬غوانتنامو الذين أطلق سراحهم لاحقاً‮ ‬بأنها قضية حقوقية،‮ ‬ونادراً‮ ‬ما كان‮ ‬ينظر إليها على أنها قضية سياسية‮. ‬فواشنطن في‮ ‬سياق سعيها لإيجاد حلفاء جدد في‮ ‬المنطقة من تيار ولاية الفقيه حرصت بعد‮ ‬غزو أفغانستان باسم محاربة الإرهاب،‮ ‬على أن‮ ‬يكون لديها مجموعة من أوراق الضغط التي‮ ‬يمكن المساومة عليها مع الحكومة البحرينية،‮ ‬وكذلك إيجاد قضية للطائفة السنية في‮ ‬البحرين والخليج عموماً‮ ‬يمكن من خلالها تحقيق عدة أهداف‮:‬ أولاً‮: ‬إيجاد ذرائع كافية للتدخل الأمريكي‮ ‬والإيراني‮ ‬في‮ ‬شؤون الخليج،‮ ‬بحيث‮ ‬يمكن المساومة في‮ ‬حالة اعتقال أي‮ ‬مجموعات من المناصرين لولاية الفقيه في‮ ‬البحرين بأنهم‮ ‬يتعرضون لانتهاكات حقوق الإنسان وتعذيب،‮ ‬بالمقابل‮ ‬يمكن المساومة على ورقة المعتقلين السُنة في‮ ‬غوانتنامو بالضغط على الحكومة البحرينية لإجراء المزيد من الإصلاحات التي‮ ‬تخدم زيادة نفوذ شيعة ولاية الفقيه‮. ‬ثانياً‮: ‬إشغال الرأي‮ ‬العام السني‮ ‬وتنظيماته المختلفة بقضية خارجية،‮ ‬بحيث‮ ‬يتاح المجال لواشنطن وأنصار ولاية الفقيه التحرك ميدانياً‮ ‬للمطالبة بالمزيد من الإصلاحات السياسية التي‮ ‬تخدم زيادة نفوذ الشيعة المؤيدين لولاية الفقيه في‮ ‬النظام السياسي‮ ‬البحريني‮. ‬ ثالثاً‮: ‬تعزيز الفكرة التي‮ ‬تسعى الإدارة الأمريكية لربطها بين الطائفة السنية والإرهاب،‮ ‬حتى أصبحت هناك علاقة طردية بين الطائفة السنية وأعمال الإرهاب،‮ ‬وبالتالي‮ ‬مادامت واشنطن تحتجز مواطنين سُنة في‮ ‬غوانتنامو فإن واشنطن ستضمن دعماً‮ ‬مستمراً‮ ‬لسياساتها نحو إيجاد حلفاء جدد في‮ ‬الخليج من قبل الرأي‮ ‬العام الأمريكي‮. ‬رابعاً‮: ‬إتاحة المجال للمنظمات الحقوقية الدولية لزيادة ضغوطها على حكومة البحرين للإفراج المستمر عن المعتقلين المتورطين في‮ ‬أعمال الإرهاب من الطائفة الشيعية المؤيدين لولاية الفقيه،‮ ‬وهو ما سنفصّل فيه بعد قليل‮. ‬هذه عدة أهداف كانت واشنطن تعمل على تحقيقها عبر ورقة‮ ‬غوانتنامو لمزيد من الضغوط على الطائفة السنية والحكومة البحرينية‮. ‬ويتذكر الجميع كيف كانت الخارجية البحرينية تصدر تصريحات مستمرة للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين البحرينيين هناك،‮ ‬فضلاً‮ ‬عن تكليف فريق من المحامين للدفاع عنهم،‮ ‬والضغوط التي‮ ‬بذلها أعضاء السلطة التشريعية،‮ ‬وتحديداً‮ ‬من أبناء الطائفة السنية في‮ ‬مجلسي‮ ‬الشورى والنواب فقط،‮ ‬وهو ما‮ ‬يثير علامات استفهام على موقف بقية الأعضاء في‮ ‬البرلمان‮. ‬ الإشكالية الرئيسة في‮ ‬قضية المعتقلين السُنة في‮ ‬غوانتنامو أن واشنطن أتاحت المجال للمنظمات الحقوقية الدولية،‮ ‬وتحديداً‮ ‬منظمة هيومن رايتس ووتش لتتدخل باستمرار خلال الفترة من‮ ‬2004‮ ‬ـ‮ ‬2008‮ ‬بشكل كبير في‮ ‬الشأن البحريني‮ -‬ومازالت طبعاًـ لتنتقد ممارسات حكومة البحرين فيما أسمته بالتعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان لمن تورطوا في‮ ‬أعمال إرهابية من المؤيدين لولاية الفقيه،‮ ‬وهو ما عكس ازدواجية في‮ ‬المعايير الأمريكية‮. ‬ففي‮ ‬الوقت الذي‮ ‬كانت فيه المنامة والطائفة السُنية وبرلمانييها وسياسييها‮ ‬يدافعون عن المعتقلين السُنة في‮ ‬غوانتنامو وينتقدون الانتهاكات الحقوقية التي‮ ‬تعرّضوا لها من تعذيب وغيره،‮ ‬كانت واشنطن والمنظمات الحقوقية الدولية تنتقد الأوضاع الحقوقية في‮ ‬البحرين تجاه أنصار ولاية الفقيه المتورطين في‮ ‬الأعمال الإرهابية‮. ‬ أبرز مثال على ذلك هو التقرير الذي‮ ‬أصدرته منظمة هيومن رايتس ووتش بعنوان‮ (‬التعذيب‮ ‬يُبعث من جديد‮: ‬إحياء سياسة الإكراه الجسماني‮ ‬أثناء الاستجواب في‮ ‬البحرين‮)‬،‮ ‬حيث صدر هذا التقرير لينتقد طريقة التعامل مع الإرهابيين المتورطين في‮ ‬خلية‮ (‬الحجيرة‮) ‬الإرهابية،‮ ‬وأحداث كرزكان‮. ‬واللافت أن الذي‮ ‬كتب التقرير هو المحامي‮ ‬الأمريكي‮ ‬جوشوا كولانغيلو،‮ ‬وهو نفسه الذي‮ ‬كان محامياً‮ ‬عن المعتقلين السُنة في‮ ‬غوانتنامو‮!‬ طبعاً‮ ‬المحامي‮ ‬جوشوا برّر موقفه المتناقض في‮ ‬مقال شهير كتبه بعنوان‮ (‬من‮ ‬غوانتنامو إلى البحرين‮)‬،‮ ‬وذكر فيه أنه سيظل‮ ‬يدافع عن الحريات وحقوق الإنسان في‮ ‬كل مكان سواءً‮ ‬كان ذلك في‮ ‬البحرين أو في‮ ‬واشنطن‮!‬ في‮ ‬النهاية مثّلت قضية‮ ‬غوانتنامو حالة من الإذلال السياسي‮ ‬لحكومة البحرين،‮ ‬والطائفة السنية التي‮ ‬لم تكن راضية بهذه الطريقة والتعامل المزدوج لمواطني‮ ‬البحرين‮. ‬وإذا كانت هذه القضية قد انتهت فإن واشنطن حققت هدفها بإشغال الحكومة البحرينية وممارسة الضغوط عليها بما‮ ‬يكفل زيادة نفوذ أنصار ولاية الفقيه،‮ ‬وهو ما ساهم في‮ ‬زيادة نفوذ إيران والمناصرين لها في‮ ‬المنامة‮. ‬ غداً‮ ‬نواصل الحديث حول الحاجة الأمريكية ـ الإيرانية لتعزيز حكم حزب الدعوة في‮ ‬بغداد لضمان تواجد جبهتين لديهما القدرة في‮ ‬ضرب سُنة البحرين والخليج مع اقتراب ساعة الصفر‮.

واشنطن وسُنة البحرين‮.. ‬خوف الغول

يوسف البنخليل
صحيفة الوطن - العدد 1973 الجمعة 6 مايو 2011

ساعدت مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط التي‮ ‬أطلقها الرئيس الأمريكي‮ ‬السابق جورج بوش الابن على استفادة العديد من المؤسسات الأمريكية الناشطة في‮ ‬الشرق الأوسط،‮ ‬ومن هذه الجهات المعهد الوطني‮ ‬الديمقراطي‮ ‬للشؤون الدولية‮ (‬إن دي‮ ‬آي‮). ‬ عندما بدأ المعهد نشاطه في‮ ‬المنامة كان له حضور إعلامي‮ ‬وميداني‮ ‬قوي،‮ ‬ولم‮ ‬يكن عمل المعهد على مستوى واحد،‮ ‬حيث قدم مشاريع لتمكين المرأة سياسياً،‮ ‬إضافةً‮ ‬إلى تمكين الشباب سياسياً،‮ ‬ودعم مؤسسات المجتمع المدني،‮ ‬وحتى الجمعيات السياسية قدم لها عروضه لخدمتها داخل وخارج البحرين،‮ ‬وقد‮ ‬يذكر البعض في‮ ‬تلك الفترة كيف كانت الخلوات السياسية التي‮ ‬أقامها هذا المعهد في‮ ‬المغرب وغيرها‮.‬ في‮ ‬البداية كان هناك حماس محدود تجاه مشاريع المبادرة الأمريكية والدعم السخي‮ ‬الذي‮ ‬تقدمه،‮ ‬خصوصاً‮ ‬وأن الفترة التي‮ ‬دشنت فيها لم‮ ‬يكن هناك بديل محلي‮ ‬يقدم الدعم للجمعيات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني‮ ‬بما‮ ‬يتوافق مع القائمين على مثل هذه المؤسسات‮. ‬ تحفظ سُنة البحرين على دخول المعهد الوطني‮ ‬الديمقراطي،‮ ‬وظهرت انقسامات كبيرة تجاه التعامل معه،‮ ‬فثمة رؤية كانت ترى أن هذا المعهد مشبوه،‮ ‬وأنه‮ ‬يحاول طرح الديمقراطية بالمفهوم الأمريكي،‮ ‬فضلاً‮ ‬عن ارتباطاته ببعض تنظيمات اللوبي‮ ‬الصهيوني‮ ‬في‮ ‬الولايات المتحدة كون وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت تتولى رئاسة مجلس إدارته‮. ‬أما الرأي‮ ‬الآخر فكان‮ ‬يرى إمكانية الاستفادة من بعض المشاريع دون التأثر بالأهداف الخفية التي‮ ‬يعمل المعهد على تحقيقها‮. ‬ الخطوة الذكية التي‮ ‬قامت بها واشنطن تجاه سُنة البحرين في‮ ‬تلك الفترة هي‮ ‬محاولة إبراز أنشطتها بأنها لا تستهدف فئة معينة أو طائفة معينة أو حتى تيار سياسي‮ ‬معيّن حتى لا‮ ‬يظهر نشاطه بأنه‮ ‬يخدم أجندة واضحة،‮ ‬ولذلك كان نشاطه عائماً‮. ‬ولكن المسألة لم تستغرق وقتاً‮ ‬طويلاً‮ ‬إذ سرعان ما شهد المعهد حالة أشبه بالمقاطعة من قبل الطائفة السُنية التي‮ ‬كانت تبدي‮ ‬توجساتها إزاء مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط،‮ ‬ونشاط‮ (‬إن دي‮ ‬آي‮). ‬طبعاً‮ ‬يمكن تقييم مثل هذه الخطوة بأنها لم تكن ناجحة إذ استفاد منها أنصار تيار ولاية الفقيه،‮ ‬في‮ ‬حين ظل السُنة في‮ ‬الهامش تماماً،‮ ‬وظهرت الخبرات الأمريكية في‮ ‬العمل السياسي‮ ‬لاحقاً‮ ‬بشكل كبير لدى المؤسسات الشيعية بمختلف تصنيفاتها‮. ‬ على الصعيد الرسمي‮ ‬كانت أنشطة‮ (‬إن دي‮ ‬آي‮) ‬تحت المراقبة الرسمية،‮ ‬وأدركت الحكومة مدى خطورة ترك المجال لهذا المعهد لتدريب كوادر الجمعيات السياسية المؤيدة لولاية الفقيه،‮ ‬فعملت على تضييق الخناق على هذا المعهد،‮ ‬خصوصاً‮ ‬وأن تواجده في‮ ‬المنامة لم‮ ‬يكن قانونياً،‮ ‬وهو ما استدعى بشكل فوري‮ ‬الطلب من مدير أنشطته في‮ ‬البحرين فوزي‮ ‬جوليد مغادرة المملكة وإيقاف أنشطته بشكل نهائي‮ ‬رغم المحاولات التي‮ ‬بذلت لاحقاً‮ ‬من قبل واشنطن وأنصار ولاية الفقيه في‮ ‬البحرين لإعادة نشاط المعهد،‮ ‬كما هو الحال بالنسبة لصحيفة الوسط التي‮ ‬قدمت دعماً‮ ‬إعلامياً‮ ‬كبيراً‮ ‬لأنشطته،‮ ‬فضلاً‮ ‬عن السفير الأمريكي‮ ‬في‮ ‬المنامة،‮ ‬والزيارات المتعاقبة التي‮ ‬قام بها كبار المسؤولين التنفيذيين في‮ ‬المعهد الأمريكي‮ ‬إلى البحرين‮. ‬ خلاصة مخرجات مشروع المبادرة الأمريكية للشراكة مع الشرق الأوسط أنها استطاعت تكوين مجموعة من الكوادر المدربة على العمل السياسي‮ ‬الاحترافي‮ ‬التي‮ ‬تعمل حالياً‮ ‬على تشويه سمعة البحرين بالندوات والمحاضرات والاتصالات مع وسائل الإعلام الدولية في‮ ‬الخارج‮. ‬خصوصاً‮ ‬وأن المشرف على نشاط المعارضة البحرينية في‮ ‬الولايات المتحدة الأمريكية هو فوزي‮ ‬جوليد الذي‮ ‬عمل على تدريب هذه الكوادر قبل مغادرته من المنامة،‮ ‬وإن لم‮ ‬يكن له حضور إعلامي‮ ‬بارز‮. ‬ غداً‮ ‬نتحدث عن كيفية تعامل واشنطن مع المعتقلين البحرينيين السُنة الذين اعتقلتهم في‮ ‬أفغانستان،‮ ‬وأسباب نقلهم إلى‮ ‬غوانتنامو وبقائهم هناك دون محاكمة وازدواجية المعايير تجاه سُنة البحرين‮.

واشنطن وسُنة‮ ‬ البحرين‮.. ‬تمويل المعارضة

يوسف البنخليل
صحيفة الوطن - العدد 1972 الخميس 5 مايو 2011

نسمع كثيراً‮ ‬عن قيام الحكومات الأمريكية المتعاقبة بتمويل التنظيمات السياسية المعارضة في‮ ‬مختلف أنحاء العالم دعماً‮ ‬لمصالحها الاستراتيجية،‮ ‬ودعماً‮ ‬لمواقفها،‮ ‬ولكن هل قامت واشنطن بتمويل المعارضة في‮ ‬البحرين لتحقيق أهداف معيّنة؟ عقب أحداث الحادي‮ ‬عشر من سبتمبر‮ ‬2001‮ ‬أعلن الرئيس الأمريكي‮ ‬السابق جورج بوش نيته في‮ ‬نشر الديمقراطية بالدول العربية والإسلامية،‮ ‬وذلك منعاً‮ ‬لاستمرار وجود أنظمة سياسية مستبدة تدعم الإرهاب،‮ ‬وتحارب مصالح الولايات المتحدة الأمريكية‮. ‬فأطلق في‮ ‬12‮ ‬ديسمبر‮ ‬2002‮ ‬مبادرة الشراكة الأمريكية-الشرق أوسطية والتي‮ ‬تعرف اختصاراً‮ ‬بـ(مي‮ ‬بي‮)‬،‮ ‬وهدف هذه المبادرة هو تعزيز التواصل المباشر بين واشنطن مع شعوب دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا،‮ ‬وتقوم المبادرة على تكوين شراكات مع المواطنين لإنشاء مجمعات مزدهرة عبر مؤسسات المجتمع المدني‮ ‬والأكاديميين والحكومات أيضاً‮.‬ ووفقاً‮ ‬لهذه المبادرة قدمت واشنطن مجموعة من المشاريع المشتركة انتهى‮ ‬31‮ ‬مشروعاً‮ ‬منها،‮ ‬واستفادت البحرين من هذه المشاريع،‮ ‬إضافةً‮ ‬إلى‮ ‬6‮ ‬مشاريع خاصة بمؤسسات المجتمع المدني‮ ‬في‮ ‬البحرين فقط‮. ‬والسؤال هنا من الذي‮ ‬استفاد من مشاريع هذه المبادرة التي‮ ‬أنفقت عليها واشنطن ملايين الدولارات؟ يمكن الحصول على قائمة مختصرة وجيدة عن الجهات المستفيدة من السفارة الأمريكية أو حتى عبر مصادر أخرى،‮ ‬وخلاصة هذه القائمة أن الجهات المستفيدة كان لها دور كبير في‮ ‬الأحداث التي‮ ‬شهدتها البحرين مؤخراً‮ ‬بقيام مجموعات معارضة بالمطالبة بإسقاط نظام الحكم وإنشاء الجمهورية الإسلامية في‮ ‬البحرين،‮ ‬فضلاً‮ ‬عن الحملة الإعلامية الشديدة التي‮ ‬تعرضت لها المملكة من قبل المناصرين لتيار ولاية الفقيه‮.‬ لن نتحدث عن عموميات،‮ ‬ولكننا سنطرح حالتين تستحقان الدراسة والتحليل‮. ‬الحالة الأولى هي‮ ‬جمعية البحرين لحقوق الإنسان التي‮ ‬أسسها أعضاء‮ (‬وعد‮) ‬لتكون ذراعاً‮ ‬حقوقية لجمعية العمل الوطني‮ ‬الديمقراطي،‮ ‬فقد حظيت هذه الجمعية بدعم كبير من مبادرة‮ (‬مي‮ ‬بي‮) ‬ورغم عدم الإعلان عن حجم الأموال المقدمة من الخزانة الأمريكية للجمعية،‮ ‬إلا أن الدعم كانت فكرته‮ ''‬تعظيم التأييد الشعبي‮ ‬والبرلماني‮ ‬والحكومي‮ ‬لحماية حقوق الإنسان في‮ ‬البحرين‮''‬،‮ ‬أما بالنسبة لهدف المشروع فهو‮ ''‬تمكين جمعية حقوق الإنسان البحرينية من تحويل التقرير إلى آلية فعّالة من أجل تحقيق تأثير أكثر أهمية بالنسبة للرأي‮ ‬العام وسياسة الحكومة والإجراءات التشريعية‮''. ‬وبفضل التمويل الذي‮ ‬حظيت به الجمعية قامت بإعداد سلسلة من الأبحاث حول حقوق الإنسان في‮ ‬البحرين،‮ ‬وطباعة‮ ‬1000‮ ‬نسخة من التقرير بتمويل أمريكي‮ ‬طبعاً‮. ‬ومعروف جداً‮ ‬طبيعة مواقف هذه الجمعية المنحازة وغير الموضوعية تجاه الأوضاع الحقوقية في‮ ‬المملكة،‮ ‬وتورط عدد من أعضائها فيما حدث في‮ ‬دوار مجلس التعاون الخليجي‮.‬ الحالة الثانية‮ ‬يمثلها مركز سمارت للتطوير الشخصي‮ ‬الذي‮ ‬قامت واشنطن من خلاله بتنفيذ ورشات عمل‮ (‬بيرفوت‮) ‬حول التأثير في‮ ‬الوعي‮ ‬والرأي‮ ‬العام عن طريق رسائل الفيديو،‮ ‬وهدفت هذه الورش إلى تعزيز مهارات المتدربين على نقل الرسائل إلى العامة من خلال الفيديو أو ما‮ ‬يسمى بـ(إعلانات الخدمة العامة‮) ‬ذات الجودة العالية‮ ‬يمكن بثها من خلال التلفاز والإنترنت والهواتف النقالة‮. ‬ هذا المركز‮ ‬يعد من المؤسسات التدريبية النشطة في‮ ‬المملكة،‮ ‬وقام من خلال هذه الورش لمدة‮ ‬3‮ ‬أسابيع بتدريب نحو‮ ‬14‮ ‬ممثلاً‮ ‬عن‮ ‬7‮ ‬جمعيات تم اختيارها بعناية ولها أنشطة واسعة في‮ ‬مجال التنمية والديمقراطية‮. ‬وحسب الخطة الموضوعة فإنه من المقرر أن‮ ‬يتولى الذين تم تدريبهم تدريب آخرين بعد انتهاء الورش‮. ‬بعد الأحداث الأخيرة‮ ‬يدرك الجميع جيداً‮ ‬مدى الحرفية التي‮ ‬ظهرت عليها أفلام الفيديو التي‮ ‬قام بإعدادها أنصار ولاية الفقيه في‮ ‬محاولتهم الانقلاب على حكم آل خليفة،‮ ‬وبسهولة‮ ‬يمكن ربط هذه الحرفية بدعم الولايات المتحدة،‮ ‬خصوصاً‮ ‬إذا عرفنا أن هذا المركز التدريبي‮ ‬قدم دورات في‮ ‬مجال صناعة القادة بدعم من السفارة البريطانية أيضاً‮ ‬خلال العام‮ ‬‭.‬2009‮ ‬ والسؤال الذي‮ ‬نحتاج لإجابته هنا،‮ ‬هو كيف كان موقف سُنة البحرين إزاء مبادرة‮ (‬مي‮ ‬بي‮)‬؟ وهل استفادوا منها أيضاً‮ ‬كما استفاد منها أنصار ولاية الفقيه في‮ ‬المنامة؟ هذا ما سنتحدث عنه‮ ‬غداً‮.‬

واشنطن وسُنة البحرين‮.. ‬ سيناريو الاحتلال‮‬

يوسف البنخليل
صحيفة الوطن - العدد 1971 الأربعاء 4 مايو 2011

حين نتحدث عن صمت الناتو تجاه تطورات الأوضاع في‮ ‬البحرين،‮ ‬فإننا نتحدث عن قبوله التدخل الإيراني،‮ ‬وقبوله المؤامرة الإيرانية لتكوين دولة شيعية بالقرب من الساحل الغربي‮ ‬لمياه الخليج العربي‮. ‬ولكن هل‮ ‬يعني‮ ‬هذا الصمت القبول بالاحتلال الإيراني‮ ‬للبحرين وبعض الأجزاء الغربية من الخليج؟ من وجهة نظري‮ ‬فإن الإجابة هي‮ ‬نعم،‮ ‬فعدم تحركه طوال الفترة الماضية‮ ‬يعكس رغبة الحكومات الغربية المتحالفة في‮ ‬الناتو ومن ضمنها الولايات المتحدة الأمريكية في‮ ‬تشكيل حلفاء جدد هم أنصار ولاية الفقيه‮. ‬ الناتو‮ ‬يسعى بالدرجة الأولى إلى حماية المصالح الاستراتيجية للحكومات الغربية،‮ ‬ولذلك فإن مصالح هذه الحكومات تقوم على استمرار تدفق النفط بأسعار مقبولة وبالكميات المطلوبة،‮ ‬إضافةً‮ ‬إلى ضمان أمن إسرائيل‮. ‬وبحسب النظرة الغربية التي‮ ‬سادت منذ بداية السبعينات كانت هناك حاجة ماسة لإحداث تغييرات جذرية في‮ ‬دول المنطقة على المدى الطويل،‮ ‬وما‮ ‬يجري‮ ‬اليوم هو حصاد لتلك النظرة القاصرة استراتيجياً‮. ‬ من هنا فإن خيارات الناتو لحماية هذه المصالح الاستراتيجية كانت محدودة للغاية،‮ ‬فهذه الخيارات لا تتجاوز الثلاثة أطراف،‮ ‬وهي‮: ‬تركيا وإيران والعراق‮. ‬والتحليل‮ ‬يشير إلى أن التحالف مع تركيا قائم،‮ ‬ولكن من الصعوبة استغلال الحكومة التركية لمواجهة حكومات دول مجلس التعاون الخليجي‮ ‬بسبب التقارب المذهبي،‮ ‬فضلاً‮ ‬عن الإرث العثماني‮ ‬التاريخي‮ ‬الذي‮ ‬تمثله تركيا كدولة دافعت عن الطائفة السنية على مدى قرون وواجهت الدولة الصفوية‮. ‬أما بالنسبة لإيران فإنه لا‮ ‬يمكن الاستناد عليها بشكل علني‮ ‬لاعتبارات عديدة،‮ ‬أهمها حالة القطيعة المعلنة بين واشنطن وطهران‮. ‬كما إنها تمثل في‮ ‬نفس الوقت الحليف الجديد الذي‮ ‬ينبغي‮ ‬توثيق الصلة به مستقبلاً‮. ‬وفيما‮ ‬يتعلق بالعراق فإن الخيار‮ ‬يعد محدوداً،‮ ‬إذ لا‮ ‬يمكن التعويل على هذه الدولة التي‮ ‬مازالت في‮ ‬مرحلة البناء الأولي‮ ‬بعد انهيارها إثر الغزو الأمريكي‮ ‬لبغداد‮. ‬نأتي‮ ‬إلى السيناريو الذي‮ ‬تم،‮ ‬فمسارات ضرب السُنة كانت متعددة باعتبارهم الحلفاء القدامى والحلفاء التقليديين،‮ ‬ومن المهم خلق المناخ الملائم لبروز الحلفاء الجدد وهم مؤيدو ولاية الفقيه من أبناء الطائفة الشيعية،‮ ‬فكانت المسارات التالية‮:‬ المسار الأول‮: ‬غزو العراق وتصفية القوى السياسية السنية هناك،‮ ‬وإحلالها بقوى أخرى مناصرة لولاية الفقيه‮.‬ المسار الثاني‮: ‬غزو أفغانستان وتشكيل عمق إستراتيجي‮ ‬لإيران بسبب التقارب المذهبي‮ ‬بين كابل وطهران‮. ‬ المسار الثالث‮: ‬تهيئة المناخ الملائم لإحداث ثورة‮ (‬شعبية ‬في‮ ‬المنامة تكون مدخلاً‮ ‬لإسقاط الحكم،‮ ‬وتغيير الحكم من آل خليفة إلى حكم ولاية الفقيه الشيعي‮ ‬المرتبط بطهران‮. ‬ طبعاً‮ ‬هناك مسارات أخرى تعقب هذه المرحلة،‮ ‬وتشمل الوصول إلى الأراضي‮ ‬السعودية،‮ ‬وبعدها تكوين عمق إستراتيجي‮ ‬لإسرائيل بشكل تدريجي‮. ‬وكلها تعكس حجم الهوس الغربي‮ ‬باستحداث حلفاء جدد،‮ ‬وضرب حلفائهم التقليديين من الطائفة السنية والعوائل السنية المالكة‮. ‬ غداً‮ ‬نتحدث عن مبادرة‮ (‬مي‮ ‬بي ‬الأمريكية ودورها في‮ ‬تقوية النفوذ الشيعي‮ ‬مقابل النفوذ السني‮ ‬المتراجع،‮ ‬وكيف ساهمت هذه المبادرة في‮ ‬تقوية الجمعيات التي‮ ‬سعت لإقامة الجمهورية الإسلامية في‮ ‬البحرين؟

واشنطن وسُنة البحرين‮.. ‬خداع الناتو

يوسف البنخليل
صحيفة الوطن - العدد 1970 الثلاثاء 3 مايو 2011

لأسباب عدة منح حلف شمال الأطلسي‮ (‬الناتو‮) ‬البحرين لقب‮ (‬الحليف الرئيس‮) ‬من خارج أعضاء الحلف خلال فترة تولي‮ ‬الرئيس الأمريكي‮ ‬السابق جورج بوش الابن‮. ‬حينها كانت الأمور تُفهم على أن هذه الميزة التي‮ ‬حظيت بها المنامة الهدف منها توثيق علاقات الحلف والولايات المتحدة تحديداً‮ ‬مع البحرين،‮ ‬إضافةً‮ ‬إلى رغبة الحلف في‮ ‬توسيع امتداداته بعد الإعلان عن إستراتيجيته الجديدة‮. ‬ولكن هل كانت هناك أمور أخرى تقف وراء هذا التطور في‮ ‬العلاقات بين المنامة والناتو؟‮.‬ عندما حظيت البحرين بهذا اللقب كانت الدولة الثانية في‮ ‬العالم التي‮ ‬تمنح هذه الميزة من هذا الحلف العسكري‮ - ‬السياسي‮. ‬وفي‮ ‬ذلك الوقت لم‮ ‬يتم تحليل هذا التطور المفاجئ في‮ ‬العلاقات من قبل المحللين السياسيين كثيراً‮ ‬سواءً‮ ‬في‮ ‬داخل البحرين أو خارجها،‮ ‬ولكن كانت الأطروحات تتعلق بتوثيق العلاقات واهتمام الناتو بمنطقة الخليج العربي،‮ ‬وهو ما تبعه سلسلة من الزيارات المتبادلة من كبار المسؤولين في‮ ‬الجانبين،‮ ‬إضافة إلى ما عُرف لاحقاً‮ ‬بمبادرة إسطنبول للتعاون مع بلدان الشرق الأوسط والتي‮ ‬لعبت فيها الدبلوماسية البحرينية دوراً‮ ‬هاماً‮. ‬ في‮ ‬تلك الفترة كانت واشنطن في‮ ‬أوج انشغالها بإقامة الهلال الشيعي‮ ‬الخصيب الذي‮ ‬يمتد من طهران مروراً‮ ‬ببغداد وصولاً‮ ‬إلى المنامة باعتبارها بوابة أساسية لدول مجلس التعاون الخليجي‮ ‬لتغيير أنظمة الحكم فيها بعد قرار البيت الأبيض بضرورة استحداث بدائل مبتكرة وحلفاء جدد لواشنطن‮. ‬ وبذلك تم الاستفادة من البحرين لإقامة تعاون أوسع مع بلدان مجلس التعاون الخليجي،‮ ‬والاستفادة من التسهيلات التي‮ ‬يمكن الحصول عليها عسكرياً‮ ‬وسياسياً‮ ‬لتنفيذ سلسلة من المهام العسكرية بالمنطقة سواءً‮ ‬في‮ ‬العراق،‮ ‬أو حتى في‮ ‬أفغانستان في‮ ‬إطار الجهود المبذولة لمكافحة الإرهاب عقب أحداث سبتمبر‮ ‬‭.‬2001 مع مرور الوقت لوحظ أن دور الناتو بات سلبياً‮ ‬تجاه المنطقة،‮ ‬ورغم الاتفاقيات المتعددة التي‮ ‬وقعتها المنامة‮ (‬اتفاقية أمن المعلومات مثالاً‮) ‬وغيرها من العواصم الخليجية مع الناتو،‮ ‬إلا أن الحلف لم تكن له أدوار إيجابية ومؤثرة وفاعلة إزاء قضايا المنطقة،‮ ‬وتحديداً‮ ‬إزاء طهران وتهديداتها لدول مجلس التعاون‮. ‬ فكما هو معروف،‮ ‬فإن سياسات طهران تجاه المنطقة كانت ومازالت عدائية،‮ ‬فضلاً‮ ‬عن برنامجها النووي‮ ‬الطموح الرامي‮ ‬لامتلاك السلاح النووي‮. ‬وكذلك الحال بالنسبة لتدخلاتها في‮ ‬بغداد والبحرين بشكل واضح جداً‮. ‬ والسؤال الذي‮ ‬يثار هنا،‮ ‬هل كان الحلف‮ -‬رغم تعقيد آلية صنع قراراته‮- ‬يدعم التوجه الذي‮ ‬تقوده الولايات المتحدة لإيجاد حلفاء جدد في‮ ‬المنطقة؟ وهل كان جاداً‮ ‬في‮ ‬التزاماته بالتعاون والدفاع عن دول الخليج،‮ ‬وعائلاتها الحاكمة السنية؟‮.‬ سؤال حساس من الصعب الإجابة عليه بسهولة،‮ ‬ولكن المعطيات المتوافرة تشير إلى سلبية الناتو تجاه حكومات المنطقة التي‮ ‬حرصت على توثيق علاقاتها معه‮. ‬فعلى سبيل المثال عندما واجهت دول مجلس التعاون تهديداً‮ ‬صريحاً‮ ‬من إيران لم تكن هناك أية تحركات أو مواقف إيجابية لمساعدة هذه الدول‮. ‬الأمر الذي‮ ‬يشير إلى دعم وتأييد فكرة الهلال الشيعي‮ ‬الخصيب لمواجهة الحلفاء التقليديين السُنة،‮ ‬سواءً‮ ‬كانوا شعوباً‮ ‬أو حكومات أو عائلات مالكة‮. ‬فالناتو كغيره من المنظمات التابعة للدول الغربية التي‮ ‬تؤثر فيها واشنطن بشكل كبير لا تهمه طبيعة التغييرات التي‮ ‬تحدث بقدر اهتمامه بمصالح حكوماته الغربية‮. ‬وهو ما‮ ‬يفسّر لنا عدم ظهور تصريحات رسمية واضحة تفسر الصمت المطبق الذي‮ ‬خيّم على هذه المنظمة منذ فبراير الماضي‮!.‬ علاقة مثل العلاقة الحالية بين المنامة والناتو أعتقد أنها باتت بحاجة ماسة للمراجعة وإعادة النظر فيها من جديد،‮ ‬خصوصاً‮ ‬وأن الطائفة السنية التي‮ ‬لم‮ ‬يكن لها اهتمام كبير بما‮ ‬يقوم به الحلف من عمليات عسكرية أو مواقف سياسية لا تقبل استمرار العمل ضدها بعد محاولات طهران الفاشلة لتغيير الحكم‮. ‬ غداً‮ ‬نواصل الحديث عن الخيارات المتاحة لحلف شمال الأطلسي‮ (‬الناتو‮) ‬لدعم التغيير في‮ ‬منطقة الخليج العربي‮ ‬بما‮ ‬يضمن مصالح الحكومات الغربية؟ ولماذا‮ ‬يتخاذل عن دعم الطائفة السُنية في‮ ‬البحرين والمنطقة؟‮.‬

واشنطن وسُنة البحرين‮.. ‬تجربة العراق

يوسف البنخليل
صحيفة الوطن - العدد 1969 الأثنين 2 مايو 2011

تحكم سُنة البحرين وسُنة العراق مجموعة من الظروف المتشابهة،‮ ‬وهذه الظروف خلقها تحالف ثلاثي‮ ‬غير معلن،‮ ‬ولكنه استطاع تحقيق نتائج كبيرة على أرض الواقع منذ العام‮ ‬2003‮ ‬وحتى الآن،‮ ‬هذا التحالف‮ ‬يضم واشنطن‮ - ‬طهران‮ - ‬بغداد استهدف تكوين الهلال الشيعي‮ ‬الخصيب،‮ ‬وتشكيل الدولة الشيعية الخليجية في‮ ‬المنطقة لتكون امتداداً‮ ‬لحكم ولاية الفقيه في‮ ‬المنطقة‮. ‬سُنة البحرين كان‮ ‬يهمهم مجريات الأمور في‮ ‬بغداد،‮ ‬وكانوا‮ ‬ينظرون إلى تشكيل العلاقة الجديدة بين شيعة العراق والحاكم الأمريكي‮ ‬هناك بأنها تمثل تهديداً‮ ‬مستقبلياً‮ ‬لهم،‮ ‬ولكن لم‮ ‬يكن في‮ ‬الحسبان أن‮ ‬ينقلب هذا التحالف ضدهم بشكل سريع ومباشر‮. ‬ اللافت أن واشنطن ركزت منذ احتلالها بغداد على تكوين صورة ذهنية تقوم على أن سُنة بغداد هم الذين‮ ‬يقفون وراء الأعمال الإرهابية،‮ ‬ولذلك تم لصق معظم الأنشطة الإرهابية بالقاعدة،‮ ‬وغيرها من التنظيمات السياسية الإرهابية التي‮ ‬عادة ما توصف بأنها‮ ''‬سُنية‮''. ‬والهدف من هذه الخطوة كان ضمان استمرار تأييد الرأي‮ ‬العام الدولي‮ ‬لسياسات واشنطن التي‮ ‬سيأتي‮ ‬يوم ويتم الكشف عنها بأنها تدعم الطائفة الشيعية في‮ ‬الخليج على حساب حلفائها التقليديين من الطائفة السنية‮. ‬لم‮ ‬يكن هناك موقف واضح وصارم من قبل الحكومات الخليجية تجاه تداعيات التحالف التي‮ ‬أنشأته واشنطن بين بغداد وطهران‮. ‬ولكن المخاوف كانت مستمرة بشكل‮ ‬غير علني،‮ ‬وظهر في‮ ‬بعض الأوقات في‮ ‬شكل تصريحات للدبلوماسيين الخليجيين،‮ ‬وبعض الأوراق البحثية التي‮ ‬أصدرتها مراكز الأبحاث في‮ ‬المنطقة‮. ‬ من هنا عمل التحالف الثلاثي‮ (‬واشنطن ـ بغداد ـ طهران‮) ‬على ضمان استمرار التدخلات الإيرانية والعراقية في‮ ‬الشأن السياسي‮ ‬البحريني،‮ ‬فقبيل انتخابات‮ ‬2010‮ ‬طالب أحد كبار المراجع الشيعية في‮ ‬العراق وهو آية الله إسحاق الفيّاض جمعية الوفاق في‮ ‬لقاء خاص أن‮ ‬يكون نشاطها‮ ''‬وطنياً‮ ‬وليس شيعياً‮''. ‬هذه النظرة التي‮ ‬أطلقها الفيّاض نظرة تؤكد ضرورة استمرار العلاقات التحالفية بين الوفاق وجمعية العمل الوطني‮ ‬الديمقراطي‮ (‬وعد‮)‬،‮ ‬بحيث تكون هذه التوجيهات الدينية ـ السياسية أساساً‮ ‬لاستمرار استغلال‮ (‬وعد‮) ‬حتى‮ ‬يظهر نشاط تيار ولاية الفقيه بأنه وطني‮ ‬وليس طائفياً‮. ‬ لم تقتصر المسألة على رؤية الفيّاض لوفد الوفاق عندما زاره في‮ ‬العراق،‮ ‬ولكن حتى رئيس الوزراء العراقي‮ ‬نوري‮ ‬المالكي‮ ‬الذي‮ ‬يمثل الحاكم السياسي‮ ‬لولاية الفقيه عندما التقى وفد الوفاق طالبها الاستفادة من تجربة بغداد باعتبار التحديات متشابهة في‮ ‬البلدين‮. ‬في‮ ‬ضوء ذلك تعززت العلاقات بين بغداد والمنامة بفضل جهود واشنطن لضرب سُنة البحرين،‮ ‬حتى أصبحت الوفاق تتلقى توجيهاتها من الخارج باعتبارها استشارات دينية ـ سياسية‮. ‬ غداً‮ ‬سنتحدث عن موقف حلف شمال الأطلسي‮ (‬الناتو‮) ‬من سُنة البحرين؟ ومدى جديته في‮ ‬حمايتهم من التهديدات الخارجية؟

واشنطن وسُنة البحرين‮.. ‬إدارة النجف

يوسف البنخليل
صحيفة الوطن - العدد 1968 الأحد 1 مايو 2011

عندما تُنتقد الوفاق لارتباطاتها الخارجية السياسية والدينية،‮ ‬كانت دائماً‮ ‬ما تنفي‮ ‬ذلك وتؤكد أصالة انتمائها للدولة البحرينية‮. ‬ولكن مثل هذه الارتباطات‮ ‬غالباً‮ ‬ما تكون موثقة،‮ ‬وطبعاً‮ ‬يتم إنكارها من الوفاقيين‮. ‬ أبناء الطائفة السنية في‮ ‬البحرين كانوا‮ ‬ينظرون دائماً‮ ‬إلى أن الوفاق لديها ارتباطات في‮ ‬الخارج سواء مع إيران أو العراق أو سوريا ولبنان‮. ‬ولكنهم لم‮ ‬يدركوا كيف كانت تدار الوفاق بطريقة آلية من الخارج بما‮ ‬يضر بمصالحهم كطائفة؟‮ ‬الوفاق قاطعت الانتخابات التشريعية منذ العام‮ ‬‭,‬2002‮ ‬ولكنها قامت بتغيير موقفها عام‮ ‬2006‮ ‬بعد تدخل قوي‮ ‬من السفارة الأمريكية في‮ ‬المنامة حسب ما أكدته وزارة الخارجية الأمريكية في‮ ‬إحدى تقاريرها‮. ‬وسبب هذا التدخل الهام أن واشنطن كانت تدرك أن استمرار مقاطعة الوفاق للانتخابات التشريعية سيؤدي‮ ‬إلى مزيد من تهميشها،‮ ‬وإبعاد أنصارها،‮ ‬وعدم تحقيقهم لمزيد من المكتسبات،‮ ‬والأهم من ذلك هو تراجع نفوذهم السياسي‮ ‬الذي‮ ‬كانت واشنطن تخطط لزيادته بعد المؤشرات التي‮ ‬ظهرت بنجاح فكرة الهلال الشيعي‮ ‬الخصيب،‮ ‬ومشروع إقامة الدولة الشيعية في‮ ‬الخليج‮. ‬في‮ ‬الوقت نفسه كانت واشنطن ترى أن دخول التيارات الشيعية المختلفة في‮ ‬العملية السياسية لن‮ ‬يكون مجدياً،‮ ‬ولن‮ ‬يحقق نتائج كبيرة،‮ ‬حيث ستكون كافة القوى تحت مظلة الدولة،‮ ‬وبالتالي‮ ‬لا توجد قوة ضغط داخلية قوية قادرة على ممارسة أشكال الضغوط المختلفة‮. ‬ولذلك لا توجد تصريحات كثيرة ومعلنة من السفير الأمريكي‮ ‬في‮ ‬المنامة،‮ ‬أو حتى من الإدارة الأمريكية في‮ ‬واشنطن تجاه حركة حق وتيار الوفاء الإسلامي‮ ‬وحركة خلاص،‮ ‬وهي‮ ‬جميعها تنظيمات سياسية خارجة عن القانون وغير مرخصة‮. ‬شاركت الوفاق في‮ ‬انتخابات‮ ‬‭,‬2006‮ ‬وحازت على أغلبية برلمانية،‮ ‬ولكن بسبب محدودية خبرتها السياسية،‮ ‬فإنها لم تحقق إنجازات فعلية لصالحها،‮ ‬أو حتى لصالح أنصارها،‮ ‬بل إن شعبيتها لدى أنصارها بدأت بالتراجع على مدى الفترة من‮ ‬2006‮ ‬ـ‮ ‬‭.‬2010‮ ‬في‮ ‬هذه الفترة كان الجدل محتدماً‮ ‬لدى الطائفة السنية حول أحقية تمثيل الطائفة سياسياً،‮ ‬ودخلت في‮ ‬جدلية‮ (الإسلاميون أم المستقلون؟‮). ‬ ومع قرب انتخابات‮ ‬2010‮ ‬لجأت الوفاق من جديد إلى العراق للتشاور حول جدوى مشاركتها السياسية‮. ‬ففي‮ ‬سبتمبر‮ ‬2009‮ ‬قام أمين عام الوفاق علي‮ ‬سلمان برئاسة وفد للجمعية لزيارة المرجع السيستاني‮ ‬في‮ ‬النجف بحضور ابن السيستاني‮ ‬محمد رضا،‮ ‬وأبلغ‮ ‬السيستاني‮ ‬نواب الوفاق‮ ''‬أن المشاركة السياسية‮ ‬ينبغي‮ ‬أن تكون هي‮ ‬القاعدة،‮ ‬شريطة أن‮ ‬يتفق الزعماء الدينيون وغالبية الطائفة على أن الجو صحيح‮''.‬ ودار جدل داخل الوفاق حول جدوى احتواء حركة‮ (‬حق‮)‬،‮ ‬وتيار‮ (‬الوفاء‮) ‬اللذين أعلنا مقاطعة الانتخابات‮. ‬فهناك من كان‮ ‬يرى أهمية توحد الطائفة الشيعية لمواجهة النفوذ السني‮ ‬والدخول بقوة في‮ ‬الانتخابات،‮ ‬وهناك من كان‮ ‬يرى الاستمرار في‮ ‬أسلوب‮ (‬المشاركة من الداخل والمعارضة من الخارج‮). ‬أهمية تلك الفترة أنها جاءت بعد‮ ‬9‮ ‬شهور فقط من إعلان الوفاق رسمياً‮ ‬رغبتها في‮ ‬تولي‮ ‬السلطة في‮ ‬البحرين لأول مرة تاريخياً،‮ ‬وهي‮ ‬فترة كان من المهم فيها أن‮ ‬يتم الالتزام بأقصى درجات التنسيق مع القوى السياسية الشيعية لضمان السيطرة على النفوذ السياسي،‮ ‬وما‮ ‬يتبعه من الاستيلاء على الحكم بمطالب تتراوح بين‮ (‬الإصلاح السياسي‮ ‬إلى إسقاط النظام‮). ‬لكن اللافت في‮ ‬المسألة هو التأثير الكبير الذي‮ ‬أصبحت تقوم به النجف في‮ ‬السياسة البحرينية،‮ ‬فبعد أن كانت قم هي‮ ‬اللاعب الأساسي‮ ‬في‮ ‬الحراك السياسي‮ ‬الشيعي،‮ ‬تغيّرت المعادلة وأصبح التنسيق‮ ‬يتم من خلال المرجعية في‮ ‬النجف‮. ‬وهو ما‮ ‬يعكس إمكانية الاستفادة من التجربة العراقية في‮ ‬كيفية استيلاء تيار ولاية الفقيه على الحكم وتطبيق هذه الممارسات في‮ ‬البحرين‮. ‬ غداً‮ ‬سنكشف تدخل المرجع آية الله الفيّاض وتأثير هذا التدخل في‮ ‬تقوية علاقات الوفاق ـ‮ (‬وعد‮) ‬ضد سُنة البحرين؟‮ ‬

واشنطن وسُنة البحرين‮.. ‬خطف المحرق

يوسف البنخليل
صحيفة الوطن - العدد 1967 السبت 30 أبريل 2011

  ‮ ‬ في‮ ‬المحرق كانت تجري‮ ‬تحركات واتصالات قد تكون معلومة لدى البعض،‮ ‬وغائبة عن البعض الآخر،‮ ‬مثل هذه التحركات الهدف منها تدفق المعلومات وتشكيل الموقف الرسمي‮ ‬الأمريكي‮ ‬عبر ممثل السيستاني‮ ‬في‮ ‬البحرين الشيخ حسين النجاتي،‮ ‬فالأمريكان حينها قرروا الاستماع أكثر إلى قيادات الطائفة الشيعية لمعرفة كيف ستسير الأمور،‮ ‬وما هي‮ ‬التحديات التي‮ ‬يواجهونها وما‮ ‬يقلقهم إزاء‮ ''‬الحكم السني‮'' ‬للدولة البحرينية‮. ‬ خلال فترة السفير الأمريكي‮ ‬الأسبق في‮ ‬المنامة وليام مونرو كانت الاتصالات تتم بشكل مستمر،‮ ‬وكان حريصاً‮ ‬على الاستماع لوجهات نظر ممثل السيستاني‮ ‬الشيخ حسين النجاتي،‮ ‬ففي‮ ‬أحد اللقاءات التي‮ ‬وردت تفاصيلها مع وثائق ويكيليكس بحضور أحد أبرز رجال الأعمال الداعمين لتيار ولاية الفقيه،‮ ‬وأحد المسؤولين السابقين في‮ ‬بابكو تحدث ممثل السيستاني‮ ‬عن وجهة نظره للأوضاع السياسية في‮ ‬البحرين مركزاً‮ ‬على وجود خطر أكبر من الإصلاح السياسي‮ ‬الذي‮ ‬يزعم تيار ولاية الفقيه أنه‮ ‬يطالب به،‮ ‬فالنجاتي‮ ‬تحدث آنذاك حول ما أسماه‮ ''‬التجنيس السياسي‮ ‬للسُنة‮''‬،‮ ‬مدعياً‮ ''‬تجنيس أكثر من‮ ‬100‮ ‬ألف سني‮ ‬منذ تولي‮ ‬العاهل مقاليد الحكم‮''‬،‮ ‬وكانت وجهة نظره تقوم على أن تجنيس السُنة لم‮ ‬يتم بهذا العدد في‮ ‬السنوات الثلاثين التي‮ ‬سبقت تولي‮ ‬العاهل حكم البحرين‮. ‬مبدياً‮ ‬استياءه من السياسة التي‮ ‬كانت ساهمت،‮ ‬حسب رأيه،‮ ‬في‮ ‬تمكين الطائفة السنية على حساب الطائفة الشيعية،‮ ‬وهو ما أدى إلى تراجع تأييد الشيعة لنظام الحكم الحالي‮. ‬أيضاً‮ ‬انتقد ممثل السيستاني‮ ‬جمعية الوفاق التي‮ ‬رأى أنها لم تقم بجهود للدفاع عن مصالح الشيعة‮. ‬في‮ ‬الوقت نفسه أشار إلى أن شيعة البحرين ودودون تجاه الولايات المتحدة‮. ‬هذه خلاصة نظرة ممثل السيستاني‮ ‬في‮ ‬البحرين للأوضاع السياسية في‮ ‬البلاد،‮ ‬فهو لم‮ ‬يبد اهتماماً‮ ‬بالغاً‮ ‬بالإصلاح السياسي‮ ‬بقدر تعبيره عن هواجس ومخاوف الشيعة تجاه‮ ''‬تجنيس السُنة‮''‬،‮ ‬رغم أن حصول النجاتي‮ ‬على الجنسية شابه مخالفات قانونية أدت إلى سحب جنسيته في‮ ‬سبتمبر‮ ‬‭,‬2010‮ ‬إلى أن أمر العاهل بمنحه شرف الجنسية وعائلته بشكل عاجل حفاظاً‮ ‬على مكانته الدينية‮. ‬من المحرق ذات الأغلبية السُنية كانت تتحرك المسائل مع واشنطن نحو مزيد من الدعم لشيعة البحرين على حساب النظام الحاكم،‮ ‬وعلى حساب الطائفة السُنية‮. ‬خصوصاً‮ ‬وأن هذه الحوارات من الواضح أن هدفها لم‮ ‬يكن مزيداً‮ ‬من الإصلاحات السياسية التي‮ ‬تكفل للجميع حقوقهم بقدر الحفاظ على مكتسبات الشيعة وضمان وجودهم وزيادة نفوذهم في‮ ‬الحكم لتعزيز فكرة الهلال الشيعي‮ ‬الخصيب من قم مروراً‮ ‬بالنجف إلى المنامة بالدعم الأمريكي‮ ‬المطلوب‮. ‬ غداً‮ ‬سنكشف تفاصيل أخرى حول الاتصالات التي‮ ‬تمت بين ممثل السيستاني‮ ‬والوفاق وتيار ولاية الفقيه الحاكم في‮ ‬بغداد،‮ ‬إضافةً‮ ‬إلى الضرر الكبير الذي‮ ‬لحق بسُنة البحرين جرّاء ذلك؟

واشنطن وسُنة البحرين‮.. ‬لعبـــــــــــة السيستـــــانـــي

يوسف البنخليل
صحيفة الوطن - العدد 1966 الجمعة 29 أبريل 2011

   ماذا فعل‮ ‬غزو العراق بالبحرين وبالطائفة السنية هنا؟ باختصار تحول العراق إلى مختبر ميداني‮ ‬لتيار ولاية الفقيه‮ (‬حزب الدعوة‮) ‬لتجربة قدرته على استئصال الطائفة السنية تحديداً،‮ ‬وضمان سيطرة أنصار ولاية الفقيه على الحكم،‮ ‬هذه هي‮ ‬الرؤية العراقية للمسألة‮. ‬أما الرؤية الأمريكية فإنها تنظر إلى أن سقوط بغداد هو بداية الربط بين شيعة العراق وإيران من جهة،‮ ‬واستحداث بؤرة جديدة للقوى السياسية الشيعية لاختراق دول مجلس التعاون الخليجي،‮ ‬وطبعاً‮ ‬الدولة الأكثر ترشيحاً‮ ‬لأن تكون فيها هذه البؤرة البحرين بلا منافسة‮. ‬ بحرينياً،‮ ‬بسقوط العراق فقد سُنة البحرين مركز الثقل العراقي‮ ‬الذي‮ ‬كان‮ ‬يمثله لسُنة الخليج،‮ ‬وضاع طرف أساسي‮ ‬في‮ ‬معادلة القوى الطائفية،‮ ‬فأصبحت دول مجلس التعاون الخليج والطائفة السنية فيها تفتقد مركز الثقل العراقي‮ ‬بعد أن انقلبت المعادلة،‮ ‬وصارت من طرفين‮ (‬دول مجلس التعاون والعراق من جهة،‮ ‬وإيران من جهة أخرى‮)‬،‮ ‬إلى طرفين بشكل مختلف‮ (‬دول مجلس التعاون من جهة،‮ ‬والعراق وإيران من جهة أخرى‮).‬ بهذه التطورات الجديدة صارت الظروف مواتية لربط شيعة البحرين بشيعة العراق،‮ ‬وبشكل آخر إقامة تحالف جديد بين أنصار ولاية الفقيه في‮ ‬المنامة وبغداد والنجف،‮ ‬فأصبحت امتدادات النفوذ السياسي‮ ‬الذي‮ ‬قامت واشنطن وطهران بإقامته تمتد من قم في‮ ‬إيران مروراً‮ ‬بالنجف وكربلاء في‮ ‬العراق وصولاً‮ ‬إلى البحرين،‮ ‬وهو هلال شيعي‮ ‬خصيب تحكم في‮ ‬تفاعلات الأوضاع السياسية في‮ ‬المنامة منذ العام‮ ‬2003‮ ‬وحتى اليوم‮.‬ هذا الهلال الشيعي‮ ‬الخصيب لم تكن الفكرة منه دعم الشيعة العرب،‮ ‬وزيادة نفوذهم السياسي،‮ ‬بل كان الهدف الرئيس منه هو زيادة نفوذ ولاية الفقيه المدعوم إيرانياً‮ ‬في‮ ‬المنطقة‮. ‬ من المفارقات الغريبة أن امتدادات هذا الهلال تركزت في‮ ‬المحرق التي‮ ‬أصبحت مركزاً‮ ‬لهذا الهلال دون بقية مناطق المملكة رغم محدودية الطائفة الشيعية فيها،‮ ‬ووجود أغلبية سنية فيها‮! ‬فكيف كانت الخطوات؟ بدأت هذه الخطوات بتعيين آية الله الشيخ حسين نجاتي‮ ‬ممثلاً‮ ‬للشيخ السيستاني‮ ‬المرجع الشيعي‮ ‬الأبرز في‮ ‬العراق،‮ ‬وفجأة أصبح ممثل السيستاني‮ ‬في‮ ‬البحرين ومكتبه في‮ ‬المحرق تطوقه أغلبية سُنية‮. ‬وقد تكون هذه الخطوة‮ ‬غريبة،‮ ‬ولكن لها دلالاتها الرمزية،‮ ‬ففي‮ ‬العراق عادة ما‮ ‬يقيم المراجع في‮ ‬مناطق حولها‮ ‬يقيم أبناء الطائفة السنية من الناحية الجغرافية‮. ‬والفكرة من هذا التناقض الفكري‮ - ‬الجغرافي‮ ‬هو ضمان وجود تحد مستمر حول المرجع مما‮ ‬يشكل له دافعاً‮ ‬لمواجهته باستمرار من خلال الأنشطة التي‮ ‬يقوم بها‮.‬ إضافةً‮ ‬إلى ذلك،‮ ‬ولضمان زيادة النفوذ الديني‮ ‬للمرجع السيستاني‮ ‬في‮ ‬البحرين لمواجهة الحكم السني،‮ ‬كان السيستاني‮ ‬يقدم دعماً‮ ‬سنوياً‮ ‬للحوزة العلمية في‮ ‬المحرق التي‮ ‬تدار من قبل مكتب الشيخ النجاتي‮ ‬بمبلغ‮ ‬يفوق‮ ‬100‮ ‬ألف دولار سنوياً‮. ‬كما تميّز السيستاني‮ ‬باتصالاته الدائمة والمستمرة مع واشنطن عبر لقاءاته مع السفراء الأمريكيين في‮ ‬المنامة‮. ‬بالمقابل كانت ردود الأفعال الطائفة السنية في‮ ‬البحرين على هذه التطورات لا تتعدى المتابعة وإبداء المخاوف والقلق،‮ ‬وإن وصلت في‮ ‬أوقات كثيرة إلى حد الكشف عن هذا القلق بشكل معلن للمسؤولين في‮ ‬الحكومة،‮ ‬ولبعض القيادات الدينية السنية في‮ ‬الداخل والخارج‮. ‬ وبهذه الطريقة والدعم الأمريكي‮ ‬أصبح للسيستاني‮ ‬نفوذ دائم في‮ ‬البحرين من المحرق،‮ ‬وهي‮ ‬خطوة تعد بحد ذاتها ضربة قوية لسُنة البحرين‮. ‬ولكن ما هي‮ ‬نظرة السيستاني‮ ‬للأوضاع السياسية في‮ ‬المنامة؟ وما طبيعة اللقاءات التي‮ ‬كانت تتم بين ممثله والسفير الأمريكي‮ ‬لبحث الموقف تجاه سُنة البحرين؟ هذا ما سنتحدث عنه‮ ‬غداً

واشنطن وسُنة البحرين‮.. ‬ظلم ذوي‮ ‬القربى

يوسف البنخليل
صحيفة الوطن - العدد 1965 الخميس 28 أبريل 2011

   استراتيجياً‮ ‬يعد العراق بلداً‮ ‬من دول الجوار الجغرافي‮ ‬والتفاعلي‮ ‬للبحرين،‮ ‬وأهمية هذا البلد معروفة ولسنا بحاجة للحديث عنها‮. ‬ولكن من الأهمية بمكان الحديث حول تداعيات‮ ‬غزو العراق وتأثيره على العلاقات بين سُنة البحرين وواشنطن‮. ‬في‮ ‬مارس‮ ‬2003‮ ‬كان العالم على موعد مع سقوط نظام البعث في‮ ‬بغداد،‮ ‬ولم‮ ‬يكن سُنة البحرين‮ ‬ينظرون إلى حكم صدام على أنه نظام حكم سني‮ ‬بسبب الأيديولوجية البعثية التي‮ ‬كانت تحكم خلال فترة الرئيس الأسبق صدام حسين‮. ‬ومع ذلك كان‮ ‬ينظر إلى أن النظام البعثي‮ ‬هو صمام أمان للطائفة السنية الأكبر هناك،‮ ‬خصوصاً‮ ‬في‮ ‬ظل وجود خطر إيراني‮. ‬وهذه النظرة السنية تجاه الأوضاع في‮ ‬العراق اختلفت لاحقاً‮ ‬بعد سقوط البعث،‮ ‬إذ أصبح كثير من أبناء الطائفة السنية في‮ ‬البحرين‮ ‬ينظرون إلى صدام بأنه حكم السنة الذي‮ ‬رحل بلاعودة،‮ ‬رغم قناعاتهم بالجرائم الكبيرة التي‮ ‬ارتكبت في‮ ‬ذلك العهد‮. ‬ولكن كيف كانت تنظر واشنطن لفكرة‮ ‬غزو العراق؟‮ ‬كانت المعادلة الأمريكية تقوم على أن إثارة الفوضى في‮ ‬منطقة الخليج‮ ‬يبدأ من العراق المحاصر أيام صدام حسين،‮ ‬بحيث‮ ‬يتم‮ ‬غزو بغداد،‮ ‬وضمان زيادة النفوذ الشيعي‮ ‬في‮ ‬النظام العراقي‮ ‬كما هو معمول به الآن،‮ ‬ومن ثم تتراجع الخيارات المتاحة للطائفة السنية في‮ ‬البحرين ودول مجلس التعاون الخليجي،‮ ‬فإذا كان العراق‮ ‬ينظر إليه على أنه قوة سنية سابقاً،‮ ‬فإنه سيتحول بعد الغزو إلى قوة شيعية من الاستحالة التعويل عليه من قبل شعوب وحكومات دول مجلس التعاون لاحقاً،‮ ‬وهذا ما تم بالفعل‮. ‬ شكّل‮ ‬غزو العراق بروفة أوليّة وميدان تجارب حقيقي‮ ‬للمحافظين الجدد في‮ ‬الولايات المتحدة للتعرف على قدرة الشيعة العرب في‮ ‬مزاولة مهام الحكم،‮ ‬وقدرتهم على إنهاء النفوذ السياسي‮ ‬للطائفة السنية‮. ‬وما ساعد على تحقيق ذلك هو الدعم الكبير الذي‮ ‬حظي‮ ‬به أنصار ولاية الفقيه في‮ ‬العراق‮ (‬حزب الدعوة‮) ‬من قبل طهران بعلم ودراية من قبل سلطات الاحتلال الأمريكية‮. ‬ لنرجع قليلاً‮ ‬إلى الوراء،‮ ‬لمعرفة الدور البحريني‮ ‬في‮ ‬غزو العراق لأنه مهم للغاية لتحديد تضارب المصالح لاحقاً‮. ‬الموقف البحريني‮ ‬تجاه الغزو لم‮ ‬يختلف عن مواقف دول مجلس التعاون الخليجي،‮ ‬فجميع هذه البلدان أكدت حرصها على وحدة وسلامة العراق،‮ ‬ولم تشارك بشكل مباشر بقواتها في‮ ‬الغزو‮. ‬والأحداث تسجّل للمنامة دعوتها لإنهاء حكم البعث بشكل سلمي‮ ‬عندما طلبت من الرئيس صدام التنحي‮ ‬عن السلطة مع ضمان لجوئه السياسي‮ ‬وعائلته في‮ ‬المنامة‮. ‬وسبب ذلك أن هناك اعتقاداً‮ ‬كان سائداً‮ ‬خلال فترة تشكيل مواقف دول مجلس التعاون قبيل‮ ‬غزو العراق،‮ ‬وهو إمكانية نقل السلطة للشعب العراقي‮ ‬دون تدخل أمريكي‮ ‬سيكون أفضل من التدخل الأمريكي‮ ‬لأن الأخير‮ ‬يعني‮ ‬تحكم كامل في‮ ‬العراق من قبل واشنطن التي‮ ‬ستقدم بغداد لطهران‮. ‬لم تشارك المنامة في‮ ‬العمليات العسكرية ضد بغداد،‮ ‬ولكنها شاركت في‮ ‬حماية المياه الإقليمية للكويت آنذاك‮. ‬وبعد سقوط نظام صدام زادت هواجس سُنة البحرين تجاه تطورات الأوضاع في‮ ‬المنطقة لأن واشنطن باحتلالها العراق وتقديمها لإيران كانت تزيد من تعقيد الأوضاع الطائفية في‮ ‬المنطقة،‮ ‬خصوصاً‮ ‬بعد التصفيات الجسدية التي‮ ‬عانى منها سُنة العراق على‮ ‬يد أنصار ولاية الفقيه‮. ‬خلاصة هذه الفترة أن سُنة البحرين أصبحوا‮ ‬ينظرون إلى شعب العراق بشكل فاتر لاعتقادهم بأن تجربة الغزو فاشلة وساهمت في‮ ‬تفاقم الأوضاع في‮ ‬المنطقة بسبب زيادة نفوذ تيار ولاية الفقيه،‮ ‬وسبب هذا كله واشنطن التي‮ ‬انقلبت على السّنة سريعاً‮ ‬بالإعلان عما‮ ‬يسمى بـ‮ ''‬كوبونات صدام‮''‬،‮ ‬ثم‮ ''‬جرائم سجن أبوغريب‮''. ‬غداً‮ ‬سنكشف ممارسات واشنطن من العراق تجاه سُنة البحرين عبر ممثل السيستاني‮ ‬في‮ ‬المحرق؟

واشنطن وسُنة البحرين‮.. ‬لعنة بوش

يوسف البنخليل
صحيفة الوطن - العدد 1964 الأربعاء 27 أبريل 2011

   في‮ ‬20‮ ‬يناير‮ ‬2001‮ ‬وصل المحافظون الجدد إلى سدة الحكم في‮ ‬البيت الأبيض على‮ ‬يد الرئيس الأمريكي‮ ‬جورج بوش الابن،‮ ‬وساعدت هذه التطورات بشكل سريع في‮ ‬تعزيز وجهة النظر الأمريكية بأن الحاجة للطائفة السنية والعائلات الملكية في‮ ‬الخليج قد انتهت،‮ ‬ولابد من إعادة تكوين تحالف جديد‮ ‬يقوم على ثلاثة أطراف،‮ ‬وهي‮: ‬واشنطن،‮ ‬طهران،‮ ‬تيار ولاية الفقيه الشيعي‮. ‬ المحافظون الجدد بالولايات المتحدة‮ ‬يختلفون كثيراً‮ ‬في‮ ‬سياساتهم الخارجية،‮ ‬لأنهم‮ ‬يصنفون من اليمين المسيحي‮ ‬المتطرف،‮ ‬وهو التيار الذي‮ ‬يقابله في‮ ‬التيارات الإسلامية‮ (‬التيار السلفي‮ ‬المتشدد). ‬هؤلاء المحافظون الذين حكموا خلال الفترة من‮ ‬2001‮ ‬ـ‮ ‬2009‮ ‬كانوا‮ ‬يؤمنون بنظرية الفوضى الخلاقة،‮ ‬وتقوم هذه النظرية على ضرورة نشر الفوضى في‮ ‬العالم،‮ ‬حتى‮ ‬يمكن تحقيق الاستقرار للقلة،‮ ‬وهم الأمريكان والغرب في‮ ‬هذه الحالة‮. ‬ وكان لهذا التيار دور كبير في‮ ‬إبعاد أي‮ ‬تقارب بين واشنطن والسُنة في‮ ‬البحرين ودول مجلس التعاون الخليجي‮ ‬بما فيها الأسر الخليجية المالكة‮. ‬فعلى سبيل المثال عندما قدم وزير الخارجية الأمريكي‮ ‬في‮ ‬عهد بوش الابن استقالته من الوزارة رشّح الرئيس الأمريكي‮ ‬كوندليزا رايس لهذا المنصب،‮ ‬وفي‮ ‬لقاء مع الكونجرس في‮ ‬بداية توليها المنصب حول سياستها الخارجية قالت‮: ''‬سأكون مجتهدة في‮ ‬التخلص من الحلفاء السابقين لانتهاء صلاحياتهم،‮ ‬وهؤلاء تم استهلاكهم ولابد من التخلص منهم والبحث عن حلفاء جدد‮''.‬ من هنا فإنه عندما طرح عاهل البلاد مشروع ميثاق العمل الوطني‮ ‬نهاية العام‮ ‬2000‮ ‬كان هناك حماس أمريكي‮ ‬لتأييد هذا المشروع وسط ذهول الإدارة الأمريكية من سرعة الإصلاحات التي‮ ‬قام بها العاهل وفاقت توقعات المراقبين وحتى القوى السياسية البحرينية‮. ‬فواشنطن بقيادة المحافظين الجدد آنذاك كانت تدرك تماماً‮ ‬أن الفرصة مواتية لإحداث فوضى داخل البحرين من خلال زيادة نفوذ تيار ولاية الفقيه على حساب النفوذ السني‮ ‬التقليدي‮. ‬ولذلك تثبت وثائق ويكيليكس حجم الاهتمام الأمريكي‮ ‬بالقوى السياسية الشيعية أكثر من اهتمامها بالقوى السياسية السنية،‮ ‬لأن واشنطن كانت ترى في‮ ‬الإصلاحات التي‮ ‬أجريت فرصة ثمينة‮ ‬يمكن من خلالها إحداث تحول سياسي‮ ‬جذري‮ ‬خلال سنوات‮. ‬ الهدف من تلك الإصلاحات من وجهة نظر واشنطن هو تحقيق مزيد من الاستقرار السياسي‮ ‬بالفوضى الخلاقة،‮ ‬ولكن كيف‮ ‬يمكن تحقيق الاستقرار بالفوضى؟ الاستقرار بالفوضى الخلاقة هو حالة سياسية‮ ‬يمكن من خلالها تحقيق الاستقرار على المدى الطويل عبر إجراء سلسلة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بحيث‮ ‬يتم تخفيف الضغوط الشعبية على الحكومات الخليجية بإجراء هذه الإصلاحات،‮ ‬وفي‮ ‬النهاية تنقلب المعادلة السياسية لتتولى القوة السياسية الأضعف‮ (‬تيار ولاية الفقيه‮) ‬السلطة بدلاً‮ ‬من القوة السياسية التقليدية‮ (‬الأسرة المالكة والطائفة السنية الداعمة لها‮). ‬والنتيجة النهائية لهذه الحالة هي‮ ‬تكوين إقليم شيعي‮ ‬في‮ ‬منطقة الخليج العربي،‮ ‬واحتواء الطائفة السنية‮. ‬ غداً‮ ‬نتحدث عن‮ ‬غزو العراق وكيف ساعد واشنطن وطهران في‮ ‬زيادة نفوذ تيار ولاية الفقيه في‮ ‬البحرين ومنطقة الخليج؟‮ ‬

واشنطن وسُنة البحرين‮.. ‬ضـــــرب المـكـشـــــــوف

يوسف البنخليل
صحيفة الوطن - العدد 1963 الثلاثاء 26 أبريل 2011

   المطالبة بمزيد من الإصلاحات السياسية ليست بجديدة في‮ ‬البحرين،‮ ‬وهي‮ ‬تعود إلى العقد الثاني‮ ‬من القرن العشرين‮. ‬ولكن العام‮ ‬1992‮ ‬شهد بعداً‮ ‬جديداً‮ ‬في‮ ‬علاقات واشنطن مع سنة البحرين،‮ ‬وهو العام الذي‮ ‬ظهرت فيه مطالبات‮ (‬نخبوية‮) ‬بإصلاحات دستورية وسياسية،‮ ‬طبعاً‮ ‬كان المطالبون سنة وشيعة كما هو موثق تاريخياً‮. ‬ واشنطن كانت تنظر إلى تلك الأحداث بأنها تطورات جديدة من الممكن أن تحدث تغييراً‮ ‬في‮ ‬المشهد السياسي‮ ‬داخل البحرين‮. ‬وبعدها ظهرت العريضة الشعبية في‮ ‬العام‮ ‬‭,‬1994‮ ‬ولكن تطور الأوضاع نحو العنف السياسي‮ ‬والإرهاب،‮ ‬وكلمة عبدالوهاب حسين للشيخ عبداللطيف المحمود عندما سأله عن مسؤولية تلك الأحداث فقال حسين‮: ''‬نحن ندافع عن حق الطائفة‮''‬،‮ ‬وهي‮ ‬التي‮ ‬دفعت الشيخ المحمود إلى الانسحاب،‮ ‬وبالتالي‮ ‬تحولت تلك العرائض والمطالبات إلى مطالبات خاصة بالطائفة الشيعية‮. ‬وتبعت هاتين العريضتين سلسلة من أعمال العنف والإرهاب راح ضحيتها من راح‮. ‬حينها أدركت واشنطن،‮ ‬أن الحكومة البحرينية كانت تسعى لتحييد الطائفة السنية عن تلك الأعمال،‮ ‬وإظهار مثل هذه المطالبات بأنها مطالبات شيعية خالصة،‮ ‬سيّما بعد الإعلان عن اكتشاف خلية لحزب الله في‮ ‬البحرين خلال صيف‮ ‬‭.‬1996‮ ‬حركة الاحتجاج السياسي‮ ‬في‮ ‬التسعينات التي‮ ‬قامت بها مجموعة من الجماعات الإسلامية الشيعية كانت كفيلة ببيان الاختلاف بين الطائفتين من حيث التنظيم والقوة السياسية‮. ‬وهو ما زاد واشنطن قناعة بأن خيارها الإستراتيجي‮ ‬ليس في‮ ‬استمرار التحالف مع الطائفة السنية،‮ ‬وإنما دعم الطائفة الشيعية بشكل مباشر أو‮ ‬غير مباشر‮. ‬واشنطن خلال الفترة من‮ ‬1994‮-‬2000‮ ‬لم تكن لها مواقف صريحة تجاه الأضرار الناتجة عن أعمال الإرهاب السياسي‮ ‬بسبب الاحتجاجات السياسية،‮ ‬بل كانت لها مواقف مع المطالبات الشيعية بالإصلاحات السياسية،‮ ‬رغم أن الإصلاح السياسي‮ ‬كان مطلباً‮ ‬لدى جميع القوى السياسية،‮ ‬وحتى الإسلامية السنية منها في‮ ‬تلك الفترة،‮ ‬وإن لم تكن الظروف مواتية للتعبير عنها‮. ‬وبقراءة سريعة لما تحتويه تقارير المنظمات الحقوقية الدولية في‮ ‬تلك الفترة‮ ‬يمكن معرفة درجة الاهتمام الأمريكي‮ ‬بحقوق الإنسان في‮ ‬البحرين‮! ‬المعادلة الجديدة التي‮ ‬استطاعت واشنطن القيام بها داخل البحرين خلال التسعينات أنها دعمت المطالبات بإجراء إصلاحات سياسية،‮ ‬ولكن هذه الإصلاحات ليس الهدف منها هو حصول شعب البحرين على مزيد من الحريات والحقوق،‮ ‬وإنما إتاحة المجال للقوة السياسية الصاعدة في‮ ‬تلك الفترة،‮ ‬وهي‮ ‬قوى الإسلام السياسي‮ ‬الشيعي‮ ‬التي‮ ‬كانت واشنطن تعوّل عليها في‮ ‬إعادة رسم النظام السياسي‮ ‬البحريني،‮ ‬ومنطقة الخليج العربي‮ ‬من جديد‮. ‬باختصار كان الهدف من ذلك هو حصول التنظيمات السياسية الشيعية على المزيد من الدعم بما‮ ‬يضمن زيادة نفوذهم داخل الدولة البحرينية باعتبارهم الخيار الإستراتيجي‮. ‬وفي‮ ‬السياق ذاته تثار تساؤلات حول طبيعة الدعم الذي‮ ‬قدمته واشنطن لضمان تفوق شيعة البحرين على حساب السُنة؟ هذا الدعم جاء بشكل مباشر وغير مباشر،‮ ‬فالمباشر تمثل في‮ ‬أوجه عدة تقوم على ممارسة المزيد من الضغوط على حكومة البحرين لإجراء الإصلاحات المطلوبة‮. ‬وغير المباشر تمثل في‮ ‬الدعم الإعلامي،‮ ‬إضافةً‮ ‬إلى صرف النظر عن الاتصالات التي‮ ‬كانت تتم بين طهران وشيعة البحرين لأن واشنطن كانت تدرك أنها تخدمها على المديين القصير والمتوسط‮. ‬ الخلاصة أن أحداث التسعينات شكلت ضربة قوية من قبل واشنطن والقوى السياسية الإسلامية الشيعية للطائفة السنية في‮ ‬البحرين،‮ ‬بعد أن تم تحييدها من قبل السلطة،‮ ‬ولذلك فإن أفضل تسمية على هذه العلاقة‮ ‬غير المتوازنة هي‮ ''‬ضرب المكشوف‮'' ‬لأن السُنة تعرضوا لضربة بشكل علني‮ ‬دون أن‮ ‬يتم صد هذه الضربات‮.‬ غداً‮ ‬سنتحدث عن علاقة الرئيس الأمريكي‮ ‬الأسبق جورج بوش الابن بتكوين الإقليم الشيعي‮ ‬واحتواء الطائفة السنية في‮ ‬البحرين؟‮ ‬

واشنطن وسُنة البحرين‮.. ‬بدايات الصراع

يوسف البنخليل
صحيفة الوطن - العدد 1962 الأثنين 25 أبريل 2011

  ‬ في‮ ‬19‮ ‬أغسطس‮ ‬1991‮ ‬كان العالم على موعد مع سقوط الاتحاد السوفييتي،‮ ‬وهي‮ ‬الدولة التي‮ ‬واجهت الولايات المتحدة والغرب على مدى عقود طويلة من الزمن‮. ‬ولكن هذه النهاية جلبت تحدياً‮ ‬جديدة في‮ ‬منطقة الخليج،‮ ‬فبعد أن كانت واشنطن تحارب وتواجه النفوذ السوفييتي،‮ ‬انتهى هذا النفوذ وأصبحت بحاجة ماسة إلى خلق تحد جديد لها‮ ‬يمكن من خلاله تحديد ملامح سياستها الخارجية الجديدة تجاه المنطقة‮. ‬فماذا كان الحل؟ ظهرت عدة ابتكارات أمريكية،‮ ‬وأهمها على الإطلاق هو الصحوة الإسلامية التي‮ ‬أدركت واشنطن بأنها قد تشكل خطراً‮ ‬عليها خلال سنوات قليلة‮. ‬ولكن مرة أخرى ظهر سؤال حول أخطر القوى الإسلامية،‮ ‬هل هي‮ ‬القوى الشيعية التي‮ ‬تدعمها إيران،‮ ‬أم القوى السنية التي‮ ‬كانت واشنطن تدعمها في‮ ‬أفغانستان؟ بالمقابل وفي‮ ‬تلك الفترة كان العراق البعثي‮ ‬محاصراً‮ ‬دولياً،‮ ‬وكانت واشنطن تخشى أن‮ ‬يستعيد قوته ويعيد نفوذه القديم،‮ ‬ولذلك استخدمت سلاح العقوبات الدولية والحظر الدولي‮ ‬للطيران لضمان تدميره داخلياً‮ ‬إلى حين ترتيب الأوضاع في‮ ‬المنطقة‮. ‬كما إن الإدارة الأمريكية كانت تدرك جيداً‮ ‬أن انتهاء الدولة العراقية بحكم البعث‮ ‬يعني‮ ‬انتهاء الدعم السني‮ ‬للدول الخليجية السنية،‮ ‬إضافةً‮ ‬إلى أن الفرص كانت مواتية لظهور حكم شيعي‮ ‬في‮ ‬العراق من شأنه أن‮ ‬يقيم تحالفاً‮ ‬جديداً‮ ‬بين طهران وبغداد،‮ ‬وهو ما تم خلال‮ ‬12‮ ‬عاماً‮ ‬فقط‮. ‬فكرة محاربة الصحوة الإسلامية أو التيار الإسلامي‮ ‬السني‮ ‬لدى واشنطن كانت لها أسبابها وسنتناولها لاحقاً،‮ ‬ولكن كان هناك جدل داخل الولايات المتحدة بشأن جدوى محاربة الإسلام السني،‮ ‬وهي‮ ‬الفكرة التي‮ ‬كانت سائدة في‮ ‬البداية وسرعان ما تغيّرت لاحقاً‮. ‬ هذا الجدل لم‮ ‬يدم طويلاً‮ ‬بل سرعان ما انتهى لصالح من‮ ‬يؤيد محاربة الإسلام السني،‮ ‬ففي‮ ‬25‮ ‬يونيو‮ ‬1996‮ ‬كان العالم على موعد مع أضخم عملية إرهابية تشهدها دول مجلس التعاون الخليجي‮ ‬آنذاك،‮ ‬واستهدفت أبراج الخبر وهي‮ ‬مجمع سكني‮ ‬يقع بالقرب من شركة أرامكو السعودية في‮ ‬الظهران،‮ ‬وراح ضحيتها‮ ‬19‮ ‬عسكرياً‮ ‬أمريكياً‮ ‬كانوا‮ ‬يستخدمون هذه الأبراج كمقر لإقامتهم منذ تحرير الكويت عام‮ ‬‭.‬1991‮ ‬هذه الحادثة رغم ما اعتبرت به من إرهابية،‮ ‬إلا أنها شكلت نقطة تحول جديدة في‮ ‬مسار العلاقات بين واشنطن والطائفة السنية في‮ ‬دول مجلس التعاون الخليجي‮ ‬لأن الاتهامات وجهت فوراً‮ ‬إلى تنظيم القاعدة الذي‮ ‬بدأ مرحلة من الصراع المسلح ضد الأجانب في‮ ‬مختلف أنحاء العالم وفقاً‮ ‬لمنطلقات دينية‮ ‬يراها ويؤمن بها‮. ‬ بحرينياً‮ ‬قوبلت هذه الحادثة باستنكار عدة قوى سياسية إسلامية سنية مثل السلف والإخوان،‮ ‬ولكن المسألة كانت أكبر من ذلك بكثير‮. ‬فما جرى أحدث صدمة،‮ ‬وظهرت دعوات أمريكية وغربية لإعادة النظر من جديد في‮ ‬العلاقات بين واشنطن والطائفة السنية في‮ ‬الخليج‮. ‬فرغم المصالح الأمريكية والغربية الاستراتيجية في‮ ‬المنطقة،‮ ‬إلا أن استمرار حكم السُنة الذين‮ ‬يؤمنون بقدسية الجهاد من شأنه أن‮ ‬يشكل تهديداً‮ ‬مستقبلياً‮ ‬ضد هذه المصالح‮. ‬ لذلك بدأت واشنطن والحكومات الغربية تضغط كثيراً‮ ‬على البحرين ودول مجلس التعاون الأخرى لإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية شاملة،‮ ‬بحيث‮ ‬يتم السماح لمكونات المجتمع الأخرى بالتعبير عن نفسها وتكوين جماعاتها لتؤثر وتحمي‮ ‬مصالح هذه الجماعات بحيث‮ ‬يتم ربط المصالح الأمريكية مع هذه الجماعات وتتحول بشكل تدريجي‮ ‬إلى أدوات ضغط ضد الحكومات الخليجية السنية بحيث‮ ‬يكون التحالف المستقبلي‮ ‬تحالفاً‮ ‬أمريكياً‮ ‬ـ شيعياً‮. ‬غداً‮ ‬سنتحدث عن حركة المطالبات السياسية في‮ ‬البحرين وعلاقاتها بصدام واشنطن مع الطائفة السنية

واشنطن وسُنة البحرين‮.. ‬ بدايات التعارف‮

يوسف البنخليل
صحيفة الوطن - العدد 1961 الأحد 24 أبريل 2011

الحديث حول علاقة أبناء الطائفة السنية في‮ ‬البحرين مع الولايات المتحدة الأمريكية حديث معقد وطويل للغاية،‮ ‬ولكن أعتقد أن الوقت قد حان لمناقشته بمزيد من التفاصيل،‮ ‬حتى نفهم لماذا تخلت واشنطن عن الطائفة السنية والبحرين لصالح لتيار ولاية الفقيه؟ كما إن هذا الحديث سيساعد بشكل كبير على توضيح فهم أكبر حول كيف تنظر أمريكا إلى سنة البحرين؟ هل هي‮ ‬نظرة إيجابية أم سلبية؟ أم إنه‮ ‬ينبغي‮ ‬إنهاء وجودهم؟ مثل هذه الأسئلة الكبيرة لا‮ ‬يمكن الإجابة عنها ببساطة وسهولة دون معرفة طبيعة العلاقات بين سنة البحرين والولايات المتحدة‮. ‬فمتى بدأ التعارف بين الطرفين؟ قبل العام‮ ‬1979‮ ‬لم تكن مسألة التركيبة الطائفية ذات معنى كبير في‮ ‬السياسة الخارجية الأمريكية تجاه دول الخليج،‮ ‬ومنها البحرين طبعاً،‮ ‬ولكن بعد هذا العام واندلاع الثورة الإسلامية الإيرانية تغيّر الوضع،‮ ‬وأصبحت واشنطن تتابع تطورات الموقف،‮ ‬وتعيد بناء سياساتها،‮ ‬لأن المعطيات تغيّرت فأصبح في‮ ‬الخليج ثلاث قوى سياسية رئيسة،‮ ‬وهي‮ ‬إيران الشيعية،‮ ‬والعراق البعثية،‮ ‬والسعودية السنية‮. ‬في‮ ‬الوقت نفسه فإن هناك صراعاً‮ ‬بين هذه الأطراف الثلاثة،‮ ‬والصراع الأكبر كان بين الاتحاد السوفييتي‮ ‬والولايات المتحدة بحكم ظروف الحرب الباردة آنذاك‮. ‬ الأخطر حينها أن طهران أعلنت تبنيها مبدأ تصدير الثورة للخارج،‮ ‬وبالمقابل قامت موسكو بغزو أفغانستان في‮ ‬25‮ ‬ديسمبر‮ ‬‭.‬1979‮ ‬واشنطن كانت تخشى من هذه التطورات،‮ ‬فأدركت حتماً‮ ‬أن ظهور انتقال الثورة الإيرانية إلى دول الخليج الأخرى من شأنه أن‮ ‬يشكل تهديداً‮ ‬كبيراً‮ ‬لعمليات تصدير النفط العالمية‮. ‬خصوصاً‮ ‬وأن جميع دول الخليج بها أقليات شيعية،‮ ‬فكان الخيار الأنسب هو دعم فكرة الجهاد الإسلامي،‮ ‬وهي‮ ‬الفكرة التي‮ ‬يؤمن بها أهل السنة والجماعة،‮ ‬ولذلك قامت واشنطن بدعم وتمويل مشاركة السُنة في‮ ‬العمليات العسكرية ضد السوفييت في‮ ‬كابول حتى قررت موسكو وقف الغزو والانسحاب عام‮ ‬‭.‬1988‮ ‬بحرينياً‮ ‬شارك العشرات في‮ ‬الجهاد الإسلامي‮ ‬داخل أفغانستان،‮ ‬وراح ضحيته مجموعة من الشهداء‮. ‬ لم تكن واشنطن بمثل هذه الخطوة تدرك عواقب دعم الجهاد إلا بعد انتهاء الحرب السوفييتية ـ الأفغانية‮. ‬فبعد هذه الحرب،‮ ‬وفي‮ ‬العام‮ ‬1988‮ ‬أعلن أسامة بن لادن تشكيل تنظيم القاعدة وكانت خطواته المقبلة‮ ‬غير معروفة آنذاك‮. ‬ على مسار آخر،‮ ‬كانت الحرب العراقية ـ الإيرانية دائرة،‮ ‬وهي‮ ‬بشكل أو بآخر كان‮ ‬ينظر إليها بأنها حرب بين‮ (‬البعث وولاية الفقيه‮)‬،‮ ‬وإن كان البعض‮ ‬يراها حرباً‮ ‬سنية ـ شيعية. ‬وكانت هناك حالة ترقب من قبل واشنطن لتعرف كيف ستؤول إليه الأمور،‮ ‬بعد أن استيقظت النعرات الطائفية،‮ ‬ودخل البعد الطائفي‮ ‬في‮ ‬الصراعات السياسية في‮ ‬الخليج والمناطق الشرقية المجاورة‮. ‬ في‮ ‬أغسطس‮ ‬1990‮ ‬تطورت الأوضاع بالغزو العراقي‮ ‬للكويت،‮ ‬وهنا انتهت مرحلة التعارف الأساسية بين واشنطن وسنة البحرين التي‮ ‬بدأت في‮ ‬منتصف الثمانينات،‮ ‬لأن التيارات السياسية الإسلامية السنية صارت أكثر وضوحاً،‮ ‬وكانت واشنطن تتابعها بشكل خاص،‮ ‬وسبب ذلك أن عدداً‮ ‬من الجماعات الإسلامية السنية أعلنت حرمة الاستعانة بالمشركين‮ (الأمريكان‮) ‬لتحرير الكويت،‮ ‬والدفاع عن دول مجلس التعاون الخليجي‮ ‬من الخطر العراقي‮ ‬آنذاك‮. ‬ خلاصة مرحلة التعارف التي‮ ‬تمت بين واشنطن وسنة البحرين،‮ ‬أنها قامت على شكل من أشكال الاستغلال الأحادي‮ ‬الجانب من واشنطن للطائفة السنية للدفاع عن مخاطر تقدم نفوذ موسكو إلى المنطقة،‮ ‬وانتهت إلى سيادة الحذر والخوف المتبادل بين الطرفين بسبب تدخل القوات الأمريكية في‮ ‬طرد القوات العراقية الغازية من الأراضي‮ ‬الكويتية‮. ‬ وللحديث بقية‮.. ‬

أصدقاء واشنطن في‮ ‬المنامة

يوسف البنخليل
صحيفة الوطن - العدد 1960 السبت 23 أبريل 2011

   قبل أكثر من عشر سنوات كنا نلبي‮ ‬دعوات السفير الأمريكي‮ ‬في‮ ‬المنامة للولائم،‮ ‬والمناسبات العامة والخاصة،‮ ‬وهي‮ ‬دعوات كان السفير‮ ‬يحرص كثيراً‮ ‬على توجيهها لمعظم الكتاب والإعلاميين بهدف تعزيز الفهم المتبادل بين واشنطن وهؤلاء بدلاً‮ ‬من تركها للتأويل والافتراضات التي‮ ‬لا تنتهي‮. ‬ وطوال هذه المناسبات كانت أسئلة كثيرة تطرح،‮ ‬بعضها‮ ‬يتعلق بالشخصيات التي‮ ‬يحرص السفير على توجيهها،‮ ‬وبعضها‮ ‬يتعلق بالهدف من هذه الفعاليات والمناسبات التي‮ ‬تستمر طوال العام،‮ ‬حتى إن‮ ‬غاب السفير فإن القائم بأعماله‮ ‬يقوم بهذه المهمة‮. ‬ الشخصيات في‮ ‬مثل هذه المناسبات لا تقتصر على الإعلاميين،‮ ‬أو الكتّاب،‮ ‬ولكنها تشمل عدداً‮ ‬كبيراً‮ ‬من التجار ورجال الدين،‮ ‬والساسة والبرلمانيين،‮ ‬والمسؤولين الحكوميين‮. ‬بعد الأحداث الأخيرة من المهم التعرف على الأدوار التي‮ ‬كان‮ ‬يقوم بها أصحاب العلاقات القوية مع السفارة الأمريكية في‮ ‬المنامة،‮ ‬وأعتقد أن وثائق ويكيليكس تكشف كثيراً‮ ‬من هذه الحقائق والمعطيات التي‮ ‬رسمت أبعاداً‮ ‬جديدة في‮ ‬السياسة الخارجية الأمريكية تجاه البحرين‮. ‬مثل هذه الوثائق بيّنت أن واشنطن كانت تعتمد بشكل رئيس على الجهود التي‮ ‬يقوم بها السفير الأمريكي‮ ‬في‮ ‬المنامة لمعرفة آراء ووجهات نظر مختلف الفعاليات البحرينية تجاه الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية‮. ‬الوثائق بيّنت أن هناك اعتماداً‮ ‬رئيساً‮ ‬على مجموعة محدودة جداً‮ ‬من الشخصيات لها نفوذها السياسي‮ ‬والاقتصادي‮ ‬المؤثر في‮ ‬المجتمع البحريني،‮ ‬فأحدهم شخصية إعلامية،‮ ‬والآخر من أبرز التجار،‮ ‬والثالث مسؤول حكومي‮ ‬رفيع المستوى‮. ‬وهؤلاء كانوا‮ ‬يقدمون باستمرار في‮ ‬لقاءاتهم مع السفير الأمريكي‮ ‬وجهات نظر ليست مناهضة للخط العام للسياسة الحكومية،‮ ‬وإنما وجهات نظر مناهضة للدولة،‮ ‬ولمكوناتها المختلفة‮. ‬ بالإمكان الإطلاق على هذه الشخصيات الثالوث البحريني‮ ‬المؤثر في‮ ‬السياسة الأمريكية تجاه البحرين،‮ ‬وبحكم علاقاتهم مع سفير الإدارة الأمريكية في‮ ‬المنامة استطاعوا تكوين وجهات نظر استطاعت ببراعة التأثير في‮ ‬الموقف الأمريكي‮ ‬تجاه الأوضاع الداخلية حتى قامت واشنطن بتحالف سري‮ ‬بينها وبين تيار ولاية الفقيه‮. ‬ولعب هذا التحالف دوراً‮ ‬كبيراً‮ ‬في‮ ‬الحراك السياسي‮ ‬داخل البحرين،‮ ‬فعلى سبيل المثال كانت واشنطن تنظر بحرص واهتمام إلى موقف هذا التيار المناهض للتجنيس،‮ ‬لأن هذا الثالوث استطاع إقناع السفير الأمريكي‮ ‬بأن أكبر خطر على الطائفة الشيعية في‮ ‬البحرين هو عمليات التجنيس التي‮ ‬كانت تتم ضد ما اعتبر حينها بأنه ضد‮ ''‬الطائفة وتكوينها وهويتها التاريخية‮''.‬ الآن هذا الثالوث تعرّض لضربة كبيرة،‮ ‬ولكننا مازلنا لا نعرف ما إذا كان السفير الأمريكي‮ ‬سيعتمد مرة أخرى على هذا التحالف السري‮ ‬ويستقي‮ ‬وجهات نظره الرسمية تجاه الأوضاع بعد الاستماع من أذن واحدة لشخصيات تمثل تيار ولاية الفقيه في‮ ‬المنامة؟

عندما تُقدم البحرين هدية

يوسف البنخليل
صحيفة الوطن - العدد 1959 الجمعة 22 أبريل 2011

   في‮ ‬الحديث حول علاقة الأمريكان بالأحداث الأخيرة في‮ ‬البحرين تتضارب التحليلات والرؤى،‮ ‬ولكن هناك شبه اتفاق بأن واشنطن لم تقف مع البحرين بالمستوى المطلوب،‮ ‬وأنها كانت‮ ''‬تعتزم تقديم المنامة هدية إلى طهران‮''. ‬هذا الطرح‮ ‬يتداوله عامة الناس،‮ ‬وتدعمه تحليلات عديدة،‮ ‬ومعطيات كثيرة‮. ‬فهل كان مثل هذا الطرح صحيح؟ المبدأ الأساس في‮ ‬تحليل العلاقات البحرينية ـ الأمريكية أن واشنطن دائماً‮ ‬تسعى وراء مصالحها،‮ ‬وثوابتها الأساسية في‮ ‬المنطقة،‮ ‬وهي‮ ‬النفط الذي‮ ‬يعطي‮ ‬منطقة الخليج والبحرين أهمية خاصة لاعتبارات أمنية عديدة‮. ‬كثير من مراكز الأبحاث في‮ ‬الولايات المتحدة كانت تقدم تقارير وأبحاث وتحليلات حول ضرورة التغيير في‮ ‬منطقة الخليج العربي‮ ‬والعالم العربي‮ ‬بشكل عام،‮ ‬ولكنها لم تكن تتوقع أن تتولى الثورات والانتفاضات الشعبية بهذا الزخم السريع جداً،‮ ‬حتى أصبحت نظرية الدومينو في‮ ‬العلاقات الدولية هي‮ ‬النظرية الأساسية لتفسير الأوضاع في‮ ‬المنطقة‮. ‬وفي‮ ‬ضوء ذلك كانت واشنطن ترى أن موازين القوى في‮ ‬المنطقة‮ ‬ينبغي‮ ‬أن تتغيّر لعدة أسباب فمنذ مطلع الثمانينيات تصاعد المد الإسلامي‮ ‬في‮ ‬الخليج بعد الثورة الإسلامية في‮ ‬إيران،‮ ‬وكنتيجة لانحسار المد القومي‮. ‬ولذلك كانت هناك حاجة لبناء تحالفات جديدة،‮ ‬فكان الحل الأمثل هو دعم التيار الإسلامي‮ ‬السني‮ ‬في‮ ‬مواجهة التيار الإسلامي‮ ‬الشيعي‮ ‬الذي‮ ‬اعتبر حينها متشدداً‮ ‬بسبب حصوله على الدعم من طهران التي‮ ‬شهدت ثورة دينية شيعية بقيادة الخميني،‮ ‬وتبنت مبادئ تصدير الثورة‮. ‬وظهر الغزو السوفييتي‮ ‬لأفغانستان،‮ ‬فكانت المواجهة بين واشنطن وموسكو في‮ ‬كابل،‮ ‬إذ في‮ ‬الوقت الذي‮ ‬كانت فيه موسكو تسعى للوصول إلى مياه الخليج الدافئة،‮ ‬قامت واشنطن بالمقابل بدعم التيار الإسلامي‮ ‬السني‮ ‬وتمويله فيما عرف حينها بالجهاد الأفغاني‮ ‬لمواجهة الكفار السوفييت‮. ‬ في‮ ‬نهاية الثمانينيات انتهى الغزو السوفييتي‮ ‬لأفغانستان،‮ ‬وانتهى الاتحاد السوفييتي‮ ‬تدريجياً،‮ ‬حتى وقع الغزو العراقي‮ ‬للكويت،‮ ‬وبدأت تيارات إسلامية سنية متشددة في‮ ‬الظهور،‮ ‬وفي‮ ‬مقدمتها تنظيم القاعدة الذي‮ ‬أدار سلسلة من الأعمال الإرهابية في‮ ‬الخليج واليمن وعدد من البلدان العربية،‮ ‬وانتهى بما سماه أسامة بن لادن بـ‮''‬غزو منهاتن‮'' ‬في‮ ‬سبتمبر‮ ‬‭.‬2001‮ ‬ هنا وصلت واشنطن إلى قناعة بضرورة تغيير تحالفها مع التيار الإسلامي‮ ‬السني‮ ‬إلى التيار الإسلامي‮ ‬الشيعي،‮ ‬خصوصاً‮ ‬مع تزامن ذلك بغزو العراق وسيطرة التيار الإسلامي‮ ‬الشيعي‮ ‬على الحكم‮. ‬ بعد هذه المقدمة أعتقد أننا بحاجة أكبر لفهم العلاقة بين المنامة وواشنطن،‮ ‬وفهم العلاقة بين واشنطن وأبناء الطائفة السنية عموماً

متى تفهم أمريكا من الأقوى في‮ ‬البحرين الآن

يوسف البنخليل
صحيفة الوطن - العدد 1958 الخميس 21 أبريل 2011

   بما قدمه العاهل في‮ ‬واشنطن تايمز حول مستجدات الأوضاع في‮ ‬المنامة،‮ ‬والرؤية الملكية لتقييم الأوضاع،‮ ‬نتساءل هل مازالت الإدارة الأمريكية مترددة في‮ ‬تحديد الطرف الأقوى في‮ ‬نظامنا السياسي‮ ‬بعد الأحداث الدامية التي‮ ‬مرت علينا؟ الموقف الأمريكي‮ ‬منذ‮ ‬14‮ ‬فبراير الماضي‮ ‬كان لافتاً‮ ‬في‮ ‬تذبذبه المستمر،‮ ‬ففي‮ ‬بعض الأوقات نجد أحد المسؤولين‮ ‬يطالب الحكومة بضمان حقوق المعتقلين،‮ ‬وفي‮ ‬وقت آخر نجد مسؤول آخر‮ ‬يستنكر التدخل الإيراني،‮ ‬وفي‮ ‬بعض الأوقات نجد ضغوطات علنية من الخارجية الأمريكية تجاه هذه القضية أو تلك الأحداث‮. ‬ هذه المواقف الغريبة جاءت مختلفة عن طبيعة المواقف الأمريكية خلال تاريخ العلاقات البحرينية-الأمريكية‮. ‬ولكن السبب معروف وواضح،‮ ‬فواشنطن كانت لها أجندة معينة،‮ ‬وكانت تراقب وتترقب،‮ ‬وكانت تبحث عن الطرف الأقوى حتى تتمكن من مد صلات جديدة معه لحماية مصالحها الاستراتيجية في‮ ‬أرخبيل البحرين،‮ ‬وفي‮ ‬مقدمتها مقر الأسطول الخامس‮. ‬ حتى نحو أسبوع،‮ ‬وقد‮ ‬يكون حتى لهذه اللحظة الإدارة الأمريكية لم تفهم بعد الطرف الأقوى في‮ ‬معادلة النظام السياسي‮ ‬البحريني،‮ ‬والطرف الأقوى في‮ ‬معادلة النظام الإقليمي‮ ‬الخليجي‮. ‬ولنكن أكثر صراحة،‮ ‬من الواضح أن واشنطن كانت تعوّل كثيراً‮ ‬على نجاح التيار المؤيد لولاية الفقيه في‮ ‬البحرين لإحداث تغييرات جوهرية في‮ ‬الدولة البحرينية،‮ ‬ولكن الطرف الذي‮ ‬تمكن من فرض أجندته هو التيار المناهض لولاية الفقيه والمؤيد لاستمرار الحكم الخليفي‮.‬ أما على مستوى النظام الإقليمي‮ ‬الخليجي،‮ ‬فكانت واشنطن تعوّل أيضاً‮ ‬على قدرة قوتين سياسيتين رئيستين لهما ثقلهما في‮ ‬المنطقة لإحداث تغيير جوهري‮ ‬في‮ ‬معادلات القوة بين دول الخليج،‮ ‬وهما إيران والعراق،‮ ‬ولكن المعطيات كشفت أن إيران ليست قادرة على تحقيق ذلك في‮ ‬الوقت الراهن مع تزايد مشاكلها الداخلية،‮ ‬وظهور نزعة قوية لاستقلال إقليم الأحواز العربي‮ ‬تمهيداً‮ ‬لعودة الدولة العربية في‮ ‬الساحل الشرقي‮ ‬من الخليج العربي‮. ‬فضلاً‮ ‬عن أن العراق مازالت تعاني‮ ‬من تحديات أمنية وسياسية لا تتيح لها ممارسة مزيد من الضغوطات والنفوذ الإقليمي‮ ‬على دول مجلس التعاون الخليجي‮. ‬ باختصار واشنطن كانت تراهن على أطراف خاسرة،‮ ‬وهي‮ -‬أي‮ ‬الإدارة الأمريكية‮- ‬تدرك جيداً‮ ‬مثل هذه المعطيات،‮ ‬وقد لا تكون مدركة لمسألتين،‮ ‬الأولى‮: ‬وجود أطراف إقليمية لها تأثيرها بإمكانها المساهمة في‮ ‬قلب المعادلة،‮ ‬مثل السعودية وتركيا ومصر‮. ‬والمسألة الثانية هي‮ ‬تأثير التهديدات الداخلية والإقليمية على الطائفة السنية في‮ ‬منطقة الخليج،‮ ‬مما دفعها خلال‮ ‬4‮ ‬أسابيع إلى تغيير مسارات عملها بطريقة جماعية مشتركة لمواجهة مثل هذه التهديدات التي‮ ‬كانت ستؤثر على مستقبلها ووجودها الكياني‮ ‬في‮ ‬هذه الدول‮. ‬ بعد هذا العرض،‮ ‬وطرح العاهل في‮ ‬الواشنطن تايمز،‮ ‬وتقديمه رؤية جديدة تجاه العلاقات البحرينية-الأمريكية بمشاريع مشتركة في‮ ‬مجالات الاستثمار المالي‮ ‬عبر البورصة،‮ ‬والبعثات الدراسية،‮ ‬والتدريب الأمني‮ ‬والعسكري‮ ‬المشترك‮. ‬نتمنى أن تفهم واشنطن جيداً‮ ‬من الأقوى الآن في‮ ‬البحرين والخليج العربي‮!‬