Tuesday, May 15, 2012

الاتحاد الخليجي قريب فليفرح الجميع

أحمد مبارك سالم
منذ نعومة أظفارنا ونحن نتسامر حول قصة يعلمها الجميع، وهي باختصار أن أباً حكيماً يعطي لأولاده عيداناً من الخشب ويطلب منهم كسرها فيكسرونها بكل سهولة، ثم يعطيهم مجموعة من العيدان الخشبية ويطلب منهم مرة ثانية كسرها فلا يتمكنون؛ ليقرر لهم بعد ذلك أن الاتحاد قوة، وأن التشرذم ضعف.
ونحمد الرحمن أن دول مجلس التعاون لم تكن في ضعف نتيجة التشرذم وهي تفكر الآن في القوة من خلال الاتحاد، بل هي تلبية لتحديات العصر ومقتضياته، فإنها تسعى إلى الاتحاد بصورة أو بأخرى، وها هي القمة التشاورية التي ستعقد تحدد ملامح ذلك الاتحاد الذي نطمح أن تكون ضمن أفضل الصيغ عليه.
ومن أجل ذلك فليفرح الجميع شكراً لربهم على هذه النعمة التي سيجني الجميع خيراتها، سواء ممن كان يمثل تيار الموالاة أو تيار المعارضة في البحرين... نعم نقولها للوفاقيين افرحوا واتركوا الماضي خلف ظهوركم، فإن شعب البحرين خاصة، وشعوب الخليج عامة سيجنون من هذا الاتحاد تغيرات أمنية وسياسية واقتصادية واجتماعية يمكن أن تكون نموذجاً للاتحادات الأخرى القائمة بحوله وقوته.
نعلم نقولها وبكل صراحة إن إيران يزعجها هذا الاتحاد، وهي تعلم أن هذا الاتحاد سببه رعونة النظام الإيراني صاحب الأطماع التي لا تنتهي، والتي تعتبر امتداداً لأطماع الفرس عندما هزمهم الفاروق عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) في موقعة القادسية، حيث لم تكن تلك المعركة بين العرب والفرس، بل كانت بين مسلمين وغير مسلمين بقصد نشر الدين في ربوع الأرض، ولكن هذه النعرة مازالت حاضرة في صراع إيران مع الدول المجاورة لها والصديقة، وأعني بذلك إيران بنظامها الدكتاتوري المستبد وليس الشعب الإيراني الذي يمثل في غالبيته ومختلف تمثيلاته شعباً ناقما من هذا النظام.
نعم لم نعد نعيش حلماً فنحن نلمسه واقعاً... إنه ذلك الاتحاد الذي سيرسم صورة أخرى للتعاون بين دول مجلس التعاون ومن انضم إليها، وهو سيبدأ وستتسع دائرته، وسيثبت جدارته في مواجهة الظروف والتحديات العاصفة بالمنطقة؛ ليبقى التساؤل الذي يفرض نفسه متمثلاً بالأسباب التي تقف وراء رفض البعض ممن يمثلون قلة هذا الاتحاد بين دول مجلس التعاون، وهم ممن يرفضون اتهامهم بالعمالة لإيران، وهم ممن يرفضون اتهامهم بانتهاك عروبة البحرين.
إن الخلايا النائمة ليست في البحرين بل في مختلف دول مجلس التعاون ستبقى تناكف من أجل إجهاض إقبال مختلف دول المجلس على الاتحاد باعتباره يمثل الشعرة التي قصمت ظهر البعير وأجهضت الكثير من المخططات للسيطرة على المنطقة وعلى مقدراتها لمصلحة الخارج، حيث أنها أرادت أن تستحوذ على الخيرات شيئاً فشيئاً حتى تحقق مبتغاها بتحقيق أغراض المستعمر الإيراني.
ومما يسترعي الانتباه واليقظة ونحن مقبلون على الاتحاد أن نتنبّه إلى ضرورة أن تكون صيغة هذا الاتحاد مجدية ونافعة لمواجهة التحديات، وقبل ذلك صدق النيات من قبل مختلف الأطراف الخليجية حتى يحقق الاتحاد أغراضه وأهدافه التي ستعود بالنفع على جميع شعوب المنطقة، وأن تكون المساعي حثيثة بعد هذا الاتحاد لتجاوز الكثير من المنقّصات التي أرهقت العلاقات بين دول المجلس وجعلتها في جانب منها مهترئة ومهزوزة.
زبدة القول
إن ما ينتظر دول مجلس التعاون ليس هو الاتحاد فحسب، بل ينتظرها أن تجعل هذا الاتحاد في صيغة نموذجية مؤهلة لأن تجعل دول مجلس التعاون قادرة على مواجهة التحديات القادمة، وأن يترتب على ذلك التغيير في سياستها حتى تكون قادرة على إثبات الذات المؤثرة كعنصر بارز في المجتمع الدولي، وحقيقة الأمر فإن دور دول المجلس في اليمن من خلال المبادرة الخليجية، وموقفها من النظام السوري البائس بسحب السفراء يمكن أن يمثل إرهاصات تعبر عن مصداقية متماسكة في التوجه نحو الاتحاد بصيغة بناءة ومجدية وقادرة على الوصول إلى مستوى النموذجية من خلال مقارنته بالاتحادات القائمة في العالم، ولا شيء غير ذلك.

أهلا بالاتحاد

أحمد زمان
أهلا بالاتحاد الذي نحن اليوم في أمس الحاجة إليه بعد المؤامرة الإيرانية الكبرى التي تعرضت لها البحرين وامتدت ذيولها إلى دول التعاون منذ أكثر من عام، وكادت أن تخطف بلادنا وكياننا ونظامنا وهويتنا العربية لتجعل من بلادنا مجرد تابع ذليل لملالي إيران وآياتها، ولنكون نقطة انطلاق وعدوان لتحقيق الامبراطورية الإيرانية الفارسية في الخليج العربي.
أهلا بالاتحاد، فنحن دولة صغيرة نحتاج لمن يشد أزرنا ونحتاج لمن نتقوى به، ونحن كما قال العاهل السعودي البنت الصغيرة للمملكة العربية السعودية التي هي أم الجميع في هذه المنطقة.
أهلا بأبي متعب وجيشه وقواته لحماية البحرين من كل تدخل خارجي، وأهلا بإخواننا السعوديين في بلدهم الثاني البحرين.
وهل تحتاج أواصر الوحدة بيننا وبين الشقيقة الكبرى إلى بيان.. أليست معظم القبائل التي تعيش في البحرين جذورها سعودية؟ أليست المصاهرات والقرابات بيننا وبين أهلنا في السعودية أكثر من أن تعد وتحصى؟ أليست المملكة العربية السعودية هي التي ساعدت وتساعد البحرين منذ أمد بعيد؟ وما حقل بوسعفة إلا مثال واحد على هذا الكرم السعودي نحونا.. فإذا أضفنا إلى كل ذلك روابط الدين والعروبة والعادات والتقاليد المشتركة فهل غريب علينا أن نعلن الاتحاد بيننا اليوم، مع اعتقادنا الجازم بأن هذه الخطوة تأخرت وكنا نترقبها منذ سنوات طويلة سابقة.
فلماذا يستكثر البعض من المأزومين والموتورين هذا الاتحاد علينا ويقفون ضده؟ أما الذين طالبوا باستشارة الشعب وإجراء استفتاء في البحرين لمعرفة رأي الشعب في هذا الاتحاد، فنرد عليهم بان الشعب قال كلمته قبل أكثر من ثلاثين عاما عندما قبل بصيغة مجلس التعاون الخليجي، وهي الصيغة التي كانت ضرورية بعد الانسحاب البريطاني من منطقة شرق السويس وجاءت مواثيق مجلس التعاون لتؤكد أن هذه الصيغة هي خطوة أولى في طريق الاتحاد والوحدة.
ونسأل هؤلاء المأزومين والموتورين: وهل أنتم استشرتم الشعب البحريني وأجريتم استفتاء بين أهله عندما أعلنتم جمهوريتكم الإسلامية في دوار مجلس التعاون لتكون ذيلا تابعا لإيران، وحاولتم القضاء على عروبة وهوية البحرين التاريخية والثقافية؟
ونقولها جهارا نهارا بأننا مع الاتحاد والوحدة بين دول مجلس التعاون التي نأمل أن تكون نواة لوحدة عربية كبرى تسر الصديق وتغيظ العدى وتدفع عن أقطارنا الشرور والعدوان.
فأهلا بالاتحاد وأهلا بالوحدة بين الإخوة والأشقاء.

التشيع المختطف

مشعل النامي
لا يفرق كثير من الناس خصوصا في الخليج بين التشيع العلوي والتشيع الصفوي وذلك لشدة طغيان الصفوية على المشهد السياسي في المنطقة وذلك بسبب تبني إيران للصفوية ورعايتها لها بصورة رسمية.
التشيع الصفوي هو ايديولوجيا تستخدمها إيران لتحقق من خلالها أهدافا سياسية بحتة تدور معظمها حول محور “مشروع التوسع” الذي اصطلح على تسميته “مشروع تصدير الثورة”، وتستغل إيران ونظامها الحاكم الحسينيات في العالم بأسره وتحتضنها وترعاها لخدمة المشروع التوسعي، حيث تعتبر الحسينيات “مفرخة” لأتباع تلك الأيديولوجيا الذين يمثلون الوقود الذي لا يمكن للمشروع التوسعي أن يسير من دونه.
ففي جمهوريات آسيا الوسطى - على سبيل المثال - يستخدم مبنى السفارة الإيرانية كحسينية يقوم عليها السفير الذي يتم اختياره من المعممين، فتكون الحسينية برعاية رسمية من الحكومة الإيرانية ويكون الجزء الأكبر من مبنى السفارة مجلسا حسينيا، وهذا دليل على سعي الحكومة الإيرانية الصفوية وحرصها على التوسع من خلال نشر التشيع الصفوي.
إن التشيع الصفوي ايدولوجيا وليس مذهبا دينيا، فالمذهب الديني هو التشيع العلوي ونحن نختلف معه كثيرا ولكن التشيع الصفوي فإننا نرفضه تماما، لأنه قام لخدمة مشاريع سياسية استخدم من خلالها الدين لتحقيق هذه الأهداف التي يطغى عليها الجانب الشعوبي العنصري، فكم عانى ويعاني إلى اليوم الشيعة غير الفرس وغير الموالين للتشيع الصفوي من النظام الصفوي وأتباعه في العالم، ذلك النظام الذي لم يتوان عن قتال الشيعة في الأحواز المحتلة وفي أذربيجان المحتلة وفي غيرها من الأقطار التي تحتلها إيران وكذلك في شتى بقاع العالم.
تنسب الصفوية إلى “إسماعيل الصفوي” مؤسس هذه الزندقة الذي قتل والدته لأنها رفضت الانصياع له وتبديل دينها الإسلامي إلى زندقته، وهو الذي بدأ بإقامة الاحتفالات السنوية بذكرى مقتل الحسين رضي الله عنه، حيث لم تكن معروفة قبل ذلك، وجعل مظهر الدماء واللطم يطغى عليها لاستدرار العطف والتحريض على بقية المسلمين بتهمة مقتل الحسين!
وهو ابتدع ظاهرة اللطم وإشاعة مواكب التطبير بالسيوف والقامات وقرقعات الطبول وخشخشة السلاسل، وتلك عادات موروثة من المسيحية، كما يقول علي شريعتي.
وتقوم هذه الأيديولوجيا على أساس “إن لم تكن معي فأنت ضدي” وتصنف الناس بين صنفين فقط هما “الموالي لآل البيت” والصنف الآخر “غير الموالي” ولا ينظر بتاتا لرأيه، ولا يوجد مسلم اليوم لا يوالي آل البيت ولكنهم يقصدون أنه إما أن يقبل بمنهجهم كاملا أو أن يقصى بالكلية كما يفعلون اليوم مع الكثير من مراجع الشيعة الذين بلغوا درجة الاجتهاد التي لم يضع لها الصفويون أي اعتبار وهذا دليل واضح أنها ليست مذهبا دينيا إنما هي توجه سياسي يستخدم التشيع كوسيلة لتحشيد وتجنيد الأتباع وجعلهم ينصاعون ويطيعون طاعة عمياء دون أي نقاش.
إن الصفوية منهج متجرد تماما من الأخلاق كما هي التوجهات السياسية، وهذا دليل آخر على أن الدين بريء من الصفوية براءة الذئب من دم يوسف.
ويعترض الدكتور علي الوردي عالم الاجتماع العراقي المعروف على تبني إيران الصفوية للتشيع حيث يقول “الصفوية أدخلت في التشيع أمورا أضرت به وشوهت سمعته، أضف إلى ذلك أنها جعلت التشيع مذهبا حكوميا وبذا أضعفت فيه نزعته الشعبية القديمة”.
ويسوق الباحث الشيعي “باقر الصراف” في كتابه (الرؤية السياسية الإيرانية في ظل حكم الملالي) العديد من صور إضرار الصفوية بالتشيع ومحاربتها له ولرجاله في حال الخروج خارج مظلة الصفوية وأهدافها.
ويأتي تمدد الصفوية في دول المنطقة في ظل فقدان دولنا للهوية وعدم تبنيها لأي مناهج فكرية وإن كانت مناهج مضادة فقط لمثل هذه التوجهات التي تغلغلت في دولنا وبتنا نعاني من تبعاتها، وينبع ذلك من خوف أنظمتنا من فكرة تبني منهج فكري معين ذلك الخوف الذي زرعه من في قلوبهم مرض ومن يملكون أجندات مضادة يخشون أن تصبح هباء منثورا في حال كان لدولنا هوية واضحة تتبنى منهجا واضحا، ولا أوضح من منهج الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم خصوصا أن أرضنا هي مهد رسالته التي نحن امتداد لها ومكلفون بتبنيها والاستمرار بها.

سحب السفراء هو أول الحلول

طارق آل شيخان
قبل أيام مضت، طالبت منظمات وجمعيات مجلس العلاقات الخليجية الدولية (كوغر) الدول الخليجية باتخاذ قرار حازم بقطع علاقاتها الدبلوماسية فورا مع طهران، كرسالة واضحة وشديدة اللهجة ضد الاعمال الاستفزازية، والتورط الذي تقوم به ايران ضد أمن وسيادة البحرين والسعودية والإمارات، واستمرار عمليات التحريض الطائفية التي تغذيها في المنطقة الشرقية، وهو ما يحتم على دول الخليج انتهاج سياسة متشددة ضد ايران، للحفاظ على أمن شعبها ووحدة أراضيه ووحدته الوطنية، ومنها قطع العلاقات الدبلوماسية فورا، وعدم التساهل مطلقا مع الخلايا النائمة وشبكات التجسس وعملاء ايران في دول الخليج، الرافضين أيضا لكل اشكال الوحدة الخليجية كما حصل مع حزب الله البحريني، الذي صرح علنا برفضه الاتحاد البحريني السعودي.
ولهذا، فإن الصبر نفذ والكيل طفح، بعد استمرار ايران بالتدخل والتورط وتحريض مرتزقتها الموالين لها في البحرين والسعودية، والمتسترين بثياب الثورات العربية والعرب منهم براء، من خلال قيام هؤلاء بالاخلال بالأمن وضرب الاقتصاد وشق الوحدة الوطنية، والاعتداء ليس على السنة فقط، بل على المواطنين الشيعة الرافضين لسياسة الثورة التكفيرية وارهابهم اجتماعيا ودينيا، ووقوف هؤلاء بكل وقاحة ضد كافة أشكال الوحدة الخليجية والأمن السياسي والعسكري بين دول الخليج. وبالرغم من كل النداءات التي تطلقها حكومات الخليج، وبالاخص الحكومة البحرينية والسعودية ومؤسسات المجتمع المدني الخليجية ومختلف شرائح المجتمع الخليجي، لهذه الجمعيات السياسية والدينية الموالية للثورة التكفيرية، بضرورة التخلي عن ولائها لايران، وعن حلم اقامة دولة البحرين الكبرى المجوسية، والعمل مع كافة الأطياف السياسية في الخليج من أجل تنفيذ الاصلاحات، وتحقيق آمال وطموحات كافة المواطنين الخليجيين بكل طوائفهم وشرائحهم، الا ان هذه النداءات لم تجد آذانا صاغية وعقولا واعية. بل رأينا كيف ان هذه الجمعيات والمؤسسات وهؤلاء المرتزقة، ينقادوا انقيادا أعمى وراء القيادة الايرانية وسياستها الاستفزازية والعدوانية، وآخرها الدخول الغير شرعي لنجاد لجزيرة أبوموسى، من غير ان يصدروا بيانا يشجبون به هذا العمل الايراني القذر. ولهذا فان على دول الخليج اتخاذ موقف متشدد ضد طهران، لا يقل عن سحب السفراء من طهران، ومحاسبة المتورطين والمخلين بالامن في دول الخليج.
وفي خضم افراحنا بحلم الاتحاد الخليجي، فان على دول الخليج العمل على قطع علاقاتها مع ايران، وتوجيه رسالة واضحة للثورة التكفيرية بأن صبر شعب الخليج نفذ، وحان وقت الحساب وأوله قطع دابر مرتزقتها وعملائها وخلاياها النائمة. وقد يكون في ذلك العمل الخليجي قيام ثورة غضب شعبية ايرانية ضد هذه القيادة. ولكن ذلك ليس من شأننا ولا يهمنا ان قامت ثورة أم لم تقم بسبب قطع العلاقات بين دول الخليج وايران، نظرا لأن الخاسر الأكبر اقتصاديا هي إيران، مما يضر بمصالح شعب ايران الشقيق، فالمسؤول الاول والأخير عن كل ما حدث ويحدث هي الثورة التكفيرية.

الشيخُ القرضاوي والوعي بالديمقراطية

عبدالله خليفة
يتحدث فضيلةُ الشيخ يوسف القرضاوي عن الديمقراطية بشكلٍ أدبي، مؤيداً الديمقراطية ورافضاً الاستبدادَ والمستبدين، لكنه يحولها لمعنى عامٍ مجرد:
(إن جوهر الديمقراطية - بعيدًا عن التعريفات والمصطلحات الأكاديمية - أن يختار الناس من يحكمهم ويسوس أمرهم، وألا يفرض عليهم حاكماً يكرهونه، أو نظاماً يكرهونه، وأن يكون لهم حق محاسبة الحاكم إذا أخطأ، وحق عزله إذا انحرف، وألا يُساق الناس إلى اتجاهات أو مناهج اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية أو سياسية لا يعرفونها ولا يرضون عنها. فإذا عارضها بعضهم كان جزاؤه التشريد والتنكيل، بل التعذيب والتقتيل)، من مقالته الديمقراطية واتفاقها مع روح الإسلام.
وهذا في الواقع معنى عامٌ غيرُ تاريخي وغيرُ اجتماعي معلقٌ في الهواء، فلابد من معرفة هؤلاء الناس وفي أي سياقٍ وشروط تاريخية يعيشون فيها.
والشيخُ يفهمُ التاريخَ بشكلٍ ديني أدبي، ويطبقُ قراءته هذه على نصوص القرآن وتاريخ الإسلام، فحقيقةً أن الناسَ مساقون في عيشهم في عالم الاستبداد وفي ثورتهم عليه، الناس يظلون مهيمنٌ عليهم في المراحل التاريخية كافة التي عاشتها الإنسانية.
ثمة شروط تجعل من المستعبَدين يثورون، ولكن بيد من تبقى القيادة؟ وهل من يقودهم للثورة سوف يحقق الحرية؟ وهل هناك حرية مطلقة أم حريات نسبية مع تطور أشكال الإنتاج والأنظمة؟
ولهذا فإن الشيخ حين يصل إلى هذا المعنى العام المجرد الذي توصل إليه يمضي به إلى الديمقراطية الحديثة بقفزة واحدة.
فالديمقراطيةُ هي صراعٌ اجتماعي بين أغلبية شعبية وأقلية محتكرة للسلطة، لكن أي تغيير في السلطة المستبدة السابقة لن يؤدي بالضرورة إلى ديمقراطية شعبية وعدالة اجتماعية. فحين تظهر ادوات التصويت والبرلمان والاقتراع وغيرها من الأدوات الغربية الحديثة ويتم نقلها في الدول العربية فهذا لا يعني ديمقراطية موجهة لـ (الظالمين والمستكبرين) وكل هذه الكلمات التي يتفضل بها الشيخ يوسف. فما يحدث الآن هو انتقال السلطة من جماعة رأسمالية إلى جماعة رأسمالية أخرى.
فكلماتٌ مثل أن الحاكمَ (يفرضُ عليهم نظاماً يكرهونه) هذا تعبيرٌ أدبي، وليس تعبيراً موضوعياً، فمن الأنظمة من فرضَ نظاماً كان مقبولاً للناس في سنين لأنه يقدم لهم تطوراً اقتصادياً واجتماعياً وتعليمياً. لكنهم ثاروا عليه حين عجز هذا النظام عن تقديم المكتسبات للناس، وتحولت الطبقة الحاكمة إلى عقبة أمام هذا التطور، وليس بالضرورة أن تكون ثورتهم والنظام الذي ينجمُ عنها مُلغيين لشروط الاستغلال بل جاءتْ أشكالٌ جديدة منه، ربما أخف ربما أسوأ حسب فاعلية الناس ووعيهم.
إن الشيخَ حين يصل لذلك المعنى المجرد المبهم غير الدقيق يواصل عرضَهُ التعميمي عبر توسيع نتائجه:
(هو جوهر الديمقراطية الحقيقية التي وجدتْ البشريةُ لها صيغًا وأساليب عملية، مثل الانتخاب والاستفتاء العام، وترجيح حكم الأكثرية، وتعدد الأحزاب السياسية، وحق الأقلية في المعارضة وحرية الصحافة، واستقلال القضاء.. إلخ).
ومرةً أخرى يضعُ الشيخُ القضيةَ في تجريد عبر قوله (وجدتْ البشريةُ)، فليس ثمة تجارب بشرية مطلقة بل هي التجربة الغربية الديمقراطية الرأسمالية، والبشريةُ لم تعرف غيرها إلا كلمحات طفيفة لدى اليونان في عصر المدن السابق.
وبالتالي فإن الشيخ القرضاوي حين يقطعُ جذورَ الديمقراطية وكيف نبتتْ يستمر في منهجهِ اللاتاريخي، وهذا المنهجُ يسمحُ له بالانتقاء، فيذكرُ شروطاً ويلغي شروطاً أخرى، حسب رؤيته وموقعه السياسي الاجتماعي.
فالديمقراطيةُ نظامٌ متكاملٌ تتداخلُ فيه السماتُ العلمانية والعقلانية وفصل السلطات، وهو لا يحققُ عدالةً مطلقة، بل هو صراع اجتماعي سياسي، وكل طبقة تقومُ بتقديم برنامجها، وتؤسس النظام بوحدةِ الطبقات العمالية والبرجوازية، واتفاقها عليه، وأبعدتْ منه رجالَ الكنيسة ومحاولاتهم الدخولَ ليس كأشخاص مستقلين ولكن كسلطة واستغلال حكمهم المطلق السابق في تاريخ أوروبا في الديمقراطية النسبية الجديدة، أي أن الديمقراطية هي صراع سياسي اجتماعي عصري بين قوى ذات برامج متباينة تجد الرفض أو القبول وتسهم في تطورِ البناء الاقتصادي والواقع ككل.
ثم بعد ذلك يعرضُ الشيخُ مقتطفاتٍ دينية قائلاً في إحداها:
(الواقع أن الذي يتأمل جوهر الديمقراطية يجد أنه من صميم الإسلام، فهو ينكر أن يؤم الناس في الصلاة من يكرهونه، ولا يَرضون عنه).
هنا ينتقلُ الشيخُ من عبادةٍ دينيةٍ إلى معنى سياسي عصري مغاير، فهذه العبادة لا تتدخل في القرارات السياسية ولا تُتخذُ بالأكثرية والأقلية، فهي مظهرٌ عبادي، وتتحكم فيه الدولُ، فهل هذا المعنى الأخلاقي الذي ظهر في المرحلة التأسيسية في الإسلام غدا مظهراً سياسياً وكان الناس قادرين على تنفيذه في مختلف العصور؟
وكما يلغي الشروطَ الموضوعيةَ التي جرتْ فيها الصلاة وكيف هيمن الحكامُ على المصلين والفقهاء، فهو كذلك يلغي شروطَ تكوّن الرسالات النبوية عبر العصور ويضعها في فهمه الأدبي الإنشائي المجرد.
فيتوجهُ الشيخُ للعصور القديمة المعبرة عن زمنية العبودية وهو محق في نقدها بطبيعة الحال، لكنه يجعلها ثلاثة أطراف:
(وقد كشفَ القرآنُ عن تحالفٍ دنس بين أطراف ثلاثة خبيثة:
الأول: الحاكم المتأله المتجبر في بلاد الله، المتسلط على عباد الله، ويمثله فرعون.
والثاني: السياسي الوصولي، الذي يسخر ذكاءه وخبرته في خدمة الطاغية، وتثبيت حكمه، وترويض شعبه للخضوع له ويمثله هامان.
والثالث: الرأسمالي أو الإقطاعي المستفيد من حكم الطاغية، فهو يؤيدهُ ببذلِ بعض ماله، ليكسبَ أموالاً أكثر من عرق الشعب ودمه، ويمثلهُ قارون).
إن الأسلوبَ الانتقائي المستخدمَ هنا يبعدُ القضيةَ عن التاريخ العربي الإسلامي الذي بدأ فضيلةُ الشيخ من بؤرته، ولهذا فإن التاريخَ الموضوعي غائبُ الملامح، فمصطلحا الرأسمالي والإقطاعي يُوضعان في عصر العبيد، فما كانت زمنية الحكومات القديمة سوى أزمنةٍ عبودية وكانت فيها إنجازات حضارية كبيرة كذلك، ولكن لم يكن فيها سوى حكام وتجار ورجال دين وعبيد. ولكن القوتين المهيمنتين كانتا هما الحكام والكهنة، وليس هذه الكائنات الاجتماعية العصرية مثل الوصولي والرأسمالي. وهذا موجود في أي كتاب للتاريخ. وإخراجُ الشيخِ للكهنةِ أو لرجال الدين من الطبقة الحاكمة في عصر الفراعنة أو عصر بلاد الرافدين وكل التاريخ القديم هو أمرٌ له دلالته الاجتماعية السياسية.
يتوجه فضيلةُ الشيخ يوسف القرضاوي إلى الاهتمام بالعناصر الديمقراطية الجنينية الأولى التي أطلقها الإسلامُ في فضاء البشرية، مثل الدور الايجابي للخلفاء الراشدين وتعاملهم الإنساني مع المواطنين، لكن الشيخ يقف عند هذه العناصر ويعود للتراث ليستشهد بنصوص، وليس بتحليلاتٍ تبينُ أهمية هذه العناصر وظروفها وأهمية تطورها لاحقاً، فهذه العناصرُ لم تتطور لتغدُو مؤسساتٍ منتخبةً وتشريعية، أو يتطور دورُ أهلِ الحل والعقد ليغدو مؤسسةً منتخبةً مشرعةً قيادية تصدر عنها القراراتُ في الخلافة الراشدة، وخاصة في القرارات المصيرية كالحروب وتملك الأراضي العامة والتصرف بها ومنع تحولها إلى ملكياتٍ خاصة مُلحقةٍ بالدول فيما بعد عهد الحلفاء الراشدين كما جرى بالفعل.
ركز الشيخُ على العناصر الفردية والقولية الحكيمة، ولم يتطرق إلى العناصر التأسيسية في القرآن حول الدولة الشعبية وطبيعة المُلكيات فيها، وطبيعة السلطة المؤسَّسة على هذه الأملاك الشعبية الحرة السائدة.
ولهذا فإنه مع غيابِ سلطة الخلفاء الراشدين وتغير طبيعة الأملاك العامة العائدة للناس، ولم تعد كذلك، فإن تلك العناصر الديمقراطية لم تستمرْ بل أُلغيت.
ويقدمُ لنا القرآنُ طبيعةَ السلطة المُقامة على أساسِ قيادة الناس، عبر التحالف الاجتماعي بين التجار والعاملين، وعلى أساس تلك المُلكيات الصغيرة الواسعة الانتشار والحرة.
إن العناصرَ الديمقراطية في الإسلام جاءتْ من وجود مُلكيات كثيرة للفقراء، وللتجار بطبيعة الحال، ولكن حين تتركز المُلكية في قبيلةٍ ودولةٍ وجماعة واحدة، فإن تلك العناصرَ الديمقراطية تخبو، وتتحول الدولةُ إلى دكتاتورية.
تنامى توزيعُ الثروة على الجمهور، وكان يُنتظر أن يتوسعَ من خلال أراضي الفتوح ولكن ذلك لم يحدث كما نص القرآن، وكان سيوسعُ من تلك العناصر الديمقراطية، وهذا التوزيع هو الذي أوجد الجماعات والقوى الشعبية التي استطاعت هزيمة الإمبراطوريتين، وهذا التوزيع للأراضي الزراعية من الكنيسة والإقطاع في فرنسا هو الذي أسس الدولةَ الديمقراطية فيها، وهو الذي جعل الحكم السوفيتي رغم دكتاتوريته ينتصرُ على قوى التدخل الأجنبية.
إن استشهاد الشيخ يوسف بالسنة النبوية إضافة للقرآن ودورهما في تعرية الظالمين ونقد الفساد وتجبر الحكام ونقد الشعوب الساكتة عن حقوقها كذلك، كلامٌ صحيح وجميل، ولكن الركائز التي وُجدت من دور المُلكيةِ الخاصة الشعبية أو دور المُلكية العامة القائدة للعدالة والتطور الاقتصادي، هي الدعائمُ للتحول الديمقراطي في العصرين القديم والراهن.
إن فضيلة الشيخ يصل إلى نتيجة مغايرة لبداية مقالته:
(لقد قرر الإسلام الشورى قاعدة من قواعد الحياة الإسلامية، وأوجب على الحاكم أن يستشير، وأوجب على الأمة أن تنصح، حتى جعل النصيحة هي الدين كله، ومنها: النصيحة لأئمة المسلمين، أي أمرائهم وحكامهم).
لكن مجمل المقالة تعطينا لمحة مهمة عن مستوى فهم بعض الجماعات الدينية للديمقراطية، فالمسألة ليست النصيحة فقط ولكن أساساً إدارة المؤسسات العامة من قبل الأحزاب الفائزة في الانتخابات وقيامها بتنفيذ برامجها، ورؤية تراكم تجارب المسلمين وأسباب ضعفها وكيف تجاوزها بناءً على كل هذه التجربة الثرة.
لهذا فإن تجربة الاخوان المسلمين وما يصدر حالياً عن الفقهاء والسياسيين المتأثرين بهذا التيار، يتوقفون عند أساسيات عامة للديمقراطية كما تفضل الشيخ القرضاوي، فيما أن المعضلة أكبر وأعمق، فحتى حين تُذكر التجربةُ التركية يُعرضون عنها، دون تحليلها، وكيف أنها قامت على أساس قريب من التجربة الإسلامية الأولى وإن كانت بيد خصوم وقوى علمانية متطرفة، فظهور طبقة وسطى حرة ذات مشروعات ومصانع ومزارع وقوى عاملة متطورة مما شكل تقارباً اجتماعياً توحيدياً وطنياً نهضوياً أمكن بعده الرجوع لجذور الشعب الدينية فيحدث تخط للعلمانية المتطرفة، ونمو للحداثة وللديمقراطية وللتعددية الحقة من جانب آخر.
ولهذا فإن تجربة الإخوان المسلمين في مصر المناهضة لهذا التوحيد على أسس رفض الإصلاح الزراعي وعدم إنقاذ القرى والفلاحين كما جرى في السابق والذي يجب أن يُعاد النظر فيه ويُصحح، كذلك من الضروري تغيير طبيعة حياة العمال المتردية، والتركيز على أحداث تحول صناعي كبير في بلد تشكل فيه الصناعة الصغيرة والمتوسطة ٨٠%، من دون ذلك يستحيل حدوث تطور موضوعي وتتوجه الأمور لجوانب ذاتية.
إن دور فضيلة الشيخ القرضاوي على التجديد الديني وتأييد الثورات العربية وإعادة النظر في جوانب من الفقه هي مهمة لتطور المسلمين في هذا العصر، وهو يعبرُ بهذا عن نخبة صغيرة مؤثرة في حراك الملايين نحو إزالة أنظمة متكلسة.
إننا نرى ضرورة متابعة المسائل الاجتماعية والفكرية للعصر وعدم الانسياق وراء رأسماليات حكومية باذخة استهلاكية وعدم توسيع الاقتصادات الطفيلية، بعد الرفض الحاد للقطاعات الاقتصادية العامة الذي جرى، بل من الضروري تشكيل جبهة تحديثية من قوى الإنتاج المختلفة العامة والخاصة لإحداث الثورات الانتاجية وما يتشكل معها من تحولات ثقافية واجتماعية هي جزءٌ من تصحيح المسار في تاريخنا وإعادة هذه الأمة إلى قلب الحضارة العالمية، غير تابعة ولا مُنتزعة من تراثها.

اتّحاد دول الخليج العربي

إبراهيم الشيخ
مجموعة من المشاهد التي تابعناها حول ردّات الفعل المختلفة، تجاه نيّة تحقيق الوحدة الخليجية على الأرض، تعبّر عن الكثير من الحقائق التي لا يمكن تجاوزها.
من الواضح جداً أنّ شغف الشعب الخليجي الواحد بالوحدة؛ يفوق شغف القادة بمراحل، وهو ما يعبّر عن الفجوة الكبيرة في الوعي بحقيقة المخاطر المحدقة التي تحيط بدولنا من جميع الجهات، وتغليب مصالح (الأنا) إلى درجة تغييب استشعار حقيقة المخاطر الداخلية والخارجية.
الشعوب باتت تنظر إلى الاتحاد الخليجي كمصدر قوّة سياسية وعسكرية واقتصادية، سيوفّر الحماية لكيان خليجي مستهدف بشراسة من قوى عالمية وإقليمية، أثبتت الأحداث أنّها مستعدة للتزاوج مرّات ومرّات في سبيل تحقيق أجندات مفضوحة، شاهدنا نماذجها في عراق الرافدين.
نفس الصورة تجدها في مشهد آخر، وهم الطوابير الإيرانية في الخليج، التي ينعقد لسانها عن وصف خليجينا بالعربي، ولم تكد تسمع بأجراس الاتحاد الخليجي حتى صرخَت وَولولت وناحت على قنوات الصرف الصحي الإيرانية، التي عاشت خلال الأيام الماضية ظروفاً عصيبة في طقوس عزاء تشبه عزاء فشل مشروعها الطائفي في البحرين!
تستغرب من قادة ورموز يلبسون عمامة رجل الدين وبدلة السياسي، باتوا يرضعون العمالة على أرصفة الشوارع! وباتوا يجاهرون بأحقادهم التي تغلي في صدورهم بعد أن كانوا يَستخفونَ بها عن أعين الناس.
نفس الصورة ونفس المشهد، فضحا قنوات إعلامية شاهد الجميع احتداد لهجتها ضدّ الاتحاد الخليجي، كما أصبحت أبواقا شبيهة بالتي يحرّكها التومان الإيراني في محاربة كيان الخليج العربي واتّحاده!
بين جميع تلك المشاهد، يبقى عزاؤنا الوحيد في نضج الشعوب التي باتت تدفع حكامها دفعاً الى ذلك الاتحاد، وإن كانت النتائج على الأرض بطيئة جدا، ولا تُرضي طموح هذه الشعوب.
توقيع الاتفاقية الأمنية ومواصلة عمل اللجان لحلّ المشاكل التي تعوق انضمام بعض الدول، يجب ألاّ يطول إلى أجل غير معلوم، لأنّ التحديات لن تنتظر، وما نشاهده من نباح ضدّ تلك الوحدة من أعداء خليجنا وهوّيتنا، يوضّح خطورة ذلك الاتحاد على مشروعهم الطائفي في المنطقة.
لا تتوقعوا أنّ إيران وأذنابها سوف يهدأون، فهدفهم إفشال ذلك المشروع، وترقّبوا منهم المزيد في البحرين والسعودية والكويت خلال الأشهر المقبلة.
برودكاست: أزمة البحرين وبعدها أحداث سوريا فضحت علي سلمان وحزبه. أرادوا اختطاف البحرين بالعنف! وقفوا مع الحوثيين في اليمن، وهاهم اليوم يدافعون عن نظام المجرم بشار في سوريا، وأصيبوا بالخرس عندما أثيرت قضيّة احتلال إيران للجزر الإماراتية.
سؤال: من أيّ كوكبٍ أنتم.

للرئيس الأمريكي.. هل الوفاق وأذنابها وإرهابيوها مصدر السلطات

فوزية رشيد
حين يتحدث هؤلاء عن أن (الشعب مصدر السلطات) فهم يتحدثون عن أنفسهم تحديدا، بضع جمعيات طائفية لا تمثل حتى كامل طائفتها، مستندة إلى العنف والإرهاب من جهة، وإلى الدعم والتمويل والتدريب الخارجي من جهة أخرى، مما ينفي عنها (قانونيا ودستوريا) أي صفة «تمثيلية» حتى لو محدودة للشعب البحريني.
فمن نسف ولاءه الوطني واستبدل به الولاءات الأخرى المعروفة، لا يحق له أن يتحدث عن الوطن، ومن نسف حرصه على الوحدة الوطنية بكامل المكونات الشعبية بل عمل على تقسيم الشعب طائفيا لا يحق له أن يتحدث عن الشعب، ومن دعم أو مول أو دافع عن الإرهاب لا يحق له أن يتحدث عن الديمقراطية والإصلاح. وللأسف هذا هو حال هذه الجمعيات الطائفية وعلى رأسها (الوفاق)، التي ابتليت بها البحرين وبأذنابها، كما لم يبتل أي وطن بمن يعمل تحت شعار المعارضة.
هؤلاء وعلى المستوى (العملي والقانوني والدستوري والشعبي) نسفوا كل صلة لهم بالوطن أو بالشعب أو بالإصلاح والديمقراطية، ولا يهمنا اطلاقا بعد ثبات الجرم، أي شعارات أو كلمات أو مصطلحات أو مفاهيم تدربوا عليها يتفذلكون بها أمام الميكروفونات وأمام الفضائيات، وفي الخطابات والبيانات، مثلما لا يهمنا الدعم الايراني أو الأمريكي لهذه الفئة العاملة تحت مسمى المعارضة، ودعم ارهابها وتخلفها السياسي، ومبادئها الثيوقراطية الديكتاتورية والاستبدادية، مثلما لا تهمنا طنطنة بعض الفضائيات الطائفية أو الدولية المرتبطة بالأجندات التي تشوه حقيقة ما يحدث في البحرين.
الذي يهمنا ما يمارسه هؤلاء على أرض الواقع، فهم يمارسون التلفيق والكذب بكل معطياتهما، وهم يمارسون الارهاب بكل أنواعه (الفكري والسياسي والحقوقي والقانوني والميداني).
ولذلك فان تصريحات بعض مسؤولي الادارة الأمريكية، ولا يهمنا هنا أيضا تمرير جزء من صفقة الأسلحة للبحرين مؤخرا، تلك التصريحات لفتح حوار مع هؤلاء، أو مجرد اعتبارهم معارضة وطنية حقيقية وصحيحة، يدخل فورا في نظر غالبية شعبنا في اطار (الدجل السياسي الأمريكي) الداعم للإرهاب في البحرين، والداعم للجمعيات والفئة التي ترعاه، وتعمل عليه، وتستند إليه، وتدافع عنه. وفي ذلك نعيد السيد الرئيس الأمريكي الى كيفية تعامل ادارته مع الارهاب داخل بلاده أو خارجها، والى سجن «أبوغريب» وسجن «جوانتنامو» وغيرهما، بل الى حروب الادارات الأمريكية المتلاحقة (استباقيا) ضد من تشتبه فيهم مجرد اشتباه، في أنهم ارهابيون يهددون الأمن القومي الأمريكي وبعدها فلتسد الادارة الأمريكية بنصائحها الى دولتنا، ونرد في ذلك أيضا، الى ما قاله سمو رئيس الوزراء في بلدنا بما معناه (لماذا لم تقبل أمريكا الحوار مع تنظيم القاعدة؟).
كفانا تلاعبا بالمفاهيم والمصطلحات، فالارهاب هو ارهاب أينما كان، وما يحدث في البحرين هو ارهاب ممنهج وممول، ومدعوم، ويتم الدفاع عنه، من جانب «الوفاق» واذنابها، التي تدعي أنها معارضة سلمية وإصلاحية وديمقراطية.
ولتقل لنا الإدارة الأمريكية: متى اجتمع الإرهاب مع الإصلاح والديمقراطية وأين؟ ولتعطنا مثالا على ذلك.
ومثلما كفت غالبية الشعب البحريني، بمن فيه جزء مهم من الطائفة الشيعية، عن معاملة «الوفاق» وأذنابها، بأنها معارضة سياسية اصلاحية، حتى ان رفعت الشعارات الزائفة في ذلك، فعلى الإدارة الأمريكية أيضا أن تكف عن التعامل مع هذه الجمعية وأذنابها، بأنها معارضة تنشد الاصلاح والديمقراطية، وندعو الرئيس (أوباما) لكي يزور البحرين، ويرى الارهاب في قرانا وشوارعنا، الذي تدعمه وتدافع عنه هذه الجمعية الراديكالية الثيوقراطية، صاحبة الولاء للولي الفقيه في طهران، ثم ليضغط بعدها هو وادارته على الدولة الديمقراطية في البحرين لكي تفتح حوارا مع هؤلاء الممثلين للإرهاب.
وللرئيس الأمريكي نقول: إذا كان (الشعب مصدر السلطات) فان الشعب البحريني بتوافقه الوطني واغلبيته، ماعداهم كممثلين للإرهاب وليس للشعب البحريني، قد قال كلمته، ونفذ ارادته، وحدد خريطته للطريق السياسية، التي يريدها اليوم ويسير عليها في هذا الظرف التاريخي المستجد بكل معنى الكلمة، من حيث التكالب الطائفي الداخلي والاقليمي وتجسده ارهابا عبر مليشيات عسكرية مدربة على الارهاب، ومن حيث تكالب أجندة ومشاريع أخرى يعرفها السيد الرئيس بنفسه خير معرفة.
شعبنا قال ما يريد في الحوار الوطني التوافقي، وجلالة الملك نفذ مرئيات هذا الحوار، والباب مفتوح لمزيد من التطوير في المستقبل (بحسب ارادة شعبنا التوافقية أيضا)، مثلما الباب مفتوح لكل معترض لكي يسجل اعتراضه، ثم يمضي في حال سبيله، مادام لا يحظى كجهة أو فئة أو جمعية بالتمثيل الشعبي لكامل المكونات بمن فيها طائفته، مثلما لا يحظى بالتوافق الوطني أو الرضا الشعبي على خطابه ومرئياته، بل ينبذ شعبنا كل النبذ سلوكه العملي المستند إلى الدفاع عن الارهاب في البحرين.
شعبنا قال كلمته باعتباره (مصدر السلطات) سواء في الميثاق أو الديمقراطية الانتقالية والمتدرجة والتوافقية التي يريدها، مثلما قال كلمته في الإرهاب والجمعيات الساكتة عنه بل المدافعة عنه، وشعبنا يعتبر «الوفاق» وأذنابها قد انتقلت تماما من صفة أي تمثيل ولو محدودا للشعب، الى صفة (تمثيل الإرهاب) في البحرين، ولا يوجد في دستورنا نص يقول (ان الوفاق أو غيرها هم مصدر السلطات في البحرين) ولذلك نطالب الرئيس الأمريكي وادارته، بأن يكفوا معا عن إدخالنا وإدخال العالم في وهم أن ما يحدث في البحرين، هو حراك معارضة إصلاحية تطالب بتطوير الإصلاح، لأن الحقيقة أن الإصلاح قائم ويتطور، وأن هذه الجمعيات المدعية صفة المعارضة، التي تمثل الإرهاب اليوم خير تمثيل، هي وحدها التي تعوق وتعرقل الإصلاح والديمقراطية، وتفتح أبواقها الإعلامية والسياسية والحقوقية لتشويه الصورة الحقيقية المضيئة في البحرين، وتدعم المليشيات الإرهابية التابعة لها أو التابعة لغيرها، لكي تستمر في ممارسة الإرهاب اليومي، وأعتقد جازمة أن الإدارة الأمريكية بكل قنواتها الاستخباراتية والمعلوماتية، تعلم علم اليقين كل ذلك وحقيقة الوضع في البحرين، ولذلك نقول للرئيس الأمريكي (أوباما): كفانا ضحكا على الذقون، فشعبنا يعرف الحقيقة وأنتم تعرفون، فلماذا الاستمرار في المسرحية والضغوط الممجوجة فيما سفيركم نفسه يفتح كل قنواته لمن يمثل الإرهاب في بلادنا، ولمن بالإمكان استغلاله لإشاعة الفوض.

الانسجام السعودي - البحريني.. نتمنى العدوى للآخرين

عبد المنعم ابراهيم
حدث ذات يوم.. وذات زمان.. ان كانت سنغافورة تطلب الاتحاد مع ماليزيا، لكن الأخيرة كانت ترفض ذلك بحكم أن سنغافورة كانت آنذاك دولة فقيرة، لكن بعد أن ركزت سنغافورة على التنمية الاقتصادية والاستثمارية والتجارية والعقارية والتكنولوجيا صارت دولة قوية وغنية في شرق آسيا، بعدها صارت ماليزيا هي التي تطلب الاتحاد مع سنغافورة، لكن صارت الأخيرة هي التي ترفض!.. أما حاليا أصبحت بينهما اتفاقيات مشتركة متميزة ويتعاونان في مجالات عدة تعود بالنفع على البلدين والشعبين.
نتمنى من دول مجلس التعاون الخليجي ألا تفكر بنفس الطريقة التي تعامل بها كل من ماليزيا وسنغافورة بموضوع الوحدة في ذلك الزمان!.. ويمكن أن نتردد في أي شيء إلا موضوع (الاتحاد) بين دول مجلس التعاون الخليجي، وإذا كان من قدر (البحرين) ان تكون القدوة في الاتحاد مع الشقيقة المملكة العربية السعودية، فإنها قدوة حسنة للآخرين.
هناك أزمان وظروف سياسية واقتصادية وجغرافية تفرض (الوحدة) بين الشعوب مثلما حدث مع (الاتحاد الأوروبي)، وهناك ظروف تفرض (الانفصال) داخل الاتحادات الكبيرة مثلما حدث في تجربة (الاتحاد السوفيتي)، لكن بلا شك ان الظروف السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية كلها تدفع باتجاه إقامة (الاتحاد الخليجي)، ولن تستطيع دولة من دول (المجلس) ان تدفع عنها المخاطر السياسية والأمنية والعسكرية وحدها فقط، مهما رسمت لنفسها سياسة تحالفات مع دول كبرى أو دول إقليمية، وبوضوح أكبر مهما رسمت من معاهدات عسكرية أو أمنية مع أمريكا أو إيران!
دول مجلس التعاون الخليجي تواجه أطماعا كثيرة وكبيرة، وعلى كل الدول الاستفادة من تجارب الشعوب الأخرى.. فماذا ينقص أي دولة إذا تحركت شعوبها بحرية في الانتقال والعمل وتوفير فرص الوظائف من دون تمييز بينها؟.. أو قيام رجال الأعمال بالاستثمار وحرية انتقال رؤوس الأموال فيما بين دول (المجلس) بعد الاتحاد؟
هل نحتاج إلى حرب ضروس لكي نتحد مثلما حدث في الحرب العراقية ــ الإيرانية؟! أو ننتظر دولة أجنبية أو إقليمية تغزو دولة من دول المجلس مثلما حدث في غزو العراق للكويت لكي نشعر بأهمية الوحدة؟!
البحرين والسعودية.. بداية الطريق.. ونتمنى أن تعم الجميع (أنفلونزا) الوحدة الخليجية، لأن (الأنفلونزا) ليست ضارة دائما بل تكسب الجسم المناعة أيضا.

كار نداري.. برووووو

محمد المحميد
١٩٠ نائبا من أصل ٣١٠ في مجلس الشورى الإيراني أصدروا بيانا يرفض الاتحاد الخليجي.. ونحن نقول: (كار نداري.. برووووو)..!!
الاتحاد الخليجي:
لماذا الحرص على الانتقال إلى «الاتحاد الخليجي» وعدم القناعة بـ«التعاون الخليجي»؟ هذا السؤال الجوهري طرحه الأستاذ عبدالرحمن الراشد في مقاله بجريدة الشرق الأوسط، وطرح إجابة منطقية ننشرها للفائدة حيث يقول:
«السبب أن المسار التعاوني رغم عجزه في بعض الجوانب قطع مسافة جيدة ولم يعد بصيغته الحالية مجرد تعاون، فهناك تعاون بين الدول الأخرى ضمن اتفاقيات ثنائية إنما في الخليج الواقع اليوم هو أقرب إلى اتحاد، ولا يضير أحدا أن يسمى اتحادا بصيغته التي هو عليها حاليا. وأتصور أن كلمة اتحاد بذاتها تخيف بعض الخليجيين لأنها تعطي المفهوم الفيدرالي، مثل اتحاد الإمارات الذي هو منظومة دولة كاملة، أو الولايات المتحدة. والاتحاد بهذا المفهوم ليس مطروحا لأن الدول الأعضاء غير متوازنة في إمكانياتها، فالسعودية خمس مرات أكبر من الدولة الخليجية الثانية حجما، أي عمان؟ هذا جزء من حالة الفزع، أو التخويف، التي ثارت في عام ١٩٨١ عندما قام مجلس التعاون، والمفارقة أن أكثر من خاصمه هم المثقفون ظنا منهم أنه سيكون (أوتوسترادا) سريعا للجارة الكبرى السعودية للاستيلاء على بلدهم. وخلال ثلاثين عاما ثبت العكس تماما».
أظن المشكلة في عدم وضوح الفكرة، وتحديدا في مصطلح الاتحاد الذي يوحي بالفيدرالية، مع أن المفهوم الذي طرحه الملك عبدالله بن عبدالعزيز يماثل فكرة الاتحاد الأوروبي، أقرب إلى الكونفيدرالية لا الفيدرالية، وتضمنت دعوة الملك تأكيد أن الاتحاد لا يتدخل ولا ينتقص من سيادة الدول الأعضاء. وأنا أعتقد أن التعامل الإيجابي مع الفكرة سيدفعها نحو نظام مرن يساعد الدول على تجميع إيجابياتها والجوانب المشتركة بينها ولن يكون الاتحاد.
للمتخوفين كل الحق في أن يعلنوا عن تفاصيل مخاوفهم، وأن يضعوا شروطهم ويجربوا اتحادا مشروطا كما يريدونه. فبريطانيا في الاتحاد الأوروبي قبلت بالاتحاد وتحفظت على بعض نشاطاته وأصبحت لاحقا من أهم الدول التي عززته نظاما ونشاطا من دون أن تغير عملتها أو تنحني لقوانين الهجرة. وأخيرا، الاتحاد هو الخيار الأفضل للدول الخليجية الخمس، أما السعودية عرابة المشروع فهي أقل انتفاعا، وأنا أقدر الحساسيات والمخاوف التي ستثبت الأيام، كما أثبتت في الماضي، أنه اتحاد إيجابي يستحق التأييد بروح إيجابية.

دشتي والنظام السوري.. من غير ليه

داود البصري
للسيد النائب المحترم عبدالحميد عباس دشتي كما أسلفنا غير ذي مرة مواقف واضحة و«صامدة» و(استراتيجية) لا يهزها الزمن ولا يغلبها غلاب في دعم وتأييد ومساندة النظام السوري، وطبعا تحت دعوة المقاومة والممانعة وهي نفس الدعوة التي كان يتدثر بها نظام صدام حسين المضمحل في العراق أي مقاومة الإمبريالية والاستعمار وإجباره على الدخول في الغار! رغم أن البعثيين يمينهم العراقي أو يسارهم السوري كانوا أهم أدوات الاستعمار الغربي في الشرق الأوسط!، وبعيداً عن السير بعيدا في فذلكات الكلام وسفسطائية المزايدة السياسية في المواقف الآيديولوجية. فإن دول الخليج العربي وفي طليعتها دولة الكويت بحسها وانتمائها القومي، وتاريخها الطويل والحافل في دعم ورفد العمل القومي المشترك وترفع دبلوماسيتها عن الصغائر والنوازل الانتهازية قد حددت خيارها النهائي من النظام السوري بسحب وإغلاق السفارات واستنكار الجرائم البشعة لنظام القتلة الاستخباري البعثي الشبيح!. وأضحى أي دفاع أو حديث إيجابي عن النظام السوري بمثابة لغو في الكلام لا قيمة له، فالموقف من النظام لم يعد مجرد رأي بل أضحى موقفا إنسانيا وسياسيا ملتزما بثوابت الصراع ضد الظلم والفاشية وحكم الإرهاب، ومن الطبيعي أن يصاب حلفاء ذلك النظام وأصدقاؤه والمطبلون له والنافخون في مزاميره والعازفون على أوتار ألحانه النشاز بالإحباط والخيبة والانزعاج لكون ذلك النظام قد دخل اليوم فعلا في حالة الموت السريري غير المعلن رغم استمرار آلته القمعية في سحق المنتفضين، وهي آلة أعدت لمدة خمسة عقود ونيف لتأدية ذلك الدور الخبيث وهو إرهاب الشعب واستئصال شأفته وإبادة كل من تسول له نفسه الاعتراض على حكم المماليك الجدد، والنائب عبدالحميد دشتي باعتباره حقوقيا ومن المهتمين بملف حقوق الإنسان يعلم جيدا وتفصيليا وأكثر من الجميع بالمصير الذي ينتظر النظام السوري بعد تورط ذلك النظام بجرائم دولية لن يستطيع أعظم المحامين في الدنيا الدفاع عنها أو التخفيف من وطأتها!. وطبعا المواقف السياسية الخليجية ومنها الموقف الكويتي قد أسدلت ستائر النسيان على أية تسوية سياسية مع النظام السوري ولم يعد مقبولا بالمرة إمكانية إعادة صبغ وطلاء وتلميع وجه ذلك النظام المحروق والذي لم تعد تنفع معه كل عمليات السمكرة والتجميل وزرع السيلكون!، وهنا أتساءل عن موقف السيد دشتي والشلة المؤيدة للنظام السوري في الكويت ومنهم الرفاق المؤلفة قلوبهم حسين القلاف وفيصل الدويسان إضافة لسيد الفاكسات. وآخرون من المواقف السياسية الكويتية الأخيرة والتي هي مواقف أعلى القيادات الشرعية في الكويت، هل سيبقى دشتي ومن معه في فسطاط النظام السوري؟ أم انه وأنهم سيتمردون على الإرادة الخليجية والكويتية ويتخذون مواقف صامدة وممانعة ومقاومة لها أسوة بالرفاق في حزب خدا اللبناني أو أولئك الرفاق العراقيين من أتباع المتخلف مقتدى أفندي الصدر؟ وهل ستستمر الحملة الدشتية في تجميل الدستور السوري الجديد وفي التسويق للانتخابات البرلمانية الرائعة في سوريا، أم أن الإرادة العربية والخليجية الموحدة ستغير المواقف وتطوي صفحات الماضي ليتركز صراع السيد دشتي على الجانب الحقوقي والإنساني المحض وينحاز للشعب السوري ضد جلاديه الذين يحاولون ارتداء لباس وجلود الحملان رغم كونهم من أشد ضباع الفاشية توحشا وسعارا وعدوانية... الوقت لم يفت بعد ومازال تعديل المواقف والإنحياز للحق ضد الباطل أبوابه مشروعة بالكامل، فمن سيبقى في النهاية هو الشعب السوري الخالد، ويا سيد دشتي لا شيء ثابت وأصيل سوى قيم الحرية والعدالة التي أرسلت نظام البعث العراقي البائد لمحكمة التاريخ والتي ستلحق شقيقه اللدود نظام البعث السوري المجرم نحو نفس النهاية.. وأخيرا «ليه نضيع عمرنا هجر وخصام؟» على حد تعبير ورأي الرفيقة الراحلة أم كلثوم؟.. وتبقى جميع الأمور والمواقف من غير ليه.. مش كده وألا إيه؟

التمييز الطائفي بين الاستثمار والتدمير

صلاح الجودر
لا يمكن للإصلاح أن يستقيم في أي مجتمع مع وجود مظاهر الفساد، فهما على طرفي النقيض، لذا تعاني الكثير من المجتمعات من آثر الفساد المستشري في مفاصلها، فهناك جهات مجتمعية تتقاطع مصالحها تدفع إلى مزيد من الفساد المجتمعي، والذي ينعكس على القطاعات الأخرى، فيكون سبباً في تدمير المجتمع وشل حركته وتقدمه، فيتأخر المجتمع ويبعد عن الحضارة الإنسانية حينما ينخر الفساد فيه حتى يصل إلى العظام. من مظاهر الفساد وصوره المستشرية في المجتمع التمييز الطائفي، والذي أصبح حاضراً في الكثير من المشاهد، لذا حري بدعاة الإصلاح السعي لمعالجة هذه الظاهرة الخطيرة، خاصة وأنها أخذت منحى بشعا حينما تبنتها بعض القوى والجمعيات السياسية والدينية، فالجميع اليوم يرى استفحال التمييز بين أبناء هذا الوطن، خاصة وأن هناك جهات تساعد على ذلك لتحقيق بعض المكاسب، فهناك الكثير من المؤسسات والهيئات تمارس التمييز في التوظيف والترقي والدورات، فلا يستحق الوظيفة إلا المنتمي لذلك التيار أو الحزب، هذه بعض صور التمييز التي تمارس على الأرض وهي من أسباب ظهور الطائفية في المنطقة. لا يمكن تطبيق العدالة والمساواة في مجتمع يمارس التمييز على جميع المستويات، إذ كيف يمكن تحقيق المواطنة وسواسية الناس في ظل تمييز يمارس في الوظائف والأعمال، فإذا كان المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات كما أكد عليه ميثاق العمل الوطني ودستور المملكة فمن باب أولى التصدي لذلك الداء المسمى «التمييزط»، لذا تأتي الحاجة لتطبيق القانون لمحاربة التمييز الطائفي، وسد باب الصراع والاقتتال، أو توزيع المناصب حسب الانتماء. محاربة التمييز ليست مسؤولية جهة أو فئة بعينها، ولكنها مسؤولية جماعية، تشترك فيها كل القطاعات لتعزيز المواطنة الصحيحة، فالتمييز يعتبر جريمة يعاقب عليها القانون، ولها صورها المختلفة القائمة على الانتقائية والمحسوبية والطائفية، وهي من الجرائم التي يعاقب عليها القانون، فهي تعيق حملة الشهادات والمؤهلات من تبوء المراكز المناسبة لهم، وتعرقل عملية التطوير والتحديث التي يبحث عنها المجتمع، بل تجعل حالة من الإحباط واليأس بين الناس حينما يتم تجاهل الطاقات والكوادر المخلصة من أجل التوظيف بمقاسات طائفية أو مذهبية. التمييز الحاصل ليس لفئة على فئة كما تحاول بعض القوى تصويره حينما تتحدث عن المظلومية، ولكنه تمييز واقع على الجميع حينما تم نثر سموم وأدواء الفتنة والمحنة في دوار مجلس التعاون، فالتمييز حاصل لكل الأطراف، فبعض القوى السياسية السنية تتحدث عن تمييز واقع على أبنائها، والقوى السياسية الشيعية تتحدث عن مؤسسات وهيئات أخرى تمارس التمييز ضد أبنائها، والسبب أن تلك العقول لا تزال في حالة الاصطفاف الطائفي. فالتمييز هو داء أصيبت به بعض العقول مع أن ديننا الحنيف ينهي عن هذا المسلك، لذا قال رسول الله «ص»: «لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى»، وحينما ظهر داء الفرز والتصنيف قال: «دعوها فإنها منتنة»، فالمتأمل في مستوى التمييز الحاصل يجد أنه بلغ أعلى مستوياته بعد الأحداث التي أفرزها دوار مجلس التعاون في العام الماضي، فهو اليوم ينطلق من منطلقات طائفية ومذهبية، الأمر الذي جعل حالة من الانقسام في الشارع البحريني. ما تبثه قناة العالم الإيرانية عن تمييز حاصل لطائفة دون أخرى في البحرين إنما هي أكاذيب وأراجيف تمارسها لإشعال الفتنة في هذا الوطن، والأبشع حينما تشارك بعض الفعاليات في ظهروها العلني والسافر للنيل من البحرين ومكتسباتها، فتلك الفعاليات تقدم خدمات جليلة لأعداء هذا الوطن من أجل تغيير هوية أبنائه، فقد تحولت تلك الفعاليات إلى أبواق إعلامية مدفوعة الأجر. من هنا فإن عملية الإصلاح القائمة على العدالة والمساواة لا تعترف بمثل هذه الثقافة الفاسدة، من هنا يجب التصدي إلى الفساد بكل أشكاله، وأبرزه التمييز الحاصل، واستئصال دعاته وتجفيف منابعه، من هذا المنطلق يمكننا تصويب المسيرة وإصلاح الركب، وليس هناك من وسيلة سوى تطبيق القانون!

الرؤية من فوق

أحمد جمعة
لا يمكن لأي نظام سياسي في دولة تملك الخيارات المفتوحة أن يضمن تعاطف الناس في الوقت الذي يخذلهم فيه. هذه الفكرة برزت في ذهني منذ مدة تلت حالة السلامة الوطنية وما تلاها بعد ذلك من احداث وتداعيات بعضها له علاقة بالأزمة وبعضها من محاسن الصدف وربما صدفة خير من ألف ميعاد ولكنها هنا في ظروفنا اليوم في البحرين هي وليدة القدر الذي وحده يحرك الأمور في الاتجاهات المثيرة للحيرة، فلم يسبق لي على الاطلاق طوال العقود الماضية من عمري الذي عشته في ظل هذا النظام السياسي أن وجدت تناقضاً كل يوم بين المشكلات والأوضاع وبين القرارات التي تتخذ على أعلى المستوى، حتى انني شككت في أن هذه القرارات من وحي يوحى!! صحيح ان الديمقراطية لها سحر في نفوس البعض ولها كره في نفوس من رأى نتائجها على الطبيعة ولها أنصارها وأعداؤها مثل العشيقة التي يتودد إليها كل من تبتسم في وجهه وهي لم ولن تصبح مثل الزوجة لأنها بالكاد يتسع محيطها للجميع بوجود من يستغلها فيخرب ويقتل ويهدد سلامة أمة بكاملها تحت مسمى الديمقراطية ورغم ذلك هناك من يجد العذر له ويكافئه وهذا منتهى العقوق من قبل النظام السياسي في وضع مشابه لوضع البحرين. وضع البحرين خاص وفي ذروة الغرابة بين الدول حيث يعاقب المخلص ويعزل ويبعد ويكافأ المتسلل والمحرض والمتملق وغيرهم ممن لا علاق لهم بالانتماء للوطن، كل ذلك من خلال بوابة الديمقراطية التي من شدة ما اتسعت الجرائم بسببها زهدنا فيها، هذا على الأقل حالي أنا شخصياً. الديمقراطية سلوك وتربية وتنفس طبيعي لهواء نقي لا يؤثر فيها الدين والمذاهب والطوائف والتيارات والأهواء والمصالح الضيقة التي تنتج الصراعات والخلافات وتعطيل المصالح وتشوه وجه البلد وتعيد التطور الى المربع الصفر الذي كانت عليه، الديمقراطية توليف للوحدة الوطنية واطلاق للإبداع والمبادرات وتشغيل للانتاج وحفاظ على المكاسب الوطنية ودفاع عن المنجزات.. ولو كانت هناك ذرة من الوعي السياسي وكانت هناك موضوعية سياسية لوجدنا ان ما تحقق من انجازات خلال العقود الماضية يكرس مفهوم التنمية التي تأتي قبل الديمقراطية في مجتمعات لم تنضج بما يكفي للتعاطي مع الحرية والديمقراطية. مشكلة الذين يعتقدون أنهم يرون وحدهم من دون سائر الناس يتسببون في الكثير من الآلام من خلال إطالة أمد الأزمة وهنا تكمن المشكلة. التغيير مطلوب في كل بقعة من العالم وهو بمثابة الناموس الفطري اللازم لكل العصور والأزمان، ولو لا التغيير لما وصل العالم الى هذا المستوى من التطور بعدما كان عبارة عن غابات وجبال وصحاري يعيش فيها الانسان بكنف النار ووسط الوحوش والذئاب، ولو لا التغيير لما رأينا دولا حديثة مثل امريكا تتفوق على دول نشأت مع نشوء الارض كبريطانيا العظمى وفرنسا التاريخية. التغيير اذن هو سنة الحياة وقانون الكون.. ولكن يبدو ان الانسان البحريني والمواطن في البحرين لا يحب التغيير ولا يرغب في التعمير ولا تشفع له التنمية والتقدم الذي تحقق حتى الان منذ اواخر القرن الماضي على اقناعه بالتغيير، من هذا المنطلق اصبح التغيير الوحيد الذي يجري حالياً هو التفكير في الخروج من دائرة الأزمة وليس كيف نبني البلد بعد الأزمة وهنا الفرق بين من يؤمن بأننا تجاوزنا المحنة وحان الوقت للبناء وبين من يرى الأزمة باقية بقاء الاسلوب الذي تعالج من خلاله وهنا الاختلاف بين القرارات التي تأتي من فوق ولا تلامس الواقع وبين الواقع الميداني الملموس ويبرز السؤال: هل من يعالج الأمور من فوق يرى الواقع مثلما يراه من يعايش الواقع على السطح؟ الفرق واضح للعيان من خلال النتائج..

كل تأخيرة وفيها خيرة

محمد الأحمد
رغم الشغف البالغ الذي اعترى الشعوب الخليجية لاجتماع القادة في الرياض أمس وتلهفهم لإعلان «الاتحاد الخليجي» إلا أن تأجيل ذلك كان لأسباب وجيهة، وهي لتكون كل الدول على فهم للطريق الذي سيسير عليه هذا الاتحاد المرتقب وعلاقتها به. بالفعل، إن إعلان دول الخليج مجتمعة للدخول في الاتحاد سيكون تأثيره ووقعه وفرحته أكبر من إعلان دولتين أو ثلاث لهذا الاتحاد، ودخول الدول مجتمعة خير من دخولها في الاتحاد متقطعة. لن نقول يا فرحة ما تمت، ولكن سنقول كل تأخيرة وفيها خيرة، والخير إن شاء الله سيكون بتأخير إعلان هذا الاتحاد الخليجي لبحث تفاصيل التفاصيل التي ستحدد مسارنا جميعاً نحو الوحدة الخليجية. في غضون ذلك، رأينا تدخلاً سافراً من ما يسمى البرلمان الإيراني الذي أعلن رفضه لأي اتحاد بين البحرين والسعودية، ورأينا عملاء إيران داخل البحرين الذي أخذوا ينظرون حول هذه المسألة وإقحام الاستقلال في موضوع الاتحاد ولي الحقائق.. كلا الموقفين من البرلمان الإيراني وعملاء إيران في البحرين صدر من جهة واحدة وهي الولي الفقيه الإيراني.. ألا يخجل هؤلاء من أنفسهم أن يتخذوا مثل هذه المواقف الخائبة والشائنة؟!.. هل يعتقدون أن التاريخ سينسى لهم مواقفهم الانقلابية؟ هل سيتحملون نتائج قراراتهم وولاءاتهم في المستقبل؟ ألهذا الحد وصلتم؟ تعلنون رفضكم للاتحاد في الوقت الذي يتخذ فيه البرلمان الإيراني قراراً مماثلاً؟ ألهذه الدرجة وصل تمثيلكم لجمهورية إيران في مملكة البحرين؟ عشنا ورأينا!.. إن النقطة المهمة في اجتماع القادة هو اتفاقهم على المصير المشترك في تأسيس هذا الاتحاد أمام هذا العدوان السافر والتهديد الكرتوني المستمر من قبل إيران.. وفي الواقع، من حق كل دولة أن تبحث موضوع سيادتها وعلاقتها مع هذا الاتحاد، لن نقول يا فرحة ما تمت، ولكن سنقول «فرحة مؤجلة»، وستكون بإذن الله فرحة غامرة على الجميع.. والله مع الصابرين.

هستيريا وهلوسة سببها البحرين والسعودية

فيصل الشيخ
ما أشبه خطاب العملاء الأخير مع بيان أسيادهم اليوم بشأن الاتحاد المزمع بين المملكتين الشقيقتين البحرين والسعودية. بالأمس من يفترض كونهم بحرينيين “عرب”، ومن يقولون بأنهم يعملون من أجل هذا البلد خرجوا ليهتفوا ضد السعودية، بعدما كانوا يقولون أيام الأزمة وعبر قنوات أسيادهم هناك في الشمال، إن هناك احتلالاً سعودياً للبحرين، بينما الصحيح أن هناك احتلالاً إيرانياً مزمعاً ومبيت النية للبحرين، وهناك احتلال إيراني “يعشش” منذ عقود في عقول هؤلاء الأدوات. خرج “خادم” الولي الفقيه ليقول بما يشبه إعلان الحرب بأنه سيعمل مع أتباعه لمحاربة اتحاد البحرين والسعودية أو أي صيغة اتحادية تتم بين أبناء مجلس التعاون، وبعدها بساعات يصدر 190 عضواً في مجلس الشورى الإيراني بياناً يدين فيه هذا الاتحاد المزمع، في خطاب لا يختلف إطلاقاً عن مضمون ما قاله الموالون لهم لدينا في الداخل. تقولون إنكم لا ترتبطون بإيران سياسياً وفكرياً ومذهبياً، لكنكم في الوقت نفسه لا تتحدثون إلا بلغتهم، وبأسلوب يتضح منه بأنه يأتي وفق أوامر أو “فتاوى” صادرة من هناك. يقول الأعضاء الإيرانيون في بيانهم: “قررت السعودية اليوم أن تعلن في اجتماع قادة دول مجلس تعاون الخليج الفارسي، عن ضم البحرين إلى السعودية، رغم أن البحرين بلد إسلامي عربي مستقل وعضو في منظمة الأمم المتحدة”! والله عجيب، من يسعى حقيقة إلى ضم البحرين له؟! أليست إيران التي تضع كرسياً في برلمانها يمثل البحرين، ويخرج من يخرج من مسؤوليها ليقول إن البحرين تابعة لها؟! والغريب أنكم تقولون إن البحرين بلد إسلامي “عربي” مستقل، بالتالي لماذا تسعون لطمس “عروبة” البحرين، وإن كانت دولة عربية فما دخلكم أنتم بها باعتباركم لستم عرباً؟! أليس تهافتكم على البحرين سببه التعصب المذهبي الأعمى الذي تتخذونه سلاحاً لتحقيق هدف اختطاف بلدنا؟! وإن كانت البحرين دولة مستقلة لماذا تزرعون فيها خناجر مسمومة طوال عقود وعقود لأجل سلخ البحرين من “استقلالها” وتحويلها لولاية تابعة لكم؟! المثير أن النواب الإيرانيين يقولون: “لا يمكن تهدئة الشعوب بالقوة والضغوط السياسية”، بينما هم من يرون بأم أعينهم ما تمارسه جمهوريتهم من استخدام غير معقول للقوة، يرون كيف يشنق المعارضون في الميادين، كيف يضطهد أهل السنة هناك، وكيف يستخدم العنف المفرط تجاه الناس. قولوها لأنفسكم ولمرشدكم الأعلى ولنظامكم، ليس هناك شعب أسير ومتعذب نفسياً ومضطهد داخلياً غير الشعب الإيراني الذي لا يملك سوى خيارين لا ثالث لهما، إما أن يهادن ويسير في نفس الاتجاه المفروض عليه، أو يموت ويقتل ويعذب ويسجن إن فكر فقط بأن يخالف الأسلوب الديكتاتوري الذي يحكمه. ردات الفعل من قبل الانقلابيين داخل البحرين، وردات الفعل الصادرة من إيران كلها مؤشرات واضحة على الخوف من قيام هذا الاتحاد الخليجي وما سيتبعه من تعزيز للمنظومة الأمنية لدول المجلس، قلق من توحد ست دول ضد أطماع واضحة وصريحة بدأت تظهر ملامحها عبر إنشاء الطوابير الخامسة في هذه الدول وعبر التغلغل في مفاصلها. بحد ذاته، الموقف السعودي البحريني من الاتحاد والأنباء التي تتحدث عن اتحاد مبدئي مصغر بين المملكتين، تسبب في ردات الفعل هذه، قاد من عادوا للبس الأقنعة إلى إسقاطها مجدداً والصراخ بأعلى صوت ضد هذا الاتحاد. من يرفض هذا الاتحاد العربي الإسلامي يقودنا للتشكيك في عروبته، يدفعنا للجزم بأن البحرين لا تهمه، وأنه يحلم باليوم الذي تأتي فيه قوى خارجية لتبتلع دول الخليج واحدة تلو الأخرى. ندعو قادة دول مجلس التعاون إلى إعلان هذا الاتحاد، ندعو السعودية والبحرين إلى إعلان وحدتهما، إذ صدق من قال إن في الاتحاد قوة وفي التفرق ضعف، هم يريدون الضعف حتى يأكلوا من الغنم القاصية، هم يريدون الاستفراد بدولنا واحدة تلو الأخرى. يد الله مع الجماعة، ويد الخليجيين غير مكتوب لها إلا التعاضد والتوحد. شكراً للبحرين والسعودية، فما صدر من تصريحات تسبب بهلوسة وهستيريا واضحة لأصحاب النوايا الاحتلالية ومناصريهم من الانقلابيين، كشفوا مزيداً من الوجوه، وكشفوا ما هو أهم، كشفوا عن خوفهم من قيام هذا الاتحاد.
اتجاه معاكس:
خطوة إيجابية أقدم عليها مجلس الشورى بموافقته على تعديل المادة 221 من قانون العقوبات غير إضافة فقرة جديدة إليها تنص على المعاقبة بالسجن إذا وقع التعدي على رجال الأمن أو الجيش أو أي منتسب للقوات العسكرية، بحيث لا تقل العقوبة عن سبع سنوات وتصل إلى السجن المؤبد بحسب تصنيف الفعل الإرهابي بقصد القتل أو التعرض أو نتائجه سواء بالموت أو التعرض لعاهة مستديمة. هذه التشريعات نحتاجها بشدة في هذا الوقت بالذات، إذ رجال الأمن يتعرضون يومياً لعمليات إرهابية تستهدف إزهاق أرواحهم، وعليه فإن تغليظ العقوبات وتطبيقها الفوري بحسب القانون مسألة لا جدال فيها، إذ لن يتوقف الإرهابيون عن أفعالهم إلا حين يتم صدهم بالقانون ويحاسبوا على أفعالهم الإجرامية. ندعو لرجال أمننا كل في قطاعه أن يحفظهم المولى القدير وأن يثبتهم ويجعلهم سداً منيعاً حامياً لهذا الوطن العزيز.

تكامل السيادة الخليجية

يوسف البنخليل
مشروع الاتحاد الخليجي بدأ مطلع الثمانينات عندما تأسس مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ورغم الدوافع الدفاعية والأمنية التي تزامنت آنذاك مع تأسيس المنظومة الخليجية بسبب الظروف الإقليمية والدولية، إلا أن الطموح الشعبي آنذاك كان يتجه نحو مزيد من التكامل الخليجي بحيث تكون منظومة اتحادية أكثر طموحاً لتحقيق التطلعات في مختلف المجالات. استمر هذا الوضع لمدة ثلاثة عقود، واستطاعت دول مجلس التعاون تحقيق إنجازات عديدة على مختلف المستويات رغم اختلاف الظروف الداخلية والإقليمية والدولية، ومع ذلك ظل الطموح الشعبي أكبر من ذلك بكثير. ودائماً ما كانت هذه الطموحات الشعبية تعاني من تباين مع الطموحات النخبوية التي تمثلها تطلعات القادة الخليجيين لسبب بسيط وهو غياب الآليات التي تضمن تكامل فكرة السيادة السياسية التي تقوم عليها مختلف بلدان العالم من منظور فكرة الدولة القومية. ولكن الفترة الممتدة من 2001 وحتى الآن طرأت فيها متغيرات جديدة وتحولات مختلفة تمثلت في إدخال آليات متفاوتة للشراكة في مفهوم السيادة السياسية بين النخب الحاكمة والقواعد الشعبية من خلال الإصلاحات السياسية التي أدخلت في معظم بلدان مجلس التعاون بشكل أو بآخر، ومن أمثلتها المشروع الإصلاحي في البحرين، والانتخابات الجزئية للمجلس الوطني الاتحادي في دولة الإمارات العربية المتحدة، والانتخابات البلدية في المملكة العربية السعودية.. إلخ. مثل هذه التحولات خلقت أجواءً مختلفة عن تلك التي كانت سائدة في العقود الماضية بالنسبة لمنظومة مجلس التعاون. وأدت التحديات التي واجهتها منطقة الشرق الأوسط منذ ديسمبر 2010 وحتى الآن إلى تكوين واقع سياسي جديد واضح الأبعاد والاتجاهات المستقبلية، وهو ما يحتم على حكومات دول مجلس التعاون الخليجي النظر لمثل هذه التحديات بشكل مختلف كلياً عن التعامل مع المعطيات السابقة، فضلاً عن طريقة التعامل معها. ومن هذا السياق برزت دعوة خادم الحرمين الشريفين لتطوير منظومة مجلس التعاون وإيجاد صيغة اتحادية أكثر تطوراً بين هذه الدول لتحظى بردود أفعال إيجابية جداً على المستوى الشعبي مقابل ردود أفعال مشجعة على مستوى الحكومات والنخب الحاكمة في دول الخليج. في ظل الخطوات الجديدة الجارية لتشكيل أولى الصيغ الاتحادية بين دول المجلس تثار مسألة السيادة السياسية والتحديات التي يمكن أن تواجهها. وتحديداً من قبل بعض المناهضين للاتحاد الخليجي، وهي مسألة بحاجة لتوضيح، فاتحاد دولتين أو أكثر لا تعني نهائياً انتهاء سيادة الدولة بمفهومها القُطري، بل أي عملية اتحادية بين أكثر من كيان سياسي تتطلب التكامل في السيادة السياسية لصالح الكيان الجديد على عدة مراحل وفي مجالات معينة طبقاً لما يتم الاتفاق عليه. ومن نماذج هذه الفكرة الاتحاد الأوروبي الذي لم يظهر بشكل ينهي سيادة كل دولة أوروبية انضمت لهذا الاتحاد النموذج على مستوى العالم، بل تطلبت العملية مراحل وسنوات عدة لإحداث حالة التكامل في السيادة السياسية بما يرافقها من اتفاق أو اختلاف. أيضاً هناك نموذج عربي وخليجي مازالت تجربته مهمة لتأسيس كيان اتحادي وهو دولة الإمارات العربية المتحدة عندما بدأت مشروعها الاتحادي في العام 1971 بين مجموعة من الإمارات لم تنتهِ مسألة السيادة السياسية لهذه الكيانات حتى الآن بل تم تنظيم هذه السيادة عبر عدة مراحل وبشكل قانوني من خلال تحديد صلاحيات واختصاصات الكيانات الأصغر (الإمارات) والكيان الأكبر (الدولة الاتحادية). بالتالي من الصعوبة بمكان التشكيك في مفهوم السيادة السياسية عندما يتم الحديث عن المشروع الاتحادي الخليجي.

ماذا بعد الاتحاد.. المواطن يريد الأمن وتدمير الإرهاب

هشام الزياني
شخصياً كنت من الناس الذين يقولون إن الاتحاد مع السعودية كان يجب أن يحدث في 1986 مع افتتاح جسر الملك فهد، كان ذلك الوقت هو الوقت المناسب للاتحاد، فالدول الصغيرة (البحرين، قطر، الكويت، والإمارات) حتى وإن كانت كبيرة بشعوبها إلا أنها تحتاج لأن تندمج في كيان واحد كبير وقوي. ما تمر به المنطقة من صلف صفوي كان بسبب اختفاء وتدمير القوة العراقية، بسبب تسليم العراق إلى إيران من بعد الاحتلال الأمريكي، كان هذا أكبر الأخطاء، هذا الذي جعل الناعقين يخرجون وتسمع لهم أصواتاً، في البحرين، والكويت. وجود قوة واحدة كبيرة في المنطقة وتدمير ما يوازيها من قوة وهو العراق، جعل إيران تتصرف وكأنها الحوت الذي يسبح بجانب الأسماك الصغيرة، حتى وإن كان الحوت هذا يضخم نفسه ويوهم الآخرين أنه قوي. وصلنا متأخرين، لكن الأهم أن نصل، إن السؤال الذي يشغل المواطن البحريني الشريف والذي ينتمي إلى بعده الخليجي والعربي هو؛ ماذا بعد الاتحاد؟ متى نشعر بالأمن؟ متى تستفيق الدولة من غيبوبة ضياع القانون، وتطبيقه في جهة، والتغاضي عنه في جهة أخرى. ضبط الأمن بأيدي الدولة وتراجعه ليس لأن الإرهاب قوي، ولكن عدم تطبيق القانون هو الذي ضيعنا، هو جرحنا النازف في البحرين، من لم يكن معك، لن يكون معك، لو أنفقت مال الأرض عليه. من لا ينتمي إلى بعده العربي الخليجي لن يكون مع سيادة الدولة وعروبتها، هو على الجانب الآخر قطعاً، هو مع اللسان الأعجمي، هو مع ضياع البحرين وتسليمها إلى الأعاجم، هؤلاء لا يستحقون الجنسية أبداً، آه لو أن الأمر بيدي..! حين كتبت عن خطأ التجنيس في الخمسينيات وما بعدها، تجنيس العرب من المحمرة والأعاجم من الشرق، لاحتواء ثورات المحرق، كان ذلك الكارثة التي دفعت الدولة ثمناً غالياً في 2011، حين كتبت ذلك قال لي أحد الإخوة معلقاً على العمود: نعم للأسف سمعنا نصيحة العلوي، ونصيحة المستشار..!!! هذه الحقائق المرة التي تدفع الدولة فاتورتها، وهذه الحقائق التي كادت تكلفنا وطناً. اليوم وسط كل هذا الموج المتلاطم، وسط العواصف، وسط تناقضات التصريحات البريطانية، والتصريحات الأمريكية، يجعلنا نقول، رغم أهمية التحالفات الخارجية إن كان المتحالف صادقاً ورجلاً، إلا أننا نقول (ما يحك جلدك إلا ظفرك). لن يجدي التعويل على قوى خارجية تبحث عن مصالحها في الخليج ولا شيء غير أمريكا، التي توهمنا بحالة العداء مع إيران، بينما عروق العلاقات تمتد تحت الطاولة، فقد كان التحالف الأمريكي الإيراني واضحاً في احتلال أفغانستان، وفي احتلال العراق، كل ذلك تم بتسهيلات إيرانية وبصفقات كبيرة. الاتحاد مع السعودية تحتاج إليه الكويت قبل البحرين، وتحتاج إليه قطر، وتحتاج إليه الإمارات، فلا ينبغي التفكير في أمور تافهة وصغيرة ونجعلها تعيق الوحدة، الأصوات النشاز والأصوات الإيرانية في الكويت هي التي لا تريد الاتحاد مع السعودية. قلت بالأمس إن الأمن أهم ما ينتظره أبناء البحرين، وتحجيم الصغار الذين كبرتهم الدولة هو المطلوب، وقطع كل خطوط وأيادي الإرهاب، وقطع ألسنة كل المحرضين الذين يكذبون على الناس يقولون “اسحقوهم” ويقولون نهج السلمية، أية أكاذيب هذه، هل الإرهاب والقتل اليومي سلمية؟ كل هؤلاء إذا ما تم الاتحاد بشكله الصحيح سوف يدخلون الجحور، ويجب إخراجهم منها ليتعلموا الوطنية والانتماء للبحرين وللعروبة وللأسرة المالكة، أو أن يذهبوا إلى حيث ولاؤهم. الاتحاد مع عمودنا الفقري السعودية تأخر كثيراً، لكني أقول شكراً لإرهاب الدوار، شكراً لمحاولة الانقلاب الفاشلة، شكراً لتسقيط الحكم، شكراً لمظاهرات (ارحلوا.. العرب إلى السعودية.. والهولة إلى إيران) شكراً لكل خطابات التقسيم التي وحدتنا، شكراً لكل الصعقات المؤلمة التي جعلتنا صوتاً واحداً مزلزلاً في الفاتح، شكراً أنتم الضارة النافعة التي عجلت بوحدتنا بالسعودية، وما كان لذلك أن يتم لولا أن ربّ العباد سبحانه أراد لنا أن تتعرى وجوهكم، رغم أنها كانت عارية تماماً بالنسبة إلى الكثيرين، إلا الدولة التي تهاونت في التعليم والصحة، وكأن البلد يتم تسليمها لمن لا يحب الحكم ولا ينتمي للوطن ولا إلى عروبة البحرين. الاتحاد خيار استراتيجي، عسى الله أن يجعل كلمتنا واحدة، وقلبنا واحد وقرارنا واحد، في مواجهة الصفوية، وفي مواجهة القرامطة الجدد، فالطريق إلى تحرير القدس كان دائماً يمر بكسر خناجر الخاصرة، وخناجر الغدر، وهكذا فعل المجاهد صلاح الدين الأيوبي

مسؤولية البحرين

سوسن الشاعر
التحريض على البحرين كذباً وتزويراً وخداعاً وإخفاءً للحقائق من أجل استجداء التدخل الدولي في الوطن البحريني هو الخيانة العظمى، ولا وصف له إلا ذلك، مهما بدلنا لهذا العار من تسميات؛ فهو في العرف وفي القوانين الدولية وشرعاً وبكل المقاييس يسمى خيانة، وهي مهمة -للعلم- مكلفة لأنها تتطلب تجهيز شبكة علاقات عامة تسهل لك الاتصال المباشر بالجهات التي ستساعدك، وعملية مكلفة للغاية ففيها السفر والتنقل وأحياناً (الدفع) لبعض الجهات، لذلك لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتحمل أعباءها المالية أفراد، وما أعد للبحرين من حملة مضادة جهزت على مدى عشر سنوات وإلى هذه اللحظة وقفت وراءها دول بموازنة ضخمة تتحمل أعباءها المادية من سفر وتنقلات للإفراد الذين تولوا المهمة نيابة عنها، وكذلك الدعم اللوجستي الذي تم الإعداد له من سنوات من تسجيل وتسهيل لاعتماد عضوية الذين يحملون الجنسية البحرينية في منظمات، واعتمادهم كزوار دائمين للجان الشؤون الخارجية البرلمانية، وفي محطات وقنوات تلفزيونية ووكالات أنباء وتلميعهم واعتمادهم “مراسلون ومحللون”، فإذا أضفنا لهذه التكاليف الموازنة الخاصة بتمويل الأعمال الإرهابية التي أشار إليها اللواء طارق الحسن؛ فإنك إذاً أمام مليارات خصصت لإسقاط البحرين في الحضن الإيراني.
المأساة أن موازنة الدفاع الإعلامية البحرينية والتي من المفروض أن تخصص للدفاع عن منجزات وحقوق الشعب البحريني وسيادته لا تقاس ولا تقارن ولا تتناسب مع حجم التحديات، بل إنها موازنة (تفشل) بمعنى الكلمة، لذلك قبل أن يحاسب الجهاز الإعلامي قدموا له الدعم ثم حاسبوه.
البحرين لا تواجه خطراً داخلياً أو محلياً، البحرين تواجه خطراً إقليمياً ودولياً، ونحن ثغر للمملكة العربية السعودية ومن بعدها دول الخليج، لأنهم هم المستهدفون، اليوم تهديد سيادة البحرين ليست قضيتها وحدها، فالتهديد بالتدخل الدولي أي التمهيد (لاحتلال) البحرين دولياً يعد تهديداً لأمن وسيادة الخليج كله، البحرين ما هي سوى قاعدة الزنبرك التي ستنطلق للمملكة العربية السعودية ومنها لبقية دول الخليج، وعقلية المسؤولين في البحرين -مع الأسف- مازالت تتعامل مع خط الدفاع الأول، وهو الإعلام، باستخفاف لا يتناسب وحجم هذه المسؤولية الجسيمة.
نقولها ونحن نأسف لقولها إنه لم يعد ممكناً أن نسمح للمسؤولين في البحرين أن يتهاونوا ويتساهلوا ويقللوا من حجم هذه التحديات لأمن المنطقة الخليجية بأكثر مما تهاونوا، لم يعد مسموحاً أن ينصرفوا عن الحرب الإعلامية بأمور أخرى لا تعني شيئاً إلا لأصحابها أياً كان نفوذ هؤلاء الأصحاب، فهناك معركة مصيرية تخوضها البحرين، وهناك مخاطر على إخوتنا في الخليج مصدرها تهاوننا، ولم يعد مقبولاً أن تصرف الملايين لأنشطة ثانوية وتبقى الأنشطة الإعلامية هزيلة ضعيفة بميزانية دكان صغير في أحد الأحياء الشعبية مقابل الموازنات الضخمة التي تخصصها القوى الإقليمية والدولية لمحاربة البحرين.
مسؤولية الحكومة البحرينية والسلطة التشريعية في البحرين، ومن أجل الوقوف في وجه التحديات العظمى التي تواجهها أن تبدأ أولاً باستتباب الأمن داخل البحرين وذلك بإنفاذ القانون، وتتحمل السلطة التشريعية مساءلة الحكومة عن واجبها بسؤال وزارة الداخلية والعدل ووزارة التنمية وحقوق الإنسان عن دورهم في إنفاذ القانون على من يتنقل من دولة إلى دولة ويروج لأخبار وصور كاذبة عن وطنه.
مسؤولية السلطتين كذلك توفير كل التسهيلات للشعب البحريني بمساعدة منظماته المدنية كي تدافع عن إنجازاتها الديمقراطية والتنموية وذلك بالسؤال عن موازنة هذه المهمة، وما قامت به (إعلام وخارجية ووزارة تنمية اجتماعية) في هذه المهمة ومساعدة هاتين المؤسستين بالموازنة الكافية.
المواطن البحريني يحتاج أن يدافع عن مشروعه الوطني عن إنجازاته وعن صورته وعن وطنه لكنه مجرد من الدعم، وأقسم بالله أن كثيرين سافروا ودفعوا من جيوبهم، فلا تبخلوا على هذه الحصون الدفاعية ولا تتهاونوا ولا تهنوا ولا تتخاذلوا، وهي مسؤوليتكم وأمانة في أعناقكم.
لم يعد مقبولاً أن يضع عدوك موازنة بهذا الحجم ويعمل على تقديم الدعم اللوجستي لمن يريد أن يخون وطنك بهذا الزخم، وأنت تهمل كل حصونك الدفاعية وتتكل على الاتحاد فقط لحماية نفسك!!
من يهدد أمن البحرين أصبح بعد الاتحاد يهدد أمن الخليج، من يخون البحرين أصبح يخون الخليج، من يتهاون في الدفاع عن البحرين يتهاون في الدفاع عن الخليج، نحن علينا واجب الدفاع عن الخليج قبل أن نطلب المساعدة من الآخرين، والعيون التي تراقب أداءنا الآن ليست بحرينية فقط بل خليجية أيضاً فارفعوا رأسنا رجاء!!

الهروب إلى الوراء.. تزوير وقائع التاريخ وتزويقه

كمال الذيـب
في رده على الملاحظات التي أوردتها في مقال سابق حول انتهازية بعض اليسار وتقلباته في مواجهة الأزمة الأخيرة، والتي ترجمها بانحيازه للخيارات الطائفية المغلفة بخطاب ديني طائفي يتنكر وراء خطاب ديمقراطي وطني مفارق للممارسة السياسية العقلانية، وللخلفية الأيديولوجية لليسار في أي نسخة من نسخه المعروفة، كتب لي أحد القراء التعقيب التالي، متمنياً نشره لتصحيح الصورة التي يعتبر أنني أسهمت في تشويهها من خلال ما كتبت عما أسميته باليسار الانتهازي. يقول القارئ: “إن اليسار لم يفقد هويته كما ادعيت، وإنما قراءتك المنحازة وغير الموضوعية هي التي أخرجته من هذه الهوية، وهي الهوية الوطنية الديمقراطية التقدمية، وإنه لايزال يحتفظ برؤاه ووفياً لمنابته الفكرية الأيديولوجية، وإنما جاء التقاؤه مع الحراك المعارض الآخر -والذي أسميته بالحراك الديني الطائفي- نتيجة لقراءة موضوعية متأنية لتحولات الواقع المرير واقتناع بأن السلطة غير جادة في الإصلاح، فكان لزاماً أن نبني جبهة ضاغطة مع أوسع القوى الوطنية للضغط على السلطة ودفعها إلى تحقيق المطالب في الإصلاح والديمقراطية”. هذا ملخص التعقيب ومعه كلام طويل لا يزيد عما أوردته، يتضمن دفاعاً عن الحلف “غير المقدس بين اليسار واليمين الديني الطائفي” وتبريراً لذلك الحلف بمواقف السلطة التي لم “تترك لليسار إلا هذا الخيار” على حد قوله. والحقيقة إن هذا الكلام يُخفي مساحة واسعة من المغالطة، بل ويزيد من خيبتنا في هكذا فكر، بل واستحالة المراهنة عليه في الحاضر أو في المستقبل، فالتعقيب هنا يُحيل إلى ديماغوجية حقيقية، يحاول بعض هذا اليسار الانتهازي أن يبرر بها أخطاءه وخطاياه السياسية، وأُولى هذه الخطايا هو أنه لم يعد يمتلك حتى القدرة على مراجعة أخطائه -مثلما فعل الإخوة في المنبر الديمقراطي على الأقل بالعودة إلى وضعهم الطبيعي كيسار ديمقراطي تقدمي- يمكن أن يخطئ، ولكنه يراجع الأخطاء ويصحح المسار، يمكن أن ينخدع لحظة بالخطاب والحراك الطائفيين، ولكنه لا يمكن أن ينخدع طويلاً، إلا إذا كان الأمر في الأصل مبنياً على نوع من الحسابات الانتهازية على الأرجح، وإلا فما الذي يمكن أن يجمع بين أقصى اليسار وأقصى اليمين الديني الطائفي؟! بما يحمله ذلك من تهميش للعقل ولمساحة العقل والانقلاب على العقل باتجاه تكريس طقوس عبادة الفرد وتقديس الطائفة وتأليه القائلين؟! وإذا كان الزمن مختلفاً جذرياً والرؤية تختلف والوقائع تختلف جذرياً والمتطلبات غير المتطلبات فإننا أمام خيارين:
- أن نقرأ تراث اليسار وكفاءته وقدرته وأيديولوجياته وخياراته ورؤاه وقيمه وتاريخه وتراثه، بمعنى حياته ومصيره ومشاكله ومجتمعه بكل تفاصيله الصغيرة والكبيرة، وهويته الأصلية الصميمة التي تجعله في الانتخابات الحرة يفضل على الحصول على صفر أو صفر فاصل، بدلاً من أن يستظل بمظلة الطائفية، ومن ثمة مواجهة كل هذا بكل الممكنات النظرية والمعرفية والرمزية ليستدل على ما يناسب ويتلاءم مع التحول والتغيير والحركة ومن ثم صياغة نصوصه ومواقفه المتناسقة مواقفه المرتبطة بقيمه وبرؤاه.
- أن نقرأ انحيازات قيادات ضائعة سياسياً، غير متجذرة في فكر اليسار ولا في قيمه ولا ترتبط صميمياً بتراثه وبرؤاه المتجددة في التاريخ وليس خارجه، وبذلك نصبح أمام حالة من الميتافيزيقية اليسارية الجديدة العجيبة غير المسبوقة، ولذلك يحق لنا أن نتساءل؛ أين هذا اليسار مما فعل ماركس في زمنه أو مما فعل إنجلز بإصراره على إعادة قراءة الوقائع من جديد وحيثما عدل وغير ونسف واعترف بالتقصير، وسجل نصوصه وأكمل بعقله هو ما تركه سابقوه، بل وأين هذا اليسار مما فعل لينين في رؤاه الخاصة عن واقع المجتمع الروسي وأسراره وتكويناته وتقسيماته آنذاك، وإضافاته الكبيرة التي سجل من خلالها خطوة متقدمة في الفكر والممارسة أو مما فعل ماو تسي تونغ في قراءته للمجتمع الصيني أو ما فعله غرامشي في مقاربته للمجتمع الإيطالي أو ما قدمه ماركيوز وفرانز فانون وريجيس دوبريه عن تغيير العالم وتحولاته، أين هؤلاء السائرون في ركاب التقديس والاتباعية والتحالف مع الطائفية من هذا التراث الغني الثري؟ بل أين هو من القدرة على إنتاج النص البديل والرؤية المتقدمة بدلاً من الهروب إلى الوراء؟!