Friday, May 18, 2012

آية الله مجنـسي

طارق العامر
اُعذرنى يا عزيزي القارئ على هذا العنوان، مجبر أنا على الخوض في ابغض الحديث «حديث التجنيس» ولكن هذه هي حقيقة الأمر. تسأل عن حقيقة الأمر؟ اذا لنتكلم بصراحة وبمنتهى الشفافية، فالشعب يريد الشفافية والمكاشفة وحقيقة اية الله «مجنسي»، وهي مطلب رئيسي، والدولة أول المعنيين بوضع الحقيقة امام الرأي العام، حتى يتسنى لنا معرفة كيفية حصول اية الله «مجنسي» على شرف الجنسية البحرينية. فى هذه المشكلة بالذات، أنا اسأل الدولة، وأطالبها وأرجوها ومستعد ان أبوس راسها حتى تكشف لنا الحقيقة، بل وتصحيح الخطأ ان وجد.. ستندهش من هذا الالحاح في الطلب؟ ذلك لأني كما مئات الألوف غيري، أبحث عن قيمة الدولة وشكلها، هل كلامي يزعل أحدا؟ أرجو من أنصار اية الله «مجنسي» من الذين صدعوا رؤسنا طوال الاعوام السابقة بملف التجنيس، تماما كما صدعوا الباطل بالحق والخيانة بالولاء، أن لا يروا في طلبي هذا أي إهانة، فنحن متفقون منذ الأساس على الصراحة، وما دمتم تطالبون بحل ملف التجنيس، لذا فلا غضاضة بأن نضع جميع ملفات المجنسين على الطاولة واولهم ملف اية الله «مجنسي»، واذا كنا في الأساس مختلفون في أمور عدة، فما المانع ان نتوحد ولو على سبيل الفضول لمعرفة هذه الحقيقة بالذات، مهما كانت اتجاهاتنا واختلافاتنا. ما الفكرة فى كل ما سبق؟ هون عليك و«لا تغضب» فالغضب خُلُق عدواني مدمّر، والحياة أبسط من ذلك بكثير ولا تستاهل أن تغضب لأجلها، وتأمل الفكرة في كل ما سبق، ثم أجب على السؤال: هل للمعلول ان يعيب على الاخرين اصابتهم بنفس العلة؟ والله لو كان «أبوي» رحمه الله مجنسا، لمنعته عن الحديث في التجنيس، ولا يمكن ان أرتضي له ان يكون «بوجهين»، فالمتكلم في ذلك كالخائض في الماء الماشي في غير مظنة المشي، والأحسن له ان يصمت، ولا يجوز أصلاً ، أن يحمل على المجنسين. لكن من يجرؤ على معرفة الحقيقة او التصديق عليها. أنصار اية الله «مجنسي» بتشتتهم وارتباكهم وحيرتهم وتنازع الرجاء واليأس على قلبهم، قد لا يصدقوا أن شيخهم ضحك عليهم واستغلهم واستغفلهم واستخدمهم كأرهابيين يصبون العنف والخراب والدمار على رؤوس الأبرياء وعلى وطنهم، لذلك هم لا يملكون وسط كل هذا سوى الهروب من امام معرفة الحقيقة. إنها عملية شاقة ومجهدة بلا شك، وأزعم أن قطاعا واسعا من الوفاقيين يفضلون الهروب على معرفة الحقيقة، ويتمنون بينهم وبين أنفسهم ان يصابوا بالعمى، وأن يكتفوا بالسير خلف اية الله «مجنسي»، لأن أعمى البصيرة هو الوحيد الذي لا يمكنه ان يري الحقيقة. إنها من جديد، ثقافة سلطة ولاية الفقيه، المتأصلة في ثنايا العقل، حيث الحقيقة لا ترتقي الى الجرأة في البحث او حتى السؤال، بقرار من ولي الفقيه، بزعم أنه ينوب عن الإمام الغائب في قيادة الأمة وإقامة حكم اللّه على الأرض.. هي ثقافة تحمل الخيار الجاهز لكل تابع، وتعفيه من مشقة استخدام العقل، وترفع عنه كاهل مسؤولية التدبير او التفكير. «من القلب» شكري وتقديري للمؤرخ خليل المريخي علي كتابه القيم «ذاكرة التاريخ» وميزة هذا الكتاب هو شموليته للأحداث، فهو يحوي قيمة أدبية وتاريخية براقة، ترصد بعيون الكاتب نفسه، فترة زمنية من عمر هذا الوطن، وكل مراحل البناء والنهضة التي مرت بها البحرين، كما يخبرنا هذا الكتاب، ومن أجمل الأمور الذي يميز هذا الكتاب عن غيره من الكتب أنه يحوي على قصص ومعلومات شيقة ومهمة، من القلب اشكرك يا «بوطارق» على هذا الجهد الممتع والجميل.

دعوة خليجية لتحرير أحواز إيران

يوسف البنخليل
دول مجلس التعاون الخليجي بحاجة لطريقة تعامل غير تقليدية مع طهران التي تحولت من دولة عدوة لدولة شقيقة لدولة صديقة والآن عادت لتصبح دولة عدوة من جديد بسبب تدخلاتها المستمرة في الشؤون الداخلية لدول المجلس. الطريقة التقليدية التي اعتادت عليها دول مجلس التعاون في التعامل مع إيران كانت تعتمد خلال الفترة الممتدة من العام 1979 وحتى الآن على (6) أساليب فقط: أولاً: حملات احتجاجية إعلامية وشعبية. ثانياً: إصدار بيانات الاحتجاج الرسمية. ثالثاً: استدعاء الدبلوماسيين. رابعاً: تبادل مذكرات الاحتجاج. خامساً: طرد الدبلوماسيين. سادساً: قطع العلاقات الدبلوماسية. وهذه الأساليب لم تساعد كثيراً على حماية المصالح الخليجية من التدخلات الإيرانية، ولم تمكّن في النهاية بلدان مجلس التعاون من الحصول على علاقات طبيعية مع طهران، إذ تشهد حقائق التاريخ أن العلاقات الخليجية ـ الإيرانية لم تشهد استقراراً، بل سلسلة من الأزمات المستمرة رغم تنامي وتطور المصالح المشتركة بشكل متفاوت من بلد لآخر. ونلاحظ هنا في كل أزمة بين إحدى بلدان مجلس التعاون وإيران أن التعامل مع الأزمة لا يتجاوز الأساليب الستة المذكورة أعلاه. وهي أساليب لا تؤدي في النهاية إلى معالجة الأزمة بل تؤدي إلى التخفيف من حدتها وبالتالي تراجع درجة التصعيد والتوتر لا أكثر. ليس هذا الحل والطريقة الأنسب في معالجة الأزمات الخليجية ـ الإيرانية، بل الحل الأنسب يتمثل في إيجاد طرق غير تقليدية، بمعنى لم تعتد عليها طهران وفي نفس الوقت لم تعتد عليها عواصم الخليج الأخرى. ويمكن تحقيق هذا الهدف بالتركيز على بعض القضايا المسكوت عنها في العلاقات بين الجانبين، ومن أمثلة ذلك قضية قد يكون الوقت مناسباً لإثارتها الآن. قضية عرب الأحواز من القضايا المنسية ليس خليجياً وإنما عربياً، وأعتقد أن المسؤولية الرئيسة ملقاة على عاتق عرب الخليج الذين لم يبذلوا جهوداً لتحرير منطقة الأحواز المحتلة من قبل إيران منذ العام 1925، أي طوال 87 عاماً. ولسنا بحاجة هنا إلى ذكر الروابط القائمة بين عرب الساحل الغربي وعرب الساحل الشرقي من الخليج العربي، وأهمية إعادة الدولة الكعبية القديمة التي تتشابه في معطياتها مع دول الخليج العربية بشكل كبير. تحرير الأحواز من الاحتلال الإيراني وحصوله على الاستقلال ورقة مهمة يجب عدم التفريط بها أكثر مما مضى، وحان الوقت لنرى بلدان مجلس التعاون تطالب باستقلال الأحواز، ومنحهم حق تقرير المصير من خلال منظومة الأمم المتحدة وحسب القوانين الدولية. فالتجارب الحديثة أثبتت قدرة المنظومة الدولية منح هذا الحق للعديد من الشعوب في العالم التي كانت تعيش تحت ظروف الاحتلال القاهرة وباسم التاريخ يتم السيطرة عليها واستعبادها كما هو حال الشعب العربي في الأحواز. هذه دعوة خليجية لتحرير الأحواز ودعم استقلاله كبقية الشعوب في العالم، مثل الأفارقة في جنوب السودان، أو تيمور الشرقية وغيرها التي تمت وفقاً لمعايير الأمم المتحدة.

تغريدة أفرحت الملايين.. الاتحاد الخليجي قريباً جداً

غازي الغريري
بات الاتحاد الخليجي قاب قوسين أو أدنى من أن يلتئم قبل قمة البحرين التي ستعقد في ديسمبر المقبل في اجتماع استثنائي في الرياض خلال الشهور القادمة، كانت تلك هي البشارة التي أعلن عنها مستشار جلالة الملك لشؤون الإعلام نبيل الحمر على موقعه في “توتير” حين أكد أن الاتحاد قريب بل وقريب جداً، إنها بشارة أطلقها “بوعبدالله” أفرحت أبناء الخليج بأسرهم وخصوصاً أبناء البحرين الشرفاء الذين يتمنون اليوم قبل غد الإعلان الرسمي لهذا الاتحاد وإن كنا نتمنى أن يتم الإعلان في القمة التشاورية الاتحاد بين البحرين والسعودية، ولكننا سنصبر شهوراً حتى يكتمل العقد بدول مجلس التعاون الست. ننتظر الآن أن يتم الانتهاء من البحث في الآلية المناسبة لتنفيذ الاتحاد الخليجي من أدوات وقوانين يتطلبها الاتحاد قبل أن يصدر على شكل ميثاق اتحادي يتم التوقيع عليه من قبل قادة دول مجلس التعاون، وسيكون ذلك اليوم عرساً خليجياً طالما حلمت به الشعوب سنوات طوال، لم تكن تأكيدات مستشار جلالة الملك الإعلامي أن الاتحاد قائم إلا دحضاً لكل من ادعى أن هناك تأجيلاً لهذا الاتحاد لوجود خلافات بين دول المجلس، وإن كان هناك تحفظ على بعض النقاط من قبل الكويت والإمارات، أو تحفظ كامل من قبل سلطنة عمان، فإن ذلك لا يعني إلغاء الاتحاد فهو قائم وسيتم بإذن الله وبحكمة القادة التوصل إلى نقاط مشتركة ترضي جميع دول المجلس وسيولد الاتحاد قريباً. الإعلان عن قرب الاتحاد الخليجي قبل ديسمبر المقبل كان بمثابة الضربة التي أصابت من كان يشكك ويهدد ويتوعد برفض هذا الاتحاد واعتبروه مساً في استقلالية البحرين حين تتحد مع السعودية، وهذا ما قالته جمعية الوفاق على لسان أمينها العام علي سلمان، وخوفها من الاتحاد الخليجي لأن ذلك سيقف أمام تدخلات إيران ومن يناصرها من الداخل، هؤلاء هم من لا يريدون ولادة هذا الاتحاد الذي بلاشك سيقضي على كل من يفكر التدخل في شؤون دول المجلس، وهو الاتحاد الذي سيبدد أحلام إيران في التوسع على حساب دول الخليج. أجزم أن إيران وأذنابها في دول الخليج لن تسكتوا وسيقومون بالمحاولة في التأثير لمنع الإعلان عن الاتحاد، لأن بروز هذا الاتحاد سيكون ذا قوة وشأن على المستوى الدولي وسيكون مؤثراً في القرار العالمي في الأمم المتحدة وعند الدول العظمى خصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يعني أن دول الاتحاد حينما ستتفاوض سيكون ذلك بشكل جماعي وليس فردياً وستكون أولى القضايا باعتقادي قضية احتلال الجزر الإماراتية التي مازالت إيران تحتلها، وبعدها التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للبحرين على أعلى مستويات المسؤولين في إيران وكان آخرها رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني والنائب حسين علي شهرياري حول البحرين والذي استنكرته وزارة الخارجية وسلمت القائم بأعمال السفير الإيراني مذكرة احتجاج بهذا الشأن. على دول مجلس التعاون الاتفاق بشكل أو بآخر على شكل الاتحاد الخليجي وإذابة أي اختلافات بين الدول الأعضاء والوصول إلى اتفاق يرضي الجميع ويلبي طموحات شعوب الخليج التي تتوق لإعلان اتحاد سياسي واقتصادي وعسكري ودبلوماسي يعزز مكانة دول المجلس بشكل قوي على الساحة الدولية، وأن يوقف إيران عند حدها خصوصاً حين يكون هناك جيش خليجي نظامي يلجم إيران وأذنابها ومن يناصرها ولا يجعلها تخرج بين الفينة والأخرى بالتهديد والوعيد لدول مجلس التعاون، وهذا ما ننتظره حقيقة من الاتحاد القادم.
همسة.. أتمنى أن يعلن أمين عام جمعية الوفاق علي سلمان عن الإجراءات التصعيدية التي كان ولايزال يهددنا بها في حال تم الإعلان عن الاتحاد الخليجي بين دول مجلس التعاون، خصوصاً بين البحرين والسعودية!

تأجل إعلان الاتحاد وبقي المزاج الخليجي الوحدوي

د‮. ‬ظافر العجمي
تأجل صدور بيان إعلان النوايا في شأن الاتحاد بين دول مجلس التعاون بسبب الحرص على تلافي أخطاء قد تقوض بنيانه، كما حدث لمشاريع وحدة أخرى مما استدعي ضرورة بحث “تفاصيل التفاصيل”، حيث أمر القادة باستمرار عمل اللجان ومناقشة مشروع الاتحاد الخليجي في قمة استثنائية لاحقاً. كما قال وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، حيث نتمنى حقاً أن لا نكون قد خرجنا من هياكل مجلس التعاون السابقة وترحيل البنود من قمة إلى أخرى لندخل في نفق دراسة التفاصيل وتفاصيل التفاصيل. لكن ما هو جدير بالملاحظة أن الأمير سعود الفيصل لم يكد ينتهى مع أمين مجلس التعاون الدكتور عبداللطيف الزياني من مؤتمرهما الصحافي حتى شرع مناوئو الوحدة الخليجية في شن الانتقادات وإطلاق صيحات التشفي من الخليجيين الذين لم يعلنوا الوحدة، كما كان متوقعاً، وكان من تفسيراتهم: 1- تأخر إعلان الوحدة يعود لضغوط الرفض الشعبية من داخل دول المجلس. 2- أخذ قادة المجلس مأخذ الجد الموقف الإيراني الحازم من قضية سلب البحرين سيادتها وذوبانها في الوحدة. 3- انكشاف حقيقة عدم وجود خطر يستدعي الوحدة، وأن مجلس التعاون هو الصيغة القصوى المقبولة للعمل الخليجي. لم تعلن الوحدة الخليجية لا بشكل جماعي ولا بين دولتين أو ثلاث في القمة التشاورية 14، لكنها ما زالت عالقة في هواء دول المجلس، باعتبارها المطلب الشعبي قبل أن تكون قراراً رسمياً، فالوحدة في حد ذاتها استكمال لمسيرة الإصلاح السياسي الخليجي على مستوى إقليمي، وإذا كان للربيع العربي أشكال عدة في العواصم المجاورة؛ فالوحدة الخليجية هي لون زهوره على ضفاف الخليج، كما إن تأصلها وقابلية تحقيقها ترجع إلى أن نواة الوحدة تقبع في ثنايا النظام الأساسي لمجلس التعاون، حيث تقول الفقرة الرابعة عن أهداف المجلس “تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها”. لقد تشكّل مزاج خليجي وحدوي كان من مؤشراته عفوية الموقف الخليجي الشعبي والرسمي من التدخل الإيراني في مملكة البحرين الشقيقة، كما كان من مؤشراته الغضب الخليجي بسبب زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لجزيرة أبو موسى، وقوله بإيرانيتها وبفارسية الخليج، ثم بجعلها عاصمة إدارية لما حولها ونشر قواته فيها. إن التحدي الكبير هو تفهم الشارع الخليجي لما وصل إليه قادة المجلس في القمة 14 في الرياض، وتقدير الآراء التي ترى ضرورة إيجاد آليات محكمة لتحقيق التكامل الاقتصادي والسياسي والأمني ليخدم دول الخليج الأصغر والأفقر في الموارد قبل الأكثر ثراء والأكبر حجماً، فالتكتلات الكبيرة محكمة التكوين هي القادرة على فرض مصالحها وتوجهاتها، ولنا أن نتصور كتلة اقتصادية الناتج الإجمالي لدولها يبلغ 1.4 تريليون دولار، وهو ما يوازي نصف الإنتاج القومي العربي. سيعود قادة مجلس التعاون في قمة تشاورية قريبة، كما قال الأمير سعود الفيصل، وكما نتوقع ستقر الوحدة الخليجية لعدم زوال الأسباب التي دفعت لطرحها في الأصل وهي: 1- تبدد الوهم بالأمن الاستراتيجي تحت مظلة اتفاقيات التعاون مع الغرب، حيث مزق هذا الوهم التدخل الإيراني السافر في شؤون المجلس في البحرين والكويت والإمارات، ورافق ذلك ارتباك موقف بعض دول الغرب أمام مفجرات الصراع لقصور مشين في نظرتهم وفهمهم لما جرى في البحرين. 2- الأمن الجماعي الخليجي هو صمام الأمان، والاتحاد هو الهيكل الأمثل والأسلس للتكامل العسكري، حتى لا يصبح دخول قوات درع الجزيرة لبلد خليجي تدخل أجنبي كما سوّق المعارضون للتعاون الخليجي. 3- لا زلنا نتحاشى السقوط في ثقب سود “Black Hole” تشكل بفعل الانسحاب الأمريكي العجول من العراق، وعدم الاستقرار في سوريا واليمن. 4- عدم جدوى التعامل الخليجي الفردي مع الأزمات والقضايا الدولية العابرة للحدود. 5- كهيكل استنفذ أغراضه؛ لم يعد لمجلس التعاون قِبَلٌ بمواجهة استحقاقات إقليمية معقدة تتطلب جبهة أكبر مساحة وأوضح في اشتراطات تعاقداتها مع بعضها البعض. إن للخليجيين إرثاً في إقامة أشكال من الوحدة بينهم، ولم يفشلوا مرة واحدة في إقامتها كلما أجبرتهم الظروف على ذلك، فقد نجحت وحدة تكوين المملكة العربية السعودية على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود في 23 سبتمبر 1932م، وقامت دولة الإمارات العربية المتحدة 2 ديسمبر سنة 1971م، كما قام مجلس التعاون في 25 مايو 1981م، قد يكون من المبكر استقراء أبعاد ودلالات تأجيل الاتحاد الخليجي أو موعد قيامه، لكن المؤكد أن المزاج الوحدوي الخليجي ما زالت تعبق به خطب صلاة الجمعة وتغريدات الشباب على تويتر.

في ذكرى نكبة فلسطين.. صمت وتجاهل ومعايير مزدوجة

انتصار البناء
مرت الذكرى الرابعة والستون لنكبة احتلال فلسطين وسط صمت ونسيان عربي مخيف للغاية، فهل بدأنا نتخلى عن قضايانا المصيرية؟ سيجيب الجميع أن القضية باقية في الضمير العربي، لكن الأولوية الحالية للقضايا الراهنة كقضايا الثورات وتأسيس أنظمة جديدة، وبرامج الإصلاح التي صارت هدف المواطن العربي، ومتابعة الثورة السورية التي لم يتوقع أحد أن تطول إلى هذا الحد وتنزف دماً بهذه الغزارة، وستعلو الأصوات بالانشغال بالخطر الإيراني الذي يحتل أراضي عربية ويزرع التوتر في أراض أخرى وهو المسؤول عن تفجر الحالة الطائفية في المنطقة بما يسهم في دعم مشاريع التقسيم الغربية للمنطقة!! وسيبقى السؤال قائماً هل هذه أعذار مقبولة لما يشبه حالة التجاهل لقضية احتلال فلسطين؟ متى كانت المنطقة العربية خالية من المشكلات والأحداث الكبيرة حتى يصبح الانشغال أمراً مستجداً؟! نحن لم نرسخ في محفوظات الأجيال الجديدة أن تاريخ 15/5/1948م (رشيق الإيقاع - ثقيل الوقع) كان يوماً كارثياً على العرب، عملت قبله جماعات (آيديولوجية) ممثلة في الصهيونية اليهودية على وضع اليد على دولة مكتملة بشعب وبأجهزة سياسية إدارية بدعوى المطالبة بالحق التاريخي فيها، ونحن لم نرسخ في وعي الأجيال الجديدة خطر الفكر العنصري الذي ينتصر لعرق ودين واحد باعتباره الأسمى والأفضل والأحق بالامتيازات الكونية والأجدر ألا ينتقد، ولم نربِ في عزيمتهم أن من يتنازل عن حقه مرة سيتطاول الطامعون في قضم باقي حقوقه لقمة لقمة. اليوم والوطن العربي يرزح تحت الاحتلال الإيراني للأحواز العربية والجزر الإماراتية ويتقاسم الاحتلال بالنفوذ مع الولايات المتحدة الأمريكية في العراق؛ فإن هذه ضريبة القبول باحتلال فلسطين، اليوم والوطن العربي يخشى من تفجر قضايا حقوق الأقليات وما نجم عنها من تفجر الحالة المذهبية والدينية في معظم دوله؛ فإن هذا ضريبة القبول بالتعايش مع ورم عنصري للأقلية الصهيونية في القلب العربي، فلا تستعجبوا من تفشي الورم في باقي جسدكم، اليوم ونحن لم نفق من ذهولنا بتقسيم السودان ونعيش صدمة مطالبات البعض بتقسيم اليمن والعراق وليبيا ونرقب على فزع مشاريع مازالت في طي ملفات الغرب حول تقسيم السعودية ومصر، فعلينا ألا ننسى.. لقد قبلنا بقرار التقسيم الأول عام 1948م الذي تمدد عام 1967م. اليوم والجميع يتعلل بالقضايا الداخلية والإصلاح والفساد والأنظمة التي سقطت، فلنتذكر دور بعض الأنظمة في دعم الكيان الصهيوني في الإطباق على حصار غزة ومحاربة حماس باسم الإرهاب ووقف إيصال المعونات للشعب الفلسطيني الجائع الجريح المريض، والدخول في أشكال مختلفة للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وعقد صفقات مشبوهة لتصدير اليهود إلى فلسطين عبر عمليات سميت أحياناً ببساط الريح، والالتفاف على سلاح مقاطعة البضائع الإسرائيلية، كل هذا انصياعاً للتوجيهات الأمريكية وتنفيذاً لها دون المساومة على مقابل يخدم مصالح الشعوب العربية. حين نقرأ مأساة النكبة بالمنهجية السابقة، فإننا ندرك لا محالة أن مشكلات الوطن العربي هي مشكلات بنيوية تتطور وتتوسع في شكل حلزوني وأن منشأ معظم هذه المشكلات -إن لم يكن كلها- هو القبول بقيام دولة الكيان الصهيوني وتجاهل حق شعب في العودة إلى أراضيه ومنازله وحقوله التي اغتصبت بأسهل مما يشرب كوب الماء البارد، ليست هذه مبالغة على الإطلاق، فقد قلت لكم في البداية إن الأجيال العربية المتتالية لم تتعلم أن من يتنازل عن حقه مرة سيتطاول الطامعون في قضم باقي حقوقة لقمة لقمة.
تحية لإضراب الأسرى الفلسطينيين من نافلة القول كي نفهم مشكلاتنا البنيوية وسلسلة التنازلات التي تورطنا بها دون أن نعي؛ أن من المستهجن أن ينشغل العالم كله، بل من المؤلم أن تنجرف الجميعات الحقوقية العربية بالانشغال بإضراب عبدالهادي الخواجة عن الطعام وتصبح القضية الحقوقية الأولى في الوطن العربي عند البعض!! عبدالهادي الخواجة يواجهة تهمة أمنية كبرى تتعلق بالأمن القومي لمملكة البحرين، وقُدم لسلسلة محاكمات عادلة، بل وتبديل ملف قضيته من محكمة إلى أخرى، ويحظى بسجن يتجاوز في جودته المعايير الدولية، وله الحق في لقاء أسرته أسبوعياً، وله الحق في الجلوس مع جيش من محاميه، وهو اليوم يخوض معركة الإضراب لإطلاق سراحه، وحين تدهورت صحته -كما يقال- أدخل جناحاً خاصاً في المستشفى (فيه تلفزيون) ويقرأ الجريدة المفضلة له يومياً، وسُمح لبعض السفراء وأعضاء الجمعيات الحقوقية الدولية بلقائه للاطمئنان على صحته، ناهيك عن السماح لأسرته، بالطبع، في لقائه!! تخيلوا أن ما يزيد على 2500 أسير فلسطيني يخوضون نضالاً بالإضراب عن الطعام للمطالبة بوقف السجن الانعزالي في حقهم، ولتمكينهم من لقاء أهاليهم، ولوقف الاعتقال العشوائي، ولمطالبة الكيان الصهيوني ببدء تحقيق إداري في أسباب اعتقال المئات منهم، والسماح للأسرى الجامعيين بدخول امتحاناتهم، والسماح للأسرى بمشاهدة القنوات الفضائية التي منعوا من مشاهدتها، وللسماح لهم بزيادة استلام مبالغ نقدية من أهاليهم، وكان الرد الإسرائيلي بقمع الأسرى الفلسطينيين وبعزل قياداتهم أولاً ثم التوسع في عزل باقي الأسرى لإرغامهم على فك الإضراب، وكان الرد الغربي والعربي صمتاً وتجاهلاً إلا ما ندر!! فشتان بين إضراب الخواجة -المتهم الذي يحظى بمحاكم عادلة- وأسباب إضرابه ومطالبه، وبين إضراب الأسرى الفلسطينين -المعتقلين عشوائياً دون إجراءات إدارية صحيحة ودون محاكمات والقابعون في سجون معزولة- وأسباب إضرابهم ومطالبهم!! وتبدو المفارقات مضحكة، حد الغثيان، حين يتبجح البعض من الحقوقيين البحرينيين والعرب أن السجان الإسرائيلي أرحم من السجان البحريني؛ فالأول استجاب لبعض مطالب الأسرى وأفرج عن بعضهم، بينما السجان البحريني يتعنت في الإفراج عن عبدالهادي الخواجة، فما لهولاء الحقوقيين!! كيف يحكمون؟! عجبي!!!

تدخلات سافرة

حامد عزت الصياد
البحرين ليست ملكا لأحد..
لا يظن «علي لاريجاني» والـ ١٩٠ عضوا في البرلمان الإيراني الموقعين على بيان إدانة ضم البحرين إلى منظومة الاتحاد الخليجي أن تصريحاتهم تثير الفزع..
حين يستنكر شعب البحرين الظلم الذي لحق به من هذه التصريحات المستفزة لخامنئي، ونجاد، وخطباء جمعة طهران، وملالي إيران، ومسئولين، وصحفيين، وباحثين، وأساتذة جامعات، والموالين لهم في المنطقة الخضراء، والضاحية الجنوبية، ونظام دمشق، وتدخلهم السافر بتحريض خلاياهم النائمة في البحرين، بإشعال الحرائق، وقطع الطرقات، والاعتداء على رجال الشرطة، وقطع الأرزاق، يدرك زيف ما تطالب به هذه الخلايا النائمة من مزاعم الحكومة المنتخبة ديموقراطيا، والمملكة الدستورية، وجمهورية الطوائف..
شعب البحرين لا ينكر انتماءه العربي، ويرفض أن يكون قميصا تأكله نيران فارس، ولا يريد أن تكون حياته إلا لأرض العرب التي يتحرك عليها، ويدعو للوحدة والاتحاد والقوة ، حيث تعزز كيانه بجيش حديث قوامه مبدئيا ٣٥٠ ألف جندي وضابط.
لكن إذا كانت دول الخليج قاصرة فيما مضى عن تغيير حالة التعاون إلى اتحاد، فإنها في ظل هرج ومرج الإيرانيين هذه الأيام، ليست قاصرة عن إيجاد حالة من الانسجام فيما بينها في فهم وتفسير تحالفاتها الإقليمية، والتحولات في ميزان القوى الدولية، وتنويع خياراتها الأمنية، والتحرك العاجل لقيام هذا الاتحاد.
موضوعات متعددة يجمعها شوق الانتظار في المصير الواحد، منذ أن أطلق خادم الحرمين الشريفين حفظه الله في ديسمبر الماضي دعوته الكريمة لأعضاء دول المجلس في الرياض، للانتقال إلى حالة الاتحاد، إضافة إلى ما يمكن أن يكون طارئا لشعوب دول الخليج في الإيضاح الذي يفسر حجم الإخطار حيث باتت تهددهم إذا ما تم تأجيل الإعلان عن الاتحاد مرة أخرى.
من الواجب علينا أن نلتقي الأشقاء في مساحة خليجية واحدة، لأن البحرين بنسيجها المتماسك، تشير بوضوح، إلى أنها دولة عربية إسلامية مستقلة ذات سيادة، وعضو دائم في الأمم المتحدة، والعديد من المنظمات الدولية، «وليست لقمة سائغة يمكن ابتلاعها».
هذه الجملة المبطنة ضمنا بين مزدوجين، تشير بوضوح إلى تهديد «لاريجاني» للبحرين ، ومن ثم يحق للبحرين أو احد مواطنيها أو أي دولة من دول الخليج العربي ولاسيما دولتا الإمارات والكويت، مقاضاة إيران في محكمتي العدل والجنائية الدولية، لتعديها السافر بالقول والتحريض والتهديد باستعمال القوة بما يعد انتهاكا لقواعد القانون الدولي..
قرار الإحالة إلى المحكمتين يستند إلى أساس قرار الجمعية العامة رقم ٢٦٢٥ لسنة ١٩٧٠ بشأن حق تقرير المصير، وقد أفصح هذا القرار عن ٥ قواعد جاءت بالتفصيل على النحو الآتي:
(١) امتناع كل دولة عن تهديد أي دولة باستعمال القوة.
(٢) امتناع أي دولة عن استخدام هذه القوة لانتهاك الحدود الدولية القائمة لدولة أخرى.
(٣) امتناع الدول عن استغلال هذه القوة كوسيلة لفض النزاعات الدولية بما في ذلك النزاعات الإقليمية والمشكلات المتعلقة بحدود الدول.
(٤) ضرورة ألا تخضع أراضي أي دولة للاحتلال العسكري الناجم عن استخدام القوة الذي يخل بأحكام الأمم المتحدة.
(٥) عدم ضم أراضي أي دولة من قبل دولة أخرى، أو الاعتراف بشرعية هذا الضم، سواء عن طريق التهديد باستعمال القوة، أو استخدامها فعليا.

البترول ولعبة المضيق

محمد المرباطي
أهمية البترول في السياسة الدولية: عند قراءة بعض الوثائق وتصريحات القادة العسكريين والسياسيين الغربيين حول أهمية البترول لبناء حضارة غربية واعدة، ندرك حقيقة ان البترول يعادل الدم في شريان الحضارة الإنسانية المعاصرة، بعد ان اصبح البترول عنصراً هاماً في جميع مجالات الحياة الاقتصادية والعسكرية، وقد تعزز ذلك مع الحرب العالمية الأولى عندما دخل البترول عنصرا حاسماً في السياسة الدولية، وفي هذا الصدد يقول رئيس وزراء فرنسا خلال الحرب العالمية الأولى إن البترول ضروري لفرنسا وللعالم كالدم، ونجد رئيس الولايات المتحدة الأمريكية (كالفن كوليدج: جمهوري: 1923 - 1929) يقول في عام 1924: (إن الغلبة بين الشعوب ستكون بمقدار ما تملك من البترول ومنتجاته)، لذا اخذت الدول الغربية بعد الحرب العالمية الأولى تتجه نحو السيطرة التامة على منابع البترول وتقسيم مناطق النفوذ، وفي هذا الخصوص كتبت صحيفة البترول والغاز: (إن اجتماعات موسكو والقاهرة وطهران التي هدفت لتنظيم – تقسيم - العالم بعد الحرب العالمية قد دار الحديث فيها عن مستقبل البترول وتوزيعه، ويعتقد السياسيون أن البترول هو الأساس الذي يرتكز عليه السلم الحقيقي، وذكرت ما قاله اللورد جورج كرزون نائب ملك إنجلترا وحاكم عام الهند: (إن الحلفاء كسبوا الحرب بالدم والبترول، ووصلوا إلى النصر عبر بحر من البترول). إن ما قاله الجنرال (إريك فريدريك ويلهلم لودندورف) نائب رئيس هيئة اركان الحرب للجيش الالماني وصانع النصر في معركة (لياج) لغزو بلجيكا كأول عملية عسكرية في الحرب العالمية الأولى بأن: (افتقار ألمانيا للبترول كان له أكبر الأثر في هزيمة الجيش، ومطالبة ألمانيا بالصلح). إن دول الخليج وشعوبها لا تدرك اهمية هذه المادة الحيوية والاستراتيجية بالنسبة لدول العالم، ولاتزال تتجاهل هذه الأهمية الحضارية للبترول الذي يقف عليه مستقبل الحضارة الإنسانية، فالبترول مادة استراتيجية لجميع الدول الصناعية والنامية، الدول المستهلكة والمنتجة، فمن اجلها استعمر خليج البترول والعراق ودول نفطية في شتى بقاع الأرض، واستغلت شعوبها واضطهدت، كما شكلت انظمة وحكومات عميلة ترعى مصالحها الاستعمارية ونهب ثروات تلك الشعوب المقهورة. كان للبترول الأثر الحاسم في قيام النظام الإمبريالي العالمي، كما اصبح العامل الرئيسي في إثراء دول وافراد وجماعات، وبفضل البترول ازدهرت الصناعات، وقامت شركات ضخمة تجاوزت حدودها الجغرافية واخضعت حكومات لسيطرتها، فالبترول مادة كالدماء في شرايين الحضارة، وفي هذا الصدد يقول الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت (1933 - 1945) (إن المشكلة في الولايات المتحدة الأمريكية أنه لا يمكنك خوض الانتخابات الرئاسية بدون الشركات النفطية ولا يمكنك أن تحكم معهم)، هذه الإشارة كانت تبين مستقبل السياسة النفطية الأمريكية في مواجهة السيطرة الاستعمارية البريطانية على معظم مناطق العالم إضافة للاستعمار الفرنسي، وكانت بريطانيا بحكم سيطرتها على العالم اعتبرت الثروات البترولية جزءا من ممتلكاتها الخاصة وحقا لها وحدها، إضافة الى ان الإنجليز كانوا ينظرون لشعوب مستعمراتهم على أنها شعوب متخلفة وغير قادرة على استغلال مثل هذه الثروات المخزونة عبر ملايين السنين في باطن اراضيها، وبالأخص شعوب منطقة الخليج العربي، ولكنها فشلت امام القوة الأمريكية في احتكار الامتيازات البترولية لشركاتها بالكامل، عندما دخلت الولايات المتحدة الأمريكية وشركاتها طرفاً مباشرا في الامتيازات البترولية، وكانت تجد في البترول جزءا استراتيجياً من أمنها الوطني، حيث أكدت لجنة دعم الأمن الوطني الأمريكي عام 1924 أهمية النفط كسلعة استراتيجية، خاصة بعد تناقص إنتاج الآبار الأمريكية بسبب الاستنزاف الكبير، لهذا أعلنت أمريكا عام 1924 سياسة الباب المفتوح، لضمان حصول الشركات النفطية الأمريكية على حقوق الامتياز في مختلف دول العالم، خاصة مناطق الشرق الأوسط والخليج العربي بدعم من الحكومة الأمريكية، لذا كانت عقود امتياز التنقيب واستغلال البترول من تنقيب وتسويق وتكرير في إمارات الخليج العربي بما فيها البحرين لشركات أمريكية بريطانية فرنسية، وهي سبع شركات نفطية كبرى عرفت (بالأخوات السبع - الكارتل Cartel) والتي احتكرت صناعة النفط بمختلف مراحلها لعقود طويلة، وهي: 1. ستاندرد أويل أوف نيوجيرسي. 2. رويال دوتش شل. 3. تكساكو. 4. ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا. 5. سكوني موبيل أويل. 6. جلف أويل. 7. بريتيش بتروليوم. هذه الشركات التي حصلت على عقود الامتياز وتقاسمت الثروة النفطية بناء على اتفاقيات كانت تتم بينها، لقاء بعض المساعدات المالية لحكام المنطقة، وهي من الأسباب التي اعطت الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الخليج العربي الذي وصف بقلب العالم، ووصف مضيق هرمز بالشريان الذي يغذي العالم بأسباب الحضارة واستمرارها، فالمضيق يشكل المعبر البحري الوحيد لحوالي 47% من البترول لدول العالم يوميا، كما يعبر المضيق حوالي (30 - 35) ناقلة بترول تصل حمولتها ما يقارب 25 مليون برميل من النفط، وتكمن أهميته الاستراتيجية والمصيرية لدول الخليج ومعظم دول العالم عندما نعلم ان 100% من النفط الكويتي، و99% من النفط الإماراتي، و100% من البترول القطري إضافة 30% من الإنتاج العالمي لصادراتها من الغاز، و98% من النفط الإيراني والعراقي، و92% من النفط السعودي يمر عبر مضيق هرمز، وتعتمد اليابان على المضيق في تزويدها 85% من احتياجاتها النفطية، كذلك تعتمد كل من كوريا الجنوبية والهند والصين على المضيق في وصول حوالي 70% من حاجاتها النفطية، هذا إضافة لدول اوروبا والولايات المتحدة التي تتحكم شركاتها في هذه الثروة البترولية، لذا نجد الاهتمام الأمريكي والأوربي والياباني بهذه المنطقة النفطية الهامة، فالولايات المتحدة تعتبر منطقة الخليج العربي جزءا من أمنها القومي.
الأهمية الاستراتيجية للقناة الملاحية لمضيق هرمز: حوض الخليج العربي أقرب للبحيرة ذات المنفذ الضيق عند ضفتي الخليج، وتأتي اهميته الاستراتيجية لمعظم الدول المطلة على الخليج كونه المنفذ الوحيد لصادراتها ووارداتها البترولية وغير البترولية، ويبلغ عرض مضيق هرمز حوالي (55) كم، وعند أضيق نقطة يبلغ عرضها نحو (34) كلم، في حين يبلغ عرض القناة الملاحية في مضيق هرمز نحو 6 أميال (9.6 كم). ويحدد مسار (القناة الملاحية) بناء على اعتبارات فنية تمثل عادة المجرى الأعمق والأنسب للملاحة ضمن مياه المضيق، وهذه القنوات تتوزع ضمن ثلاث اقنية ملاحية حسب التوزيع المروري البحري الذي يسمى دولياً نظام العزل المروري، حيث تم تقسيم الأميال الستة على ممرات ثلاثة عرض كل قناة ميلان مخصصة للدخول والخروج من الخليج، وقناة ثالثة تتوسط المسارين، وهي بالكامل جزء من المياه الأقليمية العمانية، وليس لجميع هذه الدول المطلة على المضيق بما فيها ايران الحق في التحكم بهذه القنوات الثلاث، رغم ان الحكومة العمانية تقوم بمسؤولية مراقبة حركة العبور بمضيق هرمز من خلال مواقع رادارية وعسكرية في شبه جزيرة مسندم، او (رأس مسندم) وبالتالي فإن اي تصريح بإغلاق مضيق هرمز يشكل تهديدا مباشرا لأمن وسيادة سلطنة عمان الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية، ولكن عمان ونظراً لتجربتها الطويلة مع مثل هذه التهديدات منذ زمن شاه إيران الذي دخل مع سلطنة عمان في حرب ضد ثوار ظفار خوفاً من سيطرتهم على بعض المواقع المطلة على المضيق، نجد المسؤولين في سلطنة عمان اقل الجهات اهتماماً بالتصريحات الإيرانية لأنها تدرك ان إغلاق مضيق هرمز امر مستحيل ولا يمكن وقوعه، وعلى هذا تعتبر تلك التصريحات والتهديدات مجرد بالونات تعطي نوعا من القوة والعظمة الداخلية لإيران، وتثير خوف بعض الدول المستهلكة للبترول، هذا إلى جانب ان مضيق هرمز يعتبر ممراً مائياً دولياً وفق قانون البحار الدولي لعام 1982، وعليه لا تملك جميع الدول المطلة على مضيق هرمز حقوق السيادة او اي حق بإغلاقه او التهديد بذلك على اعتبار ذلك خرقاً للقانون الدولي ولحرية الملاحة، كون المضيق ملكا للمجتمع الدولي، وحمايته مسؤولية دولية، كونها تهدد الأمن الدولي واستقراره ويقع تحت طائلة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يؤكد في نص المادة (39) من الفصل السابع على مسؤولية مجلس الأمن الدولي في معالجة اي تهديد او خرق للاستقرار او السلم العالمي، وبناء على احكام المادتين (41 – 42) يقرر اتخاذ جميع التدابير لحفظ السلم العالمي، وعلى احكام المادة (41) التي تنص بأن: «على مجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، وله أن يطلب من أعضاء الأمم المتحدة تطبيق هذه التدابير، ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفا جزئيا أو كليا وقطع العلاقات الدبلوماسية»، كما تنص احكام المادة (42) بأن مجلس الأمن الدولي: «إذا رأى أن التدابير المنصوص عليها في المادة 41 لا تفي بالغرض أو ثبت أنها لم تف به، جاز له أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه، ويجوز أن تتناول هذه الأعمال المظاهرات والحصار والعمليات الأخرى بطريق القوات الجوية أو البحرية أو البرية التابعة لأعضاء الأمم المتحدة». فأي احمق بمقدوره تصديق ان هناك قوة على الأرض بإمكانها تهديد الملاحة الدولية عبر مضيق هرمز. التهديد بإغلاق مضيق هرمز يخدم الدول والشركات النفطية: التهديد بإغلاق مضيق هرمز تحول لبضاعة رائجة، فكلما ارتفعت التهديدات بالحرب او إغلاق المضيق، ارتفع معها اسعار البترول، فمعدلات الارتفاع خلال عام 2011 وصلت لحوالي 19%، كما ارتفعت من 106 الى 110 دولارات في اليوم الأول من العام 2012، وتوقع المصرف الإمبريالي الكندي للتجارة صعود سعر برميل النفط إلى 225 دولاراً خلال عام 2012، بفعل قاعدة العرض والطلب والمخاوف المتزايدة حول الإمدادات نتيجة للتهديدات الإيرانية بإقفال المضيق، هذا إلى جانب ارتفاع معدلات الطلب على النفط من البلدان الصناعية، كما تستقبل شركات الشحن والتأمين وبعض الدولة النفطية التهديدات الإيرانية بإغلاق المضيق بارتياح كبير، فهي سبب مباشر في ارتفاع أسعار الشحن التي قفزت من 30 ألف دولار في اليوم خلال عام 2010، إلى 150 ألف دولار في نهاية عام2011، وتشير البيانات الى ان الطلب على البترول خلال العقدين القادمين سيبقى قوياً نتيجة لارتفاع معدلات النمو في عدد من البلدان الآسيوية التي تخطت مؤشرات نموها الاقتصادي 6% مع مطلع عام 2012، إضافة للنمو الهائل الذي تشهده الهند والصين كأكبر مستهلك عالمي للنفط منذ العام 2010، حيث يصل حجم استهلاكها حسب بيانات وكالة الطاقة الدولية نحو (2.252 مليار طن) سنوياً. اذا افترضنا جدلاً ان بمقدور إيران تنفيذ تهديداتها بإغلاق المضيق وهو بعيد الاحتمال او شبه مستحيل، وفي هذا سوف نأخذ بسيناريو الإعلام الإيراني في نطاق الاحتمالات، عندها سنجد ان المتضرر والخاسر الأكبر هي إيران وهو بمثابة الانتحار لأسباب ان 98% من جميع الصادرات والواردات الإيرانية تمر عبر مضيق هرمز، ولهذا نجدها منذ ثمانينيات القرن الماضي وهي تطلق تهديداتها الإعلامية بإغلاق المضيق دون تنفيذ او محاولة الإيحاء بالتنفيذ، اما البلدان العربية المطلة على الخليج باستثناء العراق فقد اوجدت طرقا وممرات بديلة لصادراتها النفطية في حال إقفال المضيق، فقد استكملت السعودية خطوط أنابيب النفط الممتدة من سواحل الخليج (شرقي المملكة) إلى ميناء ينبع على البحر الأحمر (غربي المملكة) وتستوعب نقل 4.5 مليون برميل يومياً، إضافة للشبكات الأخرى غير المستخدمة منها شبكتان عبر الأراضي العمانية واليمنية الى المحيط الهندي، وبحر العرب وشبكة أخرى تربط ساحل السعودية الغربي بمرفأ طرابلس في لبنان على البحر الأبيض المتوسط، هذا اضافة لخطوط النقل البديلة التي قامت الإمارات العربية بمدها عبر إمارة الفجيرة منذ عام 2008، ونجحت بضخ تجريبي يمكنها نقل 1.5 مليون برميل يومياً من أكبر حقول أبوظبي النفطية إلى ساحل الفجيرة على المحيط الهندي، وتعمل ابوظبي على إنشاء خزان استراتيجي للنفط، وتبقى العراق التي يمكنها تصدير بترولها من حقول الشمال الى اوروبا عبر تركيا، علماً ان حقول النفط في شمال العراق تخضع لسيادة اقليم كردستان، ولا يمكن للحكومة العراقية المركزية التصرف او التحكم بها إلا من خلال التفاهم مع حكومة اقليم كردستان. إيران تبقى الدولة الوحيدة التي ستتحمل اعباء مدمرة لاقتصادها واستقرارها السياسي والاجتماعي في حال تم تنفيذ اي من تهديداتها بإغلاق المضيق، وهي بمثابة معاقبة ذاتها اي معاقبة إيران قبل غيرها، خاصة إذا وقفت صادراتها إلى الصين كأكبر مستورد للنفط الإيراني، وهذه الخطوة ستكلف إيران خسائر تقدر بنحو 100 مليار دولار من عائداتها النفطية الذي يعتمد عليه الاقتصاد الإيراني في خطط التنمية، وبالمقابل التصريحات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز تشكل تهديدا لمصالح الصين، وبهذا سوف تخسر إيران حليفا وشريكاً أساسياً، وسيكون سبباً لتعطيل اسطولها التجاري، كون المضيق المنفذ البحري الوحيد لصادراتها من الحبوب والمنتجات الغذائية المختلفة ومواد البناء وغيرها ويشكل ذلك ضراراً فادحاً للشعب الإيراني نتيجة للعبة البترول والمضيق.

سوريا .. انطلاقة الثورة قبل 440 يوما

د.عمران الكبيسي
440 يوما عمر الثورة السورية، أكد للقاصي والداني أنها ثورة شعبية  تعم سوريا من أقصاها إلى أقصاها، تظاهرات حاشدة لم يعد يتسنى لأحد وصفها بالعصابات والاحتجاجات المحدودة، وسقوط آلاف الشهداء والجرحى لا يحتمل عددهم التفسير إلا بتضحيات شعب ثائر يقدم قرابين الحرية، وموجات المعتقلين والمحتجزين والمهجرين لا تتيح لكائن من كان الدفاع عن الحكومة ونفي الاستبداد والتجبر، واستخدام الأمن والجيش لسلاح الميدان دبابات ومدفعية وقاذفات استخداما مفرطا لا يدع مجالا للشك إنها حكومة معزولة مجرمة تشن على شعبها حرب إبادة شاملة، وترتكب جرائم فضيعة بحق الإنسانية تفوق ما يرتكب في الحروب التقليدية بين الجيوش، ولا حيز لحسن الظن بالسلطة الحاكمة والدفاع عنها، لا لعالم دين من أي طائفة، ولا لسياسي أو مثقف حر وشريف، ولا حتى التزام الصمت، ومن يدافع عن الأسد وزمرته تحت أي مبرر لا يعدو كونه خائنا لشعبه، ومنافقا منتفعا، ومجرما موتورا، ومريضا بالشذوذ والجنون، ولا ضرورة للمناقشة، فالحلال بيّن والحرام بيّن وليس بينهما مشتبهات تدرأ الحدود.
فمتى بدأت الثورة وكيف؟ لمن فاته المشهد، بدأت الدعوة للتظاهر على الفيس بوك 20/2/2011 وحددت التاريخ يوم 15مارس، ولكن درعا استبقت الموعد، وسجلت شرف السبق. وهناك من يجعل الثورة تواصلا مع الانتفاضة الثورية على الأسد الأب 1980، وبعضهم يربطها بانتفاضة عام 2004، أو بيوم حرق بوعزيزي لنفسه بتونس فالشرارة بدأت هناك، لكن الإجماع قائم على الثلاثاء15/3/2011، حيث هتفت مجموعات في زوايا متفرقة بسوق الحميدية بدمشق هتافات مناوئة للحكومة، وفي الوقت ذاته اندلعت الاشتباكات بدرعا وهناك من يراها 18مارس يوم اشتداد زخم التظاهر بدرعا وريفها، وتجمع مائة متظاهر قرب الجامع الأموي وسوق الحميدية ولكن الشرطة فرقتهم، وآخرون يعدون 23 مارس امتداد التظاهر إلى حمص وحما ومناطق أخرى، وسقوط مئات الشهداء والجرحى هو المنطلق.
أما كيف بدأت؟ انطلقت الشرارة من دعوات الفيس بوك، تيمما بثورة الياسمين بتونس وثورة الربيع بمصر، فظهرت في أواخر فبراير وأول مارس 2011 كتابات كلمة (حرية) على جدران المدارس بدرعا  وصار الأطفال يتنادون بها ويتغامزون جهارا، ثم كتبوا “الشعب يريد إسقاط النظام” فثارت ثائرة النظام وكان الأسد نفى أن تكون سوريا مرشحة لثورة كمصر وتونس. وبدأ جهاز الأمن السياسي يبحث عن 16 تلميذا لاعتقالهم، من أسرتي الجوابرة وبايزيد، فقابل مختارهم عميد الأمن عاطف نجيب قريب الأسد، ليخبره بأن المطلوبين أطفال قصّر، فطلب العميد إحضارهم لمجرد السؤال وإطلاق سراحهم، فأحضروا ولكنه لم يف بوعده واعتقلهم، فاسقط بيد المختار الذي تعهد لذوي الأطفال بإعادتهم بعد استجوابهم، فما كان منه إلا أن وضع عقاله على الطاولة نخوة واستنجادا على الطريقة العربية، لكن العميد أمر الشرطي برمي العقال بالزبالة، وغاب وما عاد يأبه بأحد.
تجمع الأهالي أمام الأمن السياسي، وعرفوا أن العميد والمحافظ بصدد تناول الغداء بأحد المطاعم فسبقوهما وفيهم مغتربون ملتحون وفدوا من الخليج بعطلة منتصف العام وحضروا للبحث عن ابنائهم، وقابلوا العميد عند المدخل فنفر وقال: “انسوهم وسافروا ومن يريد ابن يأتي بزوجته نعمل له بدلا عنه” فاهتاجوا وأرادوا الاعتداء عليه فغادر المكان، وانتظروا المحافظ فكان جوابه اشد وقعا: “من يقول هؤلاء ابناكم”؟ تناثر الخبر فأحرق متجمعون في ساحة المحاكم قاعتين في 15/3 قبل أن يفرقهم الأمن بالعنف، وبدأت الاعتقالات واتسع التوتر وعم الوجوم، وفي صلاة الجمعة 18/3 أثناء دعاء الخطيب لبشار الأسد هتف شاب “الموت ولا المذلة يا درعا” وتظاهر الناس بعد الصلاة واقتلعت الألوف تماثيل الأسد الأب والابن ومزقوا صورهم ورموها بالأحذية، وحرقوا مقرات الحزب، وسقط عشرات القتلى والجرحى.
وعلى الرغم من تفاوض الأهالي مع وفد حكومي برئاسة رستم غزالة والإقرار بضرورة محاسبة المقصرين وإطلاق سراح الأطفال لم تف الحكومة بوعودها وتنازلاتها فتفاقم الأمر وشمل الاحتجاج حوران واللاذقية واقتحم الأمن السياسي المسجد العمري بدرعا 23/3 وقتل وجرح عشرات المصلين وعرضت الشاشات أسلحة زعمت لعصابات السلفيين وجدت بالمسجد، وفي جمعة الكرامة تظاهر الناس واشتد العنف والضحايا فاستبدل المحافظ، وأقيلت الحكومة وامتدت الثورة إلى دوما وبانياس وتلبيسة وحمص وحماة وإدلب والقامشلي ودير الزور ودمشق وريفها كالحميدية والمرجة والمزة والقابون والكسوة وداريا والتل ودوما والزبداني، وريف حلب ولشدة القمع والتنكيل الأمني استمر التظاهر وتساقط الضحايا برصاص الأمن والجيش، حتى فقدت الجماهير الأمل بالإصلاح والاستجابة، ونادت بسقوط النظام ورحيل الأسد، ووصل الحال إلى ما عليه الحال اليوم من قتل وإعدامات وتدمير وتفجير وتهجير لم تشهده البشرية في التاريخ المعاصر، وقيام رئيس يتباهى ويتشدق بالإصلاح والحرية والديمقراطية ويحرق ويذبح شعبه كما يفعل الأسد.

حمدين صباحي يريد صداقة إيران

أحمد عثمان
يعلن حمدين صباحي المرشح للرئاسة المصرية بصراحة تأييده للنظام الناصري، حيث يعتبر ثورة يناير مجرد حركة تصحيحية ضد السادات ومبارك، ويطالب بالعودة إلى نظام جمال عبد الناصر، ويبدو أن بعض الشباب الذين لم يعاصروا انقلاب يوليو لا يزالون يؤمنون بجمال عبد الناصر ويرون فيه الرئيس القوي الذي هزم إسرائيل وتحدى أميركا.
وفي محافظة أسيوط، مسقط رأس عبد الناصر، وبحضور ابنه عبد الحكيم والقيادات الناصرية، أعلن حمدين صباحي عن برنامجه الانتخابي لرئاسة الجمهورية، وبينما تحاشى الحديث عن الدول العربية التي طالما ساعدت بلاده ووقفت بجانبها في جميع الأزمات، فقد وعد خليفة عبد الناصر بإقامة «علاقات قوية» مع إيران التي صارت تهدد باحتلال دول الخليج.
ولم يخف حمدين صباحي تحمسه للانقلاب الناصري في يوليو 1952، ولا هو حاول أن يتجمل، بل قالها صراحة إنه «سيكون جسرا بين ثورة يوليو وثورة 25 يناير»، كما وصف «تجربة الجمهورية الأولى بقيادة عبد الناصر» بأنها كانت تجربة عظيمة شامخة يجب «الأخذ بمميزاتها الكثيرة»، وأضاف عبد الحكيم (نجل جمال عبد الناصر) على إعلان صباحي دعوة شعب أسيوط للتصويت له رئيسا لمصر، قائلا: «من يعطي صوته لحمدين يعطيه لبيت جمال عبد الناصر»، وهتف الناصريون في حماس «جمال... جمال... جمال ما ماتش... والثورة (يقصدون انقلاب يوليو) لسة لسة ما انتهتش».
وفي لقاء له مع لميس الحديدي في برنامج «مصر تنتخب»، قال حمدين صباحي إن «القائد المصري الوحيد هو ناصر في التاريخ الحديث». فحمدين صباحي يؤمن بالمشروع الناصري منذ شبابه، حيث قرر مواصلة مشروع عبد الناصر بعد وفاته في 1970 عن طريق تأسيس رابطة الطلاب الناصريين، وعندما تمكن أنور السادات من تحرير أرض مصر في حرب أكتوبر (تشرين الأول)، وألغى القوانين الاشتراكية الناصرية وسمح بتعدد الأحزاب، اعتبر صباحي أن السادات خان انقلاب يوليو، ووقف أمامه يعارض اتفاق السلام الذي أعاد لمصر كامل أراضيها المحتلة بعد مغامرة عبد الناصر في يونيو (حزيران) 1967. وهكذا بعد ستين عاما من الحكم الشمولي الذي فرضه جمال عبد الناصر على مصر، يطالب بعض الشباب بإعادة الكرة واستنساخ ناصر جديد يقضي على أي فرصة للحلم الديمقراطي الذي عاشه الشعب في الفترة الأخيرة.
فقبل انقلاب يوليو شهدت مصر مرحلة مزدهرة من الحياة البرلمانية والرخاء الاقتصادي، رغم أن دستور 23 أعطى الملك حق حل مجلس الوزراء والبرلمان، ورغم وجود الاحتلال البريطاني في تلك الفترة، لكن الوضع تغير بعد قيام انقلاب يوليو 1952، حيث اتجه النظام الجديد إلى توطيد أركانه عن طريق القضاء على المعارضة، وفي 16 يناير 1953 صدر قانون حل الأحزاب السياسية، واتجه النظام إلى التنظيم السياسي الواحد.
ورغم السماح بالتعددية الحزبية منذ 1977، فإن التنظيم الذي شكله الرئيس السادات باسم الحزب الوطني الديمقراطي ظل رقيبا على من يسمح له بتشكيل الأحزاب، كما اعتبر نفسه الحزب الوحيد الذي يحق له حكم البلاد، رافضا فكرة انتقال السلطة التي يقوم عليها النظام الديمقراطي.
وعند مجيء عبد الناصر في 1952 كان قطاع غزة الفلسطيني يخضع للسلطات المصرية، بينما خضعت القدس والضفة الغربية للأردن، ولم تسيطر إسرائيل الا على رقعة صغيرة من الأرض الفلسطينية، لكن الوضع تغير بعد مغامرات عبد الناصر، حيث سقطت غزة الفلسطينية وسيناء المصرية ومدينة القدس والضفة الغربية كلها في يد إسرائيل، وعند مجيء عبد الناصر في 1952 كانت الدول العربية كلها تحب مصر وتعتبرها مثالا لتطلعاتهم في التقدم والاستنارة، ثم تغير الوضع بعد أن حاول عبد الناصر إسقاط الحكومات العربية في الأردن والخليج من أجل فرض وحدة عربية اشتراكية من الخليج إلى المحيط، تحت قيادته.
فهل تريد مصر الآن، بعد سقوط نظام الحزب الواحد الذي أقامه ناصر، وبينما يحاول شعبها إعادة بناء اقتصاده الذي أخضعه ناصر لمغامراته الحربية وبناء مجتمع الحرية والرفاهية، أن يعيدها حمدين إلى القفص الناصري من جديد!

الأخطاء الثلاثة لإيران في سوريا والعراق والبحرين

أمير طاهري
لا يزال نظام الخميني يتشبث بثلاثة آمال بائسة، خوفا من العزلة في الوقت الذي تشهد فيه منطقة الشرق الأوسط شكلا جيوسياسيا جديدا.
ويتمثل الأمل الأول في إنقاذ النظام البعثي الحاكم في دمشق، حتى ولو كان ذلك يعني تقبل أعباء مادية لا يستطيع الاقتصاد الإيراني المنهك تحملها، أما الثاني فيكمن في منع إحياء العراق كمنافس محتمل، في حين يتمثل الأمل الثالث في استغلال الأزمة السياسية والاجتماعية الموجودة في الب حرين من أجل الاستحواذ على السلطة.
في سوريا، تقوم استراتيجية الملالي على تصوير الثورة على أنها مؤامرة غربية لمعاقبة نظام يفترض أنه جزء من «المقاومة أو الممانعة»، وتزعم إيران أن الولايات المتحدة وحلفاءها يسعون لإقصاء القوى المعادية الحالية أو المستقبلية مثل إيران وروسيا والصين من المنطقة.
ويتمنى الملالي تأجيل سقوط نظام الأسد، بحث يكون لديهم متسع من الوقت لزيادة نفوذهم في جنوب العراق، وهو ما يمثل أملهم الثاني.
وقد يتأثر الشعب العراقي بانتصار إخوانهم في سوريا، ويرى أن دولته قوية بما يكفي لتجنب أي هيمنة جزئية أو كلية من جانب إيران.
وتتمثل خطة طهران بالنسبة للعراق في تشجيع إقامة دولة منفصلة للشيعة في الجنوب تحت اسم الفيدرالية، وهو ما يمكن إيران من السيطرة على مركز العقيدة للشيعة في النجف، وبالتالي تستبق أي تهديد محتمل للفكر الخميني.
ومن الواضح أن علي خامنئي، «المرشد الأعلى» للنظام الخميني، يفتقر إلى المؤهلات التي تجعله قائدا روحيا للشيعة في العراق ولذا تعمل أجهزة الأمن الإيرانية على سيناريو آخر يقوم بموجبه أحد الملالي من ذوي المراتب المتوسطة بدور آية الله ومرجع التقليد للشيعة في العراق.
إن الملا المقصود هو محمود الشاهرودي والمدرج اسمه بقائمة الموظفين العاملين بالحكومة الإيرانية منذ ثلاثة عقود. وبادئ ذي بدء، كان الشاهرودي عضوا بإحدى الجماعات التي شكلها الحرس الثوري الإيراني لمحاربة صدام حسين. وبعد ذلك، ارتدى عباءة الملا وتحول إلى رجل دين، ويترأس حاليا لجنة استشارية ملحقة بمكتب خامنئي.
وبينما تحاول طهران الآن إمداد النظام السوري بالمال والأسلحة، فإن خطة إيران بشأن العراق تكمن في السيطرة من خلال شبكة دينية تدعمها قوات شبه عسكرية خاضعة للحرس الثوري الإيراني.
وتتسم الخطة الخاصة بالبحرين بأنها أكثر وضوحا، لأنها تهدف إلى ضم أرخبيل الجزر اعتمادا على ادعاءات إيران التاريخية.
وفي مقالتها الافتتاحية يوم الثلاثاء الماضي، أكدت صحيفة «كيهان» الإيرانية اليومية، التي ينشرها مكتب الإرشاد، على أن «البحرين جزء من إيران»، وأن «غالبية الشعب البحريني ينظر إلى البحرين باعتبارها جزءا من إيران.. ويجب أن تعود للوطن الأصلي وهو إيران».
وفي مقال سابق، ذكرت نفس الصحيفة بالأحداث التي وقعت عام 1970 والتي تحولت بمقتضاها من دولة تحت الوصاية البريطانية إلى دولة مستقلة.
وخلال الأسابيع الأخيرة، كانت هناك مؤتمرات أكاديمية لكي «تثبت» أن البحرين جزء من إيران، وأصبح هذا شيئا مألوفا في الحوزات الإيرانية. وطبقا للفولكلور الخميني، كان قرار الشاه بقبول «بعثة التقييم» التابعة للأمم المتحدة من أجل تقرير مصير البحرين هو «خيانة عظمى».
ومن أولى الخطوات التي اتخذها الخميني عقب استيلائه على السلطة عام 1979 تكوين ما يسمى بجيش تحرير البحرين والذي حاول غزو البحرين باستخدام عدد قليل من القوارب، ولكن تم إيقافها من قبل البحرية الإيرانية التي كانت لا تزال خاضعة لسيطرة حكومة رئيس الوزراء مهدي بازركان. وعقب استيلاء «الطلبة» على السفارة الأميركية في طهران في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1979 وغزو العراق لإيران في شهر سبتمبر (أيلول) عام 1980، تم إرجاء فكرة غزو البحرين.
وفي الحقيقة، كان تدخل طهران في كل من سوريا وإيران والبحرين له تأثيرات سلبية مزدوجة، ففي سوريا، أدى التدخل الإيراني إلى زيادة الخسائر البشرية قبل الفترة الانتقالية التي تبدو أنها قد أصبحت شيئا محتوما ولا مفر منه. وقد أعطى هذا التدخل لما يعتبر في الأساس صراعا داخليا على السلطة بعدا خارجيا لا يستطيع الشعب السوري التحكم فيه. وفي العراق، منع التدخل الإيراني تعزيز حالة الإجماع الوطني التي تشكلت عقب سقوط نظام حزب البعث عام 2003 والصراعات الدموية خلال الفترة بين عامي 2004 و2009. ويتعين على العراق أن يجد طريقه للخروج من تلك المشكلة وأن يقوم بإعادة بناء هياكل الدولة. وعلى الرغم من ذلك، ارتفعت تكلفة القيام بذلك نتيجة التدخل الإيراني. وبالمثل في البحرين، فإنه من غير المحتمل أن يوافق غالبية البحرينيين الذين يبحثون عن مزيد من الإصلاحات والمشاركة بشكل أفضل في السلطة، على العيش تحت حكم ولاية الفقيه (حكم الملا)، ولن يكونوا على استعداد للتضحية بمصالحهم الوطنية لحساب نظام يعاني بشدة داخل إيران نفسها.
وعلاوة على ذلك، فإن المغامرة الثلاثية التي قام بها خامنئي في سوريا والعراق والبحرين كان لها تأثير سلبي على مصالح إيران نفسها كدولة قومية.
ولا توجد أي مصلحة لإيران، سواء كدولة أو كشعب، في تمكين نظام الأسد من قتل السوريين في المدن والقرى السورية، كما لن تحصد إيران أي مكاسب من نشر بذور التفرقة والعنف في العراق ومنع التوصل إلى إجماع وطني في البحرين.
ومرة أخرى، وفي هذه الحالات الثلاث الهامة، فإن مصالح إيران كدولة قومية لا تتطابق مع مصالح إيران كوسيلة للآيديولوجية الخمينية.

الضغوط على المسلمين بلبنان.. الاستهداف والاستنزاف

رضوان السيد
لا أزال أذكر المرة الأولى التي سمعت فيها كريم بقرادوني - وكان رئيسا لحزب الكتائب أو نائبا للرئيس معينا من جانب السوريين - يقول «إن التطرف الديني السني هو علة العلل في ما أصاب لبنان ويصيبه، ورفيق الحريري مسؤول عن ذلك لأنه يغطي ذلك أو يتواطأ مع المتطرفين»! وبعد ذلك - أي بعد عام 1994 - دأب الضباط العاملون مع القوات السورية بلبنان على تكرار هذا الاتهام على مسامعنا، مضيفين إليه أن المتطرفين السنة هؤلاء بطرابلس على الخصوص، اخترعهم ياسر عرفات، وهم ينشرون الكراهية ضد العلويين، ويميلون لاستخدام العنف في الداخل ضد المسيحيين وضد الشيعة! إنما عندما هاجم الجيش اللبناني أواخر عام 1999 شبانا اعتصموا بأعالي جبال الضنية فوق طرابلس، سمعنا للمرة الأولى أن هؤلاء الشبان هم من السلفيين الجهاديين أو من «القاعدة»، وأن لبعضهم علاقات بالمشهد في أفغانستان، وبالأفغان العرب! ووقتها كان الرئيس رفيق الحريري خارج السلطة، وسارع إلى إصدار بيان بدعم الدولة والجيش، تماما كما فعل ابنه الرئيس سعد الحريري قبل أيام قليلة عندما اختطف ضباط من الأمن العام اللبناني شابا اسمه شادي المولوي، جرى اتهامه في ما بعد بأنه عضو في تنظيمٍ إرهابي مسلح!
والواقع أن طرابلس تضم في عدد من أحيائها الفقيرة مئات من الشبان، ينتمون إلى عدة تنظيمات دينية، وهي من دون استثناء – ومنذ الثمانينات من القرن الماضي - مخترقة من مخابرات الجيش اللبناني ومن المخابرات السورية، وأخيرا - بعد عام 2005 - من حزب الله. وقد جرى دائما توريط بعض هؤلاء في نزاعات مسلحة مع جيرانهم من الشبان العلويين المنظمين والمسلحين جيدا على مشارف المدينة، ودائما يتعلق الأمر بإحراج القيادة السياسية السنية باعتبار أنها تحتضن أصوليين وإرهابيين، أو أنها تتآمر على أمن سوريا الممانعة، أو أمن المقاومة العظيمة. وآخر ابتداعات حزب الله إنشاؤه لتنظيمات مسلحة من بين هؤلاء الشبان أيضا تحت اسم «أنصار المقاومة»!
وقد ازداد تعرّض المدينة للاضطراب الشديد بعد عام 2005، تاريخ خروج السوريين من لبنان على أثر استشهاد الرئيس رفيق الحريري. ففي عام 2007 أرسل السوريون – كما هو معروف - ما سُمي بتنظيم «فتح الإسلام» إلى مخيم نهر البارد الفلسطيني بجوار طرابلس. وخلال شهور الصراع بين التنظيم والجيش، قبضت مخابرات الجيش على مئات من هؤلاء الشبان الذين تعرفهم بالطبع لأسباب مختلفةٍ يتعلق أكثرها بحمل السلاح أو الاتصال بأحد العناصر المشبوهة، ولا يزال أكثر هؤلاء في الاعتقال حتى اليوم من دون محاكمة. وعندما احتل حزب الله بيروت بالسلاح عام 2008 عاد الاضطراب إلى المدينة لانصباب القذائف على أحيائها من جبل محسن القريب، باعتبار أن شبابها ثاروا نصرة لبيروت المحتلة! وقبل أسابيع صدرت من القضاء العسكري اللبناني استدعاءات وأوامر قبض ضد أعداد من شباب بيروت وغيرها، تعود القضايا بحقهم إلى عامي 2008 و2009، وما تذكرت مخابرات الجيش وما تذكر قضاؤه هذه المخالفات إلا الآن، أما الذين أغاروا على بيروت وطرابلس والجبل وبلدات البقاع الأوسط وعكار عام 2008 بالسلاح المتوسط والثقيل؛ فلم يستدعهم أحد ولا سُجِّل قضايا ومخالفات ضدهم!
وعندما اندلعت الثورة في سوريا على النظام هناك، عاد الاضطراب إلى المدينة، وظهر في قرى عكار المجاورة أيضا، وامتد إلى عرسال بالبقاع الشمالي. ويعود جزء من هذا الاضطراب إلى تظاهر المئات من الشبان لنصرة الثورة في سوريا. ثم بدأوا يستقبلون النازحين من سوريا - وقد بلغوا اليوم ثلاثين ألفا وأكثر - ويظهرون في وسائل الإعلام. واختراق هؤلاء وأمثالهم سهل؛ فالمتدينون الشبان - سواء كانوا ينتمون لتنظيمات مثل حزب التحرير أو إحدى الجماعات السلفية - معروفون من جانب الأجهزة اللبنانية والسورية، إما لاندساس عناصر أمنية في صفوفهم، أو لحدوث انشقاقات بينهم لصالح حزب الله تحت اسم «أنصار المقاومة». وقد تكفلت عدة جهات بنقل أسمائهم وأخبارهم بل وتوريطهم في تصريحات أو نشاطات حقيقية أو موهومة، مثل تهريب السلاح إلى سوريا أو المشاركة في نشاطات إرهابية.
وقصص الزوارق والشاحنات التي ضبطت في البحر والبر - وكان الذين ضبطوها هم الذين أرسلوها - لا تزال طازجة وحدثت قبل أسبوعين فقط! وتجيء قصة شادي المولوي لتندرج في كلاسيكيات الاشتباك بين السنة والنظام السوري، ومستجدات الاشتباك بين حزب الله والقيادة السياسية السنية. فالذي يظهر أن الإيرانيين – كالعادة - أطلقوا من سجونهم أخيرا شبانا عربا كانوا قد استخدموهم من قبل، وأرسلوهم عبر سوريا باتجاه لبنان. وما اكتفوا بإخبار مدير الأمن العام اللبناني، بل أخبروا أيضا الأميركيين الذين عادوا للتصريح هبلا أو عهرا بأن «القاعدة» عادت للظهور في سوريا ولبنان. والذي قاله الجعفري مندوب سوريا لدى الأمم المتحدة عن أن أسماء الإرهابيين أبلغت للأميركيين، ذكر «ويكيليكس» أن مدير المخابرات السورية علي المملوك قال مثله لمسؤول مخابراتي أميركي قبل أكثر من عام «لقد تعاونا معكم في مكافحة الإرهاب، ونحن قادرون على متابعة ذلك، لأننا تمكنا من اختراقهم، ونستطيع أن نتوقع أفعالهم أو ردود أفعالهم، فنحبط العمل قبل وقوعه! وهذه المرة أحبطوا العمل الذي لم يُعملْ قبل التفكير فيه(!)». فقد قبض الأمن العام اللبناني على الشاب المُرسَل من سوريا (ويقال إنه أردني)، والشاب المُرسَل هذا تقاطعت «المعلومات» الهائلة بشأنه مع الأميركيين اللوذعيين الأذكياء، والشاب بدوره أخبرهم عن العملاء الذين جندهم ونظمهم للقيام بأعمال إرهابية فظيعة ضد أمن البلاد والعباد ومنهم شادي المولوي!
وقد أخبر مدير الأمن العام اللبناني وسائل الإعلام مفاخرا أنه إنما كان في سوريا قبل أيام للتنسيق الأمني لمصلحة البلدين، وإنه إنما تعاون مع جهاز أمني غربي في القبض على التنظيم الرهيب! وقد سبق لوزير الخارجية اللبناني العظيم - في حكومة حزب الله بلبنان - أن فاخر علنا وليس سرا ولعدة مرات بأنه إنما يعمل لصالح البلدين وبما يقتضيه ضميره، وليس بإذن من رئيس الحكومة أو الجمهورية!
إن الذي نعرفه ونوقنه أن النظام الأمني السوري - اللبناني لا يزال قائما، وتقوم على رعايته وإنفاذه عناصر في الأجهزة اللبنانية من دون تردد أو إخفاء. فقد خطفوا - وهم باللباس الرسمي - سوريين وسلموهم للأمن السوري، وقبضوا على أناس داخلين إلى لبنان أو خارجين منه وسلموهم للأمن السوري، ويحتجزون مئات من الناشطين اللبنانيين والسوريين بحجج وذرائع مختلفة. كل هذا واضح وظاهر، ولا حاجة للبرهنة عليه، أو حتى لوم المسؤولين اللبنانيين الكبار على تجاهله. ذلك أن الدولة اللبنانية بالمعنى المتعارف عليه للدول ما عادت موجودة أو فاعلة، وإنما الموجود عناصر - بينهم وزراء - يأتمرون بأوامر حزبية أو سورية دونما خجل، وإنما بفخر واعتزاز لأنهم يطيعون سيد المقاومة أو رئيس الممانعة.. إلخ. وما كتبتُ هذه المقالة في الأصل للتدليل على هذا الأمر البديهي، وإنما لغرض مختلف هو أن الوضع السني بلبنان بلغ درجة عالية من الخطورة، ذلك أن سائر ذوي الحساسية الدينية أو القومية أو السياسية، يتعرضون لضغوط شديدة.
وقد اعتاد السوريون عندما يريدون الضغط على السنة الضرب في لحم طرابلس الحي، وعندما يريدون الضغط على المسيحيين البدء بالاغتيالات، وعندما يريدون الضغط على الدروز القبض على عنق زعيمهم. وقد تعرض السنة وتعرضت مدنهم وبلداتهم، وتعرضت مراتبهم السياسية، وتعرض عيشهم، لضغوط شديدة من حزب الله، ولصالح سيطرة الحزب والمحور الإيراني، أو الرفع من شأن عون، أو الانتصار لنظام الممانعة. والذي أراه أن الضغط ماض إلى الحدود القصوى التي لا قبل بالصبر عليها، ولن تنفع في تخفيفها دعوات الرئيس سعد الحريري لطاعة الدولة والقانون، حيث لا دولة ولا قانون، كما لن تنفع في درئها ساحة هذه الجماعة المفتوحة على مصراعيها لكل طارئ أو ساذج أو متآمر أو هائج! إنها مسؤولية قياداتنا، وقد أُرغمنا على تجاهلها أيام السوريين، فماذا فعلنا بعد خروجهم؟! لقد أسلمنا المدينة وشبابها لميقاتي، وسلمها - حفظه الله - للممانعة والمقاومة تعسفان بكراماتها وحرياتها، في حين يخرج أمين عام حزب الله على التلفزيون متسائلا عمن يمثل السنة، لا يمثلهم بالطبع إلا أنت وميقاتي والأسد الضرغام!