Wednesday, May 23, 2012

الخـــونــــــــة

سوسن الشاعر
عشرات -من المفروض أنهم بحرينيون- بعضهم محامون وبعضهم إعلاميون وبعضهم ناشطون، والأهم أنهم -من المفروض- يمثلون مؤسسات للمجتمع المدني البحريني، لكنهم لا يمثلون الشعب البحريني ولا طائفة من الشعب البحريني؛ بل يمثلون جماعة واحدة وينظمهم حزب واحد فقط.
سافروا (منقولين) بمعنى أنهم لم يتحملوا فلساً واحداً من جيوبهم بل تم دفع مصاريفهم بالكامل، ومتواجدون الآن في جنيف ومنذ أسابيع قبل موعد انعقاد المؤتمر الذي سيناقش تقرير مملكة البحرين لحقوق الإنسان بمدة طويلة، عشرات لا نعرف من يمولهم بتذاكر وسكن وتنقلات، أي مصاريف بمئات الآلاف من الدولارات، والمهمة المكلفين بها هي تحريض الدول الأجنبية على التدخل في السيادة الوطنية وفرض التشريعات والقوانين على السلطة البحرينية التشريعية المنتخبة، وفرض الأحكام على السلطة القضائية البحرينية المستقلة، ثم وبكل وقاحة يعودون للبحرين ويقولون هذا الوطن ما نبيعه، ولا نفرط في السيادة الوطنية!!!
قد تختلف موديلات البيع والخيانة لعام 2012، لكنها في النهاية لها نفس الرائحة النتنة واللون الداكن والملمس اللزج.
البحرين أصبحت (مهيه) لا يوجد بها قانون يفرض على المؤسسات المدنية الكشف عن مصادر تمويل برامجها وتنقلات أفرادها وتكاليف سفرهم، فقوانيننا جعلت من الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني سبيلاً ومكباً للنفايات التمويلية من كل حدب وصوب، فلا عجب أن ينتقل الأعضاء وتنتقل الحسناوات برفقة (دشتيهن) من باريس إلى جنيف إلى واشنطن إلى لندن ينفثن أنفاسهن الطائفية النتنة ويذرفن دموع التماسيح، يضحكن ملء الفم في الكافيتريات وبعد خمس دقائق تجد دموعهن (أربع أربع) في القاعات! يزيفن الحقائق مادامت المسألة في النهاية جولات حول العالم مدفوعة الثمن وبأرقى الفنادق و(مجاناً) للترويج (لفيلم) حقوق الإنسان، ومادام هناك من سيفرش لهم السجادة الحمراء فمن (يعاف)؟!!
بنوا دعواهم على أن ما حدث في البحرين كان مجرد (تعبير) عن الرأي، تلاه اعتقال وتعذيب وقتل وسجن، وصفوا أنفسهم بالمساكين وهم الراكبون لأحدث السيارات والساكنين في أرقى المناطق البحرينية، قالوا نحن كنا بضع من عشرات المواطنين عبرنا عن رأينا بالورود ولكن النظام القمعي الديكتاتوري اعتقلنا وعذبنا وسجننا لأننا مارسنا حقنا الطبيعي في (التعبير) عن الرأي، واسألوا صحيفتنا (أم المصداقية) عن ما حدث في البحرين ستقول لكم مجرد مسيرات سلمية قمعت بوحشية.
فجثث القتلى الذين ذهبوا دهساً وحرقاً تعتبر من صور التعبير عن الرأي، وصور احتلال المستشفى وسد مدخل طوارئه تعبير عن الرأي، والهجوم على الجامعة وضرب الطلبة وحرق مبانيها تعتبر صوراً من صور التعبير عن الرأي، وفيديوهات قطع الطرقات والاستيلاء على المستشفى وتفريغ المؤسسات الحكومية من موظفيها والطلبة من مدارسهم تعتبر من صور (التعبير عن الرأي)، والمسرحيات التي حدثت بأدوات المكياج أمام عدسات التلفزيون وزيفت فيها الدماء والجروح والكدمات تعتبر من صور التعبير عن الرأي، والتعاون مع قناة العالم الإيرانية في الوقت الذي كانت فيه إيران تنادي الأمم المتحدة للتدخل لإنقاذ (الشعب) البحريني من (المجازر) كان أيضاً من صور التعبير عن الرأي، ونشر الأخبار الكاذبة بتعمد ومع سبق الإصرار والترصد تعتبر من صور التعبير عن الرأي.
نقول لكم لو صبغتم جرائم القتل والخيانة والغدر والكذب عام 2011 بمليون جالون من الصباغة الوردية ونفختم من السيليكون ما استطعتم لتجميل قبحها، ستظل في النهاية هي ذاتها ولن تتغير رائحة دمها الفاسد.
كل خونة البحرين يعرفون حق المعرفة أن من يحاكم الآن ومن تم توقيفه أو من يتم اتخاذ أي إجراءات ضده في محاكم البحرين إنما بناء على ممارسات مجرمة دولياً لا علاقة لها بالتعبير عن الرأي، لأنها تندرج تحت جريمة محاولة تغيير شكل الدولة الدستوري باستخدام القوة والعنف وبالتعاون مع جهات أجنبية، وتلك جرائم لها عقوباتها المغلظة في كل الدول، وقوانين العالم بما فيها الدول التي سألت البحرين عن (سجناء الرأي).
إنما هل تلومون تلك الدول التي تسأل البحرين عن سجناء الرأي؟ بصراحة لا ألومها.. فلم يسبق أن بليت دولة بهذا الكم من الخونة الذين استباحوا كل المحرمات شرعاً وكل الجرائم قانوناً من أجل إنفاذ مخططهم؟ عادة هناك شخص خائن، هناك فرد عميل مزدوج، بالكثير هناك خلية من عدة أفراد، إنما عشرات وربما مئات.. صعب تخيل ذلك.
لكن من تسري الخيانة في دمه فالكذب معها في شريانه يسري سريان الجينات.
حلم المخطط مازال يراودكم ظنا منكم أن إرسال تلك الوفود وصرف تلك الأموال المنتزعة من فم المحتاج الشيعي إيرانياً كان أو بحرينياً أو كويتياً ممكن أن ينفعكم، هيهات فمن جندكم يتفاوض الآن على بيعكم، فالخائن ساقط حتى من عين من جنده، والصفقة إن لم تكن قد تمت فإنها على وشك التمام.. هارد لك.. حاول مرة أخرى.
- ملاحظة لابد منها..
تحية للشيعة البحرينيين القابضين على الجمر المتصدين لإرهاب الجماعات، تحية للرجال والنساء منهم الذين أبوا أن يبيعوا وطنهم وأبوا الخضوع للإرهاب، تحية فهؤلاء هم الذين يحق لهم القول هيهات من الذلة، هيهات أن تخضعنا أو تذلنا عمامة أو أن نقبل الخضوع للإيراني، وتحدوا الخوف وكسروا حاجز الصمت وخرجوا من طوق الذل والمهانة والعبودية، وقالوها بصدق هذا الوطن ما نبيعه ولن نساوم على أمنه واستقراره وسيادته.

الشهية الإيرانية المفتوحة وأبناء العلقمي الجدد

فوزية رشيد
لا أوافق الكثيرين في أن التصريحات الايرانية الأخيرة بخصوص البحرين والسعودية والاتحاد الخليجي، هي مجرد تصريحات «استفزازية»، بل هي تصريحات داخلة في صلب المخطط الايراني وأطماع إيران المتطورة في البحرين ودول الخليج، بل الدول العربية وبعض الدول الإسلامية، مما يستدعي تحركا خليجيا سريعا وجادا تجاه الجامعة العربية والأمم المتحدة، في إطار عربي جماعي لمواجهة عملية ليس فقط للنهج العدواني الإيراني تجاه البحرين والخليج الذي لم يتوقف قط، وانما لمواجهة التصريحات الخطرة مؤخرا، التي تكشف عن نية مبيتة لتحركات إيرانية قادمة لتنفيذ مخططها ومشروعها التوسعي مشفوعة بأبناء «العلقمي» الجدد في البحرين والمنطقة الشرقية والكويت وفي الدول الاخرى، مما يضع أمام الدولة وأمام شعبنا وضع تحركات «الوفاق» (تحت ضوء جديد) وحسب التدرج في المخطط بين عملاء إيران والموالين لها وبين إيران نفسها، الذي جاء إعلان التفكير في الاتحاد الخليجي هذه المرة دفعا قويا لكشف الأبعاد الأخرى للمخطط الإيراني ـ الأمريكي في ابتلاع دول المنطقة بدءا من البحرين واحدة بعد الأخرى الذي انكشف بعض وجهه أثناء أحداث الدوار.
وسواء قريبا أو بعيدا من كل ما قلناه سابقا في متابعة الشأن الوفاقي والفئة الانقلابية بشكل عام، فإن «الوفاق» التي دأبت على تعقيد الوضع في البحرين بشكل مستمر، لم يكن دأبها في التعقيد اعتباطا أو تفويتا للفرص أو غباء، وكل ذلك يصح لو كانت تزن نفسها حقيقة في الميزان الوطني السليم، ولكن لأنها ليست كذلك وانما هي تقوم بكل جرأة مفضوحة تماما بدور (ابن العلقمي) الذي سلم العراق للتتار، طمعا في الحكم، وقصته مشهورة ومعروفة، فإن «أبناء العلقمي» الجدد في البحرين وعلى رأسهم «الوفاق» تقوم بمناوراتها السياسية مع الدولة، وفقا للتعاليم الإيرانية أو مدرستها في المناورة، هذه الوفاق (تعقد) الوضع في البحرين حتى تأتي الفرصة الملائمة، التي تنفذ فيها إيران مشفوعة بغطرسة القوة، التي تعتقدها في نفسها (باحتلال البحرين) حسب المخطط الذي عجل هذه المرة في انكشافه نية دول الخليج العربية إعلان الاتحاد الخليجي، فبرزت هي على السطح تماما، فيما تحاول أمريكا ان تواري نفسها بعض الشيء.
ولنعد قليلا إلى الوراء، فمنذ أن تم (تشييع إيران) عبر البطش والمجازر قبل ٥٠٠ عام على يد مؤسس الدولة الصفوية «إسماعيل الصفوي» ومنذ ان ابتلعت هذه الدولة أراضي القوميات الاخرى، التي تشكل جزءا من إيران الحالية، وصولا إلى ابتلاع (الاحواز) عام ١٩٢٥، لتتمدد في رقعتها الجغرافية الخاصة التي سبقت بها الكيان الصهيوني وعلى حساب الآخرين، ومنذ ان جيرت «لبنان» لحسابها على يد الأمين العام لحزب الله الذي انكشفت خدعته للشعوب العربية فانحدر سريعا مع أحداث البحرين وسوريا من موقع سيد المقاومة العربية كما كان الظن إلى موقعه الحقيقي (خادم الأجندة الايرانية الصفوية وولاية الفقيه) بعد سقوط الأقنعة الفولاذية، ومنذ ان مدت النفوذ إلى «سوريا» عبر نظام الحكم فيها، ومنذ ان احتلت «العراق» احتلالا عقديا وفكريا وسياسيا، في انتظار ان تحتله جغرافيا إن لزم الأمر، ومنذ ان احتلت «الجزر الإماراتية الثلاث»، ومنذ ان لم تكف عن أطماعها المتجددة في البحرين والسعودية، فإن تصريحاتها الخطرة ضد البحرين العربية المستقلة تدل دلالة قاطعة على ان شهيتها في ابتلاع الجغرافيا العربية لم تتوقف قط، بل انفتحت على آخرها مع حكم الملالي وولاية الفقيه، وحلم استعادة امبراطورية «كسرى» لتصل بدأب اليوم إلى كل دول الخليج العربي بل الدول العربية قاطبة والدول الإسلامية، ولتحاول اختراق إفريقيا بدأب ومعها أمريكا اللاتينية وبعض دول آسيا، ولترفع الشعار المزيف حول إسلاميتها باستغلال عنوان الإسلام لنشر «تشيعها الصفوي» الذي هو دين وحده، ومختلف عن أصول ومبادئ وجوهر الإسلام كما تعرفه الأمة الإسلامية، حتى وصلت يدها إلى «فلسطين» التي تتاجر في قضيتها للحصول على دعم الشعوب الإسلامية، فيما هي تعمل بقوة على تقسيم فصائلها ومنعهم من التوحد، مثلما تعمل على نشر التشيع الصفوي بين صفوف من بامكانها اختراقهم هناك.
لذلك فهي أوجدت (أبناء العلقمي) المستعدين لبيع أوطانهم لها تحت حس الولاء المطلق لمرجعيتها أو لها بشكل عام، علهم يحظون بالسلطة الموعودين بها أو بالحكم، ولتزودهم بـ (الخطاب التضليلي) الذي يتابعه معهم كبار مهندسي ومتابعي فذلكات ومصطلحات السياسة التضليلية، وكيفية ايجاد الأزمات والتعقيدات، ووضع العقدة في المنشار، كالذي يحدث منذ أكثر من عام في الأسلوب الوفاقي وأسلوب الانقلابيين عامة مع الدولة عن سبق اصرار، فهم لا يريدون الحل وانما يريدون المزيد من الأزمات والمزيد من التعقيد السياسي والميداني، وصولا إلى تسليم البحرين لإيران.
ولهذا ووفقا لهذه السياسة التوسعية الطامعة التي فاقت السياسة الإسرائيلية نفسها وان اتبعت أساليبها منذ مجيء «الخميني» فإنها ليس اعتباطا ان تصل بأذرعها إلى كل مكان، ليس في دول الخليج العربي وحدها، أو الدول العربية أو الإسلامية بل غيرها من دول العالم عبر تأسيس الأحزاب السياسية الموالية لها، أو السائرة على درب مخططاتها في اختطاف الأوطان، وليس اعتباطا ان تؤسس جمعيات دينية وبيوت «أهل البيت» بل لتمتد إلى غسل أدمغة الشباب عبر القائمين على الحسينيات من جانب بعض قيادات أتباع وعملاء لها، ولتؤسس في العديد من دول العالم مراكز بحثية وثقافية، بل لتتظاهر بالأعمال الخيرية كسبا للشعوب، فكم من مركز صحي ومدارس وجامعات في كل مكان من أجل نشر (التبعية) لها، لكي تصل إلى مبتغاها الامبراطوري الذي تحلم باستعادته في إطار «استراتيجية متكاملة» مطعمة بنشر الفتن والتدريبات العسكرية لأتباعها، وكل ذلك يستدعي التعامل البحريني والخليجي الجاد، وقراءة ما يحدث من زاوية جديدة ينبئ بأن الخطر القادم على الأبواب وحيث يجب عدم الاستهانة اطلاقا بالتصريحات الإيرانية الجديدة أبدا.
التصريحات الإيرانية الأخيرة المتصاعدة، ليست مجرد تصريحات استفزازية أو اعتباطية، وخاصة بعد إعلان النية في اقامة الاتحاد الخليجي، الذي تزامنت فيه التصريحات الايرانية مع تصريحات (أبناء العلقمي) في البحرين والمنطقة، فبعد تصريحات مجلس الشورى الايراني، والشخصيات الأخرى ومنها الطائفية في العراق ولبنان، جاء خبر في (وكالة أنباء فارس): (طهران تطلب من المنامة تغيير نهجها وترى ان الاتحاد يعني زوال البحرين)، ومفاد الخبر ان «وزارة الخارجية الإيرانية» أعلنت ان (مشروع الوحدة السعودي البحريني يعني زوال البحرين ذات الاكثرية الشيعية (هكذا)، ناصحة السلطة في المملكة «بتغيير نهجها»). جاء ذلك على لسان «رامين مهما نبرست» المتحدث باسم الخارجية الايرانية يوم الخميس ١٧مايو.
تكاثرت التصريحات الايرانية وتصاعدت، مثلما تكاثرت تصريحات «أبناء العلقمي» في البحرين بما يصب في ذات المضمون الموجه من المسئولين الايرانيين إلى البحرين وقادة دول الخليج، في إطار متاجرة رخيصة في بعض الشعارات والمصطلحات التي تدعي الحفاظ على السيادة واستقلال البحرين، واعتبار ان الاتحاد الخليجي أو البدء فيه باتحاد ثنائي بين البحرين والسعودية هو احتلال وضم الخ، مع تأكيد المصطلح الزائف حول «الأكثرية الشيعية» باعتباره من المسلمات بعد ان تم ترويجه تضليلا، وبالتالي ليس من المستغرب هذا التناغم بين أبناء «العلقمي» وعلى رأسهم الوفاق مع التصريحات والتوجهات الإيرانية بالتهديد المباشر للبحرين، ومحاولة اعادة المشهد إلى زمن الشاه الطاووسي، والحديث مباشرة عن النيات الايرانية، حيث نزل توجه قادة الخليج العربي إلى الاتحاد منزل الصاعقة على رؤوسهم، لانه باختصار هو الضربة القاصمة للمشروع الصفوي التوسعي ومحاولة ابتلاع البحرين بمساعدة عملائها في الداخل، الذين لم ينبسوا ببنت شفة تجاه تلك التصريحات الايرانية المتصاعدة واعلان النيات مجددا وبشكل سافر، بل تناغموا معها ومع فذلكاتها السياسية، مع استمرار التشدق الأجوف بالحفاظ على سيادة البحرين واستقلالها، ليس في وجه إيران بالطبع التي تعلن مطامعها وانما في وجه السعودية ودول الخليج التي باتحادها معا توقف تلك المطامع وتقبرها.
إيران التي كشفت عن أطماعها في كل دول الخليج سواء من خلال مشاريعها ومخططاتها المعلنة أو الخفية، بل كشفت أطماعها في كل الوطن العربي والعالم الإسلامي سواء في تصديرها لما تسميه الثورة، أو في تصريحاتها العدوانية المستديمة أو في توصياتها (للمؤتمر التأسيسي الموسع لشيعة العالم) حيث جاء في احدى التوصيات (الاستفادة من التجربة الايرانية الناجحة في «العراق» وتعميمها على بقية الدول وأهمها السعودية والكويت والامارات والبحرين واليمن والأردن ومصر والهند وباكستان وأفغانستان).
وبالاستفادة من تذكير «مدبولي عثمان» نائب رئيس تحرير جريدة الجمهورية المصرية المنشور في احدى الصحف البحرينية مؤخرا، يذكرنا بأن هذا المؤتمر التأسيسي وضع «منهجا عمليا أيضا» لتنفيذ خطة التدخل في شئون هذه الدول بتوصية تقول (بناء قوات عسكرية غير نظامية لكل الأحزاب والمنظمات الشيعية بالعالم عن طريق زج أفرادها في المؤسسات العسكرية والأجهزة الأمنية والدوائر الحساسة، وتخصيص ميزانية خاصة لتجهيزها وتسليحها وتهيئتها لدعم واسناد اخواننا «الشيعة طبعا» في السعودية واليمن والأردن والبحرين وبقية الدول)، ولهذا لا نستغرب المليشيات الوفاقية وغيرها في البحرين، ولا نستغرب المطالبة الدائمة بفتح المؤسسات العسكرية والأجهزة الأمنية (الدفاع والداخلية) والدوائر الحساسة لها ولأتباعها، فالنية مبيتة لاستغلال كل تلك الأماكن لصالح الأجندة الانقلابية وتحقيق التجربة الايرانية الناجحة في العراق لاحقا حسب التوصيات الايرانية لكل شيعة العالم.
لعل الكثيرين يعلمون اليوم عن المخطط الايراني للسيطرة على منطقة الخليج العربي، الذي كان مقررا تنفيذه بحلول عام ٢٠١٧، والأحداث العربية عجلت بظهوره في البحرين في فبراير ٢٠١١، وحيث يترافق مع هذا المخطط الايراني مخطط داخلي لدى «الوفاق» وأتباعها، كانت تعد له منذ زمن للتحرك بكل ما تم تنفيذه من بنود في ذات العام اي ٢٠١٧، ولكنها تعجلت لتظهر ما تم الوصول اليه في احداث الدوار العام الماضي، وبالتالي انفضاح أجندتها ومن توزع الأدوار معهم على الملأ في البحرين وخارجها، وهو ما كشفته أيضا صحيفة «السياسة الكويتية» في تقرير خاص بها، حيث اعتبرت (بتأكيد المصادر) ان التدخل الايراني السافر في البحرين ونشر شبكات التجسس في الكويت وتحريك الأتباع في الشرقية لم يكن الا رأس جبل الجليد، حيث المخطط يشمل احتلال البحرين والزحف بعد ذلك على المنطقة الشرقية في السعودية، واستغلال الفوضى الحاصلة في العراق ولاسيما الجنوب لاشغال الكويت وارهاقها أمنيا ودفاعيا تمهيدا لضم المنطقة كلها واخضاعها للهيمنة الايرانية، حسبما نقله «مدبولي عثمان» عن صحيفة السياسة الكويتية.
ومن المفيد التذكير به هنا، وربطه بالاستعجال من جانب قادة طهران مجددا على اثر نية إعلان الاتحاد الخليجي، ليتضح أو تكتمل صورة ما اتضح بعضه في أحداث الدوار واستعجال قادة طهران آنذاك تحريك (أبناء العلقمي) ليقوموا بدورهم المطلوب على خلفية ما يسمى الربيع العربي، مما يكشف اليوم سر التناغم المفضوح بين التصريحات الايرانية والتحركات الداخلية بقيادة «الوفاق» والانقلابيين بشكل عام.
ليس اعتباطا ما يقوم به ((عيسى قاسم)) من دور تحريضي تأزيمي، مثلما هو ليس اعتباطا ما يقوم به ((علي سلمان)) من دور مماثل، ومن تسيير لمسيرات دائمة والدفاع عن الأعمال الإرهابية والقائمين عليها، مثلما هو ليس اعتباطيا دور بقية الجوقة من ((أبناء العلقمي)) المنتشرين على الفضائيات وفي الكثير من الدول العربية والدول الغربية، فكل هؤلاء يهدفون للإبقاء على روح الأزمة والاشتعال، وممارسة التضليل السياسي، وتبني الإرهاب ودعمه وإذكاء ناره كل يوم، لسبب واحد هو أهم من كل الأسباب، انهم ينتظرون نقطة الصفر مجددا، وهذه المرة هي نزول إيران مباشرة وبشكل واضح وأمام مرأى ومسمع العالم كله في البدء بمخططها الذي فشل جراء الاستعجال به وهو احتلال البحرين والزحف نحو المنطقة الشرقية في السعودية تمهيدا لضم المنطقة كلها وإخضاعها للهيمنة الإيرانية برضا ومباركة الولايات المتحدة وبعض دول غربية، وجميعها تلعب دورها في النفاق السياسي والمناورات السياسية والتمويه على قادة الخليج العربي، انتظارا لمعرفة حجم ((الشطارة الإيرانية)) في قلب الوقائع والحقائق، ومنع قيام الاتحاد الخليجي، باستمرار الآلة الإعلامية والتصريحات ونقلها من درجة المناورة والابتزاز والاستفزاز إلى درجة الإعلان الساخن عن حقيقة النيات، لتصبح في البداية أمرا اعتياديا على المسامع في المنطقة وفي العالم، ثم ليتم تحويلها إلى أمر واقع، بمساعدة ((أبناء العلقمي)) في البحرين والمنطقة، والجرأة اللامتناهية من جانبهم أيضا في تشويه الاتحاد الخليجي، ووضع دوله في موضع أو خندق الدفاع عن النفس، وتبرير الاتحاد، أمام جوقة عميلة لإيران تعمل وفق خطة مدروسة في إطار (استراتيجية إيرانية متكاملة) للهيمنة على المنطقة.
اليوم حصحص الحق وظهر الباطل جليا، سواء فيما تهدف إليه التصريحات الإيرانية النارية، أو ما يهدف إليه الهجوم الممنهج والمنظم من أبناء العلقمي ضد الاتحاد الخليجي وضد البحرين، وحيث الحركة الأساسية يقومون بها معا مع إيران في اتجاه تحقيق أطماعها في البحرين والسعودية والخليج، فيما تهمة الاحتلال يتم توجيهها نحو السعودية ونحو الاتحاد، ومثلما أيضا هم يدركون جيدا انهم بتناغمهم التام (حراكا وخطابا) مع الحراك والخطاب الإيرانيين يفرطون في سيادة واستقلال البحرين والخليج العربي كله، ويقدمونها بتآمرهم وادعاءاتهم وإرهابهم هدية للمخطط الإيراني، يعلو صوتهم الكاذب في ذات الوقت بأن (البحرين ليست للبيع) وبهذا فهم يشغلون شعب البحرين والخليج والعالم بأكاذيبهم الجديدة، فيما إيران تسرع في مخطط الاستيلاء على البحرين والخليج، وتبدأ بذلك التسريع من خلال التصريحات المعلنة بالنيات كبداية للتحرك الجديد.
اليوم نضع المسؤولية كاملة والمرة الأولى على قادة الخليج العربي ككل في التحرك الفوري والعاجل في وضع حد سواء للتصريحات التي ستعقبها تحركات إيرانية حسب الفرصة المواتية، أو في وضع حد لأبناء العلقمي المنتشرين في البحرين وبقية دول الخليج.
لم تعد المسألة فضح هؤلاء فقد انفضحوا وتم الأمر، والمسألة باختصار تعني خروج دول الخليج العربي من خندق الدفاع عن النفس وتصريحات ردود الأفعال، إلى خندق الهجوم على إيران وعملائها ليس بمعنى الانجرار إلى مواجهة عسكرية التي ان حتمتها الظروف اللاحقة فهي الشر الذي لابد منه، وإنما سياسيا وإعلاميا ودبلوماسيا والتسريع بالدعوة إلى اجتماع استثنائي عاجل لوضع الجامعة العربية رغم انها مكبلة بالرئاسة العراقية التابعة لإيران، أمام مسؤوليتها بحراك عربي ضاغط لمواجهة التصريحات الإيرانية وعمل خلاياها في ضرب أمن واستقرار دول الخليج كافة وتهديدها وتهديد الأمن القومي العربي.
ومن المسؤولية التوجه الجاد في وضع الأمم المتحدة أمام واجبها في تنفيذ اتفاقياتها تجاه الدول ذات الاستقلال والسيادة حين تكون مهددة بتصريحات ونيات تصاعدية من دولة أخرى، وعدم الاكتفاء بتقديم شكوى مجازية.
في أثناء ذلك يجب تغيير السياسة الخليجية تجاه إيران باعتبارها دولة ((عدوة)) في إطار نظامها العدواني الراهن وليست دولة جارة أو صديقة فالمثل العراقي القديم يقول (كومة أحجار ولا هالجار).
وفي ذلك تتغير دفة الخطاب الإعلامي والخطاب السياسي والخطاب الدبلوماسي، وينتج عنه ضرب كل المصالح الإيرانية في الخليج، ووقف التجارة معها، ووقف العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية، فقد اتضح أن المغرور والمتغطرس بالقوة لا يحسن تقدير النيات الحسنة واللغة الهادئة دبلوماسيا وفي الجوانب الأخرى كافة التي تتعامل بها دول الخليج معها لم تعد نافعة مع دولة أصبحت أطماعها معلنة وخلاياها ناشطة.
لابد من وضع خطة خليجية متكاملة في مواجهة التهديدات الإيرانية التي لن تتوقف (لأن مشروعها المستقبلي قائم على تحقيق أطماعها في البحرين ودول الخليج والدول العربية الأخرى)، وهذا يعني عدم التهاون أيضا مع عملائها وأتباعها المباشرين، مثلما يعني تحريك قضية (الأحواز العربية) في وجه السياسة الدولية مجددا، واللعب على وتر شؤونها الداخلية تماما كما تفعل في البحرين والخليج والدول العربية والإسلامية.
أما الإبقاء على الأسلوب الخليجي الراهن في مواجهة التصعيد الإيراني واستخدام أبناء العلقمي لتحقيق أطماعها في الخليج والمنطقة، فذلك من الأساليب التي تزيد من الشهية الإيرانية المفتوحة أصلا للهيمنة على كامل المنطقة.

تحشيشة إيرانية جديدة

فريد أحمد حسن
في مقابل الخبر الطريف الذي تناقلته وسائل الإعلام الأسبوع الماضي عن الأسترالي الذي سرق سيارة واكتشف بعد أن سار بها مسافة أن فيها طفلاً فعاد بها ليجد والدي الطفل مذعورين فـ (وبخهما )على ترك طفلهما دون رقابة قبل أن يولي هارباً، في مقابل هذا الخبر برز خبر طريف آخر ملخصه أن إيران تهدد برفع دعوى ضد “غوغل” لأنها لا تستخدم عبارة (الخليج الفارسي) لوصف الخليج الذي يفصلها عن شبه الجزيرة العربية، فبمقدار ما احتوى الخبر الأول من طرافة وتناقض؛ احتوى الخبر الثاني فأضحك قارئيه ففغروا أفواههم دهشة. أما الضحك -وهو هنا من النوع الساخر الذي يدفع فاعله إلى الالتفات تلقائياً إلى من هو على يمينه أو شماله فيخاطبه بعيونه أولاً ثم برواية ما قرأ ممزوجاً بكلمات الاستغراب- فيأتي تلقائياً ولعله يصير هستيرياً، أما الدهشة فمبعثها أن باب الشكاوى إن فتح لمثل هذه الأمور فهو في غير صالح إيران لأن البحرين بشكل خاص ستغرقها شكاوى، لا لأنها تستخدم عبارة الخليج الفارسي لوصفها ذاك الخليج الفاصل بينهما، لكن لأنها تقول كل يوم ما لا يقبل به أحد في حق البحرين من شتائم وادعاءات وتفعل ما لا يمكن قبوله حتى من المجنون الحامل لأوراق رسمية تثبت أنه مجنون. بالفعل جاء هذا الخبر لافتاً ومثيراً للدهشة والاستغراب وباعثاً على الضحك والسخرية بل باعثاً حتى على البكاء على الحال الذي وصلت إليه إيران، ولولا أنه لا يجوز توجيه الاتهامات جزافاً لقيل إن إيران (تحشش)! ذلك أن هذا الكلام ومثله لا يمكن أن يصدر عن متحكم في عقله وإنما عن “مسطول”. الخليج المعني هنا هو الخليج العربي، والعالم يعرفه بهذا الاسم من سنين طويلة، وهو عربي حتى وإن لا تزال بعض الخرائط المعتمدة في بعض الدول تطلق عليه التسمية الأخرى، ولإيران أن تقول عنه ما تقول وما يرضيها -ولو أنه خطأ- لكن ما ليس لإيران فيه حق هو أن تحاسب من يطلق على هذا الخليج (العربي) اسم الخليج العربي لأنه أولاً خليج عربي، ولأن محاسبتها للآخرين يفتح الباب على مصراعيه لمحاسبتها هي ليس فقط على سعيها لتغيير الأسماء ولكن لسعيها إلى تغيير الحقائق ولاستمرارها في الاعتداء على الآخرين وسب الدول الواقعة على الضفة الأخرى من الخليج (العربي) وعدم ترددها حتى عن سب رموز تلك الدول. من تكرم بتقديم النصيحة لإيران وحاول أن يقنعها لترفع دعوى ضد “غوغل” للسبب المذكور لا يريد لها الخير، ليس لأنها (مو.. قد غوغل فقط) لكن لأن إقدامها على هذه الخطوة من شأنه أن يفتح عليها باباً يصعب إغلاقه فهو بالفعل من الأبواب التي يأتي منها الريح حيث الأفضل لها أن تسده وتستريح تفعيلاً للمثل الشعبي الشهير (الباب اللي إييك من الريح سده واستريح). في سكرتهم التي فيها يعمهون لا يدري المسيطرون على السلطة في إيران أنهم تجاوزوا كل الحدود بفتح قنواتهم لكل من هب ودب ليشتم البحرين ويسيء إليها، وأن أذاهم لم يستثن حتى رموز البلاد الذين يفترض أن يكونوا خارج دائرة السب والشتم على الأقل لأسباب بروتوكولية والتزاماً بالأحكام الدولية والإيتيكيت والدبلوماسية. ولعلهم لا يدرون أنهم بتبنيهم قضية البعض من أبناء شعب البحرين وفتح فضائياتهم لهم ودعمهم بالكلمة وبالمال يكونون قد اعتبروا البعض الآخر من هذا الشعب أعداء لهم واعتبروا كل من يقول كلمة حق في حكومة البحرين مخالفاً لسنن الكون ويستحق الرجم.. أو على الأقل رفع قضية ضده أو ربما الحكم عليه بكتابة عبارة (الخليج الفارسي) مليون مرة.. لزوم تأثير التحشيشة يعني! ويش آغا!

منظمات ضد البحرين

يوسف البنخليل
هل فعلاً هناك منظمات تعمل ضد البحرين من الخارج وتمثل مؤسسات المجتمع المدني الأمريكية؟ إلى وقت قريب كانت هناك آراء تنفي ذلك، وتؤكد أن نشاط مؤسسات المجتمع المدني الأمريكية واهتمامها بدول الخليج والبحرين على وجه الخصوص يأتي انطلاقاً من اهتمام هذه المؤسسات بالحريات المدنية العامة وحقوق الإنسان ودعم الديمقراطية، ولذلك كانت هناك انتقادات واسعة تظهر عندما تحاول حكومة البحرين تقييد نشاطها في المنامة إذا كان مخالفاً للقوانين والأنظمة المعمول بها في الدولة. أزمة فبراير 2011 جاءت مختلفة، وجاءت لتكشف حقيقة مؤسسات المجتمع المدني الغربية التي تحرص على التواصل مع منظمات المعارضة الراديكالية في البحرين لأهداف معروفة. هذه المؤسسات معروفة أهدافها، رغم أنها تتخفى تحت ستار وشعارات متنوعة، كما إن تمويلها لا يأتي بشكل مباشر، وإنما يتم من خلال وسطاء، كما هو حال بعض التجار البحرينيين الذين احترفوا منذ فترة مثل هذه الأنشطة المشبوهة في سبيل تحقيق بعض المكاسب التجارية، ونذكر جيداً قيام أحد تجار البحرين بدعم تنظيم سياسي شبابي بمبلغ 7 آلاف دينار من أجل المشاركة في انتخابات طلابية في إحدى الجامعات البحرينية لسبب واحد لا غير وهو منع الإسلاميين من السيطرة على مجلس الطلبة في هذه الجامعة. مؤسسات المجتمع المدني الغربية والأمريكية ليست مقطوعة العلاقة مع حكوماتها، وإن كانت الحكومات الغربية دائماً ما تدعي استقلالية المجتمع المدني عنها. لنتحدث عن النموذج الأمريكي الذي يمكن أن يشكل تجربة فريدة تستحق الدراسة، فالإدارة الأمريكية تؤكد استقلالية مؤسسات المجتمع المدني الأمريكية عنها وعدم تدخل الطرفين في شؤون بعض، ولكننا لا نفهم المسألة عندما تؤسس الحكومة الأمريكية صندوقاً يختص بتمويل مؤسسات المجتمع المدني، ويتم تمويله بشكل مباشر من إحدى الوزارات الأمريكية؟ إحدى مؤسسات المجتمع المدني الأمريكية قامت بصرف أكثر من 358 ألف دولار، أي أكثر من ربع مليون دولار على مجموعة صغيرة من مؤسسات المجتمع المدني في البحرين دون غيرها باسم التدريب والتمكين في المجتمع، ولكن التدريبات التي تلقتها ساهمت في جعلها جاهزة للقيام بأعمال عصيان مدني واحتجاجات واسعة النطاق كما حدث في البلاد خلال العام الماضي. هذا الواقع كشف فعلاً المصداقية الكاذبة لمثل هذه المؤسسات، والتي لا أعتقد أنها باتت تتمتع بمصداقية أكثر مما مضى في البحرين على الأقل. حيث لا معنى لدخول مؤسسات المجتمع المدني الأمريكية للمنامة رغبة في الاطلاع على الأوضاع الحقوقية والأمنية للبلاد، فهناك حد فاصل بين نشاط هذه المؤسسات وبين سيادة الدولة التي يجب أن تكون فوق كل اعتبار، ولا يمكن السماح لمنظمات أجنبية المساس بها مهما كانت الظروف.

اتحاد الخليج اتحاد الشعوب.. فذلكات إيرانية في مرمى التبعية

كمال الذيـب
ما كنت أحسب أن نحيا إلى زمن يتنكر فيه العروبيون إلى العروبة ويتحدثون فيه بلغة الفذلكة التي يشيدون فيها بالوحدة كماهية “ميتافيزيقية” متعالية وكحلم نظري، ويرفضونها واقعاً وإنجازاً في ذات الوقت الذي يستكثرون فيه وصف خليج العرب بالعربي، مخافة إيذاء مشاعر رفاقهم في درب المناكفة! وما كنت أحسب أن نحيا إلى زمن يستظل فيه اليساري التقدمي الديمقراطي بمظلة الأحزاب الدينية الطائفية، ويتحدث بلغة الفذلكة الإيرانية الجديدة ويتماهى معها هدفاً ومقصداً، ولكن ما الحيلة فهذا هو الواقع الجديد بكل ما فيه من مؤلمات محزنات، ومن مفارقات غير مسبوقة في تاريخ النضال الوحدوي، بل وحتى في تاريخ الوطنية العربية في رفضها وعدائها للتدخل في الشؤون الداخلية للأوطان. قبل استعراض بعض هذه الفذلكات السخيفة من حقنا أن نتساءل عن دخل إيران في البحرين أو في غير البحرين وفي الاتحاد أو في غير الاتحاد، في الثورة أو الديمقراطية أو الفوضى، فهذا أمر يفترض ألا دخل لها فيه، وأن كلامها وتصريحاتها وتصويتاتها السخيفة لا تستحق حتى الرد عليها، ولكن لأن لهذه الفذلكات صدى عند البعض في الداخل وكأنها محلي، فلا بأس من استعراض بعضها، فمنها تلك التي يعيد استخدامها وإنتاجها أتبعهم في الخليج العربي- وهم يتحدثون عن الاتحاد- مثل” معارضة الاتحاد بدعوى الحفاظ على السيادة الوطنية” وكأنما الاتحاد نقيض للاستقلال الوطني، ومنها جعل الاتحاد مرادفاً لــ« الابتلاع”، وهم أول من يعلم أن الاتحاد –إذا ما حصل-لن يمس استقلال أو سيادة أي دولة ولا نظامها السياسي ولا دستورها ولا الحقوق المكتسبة ولا الحريات العامة والخاصة، لأنه أقرب إلى الاتحاد الأوروبي الذي فيه الكبار- في حجم ألمانيا وفرنسا وبريطانيا- وفيه الصغار في حجم بلجيكا وسويسرا، وفيه الصغار جداً في حجم لوكسمبورغ، وفيه الممالك وفيه الجمهوريات، وفيه أنظمة برلمانية وأخرى رئاسية وثالثة خليط بين النظامين، بل وفيه يحكم يمينيون، ويساريون ووسط ائتلافات مختلطة، ومع لم يشتك أحد منهم قط من الذوبان أو ضياع السيادة والاستقلال، لأن الاتحاد ليس حالة اندماجية ابتلاعية، بل هو تشابك للمصالح وتبادل للمنافع وتسهيلات للمواطنين وتقوية للدفاع المشترك وردع للأطماع الخارجية وتقوية للتفاوض مع الخارج في كافة المجالات. ومن الفذلكات الإيرانية التي يتبناها التبع المحليون أيضاً “ضرورة استفتاء الشعب حول الاتحاد”، وإن كنا لسنا ضد الاستفتاء من حيث المبدأ، فإن الاتحاد الأوروبي لم يقم على أساس استفتاء وإنما على أساس إرادة سياسية مشتركة، فإن هذه الفذلكة الأخرى يمكن التعامل معها بهدوء ودون إشكالات، لأننا على يقين بأن أغلبية أبناء البحرين -شيعة قبل السنة- سوف يوافقون على هذا الاتحاد دون تردد، باستثناء الـ 15 ألفاً الذين شاركوا في المسيرة المضادة للاتحاد تناسقاً مع الدعوة الإيرانية، ولا ندري وقتها ماذا سيقولون؟. أن يكون هنالك جدل حول الاتحاد وشكله وتحدياته ومنافعه ومضاره والمخاوف التي يمكن أن يثيرها عند البعض، فهذا من طبائع الأمور، بل هذا من طبائع الشعوب الحية، ولا لوم على من يناقش الأمر المصيري بروح العقل والتوازن، ولكن من داخل الرؤية الصميمة المنسجمة مع حلم هذا الشعب وتطلعاته المشروعة للحرية والعدالة والوحدة، أما أن تتنادى أصوات كأنها الغربان إلى النواح والهياط والمياط ضد الحلم المشروع الذي حلمت به شعوب الخليج منذ نشأة دولها الحديثة، فذلك أمر لا يدعو إلى الاستغراب فحسب من صيغته وتوقيته وتناسقه التام مع السياسات الإيرانية الوقحة، ومع التدخل السافر في شؤون الخليج وأبنائه، بل إنه يدعو إلى الاندهاش من حالة الهيستيريا التي أصيبت بها هذه الجماعات والقيادات، فجأة بعد التهديدات الإيرانية الخارجة عن النص والقيم والبروتوكول والأعراف، هذه الهيستيريا التي بلغت درجة لم يعد معها التمييز بين ما هو لصيق بالوجود والهوية وبين تكتيكات السياسة المتقلبة. إن المعطيات الموضوعية تفرض الاتجاه نحو الاتحاد ولو تدريجياً، ولكن بقناعة تامة من الشعوب، فالتواصل الجغرافي والاجتماعي والتاريخي وحاجة الشعوب الماسة لبعضها البعض، وتَشارُكُها في التطلعات والطموحات، واقتناع الساسة بأن استقرار السلطة لن يكون إلا بالتجاوب مع حاجيات الشعوب ومنها الاتحاد، جميعها عوامل داعمة لفكرة الاتحاد ومعجلة به، ولكن هذا الاتحاد الذي يطمح له الجميع -باستثناء 15 ألفاً- هو الاتحاد الذي يبنى على أساس مصلحة الشعوب بالدرجة الأولى فيكون بين شركاء متساوين في الحقوق والواجبات والمكانة، مع الحفاظ على الاستقلال والسيادة وبناء أكبر سوق من مواد وأفكار وقيم وقوانين، وفتح الفضاء الخليجي أمام تحرك السكان والرساميل كأهم شرط للنهضة الاقتصادية الشاملة والتسامح والتنوير.

يريدونها وكالة من غير بواب

محمد الأحمد
هل يعقل أن يدخل أحد إلى بيتك دون استئذان؟.. هل يعقل أنك تصبح في يوم ما مجبوراً على استقبال ضيوف غير مرغوب فيهم في بيتك؟ هل يعقل أن تصبح مذموماً حينما تمنع أي أحد - سيئاً كان أو حسناً - من دخول بيتك؟!. هذا ما يريدونه للبحرين أن تكون.. يريدونها أن تكون وكالة من غير بواب.. عملاء إيران وحزب الشيطان يخلقون شبكات من العلاقات مع المنظمات التي تعمل لصالحهم، ويخلقون في مخيلة آخرين وجهات نظر مجافية للحقيقة بعد سنوات من الكذب والكذب والكذب في غفلة من الدولة، ثم يريدون أن يدخلوا كل من هب ودب من الذين يخدمون قضيتهم الفاسدة إلى البلد ليطعن فيها مثلما يفعلون، ويزيد الخناجر. تمثيليات على كل المستويات.. كومبارس لمسرحيات من الضحايا المساكين الذين تعرضوا لمجازر من قوات الأمن بينما رجال الشرطة صفا صفا في المستشفيات من فرط (سلميتهم)، ثم ارتجافات ورعشات حينما يخرجون على الشاشة مع دموع الأفاعي والتماسيح على أولئك الممثلين، خداع باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان وعنصرية مفرطة تريد إخراج الجميع والإبقاء على الولي الفقيه، واختلاق كذبة السكان الأصليين من مجنسين حديثاً في استخدام فاجر للعنصرية.. قنوات فضائحية، وصحف طهرانية، ومواقع، كلها تروج لهذا الكذب وتخلق منه قصصاً وألحانا عكرة يدندنون عليها صبح مساء.. هم كذلك.. سلسلة من الكذب والخداع والغش.. عجينة من الدجل مزجت بماء العفاريت.. ها هم ينشرون الفوضى في كل مكان.. في العراق.. في سوريا.. في لبنان.. في البحرين.. أرادوها فتنة بين المسلمين في أنحاء الوطن العربي واستطاعوا.. .. ولكن لكل ما طال الدهر به أمد، ولكل حبل من الكذب منتهى مهما طال، وبعد كل ظلمة تشرق الشمس من جديد..

الاتحاد ملاذنا الآمن

عثمان الماجد
«إن التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تموج بها المنطقة تجعل من الاتحاد الخليجي الملاذ الآمن للتعامل معها وصمام أمان لدول المجلس وشعوبه...» من هذه العبارة التي صدرت عن سمو رئيس الوزراء ونائب جلالة الملك إثر زيارة قام بها هذا الأخير لسمو رئيس الوزراء الموقر، تولدت فكرة موضوع المقال ولاح لي عنوانه الذي تقرؤون أعلاه، لأنني وجدت في هذه العبارة تكثيفا لحلم راود أجيالا وأجيالا. فالعبارة فضلا عن تجسيدها لقراءة سياسية ذكية لسياق تتقاطر فيه علينا التحديات والأطماع من كل حدب وصوب وبأشكال مختلفة تفرض ردودا نوعية بعضها داخلي نجده ماثلا في إرساء ثقافة الحوار ومجتمع التوافق الوطني وبعضها الآخر خارجي إستراتيجي نجد عنوانه الأكبر وحدة نواة لوحدة أكبر، قد فعلت في النفس فعل السحر فعادت بالذاكرة إلى أكثر من ثلاثين عاما خلت، إلى حيث منازل الصبا الناصرية التي غادر كثيرون منا محطاتها ولكنهم مع ذلك ورغم تفرقهم في أنحاء الأرض لم تغادر أذهانهم وقلوبهم فكرة الوحدة باعتبارها ملاذا آمنا حقيقيا للعرب للتعامل مع كل الاحتمالات الناجمة عن المتغيرات السياسية الكونية العميقة التي نلاحظ تصاعد وتيرتها في بدايات هذا العقد الثاني من الألفية الثانية بشكل دراماتيكي خاصة في منطقتنا العربية عموما وفي إقليمنا الخليجي وبصفة أخص من جارة السوء إيران التي يفترض فيها أن تكون عضيدة لدول مجلس التعاون في سعيها لجعل حوض الخليج العربي موئلا حاضنا للسلام وداعمة لمسعى دوله في إرساء قواعد التفاهم، فإذا بها بحجج نصرة المذهب حينا وبحيل الجغرافيا أحيانا تُحيي أطماع إمبراطورية بادت لتطلب ابتلاع دول المنطقة كلها في خطة مرحلية طالت جزر الشقيقة الإماراتية وعطفت على البحرين بعيون السوء تصريحا أحيانا وتلميحا حينا آخر وإذكاء لفتنة مذهبية غُلفت بلبوس البحث عن الشرعية الدستورية لتتوج ولاية الفقيه مآلا حتميا لتاريخ أرادته إيران لنفسها ضاربة عرض الحائط قيم الجوار وكل الأعراف الدبلوماسية. وعلى الرغم من أن هناك وجهات نظر مختلفة حول الاتحاد الذي دعا إلى الانتقال إليه من مرحلة التعاون خادم الحرمين الشريفين إلى مرحلة الاندماج، إلا أن ذلك لا يلغي أهمية هذا الطرح في الوقت الصعب الذي يموج بالمنطقة، كما ورد في العبارة السالفة الذكر، فمبادئ الوحدة عنوان تلاحم حقيقي بين النخب السياسية وعامة الجماهير التي لا تعيش إلا بهذا الحلم وله، وأعتقد شخصيا أن تلاحما كهذا لا يروق لنظام سياسي آثر مصالح العمامات السوداء بديلا عن مصالح شعب كل آماله جرعة من الحرية والديمقراطية الحقيقية، ولعل في تدخلات هذا النظام في الشأن البحريني خير حجة وبرهان على صدق ما أقول فالتجربة الإصلاحية السياسية البحرينية محرجة لنظام الآيات، لأنها تسحب من تحتهم بساط الكهنوت وتثبت أن الديمقراطية في منطقة الخليج العربي حقيقة واقعة إذا ما توافرت الإرادة السياسية الصادقة والوعي المدني للمواطنين. لقد دفعتني مبادرات خادم الحرمين الشريفين وإرادة دول مجلس التعاون من أجل إرساء وحدة خليجية إلى مقايسة هذه الدعوة بما تحتفظ به ذاكراتنا نحن العرب من أقوال كثيرة عن المعاني القاموسية لمفردات «الوحدة» أو»الاتحاد»، لأدرك أن شيئا من هذه الأقوال ناتج عن تجارب فاشلة ومنها على سبيل الذكر لا الحصر تجربتا الوحدة بين مصر وسوريا من جهة وبين اليمنين من جهة أخرى، وأن شيئا آخر فيها نابع من محاولات طموحة ترنو إلى تأسيس كيان قوي مثل مشروع الاتحاد المغاربي. ولقد استقر في هذه الذاكرة فهم عام لمعنى هذه الوحدة باعتبارها حلما ينسج العرب، جيلا بعد جيل، توصيفات لها ولم يصلوا بعد إلى صيغة نهائية حول شكل هذه الوحدة، هذا إذا ما استثنينا تجربة إتحاد دول الإمارات العربية التي تبلورت نجاحا باهرا، ومثالا يجب الاحتذاء به، في دولة تحظى بسمعة دولية محترمة وهي دولة الإمارات العربية. وإلى جانب المعنى المنحوت في ذاكراتنا أو المسعى الذي أعطى الأولون مهجهم وأرواحهم لبلوغه مقصدا لا ينازعه مقصد آخر، تختزن ذاكراتنا الكثير الذي يمكن أن يقال عن تجارب الأمم الأخرى التي سجلت نجاحا في هذا المضمار مثل تجربة الاتحاد الأوروبي الحديثة العهد في اكتمالها كتجربة رائدة ماثلة للعيان، والبعيدة تاريخا في إرساء المقدمات الاقتصادية اللازمة لهذا النجاح حيث تعود إلى العام 1957. ولا أظن أن التاريخ قد عرف أمة أخرى تحدثت بمثل العمق الذي تحدثت به أمة العرب عن مقومات وحدتها وأبعادها وآلياتها والمكاسب المرجوة منها ولا أمة أخرى قد اختطت هذا المسعى الحثيث إلى الوحدة أكثر مما فعلته أمة العرب، ورغم أن تلك المساعي كانت جادة وصادقة، إلا أنها لم تكن بذات التهيئة التي عملت دول مجلس التعاون على إرساء قواعدها الاقتصادية والسياسية وتنمية الموروث الحضاري الثقافي والاجتماعي المشترك ليكون عاملا مكملا لما يجب أن يتوافر حتى تكتمل صورة هذه الوحدة ويكتب لها النجاح، مستلهمة في ذلك ناجح التجارب مثل تجربة الاتحاد الأوروبي. ومن سخرية الأقدار أن هذا العمل الجبار الذي مر على العمل فيه أكثر من ثلاثين عاما قد صار يتصادم مع مصالح جمعية «الوفاق» الوطنية جدا وشقيقاتها المذهبيات التي اختارت الارتماء الكلي في أحضان إيران، هذه الدولة التي تحمل من الكره لمستقبل دول مجلس التعاون ما تنوء به الجبال، وتقف ضد كل ما يمكن أن يجمعها على الخير، وتعتبرها حجر عثرة في نمو نفوذها التوسعي المبني على عناصر تتعاكس مع حركة المجتمعات في نهوضها الحضاري لقبر كل ما هو مذهبي وعنصري لمصلحة الوطني والإنساني. موقف جمعية «الوفاق» من الاتحاد لم يكن جديدا فلقد عبرت عنه بصراحة لا حياء فيها مذاك الوقت الذي فيه جاءت طلائع قوات درع الجزيرة للدفاع عن البحرين، وأصحبت موقفها ذاك بوابل من الألفاظ والاتهامات إلى هذه القوات باعتبارها قوات سعودية غازية في حين كانت مهمات هذه القوات محددة وصريحة وهي الدفاع عن المنشئات الحيوية التي كانت مهددة بغزو محتمل. خلاصة القول إن موقف جمعية «الوفاق» المتناقض مع حقيقة واقع دول مجلس التعاون لا ينبغي أن يعتد به لأنه لا يأتي إلا تعبيرا عن مذهبية فاقعة لا ترى حياة إلا في كنف ولاية الفقيه، وإن انتقال دول مجلس التعاون إلى مرحلة الاتحاد، الذي لا يمنع أي دولة من دوله أن تتقدم في المسار الديمقراطي ولا تراجع فيه عن مبدأ فصل السلطات، هو الضمان لبلوغ الملاذ الآمن الذي أردته عنوانا لهذا المقال.

احترم نفسك

طارق العامر
معقول أن من ورط البحرين كلها فى تلك المصائب، وقسم الوطن، وزرع الفرقة والفتنة والطائفية في قلوب البحرينيين، يتكلم زورا وتدليسا بأسم الشعب.. أنت فعلا يا أمين عام الوفاق لا تحتاج الى محلل سياسي بل الى طبيب نفسي!! فحين يقول علي سلمان بأن الشعب يرفض الانضمام لاتحاد الخليج العربي، ماذا يتوقع ان يكون الرد؟ في اقل من 24 ساعة جاءه الرد من شعب الفاتح والذي خرج عن بكرة ابيه ليعلن أمام أنظار العالم أجمع، وليرد على بني صفيون وأذنابهم وأتباعهم، ليقول وبأعلى صوته: «الشعب يريد الاتحاد» فماذ يعني ذلك، وما هي فحوى الرسالة التي يريد شعب الفاتح ايصالها الى أمين عام الوفاق؟ ارفع صوتك يا شعب الفاتح تراني ما اسمعك زين.. نعم..نعم..، الشعب يقولك يا علي سلمان: لا تتكلم باسم الشعب مرة ثانية، فهذا الشعب ليس قاصرا لم يبلغ الحلم، او قطيعا تسوقه الوفاق، فالزم حدودك، واعرف قدرك، فلست أهلا أن تتحدث باسم الشرفاء .. هل وصلت الرسالة!! في كل أزمة او أزمة سياسية يتحول شعب الفاتح الى بطل تاريخي، وكتلة مخيفة، وثابتة، ومتوحدة على الولاء التام لـ»آل خليفة الكرام» او الموت الزؤام لأعدائه، وفي كل منعطف تاريخي يزداد تألقه الروحي والذهني والوطني والاجتماعي لوطنه البحرين، وخذ عندك، بداية من 21 فبراير 2011 وحتى السبت الماضي، جاء الى الفاتح من كل حدب وصوب كيانات مغلفة بأمل طال أنتظاره لعقود، لتدافع عن حلم الوحدة، ومن يشاهد جمع الفاتح في كل مرة، من المستحيل أن يتخيل أن هذه القوة يمكن أن تتلاشى في يوم، لن تختفي لأن لديها ما تدافع عنه، وفي سبيله لا تهاب حتى من الموت، ومن يقرأ تعليقات الكثيرين على التويتر، يصاب بالدهشة من هذه الشجاعة التى دخلت فى التكوين النفسي والسياسي وتعمقت رغم مرور فترة قصيرة على جريمة الغدر. أين ستذهب هذه الشجاعة عن هذا الشعب؟ هل من الممكن أن ينسى هذا الغدر؟ ومن أين تأتي هذه الجموع بالشجاعة لتواجه خصم يقتل ويحرق وينشر فزعه فى كل مدينة وشارع ومدرسة؟ انهم شعبك يا وطن الكرام، ومؤيدوك وناصروك وظاهروك على كل من عاداك، فاستمسك بحبله الوثيق وأكرم مثواه عسى مثواك الجنة. بذمتك يا وطن، عمرك شفت مثل معدن هذا البحريني الأصيل والبسيط؟ رغم كل الاحباطات والصفعات والتجاهلات، الا انه واقف هو وزوجته واولاده، في عز الحر وتحت لهيب الشمس، رافعا علم بلاده وصور قيادته ويهتف باسم «بوسلمان» و»بوعلي»، لا يتأفف او يشتكي من شيء، بل كله اصرار وأيمان بأن وقوفه قد يشكل فارقا كبيرا في مصير أمة بأكملها؟ مؤمن أنا وسأعيش دوما مؤمنا، بان هذا الشعب نعمة كبيرة، والشكر لله واجب. لست انا من يقر بذلك، بل اهل البحرين جميعا بما فيه شرائح كبيرة من اخوانه الشيعة تتهم الوفاق بالعمالة لإيران، وهى تهمة فى الحقيقة تتردد منذ سنين عدة، وكنا نعتقد أن فيها مبالغة ما أو مغالاة أو خصومة سياسية، لكن هذه الجماعة خلال السنة المنصرمة، تمكنت بعون الله من إقناع جميع ابناء الخليج والوطن العربي، بأنها على قدر كبير من الخيانة، وأنها بالفعل بلا وفاء ولا عهد!! طيب وانصارها واتباعها واذيالها ممن لا يصدقون حقيقة الوفاق ولا يسلّمون بصحة خيانتها، ماذا نقول لهم: يا أخي أنت امتى بتفهم، وامتى بتشوف الوفاق على حقيقتها وبتحس الواقع؟ «السموحة» هو مخك مخ صنم ولا جاري البحث عنه؟ « أوف كورس» مخك يحتاج الى تبديل زيت؟

مقتدى الصدر يغزو البحرين

داود البصري
لعلها من مهازل الأقدار أن يتحول العراق لأكبر مسرح ميداني وحي للدمى الإيرانية المتحركة التي باتت تتحكم بموجات العملية السياسية والأمنية القائمة في العراق بشكل مثير للغثيان، فالعراق الذي هو بمثابة الدولة العربية المشرقية الكبرى الواقعة شرق العالم العربي وبإطلالته الخليجية كان من المفترض أن يمثل موقع قوة وأمن وامان للأمن القومي العربي وبما يدعم مسيرة الأمن والاستقرار والتنمية في هذا الجزء الاستراتيجي من العالم إلا أن حظ شعبه العاثر شاء له على الدوام أن ينتقل من ورطة استراتيجية قاتلة لأخرى أشد منها سوادا. وقد أنتجت أوضاع ما بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003 وتهشم الدولة العراقية، وسيادة الولاءات الطائفية والعنصرية والعشائرية شخوصا هزلية مثيرة للغثيان تحولت بفضل الفراغ القيادي الكبير والحالة المهلهلة والمتخلفة للمجتمع العراقي بسبب سياسات الموت البعثية العبثية السابقة لرموز سياسية وكفاحية رغم تفاهتها وفراغها وهوانها على نفسها وعلى الناس، وكان من أبرز الأسماء التي ظهرت مع أحذية الاحتلال الثقيلة وبشكل ميلودرامي صارخ وعن طريق الجريمة أيضا هو مقتدى الصدر ذلك الشاب النزق الجاهل بروحه العدوانية ونفسيته المريضة وهو يأمر أتباعه من مجرمي «فدائيو صدام» الذين تحولوا بجرة قلم لـ «جيش المهدي» بتقطيع أوصال المرحوم السيد عبدالمجيد الخوئي في الحضرة العلوية، وتلك الجريمة البشعة التي كانت المقدمة لجرائم تطهير طائفية بشعة مارسها ذلك الفاشي المعتوه الذي تعهدته يد الرعاية الإيرانية ونفخت فيه من روحها وسحبته لقم لكي تصقله وتلمعه وتعيد تصديره للعراق والشرق بمواصفات تقنية وإرهابية جديدة وبرتبة دينية رفيعة لا يمكن أن يصل إليها أبدا، فالإناء ينضح بما فيه. فتم تهيئة مقتدى الصدر ليكون مشروع فتنة عراقية متنقل وجاهز بآرائه الغريبة المثيرة للسخرية، وتنقلاته الدائمة والمفاجئة، وانقلاباته السياسية المسرحية وتحولاته وانقباضاته ومن ثم محاولة دس أنفه وأنف أتباعه في أمور أكبر منهم بكثير وتتعلق بحريات الشعوب وانتفاضتها كموقفه المخجل من الثورة الشعبية السورية وهو استمرار للموقف العدواني الإيراني، وطبعا لن أركز على لعبة الصدر الداخلية في العراق وتنقله بين الأطراف الساسية المتصارعة على السلطة والنفوذ والهيمنة فلذلك مجال آخر، ولكنني أشير لدس أنف الصدر والعصابات التافهة الطائفية المرتبطة به في الملف البحريني وحيث تواجه مملكة البحرين أعتى رياح تآمرية تقودها العصابات والتنظيمات الإيرانية المرتبطة بنظام الولي الفقيه، وتسيرها للأسف بعض المخابرات الدولية التي تؤمن الملاذ الآمن والحرية الإعلامية لرموز التخريب الإيرانية المعروفة في البحرين والعالم للجميع!. فإضافة لتهريج الأحزاب الطائفية العراقية وجماعة أحمد الجلبي وبقية شلة الأنس الطائفية في العراق والخليج العربي من المسألة البحرينية، فقد دخل مقتدى الصدر على خط الأزمة باعتباره احتياطيا إيرانيا «مضموما» وأطلق تهديداته المباشرة والسخيفة ضد مملكة البحرين مهددا بالويل والثبور إن حاولت السلطات البحرينية معاقبة مثيري الفتنة الوطنية والطائفية!!، وهو تهديد رغم سخافته وغبائه إلا أنه يحمل معان واضحة ويؤشر للأسف لدور سلبي عراقي لا يمكن أن يصدر من العراق العربي الحر لو كان بلدا حرا وشامخا وينتمي فعلا لمحيطه!، كما ان التهديد الصدري الوقح يتضمن دلالات مؤسفة ذات أبعاد فتنة طائفية تتجاوز بكثير مجرد التهديدات اللفظية لتدخل ضمن مسلسل التوظيف الإيراني للقوى الطائفية لإشعال فتنة طائفية لا محل لها من الإعراب في الخليج العربي وهو الهدف الإيراني الواضح اليوم وأحد الأدوات الإيرانية المباشرة في حماية المصالح الإيرانية ودعم الحلفاء الموشكين على الانهيار كالنظام السوري، تهديدات الصدر الخرقاء ليس لها من الجدية والواقعية الشيء الكثير، ولكنها مؤشر خطير على إيقاعات فتن ومصائب ومخططات إيرانية خبيثة باتت واضحة المعالم لتمزيق دول المنطقة، ولنشر الفوضى الإقليمية، البحرين بشرعيتها وشعبها أشد مراسا وأصلب عودا من أن يتطاول عليها أو يهدد حواشيها نفر من المرتزقة والمهلوسين والقتلة، ولكن تلكم التهديدات تظل عنوانا صارخا ومريعا لحجم ودرجة الاختراق الإيراني لأمن الخليج العربي، وهو اختراق بصفحات ووجوه وواجهات عديدة ليس مقتدى الصدر سوى أحد واجهاتها الكالحة...!

الموقف الدولي من البحرين

محمد مبارك جمعة
الموقف الدولي من البحرين في تحسن كبير. يشهد على ذلك عدد من المؤشرات التي رصدناها مؤخراً. من بينها استئناف مبيعات الأسلحة الدفاعية للبحرين من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وما صدر عن عدد من المسئولين من تصريحات داعمة للموقف البحريني. أيضاً مناقشة تقرير حقوق الإنسان في جنيف وما حصدته البحرين من مواقف دولية كثيرة داعمة ومشيدة بكل ما تم اتخاذه من إجراءات في مقابل انتقادات لا تتجاوز إجمالاً كونها «ملاحظات» يجب أن تتولى وزارة حقوق الإنسان الرد عليها وتوضيحها. يضاف إلى ذلك، أن المجتمع الدولي من خلال جلسة مناقشة تقرير حقوق الإنسان تبين أنه على علم بما يجري في البحرين، وخصوصاً ما يمارسه أتباع «المعارضة» من حراك عنيف وغير سلمي في الشارع راح ضحيته مدنيون ورجال أمن. ولا يجب أن نغفل حقيقة تراجع بعض الدول الأوروبية عن مواقفها السابقة بشأن بعض «النشطاء» في البحرين، حيث كانت التصريحات والمطالبات والضغوط لا تتوقف، لكن يبدو أن هذه الدول بدأت تعي أن هؤلاء متهمون أمام القضاء البحريني الذي سيفصل في أمر إدانتهم أو براءتهم.
من بين المؤشرات الأخرى أيضاً، ما ذكرته التقارير الاقتصادية المتوالية عن تربع البحرين على عرش الدول ذات الحرية الاقتصادية، وهناك شركات ضخمة قامت بتوسيع نشاطاتها في البحرين، على رأسها «مكلارين» التي تعتزم افتتاح معرض دائم لسياراتها هنا. وإذ ان الشيء بالشيء يذكر، فإن إقامة سباق فورمولا واحد هذا العام في البحرين، ونجاحه رغم كل العراقيل التي حاول البعض وضعها أمامه هو أيضاً من بين جملة هذه المؤشرات.
لكن يبقى أن نقول إنه من الواضح أن المغيّب عن جميع هذه المؤشرات والحقائق هو «المعارضة» وأنصارها، فخطابها إمّا ينم عن جهل، وإما عن تعتيم متعمد حتى لا يتبين لأنصارها حقيقة الموقف الدولي. خطابات «المعارضة» تكرر على أنصارها بأن ما تصفه بـ «النظام» محشور في زاوية، وأن دول العالم تدين وتشجب، وأن ما تزعم أنه «نصر قادم» سوف يتحقق، وكل هذه عبارة عن هرطقات لا تمتّ إلى الواقع الصلب على الأرض بصلة، وحقيقة الأمر هي أن «المعارضة» ومن تبعها يعيشون آخر مراحل عملهم غير الوطني على أرض البحرين، بعد أن فقدوا جميع أوراقهم ولم يتبق منها شيء سوى إحداث الضجة والتهويش في كل أمر. هذه هي الحقيقة، وعلى زعامات «المعارضة» إبلاغ أنصارهم بهذا الأمر.

جريمة صنعاء هل تقرع الأجراس

عبدالله الأيوبي
إذا كانت جريمة التفجير الإرهابي الذي ضرب مدينة صنعاء أمس الأول وأودى بحياة أكثر من تسعين عسكريا يمنيا وإصابة المئات بجروح تعد واحدة من أبشع وأعنف الهجمات الانتحارية التي ينفذها تنظيم القاعدة الإرهابي، فإنها لن تكون الأخيرة وقد لا تكون الأعنف أيضا بعد أن أوجد هذا التنظيم لنفسه مواطئ قدم قوية ومتفرقة فوق الأراضي اليمنية ومدد خيوط انتشاره مع أكثر من جهة في الداخل وفي الخارج أيضا، فالانتحاري الذي نفذ الجريمة البشعة هو جندي تم تجنيده لصالح القاعدة ونفذ العملية بحزام ناسف يحوي ١٣ ألف شظية أثناء مشاركته في تدريبات العرض العسكري المقرر إقامته أمس الثلاثاء بمناسبة ذكرى توحيد شطري اليمن.
وما يرفع من التوقعات بارتفاع وتيرة الجرائم الإرهابية من جانب تنظيم القاعدة في اليمن هو التوجه الحكومي في الآونة الأخيرة والمدعوم عسكريا ولوجستيا من جانب الولايات المتحدة الأمريكية لإنهاء سيطرة تنظيم القاعدة على محافظة أبين في جنوب اليمن من خلال حملة عسكرية كبيرة يشارك فيها نحو ٢٠ ألف جندي يمني أسفرت حتى الآن عن مقتل نحو ٢٢٧ مقاتلا يشتبه في أنهم من أنصار القاعدة أو ما يعرف في اليمن بـ «أنصار الشريعة»، وبالتالي فإن التوقعات ترجح تصاعد مثل هذه الجرائم إذا ما استمرت الحكومة اليمنية في نهج التصدي الحاسم للتنظيم.
ليس أمام الحكومة اليمنية من خيار سوى حسم أمرها والسير في قرار التصدي لهذا التنظيم الإرهابي الذي استفاد من الأزمة السياسية التي مرت بها البلاد وضعف سيطرة الحكومة المركزية، فسيطر على مناطق واسعة من محافظتي أبين وشبوة تمهيدا لتأسيس قاعدة لوجستية وتموينية تعزز من قدرته على الانتشار في أكثر من محافظة، سعيا منه نحو إقامة الإمارة «الإسلامية» التي تعتبر هدفا معلنا من أهداف هذا التنظيم بعد فشل تجربة مثل هذه الإمارة في أفغانستان اثر الحرب الأمريكية الأطلسية التي أسفرت عن إسقاط حكم «طالبان» في كابول.
فاليمن كان القاعدة الرئيسية التي استقبلت من يسمون المقاتلين العرب العائدين من أفغانستان قبل ان يتوزعوا في أكثر من منطقة مثل الجزائر والبوسنة والهرسك ومن ثم الصومال، حيث كونوا هناك قواعد وأنصارا محليين وشاركوا في تدريب العناصر المحلية على تنفيذ مثل هذه العمليات تحت حجة «محاربة» الأمريكان وأعوانهم من الحكومات العربية وغيرها، وهناك الكثير من الشواهد التي تؤكد مثل هذين النهج والتوجه لتنظيم القاعدة، وقد شهدت المملكة العربية السعودية في فترة من الفترات تصاعد الجرائم الإرهابية لتنظيم القاعدة، والصورة نفسها تكررت في العراق بعد الغزو الأمريكي، وهي تتكرر الآن في سوريا وفي اليمن.
فالمهمة أمام الحكومة اليمنية ليست سهلة، وهي معقدة في الوقت نفسه، فتنظيم القاعدة أو ما يعرف بـ «أنصار السنة» يتخذ من الدين الإسلامي غطاء لتوجهاته العقدية والسياسية وبالتالي فإن التربة اليمنية مهيأة أمامه للتغلغل في صفوف اليمنيين ونشر تعاليمه وتجنيد العناصر التي تمكنه من مواصلة حربه في اليمن، أضف إلى ذلك ان هذا التنظيم يشعر الآن بأن هناك حربا حقيقية يتعرض لها، ليس من جانب الحكومة اليمنية وحدها، وإنما هناك دعم مباشر من جانب الولايات المتحدة الأمريكية التي أرسلت ـ بحسب التقارير الصادرة عن اليمن ـ مستشارين عسكريين لتوجيه القوات اليمنية في ساحة المعارك بمحافظتي أبين وشبوة، كما أن الطائرات الأمريكية من دون طيار تنفذ هي الأخرى عمليات قصف مستمرة لمواقع القاعدة في تلك المنطقة.
بلا شك أن حرب اليمن ضد تنظيم القاعدة تصب في صالح الشعب اليمني على المدى البعيد، فهذا التنظيم إذا ما تمكن من التمدد والانتشار في اليمن، فإن المخاطر التي يمثلها لن تنحصر في الحدود الجغرافية للدولة الشقيقة، بل ان دول الجوار ستدفع هي الأخرى ثمن هذه النتيجة، ومنها بالدرجة الأولى المملكة العربية السعودية التي كانت باستمرار هدفا معلنا لهذا التنظيم، بل نفذ الكثير من الجرائم الإرهابية على أراضيها، ومن هنا فإن الوقوف إلى جانب اليمن في حربه العادلة ضد هذا التنظيم الإرهابي سوف يخدم مصالح الشعب اليمني والشعوب المجاورة الأخرى.
فليس هناك مجال للتهاون مع الخطر الذي يمثله تنظيم القاعدة، سواء في اليمن أو في أي مكان آخر، فقد أثبت هذا التنظيم والتنظيمات المتطرفة الأخرى التي تتخذ منه مثالا لـ «جهادها» أن عملياته ليست مرتبطة بحدود جغرافية معينة، فلم تكن ساحات الدول الغربية التي يدعي هذا التنظيم أنه «يحاربها» بسبب عدائها للإسلام، هي المكان الوحيد الذي نفذ فيه مجازره وعملياته الإرهابية، بل ان الدول والشعوب الإسلامية هي الأكثر تضررا من جرائمه، وهي التي دفعت أثمانا باهظة جراءها، وبالتالي ليس هناك من مخرج أمام القوى والدول المناهضة حقا لهذا التنظيم إلا التصدي له، ومن الخطأ الفادح السكوت على جرائمه في مناطق والتصدي لها في مناطق أخرى، فمثل هذا التوجه سيدفع ثمنه الجميع.

المعارضة البحرينية والمثال السوري

أحمد سند البنعلي
بعد أن تعبت آلة العد في حساب الضحايا الذين يسقطون يوميًا في سوريا يبدو أن النظام في سوريا يريد أن يخرج المشكلة من الداخل ويحركها خارج الأراضي السورية لتخفيف الضغط الدولي عليه مع أن هذا الضغط وكما يبدو بعيد عن التأثير على مجريات الأحداث في القطر السوري، بل إن ما نراه هو عدم وجود ضغط دولي على النظام في سوريا غير المحاولات العربية لنصرة الشعب هناك وهذه المحاولات كما هو واضح بعيدة عن التأثير المطلوب بسبب تعقيدات السياسة الدولية التي لا تريد لذلك النظام أن يسقط وتراهن على الوصول إلى حل وسط يعطي الشعب العربي السوري بعض الحقوق المنتهكة ويُبْقِي على السياسة السورية على ما هي عليه.
الشواهد تقول إن النظام الغربي يريد الإبقاء على النظام السوري وليس العكس فبقاء ذلك النظام يخدم السياسة الغربية أكثر مما يضرها وما الدعوات التي تصدر هنا وهناك من تلك الدول وتدعوا لسقوط النظام إلا ذرا للرماد في العيون وتغطية مكشوفة على الهدف الحقيقي من وراء التدخل الغربي في الشأن العربي.
الوضع في سوريا تتلاعب به التناقضات المذهبية وتسيره أهداف بعيدة عن الشأن السوري وما التدخلات الخارجية في ذلك الشأن إلا تعبير عن تلك الحالة بعد أن عجز النظام عن تبرير ممارساته وارتفاع عدد الشهداء الذين سقطوا منذ بداية الحراك الشعبي الثوري هناك، لذلك يعمل النظام حاليا على تصدير المشاكل السورية إلى خارج الحدود وبدأ في لبنان النقطة الأضعف والأكثر سهولة بالنسبة له لتجسيد ذلك التدخل خصوصا مع الدعم الإيراني الواضح وهيمنة إيران على جزء كبير من السياسة اللبنانية الداخلية عن طريق حزب الله في لبنان، وكذلك التفجيرات التي ازدادت في الآونة الخيرة داخل سوريا لتبرير ممارسات النظام ضد الشعب السوري ولإدخال الخوف الظاهري من نجاح الثورة هناك وربط ذلك بما يحدث في اليمن حاليا وتنامي قوة التيار الممثل لتنظيم القاعدة.
الغريب في الأمر أن تيار الرفض السياسي في البحرين والذي يتحدث عن ما يسمى ثورة 14 فبراير يقف وبقوة مع النظام السوري في تناقض مع دعواه المحلية وتحت دعوى المقاومة وأضحى مفهوم المقاومة هو الشماعة التي يريد الكل تعليق ممارساته عليها، فبإسم المقاومة يقتل الشعب السوري علنا وأمام الناس وبإسم المقاومة تقسم لبنان وتضعف إرادته وبإسم المقاومة يقف الكثيرون موقفا سلبيا أمام التدخلات الإيرانية في الداخل العربي.
هذه المقاومة لم نر لها حتى الآن جانبا إيجابيا أو عمليا ولم تخرج عن دائرة الكلام ولم تأت بأي نتيجة لصالح الشعب العربي في العموم والشعب الفلسطيني على الخصوص لذلك نستغرب الحديث عن المقاومة التي بها يذبح الشعب السوري وتقف جمعيات الرفض السياسي عندنا مؤيدة لتلك المجازر التي تجري في سوريا.
على ما يبدو أن مقولة ملك الأردن ليست ببعيدة عن الواقع الذي نعيشه اليوم وهذا الهلال هو الذي يحرك مسيرة الأحداث في المنطقة وعليه يقوم كل طرف بتحديد موقفه من تلك الأحداث، لذلك نرى التأييد من قبل جمعيات سياسية في البحرين لموقف النظام ونرى تأييد مضاد من جمعيات أخرى للحراك الشعبي ضد ذلك النظام وتبقى الحقيقة الغائبة التي تدركها جمعيات أخرى وتقف مع الشعب العربي السوري في ثورته السلمية من اجل الحرية والكرامة وتضيع الحقوق الشعبية التي يتشدق بها الكثيرون في خضم المعركة الطائفية التي تعيشها المنطقة حاليا... والله من وراء القصد.

رفض الإدانة من المعارضة في شيء

عبدالله الكعبي
مجموعة من المتابعين للشأن البحريني وأنا أحدهم، لم يعترفوا في يوم أن هناك معارضة حقيقية في البحرين وأن الجمعيات التي تطلق على نفسها هذا المسمى أو تحاول أن تصنف نفسها على أنها جمعيات معارضة ما هي إلا جمعيات تفتقر إلى الرؤية الواضحة والصورة الحقيقية التي يجب أن يكون عليها مجتمعنا بعد أن يستفيد من وجود المعارضة الحقيقية في حياته.
هذه الجمعيات على صنفين، فجمعيات الصنف الأول تفتقر إلى وجود الاعتراف الشعبي بوجودها مما يدفعها دفعاً لتبني أفكار الغير بغية الحصول على الجماهيرية نظير تلك الخدمات المجانية التي تقدمها للغير حتى يتفضل عليها بشيء يسير من المكاسب السياسية أو تحقيق الجماهيرية التي تتعطش لها بشدة.
أما جمعيات الصنف الثاني فهي الطرف الذي يحاول أن يستغل هذا المسمى الفضفاض لخدمة المصالح الخارجية على اعتبار أن العمل المعارض لسياسات الداخل هو مدخل طبيعي لتدخلات الخارج الذي بإمكانه أن يمول ويدعم ويوجد البديل المناسب في وقت الحاجة.
الأحداث الأخيرة في البحرين وتداعياتها أكدت حقيقة الجمعيات التي توصف تجاوزاً بالمعارضة، بل وفضحت حقيقتها بعد أن تبين أنها مجرد جمعيات عميلة تعمل وفق آليات معينة خدمةً لمصالح خارجية تحاول أن تنال من البحرين وشعبها وتعمل على تعجيم لسانها العربي انطلاقاً من القول الذي يروج له حالياً بأن الحل الأمثل للخروج من أزمة البحرين هو ربطها بالساحل الشرقي للخليج الذي تحتله إيران، وليس الغربي الذي يعيش عليه العرب منذ آلاف السنين.
الدعوة التي تبنتها مؤسسات السلطة الرسمية في البحرين والتي يؤيدها كل إنسان مخلص لن تجد لها صدى عند القائمين على تلك الجمعيات نظراً لتعارضها مع سلوكهم المبرمج على السمع والطاعة لأولياء أمورهم في الخارج والتي تشكل الإدانة لتصرفاتهم خروجا عن المألوف وانقلابا على الوضع القائم الذي لا يمكن أن يتنكروا له سواء تعلق الأمر بالوطن أو بالأخلاق أو بالأعراف التي ضربوا بها جميعاً عرض الحائط حينما وضعوا أيديهم في يد كل القوى التي تسعى اليوم لتجسيد واقع جديد كانوا حتى وقت قريب ينأون بأنفسهم عنه ربما حياءً أو خوفاً من ردة فعل غير متوقعة.
يكذب من يدعي أن في البحرين أحزابا أو جمعيات معارضة لأن المعارضة الحقيقية هي أداة بناء لا هدم وولاء وانتماء لا تتنكر للأرض والتاريخ وكل الماضي الجميل حيث تحاول ما تعرف بالمعارضة في البحرين هدمه والعبور على أنقاضه إلى المستقبل الذي بلا عنوان ولا حتى أفق يصلح أن يكون مشتركاً لجميع أهل البحرين على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم وانتماءاتهم.
الأوضاع الحالية في المنطقة وفي العالم بوجه عام تبشر بالكثير من الخير وهي بالمناسبة ليست في صالح تلك العنتريات التي دنى أجل زوالها، واعتقد أنه لا حاجة لأحد أن يعيد التذكير بما يجب أن يفعله عملاء الخارج، لأن هؤلاء اختاروا الدرب الأصعب لبلوغ أهدافهم وتجاهلوا كل النداءات السابقة بالرغم من صدقها وخوفها عليهم على اعتبار أن الوطن لا يمكن أن يعوض وأن جملة المتآمرين عبر التاريخ لم يكن لهم مكان في النهاية إلا ما تعارف عليه البشر بمزبلة التاريخ. فالأمثلة على تلك الأفعال كثيرة وأصحابها في النهاية ليسوا سوى جسر أو ممر يعبر عليه الغزاة والطغاة والمحتلون لتحقيق أهدافهم قبل أن يتخلصوا منهم ويختاروا غيرهم لإكمال المشوار.
الإدانة الحقيقية لأي عمل مشين لا تنتزع انتزاعاً ولا يجب إرغام أحد عليها لأنها تعبير صادق وحقيقي ينبع من القناعة وهي دليل صدق المشاعر والإيمان الكامل بحب الوطن والصدق معه. لذلك فإن الإدانات المزيفة ليست سوى تأييد مبطن لذلك العدوان وقد تكون إشارة مصدرها الخارج الذي يملي على جماعته التصريح بتلك الإدانات لامتصاص الغضب وتهدئة النفوس من أجل تجربة أدوات أخرى قد تكون أكثر قدرة على النجاح بعد أن أثبتت كل الأدوات السابقة فشلها.

القاعدة وعنق اليمن

د.عمران الكبيسي
قبل الخوض في مخاض اليمن العسير مع القاعدة، أود عرض قصة الطفل والبطيخة، ففيها عبرة وذكرى: رأى طفل بطيخة داخل وعاء زجاجي لدى والده، وكان عنق الوعاء ضيقا لا مجال لنفاذ البطيخة منه، تعجب الطفل وانتابته الحيرة، كيف دخلت البطيخة الوعاء الزجاجي وعنقه الضيق؟ وفكر عبثا، ثم بدأ يسأل والده بإلحاح، كيف دخلت البطيخة الوعاء؟
أخذ الوالد الطفل إلى الحديقة، وجاء بزجاجة شبيهة لما معه فارغة، وأدخل برعم بطيخة صغير عالق بفرع مغروس في الأرض، في جوف الزجاجة، وتركه يكبر بطيخة يستعصى خروجها من عنق الوعاء! ففهم الطفل أن البطيخة نمت في جوف الوعاء من الصغر. فكثير من المظاهر التي ألفناها تكبر من الصغر كان بالإمكان التخلص منها لو أردنا، أما حين تكبر تلك العادات فلا بد من كسر الوعاء الذي يحتويها. فيا ترى، من ادخل برعم القاعدة داخل جوف اليمن، وتركها تكبر ليغص فيها ويعاني مخاضا صعبا يدفع ثمنه اليوم، ويهدد بكسر جدار أمنه، وتدمير ألفة شعبه؟
وللتذكير، إن الأميركان هم من أدخل براعم القاعدة في جوف اليمن، يوم استغلوا عاطفة اليمنيين الدينية، وحبهم للسلاح والتدريب على استخدامه بشجاعة، ونفورهم من الإلحاد الشيوعي، فوظفوا هذه المعطيات وجندوا الشباب للجهاد في أفغانستان المسلمة لصالحهم ضد الاتحاد السوفيتي، وحين خرج السوفيات، وعاد المجندون إلى بلادهم لم يلتفت إليهم احد، وأهملوا عنوة، وأمعنت أميركا في تأييدها وانحيازها للصهاينة ضد الفلسطينيين، فكبرت بطيخة القاعدة وانقلب السحر على الساحر، وأصبحت أميركا في مرماهم. وارتكبت أميركا خطأ بتعاونها مع علي صالح ولا اتهمه بالتعاون المباشر الخفي مع القاعدة كما يفعل أعداؤه للنكاية، وإن كان هو المسؤول عن تمددها بسياسته الخرقاء، بهدف تخويف أميركا لمساعدته بالسلاح كحليف دائم ضد القاعدة، وبالمثل حاول الأميركان استخدامها فزاعة لصالح ليضمنوا ولاءه لهم واتخذوا القاعدة طعما، وباتوا يتأبطونه شرا، وكل منهما يغرر الآخر، حتى كبرت البطيخة في جوف اليمن وأصبحت تهدد بالانفجار من الداخل، وتحطيم الزجاجة وليس كسرها من الخارج.
ولا اعفي الدول العربية ودول الخليج بضمنها من المسؤولية غير المباشرة، فدول الخليج التي تستقطب العمالة من كل حدب وصوب أدارت ظهرها لليمن الشقيق بعد حرب الخليج الثانية، وفضلت أبناء آسيا عليهم كأيد عامله، واكتفت بمساعدات مادية للحكومة اليمنية تصرف كرواتب، أو بناء مدرسة ومستشفى ومركز شرطة، ولم اسمع دولة عربية فتحت مصنعا للأحذية وخياطة الملابس، أو تعليب المنتجات الغذائية، أو بنت فنادق ومنتجعات سياحية، ولا حتى مصنع ابر ومسامير أو دراجات هوائية، ولم يحسب العرب للخطر حسابا لو أن القاعدة تمددت أكثر بفعل الفقر وانتشار البطالة، وكسرت حدود اليمن إلى الجوار ماذا تفعل؟
حكومة صالح هي الأخرى توسعت بالتعليم الجامعي بلا هدى ولا تخطيط، بهدف استيعاب خريجي الثانوية وإشغالهم أربع وخمس سنوات بالجامعة، وبعدها يفتح الله، أذكر قسم علم الاجتماع بجامعة تعز يقبل نحو مائتي طالب سنويا، وهناك نحو سبعة أقسام بجامعات أخرى، وليس لليمن مؤسسات تستوعب 5% من عدد الخرجين، وهكذا في كل الأقسام العلمية، فتراكم الخريجون، وتفاقمت البطالة، وازداد الفقر، وكثرت الأمراض النفسية، وصار الشباب عرضة لاصطياد المتربصين وللاختراق والتجييش والتخابر.
وأشاحت الحكومات عن توظيف الخريجين من ذوي التيار الإسلامي فازداد عددهم وتضخم عداؤهم للحكومات التي لم تنصحهم، ولم تستعن بعلماء دين مخلصين لإرشادهم وإنقاذهم من الزلل والانحراف، وسمح صالح للأميركان بقصف القرى بذريعة تصفية رجال القاعدة ومنابع الإرهاب، فأعطاها الحجة بإدانته بالتعاون مع أعداء الإسلام، وقصفت أميركا أبناء القرى خطأ وصوابا فتفاقمت الكراهية إضافة إلى سجن غوانتنامو السيئ السمعة، وإلقاء جثة بن لادن في البحر استهانة بشعائر المسلمين، ومبالغة الحكومات العربية باستخدام العنف ضد بعض الإسلاميين، لتقابل بالمثل، ولم تستوعب حماقات أبنائها الضالين، وتعمل على إصلاحهم قبل إن يتطرفوا ويصبحوا إرهابيين خطرين.
وعرف اليمن بشجاعة أهله واستبسالهم في المعارك بطبيعة حميتهم القبلية! ودفعوا ثمن شجاعتهم باهظا في حروب الدويلات بينهم وما أكثرها في تاريخ اليمن، ولولا الهجرة والحروب لأصبح تعداد اليمن بعدد سكان الصين؟ وعرف اليمنيون بالحكمة والتعقل أيضا و”الحكمة يمانية” كما ورد بالحديث الشريف، ورغم انتشار السلاح بينهم وحملهم له قلما يستخدمونه، فثمن استخدام السلاح باهظ لديهم، والقاتل يقتل ولو بعد حين، والثأر تقليد قبلي اجتماعي متجذر وراسخ في أعماق المجتمع اليمني، ولذلك لا يميلون إلى استخدام السلاح، لكن الظروف أجبرتهم في حكومات جائرة لا تعرف إلا دفع مواطنيها لارتكاب مخالفات لتعتقلهم وتعذبهم وتحكمهم بالإعدام والسجن. وصار العالم أجمعه يعاني إرهاب القاعدة ويجني اليمن وغيره اليوم حصادها المر علقما.

ما الذي تفعله إسرائيل في الأجواء القبرصية

سمير صالحة
علاقات تركيا وإسرائيل التي تدهورت وتراجعت إلى الحضيض في السنوات الأخيرة وفي أعقاب أزمات «دافوس» و«الكرسي الواطي» و«مافي مرمرة»، تلقت ضربة جديدة قبل أيام عندما اخترقت المقاتلات الإسرائيلية جدار الصوت في الأجواء القبرصية التركية قبل أن تتحرك الطائرات الحربية التركية التي أقلعت من قاعدة
«إينجيرليك» الجنوبية لتتصدى لها وتجبرها على العودة من حيث أتت. موقع رئاسة الأركان العامة التركية الذي نشر الخبر أشار إلى أن الطيران الحربي الإسرائيلي كرر هذه الانتهاكات خمس مرات متلاحقة ولمدة ثماني دقائق متواصلة، ومع ذلك فإن تل أبيب ترفض حتى الساعة التعليق على الحادثة التي لم يتم الكشف عنها إلا في وقت متأخر. طائرات حربية إسرائيلية تكرر ما تفعله يوميا في سماء لبنان وفلسطين ويبدو أنها قررت توسيع رقعة الاستفزازات والتحرشات والتعديات والتجاوزات غير مبالية بأي معايير سياسية وأخلاقية وعسكرية. أنباء صحافية تقول إن هذه الساحات الجوية اخترقت 83 مرة في خلال الأشهر الخمسة الأخيرة من قبل العديد من الدول في منطقة تشير التقارير والدراسات إلى غناها بالغاز الذي يسيل لعاب الكثيرين، خصوصا وهي تتحدث عن مليارات الأمتار المكعبة التي تنتظرهم في قعر حوض المتوسط الشرقي.
الرسائل الإسرائيلية من خلال هذه العملية هي أولا باتجاه جمع المعلومات الاستخباراتية حول عملية التنقيب عن الغاز الطبيعي والنفط في عمق المتوسط التي يجري تنفيذها من قبل شركة التنقيب عن النفط الوطنية التركية بالتعاون مع «ماغوسا». رسالة تل أبيب الثانية من خلال تسخين المياه القبرصية هي الرغبة في إعلانها أنها أصبحت لاعبا استراتيجيا أساسيا في شرق المتوسط وفوق مناطق التنقيب عن الغاز والنفط هناك. رسالة إسرائيل الثالثة كانت إلى أنقرة وتقول فيها إنها غير عابئة بتراجع العلاقات الثنائية وإنها على استعداد لبناء تحالفات بديلة من دون أي تردد.لكن الهدف الحقيقي كما هو واضح توسيع رقعة الالتفاف على تركيا لمحاصرتها مائيا بعدما تقدمت تركيا على اليابسة ووسعت من علاقاتها مع قيادات «الربيع العربي» في مصر وتونس وليبيا، وفلسطين المحتلة.
ترسيم الحدود بين إسرائيل وقبرص اليونانية قبل عامين كان الرسالة الأهم لأنقرة حول ولادة تحالفات وتكتلات تتجاوز مسألة العضوية القبرصية اليونانية في الاتحاد الأوروبي. ما يجري اليوم يختلف تماما عن حالة ما قبل 5 سنوات عندما تصدت البحرية التركية لسفن التنقيب عن النفط والغاز النرويجية، فالدخول الإسرائيلي على الخط بهذا الشكل يعني رسائل التصعيد والتحدي والمواجهة أيضا. تل أبيب تسعى لتكريس العقود والاتفاقيات التي وقعتها مع قبرص اليونانية بشأن تنظيم حركة المرور في الحوض الشرقي للمتوسط. إسرائيل بخطوة استفزازية من هذا النوع تقول إن خريطة التحالفات قد تغيرت وإنها ستدافع عن مصالح شركائها الجدد وحقوقهم النفطية والغازية مهما كان الثمن.
اتفاقية ترسيم الحدود المائية الموقعة بين إسرائيل وقبرص اليونانية قابلتها اتفاقية استراتيجية مشابهة بين أنقرة ولفكوشة، وهي تحركات تعزز مقولة انفتاح التصعيد على كل احتمال أمام نوعية الاتفاقيات والعقود الموقعة حتى الآن، وكذلك المتغيرات الإقليمية التي تتجاوز مسألة منح قبرص اليونانية المكانة والدور الجديد في شرق الحوض.
هل ستتحرك السفن الحربية التركية مرة جديدة كما فعلت قبل 3 سنوات لفرض معادلتها حول وجود خطوط حمراء لن تسمح لأحد بتجاوزها؟ الفارق هذه المرة كان اختراق جدار الصوت في قبرص التركية، فهل سيكون مقدمة لاختراق البوارج الحربية الإسرائيلية بحرا هذه المناطق نيابة عن الكثير من أصحاب المصالح الذين اصطفوا من وراء إسرائيل لتصفية حساباتهم مع أنقرة؟
تل أبيب تقول إن علاقاتها بقبرص اليونانية تندرج في إطار التعاون الثنائي، لكن زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأخيرة إلى نيقوسيا تتحدث عن اتفاقيات وعقود تعاون أمني واستراتيجي مفتوح. هل بمقدور تل أبيب أن تغامر وتتحرك على هذا النحو الاستفزازي لو لم تكن تحظى بالغطاء السياسي اللازم من قوى وتكتلات غربية تشجعها على تحدي تركيا بهذه الطريقة؟
نتنياهو الذي نجح مؤخرا في حشد الأحزاب السياسية الإسرائيلية الرئيسية كلها تحت سقف ائتلاف حكومي قوي، يحاول أن يرد على أردوغان الذي قال أكثر من مرة إنه لا فائدة من الحكومة الإسرائيلية الحالية ومن الحوار معها، فهي ليست حكومة سلام، لكن إسرائيل ستبحث بعد هذه الساعة عن كل المتخاصمين مع أنقرة لتجعل منهم شركاء وحلفاء لها في المنطقة، فهل تصل إلى ما تريد؟
ما يجري في شرق المتوسط مقدمة لأمطار ورياح وعواصف تبشر بها هذه التحرشات والتحديات الإسرائيلية، وحروب آلهة الإغريق جوبيتر وبوسيدون ستجدد على ما يبدو في هذه المنطقة. تركيا بحاجة إلى أكثر من اتصال استفسار هاتفي مع السكرتير الثاني بالسفارة الإسرائيلية في أنقرة. هي تحتاج إلى رد قوي ومباشر حتى لا يقال لنا إن اختراق جدار الصوت في السماء القبرصية تحول إلى تطاول واختراق لجدار الصمت التركي الذي ما زال ينتظر إيضاحات من تل أبيب حول ملابسات وتفاصيل اعتداء «مرمرة» الذي نسي بمرور الزمن.

مصر.. معضلة دور الجيش بعد الانتخابات

عثمان ميرغني
باستثناء الأيام الأولى للثورة، فإن دور المجلس العسكري في مصر ظل يثير الكثير من الجدل الذي لم يتوقف حتى مع توجه المصريين إلى صناديق الاقتراع في أول انتخابات رئاسية حقيقية وديمقراطية في تاريخهم الحديث. تؤجج هذا الجدل أربعة أمور: أولها الغموض الدستوري، إذ ينتخب المصريون رئيسا لا تزال حدود صلاحياته غير محددة بشكل واضح في ظل عدم حسم معركة الدستور الجديد وإقراره قبل الانتخابات مما أبقى باب الخلاف مفتوحا على مصراعيه مع كل الاحتمالات الخطرة الناجمة عن ذلك في ظل التجاذبات والتوترات القائمة. وبغض النظر عن هوية الرئيس الجديد فإن معركة الدستور ستكون هي الأهم والأخطر في مرحلة ما بعد الانتخابات، وستضع الرئيس المنتخب، والبرلمان، وقوى الثورة المختلفة، في خط النار والمواجهات المحتملة في معركة لن يكون الجيش بعيدا عنها. فالرئيس الجديد سيلعب حتما دورا مهما في معركة الدستور بكل تشعباتها وتداخلاتها بما في ذلك قضية العلاقة مع الجيش ودوره في المرحلة المقبلة، ومسألة العلاقة مع السلطات التشريعية والقضائية مما قد يفتح معركة الصلاحيات التي شاهدنا فصولا منها في الجدل بين البرلمان المنتخب والمجلس العسكري حول الحكومة وحول بعض القوانين والسلطات التشريعية، وأيضا خلال تشكيل ثم حل الجمعية التأسيسية الدستورية. وفي ظل التجاذبات المتوقعة حول الدستور فإن أنظار الكثيرين ستكون مركزة في اتجاه الجيش الذي لم يخف موقفه الداعي إلى دستور يبقي على مصر دولة مدنية، وهو موقف يضعه في قلب المعركة المقبلة.
الأمر الثاني هو الخوف من هيمنة الإسلاميين، خصوصا في مرحلة تشكيل الحياة السياسية الجديدة في مصر، التي يسميها البعض بالجمهورية الثانية. وقد أسهمت مواقف الإخوان والسلفيين في زيادة المخاوف منهم، ولا سيما بعد تراجع الإخوان عن وعدهم بعدم الدفع بمرشح منهم لانتخابات الرئاسة، بل وإعلان معارضتهم لترشح أي إسلامي، وهو ما قاد إلى فصل عبد المنعم أبو الفتوح من صفوفهم لمخالفته قرار عدم الترشح للرئاسة، كما قيل في مبررات «إبعاد» الرجل الذي يعد أحد قياداتهم البارزة، وإن كان هناك من يشكك في مسألة ابتعاد الطرفين كليا عن بعضهما البعض في ظل تماثل البرامج والأهداف. فالإخوان عدلوا عن قرارهم بعدم الترشح للرئاسة بطريقة أثارت عليهم عاصفة من الانتقادات، إذ دفعوا بمرشحين وليس بمرشح واحد، وقالوا في تبرير ذلك إن زعيم حزبهم محمد مرسي هو البديل إذا أسقط ترشيح خيرت الشاطر، مما عكس تصميما وتخطيطا على السعي لمحاولة السيطرة على كل السلطات التشريعية والتنفيذية متجاهلين كلامهم السابق عن أن ذلك لن يكون في مصلحة مصر في الظروف الراهنة. كذلك أجج الإسلاميون مخاوف الهيمنة من خلال الطريقة التي شكلت بها الجمعية التأسيسية الدستورية مما أدى إلى عاصفة من الانتقادات التي جاءت حتى من الأزهر، لينتهي الأمر بحل اللجنة وتأجيل المعركة حولها إلى ما بعد انتخاب الرئيس الجديد. فإذا جاء هذا الرئيس من الإسلاميين (الإخوان يقفون وراء مرشحهم مرسي، بينما رمى السلفيون بثقلهم وراء أبو الفتوح) فإن مخاوف واتهامات الهيمنة ستتصاعد، أما إذا كان من الليبراليين فإنه سيواجه معركة ليست سهلة مع الإسلاميين من داخل البرلمان، وفي الحالتين فإن الجيش سيبقى يراقب التطورات، خصوصا إذا انتقلت المواجهات إلى الشارع.
الأمر الثالث هو التوجس من الانقلابات إذا شلت المعارك الحياة السياسية وعطلت الاقتصاد واستمر القلق الأمني في ظل العجز عن إعادة تأهيل الشرطة وإعادة تنظيم صفوفها لتعود لممارسة دورها في ضمان الأمن. فتاريخ المنطقة حافل بالانقلابات على التجارب الديمقراطية، ومصر ذاتها عاشت تحت حكم رؤساء من المؤسسة العسكرية منذ انقلاب تنظيم الضباط الأحرار عام 1952. كما أن هناك قوى عديدة تعمل لإجهاض الثورة في مصر وتسهم في بث عدم الاستقرار وربما تتمنى وتشجع سيناريو الانقلاب الذي سيعني توجيه ضربة «قاتلة» للربيع العربي الذي ظل يواجه الكثير من العقبات بعد نجاحه الأولي السريع في تونس ثم مصر. وفوق هذا وذاك هناك عدم اطمئنان عند البعض من تيار في صفوف الإسلاميين قد يشجع على الانقلاب إذا رأى تهديدا لمكاسبه أو كوسيلة للانفراد بالسلطة وفرض برنامجه، وتجربة الإسلاميين في السودان ليست ببعيدة عن الأذهان.
الأمر الرابع أن هناك قلقا في أوساط الجيش الذي يريد ضمانات بعد تسليمه السلطة تحفظ له وضعه ولا تمس مكانته وإمكاناته، وبات واضحا للجميع أن الجيش الذي يرى أنه انحاز إلى الثورة وضمن بذلك نجاحها وأوفى بوعده في تنظيم انتخابات نزيهة حتى تسليم السلطة، له مطالب محددة. فهو يريد الحفاظ على سرية موازنته بحيث لا تناقش علنا في البرلمان، مع إعطائه حق الإدلاء برأيه في أي تشريع يخصه، ومراعاته في مسألة تعيين وزير الدفاع، وأن تكون له الكلمة في صفقات التسلح. وهو أيضا يريد المحافظة على مؤسساته الاقتصادية التي تضمن له دورا ونفوذا وموارد كبيرة، وتسهم في توظيف المتقاعدين ومعاشاتهم. وإضافة إلى ذلك فإن المجلس العسكري يأمل في الحصول على ضمانات بعدم ملاحقة أعضائه، خصوصا في ظل الكثير من الاتهامات والجدل الذي رافق الفترة الانتقالية وما شهدته من أحداث ومصادمات.
في ظل هذه التشابكات يبقى موضوع دور الجيش ووضعه، من أهم قضايا المرحلة المقبلة، وربما أكثرها حساسية بعد قضية الدستور. ففي مقابل الذين يتحدثون عن عودته إلى الثكنات وإبعاده عن الساحة السياسية، هناك الكثيرون ممن يرون أن الجيش رغم كل مشاكل وانتقادات الفترة الانتقالية، يبقى أكثر المؤسسات تماسكا، ويتمتع باحترام وشعبية وسط غالبية فئات المجتمع، وبالتالي يرون له دورا في حماية الدستور، خصوصا في ظل الحديث عن هيمنة الإسلاميين. المعضلة هي في كيفية تحديد هذا الدور ورسم خطوطه بما يحمي الديمقراطية من التغول عليها من أي طرف، بما في ذلك الجيش ذاته. وربما يكون المخرج هو في صياغة دستورية تحدد دور الجيش في منع الانقلابات العسكرية، أما الانقلابات الدستورية فإن منعها يبقى مهمة موكولة إلى القضاء.

شباب سوريا

ميشيل كيلو
يواجه شباب سوريا اليوم أوضاعا لا مثيل لمأساويتها ومخاطرها، ندر أن واجهها الشباب في أي بلد آخر، عربيا كان أو أجنبيا، حتى إنه يكفي أن تكون اليوم شابا سوريا حتى تكون متهما، وبالتالي مطاردا أو ملاحقا، ومستهدفا بالاعتقال والتعذيب حتى الموت أو بإطلاق النار عليك. واللافت أن من يعادي الشباب لمجرد أنهم شباب ويعرضهم لقمع لا يرحم نظام كثيرا ما فاخر بأن رئيسه شاب، وبأنه سيفتح بعقليته الشابة صفحة جديدة في تاريخ سوريا الشعب والوطن، وسيجدد المجتمع والدولة!
ليس من المبالغة القول إن شباب سوريا، الذين كان النظام يقول إنهم مناط الأمل ومحط الرجاء، وكان يمتدحهم في خطبه وشعاراته، يتعرضون لحرب منظمة تستخدم فيها أسلحة خفيفة ومتوسطة وثقيلة أودت بحياة عشرات الآلاف منهم حتى الآن، وزجت بخيرتهم في أقبية وسجون وملاعب رياضية ومستشفيات ومستودعات ومعسكرات ومنازل مستولى عليها أو مستأجرة، بينما فاق عدد جرحاهم عدد جرحى الجيوش العربية في حروبها مع إسرائيل، وربا عدد المفقودين منهم على سبعين ألفا، وعدد الملاحقين الذين يطاردهم الأمن من مكان لآخر على خمسين ألفا. هكذا، عليك أن تحترس كثيرا إن كنت شابا في سوريا اليوم، لأنك ستعتبر عدوا فعليا أو محتملا للنظام، وستجد نفسك في مواجهة قوى تخوض حربا ضدك. يكفي أن تكون شابا حتى تعتبر مشبوها وفي الطرف المعادي، وأن تصير هدفا.
والمأساة أن مجتمع سوريا شاب، تبلغ نسبة من هم دون سن الرابعة والثلاثين 79 في المائة من مواطنيه، وأن معظم هؤلاء كانوا قبل انتفاضتهم من دون أي دور عام أو شأن، فهم إما عاطلون عن العمل (70 في المائة من إجمالي عدد العاطلين) أو مهاجرون أو مغتربون أو عاملون بأجور متدنية وأعمال يدوية وغير تخصصية. يفسر هذا الوضع المزري، فضلا عن حرمانهم من حقوقهم وحرياتهم، إسهامهم في إطلاق الانتفاضة وتحويلها إلى حراك دائم، وتحملهم مسؤولية قيادتها، وإقدامهم وشجاعتهم، ورغبتهم في تقديم كل ما هو ضروري من تضحيات لانتصارها، بعد أن أخرجتهم ثورتهم من التهميش والإذلال ووضعتهم في قلب حدث هو واحد من أعظم أحداث التاريخ العربي القديم والحديث، تطلب قيامه قبولهم رهانات فيها موتهم أو حياتهم، التي صارت بالثورة مركز السياسة في سوريا، وملأت مجمل الحقل العام، وحددت تخومه الجديدة، وأدخلت إليه آليات عمل مغايرة لما هو مألوف فيه، فصار القضاء عليهم، أي قتلهم والإجهاز على وجودهم، هدف سياسة مقابلة أتت من فوق، قررت أنه لا سبيل إلى إخراجهم من الحياة السياسية بغير إخراجهم من الحياة، حتى ليمكن القول إن سوريا تشهد منذ قرابة خمسة عشر شهرا معركة حربية يخوضها ضد شبابها نظام تقادم وتهالك وصار من الماضي، مع أنه لا ذنب لهؤلاء غير البحث بروح مدنية ومطالب شرعية عن موقع لهم تحت شمس الحرية، التي قرروا نيلها أو الهلاك دونها، حسب ما كان يخبرنا معظم من كنا نلتقيهم من الشباب قبل الانتفاضة، فقد صادفنا ذات مساء في أحد مطاعم دمشق خريجين جامعيين قيض لنا أن نتبادل الحديث معهم، وحين سألناهم عما يريدونه، ردوا معاتبين: «كيف تحملتم نيفا وأربعين عاما من الإذلال تمكنتم خلالها من العيش من دون حرية. نحن الشباب إما أن نكون أحرارا أو نموت، وسنرفض ما حيينا الخيار الذي ارتضيتموه لأنفسكم: مداراة الحاكم والسكوت على الظلم من أجل سلامتكم الشخصية وتمضية حياتكم اليومية». حذرناهم: «لكنكم غير مسيسين، والعبء ثقيل»، فأجاب كبيرهم وكان طبيبا: «اللعنة على السياسة، نحن نخوض معركة وجود وليس معركة سياسة. ثم إننا إذا تطلب الأمر سنتعلم السياسة، ولكن ليس على طريقتكم وطريقة أحزابكم».
زج الشباب السوري بنفسه في معركة لم يكن يخطر ببال أحد قبل 15 مارس (آذار) من عام 2011 أنه يمتلك هذا القدر المذهل من روح الفداء التي وظفها فيها، وأنه على استعداد للموت من أجل الحرية، التي يرى فيها سبيله إلى العدالة والمساواة والكرامة. قاتل الشباب من جميع الاتجاهات والتيارات والانتماءات الدينية والآيديولوجية بهذا البرنامج البسيط طيلة الفترة الماضية، من دون أن يعقدوا الأمور أو يضيعوا أنفسهم في متاهات الكلامولوجيا. لقد رفعوا راية الحرية ومضوا إلى ميادين الثورة والشهادة، فأنجزوا معجزتين لم يكن يخطر ببال أي سوري أن وقوع أي منهما ممكن: ثورة مجتمعية/ شعبية لا سابقة ولا مثيل لها في سوريا الماضي والحاضر، وعرفوا حتى الآن كيف يديمونها ويحولون دون سحقها على يد قوات متفوقة تفوقا عسكريا وتنظيميا ساحقا عليهم، وكيف يمنعون النظام من كسر موازين القوى القائمة على الأرض لصالحه، وبالتالي من إطفاء الانتفاضة. حدث الأمر الأول بفضل ابتكار أشكال نضال مبدعة ومفاجئة، عبأت قطاعات واسعة جدا من الشعب وراء هدف الحرية، وحدث الثاني لأن الشباب لم يتخلوا عن مطلبهم، الحرية والعدالة والكرامة، ولم يضيعوا وقتهم في حديث أحزاب وقوى المعارضة عن النظام البديل، وأشكاله وأنماطه وقواه وكيف يقوم ويقعد، وهل هو ديمقراطي مدني أم مدني ديمقراطي، أم مدني وديمقراطي، أم ديمقراطي ومدني.. إلخ. تجاهل الشباب هذا الحديث، الذي لن تكون له أي قيمة إذا ما نجح النظام في كسر شوكة الثورة، وذكروا من يهمهم الأمر بأن مهمة المعارضة تكمن في تحصين النضال الشعبي، ومنع تحول موازين القوى ضده عبر وضع برامج وخطط عملية وجداول زمنية للمراحل التي سيمر، أو يمكن أن يمر النضال بها، قبل سقوط النظام وبلوغ النظام الديمقراطي البديل.
هذا الشباب الرائع يتعرض للظلم من جهتين: السلطة التي تستهدفه بالقمع والقتل الجسدي، ومن يعملون لانتزاع دوره والالتفاف على أهدافه وتضحياته، بالمصادرة والتهميش حينا، والمزايدات والمغامرات حينا آخر.
لكن ثورة الشباب مستمرة، ومستمرة معها قدرته على استقطاب قطاعات المجتمع الأهلي وكسبها للحرية، ومستمر أيضا تصميمهم على النصر ورغبتهم في الخلاص من الاستبداد، وفي فتح طرق جديدة أمام الثورة وزج قوى جديدة في معركتها السلمية، حتى ليمكن القول إن سوريا لم تكن يوما أقرب إلى نيل حريتها منها الآن، بفضل نهر الدماء التي سفحها الشباب على دربها، ووطنيتهم وروحهم المجتمعية الجامعة، ووحدة إرادتهم وتعاليهم على الطائفية وأمراض المجتمع الأخرى، وصبرهم على الموت والعذاب، وهم يمضون شامخي الرؤوس نحو سوريا الحرة!
رد الشباب الروح إلى وطنهم، الذي يجب أن يضع مقدراته بين أيديهم، بعد أن ضحوا بالغالي والنفيس في سبيل حريته، وأثبتوا أنهم جديرون به، وأنه سيكون بهم ومعهم أحسن حالا مما كان في أي يوم مضى من تاريخه القديم والحديث!
هنيئا لسوريا بشبابها، الذين يضعونها فوق أي حساب أو اعتبار!

هل هناك خلاف سعودي ـ تركي

عادل الطريفي
نشرت د. مليحة التونشيك، من جامعة الشرق الأوسط التقنية في أنقرة، مقالا على موقع شؤون خارجية الأميركي (فورن أفيرز) تناول العلاقات السعودية - التركية، حيث انتهت الكاتبة إلى خلاصة مؤداها أنه على الرغم من التقارب بين البلدين خلال السنوات الماضية، فإن التقارب ذاته يعاني من عقبات عميقة، واختلاف في الرؤية، لا سيما حول الملف السوري. المقال الذي نشر بعنوان «العداقة المريرة: التحالف غير الوثيق بين السعودية وتركيا»، يسرد الخلفية التاريخية لمسيرة التقارب، وترصد فيه الكاتبة مواقف الدولتين في مواجهة «الربيع العربي»، حيث صورت تركيا بوصفها الداعم والمشجع على التغييرات التي عمت المنطقة، بينما بدت السعودية رافضة أو معادية لتلك التحولات.
ما يلاحظ على الكاتبة أنها طرحت فرضية مؤداها أن العلاقات السعودية - التركية كانت مبنية على الشك وعدم الثقة المتبادل في الماضي، ثم توصلت إلى أن الخلاف الآيديولوجي والثقافي والمصلحي يقف حاجزا أمام تحقيق التقارب بينهما. هذا الطرح بحد ذاته غير مدعم بالأدلة، ولا يتوافق مع بعض الوقائع التاريخية. الكاتبة محقة في أن التقارب ما يزال دون المأمول - أو المتوقع - نظرا إلى حجم المصالح الممكن تحقيقها، ولكن المقدمات التي تبني عليها ذلك الحكم غير دقيقة.
دعونا نعدْ إلى بعض الوقائع التاريخية، فقد كانت السعودية من بين أول الدول العربية التي فتحت أبوابها وأسواقها لتركيا في وقت كان فيه المد الناصري القومي، والبعثي بعد ذلك، يحمّلان تركيا المظلومية العربية قبل الاستقلال، وفي حين وقعت كل من السعودية وتركيا مذكرة تعاون في 1962، واتفاقية اقتصادية في 1974، لم تكن بين تركيا ودول مثل سوريا والعراق، وحتى مصر، أي علاقات تذكر، بل لطالما انتقدت تلك الدول الموقف التركي، لا سيما علاقاتها مع إسرائيل أو ارتباطها بحلف الناتو. أيضا، أعطت السعودية الشركات التركية - لا سيما في قطاع البناء - نصيبا وافرا بداية السبعينات مع الطفرة في أسعار النفط، وكانت المنتجات التركية بأنواعها متوفرة في السوق السعودية.
أما على المستوى الإقليمي، فقد كانت السعودية من بين الدول القلائل التي دعمت الموقف التركي في الأزمة القبرصية. ففي زيارة للرئيس التركي الراحل جودت صوناي إلى السعودية عام 1968، حاول الأتراك إقناع نظرائهم السعوديين بضرورة دعم الموقف التركي في وقت كانت فيه بعض الدول العربية «الثورية» مساندة لقبرص، وافقت السعودية على مساندة تركيا، ولهذا عندما قامت أنقرة بغزو قبرص بعد انقلاب 1974، وجدت نفسها تحت ضغوط غربية هائلة، وبنهاية عام 1979 شهدت تركيا أكبر أزمة اقتصادية منذ الثلاثينات، حيث عجزت عن تسديد الديون الخارجية، ولذلك لجأت، كما يقول ويليام كوانت (1981)، إلى الاستدانة من السعوديين لسببين: أولهما، أن المعونة السعودية لم تكن مرتبطة بأية أجندة سياسية عدا الملف الفلسطيني. وثانيا، أن تركيا كان بإمكانها أن تتصرف بالمعونة من دون شروط اقتصادية أجنبية تجبرها على مشاريع معينة تخدم شركات الدائنين.
حتى في مرحلة الثمانينات والتسعينات كانت العلاقات السعودية - التركية جيدة، بحيث لعبت تركيا دورا مهما كوسيط خلال الحرب العراقية - الإيرانية، وانحازت إلى جانب القوات الدولية في حرب تحرير الكويت. بيد أن تركيا ذاتها دخلت منذ منتصف التسعينات في حالة عزلة داخلية نتيجة الصراع ما بين الكماليين والإسلاميين، ولم تبدأ تركيا في تنشيط دورها الإقليمي إلا بعد أن انتخب حزب العدالة والتنمية لفترة ثانية، وحتى الالتفات إلى المنطقة ظل محصورا في هيئة تصريحات ساخنة لرئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، ومبادرات دبلوماسية شملت كلا من سوريا وإيران، وكذلك دول الخليج.
هذا الاستعراض التاريخي ضروري، لأنه يعكس لنا أن ليس ثمة أي نزاع أو خلاف حيوي بين الطرفين، فالسعودية - مثلا - ليست سوريا، حيث هناك خلافات حدودية تاريخية، ونشاط كردي انفصالي كانت تغذيه دمشق في الماضي، وهي ليست إيران التي كانت تدعم ميليشيات يسارية وأصولية مناهضة لأنقرة. أما مسألة أنه لم ينشأ تحالف بين السعودية وتركيا، فقد يكون أمرا إيجابيا، فالعلاقات التي تكون مبنية على الاحترام وتبادل المنافع لا تقود بالضرورة إلى عقد تحالفات، ثم إن نزوع بعض المحللين إلى تضخيم حقيقة العلاقات، أو إعطائها تفسيرات خيالية دون وجود أدلة مقنعة يقود في النهاية إلى خلاصات قائمة على الظنون والتفكير الرغبوي.
لأكثر من عشرة أعوام كانت هناك ومازالت كتابات كثيرة تنشر كل يوم تبشر بصعود «عثمانية جديدة»، وأخرى تجادل بأن الأتراك يريدون الاستئثار بالورقة السنية لمواجهة إيران وحلفائها، وعلى الجانب الآخر هناك أصوات حذرت من التقارب السوري - التركي، والإيراني - التركي، وذهب البعض إلى أن السعودية تشعر بالقلق من تزايد النفوذ التركي.
الحقيقة أن كل تلك التحليلات لم تعتمد على أدلة أو حوارات أساسية مع صناع القرار، ولهذا تجيء قاصرة وغير مقنعة. لا شك أن هناك صعوبة لدى الباحثين في الحصول على المعلومات، وقد يستغرق المرء سنوات قبل أن يحظى بثقة مصادره. بيد أن اللجوء للخيال، والافتراض في الفراغ، لا يخدم الفهم الصحيح. لو راجعت عشرات المقالات التي نشرت في مجلات سياسية مرموقة مثل «الفورن أفيرز»، و«الفورن بولسي»، أو حتى «الإيكونومست» لوجدت أن كثيرا من الكتاب أطلقوا لخيالهم العنان في الكتابة عن تحولات «الربيع العربي»، والآثار المستقبلية له على التوازن الإقليمي. هي حالة تذكرنا بأيام الحرب الباردة حين طبعت مئات الكتب، ونشرت آلاف المقالات عن «هرمجدون» مقبلة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، أو عن «خطر الصعود الياباني»، أو تلك التي تتحدث عن «حرب النجوم» بين القوى العظمى. في النهاية كان جزء من ذلك الطرح خيالات مبنية على الظنون.
بإزاء المرحلة الراهنة تتكرر ذات الممارسة، حيث ينسج الكتاب والمعلقون وقائع غير موجودة، ويبالغون في قراءة أي لقاء سياسي هنا، أو إيماءة لمسؤول هناك. بيد أن الحوادث الفردية تعزز القاعدة أكثر مما تغيرها، وهذا ما ينطبق على حالة اللااستقرار التي ما زالت تمر بها المنطقة. فنحن لم نشهد حتى الآن تغييرا يذكر في سياسات دول «الربيع العربي»، فتونس غارقة في وضعها الداخلي، وليبيا ربما تغيب عن المشهد لأعوام مقبلة، واليمن كذلك. أما مصر فما زالت تمر بمخاض عسير، ولكن النتائج الأولية لا تشير إلى أننا بصدد انقلاب في العلاقات بين مصر وجيرانها حتى مع وصول «الإخوان» إلى السلطة، قد تتغير الظروف بالطبع ولكن المؤشرات الراهنة تؤيد ذلك. حادثة «الجيزاوي»، على سبيل المثال، أثبتت أن قطع العلاقات السعودية - المصرية صعب حتى في مرحلة «الثورة»، وموقف الأزهر وعدد من دعاة «الإخوان» الرافض لبناء «حسينيات» يثبت أن فرضية قيام تحالف مصري - إيراني ليست ممكنة في الظرف الراهن.
ولكن ماذا عن الأزمة السورية؟ المتابع للمحادثات السعودية - التركية يدرك أن ثمة توافقا كبيرا بينهما على ضرورة رحيل الرئيس بشار الأسد، قد تكون تصريحات أحد الطرفين أكثر سخونة في بعض المناسبات، ولكن من الناحية العملية لا تجد فرقا كبيرا في التعاطي مع الأزمة. أما حكاية أن كل طرف يريد من سوريا ما لا يريده الآخر، فهذا طرح لا دليل عليه، هناك فروقات بالطبع، ولكننا لم نشهد أن السعودية أو تركيا دعمتا فريقا معينا للحكم ضد الآخر. هناك بالطبع حضور إخواني طاغ في معارضة الخارج، ولكن ذلك ينسجم مع حقيقة أن «الإخوان» هم أكبر حزب منظم للسوريين في الخارج، وليس من الحكمة إسقاطه من حسابات المرحلة المقبلة.
تنمية العلاقات السعودية - التركية مهمة لأن حجم ما بينهما من التوافق أكثر من الخلاف، ولكن كأي علاقات بين بلدين فإن لغة المصالح هي المعيار الطبيعي لتعزيز التقارب. هناك بالطبع فروقات طبيعية بينهما، ولكن أن توصف العلاقة بـ«العداقة» فذلك أمر مبالغ فيه.

رأي هيكل في الشعب السوري

عبد الرحمن الراشد
لست من المصدومين من أقوال الأستاذ محمد حسنين هيكل، الكاتب والصحافي المخضرم. فأنا لم أتفق مع معظم ما كان يطرحه ويرويه منذ زمن قديم، لكن للأستاذ مدرسته وأتباعه. الآن، حتى تلامذته في مصر يهاجمونه بضراوة بسبب ما نشر على لسانه في صحيفة «الأهرام»، وغيرها من أحاديث له سبقت لحظة الانتخابات. ينتقدونه على مواقفه حيال الثورة والمرشحين للرئاسة.
الجانب الأكثر أذى وإيلاما استهزاؤه بما يحدث للناس في سوريا. يقول «أعرف أن شركة بلاك ووتر الشهيرة بتاريخها الخفي والدامي لبيع خدمات السلاح موجودة وإن باسم جديد حول سوريا وفي داخلها أيضا، وأن هناك قرابة ستة آلاف فرد يتبعون لها يوجدون على الساحة في الداخل والخارج». ذكرني بخزعبلاته القديمة حيث كان يقول إن من هدم برجي التجارة في نيويورك هم صرب يوغوسلافيا!
«بلاك ووتر»! يا لها من كذبة رديئة، حتى شريف شحادة ممثل النظام السوري إعلاميا لم يشطح بمثل هذا القول! وعلى عادته يستخدم هيكل كلمة «أعرف» ونحن نعرف أنه لا يعرف كثيرا مما يدعي أنه يعرفه. نحن من يعرف أن في سوريا قتل أكثر من عشرة آلاف إنسان، لهم أسماء وعوائل، ظلما وعدوانا، في حرب لم يشهد العرب مثل بشاعتها في تاريخهم لنصف قرن. كلهم قتلوا بنيران قوات النظام، وغالبهم كانوا عزلا مسالمين، وبينهم من قتل وهو يتظاهر. وبعضهم قتل وهو في بيته بقصف عشوائي في سياسة عقاب الأهالي وترويع الشعب السوري. قلة قتلت وهي تحمل سلاحا كانت تدافع به عن أحيائها، أو انتفضت ضد النظام بعد أشهر طويلة من الذبح والخطف والترويع الممنهج. هل هؤلاء الأطفال والنسوة وكبار السن هم أعضاء في «بلاك ووتر» الذي اخترعه هيكل؟ هيكل يعرف أنه لو كان هناك جيش من «بلاك ووتر» أو «سي آي إيه» لما صمد النظام كل هذه الخمسة عشر شهرا.
وهيكل يزعم أنها مؤامرة من الأطلسي، ولو كان نصف هذه الكذبة صحيحا لدخل الثوار الصيف الماضي قصر الشعب في دمشق وأسقطوا الأسد وحكمه. نظام الأسد مستأسد على شعبه لأنه أعزل وممنوع دوليا من التسلح، ومحروم حتى من حق الهروب عبر الحدود. الحقيقة إذا كانت هناك مؤامرة فهي مؤامرة لإبقاء النظام واقفا على قدميه وليس العكس. لم يمنع المجتمع الدولي طيرانه رغم قصفه للمدنيين، وتركه يستخدم أربعة آلاف دبابة لتقطيع أوصال المدن، ويتمتع ببترول مجاني من العراق يمول نشاط قواته، وشحنات الأسلحة الحديثة تصله من روسيا وإيران، ويقاتل إلى جانبه «بلاك ووتر» إيرانية، أعني ميليشيات حزب الله اللبناني وقوات من الحرس الثوري.
والأسوأ أن هيكل قرر من عنده أن «هناك أغلبية واسعة في الداخل السوري لها تصوراتها.. وأول المطالب أنها لا تريد أن يحدث في سوريا مثلما حدث في ليبيا، ثم إنها لا تريد ربيعا من صنع حلف الأطلسي». تخيلوا ثمانمائة مظاهرة سلمية في أنحاء سوريا تظهر في يوم واحد، في الأسبوع الماضي، ومع هذا يدعي هيكل أن الأغلبية السورية لا تريد تغيير النظام!
ثم لم يرق لهيكل أن يوجد من يتعاطف مع شعب عربي مذبوح، فيقول، «أسمع مرات وزير خارجية السعودية يتكلم وأغمض عيني، فيخيل إلي أن الصوت.. لرمز الثورة العالمية أرنستو جيفارا». أليس التعاطف أقل ما يمكن أن يفعله المرء أمام هذا المشهد المبكي، الموقف نفسه ضد مذابح البوسنة وكوسوفو أو غزة أو بيروت؟
وهو يخلط في كلامه بين سوريا البلد والشعب وسوريا نظام الأسد، نريده أن يسمي الأشياء بأسمائها. يقول «هناك حملة على سوريا» في حين أن الحملة دفاعا عن سوريا وضد ما يفعله نظام الأسد من قتل وإبادة.
وهنا أستعير تعليقا لأحد الكتاب المصريين الحانقين، «هيكل لا يعرف كل ذلك ولا يتابعه ولا يفهمه؛ لأنه مغيب عن حقيقة عن مجريات الأحداث وخبرات الدول والشعوب الآن بعد الربيع العربي وحتى قبله، بل إن هيكل على مستوى الوعي السياسي.. ما زال أسير معادلات الستينيات والحقبة الناصرية».

البحرين.. أكاديمية التغيير

سوسن الشاعر
الحمد لله ألف مرة الذي أنقذ البحرين وفتح عيوننا وأسقط كل أوراق التوت عن الخيانة العظمى. الحمد لله أن الشعب البحريني بجماعاته التي تحركت في الفاتح من كل الطوائف وما بعده ليست جماعات خاضعة لزعامات طائفية ولا مقدس عندها، وإلا لكانوا باعونا في سوق النخاسة في مساومات وصفقات كما فعل زعماء الطوائف في لبنان والعراق. إذ رغم أنه كان ممكناً اعتبار عدم وجود زعامات للكتلة الشعبية الكبرى في البحرين نقصاً وضعفاً وعيباً، إلا أن ذلك ربما من الحسنات ومن النعم. فحزب الله في لبنان أو حزب الدعوة في العراق ليسوا الأكثرية، ولكنهما حزبان منتظمان ويقودان جماعات ملتزمة بطاعة زعمائها الدينيين، وكلاهما يتظللان بمظلة خامنئي أو السيستاني وكلاهما على مسافة قريبة من بعضهما البعض وقوتهما تكمن في تبعيتهما العمياء للقيادة. وقد كان من سوء حظ الآخرين والذين يشكلون الغالبية أنهم عدة جماعات وطوائف في لبنان أو العراق وكل منها له زعامات اكتسبت شرعيتها التاريخية، لذلك فإن الجموع في لبنان والعراق خضعوا لتلك الزعامات وهي التي وقعت في فخ الصفقات وضاعت المصلحة الجماعية والشعبية فسهل أمر السيطرة عليها من قبل الأحزاب الشيعية الراديكالية متمركزة القيادة. في حين أن ما حدث في البحرين هو غريب وفريد من نوعه، فالكتلة الكبرى رغم سيولتها بلا زعامة مركزية إلا أنها تجمعت وأعلنت موقفاً موحداً مما قلب المعادلة وقد كان لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي الدور الأكبر في حشدها. فإن أرادت التحشيد وإن أرادت العكس فإن الإرادة الجماعية هي التي تقود الفعل وليس إرادة الزعامات، بل إن الغريب أن الزعامات التقليدية واللاعبين التقليديين هم الذين يحسبون الحساب لهذه الكتلة السائلة. اليوم الغالبية البحرينية تقود نفسها بنفسها وجرأتها في استقلاليتها وفي بعدها مسافة عن كل اللاعبين الأساسيين رغم محاولات الاستقطاب التي تتحرك هنا أو هناك هي التي جعلت منها قوة لا تقهر، وحتى محاولات الاستقطاب لم تنجح في جمع أغلبية لصالح أي طرف وهذا مصدر من مصادر قوة هذه الكتلة لا ضعف لها. فهناك مزاج عام -وراية البحرين فقط- هو الذي تتبعه تلك الكتلة السائلة متوحد وبوصلته محددة وواضحة وواقفة بالمرصاد أمام أي تسوية أو صفقة يعقدها هذا اللاعب أو ذاك، وبصمودها رفعت سقف التسويات ضد حزب الدعوة البحريني ولقنته درساً لن ينساه. والتجربة مازالت في طور تشكلها وتحتاج إلى دراسة وتمعّن ومراقبة حثيثة، وأعتقد أن التجربة تستحق أن تتكرر في العراق ولبنان للتخلص من سيطرة عملاء إيران، ومثلما كانت وسائل التواصل الاجتماعي أداة التغيير وقيام للثورات، فإنها الآن أدوات رافعة للتغيير ضد السيطرة الحزبية الإيرانية التي تهيمن على تلكما الدولتين وبإمكان الجماعات البحرينية المساهمة في التواصل مع الجماعات في تلك الدولتين ومساعدتها. العامل الثاني الذي جعل من ضغوط تلك الجماعات عاملاً حاسماً هو أننا نحمد الله أن عملية تهريب السلاح محدودة في البحرين وإلا لكانت الآن تلك الحسابات مختلفة، فالجماعة الشيعية الراديكالية في البحرين التي تأتمر بأمر السيد الفقيه وتتبع وتخدم مصالحه على استعداد لاستخدام السلاح لو وجد وقتل أبناء شعبهم مثلما فعلت في لبنان والعراق متى ما أمر السيد ومسيرة الجمعة خير دليل، لكن الحمد لله أن الأمن عندنا يقظ وتهريب السلاح محدود للغاية فأنقذنا من الهلاك. لذلك فإننا في البحرين تجربة رائدة في الديمقراطية والحراك الشعبي الإيجابي الذي أخرجنا من خطة محكمة أرادت استغلال كل الظروف والإمكانات لكن الله خير الماكرين فانقلب السحر على الساحر ونجح أهل البحرين في استخدام وتوظيف ذات الأدوات والظروف إنما لإفشال المخطط الدنيء. ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.

بيع الدول.. البحرين نمـوذجاً

يوسف البنخليل
بيع الدول هل بالفعل موجودة كظاهرة في العالم؟ نعم هي موجودة بالفعل، ويمكن تقسيمها إلى نوعين: النوع الأول: نموذج شراء الأراضي: هو النموذج الذي يقوم على شراء إحدى الدول أقاليم جغرافية محددة - سواءً كانت صغيرة أو كبيرة المساحةـ من دولة أخرى. ويمكن القول إن أفضل النماذج التي تستحق الدراسة هنا حالة تأسيس الدولة الأمريكية الذي تم كنتيجة حروب أهلية، وفي نفس الوقت على صفقات تجارية بين عدة دول لشراء مناطق جغرافية واسعة. من العوامل التي ساعدت على تأسيس الولايات المتحدة الأمريكية بالشكل الحالي عمليات البيع والشراء التي تمت في الأراضي الأمريكية، إذ دفعت الخزانة هناك نحو 15 مليون دولار إلى فرنسا لشراء مناطق في أمريكا تقدر مساحتها بـ 2.1 مليون كيلومتر مربع من الأراضي الفرنسية شمال أمريكا، وهي مساحة تفوق مساحة فرنسا بأربعة أضعاف. أيضاً اشترت أمريكا من إسبانيا ولاية كاليفورنيا بنحو 12 مليون دولار، واشترت منها أيضاً ولاية فلوريدا بنحو 5 ملايين دولار. في الوقت نفسه اشترت ولاية آلاسكا من روسيا بأكثر من سبعة ملايين دولار. النوع الثاني: نموذج الشراء الأيديولوجي: الشراء الأيديولوجي يقصد به قيام إحدى المؤسسات الدينية بشراء إقليم جغرافي معين من دولة أخرى أو فرض ضرائب عليها باسم الأيديولوجيا ومثالها الدين. من الأمثلة على هذا النوع من الشراء هو لجوء الفاتيكان الذي يمثل الكنيسة الكاثوليكية بامتلاك أراضي القارة الأوروبية كافة في القرون الوسطى. وحتى العام 1800م كانت الكنيسة البرتغالية تملك ثلثي أراضي البرتغال. ورغم استقلال البرازيل عن البرتغال في العام 1822م إلا أن هيمنة الكنيسة البرتغالية استمرت، وظلت البرازيل تدفع ضريبة سنوية مرتفعة لهذه الكنيسة حتى العقد الثاني من القرن العشرين. يوجد كثير من النماذج والقصص التاريخية القديمة والمعاصرة بشأن شراء الدول، ولكن المهم أن هذين النوعين هما الأكثر شيوعاً بين مختلف الحالات. وفي ضوء هذه الحقيقة فإن تبني إيران مبدأ تصدير الثورة يهدف إلى تحقيق النوع الثاني من نماذج شراء الدول، وهو الشراء الأيديولوجي، فطهران لا تطلب احتلال إحدى الدول أو شراءها بالمال أو الماديات، وإنما الشراء يتم من خلال نشر أيديولوجيا ولاية الفقيه. بالمقابل إذا كانت بعض القوى السياسية تعتبر المساعي التي تبذلها الدولة البحرينية والمدعومة شعبياً نحو الاتحاد الخليجي شكلاً من أشكال (بيع الدولة)، فإن المسألة تختلف تماماً لأنها ليست ضمن نماذج شراء الدول. بل يمكن اعتبار أنشطة المعارضة الراديكالية في البحرين، شكلاً من أشكال الدعم لشراء الدولة البحرينية أيديولوجياً من قبل طهران. والمحاولات التي قامت بها المعارضة الراديكالية خلال فبراير ومارس 2011 تعتبر محاولات لشراء الدولة البحرينية بأسلوبين أحدهما الأيديولوجيا والآخر القوة.

معركتنا القادمة في الخليج العربي

حسين التـتان
من أهم القضايا التي تؤرق المجتمعات والحكومات الخليجية، هي القضايا التي تتعلق برسم الاستراتيجيات الخاصة بالمستقبل، ولعل من أبرزها كيفية الحفاظ على مستوى الاقتصاد الوطني في تلك الدول، وما يتعلق به من أمور متصلة كقضايا العمل والإنتاجية والبطالة. مؤخراً تحدث أحد التقارير المهمة لمنظمة العمل الدولية أن واحداً من أصل أربعة شباب في العالم العربي عاطل عن العمل، وبهذا تبلغ نسبة البطالة بين الشباب إلى 26.2%، في حين أن نسبة البطالة بين الأفراد الأكبر عمراً تبلغ 6.6%. في ذات التقرير هناك إشارة مهمة جداً، وهي أنه رغم ارتفاع مستوى التحصيل العلمي بين الشباب العربي، فإنه غالباً ما يشتكي أصحاب الأعمال من غياب المهارات المؤهلة للتوظيف في صفوف شباب المنطقة، مما يشكل حاجزاً أمام وصولهم إلى فرص العمل. من جهة أخرى يرى المحلل الاقتصادي غسان معمر في تصريح للـ (CNN) أن معدلات النمو في دول الخليج العربي هي معدلات في النمو العمراني، أكثر من كونها (نمواً حقيقياً) للقطاعات الاقتصادية بشكل عام. ليس هذا فحسب، بل يذهب معمر أن مردودات الصادرات النفطية والغازية المستخرجة من الخليج تصب في مجملها في عمليات تشييد الأبنية وناطحات السحاب فقط. كما يوضح معمر أن عدم تنويع الاستثمارات في القطاعات الاقتصادية ستؤثر بشكل مباشر على المدى القريب على قضايا الأمن والتماسك الاجتماعي، إضافة إلى كثير من القضايا السلبية للأوضاع غير المستقرة والتي نلمس آثارها في هذه المرحلة تحديداً في عدد من الدول المجاورة. يبدو أن هذا السياق واضح للعيان من خلال كثير من التحديات التي تمر بها بلداننا على شريط الخليج العربي، فالتطور العمراني وإن كان ضرورياً جداً لمحاولة اللحاق بالركب المدني، إلا أن ذلك يعد مرحلة متأخرة من مراحل النمو الاقتصادي، فتطوير اقتصاديات الخليج، والسعي الجاد للاستثمار في الإنسان، والبحث عن مصادر بديلة للطاقة، والحفاظ على البيئة ومصادر المياه، والتقليل من نسب البطالة، كلها أمور أساسية، على دول الخليج العربي أن تبحثها في المرحلة القادمة، لبناء نفسها بطريقة أكثر تطوراً. ليست العمارات الشاهقة ولا السيارات الأوروبية ولا العطور الفرنسية، ولا أحدث وسائل الاتصال السريعة، هي الضمانات الحقيقية التي تصنع أوطاناً قوية، بل هي نوع من أنواع الترف الاستهلاكي تنتهي مع انتهاء الطاقة التي بين يدينا. هناك عديد من الصعوبات الاقتصادية التي ستواجهها دول الخليج العربي في المرحلة القادمة، من هنا يكون من الواجب أن تتغير ثقافتنا نحو الأشياء، وأن نميز بين الترف والحاجة، لأن المعارك القادمة هي معارك شرسة للغاية أكثر مما تتخيلون، فهي معارك تتعلق بالمياه والطاقة المتجددة وبالنمو الاقتصادي وليس النمو العمراني الذي نعايشه في كل عماراتنا الشاهقة. نحن نراهن أن أمامنا فرصاً هائلة للصحوة الاقتصادية لم يفت أوانها بعد، وأن لدينا عقولاً شابة منفتحة على التغيير، لكن في حال اقتنعنا ببضع عمارات إسمنتية نراها أمام أعيننا كل يوم، فإننا سوف نحمِّل الأجيال القادمة مسيرة النهضة والتغيير لكن بعد فوات كل شيء. علينا اليوم أن نغير من سياساتنا الاقتصادية كدول ومجتمعات، وأن نطوِّر من مفاهيمنا للحياة بطريقة أكثر رقياً ونضجاً وخوفاً على المستقبل. نحن عشنا اللحظة، لكن يجب علينا أيضاً أن نؤمِّنَ مستقبل الأجيال القادمة، وألا نكون أنانيين أكثر من اللازم، فكما استمتعتم دعوا غيركم يستمتع أيضاً.