Thursday, May 24, 2012

عقوبتنا كعقوبتكم.. قوانيننا كقوانينكم

سوسن الشاعر
ما حدث في البحرين في شهري فبراير ومارس من العام الماضي كان «محاولة تغيير شكل الدولة الدستوري باستخدام القوة والعنف»، وذلك بقتل رجال الأمن دهساً وحرقاً واحتلال مبانٍ ومنشآت عامة وطرد موظفيها ومنعهم من أداء واجباتهم، وترويع وتهديد الناس بقطع الطرقات وترويج أخبار كاذبة وطلب التدخل الدولي العسكري الأجنبي، وتلك جريمة ينص عليها قانون العقوبات في الدول الأوروبية مثلما ينص عليها قانون العقوبات البحريني تماماً.
فالقانون الجنائي السويسري في المادة (275) ينص على «يعاقب بالسجن كل من شكل عصابة يكون هدفها أو طبيعة نشاطها، تغيير الدستور، عبر استخدام العنف» والمادة (265) تقول «كل من ارتكب فعلاً يهدف إلى تغيير الدستور باستخدام العنف، يعاقب بالسجن من سنة إلى خمس سنوات»،
ونص عليها القانون الجنائي السويدي في المادة (28/1) «يعاقب بالسجن كل من سعى إلى تغيير الدستور باستخدام العنف المسلح، أو أي شكل من أشكال القوة».
والقانون الجنائي النمساوي -في حالة استخدام العنف لتغيير الدستور- «يعاقب الفاعلون الرئيسيون والمحرضون بالإعدام، وتكون عقوبة المشاركين السجن».
وكذلك القانون الجنائي الياباني في المادة (79) «كل من يقدم المساعدة لارتكاب عصيان مسلح، بتوفير الأسلحة أو الأكل.. أو غيره من أوجه المساعدة، يعاقب بالسجن لمدة لا تتجاوز 7 سنوات»
وأيضاً القانون الجنائي الإيطالي في المادة (303) «يعاقب بالسجن كل من مجّد جريمة موجّهة ضد النظام الدستوري للدولة».
أما الأدهى فإن القانون الجنائي الدنماركي نص على التالي في المادة (111) «يعاقب بالسجن المؤبد كل من سعى إلى تغيير الدستور باستخدام العنف مستعينا في ذلك بالخارج»!!!!
أما القانون البحريني فقد نصت المادة 148 عقوبات بالتالي «يعاقب بالسجن المؤبد كل من حاول قلب أو تغيير دستور الدولة أو نظامها الأميري أو شكل الحكومة أو الاستيلاء على الحكم».
وإذا وقعت الجريمة نتيجة سعي أو تخابر أحد ممن يعملون لمصلحتها أو وقعت من عصابة مسلحة فيعاقب بالإعدام من سعى أو تخابر أو ألّف العصابة وكذلك من تولى زعامتها أو تولى قيادتها، وهناك جريمة الترويج لتغيير النظام السياسي وهي المنصوص عليها في المادة 160 عقوبات ونصها «يعاقب بالسجن مدة لا تزيد عن عشر سنوات من روج أو حبذ بأي طريقة قلب أو تغيير النظام السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي بالقوة أو بالتهديد أو بأية وسيلة أخرى غير مشروعة».
السؤال الذي يطرح نفسه هنا؛ ما الاختلاف بين القانون البحريني وقوانين تلك الدول؟ والآن لم هذه المعايير المزدوجة؟ فهل يحق لشعوبكم أن تحمي دساتيرها وتغلظ عقوبة جريمة تغييرها بالقوة، وحين تُرتكب ذات الجريمة عندنا في البحرين تعتبرونه من قبيل الحق المشروع؟! فهل دساتيرنا وشعوبنا خارج منطقة الاحترام والتقدير؟
خلاصة القول بأننا لن نبالي بمعاييركم المزدوجة ونؤكد بأنه لا يجوز للنيابة العامة ولا لوسائل الإعلام ولا لأي جهة كانت بحرينية أو غير بحرينية تكييف ما حدث على خلاف كونه جريمة محاولة تغيير شكل الدولة الدستوري باستخدام القوة، أو إدراجه قانونياً ضمن جرائم «التعبير عن الرأي» خضوعاً لابتزاز دولي أو لخيانة مواطنين بحرينيين، فذلك إخلال بمبدأ العدالة وظلم للحق العام إن قامت به النيابة أو تغافلت عنه المحكمة الموقرة، وذلك انتهاك لأمن وسيادة الشعوب إن قامت به أية جهة أجنبية.
ونلفت انتباه الجميع بما فيهم المحكمة الموقرة التي تنظر في قضية ما عرف بالخلية الانقلابية أن الحق العام بانتظار إنصافه وبانتظار تحقيق العدالة له.
فقد تعرض الشعب البحريني للترويع والتهديد والتخويف من قبل جماعة حاولت أن تغيّر شكل الدولة الدستورية المتعاقد عليه بين فئات المجتمع البحريني وتغيّر ميثاقها الوطني الذي استفتى عليه 98.4% من شعب البحرين باستخدام القوة وترويع الناس، فلا يجب أن يفلت من العقاب من استهان بكرامة الشعب البحريني واستهان بحقه في تقرير مصيره عبر الوسائل المشروعة.
فالمبدأ يقول لئن كانت دولة القانون لا تقوم إلا بضمان سمو الدستور، فإن هذا الضمان لا يستقيم بنيانه إلا إذا كفل القانون ردع كل ما من شأنه المساس بانتظام وتيرة السير العادي للمؤسسات الدستورية، مستهدفاً بذلك تغيير الدستور بغير الآليات المنصوص عليها فيه، وهو ما جرت به القوانين الجنائية في أعرق الديمقراطيات الغربية.
وعليه نذكِّر السادة السفراء الذين كانوا موجودين أثناء وقوع الجريمة في العام الماضي أو الجدد منهم والذين بإمكانهم أن يسألوا من سبقوهم بما رأوه رأي العين من محاولة لتغيير شكل الدولة الدستوري بشكل مرعب على حد وصف القائم بأعمال السفارة الأمريكية في تلفزيون البحرين، نذكر السادة السفراء أن قوانين دولهم لا تختلف عن القانون البحريني في عقوبة هذه الجريمة.
ولأنهم يطالبون بحضور جلسات محاكمة هذه الخلية، نذكرهم بأنهم لا يحضرون محاكمة مجموعة أفراد كانوا يسيرون في مسيرة سلمية للتعبير عن سخطهم أو تذمرهم أو انتقادهم لأداء الحكومة، بل يحضرون محاكمة مجموعة متهمة بالقيام بجرم شهدتموه بأم أعينكم وصفتموه «بالمرعب والمخيف» من قطع طريق واحتلال مبانٍ وقتل ودهس واستخدام سلاح، بل ومنع بعضكم من التنقل من المطار وإلى مقار عملكم كما ذكرت القائم بالأعمال الأمريكية، فكان الوضع مخيفاً رغم أنكم تتمتعون بالحماية، فما بالكم وحال المواطنين البحرينيين ذلك الوقت؟.
وكلكم تعرفون أن الغرض من استخدام العنف والقوة أعلن عنه بلافتة عرضها نصف كيلومتر رآها الجميع وكتب عليها «إسقاط النظام» أي تغيير شكل الدولة الدستورية، وهذه جريمة نصت عليها قوانينكم وغلظت عقوبتها حتى الإعدام عند بعضكم والمؤبد عند البعض الآخر.
فلا تتساوى اليوم مع حسن نصرالله في قلبه الموازين وازدواجية معاييره، وهو الذي حرم بالأمس على السوريين حرق الإطارات وقطع الطرق وحللها لفرعه البحريني، ولا تتساوى مع مقتدى الصدر الذي حرّم المظاهرات في العراق وحرّض عليها في البحرين، فهؤلاء صنفتموهم أنتم بالإرهابيين، فهل تحول الاتحاد الأوروبي إلى كيان إرهابي مزدوج المعايير مثلهم؟!!

خناجر الإعلام

هشام الزياني
مازالت الوفاق تتلقى الصفعات واحدة تلو الأخرى، حتى أنهم عادوا للمعزوفة القديمة التي يعودون إليها مع كل حالة فشل وحالة انهزام، وهي طلب إعادة طرح مبادرة سمو ولي العهد التي طرحت لنزع فتيل الأزمة إبان الأحداث المؤسفة. غير أن - في تقديري الشخصي - من رفض المبادرة في الأزمة ووجد أنه بإمكانه الانقلاب على الحكم وتحقيق مكاسب أكبر من المبادرة بكثير واستقوى بالشارع ولم يغلب مصلحة البحرين في ذلك الوقت، هو لا يريد الخير للبحرين اليوم أيضاً، ترفضون المبادرة والبحرين في أزمتها، وتطالبون بها اليوم وأنتم في ويلات الهزيمة والاندحار والخيبات. شخصياً أشكر الموقف الأمريكي والموقف البريطاني وموقف تركيا وموقف قطر وموقف كل الدول العربية التي وقفت موقفاً مشرفاً وحقيقياً وواقعياً من أحداث البحرين، لا نريد من دول أو جماعات أو منظمات تجميل الوضع في البحرين، فقط نريد نقل الصورة الحقيقية. هذا ما يرضينا من أمريكا وبريطانيا حتى وإن كانت مواقف الدولتين والمنظمات التابعة لهما مزدوجة، تضرب ضربة فوق وضربة تحت الحزام، إلا أننا نشيد بالموقف الأخير عله استفاقة حقيقية لرؤية الأحداث بالبحرين بعيون محايدة صافية، لا عيون وفاقية إيرانية، تكذب وتلبس، وتفبرك، من أجل الأكاذيب والزيف الصفوي. نوجه سؤالاً ليس بعيداً عما جرى في جنيف، فما نشاهده من الصحيفة الصفراء (لون حزب اللات) من تضخيم وتهويل والفرح والتشفي لكل ما فيه ضرر للبحرين (الدولة والسيادة) بل إنهم يضخمون ويصورون أن الدولة تتعرض لمحاكمة خارجية وكأنها صحيفة إيرانية (ربما تكون كذلك) وليست صحيفة بحرينية. هل هذا هو النهج الوطني الذي تدعيه الصحيفة وهي تفرح وتفرد الصفحات والأخبار لكل ما يحمل ضغوطاً على البحرين، أو أي إجراء دولي ضد البحرين، هل هذا نهج وطني لصحيفة وطنية؟ خناجر الإعلام المسمومة يجب أن تكسر، من يحب البحرين وينتمي إليها لا يفرح لأية ضغوط أو محاسبات للدولة، من يفعل ذلك هو الإعلام الإيراني أو السوري أو التابع لحزب اللات، ويبدو أن الصحيفة الصفراء إحدى أذرع هذه الجهات، والبحرين تفرح بها وتقرب رئيسها وتغدق عليه. (العوي عوي لو تعطيه ماي عينك) سوف ينقلب عليك مثل (السكين العقفة أو المنجل) سوف يضرب صاحبه يوماً. الإعلام الوطني لا يضرب وطنه، ولا يفرح بأي ضغوط خارجية، الإعلام الوطني يدافع عن البحرين بكل ما يملك حتى وإن اختلف مع أمور أو سياسات داخلية، إلا أنه لا يتشفى ويفرح ويضخم الأخبار التي تمس سيادة البحرين. يكتبون عناوين كبيرة (دول أوربية توجه أسئلة للبحرين) فهل هذا إعلام وطني منتمي للبحرين وأهلها؟.. لماذا الصمت عن الخناجر المسموعة إعلامياً، بل ودعمها؟ وزارات وهيئات حكومية وبنوك شبه وطنية تدعم (إعلانياً) هذه الصحيفة وهي تضرب هذه الوزارات بشكل يومي، فأي دولة تفعل ذلك، أقلها من يضربني لا أعطيه أموال الإعلان. وقف الإعلان في صحف تضرب البحرين يحتاج إلى قرار غير مكتوب وغير معلن. ما هي إجراءات التربية ضد التلاعب بالدرجات أسأل الأخ الكريم وزير التربية عن الإجراءات التي تتخذها الوزارة لكشف ووقف التلاعب بالدرجات (رفع درجات أناس، وتنزيل آخرين) للاستحواذ على البعثات؟ ماذا فعلت الوزارة حيال ذلك؟ حتى الساعة لم ترد علينا الوزارة حيال هذه النقطة بل أرسل رداً يتعلق بفقرة رذاذ والتفاهمات مع الوفاق، وأغفل تماماً موضوع تزوير الدرجات من داخل المدرسة، وللعلم فإن ذلك لا يحدث في التوجيهي فقط، بل من الأول ثانوي من أجل ضرب المعدل التراكمي. لماذا لا يكون هناك خط ساخن للمدرسات والمدرسين وأولياء أمور الطلبة من أجل التبليغ عن التلاعب بالدرجات؟ نريد آلية واضحة صارمة وقوية حيال ذلك، ونريد تدقيقاً محايداً للدرجات بعد أن يعتمدها مدرسات ومدرسون، حتى نوقف التلاعب بالتزوير في الدرجات، نتمنى الإعلان من قبل الوزارة عن خط ساخن للتبليغ عن التزوير والتحقق من ذلك واتخاذ إجراءات قانونية حيال المزورين. رجل عارٍ يعبده 316 مليوناً اُرسل لي فيديو لرجل هندي يمشي عارياً تماماً (ربنا كما خلقتنا) ويعبده وينحني إليه وربما يسجدون له الآلاف في الطرقات فهم يعبدون هذا الرجل..! هذا أرخص الآلهة، لا يكلفه شيء فقط يمشي عارياً. هذا في الهند، لكن هناك الكثير ممن يعبدون الأشخاص من دون رب العباد ويتوسلون إليهم..! اللهم لا تجعلنا نشرك بك شركاً أصغر ولا شركاً أكبر، فالحمد لله على نعمة العقل، ونعمة الإسلام، ونعمة التوحيد، ونعمة السجود لملك الملوك سبحانه، اللهم أمتنا على التوحيد، وعلى شهادة لا إله إلا الله محمد رسول الله، عليها نحيا وعليها نموت، وعليها نلقى الله. حقيقة مواقف مقتدى الصدر..!! نشر الزميل الأستاذ فؤاد الهاشم في الوطن الكويتية هذا الخبر “ملالي إيران وجهوا أوامر صارمة إلى مقتدى الصدر.. للوقوف مع نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي ودعمه بالكامل.. وإلا.. فإن المساعدات النقدية من المال الإيراني النظيف التي تصله من طهران كل شهر، وكذلك مبالغ الخمس القادمة إلى حضنه من الكويت سوف.. تتوقف”!! .. لكن.. “مقتدى” ظهر أنه.. “ولد عفريت وشاطر”، إذ رد على الأوامر الإيرانية مشترطاً.. مضاعفة “العطايا من المال الإيراني النظيف وأموال الخمس الكويتية التي تصله شهرياً”.. حتى يوافق على.. “دعم المالكي.. رئيس وزراء طهران العراقي”!! الغريب أن جمهورية الملالي رضخت لـ“مقتدى” ووافقوا على .. طلبه!! الآن ستسمعون - تشاهدون - لغة مختلفة من “مقتدى” تجاه “المالكي”، فبعد أن كان معارضاً شديداً له، سوف يتحول إلى.. “بزّون صغير يناقز فوق جتف نوري”!!

معركة بلا أسلحة في زمن بلا معجزات

فيصل الشيخ
الإحساس السائد بأن كل شيء يراوح مكانه، لا نعرف ماذا يحمله المستقبل في طياته، وهل هناك مستقبل أصلاً في ظل استمرار الحال على ما هو عليه؟! كتبنا وكتب الكثيرون وقلنا وقال الكثيرون، حتى وصلنا إلى نقطة فاصلة تحتم علينا التساؤل مراراً وتكراراً: ماذا بعد؟! وإلى أين سائرون؟! الجميع بات يعرف الحقيقة الكاملة لما حصل في البحرين، تعرفون علاقة إيران بما يحصل، تعرفون من يخطط وينفذ على الأرض، تعرفون أن الادعاءات والمطالبات بالحقوق والحرية كلها أكاذيب، لأنها أصلاً أمور موجودة لكنها لا ترضي من يريد كرسي الحكم في البلد وهو هدفه الأوحد. نعرف تماماً كيف يتحرك عملاء الخارج، وكيف تعمل “أنصال” الغدر في الداخل والخارج، ونعرف تماماً أن كل ذلك لا يتم إلا عبر تمويل ودعم. يقولون بأنهم هاربون من البحرين خوفاً من العقوبات والقبض عليهم، لكن بخلاف واقع أن الهارب يعاني في حياته خارج حدود بلده، بلا مورد رزق ولا ضمان معيشي، إلا أنهم يعيشون، ويطيرون هنا وهناك، ووضعهم أفضل مما كان عليه حينما كانوا هنا، بالتالي من يصرف ومن يدفع ومن يوفر السكن والمشرب والملبس؟! كلنا نعرف الحقيقة، الأمور باتت مكشوفة على الآخر، استهداف البحرين وتشويه صورتها بات شغلهم الشاغل في كل محفل وتجمع، لا يهم لو أدانت البحرين دول مثل الدنمارك أو السويد أو حتى إسرائيل، المهم هي الإدانة حتى لو جاءت من المريخ. الولايات المتحدة صانعة “نماذج” قادة الانقلاب لديها، زعلتكم بالأمس حينما دانت المولوتوف، لكنه زعل وقتي، لأنها لن تلبث إلا وتحرك المياه من جديد، فإشغال الدول التي لا ترى فيها فرضاً لقوة القانون والسيادة عملية “لهو” محببة للأقوياء، بالتالي لا تزعلوا من بعض مواقف وأقوال القوة العالمية الأولى إن لم تتناغم مع ما تريدون، فهي ليست إلا مناورات كلامية فقط، في حين مازال العمل على تنفيذ برنامج الشرق الأوسط الجديد التي جاءت به كوندوليزا رايس قائماً. دول الغرب أغلبها تحركهم مصالحهم، امنع عنهم الصفقات الضخمة بملايين الدولارات سترى كيف تتغير المواقف. تذكروا المعارض السعودي المسعري وكيف تعاملت معه بريطانيا حينما وصلت الأمور إلى المس بمصالحها مع السعودية. السياسة مستنقع موحل، لا أخلاقيات فيه، ومن يريد العمل فيه ببراءة وهو “على وجهه”، فإن مصيره الحتمي أن يأتي “على وجهه”. إن لم تكن قوياً في عالم يسود فيه الأقوياء فإنك ستكون فقط ورقة يلعب بها على طاولة، ستكون رهاناً إما يكسب اللاعب به أو يخسره ويذهب أدراج الرياح. ما يسمى بالفوضى الخلاقة لن تتوقف موجتها، لأن من ابتكرها أصلاً لم يبتكرها مع سقف لها لتتوقف، سقفه الوحيد هو فرض رؤاه وتحريك أية أدوات تخدم لتوصله للنتيجة النهائية التي حسمها سلفاً. الدول التي تريد أن توجد لها موقعاً من الإعراب، عليها أولاً أن توجد لسيادتها الداخلية موقعاً من الإعراب، عليها أن تتحدث بنفس الخطاب القوي وتقاتل حتى الرمق الأخير، مصير أمة ومستقبل كيان لا يمكن أن يكون على كف عفريت، إن قبلت بك هذه القوى العظمى أو نظيرتها تلك فإنك في مأمن من الشرور والمؤامرات والخطط، وعلى النقيض لو وضعتك في رأسها فإن مصيرك مخيف ومقلق. أحياناً تعجز الحروف عن كتابة المزيد، إذ ماذا سنزيد؟! كل شيء بات معروفاً ومكشوفاً، لن نضيف جديداً إن قلنا بأننا نواجه تهديداً خارجياً، وأن لدينا من خونة الوطن الكثير، ولن نغير شيئاً إن ظللنا نخاطب الدولة والأخيرة لا تتعامل مع الخطر المحدق بها بشيء من القوة. من الغريب جداً الوصول لمرحلة يطالب فيها الناس الدولة بأن تثبت لهم بأنها دولة تمتلك كل مقومات السيادة والقدرة على الدفاع عن نفسها أولاً ومن ثم عن مواطنيها. بالفعل غريب هذا المطلب الشعبي! ألم نقل يوماً أن كل حق دون قوة زاهق وثابت زواله؟! من يتخلى عن أسلحته في معركة ويواجه التهديد بصدر عارٍ، لن ينتهي به الحال للانتصار أبداً؛ فزمن المعجزات انتهى.

من حقي أن أعارض

أحمد جمعة
من حق أي انسان أن يوافق او يعارض على حدث ما، وهذا مشروع في كل الأمم والمواقف، وهو أيضاً حق لهؤلاء الذين يعارضون اليوم الاتحاد الخليجي. لو افترضت افتراضاً ان هناك رأيا مختلفا حول الاتحاد الخليجي وان لدي أسبابي وحيثياتي هل يفترض ان أعبر عن هذا الاختلاف بحدة تصل الى حد تجيير كل ما في وسعي من كلمات وسباب وأكثر من ذلك فقط للتعبير عن هذا الرأي؟ هل بعد هذه التصرفات والسلوك الغريب والمشين في حق الوطن وفي حق المنطقة الخليجية العربية وفي حق العروبة أيضاً أن نرى هذا التصرف الذي يبلغ حد الخيانة القومية والخيانة الوطنية عندما يقترن بموقف مع دول اقليمية غير عربية لها مصلحة في عدم الاتحاد وهي الدولة الفارسية التي اعلنت رسمياً من خلال تصريحات كل قادتها وكل المسؤولين فيها عن وقوفها ضد الاتحاد الخليجي حتى لو كان ثنائياً، هذا الموقف الايراني مفهوم ومعروف وله اسبابه التي من بينها خشية النظام الايراني من بروز قوة اقليمية منافسة خاصة بعد انحياز العراق للدولة الفارسية وبالتالي اصاب الهلع قادة طهران من وجود قوة اقتصادية وعسكرية وسياسية اقليمية عربية تقبع على قمة الثروة في المنطقة الخليجية، وهذا بلا شك يؤدي الى تحطيم احلام الفرس في الهيمنة على المنطقة بعدما استقر لهم الأمر بخروج الدولة العراقية القوية من الحسابات. لكن وهنا ابدأ الدخول في الموضوع الأساسي والذي لا أجد له من تفسير سوى التفسير النفسي الدال على نفسية اصحابه ويعكس بشكل لا ارادي الارتباط الروحي بالطرف الذي ينتمي إليه هؤلاء ويمكن التأكد من هذا الحليل بالعودة الى شريحة المعارضين للاتحاد في كل من الكويت والبحرين وعُمان وقراءة مواقفهم بتأمل ستجد ان نفس المفردات والفقرات والمنطق يجمع بين هذه الشرائح وهنا تكمن الحالة الانتمائية التي تجبر هؤلاء على الالتحاق بطابور القوى الاخرى على الضفاف الايرانية للتنسيق في البداية والتعاضد في منتصف الطريق ثم الاعلان المباشر عند الضرورة، الا ان ما حدث كان نكسة للخطة المتسرعة كالعادة وأدى الى كشف هؤلاء اوراقهم مباشرة من دون تضليل كما كان متفقاً عليه وسبب ذلك ان الدعوة للاتحاد قد فاجأتهم سرعتها وتوقيتها من حيث الاعلان عنها فما كان من الطابور الخامس الا ان التحق من غير دراسة ولا مبررات ولا حيثيات للموقف من الاتحاد الا بالشكل المكشوف والمفضوح الذي عرى موقفهم المعارض الذي يصب في القناة الايرانية وهنا تكمن روح الخيانة الوطنية وحتى القومية، وهنا أسال الملتحقين بالوفاق وتيار الولي الفقيه مثل جمعية وعد والتجمع القومي البعثي الذين بحكم مبادئهما القائمة على العروبة والوحدة والاتحاد، ما هو موقفهما من الاتحاد؟ اعتقد ان فيه من الاحراج بحيث لن نسمع رأيا في هذا الموضوع سوى التضليل بالدراسة والتقييم والظروف الموضوعية والذاتية وهي العبارتان المتكررتان في اجندتي التنظيمين من القرن الماضي. كيف نقنع من لا يريد ان يقتنع بأهمية هذا الاتحاد للشعوب قبل الدول؟ هل هناك اتحاد في العالم بين أي مؤسستين او شركتين او دولتين او حتى بين اسرتين لا يمثل شيئاً جميلاً وايجابياً؟ اذن لماذا هذه الحرب على موضوع الاتحاد وكأنه اتحاد بين الشياطين وليس بين دول يجمعها مصير واحد منذ نشأت، لنأخذ فقط عنصراً واحدا من كل العناصر التي تؤسس لقوة خليجية واحدة وهو النفط. نفط الخليج العربي هو رغم كل المقولات الحاسدة فانه في ظل كل دولة من دول المنطقة أحيا هذه الدولة بشكل خاص والمنطقة بشكل عام وحول الصحاري الى وديان وجعل من البحر ناطحات سحاب وجلب التعليم المتقدم والصحة بمستوياتها المطلوبة ووفر السكن والوظائف ونجح في وضع البنية التحتية موضع التحقق كما هو حال الدول المتقدمة، فلا تصدقوا من فشل في تحقيق ذلك من الحاسدين فيما حققه نفط الخليج العربي من بيئة طيبة للعيش والحياة وان كان ثمة شك في ذلك فانظروا الى ما فعله النفط في الدول الثورية والانقلابية من حولنا والى ايران بالذات التي يقبع شعبها في فقر مدقع، حيث أشاع الفقر والعوز وبعث بمواطني تلك الدول للعمل كأجراء في الدول الأخرى ولا شماته في ذلك بقدر ما هو اعتراف بواقع يرفضه المدعون على الضفة الأخرى، نحن نتمنى الخير والعطاء والتقدم لكل اخوتنا أينما كانوا ولكن للأسف الشديد فقد أحبطتهم انظمتهم المدعية. اعتقد ان على هؤلاء المهوسين بمعارضة الاتحاد الخليجي بهذه الشدة سؤال انفسهم هذا السؤال فقط: ما مصلحتنا من رفض الاتحاد علماً بأنه سيسهم حتى على المستوى الشخصي في تحسين حال المواطن البحريني. اعتقد ايضاً ان الجواب هو الخيانة تجري في العروق.

أعداء الإنسان يدافعون عن حقوق الإنسان

محمد الأحمد
ما وظيفة هؤلاء الذين يسمون أنفسهم معارضة إلا تشويه صورة المملكة في الخارج، الجميع يعلم الآن روابط الشر التي نسجها أتباع ولاية الفقيه مع دول ومنظمات من أجل التآمر على البحرين، ولكن بحمد الله وفضله شاء القدر أن يعري هؤلاء ويكشفهم أمام الجميع على حقيقتهم. جلسة حقوق الإنسان في جنيف أمس الأول، كانت جلسة اعتيادية وقد استعرضت مملكة البحرين عبر وفدها الرسمي والأهلي الإجراءات التي حققتها وستحققها في سبيل التقدم في مجال حقوق الإنسان.. هل هناك انتهاكات؟ نعم وباعتراف الحكومة نفسها، وفقاً لما أثبته تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق، ولكن المتابع يعلم جيداً أنه تم اتخاذ العديد من الخطوات لتلافي أية كبوات في هذا الموضوع.. فلا أحد يقبل أن تنتهك إنسانية أي شخص بدون استثناء. حاول ممثلو المعارضة الفئوية، مع وسائل الإعلام التابعة لهم تصوير المشهد وكأن مملكة البحرين كانت تتعرض لرصاص الانتقادات في جنيف، وكأن ما يجري في البحرين يجري في سوريا أو العراق أو أي دولة ممن يحكمها هؤلاء من عملاء الولي الفقيه الذين يغزون دولنا بالوكالة.. وكانوا يقفزون فرحاً ويتنططون على كل انتقاد من أية دولة.. ويصمون آذانهم عن أية إشادة من أية دولة!. هؤلاء الذين يدعون حماية حقوق الإنسان، لم نر منهم أي موقف يعاكس سياسة إيران، لم نر منهم أي موقف للانتهاكات والقتل اليومي في سوريا، ولم نر منهم أي موقف في أية انتهاكات يرتكبها النظام في العراق، بل لم نر أي موقف منهم تجاه ما يجري في طهران وقم وتجاه تعليق المشانق، بل هم سائرون في عميهم يعمهون، لو كانت البحرين تنتهك حقوق الإنسان لما كان كل هؤلاء من (خدم إيران) يعيثون فساداً في الأرض ويصرحون في كل مكان يبث سمومهم. عشنا رجباً ورأينا عجباً من هؤلاء الممثلين الذين يريدون الضحك على ذقون العالم، هؤلاء هم أعداء الإنسانية وأعداء الديمقراطية، أتباع ولاية الفقيه، يدافعون عن حقوق الإنسان!.. بل ما أنتم إلا أعداء الإنسانية بعنصريتكم ومخططاتكم الشيطانية... هؤلاء الذين كانوا يصرخون يوماً «نحن الداخلون وأنتم الخارجون» يذرفون دموع التماسيح وترتجف مقالاتهم حزناً على الفرز الطائفي والتقسيم الحاصل في المجتمع!. الحمد لله الذي كشف أمرهم وفضح نيتهم..

شكراً لدفاعكم عن البحرين

صلاح الجودر
ما يشهده الوطن «البحرين» من تداع غير مسبوق من أجل تغيير هويته في الداخل والخارج تدعو المخلصين للاستعداد لمرحلة أكثر قسوة وبشاعة بسبب إصرار دعاة الفتنة والمحنة على تمزيق هذا الوطن وتحويله إلى كنتونات طائفية كما هو الحال في العراق ولبنان والصومال. فالمراقب والمتابع للمشهد البحريني يرى في الداخل الأعمال العنفية المستمرة لتركيع أبناء هذا الوطن، قنابل محلية الصنع، قنابل حارقة «المالوتوف»، حرق الشوارع والطرقات بالإطارات، التعدي على الممتلكات العامة والخاصة، وترويع الآمنين في مناطقهم، وفي الخارج يتعرض الوطن «البحرين» إلى إرهاب إقليمي تقوده إيران وقادتها الصفويين الجدد، فقد كشفت مؤخراً عن وجهها القبيح من خلال التصريحات والخطب المعنونة بتصدير الثورة الإيرانية «لا الربيع العربي» لدول الجوار وأبرزها البحرين، بل وحركت أذرعها في العراق ولبنان وسوريا لدعمهم ومساندة للمليشيات الانقلابية والخلايا النائمة التي انطلقت في فبراير عام 2011م لتغير هوية أبناء هذا الوطن، ولا زال الناس يعانون من سمومهم وأدواءهم المغلفة بالفتاوى الدينية، والدين منها براء. في الجانب الآخر نرى أبطال البحرين وشرفاءها والمدافعين عن هويتها يظهرون حبهم وولاءهم المنقطع النظير لوطنهم البحرين، لذا هم في كل المواقع والمسئوليات، ولا ينتظرون وراء ذلك جزاءً ولا شكوراً، وما الفعاليات المجتمعية المدافعة عن عروبة البحرين واستقلالها إلا دليل كبير عن تضحياتها لهذا الوطن، فالتجمعات التي تنادي بالوحدة والإتحاد، والتي ترفع شعارات العروبة، ورفض التدخل الإيراني إلا دليل على حبهم وانتماءهم لهذا الوطن الذي حددوا هويته في عام 1970 حينما التقوا بمبعوث الأمم المتحدة الذي أعلن عن عروبة البحرين ورفضها للتدخل الإيراني في شئونها الداخلية. اليوم البحرين أمام مهمة ليست بالسهلة مع المجتمع الدولي، فالبحرين أمام مجموعة من التساؤلات التي أثارها دعاة الفتنة والمحنة لدى الدول الغربية من خلال علاقاتهم التي دشنوها قبل سنوات طويلة، والتي أثمرت اليوم عن تداع أممي على البحرين لمعرفة مستوى حقوق الإنسان بها، لذا شارك الوفد البحريني أمام مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة بجنيف في دورته الثالثة عشر من أجل شرح الانجازات الكبيرة التي تحققت خلال السنوات الأربع الماضية بعد توقيع البحرين على ميثاق حقوق الإنسان. فرغم تواجد المعارضة الشيعية بكثافة في المجلس بجنيف من أجل الإساءة وقلب الحقائق «كالمعتاد» إلا أن وفد البحرين وضع الحقائق بكل تجلياتها أمام المجتمع الدولي الذي جاء بتساؤلاته لمعرفة حقيقة تلك الادعاءات التي ينشرها أعداء الوطن عبر قناتهم الطائفية «قناة العالم الإيرانية» تنفيذا لمشروع إيران في المنطقة. البحرين لا تخشى شيئاً فهي التي شكلت اللجنة الدولية لتقصي الحقائق من أصحاب الخبرات الحقوقية والقانونية لدراسة الإشكالية التي حدثت في فبراير 2011م، وعن أسبابها، فتم تشكيل اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق برئاسة البرفوسور محمود شريف بسيوني والذي بدوره قدم تقريره الحقوقي أمام جلالة الملك في 23 نوفمبر2011م. هذه الجلسة تأتي ضمن العملية الدورية الشاملة التي استحدثتها الأمم المتحدة والتي وافقت عليها البحرين في عام 2008م، والتي تعتبرها البحرين من أولوياتها أمام المجتمع الدولي، لذا تم إنشاء وزارة حقوق الإنسان لتعني بمراقبة الجانب الحقوقي، بل تم قيام الكثير من مراكز حقوق الإنسان في الدولة الحديثة التي توافق عليها أبناء هذا الوطن بعد أن صدق على ميثاق العمل الوطني 2001م. لقد ركز الوفد المشارك في مجلس حقوق الإنسان بجنيف على توصيات اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق «تقرير بسيوني»، فهذا التوصيات تعتد بها الدول المنضوية تحت منظمة الأمم المتحدة لما لها من حيادية، لذا كان السؤال إلى أي مدى تم تحقيق وتفعيل توصيات بسيوني؟، وللأمانة التاريخية فأن الكثير من التوصيات قد تم تفعيلها، والبقية الأخرى تحتاج إلى مزيد وقت من أجل تنفيذها، خاصة وأن هناك فئات من المعارضة لا تريد الإصلاح ولا تريد تفعيل التوصيات، فهي تبحث عن التأزيم المستمر من أجل أن تكون حاضرة في المشهد السياسي والحقوقي. من هنا فإن هذه الجلسة قد كشفت بأن أبناء هذا الوطن لا يخشون كشف الحقائق، ولكن الذي يخشاها هي قوى الظلام والتآمر التي اجتمعت في دوار مجلس التعاون بأوامر من القيادة الإيرانية ورفعت شعارات «التسقيط والموت والترحيل». لذا الشكر والتقدير والدعاء والثناء للوفد البحريني الذي تواجد في جنيف، فدحض الحجة بالحجة، ووضع الدليل أمام التشكيك، فالشكر لكم لدفاعكم عن البحرين وأبنائها.

علي سلمان بين لقمة الحلال والحرام

إسحاق يعقوب الشيخ
الافتراء البليد في السياسة يشكل عين الحماقة.. وضعف الحجة في حقيقة الافلاس السياسي.. فالأحمق في السياسة يَصِمُ الآخر بالحماقة من واقع انه ينضح غيًا من الحماقة السياسية التي يشرب من انائها! وفي خطاب الشيخ علي سلمان بمناسبة اليوم العالمي للتمريض قال ان «شعب البحرين صوّت على عنوان الاستقلال وبالتالي في البحرين -بشكل استثنائي- من حقق الاستقلال ليس اسرة آل خليفة وانما شعب البحرين وهو الوحيد الذي يملك حق التصرف والحديث عن الاستقلال وعدمه وليس لسلطة وليس لآل خليفة الحق في اي عنوان وحدة أو كونفدرالية مع اي احد» وهذه فرية بينة يتشدق بها دون خجل. الا ان الحقيقة التي يعرفها القاصي والداني ان الاستقلال الذي احرزته دولة البحرين في استفتاء شعبي تحت مظلة الامم المتحدة، ان استفتاء شعبيا وحكوميا ادى الى استقلال دولة البحرين وصوب واقع عروبتها دوليا تابعة في حكمها لأسرة آل خليفة.. ولا غرو فإن الحكم الخليفي آنذاك ساهم مساهمة فعالة في قيادة الحراك الشعبي في الاستفتاء وتوجيهه في التصويت على استقلال البحرين وانهاء النزاع الايراني لصالح حكم اسرة آل خليفة كما ساهمت في ذلك ظروف دولية.. وقد التف الشعب البحريني حول الحكم الخليفي في الاستفتاء وهو ما انجز عروبة البحرين واستقلالها الوطني ودفع بالأطماع الايرانية في مزبلة التاريخ! وهذه هي الحقيقة التاريخية بعينها.. وانه من الافتراء البليد التنكر والافتراء على هذه الحقيقة الناصعة كما نراه في خطاب علي سلمان وفي الواقع فإن استقلال دولة البحرين قد انجز بإرادة الشعب والحكومة على حد سواء وكان دور الحكومة على الصعيد الدبلوماسي الاقليمي والعربي والدولي فاعلاً ومؤثراً في تكريس احقية عروبة البحرين واستقلالها. وان من الحماقة السياسية تشويهها أو التنكر لحقيقتها التاريخية الامر الذي يخدم الاطماع الايرانية واجندتها في منطقة الخليج والجزيرة العربية! ويتابع الشيخ علي سلمان في خطابه قائلا: «قراركم باطل وادعاؤكم او ادعاء بعض إعلامييكم او موظفيكم بان هناك مجلس نواب ممثل للشعب كذبة لا يقبلها احد في العالم فقراركم باطل ولا يعتمد على اي اساس شرعي» تراه سادرا في افتراءاته الملفقة دون ان يرف له جفن علما انه وزمرته في جمعية الوفاق الاسلامية خاض انتخابات مجلس النواب وشكلوا كتلة برلمانية لأكثر من 16 نائبا.. الا انهم اداروا ظهر المجن للمعارضة السياسية الديمقراطية البرلمانية السلمية الدستورية وتبنوا معارضة الارهاب والعنف والتخريب واثارة الفتنة الطائفية والاعتداءات بقوارير الملتوف وحرق اطارات السيارات وسكب الزيوت في الطرقات! ان من حق اي كائن من كان ان يبدي انتقاداته وملاحظاته مع او ضد الطريقة التي تأخذ طريقها الى الوحدة او الاتحاد بين دول اعضاء مجلس التعاون في ان تدار امور تشكل الاتحاد بإرادة شعوب المنطقة لا بإرادة حكامها فقط.. الا انه من البلادة ايضا للشيخ علي سلمان ان يقارن صيغة الاتحاد الاوروبي بصيغة دول مجلس التعاون في الطموح من اجل الوحدة.. وان دلت هذه المقاربة على شيء فإنما تدل على عين الحماقة التي يحاول امين عام جمعية الوفاق الاسلامية الشيخ علي سلمان عبثا الصاقها بالآخرين! وبعد، ألم يسأل الشيخ علي سلمان نفسه هو ومن معه في جمعية الوفاق الاسلامية الاسباب السياسية الموضوعية التي ادت بدرع الجزيرة ان يأخذ طريقه الى مملكة البحرين! ألم يسأل الشيخ علي سلمان نفسه هو ومن معه في جمعية الوفاق الاسلامية عن الاسباب السياسية الموضوعية التي ادت الى التوجه بإقامة اتحاد بين دول مجلس التعاون! ألم يسأل الشيخ علي سلمان نفسه هو ومن معه في جمعية الوفاق الاسلامية لماذا فتحت السجون والمعتقلات بعد ان كانت ابوابها تصفق خالية من اي سجين أو معتقل.. وشرعت ابواب المحاكم على مصراعيها لمحاكمتهم! ألم يسأل الشيخ علي سلمان نفسه هو ومن معه في جمعية الوفاق الاسلامية لماذا العشرات والمئات من العاطلين الذين تم فصلهم غِبَّ الاحداث من مختلف دوائر قطاعات المجتمع.. وهم الآن على ابواب وتحت رحمة المحامين يلتمسون العودة الى اعمالهم وسد لقمة عيشهم لقمة حلال من كدهم وعرق جبينهم لا من حرام لقمة عيش وافدة من الخارج.. وتذهب الى جيوب بعض العوائل المنكوبة بالأحداث التي تمر بها مملكة البحرين والى تجار الفتنة الطائفية وباعتها ومسوقيها والمتاجرين بها ومرتزقتها من الصبية العاطلة عن العمل! ألم يسأل الشيخ علي سلمان نفسه ومن معه في جمعية الوفاق الاسلامية لماذا الاختناق الاجتماعي والسياسي والانقسام الطائفي يتوغل النفوس والعقول والارواح والقلوب ويشق المجتمع الى نصفيه الشيعي والسني ويؤجج النعرات المذهبية ويدفع بها في صدام المجتمع الواحد! لا نتيجة بلا سبب.. ولا سبب بلا نتيجة ان مجمل الاحداث المادية والمعنوية التراجيدية التي تعيشها مملكة البحرين تكمن اسبابها في نتائجها المؤسفة التي نعيشها جميعا وتمزقنا جميعا حكومة وشعبا وفي ذات بنى المجتمع الذي نتشكل فيه بدون استثناء: منافع ومصالح حكومة وشعبا فالضرر يأخذ الجميع لان الوطن وطن الجميع ولا وطن فوق الوطن ولا طائفة فوق طائفة وكل المكونات المادية والفكرية والروحية والدينية والطائفية والمذهبية والعرقية والقبلية وما الى ذلك هي ليس لها درجة اعلى من درجة الوطن ان درجة الوطن العليا! وبعد أكان لدرع الجزيرة مكان بيننا لو لا حماقة افعال الدوار الشنيعة ومجمع السلمانية الطبي وهتافات اسقاط النظام وتأجيج الطائفية والشتم البذيء ضد قيادات المجتمع والدعوة الى اقامة جمهورية اسلامية وما الى ذلك من ترهات الحماقات السياسية والتصرفات الصبيانية التي كانت محط عين وتأييد ودعم وتفعيل قادة جمعية الوفاق ومن ورائهم اجندة الخارج. أو أكان هناك من ضرورة حتى في التفكير بإقامة اتحاد لدول مجلس التعاون لو لا هذا الهياج الطائفي المدعوم من الجمهورية الاسلامية الايرانية واجهزة اعلامها ومرتزقتها في المنطقة. أو أكان هناك من حاجة الى فتح ابواب السجون والمعتقلات وتفعيل دوائر التحقيق والمحاكم والمحاماة. أو أكان هناك من اقصوا من اعمالهم وشردوا وهم على ابواب المحاكم يطلبون العدل والرحمة والرأفة بالعوائل التي تعيش على حافة الفقر والاملاق. أو أكان هناك مكان للأيدي الاجنبية والسفارات وجهات مشبوهة في تحريك اصابع الفتنة الطائفية والعمل على نسف الوحدة الوطنية وتأجيج الطوائف والمذاهب والاعراق والقوميات وتفتيت القيم الوطنية وزعزعة النفوس وزرع الفتنة في المجتمع! ان وزرًا وطنيا تاريخيا يقع على عاتق جمعية الوفاق الاسلامية وكوادرها وقياداتها.. وبالدرجة الاولى على عاتق مرشدها آية الله عيسى قاسم رأس الفتنة الطائفية ومحرض الغوغائية من على منبر صلاة الجمعة ودعوته المعهودة بالسحق وقتل الطرف الآخر!.

أين موقعنا من محادثات ٥+١

محمد مبارك جمعة
علام انطوت محادثات إيران مع مجموعة (٥+١)؟ وما هي النتائج المتوقعة منها فيما يتعلق بالشأن الإقليمي في منطقة الخليج العربي؟ وخصوصاً أن هذه المحادثات تلفها السرية التامة. بعض المصادر تحدثت عن ضوء أخضر إسرائيلي للولايات المتحدة الأمريكية للمضي قدماً في توقيع اتفاق مع إيران فيما يخص برنامجها النووي. بالطبع الإعلام لا ينقل سوى ما يراد للمشاهد والمتابع أن يصدق ويعتقد، وتبقى الحقائق مخفية خلف الأبواب والغرف المغلقة.
لكن بالنظر إلى ما هو متوافر من معلومات، فإن الاتفاق المتوقع إتمامه بين إيران ومجموعة (٥+١) يتكون من ٨ نقاط أساسية: النقطة الأولى: (وهي نقطة في غاية الأهمية) أن الطرفين الأمريكي والإيراني قد توصلا إلى قناعة بأن البرنامج النووي الإيراني لا يمكن إيقافه، وعليه فإن الطرفين سوف يوقعان اتفاقاً ينظم هذه المسألة. ويرى محللون أن هذه النقطة سيستخدمها كل من أوباما وخامنئي لإقناع ناخبيهم وجماهيرهم بأنه هو الرابح من هذا الاتفاق. بمعنى أن أوباما سيقنع الأمريكيين بأن إيران مستعدة لتوقيع اتفاق يحدّ من نشاطها النووي، بينما خامنئي سيقنع الإيرانيين بأن القوى العظمى في العالم تعترف بأن البرنامج النووي الإيراني لا يمكن إيقافه.
النقطة الثانية: تتوقف إيران عن تخصيب اليورانيوم بنسبة ٢٠% (وهو الحد الأدنى الممكن لإنتاج سلاح نووي) مع استمرار العمل في منشأة «فوردو» تحت الأرض، بعكس رغبة إسرائيل.
النقطة الثالثة: تقوم إيران بتحويل مخزونها المخصب بنسبة ٢٠% من اليورانيوم والبالغ (١١٠ كيلوجرامات) إلى طرف خارج إيران، حيث ستتم إعادة تدوير اليورانيوم المخصب على هيئة صفائح وقود ومن ثم تعاد إلى إيران، بحيث يصبح من الصعوبة البالغة (وليس المستحيل) استخدامها في تصنيع سلاح نووي.
النقطة الرابعة: لن يفرض سقف على إيران في إنتاج يورانيوم مخصب بنسبة منخفضة تتراوح ما بين (٣,٥%) و(٥%).
النقطة الخامسة: بناء على ذلك، توقع إيران بروتوكولا إضافيا يسمح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بتوسيع نشاطات تفتيشها على المنشآت النووية الإيرانية.
النقطة السادسة: ستظل المواقع النووية الإيرانية السرية التي لا تعلم عنها واشنطن أي شيء خارج نطاق التفتيش.
النقطة السابعة: ستقوم الولايات المتحدة الأمريكية ومعها الاتحاد الأوروبي بتخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران بشكل تدريجي ولكن ليس بشكل كلي.
النقطة الثامنة: ستقوم الولايات المتحدة الأمريكية ومعها الاتحاد الأوروبي بإلغاء حظر بيع البترول الإيراني والمقرر سريانه في بداية يوليو .٢٠١٢
هذا هو ملخص الاتفاق المتوقع توقيعه نتيجة محادثات (٥+١). ويتضح منه أن إيران سوف تتراجع عن تنفيذ برنامجها النووي بشكل يضمن كبح قدرتها على إنتاج قنبلة نووية بسرعة، وفي المقابل يكسب أوباما بعض الوقت إلى حين انتهاء الانتخابات الرئاسية بما يضمن له عدم خوض أي حرب خلال هذه الفترة.
ويبقى السؤال المهم: إذا كانت هذه هي البنود المعلنة للاتفاق الإيراني الأمريكي، فما هي الاتفاقات «غير المعلنة»؟ ما الذي ستقدمه واشنطن الى طهران وما الذي ستقدمه طهران الى واشنطن نتيجة توقيع هذا الاتفاق؟
بالتأكيد المسألة ليست بعيدة عن مكاسب ومخاطر قد تكون دول الخليج العربي ومصالحها الاستراتيجية في عمقها. وهذا السؤال لست أنا من يجيب عنه بل بالتأكيد قيادات دول مجلس التعاون التي تعي خطورة أن تجري هذه المحادثات بعيداً عن تدخلها المباشر في أدق التفاصيل.

الإخوان المسلمون في سوريا

عبدالله خليفة
تحولاتُ العرب تبدو بأشكالٍ دينية وأيديولوجية لكنها صراعاتٌ اجتماعية معقدة، فنمو الرأسماليةِ الحرة لم يتواصل عبر الأنظمة الملكية والجمهورية العسكرية، وكان تجاوزها وإحداث قفزات كبرى في تطورِ الأمةِ العربية المأخوذة كجسمٍ واحدٍ يطير بقوة فوق التاريخ، هو السائد من قبل الاتجاهات المسماة اشتراكية وقومية.
بخلاف الجماعات المذهبية المُسيِّسة للإسلام التي ظهرتْ فوق الأرضية التقليدية للأملاكِ الزراعية والتجارة والخدمات الدينية الشرعية التي تقدمها للدول، والتي فزعتْ من هذه الدعوات، وخاصة مع تغلغل دعوات الإلحاد وإزاحة الأديان، وخاصةً ان تلك الدعوات بدت مشروعاً قابلاً للتنفيذ مع تصاعد حضور المعسكر(الاشتراكي).
أُخذتْ هذه التحولات من قبل زعماء الإخوان المسلمين عبر الخوف من ذوبان الإسلام والعرب في الهجوم الكاسح للغرب والشرق، وحولوا الدعوات الفقهية والإرشادية في المساجد والمدارس والتجمعات السكانية المختلفة إلى تنظيمات شبيهة بما يفعله الاشتراكيون والقوميون والبعثيون!
مضوا معهم في فكرة التنظيم الشمولي فغدا تنظيم الإخوان كلياً، من كونه دعوةً رياضية حتى رابطة سياسية، أما المضمون فهو بعث الإسلام بعثاً جديداً واستعادة الخلافة.
هي مضامين مثلت شموليةً سياسية أخرى، فما كان من خلافةٍ هو نظامٌ إقطاعي تفتت بسبب أسلوبِ إنتاجٍ متخلف، فيغدو البعثُ الديني هنا مضاداً للتاريخ وإبقاءً على علاقات اجتماعية وسياسية محافظة.
في حين أن البعثَ السوري كتنظيمٍ يتوهمُ هو الآخر صناعة الاشتراكية وهدم الواقع والإرث ونقل العرب نقلة عصرية كلية.
تقوم هذه التصورات على أدلجاتٍ انتقائيةٍ للبرجوازيات الصغيرة من مواقع فكرية مختلفة، كلٌ منها يزيلُ الآخر.
وأخذت الدعواتُ جانبها الأولي المنفتح في سوريا في زمنيةِ الاستعمار بسببِ غيابِ رأسماليةِ الدولة الوطنية الشمولية، وهيمنة المُلكيات الخاصة في الإنتاج، ولكن هذا الواقع راح يتغير مع استقلال سوريا وبدء تشكل الدولة الوطنية التي وقفتْ في مفترق الطرق التاريخية لا تعرف أي سبيلٍ تسلك.
سلوك هذا الطريق الخاص بالبلد تتحكمُ فيه المجموعاتُ السياسيةُ التي تشكلت خلال العقود السابقة، وبما خلقتُهُ من روابط مع السكان.
وكالعادة فإن العربَ مع افتقادهم للمؤسسات البرلمانية والديمقراطية الواسعة فإن السلاحَ هو الذي يقرر مصيرهم، مثلما جرى ذلك عبر القبائل المسلحة في التاريخ الماضي.
مؤسساتُ البرلمان والنقابات والأحزاب بدت عاجزة عن تحديد الطريق إلى التحول المطلوب رغم أن عدة سنوات من الحياة البرلمانية كانت خصبة، وحدثت فيها تطوراتٌ سياسية وثقافية هامة، وخاصة ان العسكريين بدأوا يتمرنون على النزول للشوارع، واختطاف الحياة السياسية والشعب.
عمل حزب البعث الثقافي التنويري الواسع اضمحل، وبدأت الدعوةُ للتغلغل في المؤسسات العسكرية مفتاح تاريخ المنطقة، وقد كانت الانقلابات العسكرية لسابقيهم بروفات لهم، وخاصة مع غياب الدعوات الفكرية الكبيرة للانقلابيين.
غدا التسلقُ السياسي العسكري أداةَ البرجوازيات الصغيرة السياسية للصعود التاريخي في كل الشرق، بحكم أزمة الرأسمالية المتخلفة، وهجمات الرأسمالية الغربية المتطورة، وتموّه ذلك بأسماء الاشتراكية والقومية.
النهضويةُ التدريجيةُ الإسلامية هي ذاتها ستدخلُ المسار الشمولي نفسه، وخاصة ان الشمولية العسكرية بدأتْ تدقلا أبوابَ سوريا مع حكم الوحدة مع مصر، وهي لم تحدد طبيعة النظام الجوهري الذي تريده، هي ذاتها كبرجوازية صغيرة مترددة بين الاشتراكية الحكومية الشمولية والرأسمالية الغربية.
وقد كتب الأستاذ مصطفى السباعي أول قائد للإخوان المسلمين السوريين كتاباً بعنوان (الإسلام والاشتراكية)، اعتذر عن عنوانه لاحقاً كما يذكرُ الشيخُ محمد الغزالي في سردهِ التاريخي عن جماعات الإخوان، كانت فيه مقاربة مع دعوات النضال الاجتماعي وأن الإسلام ليس بعيداً عنها، ومن هنا فإن جماعة الإخوان السوريين رفضت الانفصالَ عن الوحدة واتخذت خطاً مرناً بين التجمعات كافة.
لكن حزبَ البعث اقتحمته شهوةُ السلطة بقوة.
يقول الأستاذ ميشال كيلو: «كانت الأحزاب التقدمية تجنح نحو القوة في سياساتها وتخطب ود العسكر، لإيمانها أنها لا تقدر أن تغير نظاماً، وأن الجيش هو وسيلتها إلى الحكم، بينما بقي الإخوان المسلمون على خطهم القديم». ويضيف كاتب هذا البحث:
(نعم لقد تخلى كثيرٌ من قادة الأحزاب عن الأسلوب الديمقراطي، وتآمروا مع الانقلابيين على الحياة الديمقراطية، كما فعل «أكرم الحوراني» عندما باع الديمقراطية مقابل منصب وزارة الدفاع في أول وزارة تشكلت بعد انقلاب الشيشكلي في كانون الأول عام .١٩٤٩ ومن خلال وزارة الدفاع، فقد أدخل «الحوراني» الكثير من البعثيين إلى الكلية الحربية، ليتخرجوا منها ضباطا كان منهم كل الذين شاركوا في الانقلابات العسكرية، التي تتابعت بعد ذلك على سوريا وكان آخرها انقلاب حزب البعث على الديمقراطية في آذار من ١٩٦٣)، الطاهر إبراهيم: الإخوان المسلمون في سوريا نظرة عن قرب.
لقد تضافرتْ في أكرم الحوراني اتجاهات شتى، قومية واشتراكية ودينية وجهها كلها نحو بؤرة تحويل التاريخ: عسكرة المجتمع والسيطرة عليه بالجيش. وقد قادت الأسباب الغائرة في التطور الاجتماعي السياسي إلى صعود عسكريين بعثيين من طائفةٍ محددة غالبة، فيما كان الإخوان مع نزعتهم المدنية السلمية لم يعطوا(القابلةَ المولِّدة لكلِ مجتمعٍ جديد من رحمِ مجتمع قديم) حسب ماركس، أي اهتمام وقت صعود البعث العسكري.
كان الإخوان كسنةٍ من أنصار التطور التدريجي السلمي للمجتمعات.
وكان على الحوارني كذلك أن يجمعَ قوتين كبيرتين من البرجوازية الصغيرة المتعطشةِ للحكم هم جماعته (الاشتراكية) وحزب البعث في كيان جديد هو حزب البعث العربي الاشتراكي لكي يقفز للسلطة!
وحينئذٍ تم اختطاف سوري.
تأتي جماعةُ الإخوان المسلمين في سوريا كغيرِها من المسلمين السنة فتعيشُ على ما هو سائدٌ في التاريخ، فضخامةُ عدد السنة في سوريا والمحيط العربي تجعل من التطور التاريخي البطيء المتدرج بصعوباتٍ شتى هو المسلك الطبيعي لها. هذا ينطبق على السنة من المذاهب الغالبة وليس على الحنبلية التي سوف تتوجه للمسارات البدوية العسكرية.
تأتي عملياتُ المغامرات العسكرية والسياسية والايديولوجية عادة من مذاهب أخرى أو من عناصر فردية وجماعية من السنة أنفسهم وقد اخترقوا ذلك التدرج الطبيعي.
إن الجسمَ الاجتماعي المحافظ المعتمد على قرون سابقة من خلال هيمنة القوى العليا الإقطاعية، ينقلبُ هنا فتقوم الشرائحُ الاجتماعية الصغيرةُ بدورِ الطبقات العليا السابقة، لكن التحولات تغيرُ ذلك المبنى القديم المحافظ، ولهذا فإن البرجوازية الصغيرةَ الإخوانيةَ في موقفٍ محير تاريخيا، وتقفُ على دروب شتى، وتستفيد مما هو متاح في اللحظة التاريخية وخاصة من الأنظمة التي مازالت تقليدية وتماثلها مذهباً وسياسة.
من هنا فإن انقلاب البعث وسياساته التحويلية التحديثية ومغامراته العسكرية كلها تثير الاضطراب والخوف في جماعة الإخوان والقوى السياسية الأخرى.
نشوء رأسماليةِ دولةٍ شمولية عسكرية وضعَ سوريا في مهب الرياح التاريخية العاتية، فمن التأميمات وضرب البنية الاقتصادية الخاصة وتصعيد البيروقراطية إلى جر سوريا للحرب مع إسرائيل وفقدان الجولان والهزيمة، وهي كلها تعبيرٌ عن مغامرات العسكريين في المنطقة وتوهمهم صناعة التغيير من خلال أدوات العنف، فيما أن الوطنية والقومية والاشتراكية تتحلل في الداخل وتغدو حكمَ طبقةٍ طائفية.
هنا سيكون اليمينُ العالمي والقوى الدينية التقليدية بالمرصاد لهذه القفزات من خلال مواقف شتى متباينة أو متعاونة أو متداخلة، وخاصة جماعات السنة التي أُقصيتْ وضُربت في أكثر من موقع وبلد عربي، وربما ترد بالأسلوب نفسه كما في العراق، أو تتبع الأسلوب السائد المتدرج في النمو.
إن الوعي الوطني الديمقراطي الذي كان يمكن أن يزدهر من خلال جبهات وطنية وتعددية حقيقية، تقومُ على تطور اقتصادي متعاون بين القطاعين العام والخاص، ودور تنظيماتهما في الوجود السياسي المتبادل، أُزيح عبر الشموليات، وخاصة من القابضين على السلطة وتصعيد جماعاتهم وامتيازاتهم.
ولهذا فإن مقاومة الإخوان المسلمين للبعث الشمولي، هي اللغة السياسية التي صعدت، المدافعة عن الجمهور والقطاعات الخاصة وبدأ الصراع لكن الذي تزيف وجهه الاجتماعي لصالح الطائفي السياسي، فلم يعتمدْ الإخوانُ المسلمون على شعارات الحداثة الديمقراطية بل على الطائفية السياسية.
بدا الصراعُ كأنه مواجهة بين إخوان تقليديين متخلفين في مواجهة بعث متقدم، لكن الأمر لم يكن كذلك، بل هو صراعُ القوى الاجتماعية المختلفة تجاه احتكار السلطة ورأسمالية دولة شمولية أخذ يتصاعدُ منها الفسادُ والعنفُ الدموي.
لكن المواقع الايديولوجية حيث كل طرف يستخدم لغته السياسية بمصطلحاتٍ تموه الموقف وأضاعت الحقيقة والتبست الأمور حتى الآن، فهو صراعٌ بين أشكال من اليمين المتعدد التوجهات والجذور الاجتماعية والمذهبية، وكله لا يقبل بالديمقراطية الحديثة وأسسها في العلمانية والعقلانية.
ومن هنا قفز الإخوان إلى العنف هم كذلك في مواجهة تصاعد البعث وتحولت إلى مواجهات دامية في السبعينيات من القرن الماضي، فهم رفضوا التراكم الديمقراطي وتشكيل جبهة ضد رأسمالية الدولة الشمولية، وكانت قفزتهم للعنف تعبرُ عن رغبتهم الكاسحة المغامرة في الوجود ضد نظام ألغاهم كليا.
تحولاتهم الراهنة جاءت في خضم صراعات العامة ضد النظام الذي تضرروا منه، وليست من خلال قراءات عميقة للإسلام والتاريخ وصراع الطبقات على مدى العقود السابقة، بل هي مواقفٌ سياسية قشورية لا تسندها أبحاثٌ وانتشارٌ لوعي متقدمٍ بين هذه النخب، وهي تحاولُ تعويضَ ما فاتها من طمسٍ وتوظف الأزمة الراهنة لمشروع سلطة الإخوان وليس سلطة الشعب الديمقراطية، وهو أمرٌ يعيدُنا للحلقة المفرغة ذاتها.
أي أن حزبا مذهبيا سياسيا يستمر في إنتاج نظام جماعة مهيمنة، في المستوى السياسي كالبعث، ولكن أيضاً مهيمنة في الشرع والأحوال الشخصية كذلك، وهو ما يقود لسيطرة المحافظة الاجتماعية واللاعقلانية والحكم المذهبي السياسي وليس الديمقراطي العلماني الوطني التعددي.
وكان آخر الصفعات التي وجهتها جماعةُ الإخوان المسلمين للمواطنين السوريين وللرأي العام رفض انتخاب مسيحي سوري لرئاسة المجلس الوطني قبل أيام بعد أن قالت ما قالت عن الوطنية والحداثة والديمقراطية.
أي أن دكتاتورية هذه الجماعات مستمرة للأسف رغم التطور الهائل الذي حدث في العالم، وما يجري من تركيز في مهمات الاقتصاد والتنمية والعدالة وليس في الطوائف وحصصها في المجالس.

تسألون لماذا أنتم مجوس.. هاكم الرد

طارق آل شيخان
من فنون الكتابة الصحافية لأي كاتب مقالات، ضرورة تضمين المقالة الأدلة والبراهين والإثباتات التي تؤكد ما يسوقه الكاتب من اتهامات أو انتقادات أو آراء في المواضيع التي تتم مناقشتها في سياق المقالة، تأكيدا للمصداقية والمهنية التي يجب على الكاتب انتهاجها في مقالاته. وحينما يستخدم كاتب هذه السطور مصطلح (مجوس) والصاقه بمريدي ومنظري فكر وعقيدة الثورة التكفيرية في ايران، واذنابها ومرتزقتها في العراق ولبنان والبحرين والسعودية واليمن، فمرد ذلك الى مسألة مهمة وهي تنزيه الشيعة والفكر الشيعي النقي، الذي سطره وسار عليه النفر الطاهر من آل بيت رسول الله، عليه وعلى النفر الطاهر من بيته أفضل الصلاة والسلام، من الكفريات والشركيات التي ينتهجها هؤلاء المجوس. هذا بالاضافة الى توجيه رسالة الى السنة بأن ما يقرؤونه ويسمعونه من سب ولعن وكفر وشرك وقبوريات لا يمثل المنهج الشيعي الطاهر، وانما يمثل فكرا قذرا عنصريا تكفيريا أراد تسويق شركياته وكفره، تحت عباءة الفكر الشيعي. ولهذا فان استخدام مصطلح (مجوس) هو لوصف فئة عنصرية شاذة تكفيرية لا تمت للفكر الشيعي بصلة، جوهرها تمجيد الامبراطورية المجوسية واعادة احتلال الأراضي العربية ومحاولة كسر أنف وشموخ العرب، وجعلهم كقطعان غنم تسير برغبة الولي الفقيه، وغلافها التستر بآل البيت.
وكما اسلفنا، فإن على الكاتب ان يثبت آراءه بدليل وبراهين حينما يناقش أمرا ما، وهو ما سنقوم به على مدى مقالاتين، نسوق فيها بعض الأدلة والاثباتات، التي تؤكد ان الفكر الشيعي الطاهر بريء من هذه الفئة القذرة التي نصفها بالمجوس. ولعل أبسط دليل نسوقه هو مسألة الطعن بزوجة الرسول المعصوم الطاهر أشرف البشر، عليه وعلى النفر الطاهر من بيته الصلاة والسلام.
فالمجوس يطعنون بزوجة الرسول ويتهمونها بأوصاف لا يمكن لأي انسان ولو به ذرة ايمان ان يتقبلها. وبعيدا عن نوعية الاتهامات التي يطلقها المجوس، فإن الرد اجمالا سيكون كالتالي:
اولا: يقول الله في كتابه العزيز مخاطبا عبده وصفيه “وإنك لعلى خلق عظيم”. ومعنى هذه الآية ان الرسول طاهر لا يمكن له ان يرتكب معصية أو يرضى بمعصية أو يعيش مع زوجة عاصية. ولو افترضنا والعياذ بالله ان ما تقوله المجوس صحيح في حق السيدة عائشة، وهي برغم معصيتها وفسوقها والعياذ بالله والرسول لم يطلقها ولم يطبق عليها شرع الله، فانه في هذه الحالة والعياذ بالله سيكون ليس على خلق عظيم والعياذ بالله. وهو ايضا والعياذ بالله رضي بزوجة خبيثة مخالفا قول الله تعالى “الطيبون للطيبات”. أي ان عائشة الخبيثة والعياذ بالله كما تقول المجوس، هي زوجة والعياذ بالله لشخص غير طيب، حاشا للرسول المعصوم الطاهر ان يكون كذلك، مما يضعنا أمام حالتين وهما: اما ان كلام المجوس صحيح وبالتالي فإن كلام الله والعياذ بالله للرسول بأنه على خلق عظيم، وبأن الطيبون للطيبات هو قول غير صحيح لانه رضي بالارتباط بعائشة حتى لفظ انفاسه الاخيرة من غير أن يطلقها لمعصيتها ولفسوقها، أو أن قول الله تعالى هو الصواب وان المجوس على ظلال. وبالتالي فانه يتضح لنا هدف المجوس الخفي، وهو الطعن بالرسول بطريق غير مباشر، مما يعني كفر هؤلاء المجوس كفرا واضحا، لانهم اصروا على الطعن بعائشة وبالتالي طعنهم وتكذيبهم القرآن. فهل تريدوننا وتريدون من السنة ان يصفوا الفكر الشيعي الطاهر بانه فكر مجوسي؟ أم تريدوننا ان نطلق على هؤلاء مصطلح (مجوس) وننزه الفكر الشيعي عن هذا الكفر الواضح؟ العقل والمنطق والامانة تستوجب الفصل بين الاثنين.
ثانيا: يقول المجوس ان امرأة لوط عليه السلام هي زوجة نبي طاهر وكانت فاسقة، ويمكن ان ينطبق الامر على الرسول الكريم وعلى زوجته عائشة. والرد بكل بساطة على حقارة وقذارة ونجاسة ومجوسية هؤلاء بسيط جدا. فإثبات فسق زوجة لوط كان واضحا بالقرآن الكريم، حيث أنزل الله آية صريحة واضحة بفسق امرأة لوط. فهل جاء القرآن الكريم بآية صريحة تثبت فسق السيدة عائشة؟ أكرر آية واضحة وصريحة تثبت فسقها والعياذ بالله كما كان الامر مع امرأة لوط. أكرر ايها المجوس، آية وليس خرافات يتم نسبها والعياذ بالله للأئمة. أكرر للمرة الثالثة، زوجة لوط نزلت فيها آية واضحة، فهل أنزل الله آية واضحة وصريحة تثبت فسق السيدة عائشة؟ الأمر الثاني هو أن لوط عليه السلام لم يكن أشرف البشر وخير ما في الدنيا من الانس. أما الرسول عليه الصلاة والسلام فهو المعصوم. وهو سيد الاولين والآخرين. وهو من اختاره الله نبيا خاتما لكل البشرية. وهو أول من يدخل الجنة. وهو الذي طهره الله منذ نعومة اظافره. فهل بعد هذا التكريم الالهي يرضى الله عز وجل ان تكون لهذا الرسول الطاهر زوجة فاسقة وعاصية، كما تقول المجوس عليهم لعنة الله؟ وهل يرضى الله وهو القائل “والله يعصمك من الناس” أن يأتي مشرك ويستهزئ بمحمد والعياذ بالله قائلا: “قبل ان تتكلم عن الشرف وعن الزوجة الصالحة وعن حفظ الفرج، قم بتربية زوجتك قبل ان تتحدث وتنصح الناس”. هل ترضون يا مسلمين بذلك؟ اهكذا بكل سهولة يعطي الله المشركين فرصة للطعن بالرسول الطاهر المعصوم؟ هل يرضاها عقل بشري؟ هل هذا تكريم الله لصفيه ونبيه ان يعطيه زوجة؟ هل تريدوننا ان نقول بأن الفكر الشيعي هو من يقول هذا الكفر؟ أم ان من يقول بذلك هم المجوس عليهم لعنة الله وملائكته والناس أجمعين منذ ان نطقت ألسنتهم بهذا القول الى ان يرث الله الارض وما عليها؟
حينما يستخدم كاتب هذه السطور مصطلح (مجوس) وإلصاقها بمريدي ومنظري فكر وعقيدة الثورة التكفيرية في إيران، وأذنابها ومرتزقتها في العراق ولبنان والبحرين والسعودية واليمن، فمرد ذلك ليس لأن هؤلاء يعبدون النار، ولكن الى مسألة مهمة وهي تنزيه الشيعة والفكر الشيعي النقي، الذي سطره وسار عليه النفر الطاهر من آل بيت رسول الله، عليه وعلى النفر الطاهر من بيته أفضل الصلاة والسلام، من الكفريات والشركيات التي ينتهجها هؤلاء المجوس. هذا بالاضافة الى توجيه رسالة الى السنة بأن ما يقرؤونه ويسمعونه من سب ولعن وكفر وشرك وقبوريات لا يمثل المنهج الشيعي الطاهر، وانما يمثل فكرا قذرا عنصريا تكفيريا اراد تسويق شركياته وكفره، تحت عباءة الفكر الشيعي.
ولا تقتصر قذارة وشركية ومجوسية، او بالأحرى كفرية هؤلاء على الرسول المعصوم، عليه وعلى النفر الطاهر من بيته افضل الصلاة والسلام، بل امتد ذلك الى الامام الأول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، التي تصفه الشيعة والسنة بالرجل الشجاع البطل التقي الورع، الذي تربي في بيت النبوة ونهل من العلم الالهي. فالمجوس لعنهم الله يصفون الامام الاول بوصف، لا يمكن إلا أن يصف به رجل ليس لديه غيرة ورجل جبان والعياذ بالله، وحاشا للامام ان يكون كذلك. فابتدعوا حادثة ظاهرها لعن عمر وباطنها الطعن بشجاعة وغيرة الامام علي. أي الانتقاص من رجولة وغيرة الإمام الأول والعياذ بالله، تحت ستار لعن عمر وتحت ستار ما يسمى باستشهاد الزهراء عليها السلام، عندما سوقوا كذبة قيام عمر بكسر ضلعها واسقاط جنينها، وذلك أمام مسمع ومرأى ونظر الإمام الأول، من دون ان ينتهض هذا الشجاع ليسل سيفه وينتقم لشرفه ولعرضه، وقبل ذلك ليدافع عن ابنة رسول الله، ويقطع عنق عمر لانه كسر ضلع الزهراء، كما تقول المجوس عليهم لعنة الله الى يوم الدين. فهل هذا الفدائي الذي تحدى الكفار وهو صغير ونام في فراش الرسول، يصبح كالجبان ولا يستطيع ان يدافع عن شرفه وعرضه ويقاتل عمر؟ هل هذا هو المعصوم الذي لديه ولاية تكوينية ويتصرف بالكون، ولا يستطيع ان يدافع عن شرفه والعياذ بالله؟ هل هذا الذي اوصى له الرسول المعصوم بالولاية ليدافع عن الامة، وهو لا يستطيع ان يدافع عن زوجته والعياذ بالله؟ هل من المعقول يا سنة ويا شيعة ان اشجع شجعان العرب، والامام الاول القدوة بعد رسول الله، والوصي الذي عينه الله عز وجل نصا الاهيا صريحا كما تقول الشيعة، يكون جبانا لا غيرة له وذليلا لا يدافع عن عرضه ولا يموت في سبيل الدفاع عن زوجته؟ هل ترضون بذلك أيها الشيعة ان يكون الامام الاول هكذا؟
ولا يقتصر طعن هؤلاء المجوس بالامام الاول، بل امتد أيضا الى أئمة الشيعة. فهؤلاء خدعوا الناس بالادعاء بحبهم لآل البيت. وسوقوا الاكاذيب والخرافات والشركيات ونسبوها لائمة الشيعة. فهم نسبوا الى امام الشيعة جعفر الصادق عليه السلام قوله ان “التقية ديني ودين آبائي”. وهذا يتناقض مع بطولة الامام الحسين وتحديه للموت وقتاله الجيش الملعون، من دون ان يكون جبانا او يستخدم التقية، التي قال عنها الامام الصادق انها دينه ودين آبائه. بل هل الرسول المعصوم استخدم التقية اثناء دعوته وتبليغه؟ هل كان جبانا والعياذ بالله لكي يستخدم التقية خلال حياته؟ أم انه كان شجاعا لا يهاب الموت، وقاتل حتى آخر رمق في حياته من أجل اكمال هذا الدين من دون تقية.
ولهذه الاسباب فان استخدامنا مصطلح (مجوس) ليس لان هؤلاء يعبدون النار، بل من اجل تحاشي استخدام مصطلح (كفار) خارجين من ملة الاسلام، لهذه الفئة القذرة الحاقدة على العرب بالدرجة الاولى ثم السنة بكافة اطيافهم بالدرجة الثانية، خارجين عن ملة الاسلام ولو قاموا بالبكاء ليل نهار على آل البيت، ولو جلسوا الدهر كله يلطمون ويحتفلون كل ليلة بالأئمة، وذلك لانهم كفروا بالقرآن وصعنوا بالرسول المعصوم للأسباب التي ذكرناها. هذا بالاضافة الى طعنهم برجولة وشجاعة وغيرة الامام الاول. فهل تريدوننا وتريدون من السنة ان يقولوا ان الشيعة هي من تقول بذلك؟ أم ان الشيعة والفكر الشيعي منزه عن هذه الشركيات والمجوسيات. وان من يقول بذلك هم فئة كافرة خارجة عن الاسلام نصفها مجازا بالمجوس؟ المنطق والعدالة والامانة تستوجب ان نفصل بين الفكر الشيعي النقي، الذي يمجد آل البيت ولا يرضى بأدنى ذرة ان يتم وصف الامام علي عليه السلام بعدم القدرة عن الدفاع عن زوجته. الفكر الذي يصف آل البيت بالشجاعة كما طبقها الامام الحسين، وليست التقية التي حاشا لله ان يستخدمها الرسول المعصوم والامام الاول. ولهذا فان تساءلتم لماذا نصفكم بالمجوس؟ فان الرد جاءكم ولدينا مزيد ان أردتم.

عبدالناصر.. كل الإخوان في العالم فروع لأصل

حمد الهرمي
الإخوان المسلمون لا يمكن ان ينتهي الحديث عنهم وعن خباياهم فهم مثل جبل الجليد ما يبرز منه ليس سوى الجزء الصغير اما ما يخفونه عن الناس وعن المتعاملين معهم فهو الجزء الاعظم الذي يكمن فيه الخطر، هذا ما يجعل متفحصا مثلي يقضي شهورا طويلة يكتب عنهم، ربما في وقت ما اجمع كل المعلومات التي تتوفر لدي واصيغها في كتاب ثم ابحث عن بلد عربي لم يسيطر عليه الاخوان لأتمكن من نشر هذا الكتاب فكلنا نعرف ان الاخوان هم اشد من يقف في وجه الحريات ويصادر رأي المختلفين معهم ما ان يحصل على القوة والسيطرة على القرار، وليس بعيدا مشهد ميدان التحرير بعد سقوط مبارك حينما رمى الاخوان جميع من كانوا على المنصة ليبقى الاخوان وحدهم عليها وليؤم الشيخ يوسف القرضاوي الصلاة، صلاة نصر الاخوان وحدهم.
على كل حال جمال عبدالناصر كان يعرف هذه النتيجة الحتمية اذ تبجح احد القيادات بانه بإمكانه استيعاب الاخوان او صهرهم في الحالة الديمقراطية ومن ثم احتضانهم كما كان يعتقد انور السادات واهما، حيث اوصله هذا الاعتقاد الى حتفه كما اسلفت وها هو اليوم حسني مبارك يذهب لذات الحتف بدرجة اكثر تعقيدا واكثر تشفيا وتمثيلا بشخصيته، فقط لأنه اعتقد للحظة بأن الاخوان المسلمين تغيروا واصبح بالإمكان احتواؤهم والسيطرة على طموحاتهم عبر منحهم فرصا في مقاعد تناهز المئة من مقاعد مجلس الشعب المصري وتقريبهم من مصادر المال وبعض القطاعات السياسية.
من يقرأ في ادبيات الاخوان المسلمين يعرف ان المرشد العام هو قائد كل الاخوان المسلمين في مختلف العالم يأتمرون بأمره وينصاعون لرغباته وعليهم تقديم ذات الطقوس التي تؤكد على قداسته ما ان يلتقون به، وهذا ما يؤكد ان الفرع الرئيسي للإخوان في مصر اما الاخوان في كل دول العالم ومن ضمنهم البحرين فليست سوى فروع لها فقط حرية التحرك على صعيد وسائل تحقيق الاهداف العامة للإخوان، لكن عليها واجب الانصياع لثوابت الاخوان واهدافهم الكبرى الايديولوجية والسياسية والاقتصادية، فأرجو ان لا يتوهم احد انظمة الدول العربية انه استطاع ان يحل معادلة الاخوان بان يجعل الفرع الذي في بلده ينسلخ او ينشق على الاخوان الأم في مصر، فيكون بهذا الاعتقاد اضحوكة الاخوان المسلمين في دوائرهم الضيقة وحليف وصديق بل وحبيب الاخوان في الدوائر البعيدة التي يعتمد الحزب عليهم في مبدأ خدعة الحرب التي يطلق عليها الشيعة (التقية).
ينقسم الاخوان المسلمين في البحرين الى اقسام عديدة لكن هناك تصنيف عميق ويهمني في هذا المقام ان اذكره وهو تصنيف يقسم كوادر الاخوان المسلمين الى قسمين وهما: الأول الذين يعلمون وهم قلة قليلة جدا وهي تمسك بالقرار وتتواصل مع القيادات الروحية في الفرع الأم في مصر ومعنى يعلمون انهم يعلمون بخطط الإخوان السياسية الكبرى وتم تدريبهم وترقيتهم الى رتب معروفة لدى الاخوان بعد ان يتم امتحانهم امتحانا دقيقا على الولاء والايمان حد تقبيل يد المرشد العام ورجله في جلسات الصفوة.
والقسم الثاني الذين لا يعلمون – بالطبع هم من لا يعلم بالأهداف الحقيقية للإخوان وبرنامجهم السياسي الذي اشبه بالمخطط عن المساهمة الوطنية في كل بلد وهذا ما جعل حزبهم ممنوع لسنوات طويلة في مصر وغيرها من الدول - وهم كثيرون وذلك ما يطلق عليهم في الغرف المظلمة الاتباع او المريدين، وهم في الفكر السياسي الادوات المعزولة عن القرار او التفكير في المصير يتم ربطهم من خلال توفير احتياجاتهم الاستهلاكية الاساسية وهذا ما يفسر ان لدى الاخوان المسلمين في البحرين والكويت وقطر وغيرها من الدول التي يمد الاخوان اذرعهم فيها، نشاطا واضحا على صعيد تجارة المواد الاستهلاكية والبقالات الكبيرة (سوبر ماركت) تتميز بتوزيع (الكوبونات) وغيرها من الاساليب التي تربط الاتباع بصورة دائمة بحيث لا يعود يستطيع ان يستغني عن التيار، فيخدمه بدون تفكير او تساؤل وهذا ما استطيع ان اطلق عليه تحويل البشر الى قطعان فيصبح همهم الاكل والمشرب والنوم، حينها يستطيع (الذين يعلمون) تمرير اهداف وبرنامج عمل تيار الاخوان الاممي وليس الاقليمي عبر اجساد هذا القطيع في كل دولة الذي لم يعد يهتم بجوهر المطالبة بل ينصب اهتمامه على رضا التيار لتستمر (الكوبونات) والمكيفات ومختلف انواع المساعدات التي تسهل الحياة على الاتباع بل تضاعف لهم كلما ابدعوا في التبعية وسدوا آذانهم واعينهم عن الحقائق الماثلة امامهم، واعتبروها مجرد افتراءات من الاعداء على التيار وحسد للقيادات على حصولهم على الاموال والمناصب.
للأسف ان اسلوب الابتزاز هذا في التعامل مع الكوادر الوطنية ادى في المقابل الى اصطفاف للتيارات الاسلامية الشيعية بان قامت بذات النهج حيث طبقوا التصنيف ذاته للكوادر (الذين يعلمون والذين لا يعلمون) واستخدموا ذات الاسلوب الابتزازي عبر البقالات الكبيرة ومحلات التموين، لنجد انفسنا امام صراع طائفي في الشارع دون ان يكون امام احد من الوطنيين العقلاء اي فرصة للدخول في حوار او نقاش مع احد فالقطعان التي ربتها كل الاطراف لا يملكون ادوات الحوار بل هو محرم عليهم تحت تهديد حرمانهم من كل مكاسبهم الاستهلاكية التي اصبحت جزءا لا يمكنهم العيش بدونه او الاستغناء عنه في تسيير شؤون حياتهم.
لا يهتم الاخوان المسلمون او التيارات الاسلامية الشيعية بما وصل له المجتمع البحريني على صعيد فكره من السطحية ونقص الحيلة والتفكير والغوغائية والعنف طالما ان المرشد العام او الولي الفقيه يقول ان الفوضى الخلاقة هي الوسيلة الوحيدة لبلوغ الاهداف الكبرى للتيار الا من حيث يعتقد الاخوان انهم المرشح الوحيد الذي ستلجأ له الانظمة العربية والعالمية للتعامل مع هذه الفوضى والمحافظة على مصالحهم، ليس لشيء سوى ان اهل مكة ادرى بشعابها.

إيران ومصر والخليج العربي

بثينة خليفة قاسم
المواقف الإيرانية تجاه الدول العربية تبين مدى الدهاء والخبث الذي تتسم به السياسة الإيرانية بشكل عام.
فقبل أيام تدخل نواب ومسؤولون إيرانيون في شأن دولة عربية ذات سيادة، وهي البحرين، بشكل أقل ما يوصف بأنه سخيف، واليوم تعرب إيران على لسان أحد مسؤوليها الكبار عن استعدادها التام لاعطاء مصر جميع أنواع التقنيات والتكنولوجيا النووية والصواريخ بلا شروط لأن إيران ومصر من نفس النسيج حسب قول وزير خارجيتها علي أكبر صالحي.
إيران لم تحترم إرادة شعب البحرين وعروبته وسيادته على أرضه، ومع ذلك تسعى لصداقة شعب عربي آخر، فهل هذا منطقي ومقبول؟ أم أن هذا نوع من الاستخفاف بعقول الشعوب العربية؟ كيف يسيؤون إلى مشاعر شعب عربي كامل هو شعب البحرين، باستثناء عملاء إيران بطبيعة الحال، ثم يتوددون في نفس الوقت للشعب المصري؟
ولماذا في هذا التوقيت بالذات صرح وزير خارجية إيران باستعداد بلاده لتقديم العون النووي لمصر دون سواها، ولماذا قال في نفس السياق إن حكومته على استعداد للجلوس مع أي دولة عربية حول سوريا خاصة مصر؟
لماذا ظهر هذا الكرم الإيراني المفاجئ، ولماذا اكتشفت إيران فجأة الآن أنها هي ومصر نسيج واحد؟ الحقيقة العارية أن إيران تشعر بعزلة دولية في الوقت الحالي وتريد أن تغازل مصر وشعبها بعد أن أساءت لجيرانها جميعا بتصريحات نوابها ومسؤوليها الرعناء.
وهل تريد إيران أن تقدم التكنولوجيا النووية لمصر حقا؟ أم تسعى لدق إسفين كبير بين مصر وبين شقيقاتها الخليجيات؟
ليس هناك أدنى شك في أنها تريد دق هذا الإسفين وتسعى جاهدة منذ انطلاق الثورة المصرية لربط نفسها بمستقبل الأحداث في مصر، فإيران تتبع نفس النهج الذي تتبعه إسرائيل تجاه مصر لفصلها عن محيطها العربي كمرحلة أولى على طريق تفتيت الأمة العربية كلها، فهي تعلم مدى حساسية دول الخليج تجاه أي تقارب يحدث بين مصر وإيران، وبالتالي فهي توجه سهامها من جديد لتضر بعلاقات مصر مع دول الخليج العربي، خاصة بعد فشلها في إشعال نار الفتنة بين مصر والسعودية خلال الأيام الماضية على خلفية أحداث السفارة السعودية في القاهرة وسعيها لاستغلال الموقف في اغتيال السفير السعودي.
وليس هذا فقط، فإيران تريد أن تضرب عصافير أخرى بنفس الحجر، فهي تريد أن تلفت الأنظار إلى مصر وتجرها تدريجيا للصدام مع الغرب لتخفف عن نفسها الضغط الشديد الذي يمارس عليها بسبب برنامجها النووي.
ولكن الأسئلة الأهم من كل ذلك، هل ستنجحح إيران في سعيها الدؤوب منذ قيام الثورة المصرية في التقارب مع مصر والاساءة إلى علاقات مصر بشقيقاتها الخليجيات، وفي خلق روابط مع النظام المصري الذي تتشكل أركانه حاليا؟ أم أن وقوف السعودية إلى جانب مصر في محنتها سوف يحبط هذا الكيد الايراني.

قنوات القرنبيط والملفوف

عبد الله محمد عبد الله
هل يعقل أن يوجد عاقل ينخدع بما ينشره ويروج له كل أفاك أثيم من المحرضين والمدافعين عن المخربين، ممن يخرج على شاشة قناة العالم وأخواتها، وأمثال ذلك من وسائل اعلامية غبية، وإن الطبول على أصواتها تقع، هذه القناة الموغلة في متاهات التهريج و(الجمبزة) حتى النخاع، بل حتى الخنوع، حتى أصبحت تنافس قناة فنون على لقب قناة الكوميديا الأولى، فـ (الافلام والمسرحيات) التي تعرضها لا تكاد تختلف عن ما تعرضه فنون، وخصوصا بعض مشاهد مسرحية ريا وسكينة وبعض حركات وبلاهات اسماعيل ياسين واللمبي وأمثالهما، وكم كانوا صادقين في تسمية قناتهم بالعالم، فلم ينفكوا يعيشون ويعششون في عالم قائم بذاته من الفضائح والقبائح المهنية، المهينة لهم، ولا يعيش في ذلك العالم الغريب والمغبر إلا هم ومن والاهم، ثم ما هذا الاصرار الأقعد والغباء المعقد، حيث يصرون على فضح أنفسهم بعرض ذلك الكذب الأهبل (الملفوف) على رؤوسهم و(القرن.. بيط)، وكلما يتم تفنيد كذباتهم بالأدلة الدامغة غير المزورة ويفضحون أمام كل العقلاء.. تراهم يعودون مجددا بعدها بيوم أو يومين إلى الكذب والتزوير، وإن من أوضح مظاهر غبائهم هو زعمهم ان البحرين تهدم المساجد وتحرق المصاحف، فأي بلاهة هذه وأي مخبول سيصدق هذا الكذب الأخرق، والحمد لله على نعمة العقل، كأنما يقلدون (الهبلة الحمارة أم بدوي) التي تصر على الذهاب إلى حتفها برجلها وتظل تردد: (حننزلو البدرون يعني حننزلو البدرون)، ولا نقول لهذه القناة إلا شكرا لكم فلقد أصبحتم مقياسا، نكشف عبركم الوقائع ونقلب بكم (القواقع) ونعرف من خلالكم من الذي معنا ومن الذي ضدنا، فأي أحد تتلقفونه وتقفون معه فهو عدو لنا.
فإن كنا لا نستغرب من قناة العالم وأمثالها اخراج كل تلك (الافلام الغبية والمسرحيات الهابطة) فإننا في الوقت نفسه نتعجب كثيرا من بعض القنوات وبعض الوسائل الاعلامية الأخرى التي لا تزال ترفع شعار الاستماع لكل الآراء، تلك الحجة البالغة حدا لا متناهيا في عالم البلاهة والسذاجة، وكيف يقبل عاقل بأن يتيح المجال واسعا أمام شخص كذاب أشر ومحترف في عالم التحريف القذر، والمصيبة انهم يعلمون عنه كل ذلك ولكنهم قوم يتهابلون، مع أنهم يزعمون أنهم من المحترفين إعلاميا ومن المثقفين، ولكنهم لا يزالون (مغفلين) في هذه المسألة، بل في مسائل كثيرة، وما أكثر من ركب هذه الموجة وأغرته تلك الموضة، فهل هناك بلاهة أكبر من هذه، وتراهم يتفاخرون جدا بأنهم يعبرون عن نبض (الشارع)، ورحم الله امريء عرف قدر نفسه، وهم أعلم بقدرهم، إذ هي قنوات (تتغذى) على الغوغائية والغثائية وتستمد قوّتها و(قُوتها) من الشوارع، وعلى رأس هذه القنوات تأتي قناة (الضريرة) التي لا تزال تقود العميان إلى حفر كثيرة وترديهم على رؤوسهم في أعماق ظلامها المخيف، ولن تنفك تغرقهم وتغرقهم في عالمها السخيف.
وإنه لمن المحزن جدا أن يضطر العقلاء إلى النزول إلى مستوى مناقشة ضلالات أهل الأباطيل، ولولا الخوف على الناس من أن ينطلي عليهم ذلك التضليل لما تجشموا (رخاء) الرد عليهم، وإلا فهم في الحقيقة لا يستحقون قيمة حبر كلمة واحدة فقط من الرد، فلنعلم جميعا ان أولئك كلهم لهم (دين) يأمرهم بالكذب والافتراء ويرغبهم في التحريف والتزوير ويعدهم على ذلك بالأجر العظيم، تصوروا، بل يأمرهم بالافساد واتخاذ كل ذلك قربة إلى (ربهم)، ولم ينفكوا كذلك يفعلون، وهم مأمورون به إلى الحد الأقصى والحقد الأقسى.
ولله در قناتي صفا ووصال، اللتان تعدان شامة بين القنوات، فلا صلة البتة بين وصال وصفا وبين ذلك (العالم الممسوخ)، فهنا لسان عربي مبين وهناك يرطنون أعجمي، وعجبي كيف يقارن بعض المساكين بين شهامات وشامخات صفا ووصال وبين مشوهات وبلاهات تلك القنوات، وشكر جزيلا لتلفزيون البحرين على ما يبذله من جهود مقدرة واطروحات محترمة في سبيل مواكبة الأحداث ومناقشتها بكل صراحة وصرامة، وفي الوقت نفسه بكل عفوية وتلقائية، كما يفعل الاستاذ سعيد الحمد، ويسرني جدا أن أختم هنا بتحية طيبة يستحقها الاستاذ سعيد الحمد، الذي أثبت فعلا ان معادن الرجال الشرفاء لا تظهر حقيقتها إلا في الملمات، ولقد أظهرت هذه المحنة حقيقة هذا الرجل الوطني المخلص ساطعة مضيئة، فشكرا جزيلا لك أيها الأستاذ المحترم ولأمثالك من الكتاب والاعلاميين المخلصين، ولسنا نقول كل هذا ونكيل المديح هذيانا، وليس هذا تزلفا وتملقا، كلا وحاشا، ولكنك يا أستاذ سعيد وبكل بساطة قد برق معدنك الأصيل في هذا الظرف العصيب، وإنك لتستحق وأمثالك ألف تحية من كل مواطن شريف.

كيف تقرأ لبنان

سمير عطا الله
يتذكر لبنان في الشدائد، أنه أرض جميلة، لكنه لا وطن ولا دولة. ويحمّل ارتكاباته دائما للآخرين، وخصوصا حروبه. وهذا صحيح، لكن الأكثر صحة وفظاعة أن الذي ينقل العدوى هم اللبنانيون الذين تحمل كل جماعة سياسية منهم علما خارجيا، وتعتبر علم لبنان راية عدو.
بسبب انعدام المناعة الوطنية والأخلاقية يخشى اللبنانيون أي هبة ريح، خصوصا القريبة منها. وعندما أعلن سفير سوريا في الأمم المتحدة أن لبنان يؤوي «القاعدة» ويهرّب السلاح إلى سوريا، رأى اللبنانيون في رسالته أمرا مشفرا، مهما كان في أقواله من صحة، فما يجري في سوريا صار مسألة عربية وإقليمية ودولية، ولم يعد مستبعدا أن تستغل «الساحة» اللبنانية الجاهزة والمشرعة.
لكن القضية لم تكن في التهمة السورية بل في أن الحكومة اللبنانية رفضت دعوات رئيسها لاجتماع طارئ، يعالج انفجار طرابلس ويردّ على رسالة الدكتور بشار الجعفري الذي صار يثق فجأة بالأمم المتحدة وأمينها العام. فدمشق هنا وجدت متهما محددا تشير إليه، وليس مجرد مؤامرة كونية لا حدّ لعدد أبطالها.
في الماضي كانت أحداث لبنان تعكس إرادة سوريا ومشيئتها، أما الآن فتعكس بعض مشيئتها وكل انقساماتها معا. وليس مستغربا أن يكون بعض رجالها السابقين قد حولوا الولاءات، فالولاء في لبنان مثل زهرة دوار الشمس إلا فيما قل وندر. وهذه القلة تستنكرها الأكثريات وتشجبها وتلعنها وتخوّنها باستمرار، لأنها شاهدة على تلونها الفاقع والذليل.
ليس سرا على أحد عدد القوى الخارجية التي استخدمت أعداد القوى اللبنانية. وهذه القوى عندما تتبادل الاتهامات والشتائم، فمن أجل أن تمثل، وليس من أجل لبنان وخلاصه واستقراره. والغريب أنه عندما يتحرك رجل أو فريق سياسي تعرف الدنيا قاطبة أن هذا ليس موقفه بل موقف رعاته.
المؤسف أن سوريا رعت الكثير من «المدارس» التي تقف ضدها الآن، وفتحت حدودها للسلاح في اتجاه لبنان، فإذا بالحدود تفتح الآن في الاتجاه الآخر. لقد رأت في الميوعة الوطنية اللبنانية المزمنة، لعبة خصبة، فإذا الخصوبة وباء سهل الانتشار تتحمل سوريا حصتها الكبرى من عدم قيام الدولة اللبنانية. أرادتها، وعاملتها، على أنها ظل تابع يختفي تماما عند الحاجة، ويكبر عند الحاجة ويتضاءل بسرعة بمجرد تغيير الاتجاه. فإذا الظل يتفرق وبعضه ينعكس. إذا ما كان مخبوءا في سوريا ينعكس على ما كان مخبوءا في لبنان.
ظنت دمشق أن الحل في جعل الناس تسترضيها، لكن الحلول الدائمة كانت دائما في إرضاء الناس.

مغزى المهدوية اليوم

سعيد بنسعيد العلوي
قبل عدة أسابيع ألقت السلطات المغربية القبض على دجال يدعي أنه المهدي المنتظر، كما تم الإمساك بباقي عناصر الخلية السرية التي كان الشخص المذكور يوجد على رأسها. وقد تبين أن أفراد جماعته كانوا يطيعون طاعة عمياء ما يصدره «المهدي» من أوامر أخصها ثلاثة. أولها اتخاذ أسماء غير تلك التي يحملون، زعما بأن أسماءهم الأصلية مدنسة فلا يجوز الاستمرار في حملها وقد انتسبوا إلى التنظيم. والأمر الثاني أن يقدموا على بيع كل ما لديهم من ممتلكات وأن يتبرعوا بها للتنظيم السري الذي يربطهم بالرئيس المقدس، فهو المهدي المخلص أو المهدي المنتظر. والأمر الثالث لا يخلو من غرابة وطرافة معا، وهو وجوب التماس الإذن في المعاشرة الزوجية من الرئيس المقدس.
لا شك أن الحادثة كلها (حيثيات ومضامين) تسترعي الانتباه وتحمل على طرح العديد من الأسئلة، والواقع أن الشأن كان كذلك بالنسبة للصحافة في المغرب، وللصحافة المكتوبة على وجه الخصوص. ما نعلمه، حتى الآن هو أن رجال الأمن في المغرب قد استكملوا التحريات المطلوبة في مثل هذه الأحوال وأن القضية توجد حاليا بين يدي العدالة. وما يحملنا اليوم على الرجوع إلى الخبر وإلى القضية برمتها (قضية المهدوية وادعاء شخص أنه المهدي المنتظر الذي سيأتي ليخلص الأرض من الشرور والآثام وليملأها عدلا كما ملئت جورا...) هو الدلالات التي يحملها ادعاء المهدوية هذا، في هذه اللحظة التاريخية التي نعيشها وفي زمن يبدو أنه أبعد ما يكون عن تصديق ترهات مغامر من صنف أكاذيب الشخص المذكور.
والحق أنه لا ينبغي البتة الاستخفاف بدعاوى مماثلة فهي، من جهة أولى ليست ادعاء منعزلا بل نحن قد سمعنا في السنوات القليلة الماضية أشياء من هذا القبيل بل ولا نعدم الآن سماع أخبار مماثلة في هذه المنطقة أو تلك من العالم. ومن جهة ثانية، وهذا هو وجه الخطورة الأكبر، فإن الخدعة قد وجدت صدى واستجابة لدى أشخاص ربما كان عددهم صغيرا بيد أن الحكمة تقتضي عدم استصغار شأنهم فرب زمرة قليلة تغدو، بعد زمن يسير، طائفة كثيرة العدد والعدة بل وربما تصير إلى جماعات ذات أعداد هائلة وانتشار مذهل متى قوبلت بالصمت أو التجاهل أو بهما معا.
يتعين الانتباه، في النظر في دعوى المهدوية إجمالا وفي مغزى تكرارها في التاريخ بين الفينة والأخرى، إلى عوامل ثلاثة يتعين أخذها بعين الاعتبار فهي تلقي على طلب الفهم أضواء كاشفة. العامل الأول يتصل بالدين الإسلامي وبالثقافة الإسلامية والقصد بهذا القول وجود أحاديث نبوية مقطوع بصحتها تقضي بفتنة آخر الزمان وظهور المسيح الدجال (=المهدي الكاذب) ثم خروج المنقذ المخلص بعد ذلك سعيا لهداية البشر «فلا تقوم الساعة إلا على شرار الخلق» - وإذن فهنالك استعداد وترقب من المسلم لقبول الفكرة، ولكن هنالك تقرير، عند المسلم الحسن الاعتقاد أن أمر نهاية الزمان وما يتصل به من أحداث لا يعلمه إلا الله وحده وما كان كذلك فالقول فيه ليس جهلا بالدين بل إنه شرك بالله تعالى. العامل الثاني بشري عام، يشترك فيه المسلم وغير المسلم وهو أن معاناة الظلم والفاقة والبؤس في مختلف تجلياته يخلق لدى المرء تشوفا إلى منقذ، مخلص، وبالتالي فهو مما يسميه فرويد بآليات الدفاع الذاتي التي يكون اللجوء إليها في أحوال العجز. نوع من حلم اليقظة الذي يقوم فيه الشخص العاجز بالانتقام ممن ظلمه فهو يصنع بخياله (السلاح الوحيد الممكن في حالته) صورا من الانتقام ينكل فيها بالخصم ويصيره إلى طور من العجز والاستسلام لقوة تفوقه وتعلو عليه. لذلك حفلت أساطير الشعوب بمئات الحكايات عن العادل الذي يظهر في أحوال الشدة ليحقق العدل ويطيح بالظلم والظالمين. العامل الثالث هو أن تاريخ الإسلام (للتفاعل الذي يقوم، ضرورة، بين العاملين السابق ذكرهما) يمتلئ بذكر أخبار المهدي المنتظر وبأخبار المهدوية. فليس صحيحا، كما يتوهم البعض، أن ذكر المهدي يرتبط بالتشيع ودائرته، فهو مما يستوجبه القول بالإمام المختفي الذي سيظهر ذات يوم (=الرجعة) بل إن تاريخ الإسلام عرف من «المهديين» أصنافا. فقد كان للعباسيين المهدي المنتظر، حين كانوا في موقع المعارضة للأمويين وفي حال المطالبة بالحكم، كما كان عند الأمويين أنفسهم «السفياني» (قياسا على المهدي) وكانت في حقب التاريخ الإسلامي صور مختلفة للمهدي.
ذلك أنه ليس من العسير قيام مغامر يمتلك حدودا دنيا من المعرفة الشرعية، تحركه أطماع خفية في الملك أو الزعامة، ويصادف من البسطاء الذين تحملهم الحمية الدينية من جهة وضعف المعرفة الشرعية أو انعدامها، فضلا عن معاناة العسف والظلم، على التصديق ثم الاندفاع الأعمى وراء المهدي - القائد أو المهدي وقد شهر سيفه وخرج حاملا راية العدل والحق.
وحيث إننا عرضنا للمغرب - اعتبارا لكونه مسرحا جديدا لـ«مهدي» منتظر - فلا بأس من أن نذكر أن المغرب قد عرف دعاوى مهدوية غير قليلة يذكر منها ابن خلدون ما كان سابقا على زمانه. أكبر حركات المهدوية وأكثرها اشتهارا في المغرب وهي حركة محمد ابن تومرت الشهير باسم المهدي (نسبة إلى انتحال صفة المهدي المنتظر)، وابن تومرت هذا قد كثر القول منه وفيه كما قيل في حق أبي حامد الغزالي ولا قياس مع وجود الفارق كما يقول علماء الأصول.
وحيث إن الجمع بينهما قد ورد عفوا فنحن نقول إن ابن تومرت قد ارتحل من قريته، في أقصي منطقة سوس في المغرب، إلى بغداد (طلبا للعلم والحج، كما يذكر الرواة مرورا بالأندلس) وأنه التقي بالغزالي وأخذ عنه. هل استمع إلى أقواله في الباطنية وكشفه عن مناهجهم السيكولوجية في استجلاب الدعاة والأنصار وفي إحكام السيطرة النفسانية على المريدين والأتباع؟ لا يعلم شيء كبير في الموضوع غير أن المعروف هو أن ابن تومرت قد مزج في دعوته بين الأطروحات الأشعرية (كما يتأولها في كتابه: «أعز ما يطلب») وبين التقنيات الشيعية في التخفي والتقية. ثم إنه قد سخر الحمية الدينية وكان سذاجة الخلق من حوله في نشر ودعوته.
والقول في المهدي الموحدي قول ذو شجون، وأيا كان الأمر فإن دولة الموحدين التي كانت حركته المهدوية خلف نشأتها تعد أكبر دولة تمت إقامتها في الإسلام في المغرب. ولا يتسع لي المجال للقول في حركة مهدوية (باءت بالفشل) لا يخلو الحديث عنها من بعد رومانسي - روائي قامت في الأندلس زمان المهدي ابن تومرت وهي الحركة التي قادها علم من أعلام الصوفية في الأندلس هو ابن قسي الشهير بكتابه «خلع النعلين».
عندما تجتمع لتسخير الدين، خدمة لأغراض دنيوية وأطماع سياسية يقودها مغامر داهية، فإن أسباب ظهور المهدي الكاذب تغدو مجتمعة. ماذا تنتظر من خضوع مريد لشيخ الطريقة عندما يسوي بين حاله بين يديه وبين الميت أمام غاسله؟ وما المنتظر من شيخ استطاع أن يدفع مريديه إلى القول: الخطأ في اتباع الشيخ أفضل من الصواب في غيابه؟

ماذا تريد المعارضة التونسية

محمد بن نصر
حققت تونس سبقا تاريخيا، من حيث الزمن والأسلوب والنتائج حيث تمكّن الشعب التونسي في أقل من شهر وبأقل ما يمكن من الضحايا وإن كان قتل ضحية واحدة ظُلما وعدوانا يساوي الناس جميعا، تمكّن من إسقاط مستبد من أعتى المستبدين الذين عرفهم الوطن العربي. في الكلمة التي ألقاها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بمناسبة احتفالية الثورة التونسية بعيدها الأول قال: «أهنئ الشعب التونسي الذي قام بثورته بنفسه ومن أجل نفسه» في هذه الجملة إشادة بكيفية التغيير الذي حصل في تونس ولكنها في الوقت ذاته إشادة لم تتعد مستوى اللفظ؛ فقد جاءت الانتخابات التشريعية الجزائرية التي أُجريت مؤخرا لتُثبّت أركان النظام القديم ولتُبيّن أن الدرس التونسي ما زال مستغلقا عن الفهم عند البعض. وهي في الوقت ذاته رسالة مفتوحة وجهها لنظيره مصطفى عبد الجليل الذي كان يجلس معه على المنصة نفسها. لا شك أنّها رسالة لم تأخذ بعين الاعتبار تعقيدات الوضع الليبي ولم تُفلح في تبرير موقف الجزائر من القضية الليبية.
حققت تونس أيضا نجاحا لافتا حين استطاعت على الرغم من محاولات الالتفاف على الثورة أن تنجز استحقاقا انتخابيا مكّنها من إيجاد مجلس وطني تأسيسي ومن إفراز مؤسساتها التشريعية والتنفيذية والدخول في مرحلة تحقيق أهداف الثورة.
ولكن يبدو أن تونس بصدد تحقيق سبق تاريخي من نوع آخر ويتمثل هذا السبق التاريخي في تقديم الأنموذج الأسوأ للمعارضة، مع تقديرنا واحترامنا لقلة منها جمعت بين النقد والعمل على أن تكون المصلحة الوطنية هي الإطار الضابط لتفكيرها وتحركها.
معارضة لا تفرق بين حق الاحتجاج وأساليب الاحتجاج، معارضة لا تفرق بين حرية التعبير عن الرأي المخالف والإصرار على إرباك أعمال المجلس التأسيسي بانتهاج أسلوب التهريج والغش في التصويت تحت قبة البرلمان، سابقة لم نسمع بمثيلتها في العالم، معارضة جعلت من كل ممارسة تُسهم في إفشال الحكومة هي عين الممارسة الديمقراطية بل بلغ الأمر مبلغا تجاوز كل الحدود ووصل إلى حد الدعوة جهارا إلى قتل الإسلاميين كما جاء على لسان النقابي عدنان الحاجي، والمعارضة بأحزابها ومنظماتها وهيئاتها لم تحرك ساكنا بل حاولت أن تبحث له عن مبررات واهية وتأويلات لا تستقيم بأي حال من الأحوال.
تطالب المعارضة مثل غيرها من القوى الوطنية الحاكمة بتحقيق التنمية الشاملة والمتوازنة وهو مطلب من المطالب المركزية للثورة وفي الوقت نفسه نجد قوى المعارضة مجندة ومتجنّدة لكل عمل من شأنه أن يعطّل انطلاقة الاقتصاد الوطني. في شهر أبريل (نيسان) - على سبيل المثال - عرفت البلاد بحسب ما أعلنته وزارة الداخلية 468 تجمعا احتجاجيا منها 202 حالة غلق طريق و127 حالة تعطيل للعمل و29 حالة اقتحام مقرات للعمل و33 حالة حجز لوسائل نقل عمومية و17 حالة قطع للماء والكهرباء.
في البداية ظن المواطن أن ذلك من مقتضيات التحول الديمقراطي الانتقالي الذي بطبعه قد يتسبب في الكثير من العثرات والمواقف غير المدروسة، ولكن تأكد له بعد ذلك أن المعارضة تملك قاموسا سياسيا خاصا بها، وضعته على قياسها، في قاموسها الأقلية تأمر والأغلبية تنفذ لأن الأولى تحكم أصالة والثانية تحكم صدفة فقد أوصلها إلى الحكم بزعمهم التعاطف معها وليس الرهان على كفاءتها ونزاهتها، وتعلو أصواتها إلى درجة أن يخيّل للسامع أن انتخاب الأغلبية كان من أجل أن تعمل على تطبيق برنامج الأقلية، في قاموسها كل ما تقوم القوى المعارضة يجب أن يلقى الاهتمام الكامل ترويجا وتحليلا ونقاشا إلى درجة أن بعض الأحداث المُختلقة أصلا وليست فقط المفتعلة كانت مادة للحوار والنقاش في بعض القنوات الإعلامية، في قاموس المعارضة المناضل الذي قضى نحبه تحت آلة التعذيب في منظومة الاستبداد ليس من حقه أن يتمتع بصفة شهيد الوطن والحرية مثل الذي سقط شهيدا إبّان الثورة بشكل مباشر والسجين الذي خرج من زنزانته معاقا ليس بمنزلة جريح الثورة، على الرغم من أن الجلاد واحد فيتعجب بعضهم من الحديث عن إمكان الجبر المادي والمعنوي لمعاناتهم الطويلة.
عندما أصبح الأمر سياسة مُتّبعة ونهجا ابتغوه، أخذ المواطن يتساءل ماذا تريد المعارضة حقيقة؟ وبدأ يتبين له شيئا فشيئا بحكم تواتر الأحداث والمواقف أن المعارضة على الرغم من تشتت قواها وتشرذمها لا تكاد تتكتل حتى تتفرق - ولا ندري كيف يمكن أن يحكم تونس من عجز عن لمّ شمل نفسه وهو لا يزال في المعارضة؟! - فإنها تعمل تحت لافتة واحدة كُتب عليها بالخط العريض جملتان تقول إحداهما «مُحال أن يلتقي الإسلام والحداثة نظريا» وتقول الأخرى «مُحال أن ينجح الإسلاميون في تسيير شؤون المجتمع والدولة عمليا». وعليه يجب أن يكون مرورهم بالسلطة مرورا كارثيا وبذلك ننتهي بحسب زعمهم مع المعادلة التي أرهقتنا ومفادها: «كل التزام حقيقي بقواعد الديمقراطية والانتخابات النزيهة سيؤدي بالضرورة إلى نجاح الإسلاميين» وباتوا يرددون فيما بينهم ذلك هو السبيل الوحيد للحيلولة بينهم وبين السلطة.
غاب عن المعارضة أمران، الأول أنّهم بسياستهم المفضوحة لإفشال الحكومة جعلوا أنفسهم في موقع المسؤولية عن فشلها الذي يتمنونه، والثاني أنهم بعرقلتهم للنهوض بالاقتصاد الوطني سيجدون أنفسهم في مستنقع من المشكلات التي ستجعل مرورهم بالسلطة في حال فوزهم في الانتخابات القادمة أكثر كارثية ولكن يبدو أن إصرارهم على التعامل السلبي مع كل مبادرة حكومية واعتماد سياسة الأرض المحروقة وانتهاج منطق «علّي وعلى أعدائي» تعكس قناعة غير معلنة أن المعركة الانتخابية قد حُسمت قبل أن تبدأ.
إنّه من المؤسف حقا أن تصل المعارضة إلى هذا المستوى من التخبط والعدمية فتُضيّع على نفسها فرصة العمل البنّاء الذي يتأسس على الاعتراض على ما تراه خاطئا والنقد لما تراه ناقصا والتأييد لما تراه مفيدا ولكن الآيديولوجيا حين تتمكن من الإنسان تجعله لا يميّز من الألوان إلاّ اللون الأسود.
سوف لن تفشل الحكومة على الرغم من كل المعوقات إذا ظلت تستمع إلى أصحاب الرأي والفكرة ولن تخسر معركة الانطلاق في التنمية إذا حرصت على أن تكون عادلة وشاملة ولكن من المؤكد أن تونس قد خسرت على الأقل مؤقتا ترسيخ ثقافة المعارضة البنّاءة، المعارضة التي تجعل من المصلحة العليا للبلاد الإطار الموجّه لكل الطموحات الحزبية المشروعة.

الانتخابات الرئاسية المصرية: خطوة نحو المجهول

باسم الجسر
من مفارقات الزمن الثوري الجديد في مصر، دعوة المواطنين إلى انتخاب رئيس للجمهورية قبل أن يوضع دستور نهائي يحدد دور وصلاحيات هذا الرئيس ونوعية نظام الحكم: هل هو نظام رئاسي، أم برلماني، أم مزيج من الاثنين معا؟ فدور الرئيس وصلاحياته تختلف في كل من الأنظمة الأخرى. وبالتالي فإن «شخصية» الرئيس «الحاكم» في النظام الرئاسي تختلف عن شخصية الرئيس «الحكم» في النظام البرلماني، وعنها في نظام الحكم الرئاسي - البرلماني المشترك. كما أن «برنامجه» ليس هو ذاته في الحالات الثلاث، ففي النظام الرئاسي ينتخب الشعب الرئيس على أساس شخصيته وبرنامجه. أما في النظام البرلماني فإن برنامج الحكم هو الذي تحدده الأكثرية البرلمانية التي تحكم على أساسه. ويبقى لرئيس الدولة فيه دور الرمز والسهر على تطبيق الدستور وصون الوحدة الوطنية والحكم بين الأحزاب المتصارعة.
لقد تساءل كثيرون عن الحكمة وراء القرار الذي أرجأ وضع الدستور في مصر إلى ما بعد الانتخابات النيابية والرئاسية. لا سيما بعد أن اختلطت الأمور والأحداث السياسية عقب الإطاحة بالرئيس والنظام السابقين. قيل إن ذلك تم باتفاق سري بين «الإخوان» والمجلس العسكري الحاكم. وكان أن فاز الإسلاميون بالأكثرية النيابية، وكان أن أعلنوا عن عدة أسماء لمرشحيهم للرئاسة، رغم إعلان سابق بالامتناع، مؤملين أن يحققوا الفوز، كما حققوه في الانتخابات التشريعية. ومن هنا برزت اعتراضات القوى السياسية الأخرى، على احتمال وضع الإسلاميين اليد على كل مرافق الدولة العليا، من رئاسة ومجالس تشريعية وحكومة.
وليت الأمر توقف عند هذا الحد من المفارقة أو التناقض، إذ نشب جدل آخر حول اللجنة التي ستكلف بوضع الدستور: هل ينتخبها مجلس الشعب، أم ينتخب نصف أعضائها، أم تكون مؤلفة من شخصيات قانونية مستقلة؟ ومن سيعين أعضاءها: الرئيس المنتخب الجديد، أم المجلس العسكري، أم الحكومة، أم مجلس الشعب؟ ولا ننسى الخلاف الناشب بين اللجان القضائية التي تشرف على الانتخابات وتلك التي شطبت أكثر من اسم مرشح للرئاسة، وبين المجلس النيابي الذي بات مادة يومية لوسائل الإعلام، ودليلا ملموسا على أن الأمور السياسية في مصر، بعد سنة ونصف على الثورة، لا تسير في طريق مستقيم أو واضح المعالم، بل هي تنتقل من تناقض إلى تناقض، ومن ضياع إلى ضياع، تخيم فوقها أكثر من علامة استفهام وتعجب.
وقبل ثلاثة أيام من موعد إجراء الانتخابات الرئاسية أعلن عن اتفاق بين المجلس العسكري والقوى السياسية (أو بالأحرى «الإخوان») على ما سمي بـ«إكمال دستوري» يحدد دور وصلاحيات رئيس الجمهورية وموقع القوات المسلحة. وذلك بانتظار تأليف الهيئة التي ستضع الدستور الجديد للجمهورية المصرية الثانية، أي أن مصر ستحكم في المرحلة المقبلة بدستورين أو نظامين، بانتظار الدستور الجديد.
في رأي الخبراء أن الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية لن تسفر عن فوز أحد المرشحين بالأكثرية المطلقة، وبالتالي فإن اسم الرئيس الجديد لن يعرف قبل إجراء الدورة الثانية، ولكن توزع الأصوات بين المرشحين سيحمل معه مؤشرا واضحا على من سيكون الرئيس المقبل. وهنا يطرح سؤال أول عن رد فعل القوى السياسية غير الإسلامية في حال وقوع الدولة والحكم والمؤسسات كليا في يد الإسلاميين. وسؤال ثان عما سيكون موقف الإسلاميين إذا فاز مرشح غير إسلامي؟ وخاصة عمرو موسى أو أحمد شفيق؟ وسؤال ثالث عمن سيحكم مصر فعليا بعد انتخاب الرئيس وقبل أن يوضع الدستور الجديد؟ وعن مدى رضوخ القوى السياسية، من إسلاميين وغير إسلاميين، للحكم في حال فوز مرشح لا يرضون عنه؟ وما هي الحكمة أو المصلحة التي دفعت بالمجلس العسكري و«الإخوان» إلى تقديم الانتخابات على الدستور؟
هل كان على القوى السياسية والجماهير التي أطاحت بالنظام السابق أن تمر بكل هذه المنعرجات الدستورية والمطبات السياسية والضغوط الشارعية، لكي تصل بعد سنة ونصف إلى المأزق الدستوري الذي وصلت إليه؟ وماذا كان سيحدث لو لم يكن هناك، على الأقل، «سلطة واقعية» هي المجلس العسكري، تضبط الأمن وتتخذ القرارات الصعبة وتقيم التوازنات بين القوى السياسية الهاجمة على الحكم؟
لقد شبه البعض الوضع السياسي الراهن في مصر بالباخرة «التايتانيك» التي اصطدمت بجبل من الثلج وغرقت. وهو حكم ظالم. غير أنه من المؤكد أن المرحلة المقبلة للحكم وللحياة السياسية في مصر، سوف تمر بتوترات وأزمات عدة وعنيفة، وأن الدستور المصري الجديد - إذا اتفقت القوى السياسية على أسماء أعضاء اللجنة التي سوف تضعه وعلى نوع أو شكل الحكم فيه - قد ينجح في تسيير الدولة ومؤسساتها، ولكنه لن يحوز إجماع الشعب والقوى السياسية عليه. لا سيما أن ما يريده الشعب بعد الإطاحة بالنظام السابق - حقيقة - لم يكن هو الحاسم في الانتخابات، النيابية والرئاسية. بل اعتبارات ومشاعر ومصالح ونزعات وردود فعل سلبية وحسابات سياسية حزبية، فالقوى والأحزاب السياسية تعرف ما لا تريد ولكنها غير متفقة على ما تريد. أما ما يريده الشعب المصري حقيقة فهو شيء ثالث آخر.
إنها مسالك الديمقراطية الواسعة والضيقة في آن معا، بل تلك هي متاهات الحرية التي تندفع فيها الشعوب بعد تحررها من أنظمة ظالمة أو فاشلة، منقادة بعواطفها بل بغرائزها أحيانا. ولا مفر من المرور بها قبل الوصول إلى شاطئ الاستقرار والعدالة. وقليلة جدا هي الدول والشعوب التي توصلت إلى ذلك. وجسيمة كانت التضحيات التي بذلتها للوصول إليه.
هل كان من الممكن تلافي كل هذا العبث الدستوري وهذا التبعثر في القوى السياسية التي قامت بالثورة؟ وهل سيتوصل الرئيس المدني الجديد من وضع دستور تقبل به الأحزاب والقوى المتنافسة على الحكم، فتبدأ الجمهورية المصرية الثانية عملها في تحقيق أماني الشعب المصري؟ أسئلة تصعب الإجابة عليها، اليوم، ولا بعد الانتخابات الرئاسية، ولا في المدى القريب. لسوء حظ.

هكذا أُخرجت سوريا من إطارها العربي وأُلحقت بإيران

صالح القلاب
يستغرب البعض كيف أن سوريا في عهد حكم من المفترض أنه حكم حزب البعث العربي الاشتراكي، الذي شعاره «أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة» وأهدافه «وحدة.. حرية.. اشتراكية»، قد أُخرجت من إطارها العربي وتحولت إلى رأس جسر لإيران التي كنا نعتقد أن ثورة الإمام الخميني، في فبراير (شباط) عام 1979، ستحولها إلى عمق للعرب يصل إلى خراسان وأبعد، لكن ثبت - للأسف - أن اعتقادنا لم يكن دقيقا ولا صادقا، وأن النزعة الفارسية التوسعية في اتجاه منطقتنا وليس في أي اتجاه آخر لدى هؤلاء «المعممين» أشد عدوانية مما كانت عليه زمن الشاه السابق محمد رضا بهلوي، الذي مثله مثل والده قد ضاقت به الدنيا بما رحبت وانتهى نهاية مأساوية ولم يجد أرضا يُدفن فيها إلا أرض الكنانة العربية.
ربما أن الذين ما زالوا يرفعون شعار «الرسالة الخالدة» الذي كانوا حكموا على صاحبه، مؤسس «البعث» في أربعينات القرن الماضي، بالإعدام بتهمة الخيانة العظمى، لم يسمعوا أن علي لاريجاني كان قد وصف الدعوة إلى الارتقاء بصيغة مجلس التعاون لدول الخليج العربية إلى اتحاد فيدرالي أو كونفيدرالي بأنها دعوة «بدوية»!! وربما لا يعرف هؤلاء أن «الشعوبية» في جمهورية إيران الإسلامية قد عادت إلى أشد مما كانت في بدايات الدولة العباسية عندما كان «الجاحظ» - ويا ليت عندنا الآن ألف جاحظ - هو صوت هذه الأمة ضد هجمات تلك الشعوبية.
عشية الانقلاب على رفاقه في حزب البعث في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1970، تعهد الجنرال حافظ الأسد، الذي بقي يرفع شعارات قومية بينما هو يمارس أبشع السياسات الطائفية، بالترويج إلى كونه ضد توجهات هؤلاء الرفاق اليسارية والعلمانية، وأنه سيخرج سوريا من عزلتها ويعيدها إلى الإطار العربي. وكانت البداية، بعد أن نفذ انقلابه على هؤلاء الرفاق وأرسلهم إلى زنازين سجن المزة إلى أن أكلت أعمارهم الواحد بعد الآخر، أن اتجه إلى الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات وإلى معمر القذافي وجعفر النميري، وأقام معهم اتحادا رباعيا وضع على رأسه رئيس نقابة المعلمين أحمد الخطيب، رحمه الله، الذي كان قد استخدمه كـ«مُحلل» لضمان انتقال رئاسة الدولة له بعد فترة زمنية انتقالية كان خلالها - وإلى أن رتب الأوضاع لرئاسة طويلة استمرت لنحو أربعين عاما - رئيسا للوزراء.
لم يدم هذا الاتحاد، الذي كان مفتعلا وكان حافظ الأسد يريده قاطرة لنفوذه في المنطقة، طويلا، وكانت النهاية عندما اختار السادات بعد حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973 طريق الصلح مع إسرائيل، والذي انتهى به إلى اتفاقيات كامب ديفيد المعروفة، فكان أن ذهب هذا الرئيس السوري السابق إلى بغداد هرولة ليحمي نظامه من الاستفراد، وليتفق مع أحمد حسن البكر وصدام حسين على ما سمي «الميثاق القوي» الذي تضمن تأكيدات على وحدة «القطرين» ووحدة جناحي حزب البعث، والذي لم يصمد إلا لفترة قصيرة جدا، حيث بدأت بعد ذلك حرب باردة وساخنة تواصلت فعليا وعمليا إلى حين غزو العراق في عام 2003 وإسقاط نظام البعث العراقي الذي هو نظام صدام حسين.
وحقيقة، فإن حافظ الأسد منذ وصوله إلى الحكم وحتى وفاته بقي يتبع سياسة عنوانها إبعاد مصر عن العراق، وإضعاف مصر وإضعاف العراق بقدر الإمكان، وعنوانها أيضا السيطرة على القرار الوطني الفلسطيني، والسيطرة أيضا على لبنان وعلى الأردن، ليكون هو الرقم الرئيسي في هذه المنطقة، وليتفاوض مع الإسرائيليين ومع الأميركيين نيابة عن هؤلاء جميعا. لكن هذه السياسة إن هي نجحت في لبنان فإنها واجهت فشلا ذريعا، حيث كان الملك حسين عصيا على مثل هذه التطلعات الاستحواذية، وحيث اضطر ياسر عرفات إلى الابتعاد عن دائرة النفوذ السورية باختيار تونس مقرا له ولقيادته بعد إخراجه وإخراج قواته من بيروت، ولاحقا من لبنان كلها، في أعقاب الغزو الإسرائيلي للأراضي اللبنانية في يونيو (حزيران) عام 1982.
لقد بقي الرئيس حافظ الأسد يتأرجح بين معادلات هذه المنطقة، وبقي يغير اتجاهاته من تجربة الاتحاد الرباعي الآنفة الذكر الفاشلة إلى الميثاق القومي مع العراق الأكثر فشلا إلى التحالف مع السادات والذهاب معه إلى حرب أكتوبر ثم الاختلاف معه بسبب «كامب ديفيد» التي كانت معاهدة صلح منفردة مع إسرائيل ولم تشمل هضبة الجولان المحتلة التي لا تزال محتلة، وكل هذا إلى أن انتصرت ثورة الخميني في فبراير عام 1979، فكانت بداية التحول الاستراتيجي الذي انتزع سوريا من إطارها العربي وجعلها مجرد رقم، وإن كان في البدايات أساسيا في المعادلة الإيرانية الشرق أوسطية الجديدة التي لا تزال مستمرة حتى الآن.
بعد التحاق حافظ الأسد بإيران الخمينية كان عليه أن يتخلص من النظام العراقي الذي مع بدايات ثمانينات القرن الماضي أصبح في ذروة تألقه وقوته، وكان عليه أن يواصل الهيمنة العسكرية والأمنية والسياسية وكل شيء على لبنان، وأن يبدأ بتخطيط السفير الإيراني في دمشق وممثل الولي الفقيه في هذه المنطقة محمد حسن اختري إقامة دولة حزب الله هذه القائمة الآن داخل الدولة اللبنانية، وأن يحول حركة حماس الناشئة إلى ضرس ملتهب في فك ياسر عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية، وأن يؤمن جبهته الشمالية بالاستجابة للضغط التركي وطرد عبد الله أوجلان من دمشق وإبعاد مقاتلي حزب العمال الكردستاني التركي من منطقة البقاع اللبناني ومن الأراضي السورية.
وهكذا فقد دخل حافظ الأسد، الذي يعتبر لاعبا سياسيا بارعا لا يقارن به ولده بشار الأسد في هذا المجال على الإطلاق، في المنظومة الإيرانية بصورة مطلقة، ولهذا فقد دخل الحرب إلى جانب إيران ضد العراق وكأنها حربه هو نفسه، لكنه، ولدهائه السياسي الذي غاب عن سوريا نهائيا بمجرد غيابه، بقي يحتفظ بعلاقات متينة مع الدول الخليجية كلها على أساس أن انحيازه لجمهورية إيران الإسلامية «يُعقلن» مواقفها تجاه هذه الدول، وعلى أساس أنه لا بد من استيعاب هذه الدولة «الشقيقة» الصاعدة وعلى الأقل تجميد قضايا الخلاف معها والتي في مقدمتها وأهمها قضية الجزر الإماراتية الثلاث التي كان الإيرانيون قد احتلوها في عام 1971.
لكن هذا الدهاء السياسي ما لبث أن غادر سوريا بمجرد رحيل حافظ الأسد ومجيء نجله بشار إلى موقع المسؤولية، حيث ذابت سوريا الدولة ذات المصالح الخاصة وذات السيادة نهائيا في دولة الولي الفقيه، وأصبح القرار السوري، حتى القرار المتعلق بالعلاقات العربية والعلاقات الدولية الحساسة، في طهران أكثر منه دمشق، وبالطبع فإن هذه التبعية المرعبة حقا قد أُعطيت بعدا طائفيا بات واضحا ولا يستطيع أي كان إنكاره، كما أعطيت إطارا سياسيا هو «فسطاط الممانعة والمقاومة» الذي يضم أيضا حزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية، جناح خالد مشعل سابقا وجناح إسماعيل هنية في الفترة الحالية.
لقد أصبحت سوريا مجرد رقم ثانوي وصغير في المعادلة الإيرانية الشرق أوسطية والدولية أيضا، ولقد خرجت في عهد بشار الأسد والمجموعة الحاكمة الحالية من إطارها العربي بصورة كلية ونهائية، فهي خسرت علاقاتها - التي بقي حافظ الأسد يحرص على الحفاظ عليها رغم العلاقات الناشئة الوطيدة التي أقامها مع إيران الخمينية - مع المملكة العربية السعودية ومع بقية دول الخليج، وهي لم يعد معها من العرب إلا نوري المالكي وحسن نصر الله والمجموعات الحديثة وبعض البؤر الطائفية والمذهبية في المنطقة العربية.

غرفة متفجرات لإجراء تجارب على انفجار نووي في إيران

هدى الحسيني
من المؤكد أن الضغوط سوف تتزايد على إيران في ضوء الكشف عن أحدث محاولاتها النووية. فالأدلة الجديدة التي ظهرت في الأيام الأخيرة عن جهود إيران المتواصلة لتطوير الأسلحة النووية، لا بد أن تعرض إيران لضغوط أثناء المفاوضات بشأن برنامجها النووي في نزاع طال أمده. الدليل الأخير، الكشف عن محاكاة simulation لـ«غرفة متفجرات» في الموقع الإيراني السري «بارشين». هناك توافق في الآراء بين الخبراء النوويين، على أن تجارب من هذا النوع تجرى عندما تكون هناك محاولات جدية لتطوير أسلحة نووية، لأنها ليست ضرورية لإنتاج الطاقة النووية المدنية. وحسب خبير نووي فإن «غرفة المتفجرات» تُستعمل لإجراء التجارب التي يمكن أن تؤدي إلى انفجار نووي. وتقول مصادر إيرانية مطلعة إن هذه التجارب تجرى منذ عام 2003، وبعبارة أخرى: في الفترة التي اعتقد خلالها بعض المحللين أن إيران توقفت عن تطوير برنامجها النووي.
دليل «غرفة المتفجرات» هو الأحدث في سلسلة الكشف عن طموحات إيران النووية. وتأتي بعد صور الساتلايت التي نشرها «معهد العلوم والأمن الدولي» والتي أظهرت البنية التحتية لموقع «بارشين». الإشارة إلى الغرفة النووية جاءت في تقرير لـ«الوكالة الدولية للطاقة الذرية» نشر في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، وتضمن في 16 صفحة ملخصا للأبعاد العسكرية للبرنامج النووي الإيراني. ومن تبعات ذلك التقرير أن عقوبات دولية جديدة فرضت على إيران.
إضافة إلى الكشف عن «غرفة المتفجرات»، تمت معرفة عدد من أبرز العلماء الإيرانيين الذين يعملون بشكل مباشر في تطوير الأسلحة النووية الإيرانية. وحسب مصادر متابعة للبرنامج النووي الإيراني، فمن بين هؤلاء العلماء محمد رضا صادقي صابر، المسؤول في وزارة الدفاع، وهو منذ عام 2003 منكب على العمل في «computer simulation» للتأكد من اختبار المتفجرات، وعلي رضا حاجي مولا حيدر، الذي ساعد في وضع نظام يقيس بدقة النشاط في غرفة المتفجرات في موقع «بارشين»، ثم هناك اسم عالم آخر انكشف هو سيد أشقر هاشمي – طبر، خبير التفجير المتخصص في بناء معدات لقياس قوة ودقة توقيت الانفجارات.
هؤلاء العلماء هم شركاء لعلماء آخرين كانوا هدفا لمحاولات اغتيال في السابق، مثل فريدون عباسي ديواني، الرئيس الحالي لـ«وكالة الطاقة الذرية الإيرانية»، وكان تعرض لمحاولة اغتيال عام 2010، وماجد شهرياري الذي اغتيل في أكتوبر (تشرين الأول) 2010، وداريوش رضائي نجاد (قتل في يوليو/ تموز من العام الماضي)، وقد حل مكانه رضا ابراهامي.
هؤلاء لعبوا أدوارا رئيسية في «مجموعة الأسلحة» الإيرانية، التابعة لوزارة الدفاع. وعلاوة على ذلك، أصدر «المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية» الذي يتكون من كتلة من جماعات المعارضة الإيرانية، بما في ذلك «مجاهدين خلق»، تفاصيل حول 60 من العلماء والمهندسين الإيرانيين من «مجموعة الأسلحة».
حسب المصدر الإيراني، فإن داخل النظام الإيراني هناك الآن مخاوف، بعد الكشف عن أسماء وأنشطة هؤلاء العلماء ودورهم في اختبارات الأسلحة النووية في موقع «بارشين» منذ عام 2003، فإن «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» ستطلب لقاء هؤلاء العلماء. وتتخوف السلطات الإيرانية من احتمال أن يمكّن ذلك المنظمة الدولية من الحصول على معلومات إضافية عن مشاريع أخرى شارك فيها هؤلاء العلماء وعرفوها، بالإضافة إلى معلومات أكثر عن هؤلاء العلماء وعلماء آخرين في «مجموعة الأسلحة».
وقد أعرب مسؤول إيراني كبير عن انزعاجه الشديد، في مذكرة رفعها إلى المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، من سلسلة الكشف، ليس فقط عن أهم العلماء الإيرانيين، بل أيضا عن «غرفة المتفجرات» والبنية التحتية المحيطة بها. وقال: «إن هذه التسريبات لا يمكن أن تأتي في وقت أسوأ من هذا للجمهورية الإسلامية الإيرانية». وذكر بالتحديد «الحساسية الدبلوماسية» بسبب المفاوضات مع الدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا، التي استؤنفت في إسطنبول في أبريل (نيسان) الماضي، (الجولة الحالية تعقد في بغداد)، وأيضا بسبب «التحول في أنقرة».
علاقات إيران مع تركيا توترت بشكل ملحوظ في الشهرين الماضيين. منذ مفاوضات إسطنبول، لم تنف عناصر مقربة من رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان احتمال أن يكون لبرنامج إيران النووي أهداف أخرى غير الأهداف السلمية، بمعنى آخر أهداف عسكرية. إضافة إلى ذلك، نقل الصحافيون الأتراك عن أردوغان قوله: «إنهم لا يعرفون... والله وحده يعلم نيات إيران»، وقال مسؤولون كبار في الحكومة التركية، إن تركيا لن تقدم «ورقة التوت» لمشروع إيران النووي بعد اليوم.
كانت إيران تأمل من المحادثات في إسطنبول، ومن ثم من عقد اجتماعات مباشرة مع «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» (زار طهران مديرها العام يوكيا أمانو وأجرى محادثات لساعات مع سعيد جليلي، كبير مفاوضي الملف النووي الإيراني، قالت على أثرها إيران إن الأجواء كانت إيجابية وتسلحت بالفتوى الدينية لخامنئي، وقال أمانو إن الوكالة لديها بعض وجهات نظر وإيران لديها وجهات نظر معينة خاصة بها)، وأيضا من لقاء بغداد (أمس 23 الشهر)، كانت تأمل في أن توفر هذه المحادثات لها المزيد من الوقت لمواصلة جهود تخصيب اليورانيوم، وفرصة لإقناع المجتمع الدولي بالعودة عن قرارات المقاطعة. لكن في ظل المعلومات الأخيرة التي انتشرت حول التسلح النووي الإيراني، عبرت شخصيات كبيرة في النظام، بينها رستم قاسمي وزير النفط، عن مخاوفها من فرض عقوبات قاسية أكثر عليهم. الكشف عن هذه المعلومات «النووية»، فاجأ الإيرانيين أنفسهم. وهذه تأتي بعد تسرب المعلومات عن خطط «الحرس الثوري الإيراني» مع أسماء بعض مسؤوليه السريين (صحيفة «الشرق الأوسط» الخميس 17 من الجاري - صفحة الرأي).
في البدء، وبعد ظهور الأدلة الأخيرة عن مجمع «بارشين»، تجنب الإيرانيون التعليق علنا. ثم حاولت تقارير لاحقة في الصحافة التي تسيطر عليها الحكومة الإيرانية، مثل «وكالة أنباء مهر»، أن تخفف من قيمة هذه الأدلة وأهميتها بالقول إنها «ادعاءات قديمة»، لكن الحقيقة أنه في حال سئل سعيد جليلي والفريق المفاوض حول هذه المسائل في اجتماع بغداد، لن يكون لديه أي تفسير لمعلومات لم يكشفوا عنها سابقا، لأنهم لن يقولوا بالتأكيد إنها جزء من الجهود التي تبذلها إيران لتقترب أكثر نحو إنتاج الأسلحة النووية.
جليلي نفسه كان يضع شروطا بأنه لن يأتي إلى مفاوضات بغداد قبل أن تلتزم الدول المشاركة برفع العقوبات عن إيران. جليلي أيضا قال إن على المجتمع الدولي العمل لبناء الثقة مع إيران، لكن بعد كل ما صار يتكشف، ويتسرب، إضافة إلى التصريحات والتهديدات، وشعارات مظاهرات يوم الجمعة من كل أسبوع، صارت المسؤولية تقع، بشكل واضح، على إيران لبناء الثقة مع العالم بأسره، وليس فقط مع الدول المجاورة، بعدما تحايلت على الكل ولفترة طويلة.
المقاطعات الاقتصادية والمالية والنفطية، إذا استمرت وتزايدت، قد تجعل إيران تعي أهمية اكتساب ثقة العالم، لأن التقارير «المتسربة» من داخلها تحكي عن الإيرانيين الذين يقتربون من فقدان الصبر.