Sunday, May 6, 2012

جمال عبد الناصر ودرس الإخوان المسلمين

حمد الهرمي
منذ النصف الاول من القرن الماضي والاخوان المسلمين يخططون ويهندسون مستقبلهم كتيار مسيطر على انظمة الحكم في العالم العربي وقد اقتنعوا قناعة تامة انهم لن ينالوا اغلبية الشعب لذا كانت الاستراتيجية تقول بانهم سيأتون على خلفية ثورات تجتاح المنطقة باعتبارهم التيار الوحيد ذو الجاهزية القادر على ادارة مرحلة الغليان الشعبي والفوضى، وقد اعتقد الاخوان ان ثورة جمال عبدالناصر والضباط الاحرار في خمسينيات القرن الماضي هي اللحظة الموعودة فبادروا بدعم الضباط الاحرار عن طريق انور السادات، على امل ان يقوم بالثورة مجموعة من الضباط ثم ينقضوا على السلطة ما ان تأتي لحظة العمل السياسي.
كان جمال عبدالناصر واعيا تماما لتلك الطموحات وكان يعرف بحسه كقائد ان هذا التيار ليس له صديق ولا يمكن معرفة حدود تطلعاته، فلم يصدق تمثيل الإخوان  بالخنوع له بحيث يتوهم انه يسيطر عليهم ويحتويهم كما طرح بعض السياسيين لدينا حينما وجدوا الاخوان يتحركون بطاعة عمياء لهم ويوهموهم بانهم عبدة اموال وتسيطر عليهم الطموحات الشخصية في الجاه والمناصب، حينما عرف الاخوان ان لا فائدة مع جمال عبدالناصر وان خططهم معه فشلت فشلا ذريعا عادوا الى خندقهم للعمل على خلق فرصة جديدة تهيئ الى دفع الشارع للغليان وبدء ثورة جديدة تطرحهم خيارا وحيدا للسلطة.
ما اسرده احداث تاريخية لم يمض عليها اكثر من خمسين عام اي ان كل السياسيين في المنطقة يعرفون ان الاخوان هم ذاتهم الاخوان وحدة واحدة من المحيط الى الخليج من مصر الى آخر منطقة عربية، فلماذا توهم بعض السياسيين لدينا بانهم اذكى واكثر عبقرية سياسية من القائد جمال عبدالناصر وطرحوا فكرة لنحتوي الاخوان المسلمين ولنقربهم قبل ان يحتويهم غيرنا، وكأنه يتحدث عن مجموعة من الماعز او الجمال الشاردة؟ لماذا لم يهتم السياسيون العرب بقاعدة الاخوان الغاية  تبرر الوسيلة؟ كل من قال انه سيحتوي الاخوان انما هو جعل نفسه وسيلة سهلة في يد الاخوان وليس العكس.
شخصيا لست ضد ان يمارس الاخوان المسلمين نشاطهم السياسي فتلك هي الديمقراطية لكنني ما اود الاشارة له هو  ان تقريب الانظمة للإخوان المسلمين هو السبب الرئيسي في الكوارث العربية الاخيرة والتي اطلق عليها الاخوان تسميات عجيبة مثل الربيع العربي او الفوضى الخلاقة وغيرها من التسميات التي اشاعوها عن طريق تيارات واحزاب غير احزابهم لانهم لا ينظرون الى مكاسب على صعيد الوجدان العربي بل هم لا يريدون غير كراسي الحكم، وهذا ما حدث بالضبط في مصر وتونس وسبقهم الى ذلك فلسطين وفي الطريق سوريا والخطر محدق بالبحرين بعد سقوط الوزارات وزارة تلو الاخرى في ايديهم ناهيك عن مفاصل الادارة في السلطة التشريعية.
من يعتقد من القيادات المحلية او العربية بانه اذكى من تيار الاخوان المسلمين سواء محليا او عربيا فانه وقع في فخ الاخوان بجدارة وغرق حتى اذنيه في الوهم، وان كل تصرفاته ستكون جزء من رؤية وضعها الاخوان كطريق سريع وآمن لبلوغ الكراسي التي تجعلهم على مشارف حلم الاخوان المسلمين الاصلي وهو السيطرة على قرار العالم العربي والاسلامي بمقدراته وامكانياته، منطقيا هكذا تفكر التيارات العابرة للحدود، فعلى سبيل المثال لو وجدنا مجموعة من البحرينيين يؤسسون تيارا اسمه الوفد وهو على صلة وثيقة بحزب الوفد في مصر ماذا سنقول عن اهداف هذا التيار، كذلك شأننا مع  الوفاق كلنا اليوم بعد تصريحات القيادات الايرانية ومبالغات القنوات التلفزيونية الايرانية في زرع واشاعة الاكاذيب عن البحرين وتحويل قيادات الوفاق الى ابطال واصحاب ثورة، اصبحنا نقول بان الوفاق ما هي الا ممثل للأطماع الايرانية في السيطرة على الحكم في البحرين، ربما ليس صحيحا لكن المنطق السياسي يقول ذلك تفسيرا لسلوك ايران والوفاق في ذات الوقت.
ربما لا ابالغ حينما اقول بان الانظمة العربية بسبب تذاكيها وقعت في اخطاء غبية لا يمكن غفرانها حيث تركت للإخوان المسلمين الابواب كلها مفتوحة - تحت وهم احتواء قيادات الاخوان- لتعبأة الاجواء وتركها محتقنه تنتظر فرصة صغيرة لتنفجر، واحدى الجارات الشقيقات ضمنت لهذا التيار اداة اعلامية نافذة، كما هيأت للإخوان عن طريق كبيرهم الذي يقيم في هذا البلد الصغير خط مفتوح مع امريكا التي لا تهتم سوى بمصالحها وبمن سيضمنها لها باقل الاثمان والاخوان المسلمين لا احد يتقول عليهم بل مرشدهم من قال ان الغاية تبرر الوسيلة فاذا كانت الوسيلة التحالف مع امريكا لبلوغ غايتهم الكبرى فليكن ذلك.
لا شك في ان هذه الدولة الشقيقة الصغيرة ستكون لقمة سائغة للإخوان المسلمين بعد ان ينتهوا من مشروعهم الكبير في العالم العربي والاسلامي وبعد ان يقضوا وطرهم منها ويستفيدوا من الجانب الاعلامي والجانب المالي السخي الذي يتم توفيره لهم،  سيفترسون هذه الدولة ببساطة عبر دعوات شعبية بانها تقف خلف الكوارث والفوضى التي حلت بدولهم وقد بدأ هذا الكره في تونس ومصر يتضح يوما بعد يوم حينها لن تجد هذه الدولة ملاذا او نصيرا، وستجني نتيجة اوهام السياسيين باحتواء الاخوان المسلمين وكفاية شرهم عن دولتهم، هل يعقل ان يطمع الاخوان المسلمين في مصر وتونس ولا يكون لديهم ادنى اطماع في السعودية والكويت وقطر والبحرين والامارات؟
رصدت كل ما له علاقة بتحرك الاخوان خلال الفوضى الخلاقة والربيع العربي الذي يطلق عليه الاخوان مرحلة القطاف، وجدت اشياء عجيبة وبدعم صريح من الانظمة العربية وكأنه اصاب عيون سياسينا العمى عن ضلوع الاخوان في التخطيط لكل ما يدور فتنهال عليهم المكافآت المالية والناصب وكان آخرها في البحرين حيث خلقت وزارات خاصة لتقربهم من النظام، مع اعتقاد غير حصيف بان هذه المناصب عبارة عن وزير بلا وزارة فلا اثر سلبي على الدولة او النظام... هذا وهم انتبه له جمال عبدالناصر مبكرا فلماذا لا نستفيد من درس القائد؟.. للحديث صلة.

الكرد السوريون يتقدمون بتأن نحو المعارضة

فاروق حجي مصطفى
في حين كان البعض يشكو من الأحزاب الكردية، لا سيما المجلس الوطني الكردي، بأنها تتحجج وتتهرب من اتفاق مع المعارضة السورية لا سيما مع المجلس الوطني السوري، بسبب خوفها من الوقوع في مطب التخندقات، وتاليا أن تُجبر على الوقوف مع طرف ضد طرف آخر في المعارضة، فتح المجلس الوطني الكردي بعد اجتماعه الاعتيادي الذي عقده في القامشلي قبل أيام الباب مع المعارضة على مصراعيه بناء على ما قرأناه في بيانه السياسي المرحلي الذي يتلخص في التعامل السلس والبعيد عن الحساسية والتشنج المفرط مع المعارضة. لم يقف الكرد في حدود هذا الوضوح في آلية التعامل مع المعارضة، إنما فككوا رموز الفيدرالية ومسألة حق تقرير المصير، التي صارت مذمة تعلق بعض الجهات عليها لتشويه صورة الكرد السوريين على أنهم أصحاب نوايا مبيتة بطرحهم مبدأ حق تقرير المصير مع أن هذا حق للفرد، فكيف إذا كانوا شعبا؟
أوضح الكرد من خلال بيانهم الناضج والمهم، أنهم يريدون من الطرف العربي في المعارضة السورية أن يقبلوهم على أنهم القومية الثانية في البلاد ويجب أن يتمتعوا بحقوقهم وفق ما يشرع لهم في العهود والمواثيق الدولية. ونعتقد أن ما يطلبه الكرد صار واضحا ولا تشوبه الضبابية والغموض، والأهم أنهم استوعبوا كم أن الشعارات القابلة للاجتهادات الكثيرة تتعب أصحابها قبل غيرهم، وأن مفهوم «اللامركزية السياسية» الذي طرحه المجلس الوطني الكردي فتح الباب أمام التأويلات وأعاد إلى الأذهان ما كان يقال عن الكرد قبل الثورة السورية؛ إذ إن غالبية الشرائح السورية كانت تصدق ما كان يقوله النظام عن الكرد. ولعل طرح هذا المفهوم دون الخوض في فك شروط تطبيقه والأسباب التي دفعت بالكرد لتبني مثل هذا المفهوم، ترك للقوميين العرب والإسلاميين النظر إلى الكرد على أنهم عامل مهدد وليسوا عاملا يساعد في بناء الانسجام الوطني في الوقت الذي يفرض وضع بلادنا التفكير الجدي في بناء حالة من الانسجام الوطني عموديا أفقيا (أقصد في حالة المعارضة)، وذلك لعدم ترك مصير شعوبنا في سوريا تحت رحمة الحروب الأهلية والصراعات المحلية.
يمكن القول، إنه منذ يومين صارت الشرائح الواسعة من النخبة الكردية تتنفس الصعداء لأن بقاء الكرد وشعاراتهم في حالة من الدوامة يدفع بالنخب الحزبية والسياسية الكردية إلى أن تبقى متحيرة؛ فالبقاء في الوسط في حالة العواصف له عواقب وخيمة، وتبعا لذلك، يفترض على الجميع أن يبنوا حالة الثبات السياسي والتصوري لمصير البلاد والعباد.
ولا نستغرب أن المعارضة السورية قد ساعدت الكرد كثيرا في نقل حالهم إلى الشفافية والوضوح، وأن الأوراق والوثائق التي أصدرتها المعارضة السورية في الفترة الأخيرة، صارت ورقة الضغط من قبل الشارع الكردي على مؤسساتهم التي يأمل الكرد أن تكون الممثل الشرعي لشارعهم السياسي والشعبي. وثيقة المجلس الوطني الخاص بالكرد وورقة الدكتور حازم نهار، ورؤية هيئة التنسيق الأخيرة في باريس.. هكذا اقترب الكرد إلى المعارضة. والحق أن هذه الأوراق والوثائق تمت صياغتها بلغة وثقافة راقية جدا، لذلك، فإن عدم انسجام الكرد وابتعادهم عن المعارضة السياسية (الكرد منسجمون مع حالة الثورة بمقدار مائة في المائة) هو من مسؤولية المعارضة السورية قبل أن يكون من مسؤولية المعارضة الكردية، ولعل الشارع الكردي يقول إن وضع المعارضتين سيكون أحسن لو تقبل المجلس الوطني نقل مكان مشورته من إسطنبول إلى إحدى العواصم العربية حيث إن النفوذ التركي في المجلس الوطني، ودون إعطاء الضمانات للكرد، بات يشغل الكرد ويعوق تواصل الطرفين؛ فمسألة الكرد السوريين مسألة سورية بامتياز. ولو احتاج الطرفان إلى أخذ مشورة أوسع آفاقا، فلعله يجب اللجوء إلى العرب ومؤسساتهم وليس إلى الترك الذين يحسبون مائة حساب لكي لا يبلغ الكرد مكان صنع القرار السوري. ومن الجانب الكردي، برأ مسعود بارزاني لوفد المجلس الوطني ذمته وأكد على إيجابيته في التعاون، لكنه أصر على أن الكرد السوريين هم من يقررون كيف يكون وضعهم وليس بارزاني. أما جانب المعارضة، فهو ما زال في حالة من الارتباك في مقاربته للقضية الكردية، وهذا ما لا يخدم الوضع وطنيا وسياسيا، والسؤال: متى سنتحرر من التبعية السياسية للجهات الإقليمية التي هي أيضا تتعامل مع وضعنا بأجندات مصلحية مثلها مثل الدول العظمى؛ روسيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة... إلخ؟
بقي القول إنه لم يعد بين الطرفين من التباس في الفهم السياسي، وربما، في الاجتماع المزمع عقده مع الجامعة العربية، يترتب على كل من أطراف المعارضة الانتقال إلى المرحلة الأخرى من التنسيق وبناء الشراكة السياسية، وسيكون جميلا لو تتم توافقات في الرؤى بين هذه المعارضة؛ على أن لا نسمع في الأيام المقبلة مصطلح «المعارضة الداخلية» و«المعارضة الخارجية»، وأن لا تخرج الأجندات خارج الإطار السوري والعربي، وهذا ما سيكون مفتاحا لبناء الشراكة السياسية بين كل أطياف المعارضة الديمقراطية والثورية والقومية. والسؤال: هل بات سؤال وحدة المعارضة أمرا يؤخذ في أولويات الترتيبات لدى المعارضة في الوقت الذي ما زال فيه السوط يفعل فعله؟ أوَلم يستفد السوريون من خطة أنان أي فائدة؛ حتى الآن على الأقل؟!
* كاتب كردي سوري

لبنان.. ضغوط فوق القدرة

عماد الدين أديب
في أسبوع واحد، وفي آن واحد، هناك تحركان داخل الساحة اللبنانية؛ الأول أميركي، والثاني إيراني، كل منهما يهدف إلى مواجهة ومصادمة مصالح الآخر.
منذ أيام معدودات بدأ جيفري فيلتمان نائب مساعد وزيرة الخارجية الأميركية زيارته للبنان، والتقى برؤساء الفعاليات السياسية، بدءا من القيادات المسيحية إلى قيادات 14 آذار حتى الرئيس ميشال سليمان.
وفي ذات الوقت، قام النائب الأول للرئيس الإيراني محمد رضا رحيمي بزيارة بيروت، ملتقيا قيادات حزب الله وحركة أمل ورئيس الحكومة ورئيس البرلمان حتى الرئيس ميشال سليمان.
بعد اللقاءات قال فيلتمان: «ضرورة تدعيم نهج الحريات والديمقراطية والتضامن الداخلي في لبنان لمواجهة أحداث المنطقة»، داعيا إلى «ضرورة أن يكون موقف لبنان من الأحداث في سوريا واضحا ومتعاطفا مع القوى التي تطالب بالحرية والسيادة».
أما النائب الأول للرئيس الإيراني فقد دعا إلى «تقوية حكومة الرئيس ميقاتي»، وأكد على النموذج المميز للديمقراطية في لبنان مطالبا بأن «تقتدي بقية الدول به»!! وأضاف رحيمي «أنه يعارض التدخلات الخارجية في سوريا»، وطالب بضرورة «إتاحة الفرصة أمام الرئيس السوري كي يتوصل إلى الحل السياسي المناسب».
تحرك أميركي وتحرك إيراني مضاد على أرض لبنان والهدف هو تهيئة الوضع في لبنان للتعامل مع الملف السوري.
التحرك الأميركي يريد تجهيز لبنان للضغط بكل الأشكال على الوضع السوري المتأزم للإسراع بانهيار النظام، بينما التحرك الإيراني يريد تقوية حكومة ميقاتي وحلفائها لدعم النظام السوري من أجل الحفاظ عليه وإيقاف سرعة انهياره.
لعبة صريحة وواضحة ومكشوفة، لاستغلال الساحة اللبنانية لإدارة صراع أو حرب بالوكالة ضد الغير بواسطة الغير.
وكأنه قدر لبنان المحتوم أن يصبح «الدولة الأداة» لإدارة صراعات وتسوية خلافات دولية وإقليمية على أرضه.
وفي يقيني أن الضغوط على لبنان للعب دور ما في الملف السوري سوف تزداد تدريجيا بالتوازي مع ارتفاع سخونة الحرب الأهلية في سوريا واقتراب ساعة انهيار النظام.
وما بين ضغط أميركي لدور لبناني مساعد لإسقاط النظام السوري، وضغط إيراني مضاد لدور لبناني داعم لنظام الأسد، تبدو خارطة الانقسامات الداخلية اللبنانية معرضة لمخاطر شبيهة بزمن الحرب الأهلية التي استمرت 17 عاما.
السؤال: كيف سيحافظ لبنان على تماسكه في ظل هذه الضغوط الهائلة، وهو على بعد عدة أمتار من أتون الحرب الأهلية السورية؟

صدِّق.. إذا سمحت

سمير عطا الله
يفترض في اليمن أنه البلد العربي الأكثر فقرا، والأقل تقدما وتعليما، والأشد قبلية والأحدث تحضرا. لكن حتى الآن كانت الثورة وما بعد الثورة في اليمن الأفضل مسلكا ونتائج. عاد الثوار من ساحات صنعاء، وكذلك خصومهم. وجلس في القصر رئيس جديد. واستقال رئيس الحرس الجمهوري قانعا في نهاية المطاف بأن لكل رئيس دولة حرسا. وعاد الموظفون إلى أعمالهم، وأطفأ الحراقون فتائلهم، ولا انفجارات (دقوا ع الخشب) أزلية مثل العراق، ولا مرشحون هزليون أو مرعبون كما في مصر، ولا انتقال من ميدان التحرير إلى العباسية، ولا حركات انفصالية كما في ليبيا، ولا شدة أو حدة كما في تونس.
كانت تنشر هذه الحالات في الصحف تحت باب الغرائب وصدق أو لا تصدق. ونريد أن نصدق بفرح نسبيا اليمن.. لكن هل من المعقول ما يجري في مصر؟.. ماذا يجري في مصر؟ هل رأيتم عسكريا يحرق المكتبة الوطنية؟ هل رأيتم عسكريا يملأ الساحات بالحجارة والشوارع بالحرائق؟ هل صحيح أن مصر لا تزال من دون رئيس أو دستور أو أمن أو طمأنينة؟ قبل 1952 أحرقت القاهرة مرة واحدة، فكم مرة أحرقت منذ «25 يناير» حتى اليوم؟
وماذا تريد «25 يناير»؟.. هل تريد مصر من دون مبارك أم من دون الجيش؟ هل تريد ثورة للإطاحة بالنظام أم بالدولة والأمن والمستقبل؟ وماذا ومن يمثل هؤلاء المراهقون الذين يعرضون علينا في التلفزيون مكرّين مفرّين محرقين قاتلين ومقتولين؟ إن بعض «25 يناير» أو بعض المتلحفين بها يسيئون إلى الحرية بقدر ما أساءت المعارضة الكويتية الحديثة النعمة إلى البرلمانات والديمقراطية. ما كان أحد يتوقع أن تحقق المعارضة الكويتية في سقوطها ما حققت: لقد جعلت معارضين تاريخيين مثل الدكتور أحمد الخطيب وعبد اللطيف الدعيج في صف النظام.. ونقلت المحايدين والمستقلين إلى مربع الخائفين من ديمقراطية الشتم والتسافل واللهو بالمصير.
بدأت ثورة «25 يناير» هادئة منظمة وأخلاقية. كان الشبان والشابات يشتركون كل صباح في تنظيف ميدان التحرير. تعانق المحتجون مع العساكر وجلسوا على دباباتهم للصور التذكارية. الخلل الوحيد كان نزول الهجانة الحكومية، وتحليق طائرتي «سوخوي» فوق القاهرة. الصحافة العالمية جاءت ودهشت. نُخب مصر في الخارج جاءت تنضم إلى العرض الأخلاقي الراقي.
مَن الذي بدأ في إشعال الحرائق؟ من الذي خطف «25 يناير»، وإلى أين، وإلى متى؟ هل انتهت «25 يناير» قبل أن يصل من يمثلها إلى قصر القبة؟ ومن الذي يمثلها ويمثل مصر حقا؟ رجال الحقد والحرائق وصور العباسية؟ فلتقترع مصر لضميرها ومصيرها.

الحليفة القديمة الجديدة لإسرائيل

خالد القشطيني
بعد موجة التهديدات واحتمالات ضرب إسرائيل لإيران خوفا من حصولها على أسلحة نووية وامتعاضها من تهديدات أحمدي نجاد ومساعدته لحزب الله في لبنان وحماس في غزة، بدأت ملامح تحول في السياسة الإسرائيلية تهون من خطر إيران. فقد صرح الجنرال بيني غانتز، رئيس الأركان بأنه يشك في وجود أي نية في طهران للحصول على هذه الأسلحة. أيده في ذلك إيهود باراك، وزير الدفاع، بقوله إن إيران لم تقرر بعد حيازة أي أسلحة نووية. الحقيقة أنني لاحظت صدور تعليقات من المصادر الإعلامية أيضا تبدد المخاوف من الخطر الإيراني. كانت هناك مقالة في «هآرتس» تقول إن هذه التهديدات الإيرانية مرحلة عابرة. فهناك تحالف تاريخي بين اليهود والإيرانيين. لا بد أن يتذكر الإسرائيليون أنهم ساعدوا كورش على فتح بابل وكافأهم بالسماح لهم بالعودة إلى أورشليم وإعادة بناء دولتهم. وكما نتذكر أن الشاه محمد رضا حافظ على علاقات طيبة مع تل أبيب.
ما السر في هذا التحول الجديد في الموقف الإسرائيلي؟
طالما بقي العرب على تفكيرهم في معاداة إسرائيل وأملهم في ضربها وإزالتها من الخريطة يوما ما (وهي فكرة أخذ حتى بعض الغربيين يؤمنون بها)، فإن إسرائيل ستحرص على إبعاد هذا الخطر. هكذا أقامت استراتيجيتها على ضرورة إضعاف العرب، وتمزيق دولهم وكياناتهم، وتقسيمها، وتشجيع القلاقل والمشكلات والحروب الداخلية وإشغالهم بها، واستنفاد ثرواتهم. في حوار جرى لي في أيام صدام حسين مع خبيرة إسرائيلية متخصصة بشؤون العراق، قالت لي صراحة إن تقسيم العراق سيكون من مصلحة العراقيين. وإن من مصلحة إسرائيل نقل الحكم للشيعة لأنهم أقل حماسا من السنة لموضوع فلسطين. طبعا نجحوا الآن في كلا الهدفين. لا تبدي الحكومة العراقية الآن أي اهتمام بموضوع فلسطين واضطر سائر الفلسطينيين إلى مغادرة العراق. وبالطبع حققت مخططاتها في السودان بتقسيم السودان إلى شمال وجنوب. وستظل تسعى لتقسيم أي بلد عربي.
لا بد أنه لاحظ المسؤولون في تل أبيب أن إيران أصبحت آلة جيدة في خدمة هذه الاستراتيجية من حيث بث الانقسامات الطائفية وتغذيتها في الدول العربية، وإثارة القلاقل والاضطرابات فيها، وتشجيع شعار إقامة «جمهورية إسلامية»، واستنزاف ثروات العرب في الإنفاق على أجهزة الأمن والإعلام والقوات المسلحة، وزجها في حروب واضطرابات داخلية، وبالتالي تحويل تفكير العرب من موضوع فلسطين إلى مواضيع مشكلاتهم الداخلية. هذا ما نجح حتى الآن. لقد أصبح موضوع فلسطين موضوعا ثانويا تماما قلما تعيره مصادر الإعلام العربية والعالمية أي اهتمام. أنا الذي أعتبر نفسي خبيرا في الشأن الفلسطيني، أصبحت لا اعرف أي شيء عما يجري الآن في فلسطين أو بشأن فلسطين. تكاد تصبح نسيا منسيا.
هذا هو سبب التحول في النظرة الإسرائيلية. أصبح النشاط الإيراني والشيعي الصفوي المرتبط بإيران خير عتلة تخدم الماكنة الإسرائيلية وربما سيفتح لها أبوابا وجسورا لم تحلم بها في العالم العربي. ربما سيجد البعض أن إجراء مشاورات في تل أبيب أفضل من إجراء مشاورات في قم!
وهذه كلمتي للسيد أحمدي نجاد. اطمئن يا سيدي ولا تقلق! إسرائيل معك.

النأي على الطريقة اللبنانية

عبد الرحمن الراشد
السلطات اللبنانية متحمسة جدا بعد أن أوقفت سفينة تقول إنها محملة بالأسلحة، عنوانها «إلى الثوار في سوريا»، وهي عازمة على محاسبة المتورطين فيها. وزير الدفاع تعهد بأنه لن يسمح بتمييع التحقيقات في السفينة / القضية، ورئيس الجمهورية قال إنه سيحارب المخالفين. «لطف الله 2» سفينة شحن حمّلت بالأسلحة في ليبيا، كما يقال، ووصلت بحرا، ومع أنه لا سلاح خرج منها أو استخدم، فإن رجالات الدولة متحمسون لملاحقة المتورطين.
لبنان يدعي أنه تبنى سياسة دخلت القاموس الدولي اسمها «النأي» في التعاطي مع الثورة السورية. إلا أن هذا النأي مورس فقط للتهرب من إدانة جرائم النظام السوري وتبرير الابتعاد عن المساءلة العربية والسورية الشعبية. لكن السلطات اللبنانية لا تنأى بنفس القدر عندما تكون المهمة مطلبا من النظام السوري. لم ينأَ لبنان في شأن السفينة الليبية، ويفعل ما فعلته تركيا التي ضبطت سفينة «أتلانتيك كروزر» محملة بالأسلحة ورست في مرفئها، وعثر على متنها على أسلحة إيرانية في طريقها إلى النظام السوري. الأتراك أخلوا سبيلها وطووا ملف القضية. لبنان جعل السفينة قضيته وأكثر حماسا في ملاحقة تفاصيلها من نظام الأسد نفسه، الذي لا يطارد المهربين كما يفعل المسؤولون اللبنانيون بحماس.
ولم ينأ لبنان بنفسه عندما فر بضعة جنود منشقين من الجيش السوري وعبروا حدوده، بل تدخل وقامت بعض عناصره بالقبض عليهم وتسليمهم إلى القوات السورية ليواجهوا خطر القتل هناك، مخالفا بذلك القوانين الدولية. الحالات التي نأت فيها السلطات اللبنانية، عندما سكتت على قيام السفارتين السورية والإيرانية بخطف أشخاص في شوارع بيروت عيانا بيانا. لم نسمع من الأجهزة الأمنية أو العسكرية أو المؤسسات الرئاسية عن أي جهد للتحقيق في المخطوفين الأهوازيين أو السوريين في بيروت.
ولو كان للبنان الخيار بأن ينأى ويستطيع أن يفعل ذلك حقا فسنكون سعداء، لكن نعرف أنه من المستحيلات تماما أن يتوقف المتقاتلون، أفرادا وحكومات، عن استخدام التراب اللبناني ومياهه. وما تفعله السلطات اللبنانية حاليا هو انحياز واضح، بسكوتها على أفعال النظام السوري والأطراف المنحازة له التي تقدم خدماتها من قتل ومطاردة ودعاية، مستخدمة في بعض الحالات أجهزة الدولة ومؤسساتها. في المقابل، تسخّر الدولة إمكاناتها لملاحقة الثوار السوريين أو التضييق عليهم، كما نرى في تحقيقات محاولة التهريب البحرية، لأنها مرت بميناء لبناني، حتى أصبحت شأنا يتعهد بمتابعته رئيس الجمهورية ووزير الدفاع.
هذا الحماس لإرضاء دمشق من قبل السلطات اللبنانية لن يسعف نظام الأسد المترنح، وسيغضب الحكومات التي على الطرف الآخر، الخليج والغرب، وسيصدم غالبية الشعوب العربية، وهذه الدول أكثر أهمية للبنان.
لبنان سيبقى محطة رئيسية للحدث السوري، بغض النظر عن تطوراته والكيفية التي ينتهي بها. وإذا كان لا يريد أن يكون كذلك حينها نفترض أنه عندما يعلن أنه ينأى بنفسه فعليه فعلا أن يبرهن على ذلك؛ إما بسياسة منع الجانبين السوريين أو بغض الطرف عن مخالفاتهما.
المتوقع من اللبنانيين أن يساندوا التغيير في دمشق، ودعم إسقاط النظام الذي أنهك لبنان ومزقه بالحروب والتدخلات، ولم يتورع حتى عن نهب مدخرات مواطنيه وبنوكه. الثورة في سوريا في حقيقتها تعبر عن مطلب لبناني قديم مستمر.
والحقيقة الأكيدة أن سقوط نظام دمشق لن يحرر السوريين فقط، بل سيحرر لبنان وأهله من أي نظام سوري.

الثورات.. ومأزق الانتقال للديموقراطية

يوسف الكويليت
كثر الجدل حول الثورات العربية، البعض رآها مبادرات من شباب لا ينتمون لتنظيم أو حزب أو تحركهم جهات أجنبية، وأن الأحزاب والمنظمات الراسخة التنظيم هي التي جنت الفائدة، واستطاعت أن تهيمن على الانتخابات البرلمانية، أو الحكومية، وأن من قاموا بهذا الدور ظلوا خارجها تماماً، وقد تحولوا إلى صوت خافت في صخب القوى المحلية الأخرى..
الاستقرار، أم الفوضى؟ السؤال المطروح على دول الربيع، فكل هذه الدول تعاني اقتصادياً وأمنياً، والتدخلات الخارجية موجودة، سواء دولية أو إقليمية أو عربية، فدول المغرب ممن لم تتعرض لعواصف الثورات، تخشى انتقال العدوى إليها، لكن الحالة القائمة ربما لا تجعل الخطر قادماً، إذا عرفنا أن تونس لا تزال في حالة تجاذب وعدم استقرار، وليبيا تمرّ في وضع أكثر حرجاً قد يؤدي إلى التقسيم..
وفي المشرق تمرّ الظروف بنفس الإيقاع، وعدا سورية التي انتقلت القضية بها من وضع داخلي، إلى نزاع دولي، فالمستقبل ضبابي وسط قتال شرس بين جيش السلطة والجيش الحر، والميدان مفتوح لمفاجآت قادمة، وعموماً فالحالة الراهنة قلبت التوقعات، أي أن الاحتفال بإسقاط الأنظمة الدكتاتورية لم يعد غاية، لأنها بحكم المنتهية، لكن مخلفاتها بقيت تضغط على الحياة العامة، سواء من بقي من مناصري السلطات القديمة، أو من حاول جني مكاسب من حالة عدم التوازن، وهذا ما يخيف المحللين السياسيين أن المرور من الدكتاتورية إلى الديموقراطية وفي بلدان تعمها البطالة، والتدهور الاقتصادي ونضوب الموارد الخارجية، ستجعل الأولويات للأمن والخبز والوظيفة، بينما القوى المتصارعة على السلطة تطرح مشروعات على الورق دون تحليل الواقع من أوجهه المختلفة، مما سيحدث صدمة في الشارع العام إذا ما وجد أن الواقع بدأ يأخذ مساراً لا يلبي الاحتياجات الأساسية..
هناك دول على خط النار، فالسودان يعيش حالة حرب مع جنوبه الذي انفصل عنه وكل يتحدث عن ذرائعه، وحالة الاقتصاد في البلدين أسوأ مما كان، وربما يصعب إيجاد حلول تنهي الصراع، وتبدأ التجاور السلمي، لأن الاحتقان الذي تركته سنوات الحرب الطويلة لا يزال يخيم على العقل السياسي بكلا البلدين، وعدم تحديد الحدود وإنهاء إشكالاتها فالدروب وعرة إن لم تكن غير سالكة على المدى البعيد..
في العراق تدور لغات التخوين والحكم الدكتاتوري، والفساد وتمكن إيران من القبض على العصب السياسي والاقتصادي، وهذا يرشحه إلى خلق فوضى، ومع أن كلاً من العراق والسودان ليسا طرفين فيما حدث بدول الربيع، فإن حالتهما تدخل ذات النفق..
الديموقراطية تحتاج إلى مناخ وأدوات ووعي وإمكانات اجتماعية ومادية تُهيئ لدورة الانتقال من حال سابقة إلى ظرف جديد، ولا نقول هناك تشاؤم من النجاح، لكن هناك مخاوف بدأت تبرز تطرح أبعاداً لم تكن بذهن من احتفلوا بهذه الثورات، والخشية أن يحدث فراغ كبير يُلجئ العسكر أن يكونوا البديل، بدلاً من تردي الأوضاع وانفجارها.

المعجم المثالي .. للقارئ العربي

شايع بن هذال الوقيان
المعجم المثالي هو مجموعة من المفاهيم والكلمات التي تقال بدون تصديق ضمني واقعي بها. إنها مجرد شعارات أو دوال لا مداليل حية تحيل عليها. أو لنقل هي آمال وأحلام لم تتحقق بسبب «مثاليتها» أي بعدها عن الواقع ولن تتحقق مادامت مثالية تستعصي على الشرط التاريخي. هاك بعضا منها:
أولا: الوطن والوطنية والمواطنة.. الكل يغني ويغرد ويطرب لهذه الكلمات، ولكن لو سئل المرء ما يريد بها أو ما يريد منها لما أحار جوابا. مما يثير استغرابي أن دولا تعتبر من أرقى الدول وحضارات وصلت إلى غاية التقدم التاريخي تكاد تخلو من كلمة وطن ووطنية ومواطنة وليس عندهم آلاف الأغاني الوطنية كما عندنا من تلك التي تعمد لاستفزاز مشاعرنا وإثارة نار التعصب الشوفيني فينا. في تلك الحضارات الأمر بسيط جدا؛ لقد تم حسم هذه المسألة من زمان، وما هو قار ثابت فإن الناس لا يتحدثون عنه. في أمريكا ، مثلا ، لا أحد يتكلم عن «المواطنة» لأن المسألة منتهية منذ أمد بعيد، وليست هناك خطط ومنهجيات لتحديد من هو المواطن من غيره، المسألة ليست معقدة كما نتصور، فكل من هو أمريكي فهو مواطن رضي من رضي وأبى من أبى، وليس المرء ملزما أن يثبت وطنيته في كل سكنة وحركة. وحديث العرب المثالي والمستمر عن الوطنية مؤشر لغيابها، كما أن الشروط المفروضة لكي تكون مواطنا تعتبر مثالية؛ أي معقدة ويصعب تحقيقها. لي أن أقول ليس شرطا أن تكون رجلا صالحا لكي تكون مواطنا، فالمجرم مواطن أيضا وله كل الحقوق التي تمنح للمواطن الصالح، وعلينا أن ندافع عن حقه القانوني والإنساني بشكل مساو تماما لغيره، وإلا فلن تكون هناك سوى «وطنية مثالية وهمية».
ثانيا: التضامن الإسلامي والأمة الإسلامية الواحدة.. هذا المفهوم برز قبيل وبعيد سقوط الخلافة التركية. وكان معقولا الحديث عنها وقتذاك. أما اليوم فقد انتهى عصر الإمبراطوريات وحل محله التنوع الثقافي. لا يمكن أن تجعل ثلث العالم دولة واحدة ما لم تكن مثاليا.
ثالثا: الوحدة العربية والأخوة العربية والشعب العربي الواحد من المحيط إلى الخليج «لقد صمت أذني من هذه العبارة»... أقول: ينبغي أن نتخلى عن هذا الوهم المثالي أيضا. فليس من الضروري أن نكون تحت مظلة دولة واحدة لكي نبقى «إخوة» و «أحباب» هل نحن كذلك حقا؟ أنا شخصيا لا يهمني أن نكون إخوة بقدر ما نكون شركاء. أتذكر أن طه حسين أشار إلى أن العامل الاقتصادي هو أكثر جدوى للوحدة أو الاتحاد من العامل اللغوي أو الديني. وهذا صحيح.. فكل «اتحاد» أو «فدرالية» أو «كونفدرالية» تمت حتى الآن لم تقم إلا على العامل الاقتصادي؛ الاتحاد الأوروبي والفرانكفوني والولايات المتحدة وغيرها. أما العوامل الأخرى فهي مثالية. تذكروا أن ما هو مثالي فهو غير واقعي وغير متحقق بل مجرد حلم.
رابعا: اللغة العربية الفصحى.. هو وهم مضحك يظن أصحابه أن هناك إمكانية لعودة العرب إلى اللغة الواحدة «الفصحى» .. وهو وهم لأنه لم يكن هناك أبدا «لهجة عربية واحدة»، بل لهجة رسمية سادت وهي لهجة قريش وأخريات توارت في الظل كلهجات تميم وطي وحمير وهذيل والأزد ونحوها. كما أن اللغة كائن حي يتأثر بالجغرافيا والموروث الثقافي.. أيها السادة الواهمون، إن اللغات التي تتكلمون بها عربية أصيلة وليست تركية أو فارسية أو فرنسية. وكل عارف بالتاريخ يدرك أن اللغة العربية لم تكن على لهجة واحدة من قبل الإسلام وأثنائه وبعده..
هذه بعض المفاهيم والتصورات المثالية التي لا يمكن أن تتحقق بكل صيغها العربية السائدة، وهناك الكثير منها.. ويكفي لكي تعرفها أن تلاحظ أولا «كثرة تردادها» ، وثانيا «عدم وجودها الواقعي» ، وثالثا «عدم الرغبة الجادة في تحقيقها».. فلنكن واقعيين لتتحقق أحلامنا.

لم يطيعوه في سورية.. لأنه ما عاد يستخفّهم

د. وائل مرزا
كيف يُمكن لنظامٍ سياسي أن يُرسّخ في واقعٍ بشري يحكمهُ الفناء والموت شعاراً يقول (قائدُنا إلى الأبد..)؟
{فاستخفّ قومه فأطاعوه}.
تُفسّرُ الآية المذكورة بشكلٍ عبقري طبيعة العلاقة بين شعبٍ يتعرّض للإذلال والإهانة والاحتقار، ونظامٍ سياسيٍ يقوم بتلك الممارسات ويُسلّطها عليه.
على مدى أكثر من أربعة عقود، استخفّ النظام السوري بشعبه إلى درجةٍ لا تكاد تُصدّق. لن يُدرك المرء معنى الكلام مالم يكن سورياً. فمن الشعارات إلى الممارسات، ومن القوانين إلى السياسات، كان واضحاً أننا بإزاء نظام حكمٍ يرى من يُفترض أن يكونوا (مواطنين) على أنهم أقلّ من الحشرات.
كيف يُمكن لنظامٍ سياسي أن يُرسّخ في واقعٍ بشري يحكمهُ الفناء والموت شعاراً يقول (قائدُنا إلى الأبد..)؟! لم يقف الأمر عند ادّعاء الخلود بالقول وبشكلٍ مباشر، وإنما تجاوز ذلك إلى ادّعاء درجةٍ من الألوهية، بلسان الحال وبشكلٍ غير مباشر. فكل فعلٍ قام به النظام على مرّ الأيام كان يوحي بوجود قناعةٍ عميقةٍ في قرارة نفسه بأنه يهب الموت والحياة، ويعطي الرزق ويمنعه، ويتحكم بمصائر العباد والبلاد في كل مجال.
في أيّ بلدٍ من هذا العالم يمكن لعريفٍ جاهلٍ في الجيش أن يُخيف رئيسه، نقيباً كان أو عقيداً أو لواءً، ويأمره بما يجب أن يفعل ليل نهار، ويجعل (خدمة الوطن) همّاً بدون نهاية؟
من الذي قال بأن رجل الأعمال في بلدٍ كان مضرب المثل في الطبيعة التجارية لشعبه لا يستطيع أن يُطور عملاً دون شراكةٍ مع مفسدٍ كبير؟
متى كان الوزير في أي نظامٍ سياسي يرتجف رعباً من حاجبٍ لديه، أو من سكرتيره في أحسن الأحوال؟ بل متى كان هذا الوزير أو رئيس الوزراء مُجرّد (ممسحةٍ) يمسح بها الحاكم حذاءه؟ فلا يكونَ له أمرٌ أو نهيٌ دون إشارةٍ من ضابط أمنٍ تخجل القذارة من اقترانه بها؟
كيف كان يحق لأصغر مُخبرٍ شأناً وإنسانيةً أن يتبختر بين عامة الناس كأنه إلهٌ قادر؟
بأي حقٍ يُنعت بلدٌ راسخٌ في الحضارة والتاريخ بأنه (سورية الأسد)؟
لم يكن لكل هذا أن يحدث لولا أن ذلك النظام (استخفّ) قومه. والاستخفاف هنا يعني فقدان الإنسان لشعوره بقيمته كإنسان، حتى قبل أي حديث عن شعوره بحقوقه الطبيعية والشرعية والقانونية. والاستخفاف يعني فقدان المرء لأي درجةٍ من درجات الإرادة في مقاومة الظلم لاستعادة تلك القيمة واسترداد هذه الحقوق.
لكن هذا كُله كان قبل انطلاق ثورة الحرية والكرامة.
سأستعير من الصديق إياد شربجي إحصائية قام بها منذ أسبوعين لنعرف معنى أن يرفض الشعبُ الاستخفاف. واستخدم حرفياً ما استخلصه من تلك الإحصائية.
يقول إياد: «عليكم الآن أن تقرؤوا هذه الأرقام لتتعرفوا على حقيقة شعبكم العظيم:
مليون ومئتي ألف مهجّر داخل البلاد من المناطق الأكثر نشاطاً في الثورة، 220 ألف مهجّر وهارب خارج البلاد، 28 ألف معتقل، 8 آلاف مختفي قسري، 13 ألف شهيد، 42 ألف مطلوب للجهات الأمنية تجري ملاحقتهم، 1100 منزل مدمر تدميراً كاملاً، 19 ألف منزل مدمر تدميراً جزئياً، 240 ألف عنصر عسكري وأمني ومدني يشاركون بقمع الثورة، 1800 حاجز أمني وعسكري مسلّح يقطّع أوصال المناطق الثائرة، 1200 عربة عسكرية ثقيلة تساهم في قمع الثورة (دبابات- مضادات للطيران- حاملات رشاشات ثقيلة- عربات مضادة للدروع- مدفعية..)، 218 واقعة مسجلة لاستخدام الطائرات الحربية والهيلوكوبتر في الرماية والقصف، انهيار اقتصادي أثّر بشكل مباشر على حياة الناس ومعيشتهم وضيق الخناق عليهم، حصار شامل وقطع مستمر لوسائل الحياة الأساسية (الكهرباء- الماء- الاتصالات- المحروقات..)، تواطؤ وتخاذل وعجز دولي لم يشهد له التاريخ الحديث مثيلاً.
رغم كل هذه الأرقام والحقائق المفزعة الكفيلة بالتأكيد بوأد أعظم الثورات الشعبية في العالم مهما بلغت قوتها وعظمتها.
رغم كل ذلك سجل يوم الجمعة 20 نيسان (جمعة سننتصر ويهزم الأسد) الرقم الأعلى بعدد التظاهرات في سورية منذ انطلاق الثورة السورية وبواقع 822 مظاهرة.
أعزائي.. هذه الثورة خارج كل التوقعات والحسابات..هذه الثورة حدث جلل سيترك بصمة لن تنسى في تاريخ البشرية..هذه الثورة سيكتب فيها مجلدات، وسيصّور عنها آلاف الأفلام وستكون موضوعاً لشهادات الدكتوراه حول العالم.هذه الثورة..هي بصمة السوريين وحدهم..أيها العالم.. أنتم الآن في حضرة الشعب السوري العظيم.. طأطئوا رؤوسكم أمام هذا المارد القادم».
صدقت يا إياد، وذهبت إلى غير عودة أيام الاستخفاف.

أزمة النظام الإقليمي

سعود كابلي
لا يوجد في منطقتنا أي صيغة ملكية إقليمية للتعامل مع الأزمات، فأزماتنا ليست ملكنا في الأساس للتعامل معها، ومن ثم فالنظام الإقليمي هيكليا عاجز عن التعامل مع أي تحد إقليمي
ليس سرا أن منطقتنا تعاني من أزمة في نظامها الإقليمي وهي أزمة عاد الربيع العربي ليكشف عوارها بقوة، بدءا من تعريف ماهية هذا النظام بعموميته، وكذلك محدداته وأطره العامة. فالجغرافيا التي تشكل العامل الأول في معادلة أي منظومة إقليمية تكشف من جهة أخرى عوار مفهوم النظام الإقليمي الذي يجد العرب أنفسهم فيه. فحدود نظامنا الإقليمي غير واضحة ويغلب عليها التشابك أكثر من الوضوح.
حتى الآن ما يجمع ٢٢ دولة عربية تمتد من المحيط إلى الخليج تشكل صلب منطقة الشرق الأوسط ليس أكثر من تشارك في اللغة والتاريخ والإرث الثقافي، إضافة لمفاهيم عائمة من قبيل وحدة المصير.
على امتداد العالم العربي تتباين حالة الدول العربية بين نقيضين على الدوام، فالنظام الاقتصادي لا يشكل أرضية مشتركة بين دول تتمتع بثراء فاحش في مقابل دول تعاني من حالة اقتصادية متردية، وهذا التباين ليس تباينا في الثراء بحد ذاته بقدر ما هو تباين في هياكل الدول أنفسها، سواء هياكلها الاقتصادية أو حتى هياكلها السياسية، وهي هياكل سيزيد من عمق تباينها الربيع العربي بتأثيراته المستقبلية وخاصة على الثقافة السياسية بين الدول العربية. وسيظل القاسم المشترك بين موريتانيا وفرنسا على سبيل المثال أكبر وأعمق بكثير من الرابط المشترك بين عمان وموريتانيا. ولا يزال تصور قيام نظام إقليمي متكامل تحت مظلة استراتيجية واحدة يجمع الصومال بالعراق مثلا ضربا من ضروب الخيال السياسي أكثر من الواقع السياسي.
ما هي حدود النظام الإقليمي هنا؟ هل يتضمن نظامنا الإقليمي تركيا وإيران؟ وهل يتضمن إريتريا ودول القرن الأفريقي التي لها تداخل مباشر مع دول عربية؟ وهل يتضمن حوض المتوسط الشمالي الأقرب لدول المغرب العربي؟ ثم، ما هو التصور النهائي لتداخل كل تلك الأطراف مع بعضها البعض؟ فإذا كان هناك نظام إقليمي عربي، فما هو إذا مفهوم الأمن الإقليمي العربي؟ وهل يمتد هذا المفهوم ليشمل تحديات دول شمال أفريقيا التي تختلف عن تحديات دول الخليج التي تختلف بدورها عن تحديات جيبوتي والسودان؟ إنها أزمة معنى حقيقية، في أن يكون هناك تبنٍ لمفهوم نظام إقليمي دون أن يكون لهذا النظام أي حدود أو معالم واضحة.
هذا الأمر هو ما يسبب الانكشاف الكبير الذي تعاني منه المنطقة من الخارج، وهو انكشاف يظهر أكثر ما يظهر في أوقات الأزمات. والعراق كمثال سابق أظهر حجم تعدي مصالح الدول من خارج المنطقة على مقدراتها دون أي قدرة لهذا النظام الإقليمي العربي من التأثير ناهيك عن القيادة، فخلال أزمة العراق منذ الاحتلال الأميركي كان التأثير العربي فيه صفرا إذا جاز التعبير، ولا يتجاوز مجرد محاولة العرب البقاء في اللعبة والموازنة مع اللاعبين الآخرين. هذا الأمر يتكرر اليوم مع سورية بصورة أو بأخرى، فرغم وجود هذا النظام الإقليمي المفترض نجد أن أزمة سورية في الواقع تقف أرجل حلها خارج النظام في عواصم عالمية تتجاذب مسألة سورية لحسابات مصالحها التي لا تتعلق في المحصلة النهائية لا بالإقليم أو نظامه. وطرح فكرة حل التدخل العسكري التركي ومن وراءها حلف الناتو بناء على حجج قانونية تمتلكها تركيا على وجه الخصوص ولا يمتلكها العرب هو أبلغ تعبير عن حجم أزمة هذا النظام الإقليمي في التعامل مع تحدياته وقضاياه.
لا يوجد في منطقتنا أي صيغة ملكية إقليمية للتعامل مع الأزمات (regional ownership of conflict) فأزماتنا ليست ملكنا في الأساس للتعامل معها، ومن ثم فالنظام الإقليمي هيكليا عاجز عن التعامل مع أي تحد إقليمي.
سورية أبلغ مثال لهذا العجز، ويتبدى أكثر عند محاولة الخروج بمفهوم شامل وواضح لماهية منظومة الأمن الإقليمي في المنطقة التي يتشارك فيها الجميع. فالأمن الإقليمي ليس أكثر من توافق مصالح حول قضايا بعينها ولا يرقى لأي صيغة جامعة تشكل مظلة لسياسات الدول. وبالمقارنة نجد أن أقاليم أخرى كأميركا الجنوبية أو حتى أفريقيا استطاعت تجاوز هذه التحديات من خلال صياغة مفاهيم واضحة للنظام والأمن الإقليمي الخاص بها. أزمات أفريقيا اليوم هي ملك لأفريقيا في المقام الأول، فالاتحاد الأفريقي بمجلس السلم والأمن الخاص به رغم كل ما يشوبه من تحديات وضعف في أحيان ما، هو أكثر فاعلية بأذرعه الدبلوماسية والعسكرية (قوات حفظ السلام) من جامعة الدول العربية على سبيل المثال.
إن نظاما إقليميا ـ على سبيل المثال تفاعلات تركيا وإسرائيل وإيران ـ تشكل مقدراته بأكثر مما تشكل الدول العربية التي هي عصبه الأساس هو نظام وصل لحالة من السيولة تجعله عاجزا عن توليد أي رؤية إقليمية، وبالتالي عاجزا عن التعامل مع أي من تحدياته أو قضاياه. والحل يبدأ بإعادة طرح السؤال الرئيسي: ما هو النظام الإقليمي فعلا؟ هل هو مجرد منظومة مشتركة بين دول تجمعها وحدة اللغة في المقام الأول؟ أم منظومة بين دول قائمة على وحدة استراتيجية حقيقية ضمن بقعة جغرافية؟

زيارة الأقصى سياسية وليست دينية

محمد المختار الفال
الجدل "الفقهي" حول زيارة القدس في هذا الظرف، هو "التفاف" على الموقف السياسي وصرف الناس إلى الوجه الخطأ. فزيارة الأقصى (الآن) أو الامتناع عنها موقف سياسي يعبر عن وجهات نظر تمثل تيارين سياسيين تجاه القضية
يثار الجدل والنقاش والاختلاف، من وقت إلى آخر، في السنوات الأخيرة، حول "مشروعية" زيارة المسجد الأقصى تحت الاحتلال والسيطرة الإسرائيلية. وينقسم المتحاورون والمتجادلون إلى فريقين: ممانع يرفض الزيارة حتى لا تكون ورقة في دفتر التطبيع مع المغتصب. ويتهم الداعين إليها بالتخاذل والاستسلام لخطط العدو. وفريق محبذ يدعو إلى الزيارة ويجادل في الحرص على إبقاء ثالث الحرمين حاضرا في وعي الأجيال المسلمة.. وكان آخر هذه المجادلات والمناكفات ما تلا زيارة مفتي مصر إلى المسجد الأقصى من "البوابة" الأردنية وما أثارته تلك الزيارة من لغط وتنديد من غالبية الفعاليات الشعبية والدينية الرافضة لهذه الزيارة.
قضية زيارة القدس، في هذه الظروف بكل ملابساتها، هي قضية سياسية، بامتياز، وليست مسألة فقهية يرجع فيها الناس إلى أهل الفقه حتى يعملوا نصوصهم واجتهاداتهم من أجل اطمئنان أتباعهم.. القضية سياسية، بكل تعقيداتها وتشابكاتها، وتمثل أحد أوجه الصراع بين صاحب حق متمسك به ولا يريد أن يعطي الظالم "براءة" من ظلمه وبين مغتصب لهذا الحق يستخدم كل الحيل لإثبات عدله وإنصافه وحسن رعايته لمقدسات الآخرين.. ومثل هذه القضايا يعالجها السياسيون في إطار المصالح والحسابات السياسية المستندة إلى مبدأ أصيل في ثقافتنا الشرعية هو مبدأ "درء المفاسد وجلب المصالح" وهذا المبدأ في الظروف الشائكة المتعارضة لا يترك للأفراد الذين تدفعهم العاطفة وتغيب عنهم دسائس وأحابيل السياسة ولا يملكون القدرة على تقدير المفسدة والمصلحة العامة.
ليت المختلفين يناقشون "المسألة" بهدوء وترو، بعد فحص الحجج ومعرفة وجهات النظر المتباينة، حتى ينتهوا إلى كلمة سواء. فالذين يؤيدون الزيارة ويدعون إليها – إذا أحسنا بهم الظن – يرونها من زاوية "جلب المصالح" حين يقولون إنها ستفتح الباب أمام الأجيال الجديدة من المسلمين التي لا تعرف المسجد الأقصى ويكاد يختفي من قاموسها اليومي. وهذه الزيارة ستجدد حضوره في وجدان هذه الأجيال وتحيي رمزه في وعيها فلا ينسى ويبقى حاضراً. والزيارة، بهذا القصد، تبقي الأماكن المقدسة في فلسطين حية في وجدان المسلمين من جميع أنحاء العالم إلى جانب ما تحمله من منافع مادية تساعد أهل القدس على التمسك بممتلكاتهم.. ويرى هؤلاء "الطيبون" أن فتح باب الزيارة سيكون عوناً مادياً لأهل القدس كما كان الحج والعمرة مصدر رزق لأهل مكة والمدينة قبل سنوات البترول. ويحاجج هؤلاء بأن الزيارة لا تحمل أي معنى للاعتراف بالمغتصب الصهيوني، بل هدفها مساندة أهل القدس من المسلمين وأن تحميلها أكثر من ذلك هو تعسف في التقدير ومبالغة في الحذر بل ومماحكة في الجدل.
ووجهة نظر المعترضين على الزيارة تستند إلى مجموعة من الأمور: أن الدعاية الإسرائيلية التي تروج لحماية مقدسات أصحاب الديانات وتمكنهم من زيارتها، تكذبها الأفعال حين تمنع على الفلسطينيين، من أهل القدس أداء الصلاة في المسجد، لمن هم دون الخمسة والأربعين عاما. وأن فتح باب زيارة بيت المقدس لجميع المسلمين لا يتم إلا عبر تأشيرة من ممثليات إسرائيل، وهي مفتوحة للزائرين من خارج فلسطين، فأبناء غزة والضفة الغربية ممنوعون من الوصول إلى هذه الأماكن. فكيف تنطلي على البعض دعاية أن الأماكن المقدسة مفتوحة للجميع؟.
الدعاية الإسرائيلية هدفها أن تقول للعالم: انظروا إننا متسامحون مع كل أهل الديانات وأماكن عباداتهم مصانة ومفتوحة لهم، ويمكنهم زيارتها في أي وقت إذا شاؤوا وما عليهم إلا التقدم إلى ممثليات إسرائيل للحصول على التأشيرة النظامية. وهذه الدعاية تنشط في دول العالم الإسلامي البعيدة عن منطقة الصراع كما تبث في العالم الغربي فيتلقفها الإعلام المؤيد أو غير المطلع فيروجها بين الشعوب لتقليل حالة عدم الرضا العامة تجاه السياسات الإسرائيلية التي لم تعد خافية على الكثير من صناع الرأي في العالم.. وهذا المعنى أو "الرسالة" إذا قبلها المسلمون ستصبح موضع "نقاش" تنقسم حوله الآراء كما بدأ يظهر في الأفق. وهذا ليس في صالح سياسة مقاومة "تهويد" القدس وتفريغها من سكانها الأصليين وإزالة معالمها وإطلاق المغتصبين اليهود، من وقت لآخر، للعبث بالمقدسات.
وبهذا يكون الجدل "الفقهي" حول الزيارة، في هذا الظرف، والعودة إلى المقارنات التاريخية هو "التفاف" على الموقف السياسي وصرف الناس إلى الوجه الخطأ. فزيارة المسجد الأقصى في هذا الزمان أو الامتناع عنها موقف سياسي يعبر عن وجهات نظر تمثل تيارين سياسيين تجاه القضية. ويسهل إدراك ذلك من تأمل مواقف الداعين لها والرافضين لها. فالمتابع يلاحظ أن دعاة التطبيع، وهم أطياف متعددة وربما بواعثهم متباينة، هم الذين يستنجدون "بالرأي الفقهي" والحوادث التاريخية لتكوين رأي عام مؤيد للزيارة. ولجوئهم إلى لافتة "الحلال والحرام". والاستقواء برأي بعض أهل العلم عملية لا تنطلي على أحد فهي مكشوفة للجميع.. ومن العجب أن بعض هؤلاء "السائرين إلى القدس" بعاطفة دينية، الداعين إلى تجييش الناس لزيارتها لا يعرف عنهم تمسك بالدين أو قواعده. (الحديث، في هذه النقطة، يقتصر على فئة معروفة بمسلكها وازدرائها للشرع ومبادئه) فكيف يقبل من مثل هؤلاء أن يقودوا الحملات لتجييش الناس وتشجيعهم على الزيارة بحجة تحقيق الأماني الدينية؟!.
المسألة، رأي سياسي، ومعالجتها تتم بوسائل هذه الرؤية. والذين يلبسونها ثوب "الشوق الديني" محتاجون إلى مراجعة مواقفهم حتى لا يفسدوا على أهل التدين إخلاص نواياهم.

إيران ومحاولة اغتيال السفير السعودي

بثينة خليفة قاسم
قال المستشار القانوني في السفارة السعودية بالقاهرة أن الذين تجمهروا أمام السفارة السعودية بالقاهرة كان بينهم مجموعة من الإيرانيين وأن قوات الأمن المصرية قبضت على ثلاثة من هذه المجموعة كان يسعون لاغتيال السفير السعودي في القاهرة، وأن السلطات المصرية تعرف منذ فترة أن السفير السعودي مستهدف من الإيرانيين وحاولت إقناع السفير السعودي بتزويد الحراسة الخاصة به حرصا على حياته ولكنه رفض ذلك.
وعلى الرغم من النفي الإيراني لما صرح به الدبلوماسي السعودي، وعدم صدور رد مصري واضح على هذه التصريحات، إلا أنه من المنطقي جدا أن تقوم إيران بعملية كهذه، لأن التاريخ يؤكد استهداف إيران لدبلوماسيين سعوديين في أكثر من مناسبة.
ولا يمكن لدبلوماسي سعودي بهذا المستوى أن يطلق تصريحات كهذه دون أن يكون لديه معلومات مؤكدة بشأنها.
نحن لا نستبعد قيام إيران باستغلال الأوضاع السياسية والأمنية الحالية في مصر لتنفيذ مثل هذا المخطط الدنيء، فهي فرصة ذهبية بالنسبة لها، فهذا الزحام الموجود بشوارع مصر حاليا به جواسيس وبه رجال مخابرات من كافة أنحاء العالم ،وكل له أهدافه، منهم من يريد إدخال مصر في فتنة لا تنتهي حتى تتحول إلى صومال جديد، ومنهم من يجدها فرصة لتجنيد أشخاص أو بالأحرى استئجار أشخاص لتنفيذ عمليات قذرة كالاغتيالات وأعمال التخريب.
وليس المقصود هو اغتيال السفير السعودي فقط ولكن المقصود هو اغتيال العلاقات المصرية السعودية والإجهاز التام على حبال الود بين الشعبين العربيين إلى غير رجعة من أجل دق مسمار جديد في نعش الأمة العربية التي يراد له التفتت التام.
ولو كانت هذه المجموعة الإيرانية التي تحدث عنها الدبلوماسي السعودي قد نجحت في التسلل إلى السفارة ضمن هؤلاء الشباب المتهورين الذين حاولوا اقتحامها ونجحت في تنفيذ مهمتها لتحطمت العلاقات المصرية السعودية لعقود قادمة، وهذا الأمر يخدم دولتين تستفيدان بشكل مباشر من هذا التمزق، هما إيران وإسرائيل.
إننا لا نرجح فقط وجود مجموعة مندسة من الإيرانيين ضمن المتظاهرين المصريين، ولكننا نرجح قيام إيران بتدبير حادث السفارة برمته، ولو نظرنا لوجوه وأعمار الشباب الذين كانوا يقفون على أسوار السفارة ويحاولون اقتحامها، حسب الصور التي نقلتها الفضائيات، لقلنا أن معظمهم لا يعرفون شيئا عن الجيزاوي ولا يعرفون شيئا عن السعودية وربما لا يعرفون لماذا أتوا إلى موقع السفارة السعودية، ولكنهم صغار غرر بهم أو تم استئجارهم للقيام بما قاموا به من أفعال لا تتفق مع ما يحمله غالبية المصريين من احترام للمملكة العربية السعودية.
وقد تابعنا حجم الانزعاج والغضب الذي عبر عنه المصريون تجاه ما حدث أمام السفارة، ولا نقصد فقط المصريون المقيمون بالسعودية، ولكن داخل مصر، ولنا أن نقارن بين الوجوه التي كانت تسعى لاقتحام السفارة، وبين الوجوه التي أتت في الأيام التالية لترفع العلم السعودي إلى جانب العلم المصري وتقول للجميع أن مصر والسعودية يد واحدة، ولن تنجح المؤامرات الدنيئة في الوقيعة بينهما.
حفظ الله الأمه العربية من كل سوء.

غاندي البحرين

طارق آل شيخان
أصدرت حركة (مجوس البحرين) الايرانية، والتي تسمى نفسها مجازا حركة احرار البحرين، وتمولها ايران في لندن من خلال اموال الخمس وبعض الجمعيات والمراكز العربية والاسلامية، التي انشئت لتكون الذراع الاعلامي والسياسي والديني للثورة التكفيرية في لندن و اوروبا، أصدرت مؤخرا بيانا بخصوص الدنماركي المدان من قبل المحاكم البحرينية، احتوى عبارات تمجيد تصل الى حد التقديس. فقد وصفت هذا الدنماركي بأوصاف لا يمكن ان تطلق الا على الأبطال الاسطوريين الذين نقرأ الخرافات عنهم. وصفوا هذا الدنماركي بأوصاف وبطولات لا يمكن الا ان تطلق على الحسين نفسه وبطولته في وجه الجيش الملعون، على من قتله لعنة الله والملائكة. وقد جاء في البيان العبارات التالية:
“شخص واحد قرر فداء الوطن والحرية بروحه، فأسقط الطغاة وهز عروشهم وأدخل الرعب في قلوبهم، شعاره كان الشهادة او الحرية، وسلاحه الذي اثبت انه اكثر مضاء وحدة وأثرا من سيوف الجلادين كان الجوع، تدعمه الارادة والعزيمة والكرامة وعمق الشعور بالانتماء لله والشعب والوطن. ثلاثة شهور تقترب من الاكتمال منذ ان شهر عبد الهادي الخواجة سلاح الجوع بوجه الطغاة، ليثبت انه امضى ما يملك، ليتحدى العالم ان يقرر: من هو الارهابي؟ ومن الذي يستحق السجن؟ أهو الذي يحرم نفسه من الطعام اختيارا؟ ام الذي يجوع الآخرين ظلما؟ اهو المسجى على فراش الموت، يحتضر ساعة ويفيق أخرى تحوطه الجلاوزة ويعامله الجلادون بغلظة، ام المتكئ على الوثير محاطا بالغانيات والراقصات ومن باعوا ضمائرهم واشتروا دنياهم بدينهم واخلاقهم وقيمهم؟ من الاقوى في هذه المعركة غير المتكافئة؟ من لا يملك سوى قراره الحر وقوة الارادة التي تسمح له بتجاوز مباهج الدنيا وملذاتها؟ ام الذي جيش الجيوش وجاء بالاحتلال ودعمته اساطيل الاستكبار، واهدر اموال الناس لتسخير شركات العلاقات العامة و وسائل الاعلام ضد غاندي البحرين؟”
الصورة التي نشرتها الصحافة البحرينية مؤخرا وتصور مراسل البي بي سي وهو جالس يتحدث مع هذا الدنماركي، تؤكد لنا ان ما تدعيه هذه الحركة المجوسية من ان هذا الدنماركي على فراش الموت هو كذب وافتراء. فالعالم كله رأى وشاهد هذا الدنماركي ولم يكن على فراش الموت ولم يعذب ولم ولم ولم، مما يؤكد ان تلك العبارات التي قيلت بحق هذا الدنماركي من قبل بيان حركة مجوس البحرين هي تخاريف وبطولات زائفة. قبحكم الله من أناس تنتهج الكذب بغباء واضح، ولكن ما الذي يتوقعه البشر من الثورة التكفيرية ومعتنقيها ومرتزقة الولي الفقيه.
نقطة ثانية مضحكة وهي وصف هذه الحركة المجوسية لهذا الدنماركي بأنه غاندي البحرين. فبعد ان مجدوا وقدسوا المجوس جاءوا اليوم ليجعلوا هذا الهندوسي مثالا لهم.  وهذا هو حال حركة مجوس البحرين. فبالأمس مجوس واليوم هندوس وغدا وثنيون... فهم يبحثون عن أي هوية لهم.

دروس في خطاب العاهل السعودي

محمد المحميد
الخطاب الذي تفضل به خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية، حفظه الله ورعاه، في لقائه الوفد المصري، والذي أعاد المياه إلى مجاريها والأمور إلى نصابها، يحمل في مضامينه دروسا عديدة من قائد عربي للأمة العربية، يكرس طبيعة العلاقات العربية التي يجب أن تبقى وتدوم وتستمر رغم كل التحديات، وهو خطاب يستحق التوقف والتأمل.
خطاب العاهل السعودي أكد أن خصوصية العلاقة بين السعودية ومصر هي أنها علاقة تاريخية، وليست صفحة عابرة، يمكن أن تتغير بتغير الأنظمة الحاكمة، ولا يمكن لأي كان كائنا من كان أن يعبث بها، بل هي أولوية لا تقبل الجدل أو المساومة عليها، أو السماح لأي فعل أن يلغيها أو يهمشها.
كما أن الخلاف العابر الذي وقع بين البلدين الشقيقين الكبيرين قام على أساس العتب لا على قواعد الخصومة، وهذا درس كبير في إدارة شئون الأمة العربية، ومسئولية عظيمة لا يدركها إلا الزعماء الكبار أمثال العاهل السعودي رعاه الله.
الدرس المهم والبارز في خطاب العاهل السعودي هو دعوته وأمله أن يقف الإعلام المصري والسعودي موقفاً كريماً، وليقل خيراً أو ليصمت، ولربما كان هذا التحدي البارز التي طغى على الساحة في ظل وجود بعض وسائل إعلامية حاولت أن تؤجج الخلاف وتصعد المشاحنات بين البلدين لأغراض وأهداف باتت معلومة في أن تبرز دول أخرى لقيادة الأمة العربية وهذا دور كبير لا يستطيع الأقزام القيام به، تماما كما لم يقدر أصحاب التأزيم على استغلاله واستثماره، فكان خطاب العاهل السعودي كالصفعة القوية في وجوههم جميعا.
وقد كشف الأستاذ فهمي هويدي الكاتب المصري المعروف أسوأ أمر على الإطلاق فيما وقع، وهو التناول الإعلامى الذى لم يخل من تطاول وتجريح، ولم يسلم منه أحد من المسئولين السعوديين، جراء ممارسات بعض الصحف الصفراء التي تعتمد الإثارة الرخيصة وبعض الأقلام التي اخترقت الساحة الإعلامية في غفلة من الزمن، وكانت النتيجة أن عددا غير قليل من حملة الأقلام المحدثين لم يتعلموا كيف يفرقون بين النقد و«الردح».
خطاب العاهل السعودي درس مهم في فترة زمنية مهمة ولحظة عصيبة للأمة العربية، نثق بأنها قادرة على تجاوز كل الأزمات في ظل وجود قادة وزعماء من أمثال الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود الذي له عظيم التقدير وكبير الامتنان وما يليق بمكانته الكبيرة في النفوس المخلصة.

من يبيع الوطن لا تنتظروا منه (اليباب) للتعديلات الدستورية

عبد المنعم ابراهيم
تصديق جلالة الملك المفدى على التعديلات الدستورية الجديدة هو خطوة نحو مزيد من الإصلاحات التي لا تتوقف في مملكة البحرين، وعلى الرغم من أن التعديلات شملت نقاطاً مهمة في صلاحيات (مجلس النواب)، ولعل أهمها صلاحية تغيير الحكومة في حالة عدم الموافقة على برنامجها السياسي، فإنّ هذه التعديلات لن تنال الرضا عمّن يسمون أنفسهم (معارضة)! وسوف يستمرون في سياسة الكذب والتضليل والافتراء على البحرين (شعباً وحكومة وبرلمانا ودولة) في وسائل الإعلام والمنتديات الغربية.
لماذا؟.. لأنهم ببساطة يملكون (أجندات خارجية) ليس لها علاقة بالإصلاح والديمقراطية في البحرين، إنهم يستخدمون وسائل الديمقراطية لإسقاط النظام في البحرين وتحويله إلى (دويلة) تابعة إلى إيران.. تماماً مثلما حدث في لبنان والعراق، والآن يمهدون الطريق لتحويل البحرين إلى نسخة من النموذج اللبناني بقيادة «حزب الله» هناك! والنموذج العراقي بسيطرة الأحزاب الطائفية المتطرفة والموالية لإيران قلباً وقالباً!
إنهم ليسوا (معارضة) ولكنهم يستخدمون هذه الكلمة في وسائل الإعلام الأوروبية والأمريكية لما لها من تأثير سياسي إيجابي على الرأي العام، ولأن (الغرب) لديه فكرة سائدة بأن الأنظمة السياسية في الوطن العربي (ديكتاتورية) وبالتالي فإنهم يتعاطفون مع كل شخص يقول: «أنا من المعارضة»! حتى ولو كان انتهازيا أو طائفيا أو لصا أو منتفعا أو مجرما! كل هؤلاء يتحولون في نظر (الغرب) إلى أنبياء وملائكة بمجرد أن يقولوا: «نحن المعارضة»!
التعديلات الدستورية الأخيرة لن تغير شيئاً البتة في مواقف هؤلاء، ولا تنتظروا منهم تغيير مسلكهم اليومي في أعمال العنف والحرائق واستهداف الشرطة والمواطنين والمقيمين بقنابل (المولوتوف) وترويع الآمنين بتفجير السلندرات وقتل الأبرياء.
لو كانوا يريدون (الديمقراطية) لما انسحبوا من البرلمان العام الماضي، ولما انسحبوا من ملتقى الحوار الوطني بعد ذلك! ولما رفضوا حتى المشاركة في تنفيذ لجنة تقصي الحقائق (د. بسيوني)!
باختصار شديد.. انهم لا يريدون (الديمقراطية) ويريدون أن يبقوا في الإعلام الأوروبي والأمريكي (معارضة)! حتى يسقط النظام في البحرين وتقام جمهورية إسلامية تحكمها (ولاية الفقيه) الإيرانية!.. ومن يبيع الوطن للأجنبي لا تنتظروا منه الزغاريد و(اليباب) للتعديلات الدستورية.

مَن يخدمُ الاستعمار

عبدالله خليفة
في الأوضاع المتأزمة الخطِرة المتصاعدة في الخليج قدمت الدكتاتوريةُ الإيرانيةُ خدماتٍ كبيرةً إلى الاستعمار، بجلبِ جيوشه وتمزيق لحمة الشعوب العربية والإسلامية، وتوسيع نهب الغرب لشعوب ودول الخليج.
عملية القمع الواسعة ضد الشعب الإيراني المترافقة مع خصخصة وإفقار للأغلبية السكانية والقبول بالحصار لإدامة مشاعر الفيتو الطائفي لدى جماهير البسطاء الإيرانيين، وأنهم مظلومون محاصرون من قبل الأعداء التاريخيين العرب والغرب، كلها مترابطة.
يقول أليكسي بوشكوف رئيس لجنة الخارجية في الدوما الروسي: «إن إيران تستخف بمخاطر السيناريو العسكري لمواجهة مشاكلها وتكرر الخطأ الذي ارتكبهُ الرئيس الراحل صدام حسين من قبل».
لكنه في الواقع ليس استخفافاً ولكنه مأزق رأسمالية الدولة العسكرية ذات القومية الاستبدادية التي تساعدها روسيا الاتحادية والتي تعيشُ وضعاً مماثلاً بشكل أخف. إن ما فعله ستالين من تصعيد العامة المتخلفين وسلطنتهم على الأرض والعباد والدماء وضرب القوى الديمقراطية الماركسية والليبرالية وعسكرة الدولة هو ما فعله رجالُ الدينِ الشيعة الكبار والعسكر في إيران.
ولم تستطع روسيا أن تتخلصَ من ميراث ستالين بسهولة مثلها مثل صعوبة تخلص إيران من إرث الخميني، وقد احتاجت روسيا إلى عقود من تفكيك لم يصل حتى الآن إلى الجذور وإلى الهياكل العسكرية الاقتصادية الحاكمة الشمولية.
ومساعدتها لها وإمدادها بالقوى العسكرية هو الإرث المشترك لشموليتين خطِرتين على شعوبهما وعلى شعوب العالم.
إن فكرَ اليسار والليبراليين الديمقراطيين الذي سُحق في الشموليات القومية لكلٍ من روسيا وإيران هو الإرثُ الذي يجب أن يتصاعدَ في الجارين ويزدهر وأن ترحلَ جماعاتُ الاتجار بالسلاح والبشر عن مسرح التاريخ. منذ لينين إلى الآن في روسيا ومن الشاه الأب إلى ولاية الفقيه، إرثانِ شموليان خرّبا تطور بعضهما، وتتوجا بهاذين الشكلين العسكريين، أحدهما يبيعُ لأن صناعاته ضعيفة، والآخر يشتري لأنه لا يجد سوى المقامرة العسكرية سبيلاً للبقاء!
وإضافةً لمساعدةِ الشموليةِ الإيرانية للهيمنة الروسية العسكرية على الشعوب، فإنها قدمتْ الخدمات الكبيرةَ للاستعمار الغربي، فهي مرتكزةٌ على فكرة التقوقع القومي المذهبي المشكل باستبداد فهي تسددُ الأقساطَ لقوى الاستعمار من لحوم الشعوب في المنطقة.
لقد قادت الضغوطُ الإيرانيةُ وعملياتُ التسلح المكثفة فيها ونشر الصواريخ ونشر القوات المسلحة على السواحل وفي الجزر العربية، دولَ الخليج لقطعِ الكثير من أموال الشعوب للصرف على مشروعات عسكرية هائلة للجانب الأمريكي وخاصة والغربي عامة.
من أخطر المشروعات المكلفة مشروع الدرع الصاروخية غير المتفق على نشره لضخامة تكاليفه واختلاف الدول الخليجية على من يشرف عليه.
(روبرت جوردون السفير الامريكي السابق في الرياض قال لرويترز: إن مجلس التعاون الخليجي هو منظمة منقسمة على نفسها بشكل عام. لم يتمكنوا من الاتفاق على عملةٍ مشتركة ومن النادر أن يحصل بينهم توافق حقيقي، وقال دبلوماسي يعمل في منطقة الخليج أن الأمريكيين سيشرفون على أي درع دفاعية لدول الخليج وهذا يجعل بعض الدول وخاصة السعودية تعيدُ التفكيرَ بشأن المشاركة، وأضاف: يريد الأمريكيون النظام لأسبابهم وتقييماتهم الدفاعية الخاصة لكنهم يريدون أن تدفعَ دولُ الخليج ثمنه وأن تستضيفه.
وبدأت إقامة درع صاروخية في الخليج خلال عهد الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش وتسارعت الخطى خلال عهد الرئيس باراك أوباما الذي أدخلتْ إدارتُهُ عقوبات أكثر صرامة على إيران
ويمكن أن يُعمل نظامٌ للإنذار المبكر مع السفن الحربية والمدمرات التابعة للبحرية الأمريكية المزودة بنظام أيجيس للصواريخ) جريدة الزمان العراقية، ٢ مايو ٢٠١٢
إنها ملياراتٌ غيرُ محسوبة عبر هذا النشاط الزاخر، أي هي نفقاتٌ هائلةٌ على حساب الناس، والدولُ الغربية التي تستطيع خلال أسبوع واحد لا غير أن تهرسَ المشروعَ النووي الإيراني والجيشَ والحرس معاً، لديها خططها هي الأخرى لحلب دول الخليج على مراحل طويلة. صواريخ وطائرات ودرع صاروخية، ومشروعات أخرى مكملة ونفقات فلكية، من أجل أن يوضع حد لمجموعات عسكرية لا تستطيع بأي حال من الأحوال أن تفعل شيئاً تجاه القدرات الغربية الهائلة.
الكثيرون يشتغلون على ابتزاز واستغلال الثروة البترولية في الخليج، وتقدمُ لهم الحكومةُ الإيرانيةُ كلَ المبررات، وتستغل شبكتها العنكبوتية الطائفية السياسية لشل المجتمعات العربية عن التطور الديمقراطي والتوحد وتوجيه الموارد نحو التنمية.
هي ليست مؤامرة مشتركة بل هي اختلافات في السير السياسي الاجتماعي للبلدان الشرقية الشمولية عن نظيراتها الغربية حيث دكتاتوريات الشركات العابرة للقارات وشركات النفط والسلاح، وكذلك مصالح الإدارات الحكومية في أمريكا والدول الغربية الأخرى تتضافر لاستنزاف الموارد العربية الخليجية، حيث يتنامى مشروعُ الدرع الصاروخية المكلف وبقية شبكة الرعب مع إدارة أمريكية تريد التجديد لنفسها، وتضرب من بعيد بعد حلب واسع للمليارات الخليجية.
لا يسع دول الخليج سوى الاعتماد على القدرات الغربية وقد وضعتهم المؤسساتُ الإيرانية في هذا الموضع الصعب الخطِر.

عوامل تسيير العلاقات السعـودية - المصرية

عبيدلي العبيدلي
ساذج سياسياً ومخطئ تحليلياً؛ من يعتقد أن سبب انفجار العلاقات السعودية هو اعتقال المحامي المصري الجيزاوي بتهمة محاولة إدخال شحنة صغيرة من مواد مخدرة، اعترف كما تناقلت وكالات الأنباء بحيازتها لكنه أنكر أنها تخصه. على نحو مواز واهم من يعتقد أن الأمور عادت إلى مجاريها، بمجرد رجوع السفير السعودي في مصر أحمد القطان إلى القاهرة، استجابة لمطالب المتحدثين المصريين في الكلمات المتبادلة التي ألقيت أثناء التقاء خادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي عبدالله بن عبدالعزيز بالوفد المصري العالي المستوى، الذي غادر القاهرة متوجهاً إلى الرياض من أجل احتواء أزمة مهاجمة السفارة السعودية في مصر قبل أن تتفاعل عناصرها، وتبلغ مستوى يصعب التحكم في تداعياته. إن طبيعة وتداخل العلاقات السعودية - المصرية أكثر تعقيداً وتشابكاً من أن تهزها حوادث عرضية، آنية من مستوى اعتقال المحامي المصري أو الاعتداء على السفارة السعودية، وهي موغلة في التاريخ، وتعود إلى أيام كانت مصر تتكفل بنسج كسوة الكعبة سنوياً، وإرسالها على محمل خاص يرافقها فيه حجاج ذلك العام. لكن ومن أجل الحصر التاريخي يمكن العودة بها إلى أول تغيير سياسي عرفته مصر، بعد الإطاحة بالملك فاروق في مطلع الخمسينات من القرن الماضي، وتولي حركة الضباط بقيادة اللواء محمد نجيب، ولاحقاً البكباشي جمال عبدالناصر إلى السلطة، والتي لم تكن، كما يؤكد محمد حسنين هيكل، في أي يوم من الأيام ثنائية صرفة، بفضل المكانة التي تحتلها الدولتان على الصعيد السياسي، وفي مرحلة لاحقة، بعد اكتشاف النفط بكميات ضخمة في السعودية، على المستوى الاقتصادي. من يرغب في وضع تصور لمستقبل العلاقات السعودية – المصرية، لابد من أن يتجاوز تلك الحوادث العابرة، ويرى الصورة في إطارها الأوسع، الذي يشمل المسارات التالية: 1. اللوجستي - الاستراتيجي، فلكليهما شواطئ وممرات استراتيجية على البحر الأحمر التي تبدأ بقناة السويس، قبل أن تصل إلى نهاياتها عند مضيق باب المندب، الأمر الذي يزج، موضوعياً، بأية علاقة بينهما، وبشكل مباشر، في موازين الصراع العربي الإسرائيلي، إذ لا يستطيع الكيان الصهيوني أن يستغني عن مدخل إيلات، ولا إغفال أهمية باب المندب، على المستويين العسكري والتجاري. يضاعف من هذه الأهمية إطلالة الشواطئ السعودية الشرقية، على الضفة الغربية للخليج العربي، الأمر الذي يضعها في خط الدفاع العربي الأول، في التنافس العربي – الفارسي. هنا يبرز التكامل المفصلي، الذي يفتح أيضاً مجالاً واسعاً لتعميق العلاقات المصرية – السعودية، وحسن تجييرها لصالح الطرف العربي في ذلك الصراع. 2. الاقتصادي - المالي، وليست هناك حاجة للغرق في لجة بحر الأرقام، تكفي الإشارة، وكما تردده مصادر رسمية في البلدين، إلى “أن حجم التبادل التجاري بين السعودية ومصر يعادل 4 مليارات دولار أمريكي، كما يبلغ حجم الاستثمارات السعودية في مصر 5 مليارات دولار”. وقد ذكرت تقارير اقتصادية “أن حجم الاستثمارات السعودية في مصر في الوقت الحالي تصل إلى 23 مليار دولار وتعتبر الأكبر بين دول العالم، وأن الشركات السعودية ضخت في الاقتصاد المصري حوالي 22.8 مليار دولار منذ عام 1970 إلى شهر مارس من العام 2012، حيث يصل عدد الشركات إلى 2769 شركة”. وحتى بعد الأحداث الأخيرة التي عصفت بمصر، قدمت السعودية في 22 مايو 2011، “حزمة مساعدات تبلغ أربعة مليارات دولار تعهدت السعودية بتقديمها إلى مصر تتضمن وديعة في البنك المركزي المصري بمليار دولار وشراء سندات بقيمة 500 مليون دولار”. وفي هذا الإطار، ومن الجانب المصري، يؤكد رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية السعودية أحمد الوكيل “أن حجم الاستثمارات المصرية في المملكة يبلغ نحو 700 مليون ريال، مشيراً إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين تجاوز أربعة مليارات و750 مليون دولار في عام 2011، وحدثت زيادة في الربع الأول من العام الحالي 2012 بنسبة 50% لتتجاوز حاجز خمسة مليارات دولار مع نهاية العام الحالي، لافتاً إلى أن السياحة السعودية تشكل نسبة 20% من السياحة العربية الواردة لمصر”. يضاف إلى ذلك حجم الجالية المصرية في السعودية الذي يؤكد السفير المصري في السعودية محمود عوف، “أنها تضم أكبر جالية للمصريين فى الخارج بما يقرب من مليون و750 ألف مصري”. 3. الديني – العقيدي، القائم على وجود مكة المكرمة والمدينة المنورة، على حد السواء فوق التراب السعودي، وبالمقابل احتضان قاهرة المعز لـلأزهر الشريف، وتكاملهما في أي مشروع يسعى لبناء علاقات حضارية – دينية مع العالم غير الإسلامي. ولعل في التنسيق الذي قام بين الدولتين، في مواجهة أطروحات “صدام الحضارات” الذي روجت له واشنطن أبلغ دليل على الحاجة المتبادلة للتنسيق بين الدولتين لخوض أية معارك مستقبلية محتملة. وقد أطرت هذه العلاقة من خلال اتفاقيات موثقة بين البلدين، لعل أبرزها تلك التي وقعها مفتي الديار المصـرية علي جمعـة مع وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودي صالح آل الشيخ بين دار الإفتاء المصرية ووزارة الشؤون الإسلامية حول نهج الفتوى واعتبار أن الاختلاف في وجهات النظر يعتبر اختلاف تنوع وليس اختلاف تضاد” . أخذاً بعين الاعتبار كل هذه العوامل التي تسيّر العلاقات السعودية المصرية، وربما غيرها لكنها لا ترقى إلى مستوى أهميتها، يمكن استقراء مستقبل تلك العلاقات على النحو التالي: سيسعى الطرفان، كما شاهدنا في لقاء العاهل السعودي بالوفد المصري الكبير على “لملمة الأزمة”، من أجل الحيلولة دون تفاقمها في البداية، واحتواء ذيولها في مراحل لاحقة، نظراً لاحتياج العاصمتين إلى تهدئة جبهات الصراع، الداخلية وحتى الخارجية، نظراً لانشغالهما في قضايا أكثر مصيرية، وأشد إلحاحاً. فبالنسبة لمصر، هي في أمس الحاجة إلى تجميد أي نوع من الخلافات، نظراً لحرصها على تجاوز أزماتها الداخلية، والأهم في قائمتها هي الانتخابات الرئاسية التي تنذر بتفجر الأوضاع في اتجاهات مختلفة يصعب التكهن بها ما لم يجر العمل للتحكم في مساراتها. بدورها الرياض، أمامها الوضع الخليجي المتأزم، داخلياً، يضاف إليه تفاقم الأوضاع في اليمن، التي لا تستطيع السعودية تجاهلها، لما لها من انعكاسات داخلية عليها، تستمد مقوماتها من الجذور التاريخية للعلاقات اليمنية – السعودية، وهناك الدور الذي ينتظرها لتسوية أزمة العلاقات العربية – الفارسية، في ضوء الأوضاع المتفجرة التي خلقتها تصريحات الرئيس الإيراني نجاد إلى الجزر الإماراتية المحتلة. يلي مرحلة الاحتواء هذه، معالجة استراتيجية متكاملة لمستقبل تلك العلاقة في ضوء عنصرين أساسيين مستجدين: الأول هو النتائج التي ستسفر عنها الانتخابات الرئاسية المصرية، والثاني هو الإصلاحات، التي ألمحت لها الرياض، والمتوقع حدوثها في فترة قريبة قادمة.

أصحاب الشعارات الزائفة .. إما يقولوا خيراً أو يصمتوا

جاسم بونوفل
في كل مرة يبرهن جلالة الملك أمام شعبه والعالم أن خيار البحرين للديمقراطية كمنهج وطريقة للحكم، هو خيار لا رجعة عنه مهما كانت الصعاب والمنغصات والمكدرات التي قد تحول دون استمرار هذا النهج في الحكم. لذا فهو في أكثر من مرة وفي أكثر من مناسبة يصرح أن المشروع الإصلاحي الذي أطلقه منذ تسلمه زمام الأمور في البلاد سوف يستمر وأن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء. فالبحرين ماضية في تجربتها الديمقراطية وهي تسعى باستمرار إلى ترسيخ هذه التجربة وتطويرها بما يحقق مزيداً من المشاركة الشعبية في إدارة شؤون البلاد السياسية والاقتصادية، وكما قال جلالته في كلمته السامية التي وجهها يوم الخميس الماضي بمناسبة التصديق على التعديلات الدستورية: “إن الإصلاح الذي كان منطلقنا منذ تولينا مقاليد الحكم، لن يتوقف فالتطور هو سنة الحياة، وما نتأمله في هذه المرحلة المهمة أن تبادر مختلف القوى والتجمعات الوطنية من ذاتها إلى تقويم عملها واللحاق بركب التطور والإصلاح”. إن المتأمل في هذه الكلمة الضافية لعاهل البلاد حفظ الله سيجد أنه حريص على مشاركة كل القوى السياسية في تطوير المشروع الإصلاحي؛ لذا فهو لم يوصد الباب في وجه القوى السياسية التي تخلفت عن حضور جلسات حوار التوافق الوطني بمحض إرادتها وذهبت إلى تأزيم الوضع السياسي، بل نراه كثيراً ما يدعوها إلى مراجعة مواقفها بأن تسلك الطريق الصحيح في تعاطيها للشأن السياسي وأن تتخذ قرار الالتحاق بركب الإصلاح. وفي ظني أن هذه الدعوة نابعة من إيمانه الشديد بأهمية مشاركة كل الأطياف والفعّاليات والقوى الوطنية في العملية السياسية دون أن يستثني أحد منها، وهذا يعني أيضاً أن الباب لايزال مفتوحاً أمامها وأن تراجع حساباتها السياسية، ومواقفها المتصلبة إزاء العملية السياسية وتلحق بقطار الإصلاح الذي انطلق في اليوم الثالث من مايو الحالي. السؤال المهم الذي يطرح الآن وبقوة في الشارع السياسي البحريني هو، هل تستجيب القوى السياسية التي تقود الشارع حالياً لهذه الدعوة الكريمة؟ في ضوء رصد ردود أفعال هذه القوى، وفي إطار ما يجري على واقع الأرض فإن كل المؤشرات تشير إلى أن هذه القوى لم تغير مواقفها السابقة، لذلك جاءت ردود فعلها سلبية على هذه التعديلات وتتماهى مع رؤاها المعروفة التي تنظر إلى كل ما يصدر عن الدولة بعين الشك والريبة. والتعديلات الدستورية الأخيرة لن تشذ عن هذه القاعدة فكونها جاءت متناغمة مع رغبات الحكومة، فهذا يعني أنها تصب في مصلحتها وليست في مصلحة الشعب كما تزعم.. وهذا قول غير صحيح البتة ومجافٍ للحقيقة؛ لأن الصحيح هو أن هذه التعديلات ليست من صنع الحكومة بل هي إحدى مخرجات مرئيات حوار التوافق الوطني الذي انعقد في فبراير2011م الذي شاركت فيه كل القوى الوطنية والأطياف السياسية التي تسعى بكل حب وإخلاص لرسم صورة جميلة للبحرين نابعة من رغبات وحاجات المجتمع البحريني، وليس من صنع الحكومة كما تدعي تلك القوى. لكن لأن التعديلات جاءت على عكس هواها وهي التي أرادت تفصيل الدستور حسب مقاساتها ووفقاً لأهوائها السياسية وطبقاَ لأجندتها الخاصة، فهي من المؤكد أنها ستطعن في هذه التعديلات ولن تقبلها حتى وأن حاول أعتى خبراء وفقهاء القانون الدستوري إقناعهم بوجاهتها ومردوديتها على تجربتنا الديمقراطية، فإنهم لن يقبلوا بها، بل أن الأمر لن يقف عند هذا الحد بالنسبة لهم إذ إنهم سيذهبون كعادتهم إلى التقليل من شأنها ونعتها (بالسطحية والشكلية) إلى آخر تلك الألفاظ في قاموسهم السياسي؛ لأن الإقرار بها والاعتراف بجدواها ينهي الأزمة التي افتعلوها، وإنهاء الأزمة بهذه الطريقة الحضارية يصطدم مع تحقيق مشروعهم وحلمهم السياسي. لذا علينا ألا نستغرب من سعيهم المستمر بكل وسيلة قانونية أو غير قانونية من افتعال الأزمات وإبقاء البحرين ساحة مفتوحة للغليان السياسي. إذ إن ليس من مصلحتهم استحسان هذه التعديلات أو قبولها؛ لأن في قبولها معنى واحداً وهو غلق ملف الاضطرابات والاحتجاجات السياسية وهذا ما لا يتمنونه. لهذا السبب فإني على يقين بأن التعديلات الدستورية لن توقف المظاهرات والمسيرات مع أنهم مقتنعون في داخل أنفسهم بأنها تصب في مصلحة شعب البحرين وهي كذلك بالفعل؛ لذا نتوقع في الأيام القادمة -ونتمنى ألا تكون توقعاتنا صحيحة- أن تشهد الساحة المحلية تصعيداً في الاحتجاجات وتأجيجاً للشارع تحت مبررات واهية بقصد إطالة الأزمة واستمرارها ولدفع الدول والمنظمات الدولية التي لها مصالح في المنطقة لتمارس ضغوطها على البحرين بهدف تمرير مشاريعها والرضوخ لمطالبها. خلاصة القول إن الأيام تثبت لنا بما لا يدع مجالاً للشك أن قيادتنا السياسية عازمة كل العزم على مواصلة مسيرة الإصلاح التي بدأتها، يدعمها في هذا الاتجاه الشرفاء والمخلصون من أبناء هذه الأرض الطيبة، ولذلك فهي لن تقف عند أصحاب الشعارات الزائفة التي نتمنى إما أن تقول خيراً أو تصمت.

يقولون .. الأمور طيبة

فيصل الشيخ
كلمة “يقولون” بحد ذاتها مشكلة، لأنها تستند على أساس غير موثوق، ومبنية على ما يتم تناقله في أوساط الناس، كأن يأتي أحدهم ويقول بالنص: “يقولك” أو “يقولون” بأن هناك تغييراً وزارياً قريباً، على سبيل المثال. أو أن يأتي أحدهم ويقول في مثال آخر بأنهم “يقولون” بأن القانون سيتم تطبيقه بلا تهاون ولا أحد فوق القانون، أو “يقولون” بأن هناك زيادة للرواتب وإسقاطاً لكافة القروض! طيب المشكلة هنا في كنه “هؤلاء” المشار إليهم بأنهم “يقولون”، إذ من هم الذين يقولون؟! كثيرة هي الأمور التي تحصل في البلد هذه الأيام، وكثيرة هي الأمور التي تحتاج إلى تفسيرات وإيضاحات من جهات رسمية بحيث تشفي غليل السائلين من مواطنين، إذ بعض المسائل وصلت لدرجة من الغموض بحيث بتنا نحتاج إلى مؤتمرات صحافية يومية توضح للناس المخفي من الأمور. اليوم نرى عرضاً لمشاهد في تلفزيوننا على سبيل المثال لشوارع البحرين وكيف أنها سالكة، وبالتالي هناك من الناس من يقول بأنهم “يقولون” إن الأمور طيبة، لكن في جانب آخر هناك أناس أيضاً “يقولون” بأن شوارع أخرى غير سالكة وفيها عمليات تخريب وهجمات على الشرطة بالمولوتوف، وتأتي بعد ذلك تصريحات من وزارة الداخلية (طبعاً التويتر يسبق التصريح الإعلامي الرسمي) لتؤكد صحة ما “يقولون” من عدمه، لكن يبقى الناس في “حوسة” ما يسمى بظاهرة “يقولون”. الغريب حينما يخرج بعض الشخصيات ليقولوا بأن “الأمور طيبة”، وليبدأ الناس بتناقل الكلام باعتبار أن فلاناً وعلاناً من المسؤولين وغيرهم “يقولون” بأن الأمور طيبة وأن الوضع مستتب والأمن مستقر. طيب نصدق مَن هنا، من يقولون، أو من ينتهون في ختام كل مشهد إرهابي في المستشفيات، وأغلب الزوار هذه الأيام من رجال الأمن المصابين جراء “سلمية” المولوتوف؟! نعم هناك حوادث إرهابية تحصل يومياً وتستهدف يومياً رجال الأمن، نقرأ عنها في الصحف ووسائل الإعلام المقروءة أو نجد أخباراً عنها في وسائل الإعلام الاجتماعي لكننا لا نجدها في الإعلام الرسمي عبر الشاشة وبشكلها اليومي وحجمها المتزايد، ونسأل هنا عن الحكمة فلا نجد إجابة. عدم إبراز الإرهاب بشكل يصل إلى المستوى الإقليمي والخارجي مسألة خاطئة تماماً والتبرير لها موضع نقاش، إذ بقدر ما هي إصلاحات البحرين بارزة وخطوات جلالة الملك حفظه الله في اتجاه تعزيز مكاسب العملية الديمقراطية في البلد جلية لمن ينظر بعين منصفة، وبقدر ما “حرقت” الخطوات الإصلاحية التي اتخذت خلال السنة الماضية “دجل” المغرضين وكارهي البحرين والمحرضين، بقدر ما نحتاج لبيان ما تتعرض له البحرين يومياً من إرهاب بشكل أقوى عبر كل وسيلة إعلامية ممكنة ومتاحة للرد على الكذب بالحقيقة أقلها. نعود لكلمة “الأمور طيبة” باعتبار أنها باتت غير مقنعة؛ إذ لا يمكن أن يقبلها المواطن البسيط في وقت يرى ويسمع فيه أنباء عن حوادث إرهابية يومية، وعن استهدافات لرجال الأمن، وعن رمي للمولوتوف وعن مسيرات غير مرخصة وعن تجمعات يتم فيها ممارسة نفس الأفعال الانقلابية والتسقيطية التي مورست في الدوار، باتت غير مقنعة لأن وسائل الإعلام الغربية بعضها مازال متبنياً لما يقوله أي كذاب يخرج عليها بكذبة أو فبركة جديدة باعتبار أن الطرف الآخر لا يتحدث أو لا يتحرك بنفس المستوى الإعلامي المطلوب. من يريد القول بأن “الأمور طيبة” اليوم عليه أن يحدد لنا النسبة المئوية لها، إذ إلى أي مستوى هي “طيبة” هذه الأمور، هل هي تعني مائة في المائة أم جزئية بسيطة جداً مرتبطة بفعالية هنا أو معرض هناك أو احتفال في تلك الجهة، المسألة تقاس -وأعني القول بأن الأمور طيبة- بمستوى استقرار البلد، ونسبة الأمن والأمان فيه، سواء للمواطن أو للمقيم، وهذا المستوى لا يتحقق إلا عبر تطبيق القانون بشكل صحيح، بما يردع من استهوى ممارسة الإرهاب عن تكرار هذه الهواية، وبما يدفع الراغبين في سلك نهجه للتفكير ألف مرة. عن نفسي سأقول بأن “الأمور طيبة” بنسبتها الكاملة حينما أرى الأمن يعود لبلدي بشكل كامل، وحينما أرى الإرهاب يُقطع دابره، وحينما أرى القانون يطبق بلا تراخٍ أو تهاون على من يتجاوزه مهما كان شكله وحجمه واسمه. حينما تعود البحرين كما كانت دولة يُحترم فيها القانون، ويسود فيها القانون، حينها سأصدق من يقولون أو من ينقل عن أشخاص بأنهم يقولون إن “الأمور طيبة”.

طائفية السلمانية.. حولوا نصف ميزانيته للعسكري

هشام الزياني
مهما حاولنا أن نقول للناس إن مستشفى السلمانية أصبح أفضل من قبل؛ إلا أن الناس يرفضون هذه المقولة رفضاً باتاً وقوياً. الخوف من الذهاب لمستشفى السلمانية بسبب ممارسات مجموعة من الأطباء والطاقم الطبي وربما الموظفين؛ تجعل الناس يبحثون عن مكان آخر للعلاج حتى وإن كان بأسعار مرتفعة. ما حدث للأسرة التي وقع عليها هجوم إرهابي بتفجير عبوة غاز (وأصيبت بسببها الأم والابن في مستشفى السلمانية قبل أن ينتقلا للمستشفى العسكري) مع طبيب في السلمانية يحتاج إلى وقفة من الوزير الفاضل صادق الشهابي، حيث روت الأسرة أن الطبيب كان يريد أن يلقي بالحادث إلى حادث منزلي، وليس بفعل فاعل وبفعل إرهابي، فكان يقول للأسرة “أنتم كنتم في المطبخ وانفجر السلندر” فكانت المريضة تقول له: لا الانفجار حدث بقرب البيت بفعل فاعل، ثم يعود الطبيب ليقول لها “سلندر المنزل انفجر عليكم”، وهذا يعني أنه يريد أن يفرض عليها فرضية بذاتها حتى لا يصبح الحادث إرهابياً، وهذا الأمر خطر للغاية. هذا كله يبين أن السلمانية مازال يعاني من التمييز الطائفي، وربما مازال محتلاً، أو أنه يحتاج إلى زلزال يضرب كل رؤوس الطائفية في هذا المستشفى الذي ينبغي أن يقدم خدمات إنسانية للجميع مواطنين ومقيمين. أما الحدث الآخر والذي نطلب من الوزير أن يتحقق من صحة الواقعة، فقد روي عن الأسرة التي حدث لها التفجير ذاته أن سائق سيارة الإسعاف كان يقول للأسرة (أنتوا ما فيكم شي ليش تكبرون السالفة، المفروض تروحون البيت)، إن كانت هذه الواقعة صحيحة -وأنا لا أستبعدها بعد ما جرى لنا في الأزمة. فإنني أطالب وزير الصحة بإجراء تحقيق فيها، وإن ثبتت صحتها يجب أن لا يعمل سائق إسعاف وهو لا يملك المسؤولية ويميز بين المرضى على أساس طائفي. ما أريد أن أطرحه على الحكومة وعلى السادة النواب هو الآتي؛ في زيارة لي قبل أيام للمستشفى العسكري وجدت حالة غير طبيعية من الزحام، كل صالات الانتظار دون مبالغة ممتلئة، وهذا يظهر أن السواد الأعظم من أهل البحرين يبحثون عن العلاج في أي مكان آخر غير السلمانية بعد سلسلة حوادث الإجرام التي حدثت هناك. وهذا يجعلنا نطالب بتوسعة المستشفى العسكري توسعات كبيرة وتخصيص ميزانيات لهذا المستشفى من أجل أن يكون المستشفى الأول في البحرين، حتى وإن كان مستشفى مختصاً لقوة دفاع البحرين. الذي أنا بصدده هو الآتي؛ ما دام السواد الأعظم من أهل البحرين لا يستطيعون العلاج في السلمانية، والدولة تخصص ميزانيات ضخمة للمستشفى ولوزارة الصحة، فيجب أن يحول جزء كبير أو نصف ميزانية السلمانية إلى ميزانية المستشفى العسكري، هذا ما نطالب ببحثه من مجلس الوزراء ومن المجلس التشريعي. زيارة صباحية واحدة للمستشفى العسكري سوف تجعلكم تصابون بالذهول رغم أن سعر العلاج هناك مرتفع لغير العسكريين، حتى أن موقفاً للسيارة لا يمكن الحصول عليه إلا خارج المستشفى. ما دامت الدولة تدفع ملايين الدنانير من أجل مستشفى السلمانية الذي يجب أن يكون لجميع المواطنين والمقيمين، والسواد الأعظم كما قلنا لا يذهب إلى هذا المستشفى بعد أن تلطخت سمعة المهنة وبعض الأطباء والطاقم الطبي والموظفين جراء هذه الممارسات، فيجب أن تقسم الميزانية وتعطى للمستشفى الذي يتوجه إليه الناس. هذا ما نطالب ببحثه في السلطتين التنفيذية والتشريعية.
رذاذ من المؤسف في هذا الوطن أنه ليس لدى الدولة ردات فعل تساوي فعل الإرهاب والإجرام، كما يحدث من تفجيرات بقنابل عن بعد وحين يصاب رجال الأمن إصابات بالغة. ردات الفعل دون المستوى، الإرهاب يتعاظم، والأمن يتراجع، وحتى الجناة لا يُقبض عليهم، وإن قُبض عليهم تم إخراجهم أو الحكم عليهم بأحكام ضعيفة. كيف تريد الدولة أن تتعافى من الإرهاب؟
الكاميرات مثبتة في أغلب الشوارع والإرهاب يزداد، إذاً لماذا هذه الكاميرات؟ ماذا تصور، هل تصور الشباب المنفرد..؟ هؤلاء لا يرهبون، صوروا المجرمين والإرهابيين)..!!