Monday, May 21, 2012

بسيوني أم مع لاريجاني

صلاح الجودر
أبرز مطالب مسيرة الجمعة للجمعيات الشيعية المعارضة (لبيك يا وطن) كانت تنفيذ توصيات اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق والمعروفة بتوصيات بسيوني، وعلى هذا الأساس تم التحشيد لإخراج الناس من بيوتهم والدفع بهم على شارع البديع، وتم الهمس في آذان الناس بأن المطلب الرئيسي سرعة الحكومة في تنفيذ توصيات بسيوني!!، ولكن في ثنايا المسيرة كان خلط السم بالعسل، وتضليل الناس بشعارات ثورية مهلكة، وهذا ديدن الجمعيات السياسية أو من يقف خلفها، فتم رفع شعار (لا للإتحاد الخليجي)، الإتحاد الحلم الذي ينتظره كل أبناء الخليج دون استثناء، بمن فيهم أبناء البحرين، فمن من أبناء الخليج يرفض التحول من مستوى التعاون إلى درجة الإتحاد؟!، فالجميع يعلم بأن المجلس الخليجي بقادته هو الذي دفاع عن هوية دول الخليج العربية حينما قامت الحروب الثلاث في المنطقة، الحروب التي كانت إيران طرفاً رئيسياً فيها، وشريكاً داعماً لتغير بعض الأنظمة في المنطقة بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية حينما تقاطعت مصالحهما الأقليمية ضمن مشروع الشرق الأوسط الجديد. المؤسف له أن دعاة الفتنة والمحنة لازالوا مصرين على تفتيت المنطقة الخليجية، وتمزيقها تنفيذا للمخطط التدميري لتغير هوية أبناء المنطقة، فبعد عام كامل من الأحتقان بسبب الأعمال العنفية التي خلفوها في دوار مجلس التعاون، ها هم اليوم يسعون لإيقاف مشروع الإتحاد الذي يحلم به كل أبناء الخليج، فمرحلة التعاون قد استهلكت كل طاقتها، ولا بد من التحول إلى الإتحاد لمواجهة الأخطار المحدقة بالمنطقة. لو كانت مسيرة (لبيك يا وطن) بإرادة شعبية ووفق القانون والنظام لقبلها المجتمع على مضض كما قبل فترة المسيرة القرقاعونية التي دعا لها الشيخ عيسى قاسم، ولكن لأنها مسيرة قادمة من إيران، وفق أجندة إيرانية لقياس مدى أنصياع وطاعة شعوب المنطقة العربية للأوامر الإيرانية، فهذه المسيرة كانت موجهة في المقام الأول للمصابين بداء المذهبية والعشوبية، لذا رفضها أبناء الوطن لأنها تدخل صارخ في الشئون الداخلية للبحرين. بعد صلاة الجمعة بطهران خرجت مظاهرة مدعومة من التيار الديني الإيراني تطالب شعب البحرين برفضه للإتحاد الخليجي والتقارب والتكامل مع الشقيقة السعودية، ورفعت في المظاهرة شعارات كثيرة تتطاول وتنال من القيادة السياسية في البحرين والسعودية ودول الخليج الأخرى، وترفع شعار (هيهات منا الذلة)، بعدها بساعات قليلة تخرج على شارع البديع مسيرة مماثلة في الصوت والصورة، ترفع نفس الشعارات وتطلق نفس العبارات، المسيرتان نقلتهما وكالات الأنباء للتأكيد على تبعية مسيرة البديع لمسيرة طهران. مسيرة (لبيك يا وطن)التي نظمتها جمعية الوفاق وتوابعها من الجمعيات الليبرالية إنما خرجت بأوامر من طهران، وهذا أمر ليس بخاف على أحد، ولا يمكن نكرانه، فبعد تصريحات رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني خرجت الجمعيات المعارضة والمسجلة تحت قانون الجمعيات السياسية في البحرين لتعلن رفضها لفكرة الإتحاد، وتأييدها لما صرح به رئيس مجلس الشورى الإيراني، وتبنيها لمسيرة (لبيك يا وطن) للتأكيد على الانتماء الإيراني والولاء الفارسي، فلم نسمع منها رفض أو استنكار لتدخل بعض القيادات الإيرانية في الشأن الداخلي للبحرين، بل كان الصمت والسكون، ومن ثم التنسيق للخروج دعماً ومساندة للمشروع الإيراني في المنطقة. شعار(لبيك يا وطن) ليس المقصود منه البحرين بأراضيها وبحارها وسماءها وناسها، فجميع الأعمال العنفية في الشارع تؤكد بعدهم من ذلك الشعار، ولكن لبيك يا وطن هو المقصود فيه هي إيران التي أصدرت أوامرها، من هنا جاءت التلبية للتأكيد على الأرتباط بالوطن الأم(إيران)، والأنصياع لأوامرها، وهذا ما جرى في العراق حينما تدخلت إيران في الشأن العراقي الداخلي بإصدار مجموعة من الفتاوى التي لاقت الترحيب الحار فكانت سبباً في تقسيم العراق وتحويله إلى كنتوات طائفية وعرقية. من هنا يثار تساؤل كبير في المجالس والمنتديات، هل المسيرة التي أنطلقت على شارع البديع تطالب بتطبيق توصيات بسيوني أم أنها تأكيد لتوجيهات لاريجاني؟!.

فوبيـــــــا السـعوديــــــــــة

طارق العامر
لم تخرج الوفاق لتندد بالتصريحات الإيرانية، لم نشاهد أنصارها وهم يحرقون العلم الإيراني، ولم نسمعهم يطالبون بطرد السفير الإيراني، الوفاق ثارت فنثرت حمائمها ضد انضمام البحرين للاتحاد الخليجي، ولكنها لم تثر ضد جحافل بني صفيون حين طالبوا بضم البحرين لإيران، هذه عمق المهزلة التي ساقنا إليها الوفاقيون، وهو أداء دور الخيانة والتساوق مع المشروع الصفوي، الجميع شاهدهم واستمع لهم على القنوات الفضائية الصفوية العميلة وحتي «الصديقة» وجميعهم قدموا أداء جيدا وأحياناً جيد جداً ولكنه لم يتجاوز حدود الخيانة. كنت أظن مثل غيرى إذن أن خيانة الوفاق مسألة فيها نظر، او لحظة عابرة، دافعها الخصومة او المناكفة السياسية او العناد او البغضاء، لكن تبين أن هذا لم يكن صحيحا، فالخائن كالذبابة، يـترك الوردة ويذهب إلى القمامة، الا لعنة الله على من جعل الخيانة شرفا ومن الوطنية سيبلا للخيانة!! لهذا انتهينا ومات الكلام عن اي حوار، فمثل هؤلاء لا فائدة في الحوار معهم.. هل يمكن أن توافقني عزيزي القارئ وتعينني على أداء دور المعارض لأي حوار قادم؟ أسمحوا لي، فلقد بدأت بالقفز فوق المرحلة التى نعيشها، لأن المسألة اختلفت تماما، ولحظات المهادنة والتهدئة واللين والأسلوب الحضاري في التعامل، انتهت!! اليوم على الدولة أن تدرك بأنها اصبحت تتعامل مع أردأ أنواع البشر، استبدلوا عروبتهم وأوطانهم وإنسانيتهم وقوميتهم ودينهم، بعمامة ايرانية لا تسوى عند الله جناح بعوضة. لماذا ترفض الاتحاد يا هذا؟ هذا هو السؤال الذي يجب ان تواجهوا أنفسكم به، فالاتحاد كفكرة، لا يضركم في شيء، ولا تخشونه منه شيء، ولا يزعجكم بشيء، لو كان الاتحاد مع ايران – لاقدر الله – او كان مع جميع دول الخليج العربي، من دون المملكة السعودية -تحليلي بالتأكيد صحيح وتوافقني عليه- اذا المشكلة في السعودية، بمعني اكثر دقة وشمولية ووضوح، هي «فوبيا السعودية»، وهو خوف مبرَّر تماما، لكون حلم «جمهورية ولاية الفقيه» سيتبدد الى مالا نهاية على يد السعودية، وذلك بخلاف التبعات التي سيخلفها الاتحاد مع السعودية!! افتح قوس «...» ثم تخيل ماذا سيكون في داخله، وبالمناسبة هو خوف قد تملك أن تتعالج منه، او تتعايش معه حتى لو كنت لا تتقبله، لكن لا تملك ان ترفضه!! نعم، فقد قضي الأمر، والبحرين مقبلة على مرحلة رائعة وعظيمة مع الاتحاد الخليجي، والمستقبل بات واقعا ومن المحال تغييره، وما هي الا لحظات في عمر الزمن ..شهر أو شهرين او ثلاثة.. «ويتحقق هذا الحلم الذي اشتد الشوق اليه منذ عقود، شاء من شاء، وأبى من أبى». هذا هو الواقع وهذه هي الحقيقة، وانا مدرك جيدا أن لا أمل في أن تعترفوا بهذه الحقيقة، ذلك لأن المسافة بينكم وبين إدراك الحقيقة مسافة هائلة لعلكم حين «ترتحلون الى ايران» ستجدون وقتا للتفكير والتأمل وغالبا لن تصلوا إلى الحقيقة الكبرى وهي أنكم فشلتم وأغرقتم انفسكم في غياهب المستقبل، لكن أفضل ما سيكون في هذا المستقبل هو غيابكم عنه وعن المشاركة فيه! في نهاية المطاف، ليس في وسعي سوى أن أدعو الله أن يحرمكم صحبة الشرفاء الذين سيمضون الى الاتحاد -قولوا آمين- وأن يحشركم في زمرة من قضيتم أعماركم تخونون معهم الوطن وتتآمرون عليه.. يارب، ارنا فيهم يوما أسودا.

عجـــــــــــــــــــــــــــبي

سعيد الحمد
هذه علامات تعجب بصيغة استنكارية فرضتها مرحلة ضبابية في الوعي وفي فكر بعض شرائح الانتلجنسيا الذين فشلوا في ادارة مشاكل الواقع بواقعية كانوا يدعونها يوما وتعلقوا بأذيال عمائم الدوار في لحظة اخترقتنا فيها علامات تعجب بصيغة استنكارية في الانقلاب على الذات وعلى الفكر والثقافة والموقف. انتهازية طائفية منذ البداية الأولى لتكوينه الاول كان يبحث عن دور أكبر من حجمه وأكبر من امكانياته وأكبر من محدودية ثقافة العناوين التي لم يغادرها.. جرب كل شيء وجرب كل مكان ولم يجد ضالته فسرعان ما نكتشف لعبته فيهمش كونه يبحث عن زعامة او موقع بين الصفوف متقدم لا يملك شروطه.. عجزه الذاتي جعله ضد الجميع.. لم يعجبه.. فمرة كان يساريًا يتزيّد على اليساريين ومرة قوميا لم يعجبه القوميون ومرة كان اسلاميا ألقى مراسيه عند الاسلاميين المتطرفين فهمشوه كما همشه السابقون الذين اكتشفوا نزوع الزعامة فيه وخواءه من الداخل. واخيراً وجد ضالته في ركوب الموجة الطائفية ولكونه «سنيا» غازل اللحظة الطائفية «الشيعية» تلعب بأوراقها الوفاق فاصطف وراءها وراح يتقرب ويتودد لشعاراتها الجوفاء ملوحا بـ «سنيته» لعلهم يلتقطونه ويدفعون به الى الصفوف الامامية.. وهي انتهازية رخيصة تتلاعب بمقادير الوطن لم يتورع عن اللعب بها فقط ليحصل على ما لم يحصل عليه عندما جرب الالتحاق بكل الجمعيات والتيارات والتنظيمات السياسية منها والمدنية النقابية والمهنية فلم ينل فيها ما يريد وما يطمع لأنه لا يتوفر على شرط واحد يؤهله للقيادة أو الجلوس في الصفوف الاولى لقيادات تلك الجمعيات والمنظمات. وهو الآن يركب في ابغض واقبح أشكال الانتهازية الذاتية موجة الاصطفافات الطائفية لينعق خارج سربه لعل السرب الطائفي الوفاقي يلتقطه ويزايد بـ «سنيته» ورقة زائفة يتكسب من ورائها ويربح شهرة في زمن الشهرة الزائفة ذاكرة الوطن وليس ذاكرة الدوار. اعتقد البعض من متحذلقي بقايا اليسار انهم لعبوا دورا «قياديا» في الدوار وهو اعتقاد واهم اقنعوا به انفسهم فصدقوه وراحوا على اساسه يتصورون كل مجريات الامور يومها في الدوار وبالنتيجة انحصرت ذاكرتهم في الدوار وفي حدوده فقط وغاب عنهم ما هو أهم غابت عنهم ذاكرة الوطن التي لا تنسى وقد فجعها موقفهم كونهم كانوا يرفعون شعارات اممية عابرة للفئوية والطائفية والمذهبية والعصبوية الضيقة والشوفينية واذا بهم يتغطون بها في دوار يفوح طائفية ومذهبية ويكفي انه دوار كان مواظبا على تقديم «دروس» هادي المدرسي وهو الشخصية التي كانت تلقي «دروسها» في العام 1976 ضد اليساريين البحرينيين تحديدا وتحرض عليهم جهاز اندرسون.. فيا سبحان الله كيف ليساري أن يقف في دوار ويستمع لدروس شخصية كانت تطالب بتصفية رفاقه في السجون.. عجبي ثم عجبي. كلما زيفوا بطلا قلت قلبي على وطني. هل تذكرونها ايها اليساريون القدماء «لا أخاطب فيكم الطارئين فهم لا يعرفون القصيدة ولا يعرفون فيمن قيلت فيه وما مناسبتها. أسأل «الحرس القديم» هل تذكرون عبدالخالق محجوب أمين عام الحزب الشيوعي السوداني الذي اعدمه النميري ذات صيف حزين في مطلع السبعينات وهل تذكرون كيف صدح بالقصيدة الشاعر السوداني محمد الفيتوري في قاعة نادي النسور القديم.. وكيف صفقتم وكيف أدمعت عيونكم وكيف سخرتم من زيف ابطال من ورق.. هل تذكرون؟؟ اذن لماذا الآن تساهمون في تزييف «أبطال» باسم الوطن والوطنية وانتم تعلمون علم اليقين كم هم زائفون وطارئون من راكبي الموجات.. وهل احتاج معكم لذكر بعض أسمائهم ام انتم ادرى بـ «البير وغطاه» وادرى بأنهم أبعد ما يكونون عنكم وعن فكركم وايديولوجيتكم وثقافتكم.. ولعلي هنا أسأل من باع فكره ومن اشترى وما اقسى العبارة على قلبي: «فبين البايع والشاري يفتح الله» فعلى ماذا فتحتم وصدى قصيدة الفيتوري يتردد في ذاكرة جيلكم «كلما زيفوا بطلا قلت قلبي على وطني».

دخان «التواير» هو المذكور في القرآن

فريد أحمد حسن
بعد تكرار عمليات حرق الإطارات في الشوارع وإرباك وتعطيل حياة المواطنين والمقيمين والزائرين بطريقة مبالغ فيها، صار المرء يخشى ألا يكون إصرار أولئك على الاستمرار في تلك العمليات التي يعتبرونها “سلمية” قسراً ويطلقون عليها غالباً اسم (حداد السماء) انطلاقاً من تفسير مغلوط للآية الكريمة “فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم” (الآيات 10 – 11 من سورة الدخان)، لأن تورطهم في هكذا تفسير وتوظيف خاطئ وغير مقبول للآيات يسيء إلى القرآن والدين الإسلامي، وقد لا يتردد البعض بعد ذلك عن تفسير الآية التي يخاطب فيها رب العزة النبي عليه الصلاة والسلام بقوله “يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال” (الآية 8 من سورة الأنفال) باعتبارها خطاباً موجهاً إليهم ليحرضوا الشباب (المؤمن) على محاربة السلطة في البحرين! كانت إحدى “التغريدات” لشخص أو جهة ما تتخذ من اسم (أهل البيت) عنواناً في “التويتر” قد ذكرت الآية الكريمة بسورة الدخان بطريقة توحي للقارئ أن تفسير الآية هو ذلك التفسير الخطأ الذي يبشر البحرين، وتحديداً السلطة فيها ومن يواليها بالعذاب الأليم، حيث تركز تلك “التغريدات” باستمرار على أحداث البحرين. اللافت في كثير من “التغريدات” والتعليقات التي تتناول ما يجري في البحرين من أحداث أنها تنحو نحو التفسير الديني وإن لا يتطابق مع الحالة، ويصل البعض في تفسيره إلى الاعتقاد أنه هو ومن معه المخاطبون في القرآن الكريم بصفة (المؤمنون) وأنهم هم الموعودون بالنصر المبين. وبالتالي فإن الخطاب الموجه إلى السلطة ومن يواليها هو الموجه إلى الكفار! بل إن البعض ممن يصنفون أنفسهم على أنهم سياسيون يتحدثون في المقابلات التلفزيونية التي تجرى معهم بطريقة تحاول أن تقنع المتلقي أنهم موعودون بالنصر المؤزر، وأن المسألة لا علاقة لها لا بالسياسة ولا بالتوازنات الإقليمية والدولية ولا بالقوى والمصالح وإنما بحقائق لا يمكن أن تتغير، حيث المكتوب هو هكذا وأن الروايات تقول ذلك! لست أفهم في التفاصيل ولكنني على يقين أن حكومة البحرين ليست قوم عاد ولا ثمود أو فرعون ولا غيرهم من أقوام جاء القرآن الكريم على ذكرهم. كما إن عقلي لا يتقبل فكرة أن أحداث البحرين مروية وأنها تتم بنفس التسلسل الذي وردت فيه في تلك الروايات التي يتم إسنادها بالتفسير المغلوط لآيات القرآن الكريم. إن ما يجري في البحرين من أحداث لها مسببات ومعطيات ونتائج لها صلة بالواقع وبعلم وفكر الإنسان، وأن جزءاً من تلك الأحداث أسبابه التدخلات الخارجية ليست هذه البلاد وليست تلك بعيدة عنها، وبالتالي فلا علاقة لها بتفسيرات ما ورائية من شأنها أن تعطي الناس الشمس في يد والقمر في الأخرى وتعشمهم ثم ليكتشفوا متأخرين أن ما جرى له علاقة بفعل الإنسان وأطماعه وواقعه والقناعات التي تسيره ولا شأن له بروايات دينية. الخطاب الموجه من الله جل شأنه في القرآن الكريم إلى النبي عليه الصلاة والسلام ليس موجهاً إلى السياسيين في البحرين، وما جرى على قوم عاد وثمود وأصحاب الأيكة وقوم فرعون لا يعني أنه سيجري على السلطة في البحرين. وبالتالي فإن القرآن الكريم لا يدعو “قادة ثوار البحرين” إلى التحريض على القتال، كما إن الدخان المذكور في الآيات المشار إليها ليس هو دخان “تواير” السيارات الذي يرتفع في كل حين ويعتبره الشباب الذي يقوم به شطارة وبطولة. وعليه فإن ما يرى من دخان وما يجري من أحداث على الأرض ليس من علامات الساعة. ترى كيف سيكون الحال لو تسلم المعنيون هنا جزءاً من سلطة؟ سؤال لا يصعب تخيل جوابه.

الربيع العربي.. ثورة ضد الاحتلال الإيراني

سوسن الشاعر
صرفت إيران المليارات لإحكام الطوق واستكمال احتلال الدول العربية عبر عملائها؛ شمالاً المحور السوري اللبناني العراقي، وجنوباً اليمني، وشرقاً كانت البحرين نقطة الانطلاق إلى عمق الجزيرة العربية ومن بعدها الكويت وشرق المملكة العربية السعودية.
إيران جوعت شعبها وأخذت من قوته وتركته يعاني المشاكل الاقتصادية والفقر، وهو الذي ينتمي إلى أغنى الدول نفطاً وغازاً ومعادن ومياهاً، وكان ممكناً أن يعيش رغداً، لكن ملاليه جوعوه وصرفوا ثروته على أحلامهم الوهمية وسراب عودة الإمبراطورية الفارسية، وقاموا بالصرف على تصدير ثورتهم، وخصصوا أموال خمسهم للصرف على عملائهم في سوريا ولبنان والعراق والبحرين واليمن والكويت، وكانوا قاب قوسين أو أدنى من تحقيق الحلم حتى وصلوا للبحرين فغصوا بها!!
وحين أعلنت دول مجلس التعاون عن نية تحويل تعاونها لاتحاد جن جنون كل من الخائن العراقي والخائن اللبناني والسوري الذين باعوا أوطانهم من قبل لإيران، لقد كانت البحرين والكويت نقطة انطلاقهم التالية، لكن دعوة الاتحاد أقضت مضجعهم.
بعد أن أرغموا العراق ولبنان، الدول العربية العريقة حضارة وتطوراً ونمواً ومنارة للعلم والرقي والتمدن، أن تكون اليوم (بفضل) الخونة مجرد تابع وذيل لخدمة المصالح الإيرانية القومية، أرادوا إرغام البحرين كي تكون سخرة للإيرانيين، فحيثما تكون المصلحة القومية الإيرانية تتحرك العراق ولبنان وسوريا، حتى أصبح المحور الثلاثي قاب قوسين أو أدنى من تحقيق الحلم الإيراني والطوق، فمن الجنوب كاد الحوثيون تسليم الثغر اليمني ومن البحرين كاد الخونة تسليم خاصرة الجزيرة العربية فتُحكم إيران تطويق العالم العربي كله لتهيمن عليه، وكان حصان طروادة (أتباع الولي الفقيه) خدماً لهذه الخطة وأحجاراً للشطرنج تحركهم.
إنما نجاح البحرين في دحر الإمبراطورية الفارسية كان صاعقاً، لذلك لابد أن يستثمر هذا النجاح لإلهام كل شرفاء العرب اليوم، وها هي بوادر ذلك الإلهام تبرز للسطح، حيث تشهد الدول العربية اليوم ربيعها العربي في الثورة ضد الاحتلال الإيراني في سوريا والعراق ولبنان، وقريباً إن شاء الله سيطاح بالعملاء الخونة الذين باعوا أوطانهم واستلموا مقابله العار والشنار والتبعية العمياء.
إنما لابد من استلهام اللحظة رسمياً وشعبياً أيضاً بمؤسساتنا وإعلامنا ولمساعدة كل أشقائنا العرب للتخلص من الاحتلال الإيراني وعودة الدولة العربية للحضن العربي وتحريك الملف الأحوازي الآن واستغلال اللحظة.
لابد من وضع استراتيجية شعبية ورسمية لمساعدة العراقيين والسوريين واللبنانيين للانتفاضة على المحتل الإيراني والعودة للحضن العربي، لقد تركناهم لقمة سائغة واعتقدنا أنه شأن محلي واختيارات للشعوب العربية لا دخل لنا فيها حتى وجدنا أنفسنا في فم الحوت.
أحد أهم عوامل النجاح البحريني هو تفعيل كل أطياف الشعب وتحركهم في بوتقة واحدة من سنة ومن شيعة عروبيين ومن مسيحيين وبهرة وصوفيين ويهود ومن كل الأصول والأعراق في الوقوف صفاً واحداً ضد عملاء مخطط بيع البحرين، هذا التوحد والحراك الجماعي هو سر النجاح، لقد استثمرنا كل قوة الأقليات من مرأة وتعدديات وتحالفات وتحركنا محلياً وعربياً ودولياً، فلم ننقسم إلا في مواجهة عملاء إيران والحمد لله، البحرين كلها وقفت ضد الولي الفقيه صفاً واحداً، فيما انقسمت الأطياف اللبنانية والعراقية الأخرى فتشتت وضعفت ونجح عملاء إيران في السيطرة عليهم.
حين قال لاريجاني إن البحرين ليست لقمة سائغة، نقول له “في هذه صدقت”، فالبحرين هي التي قلبت لكم الطاولة وهي التي كسرت الطوق وهي التي ألهمت شرفاء العراق ولبنان وسوريا بل والأحواز للثورة ضد الطغيان الإيراني والحوت الذي أراد ابتلاعنا.
البحرين هي العظمة التي غص بها الإيرانيون، والهستيريا التي أصابت عملاءها في كل من العراق ولبنان وسوريا رد فعل طبيعي على فشل العملاء البحرينيين فيما نجحوا هم فيه.
اليوم لابد من استلهام النجاح وتوظيفه في مساعدة بقية إخواننا العرب في الانتفاضة ضد المحتل الإيراني والتخلص من هيمنته، إنه الربيع العربي ضد الاحتلال الإيراني، والبحرين هي شرارة البوعزيزي ضد طغيان الفقيه الإيراني وعبثه بكرامتنا وسيادتنا وعروبتنا وقوميتنا.

أخطاء الدولة الاستراتيجية.. التعليم.. البعثات.. التوظيف

هشام الزياني
لن نستطيع أنْ نتجاوز ما مرت به البحرين بالأمنيات والكلام الطيب، أو بكلام انهزامي “الأمور عادت لطبيعتها.. انهزم الانقلابيون”، حتى وإنْ كانت هذه العبارات صحيحة، إلا أنها بعيدة عن التفكير الاستراتيجي لمستقبل البحرين. كل ما حصل لنا كان بتخطيط طويل المدى وباستراتيجيات وبتمويل داخلي وخارجي، ولا أحبّ أنْ أقول إنَّ الدولة كانت في غيبوبة سنوات طوال، فالدولة تمتلك الإحصاء، والأرقام، والتحليل، وتمتلك كل المعلومات، فحين يحدث الانقلاب لن يغفر أحد للدولة أنْ تقول لنا كنا في غفلة، هذا كلام مخجل ساعة ضياع الوطن. نؤمن إيماناً تاماً وحقيقياً بحق التعليم والابتعاث والتوظيف لكافة أبناء البحرين، لكل بحريني يحبُّ وطنه وينتمي إليه، لكل بحريني لا يقدم الولاء والطاعة لدولة أخرى، لكل بحريني وطني يحبُّ تراب البحرين، ويقدِّم الولاء لقادتها “جلالة الملك وسمو رئيس الوزراء وسمو ولي العهد” حتى وإنْ اختلفنا في أمور داخلية، حتى وإنْ امتعضنا من سياسات، إلا أنَّ ذلك لا ينزع الولاء من قلب البحريني المخلص، ولا يجعله يرفع أعلام دول أخرى، أو أحزاب إرهابية، ولا يخرج في مسيرات تدعو إليها إيران، وتنفذها الجمعية الإرهابية كأوامر. الإيمان التام بالتعليم والابتعاث والوظيفة، لا يجب أنْ يجعل الدولة تسلم نفسها لمن يريد الانقلاب عليها، بينما دفعت على تعليمه مئات الألوف من الدنانير، من أجل أنْ يصبح طبيباً أو مهندساً أو طياراً أو مسؤولاً كبيراً في الدولة. نقول للدولة بشكل صريح “نحن في وقت لا نحتاج فيه للمجاملات التي ضيعتنا” فبداية ضياع البحرين في نظري كانت من بوابة التعليم “أجد نفسي ملزماً بالتنبيه على ذلك مراراً” ومازالت هذه البوابة مفتوحة، وهنا الكارثة، فمن يُعلّم ابني وابنك -خاصة في مدارس الأولاد- مجموعة كبيرة ممن لا يحبون البحرين، وحاولوا شلّ التعليم في اللحظة الحاسمة من الانقلاب، وعادوا إلى وظائفهم “الدولة وايد طيبة وربما ساذجة”. من يعلّم ابني وابنك في مدارس الأولاد والبنات يغذي عقول الناشئة بالطائفية، ويميّز في التعليم ويزدري أناساً ويقرب أناساً، ويزوِّر درجات الامتحانات، من أجل الاستيلاء على البعثات “والتربية تنام في العسل”. فماذا تكون نتيجة هذا الاستيلاء على التعليم؟ النتيجة أنْ تذهب البعثات إلى أناس دون غيرهم، وألا يحصل المتفوق على بعثته، لأنَّ المدرّس والمدرّسة زوَّروا الدرجات لصالح آخرين، وبالتالي الاستيلاء على البعثات يقود إلى الاستيلاء على الوظائف “السلمانية أمامكم أنموذج واضح ومثله نماذج كثيرة في أماكن أخرى”. من يريد أنْ تتعافى البحرين مما جرى لها، عليه أولاً أنْ يصحح مسار التعليم، وأنْ يحصل على البعثة المتفوق والمتفوقة دون تمييز ودون تزوير في الدرجات. السؤال الأخطر الذي نوجهه للدولة، كم عاماً تحتاج الدولة حتى تصحح خراب وكارثة طائفية المسؤولة السابقة التي كانت تتلاعب في البعثات؟ أمامكم أعوام وسنوات وربما نصف قرن حتى تصححوا مسار طائفية البعثات، وبالتالي طائفية الوظائف. هل تسأل الدولة نفسها كم طالب طب يدرس الآن في الداخل والخارج؟ كم عدد الإناث وكم عدد الأولاد، ومن الذين تمَّ ابتعاثهم للدارسة؟ القضية قضية أرقام، وبالتالي عندها سوف تعرفون مستقبل البحرين، من خلال الأرقام، إلى متى السكوت عن أخطاء الابتعاث؟ والله إنني أتلقى اتصالات لأمهات وآباء يقولون إنَّ أبناءهم متفوقون بامتياز، لكنهم لم يحصلوا على بعثات الطب والهندسة، وتمَّ تخييرهم بخيارات غير مرضية، وهذا سوف يضيع مستقبل البحرين. نقول للدولة صححوا مسار التعليم والابتعاث، من أجل مستقبل البحرين، الخطة الاستراتيجية تتطلب إنقاذ المستقبل من خلال إنقاذ التعليم، نقدر ما يقوم به وزير التربية من جهد لتطوير التعليم، لكن التعليم قبل أيّ شيء يحتاج إلى وطنيين وإلى معلم ومعلمة مخلصة قبل أنْ يحتاج للتطوير، لن يتطور التعليم بأدوات لا تحب الخير للبحرين. لو عرفنا من يدرس الطب الآن “على سبيل المثال” سوف نعرف من سيكون بعد عامين وبعد ثلاثة وبعد أربعة في مستشفيات البحرين، الدولة تمتلك الأرقام، الدولة تمتلك الابتعاث، نرجوكم لا تضيّعوا مستقبل البحرين من خلال التفريط في التعليم، مدرس عربي مخلص، أشرف من مواطن لا ينتمي للوطن ويُطئفن التعليم ويسمّم عقول الأطفال.
رذاذ
منذ أنْ جلس نواب “الوفاق” على مقاعد البرلمان وهم يستهدفون وزارة التربية، ومع عميق الأسف يقال إنَّ سكوتهم كان بتفاهمات وطلبات مجابة، فهل هذا صحيح؟ مستقبل البحرين ليس صفقة من أجل عدم المحاسبة في المجلس، التاريخ لن يرحم من يضيّع مستقبل البحرين من بوابة التعليم.
تكديس مواطنين في وزارتين وترك البقية كاد يضيّع البحرين في 2011، ويبدو أنَّ الدولة حتى الساعة لم تعِ الدرس، فالمسألة ليست خطأ إعادة مفصول، وإنما خطأ توظيف على أسس طائفية. على الدولة أنْ تصحح المسارات في وزارات مهمة وفي هيئات، فلا ينبغي تسليم الكهرباء والماء “مثلها وزارات أخرى” لمن لا يحمل الحب ولا الخير لأهل البحرين، هذان مرفقان حيويان وهامان لا يقلان أهمية عن التعليم، متى تستفيق الدولة.. لا ندري..؟
ما يفعله المسيّسون في اتحاد العمال ليس لأنَّ الدولة في غفلة فقط، إنما هو بسبب تكديس أناس في وزارتين وترك النقابات، والاتحادات لم ترد اختطاف البلد.

صراع القوة في الاتحاد الخليجي

يوسف البنخليل
خلال الأيام العشرة الماضية تم تسريب العديد من التفاصيل والمواقف لحكومات دول مجلس التعاون بشأن مشروع الاتحاد الخليجي، وهي مواقف بعضها تتوافق مع الاتجاهات الشعبية العامة تجاه المشروع نفسه، وبعضها الآخر يتعارض تماماً مع هذه الاتجاهات. لن نتطرق هنا لمثل هذه الأسباب التي تدفع لاختلاف المواقف بين القيادات والشعوب الخليجية، ولكننا سنثير عدداً من المسائل التي يمكن أن تؤدي إلى إيجاد عدة عوائق أمام مشروع التكامل الخليجي الجديد. خلال العقود الماضية عاشت بلدان المجلس حالة من التنافس والصراع الإقليمي على مستوى المنطقة. فكيانات الخليج العربي حديثة التأسيس بالمفهوم الحديث رغم امتدادها التاريخي لقرون عدة، وفي النصف الثاني من القرن العشرين واجهت حالة من التنافس فيما بينها للحصول على القوة والنفوذ السياسيين في النظام الإقليمي الخليجي، وصار شكل هذا النظام واضحاً للغاية. ولكن منذ النصف الثاني لتسعينيات القرن العشرين بدأت بعض الدول الخليجية الخروج عن هذا النظام في أسلوب يقوم على التمرد على القوة الأعظم داخل النظام الإقليمي الخليجي، وكان من نتائج هذا الأسلوب مواجهات عسكرية محدودة للغاية بين بعض دول مجلس التعاون انتهت بإعادة ترسيم الحدود بشكل لم تعتد عليه المنطقة. الآن يطرح مشروع الاتحاد الخليجي، ويبدو أن صراع القوة بين مجلس التعاون الخليجي عاد مجدداً، فظهرت نعرات البحث عن القوة مجدداً، وتم تجاهل الأخطار والتحديات الداخلية والإقليمية والدولية التي تواجه كيانات الخليج الصغيرة، وإن امتلكت من الثروات الطبيعية والبشرية والأموال الكثير. الجديد في صراع القوة بين دول مجلس التعاون الخليجي الآن مسألتين، الأولى أن القوة السياسية لم تعد لدى النخب الحاكمة كما السابق، فحتى لو كانت بعض المجتمعات الخليجية لا تتمتع بآليات لتفعيل الإرادة الشعبية في مؤسساتها الدستورية، فإن القوة السياسية انتقلت من النخب الحاكمة إلى الشعوب بفضل تطور شبكات التواصل الاجتماعي. أما المسألة الأخرى فهي وجود خطط سياسية غربية لإعادة تشكيل المنطقة، وتغيير الأنظمة السياسية القائمة، وهي خطط كانت موجودة سابقاً، ولكنها مفعّلة الآن وقيد التنفيذ بعلم حكومات وشعوب دول مجلس التعاون الخليجي. وفي ظل هذا التحدي الذي يتعلق بمستقبل كيانات دول المنطقة، فإنه من غير المنطقي تماماً أن يتم التعامل مع هذا التحدي بمنطق الهوس بالقوة أو منطق الصراع نحو النفوذ والقوة السياسية من قبل الكيانات الخليج. فالتحديات لا تتعلق بمشاكل مؤقتة، وإنما تتعلق بمشاكل ترتبط بمستقبل الوجود الكياني لهذه المنطقة وشعوبها. في ضوء هذه الحقائق فإنه ليس من المجدي التلكؤ تجاه مشروع الاتحاد الخليجي، أو التحفظ عليه، وبعدم مواجهة المعطيات السابقة لا أعتقد أنه بإمكان دول المجلس الاستمرار ككيانات قائمة في المنطقة بعد 50 عاماً من الآن إذا لم تتعامل معها بجدية تامة.

لهذا السبب.. لن تتوقف إيران عن استهدافنا

فيصل الشيخ
منذ عقود ونحن نعرف حقيقة الأطماع الإيرانية في البحرين، واليوم وضحت الصورة بشكل أكبر، وبات اللعب على المكشوف. البحرين كدولة لم تتخذ إجراءات صارمة في هذا الجانب وأعني العلاقات التي تربطها مع جارة الشمال، مع العلم أن للبحرين كل الحق في الوصول حتى لمستوى قطع العلاقات بكافة أشكالها باعتبار أن التهديد الإيراني واضح ووصل لمرحلة التحريض وتحفيز مواليهم في الداخل للانقلاب على النظام. رغم ذلك البحرين لم تقدم إلا على الخطوات الأولية الاعتيادية عبر استدعاء ممثلي هذه الدولة لدينا وتسليمهم رسائل احتجاج ومطالبات باحترام الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين، وهذه حكمة نحسبها للدولة هنا بغية عدم توتير الأجواء في المنطقة، لكن مع ذلك نقول بأن الإجراءات يجب أن تكون أقوى بشأن التداعيات التي تتسبب بها الأطماع الإيرانية والدعم الإعلامي الصادر منهم لقادة الانقلاب. في جانب آخر قد يتساءل البعض لماذا تواصل إيران استهدافها للبحرين؟! لماذا تصر على الدفع باتجاه الانقلاب على النظام، وتعبر بصراحة عن رغبتها في ضم البحرين لها؟! قد يقول قائل بأن هذا يأتي من منطلق الحلم الإيراني بتأسيس الدولة المذهبية الشاسعة الأطراف مبتدئة من إيران وصولاً لامتداد دول الخليج العربي عبر “بلع” هذه الدول واحدة تلو الأخرى، وهذا قول صحيح ولا غبار عليه. لكن في جانب آخر علينا الانتباه لمسألة أخطر، هو أن ما تفعله إيران في كثير من الدول ومنها البحرين مبني على وجود عناصر داخل هذه البلدان تنفذ الأجندة الإيرانية، فئات يصنفون بلا مبالغة أو تجنٍ على أنهم “طوابير خامسة” تعمل ضد بلادهم من الداخل بامتياز، وتنفذ ما يطلب منها لتسهيل تحقيق الأهداف التي تسعى لها الأطراف الخارجية. لو لم يكن لدينا في البحرين فئات تعمل لصالح إيران لما استمرت الجارة الشمالية في استهدافها الدائم للبحرين. لو لم يكن لدينا في البحرين من يعتبر الشقيقة الكبرى السعودية “عدوة” ويعتبر إيران “صديقة”، لما استمر نظام طهران في القول بأن البحرينيين يريدون الانضمام لإيران. لو لم يكن لدينا في البحرين من يتخابر معهم، ومن يشنع ببلده البحرين ويستهدفها ويشوه صورتها في وسائل إعلامهم بشكل يومي، لما استماتوا في سعيهم لدعم الانقلابيين لدينا في الداخل. لو لم يكن لدينا عناصر متدثرة برداء الدين تأخذ صك التعميد من طهران، لما كانت البحرين هدفاً دائماً ومسرحاً للتحريض من على المنابر. لأن هناك من هم من أبناء هذا البلد لكنهم باعوا وطنيتهم ببساطة، ولأن حلمهم تغيير هوية الدولة وتحويلها لدولة مذهبية ستقوم على الانتقام من نظام الحكم والمكونات الأخرى، ولأنهم يمارسون أفعالاً لا يمارسها إلا المحتل لبلد غير بلده من حرق وتكسير وإرهاب وتخريب، لأنهم يقومون بكل ذلك، فإنهم بالتالي يمثلون امتداداً طبيعياً للطامعين فينا من الخارج، هم تحولوا ببساطة إلى جيش داخلي يأتمر بأمر قيادة من الخارج، فلا عجب من استمرار الاستهداف. ستتوقف إيران فقط حينما تدرك ألا موطئ قدم لها على أرض البحرين، حينما تدرك بأن كل البحرينيين يقولون لها “لا” ويصرخون في وجهها “دعينا وشأننا”، لكنها في الوضع الحالي لن تقف خاصة بعد خروج مسيرة لدينا متزامنة مع مسيرات هناك في طهران تستهدف البحرين وشعاراتها الظاهرة “لبيك يا فقيه” في حين شعارها الأوحد الضمني هو “لبيك يا إيران”. من يظن بأن إيران بيدها تحويل أي بلد إلى جنة الله في الأرض، فليذهب لها وينظر بأم عينيه كيف تكون جنتهم التي تحنون لها، انظروا كيف يعاني الشعب هناك، وكيف يقتل من يختلف معهم في الرأي، وكيف يشنق المعارضون في الميادين بلا محاكمات. هم يعرفون كل ذلك، لكن كرههم للبحرين صار أكبر من أي شيء آخر.

العيش في فقاعة الغرور والانفصال عن الواقع

كمال الذيـب
قال: أنت تركز على أخطاء وخطايا المعارضة ولكنك لا تذكر أخطاء وخطايا السلطة، وهذا ما يجعل كتاباتك غير متوازنة، وبذلك تبدو منحازاً. قلت: لا أكون مبالغاً حين أقول إن الجهة الوحيدة التي يمكن انتقادها بقسوة في وسائل الإعلام المحسوبة عليها اليوم هي الحكومة، فوزراؤها يتعرضون إلى المساءلة في الصحف وفي البرلمان علناً، ويقيم أداؤهم بقسوة في كثير من الأحيان دون أي مشكلة وأقصى ما يفعلونه هو الدفاع عن أنفسهم بالحجة والدليل. لكن من يستطيع انتقاد المعارضة ورموزها المقدسة التي ترتدي عباءة الدين وتتكلم باسمه، فهو خائن عميل أو مرتزق لئيم على حد تعبيراتهم المتكررة. ثم إن كتابتي منحازة إلى البلد وإلى مصلحة الناس الذين يعانون من الضغط المتواصل والعدوان اليومي، ومن المعارضة التي أصبحت عداوتها للسلطة متطابقة مع عداوة مماثلة للتوافق الذي لا يمكن الخروج من الأزمة إلا به ومن خلاله. ومع ذلك، من الطبيعي أن نكون مع من يعلن عن الإصلاح وتمسكه بالنهج الديمقراطي، ومع من يتولى تعزيز هذا التمشي رغم التحدي اليومي الذي يواجهه ويعمل على زعزعته بالتهم أحياناً وبالعنف أحياناً أخرى وبإشاعة الفوضى والتعاطي مع الخارج ضد الداخل دائماً. ومن الطبيعي أن نكون مع من يعترف بأخطائه ويعتذر عنها قولاً وفعلاً وإجراءً وتصحيحاً، وعندما تتخذ السلطة الخطوات الضرورية مهما كانت مؤلمة لمعالجة بعض أهم نتائج الأزمة التي تم افتعالها في الأصل وتصعيدها بتنسيق تام مع الضغوط الخارجية لا يمكن إلا أن نشيد بذلك ونحترم شجاعتها. كما إنه من الطبيعي أن نكون مع من حرص على تقصي الحقائق وإغلاق ملفات كبيرة واتخذ من الإجراءات ما أشاد به العالم إلا الذين لا يرون ولا يسمعون ولا يتكلمون إلا بما في نفوسهم المغلقة المفعمة بالكراهية المطلقة. ومن الطبيعي أن نكون مع من دعا للحوار الوطني وفتح أبوابه على مصراعيها دون قيد ولا شرط إلا مبدأ التوافق الوطني لإنقاذ البلاد من الفوضى والاحتراق. ومن الطبيعي أن ننتقد الذين لا يعترفون بأخطائهم ولا يعتذرون عن خطاياهم ولا عما سببوه للمجتمع من أذى وأوجاع وآلام وهزات ولا يتجاوزونها غروراً وتعالياً وأنانية وتضخماً للذات. ومن الطبيعي أن نعترض على الذين جروا البلاد والعباد إلى نار حارقة ووضعوها يومياً على حافة بركان دون أن يكون هنالك مبرر واحد يستدعي مثل هذه المغامرة الفجة، قتال مفتوح في الشوارع والطرقات، ابتزاز للسلطة واختطاف للمجتمع، وأن نعترض على التحريض على الكراهية والتمييز بين مكونات المجتمع سواء أكانت تقصد ذلك أو لا تقصده، لأن العبرة بالنتائج، والنتائج ها هنا كارثية والأفعال مذمومة، فهي ضد الدولة وضد مكونات المجتمع الأخرى التي يتم وصفها منهجياً بأبشع النعوت بالطبالين والمرتزقة والمجنسين وبسائر مصطلحات التحقير والازدراء التي تحولت إلى قاموس راسخ حتى في لغة الأطفال بفضل هذا القاموس الذي كرسه خطاب المعارضة وبياناتها وتدني مستوى التخاطب السياسي والإعلامي لديها، بما يؤسس لضروب العداوات، وبما أدى إلى خلق لغة مضادة وتدنٍّ من نوع مقابل في اللغة. قال: لكنك لا تشير هنا إلى الخيار السياسي الآخر الذي يمكن أن يخرج البلاد من أزمتها، أي النظر في إمكانية معالجة السلطة للملف من خلال تنفيذ ما تطالب به المعارضة وينتهي الأمر. قلت: هذا أغرب طلب يمكن أن يتقدم به عاقل في سياق علم السياسة، خصوصاً أن ما تطالب به بعض هذه المعارضة هو أن تتخلى السلطة عن السلطة نهائياً، أي أن تتخذ قراراً بإسقاط نفسها، وأن تتجرد من كل قدراتها وتسلمها إلى هذه المعارضة، والتي من الواضح أنها غير جديرة أو مؤهلة لإدارة البلاد استناداً إلى طريقتها في معالجة وإدارة الأزمة وخطورة انزلاقها وراء تقسيم المجتمع وإدخال البلاد على خط التدخلات الخارجية. ويكفي هنا الاستشهاد بمرجعياتها الفكرية التي لا تبشر بالخير ولا يمكن أن تحيل إلى بناء مجتمع ديمقراطي. فبعضهم أصبحوا يعيشون في فقاعة من الغرور والتعالي والخيال جعلتهم يفضلون الوقوف على منصة الادعاء والاستعراض على فعل العقل السياسي المتزن الذي يمكن أن يتقدم بالبلاد، ولسنا هنا في حاجة لأي استعراض لنماذج لهذا الادعاء والغرور والتعالي، فهي معروضة” ببلاش” في”بازار” الخطب والتصريحات وفي”التغريدات” المنشورة كل يوم على نطاق واسع، ويمكن في هذا السياق بيان أمرين في منتهى الأهمية لفهم طبيعة اللعبة الجارية: الأول: هذا الادعاء الديمقراطي المضحك ضمن تركيبة سياسية دينية طائفية لا تؤمن بالديمقراطية أصلاً ولا بعلمانية الدولة باعتبارها المفتاح والضمان لفصل الدين عن السياسة، ولن نخرج بنتيجة حاسمة كتلك التي تعطينا إياها صورة ولاية الفقيه المطلقة وإطارها المرجعي المعادي للديمقراطية، فالولاية المخولة مقدمة على جميع الأحكام الأخرى، وتستطيع أن تلغي من طرف واحد الاتفاقات التي تعقدها هذه الولاية مع الشعب إذا رأتها مخالفة لما تراه صالحاً، بما في ذلك إمكانية إيقاف ركن من أركان الإسلام مثل الحج، كما حصل في إيران لعدة سنوات. - الثاني أن الممارسة العملية على الأرض دلت بما لا يدع مجالاً للشك أن الهيمنة الإيرانية – فكراً ورؤية وتحريضاً وسيطرة وتوجيهاً- على الحياة السياسية أو على قسم مهم من المجتمع المحلي يؤثر بشكل خطير ليس على الولاء الوطني فحسب، بل على هوية البلد وعلى توجهاته وانتمائه العربي، ولمن يشك في ذلك فلينظر حواليه ماذا فعل الإيرانيون بالعراق العظيم برجاله ونسائه وتاريخه الحافل وعلمائه الكبار، فقد حولوه إلى تبعية إيرانية مسلوب الإرادة والهوية، بل إن الزعامات والقيادات العراقية- بمن في ذلك المحسوبين على التيار العلماني- يحجون اليوم إلى طهران يسترضونها في كل صغيرة أو كبيرة، في تعيين وزير أو عزل وكيل وزارة، فكل واحد لكي يصل إلى ما يريد، أو ليحقق حلماً من أحلامه السياسية، عليه أن يسترضي إيران الملالي، وهذا مجرد مثال يعرفه الإخوة العراقيون جيداً ونقرأ عجائبه اليومية في سجل ضياع الهوية الوطنية والقومية وضياع الاستقلال وتبديد التاريخ والمكتسبات، وهو أمر لا نتمنى أن يتكرر في البحرين أو في أي بلد عربي آخر.

هذه مصر.. لمن لا يعرفها

إبراهيم الشيخ
تأبى مصر إلاّ أن تكون روح هذه الأمّة، فيها يُطرد الخَبث، ويُقطع دابر كل شر، وتستأصلُ كل فتنة.
يعلم الجميع أنّ مصر بعد الثورة تعيش صراعات وفوضى مجتمعية مختلفة، وهي نتيجة طبيعية لتاريخ من الاستبداد والفساد الذي أنهكها، وأفسد نفوس وأخلاق بعض أبنائها.
«أمّ الدنيا» عادت وستعود إلى الريادة، فهي التي أخرجت لهذه الأمّة رجالاً صنعوا نهضتها وتراثها الأدبي والثقافي والتعليمي، كما كان لغيرهم دور في نشر الوعي الديني ومحاربة الاستبداد والظلم.
مصر التي أخرجت المصلحين الدينيين والسياسيين عبر تاريخها، ها هي تعود من جديد، لتثبت أنّ أرض الكنانة قد تمرض لكنّها ستظلّ ولاّدة.
تخوّف الجميع من المحاولات الإيرانية لنشر الفتن المذهبية في مصر، حيث كانت وما زالت الأيادي الإيرانية الخبيثة تعيث في مصر الفساد، عبر محاولة استغلال البعض هناك، لتضرب بهم كل وحدة، ولتشوّه بهم كلّ اتفاق.
بالأمس حذر الأزهر الشريف من إقامة أي «مساجد طائفية لمذهب مخصوص أو فئة بعينها» عن سائر الأمة، لتشق الصف وتهدد الوحدة الروحية والاجتماعية لمصر وشعبها.
البيان الذي صدر بالأمس عن مشايخ مصر بجميع فئاتهم وانتماءاتهم، يؤكّد أنّهم واعون للمخططات الساعية لعزل مصر عن محيطها، ومحاولة بذر الفتن فيها، لتحقيق أجندات إيرانية لا تخفى على ذي لب.
في بيان آخر، أدان علماء الأزهر تطاول إيران على الوحدة الخليجية، حيث صرّح عضو جبهة علماء الأزهر، الدكتور محمد البري، بان الوحدة بين الدول الخليجية فرض عين في ظل الظروف التي تعيشها المنطقة.
ممثل جبهة الأزهر أكد أنّه يتعيّن على مصر أن تقف داعمة للدول الخليجية في اتحادها ضدّ من يحاول النيل من مشروعها الاتحادي، منتقداً في الوقت ذاته الأطماع الإيرانية في المنطقة.
في ظنّي المتواضع أن تلك التحركات الأخيرة لها دلالة واضحة، وهي أنّ النظام الإيراني لم يعد لديه ما يخفيه، وها هي فضائحه تتوالى، وطوابيره يتعرّون يوماً إثر يوم.
هذا الوعي الديني الذي يأتي من أعلى السلطات الدينية في مصر، يأتي بعد أيام من استنكار منسق المجلس الأعلى للثورة المصرية «ايهاب عمار» قيام الإعلام المصري بفتح أبوابه لممثلي من يسمّون «المعارضة» البحرينية، حيث وصفهم بأنهم «ممثلو الحراك الطائفي...» على أرض البحرين!
وقد طالب في ذات البيان وزير الإعلام بمنع ظهور أولئك في وسائل الإعلام المصرية، كما طالب وزير الداخلية باتخاذ كل الإجراءات لإبعادهم عن البلاد.
ولكم أن تتذكّروا ان مصر قد رفضت دخول نبيل رجب الى أراضيها قبل فترة، كما رفضت جماعة الإخوان المسلمين قبل ذلك استقبال وفد الوفاق وبناتها، وكلّ ذلك رفضاً للفتنة وأصحابها.
ما يسهّل تلك الإجراءات هو أنّ السفارة الإيرانية وممثلّي قناة العالم التي أغلق مكتبها هناك مؤخرا، هم من كانوا يمهّدون الطريق لهم هناك، وهي فضيحة أصبحت الوفاق تجاهر بها، ويكفي تنفيذهم لأوامر ولي الفقيه الإيراني الأخيرة بالتظاهر ضدّ الاتحاد الخليجي، ليعرف المرء حجم وموقع الولاء والانتماء!
هذه مصر العظيمة، كما عهدناها قويّة أبيّة، يترقّب الجميع انتخاباتها بعد أيّام وكلّنا يدعو لها:
اللهم ولِّ على أهل مصر خيارهم، واصرف عنهم شرارهم، وأعدها إلينا قويّة بعزّ الإسلام والمسلمين.

متى احترمتم إرادة الشعب أو سيادة الوطن

السيد زهره
قبل كل شيء، لا شك ان من حق أي قوة أو أي احد من حيث المبدأ ان يكون له رأي في مسألة الاتحاد بين البحرين والسعودية والاتحاد الخليجي العربي عامة. من حق أي احد مثلا ان تكون له تحفظات على الاتحاد ان كان يرى صادقا ان هناك ما يبرر تحفظه من وجهة نظر المصلحة الوطنية العامة كما يراها أو يفهمها.
لكن هذا شيء، وما فعلته الجماعات الطائفية في البحرين شيء آخر.
هذه الجماعات كما نعلم جن جنونها بمجرد إعلان احتمال قيام اتحاد بين البحرين والسعودية، واثارت ضجيجا لا أول له ولا آخر حول رفضها المطلق لقيام الاتحاد .
الشيء العجيب والمستفز حقا ان هذه الجماعات في معرض تبريرها لرفض الاتحاد بررت ذلك بأمرين: انه يجب من وجهة نظرهم احترام إرادة الشعب ورفض الإقدام على أي خطوة اتحادية مع السعودية من دون استطلاع هذه الإرادة. والزعم ان هذا الاتحاد ينال من السيادة الوطنية ومن استقلال البحرين.
طبعا, الكل يعلم حقيقة الأسباب التي تدعو هذه القوى الطائفية إلى رفض الاتحاد، وهي أسباب لا علاقة لها من قريب أو بعيد بهذه المبررات التي يقدمونها.
الأمر المستفز هنا هو أن يتحدث هؤلاء بالذات عن إرادة الشعب أو عن السيادة الوطنية.
السؤال الذي يجب أن يوجه إليهم هو: متى احترمتم ارادة الشعب؟.. متى احترمتم سيادة الوطن حتى تتحدثون عنها الآن؟
نعم .. متى احترمتم إرادة شعب البحرين؟
أردتم اغتصاب إرادة الشعب. نصَّبتم أنفسكم متحدثين باسم الشعب، وزعمتم زورا وبهتانا ان مشروعكم الطائفي يعبر عن الشعب. هذا في حين ان الشعب منكم بريء ومن مشروعكم الطائفي. انتم لا تعبرون الا عن أنفسكم وعن أجندتكم الطائفية المدمرة، وتريدون فرضها على الشعب.
وانتم رفضتم كل مبادرات الحوار الوطني الرامية إلى إخراج البلاد من الأزمة والى التوافق حول خطوات إصلاحية تدفع البلاد الى الأمام. لماذا؟.. لأنكم لا تعترفون بالآخر، ولا تعترفون بإرادة أي قوى شعبية أخرى غيركم، ولا تعترفون بان من حق الشعب عامة ان تكون له إرادة غير ارادتكم الطائفية.
وانتم اغرقتم البلاد في العنف والتخريب والترويع وتهددون المجتمع بمزيد من العنف ومزيد من الخراب وبالاستمرار في تدمير اقتصاد الوطن وشل عملية التنمية. لماذا؟.. لأنكم تتوهمون ان بمقدوركم عن هذا الطريق إرهاب المجتمع وفرض إرادتكم عليه بالقسر والإكراه، ولأنكم تتصورون ان من الممكن ان تجبروا المجتمع كله على التخلي عن إرادته والرضوخ لكم.
عن أي إرادة شعبية إذن تتحدثون أو تزعمون انكم حريصون عليها؟
أمّا تذرعكم بالحرص على السيادة الوطنية تبريرا لرفضكم للاتحاد، فهي مهزلة كبرى ومن المضحكات المبكيات .
ألستم انتم الذين ظللتم لسنوات طويلة زوارا دائمين للسفارة الأمريكية تنقلون إليها إسرار الدولة وتحرضون الإدارة الأمريكية على التدخل السافر في شئون الوطن الداخلية وانتهاك سيادته؟.. ألستم انتم الذين وضعتم للسفارة خرائط طريق للتدخل في شئون البحرين ولممارسة الضغوط على النظام الوطني في دعوة صريحة لانتهاك ابسط مبادئ وأسس السيادة الوطنية؟
ألستم انتم الذين لا تكفون يوما عن تحريض القوى الأجنبية سواء كانت دولا او منظمات على التدخل السافر في شئون البحرين، وتطلبون من هذه القوى انتهاك السيادة الوطنية فقط لأن في هذا دعم لمشروعكم الطائفي؟
وماذا يمكن ان تقولوا عن هذا؟
في الأيام الماضية، وفي غمرة جنون إيران ورعبها بعد إعلان دخول الاتحاد الخليجي العربي حيز التنفيذ وقرب قيامه، أطلق المسئولون الإيرانيون التهديدات ضد البحرين، وأعادوا مزاعمهم العدوانية القبيحة التي تشكك في سيادة البحرين واستقلالها وعروبتها.
نسألكم.
لماذا لم تصدر عنكم ولو كلمة واحدة تدين او حتى تنتقد هذا العدوان السياسي الإيراني السافر على استقلال البحرين والتشكيك في عروبتها واستقلالها؟
لماذا لم تقولوا كلمة واحدة دفاعا عن سيادة البحرين واستقلالها؟
هل بالنسبة لكم، ستكون سيادة البحرين مهددة فقط إذا اتحدت مع السعودية، لكنها ليست مهددة بالتهديدات العدوانية الإيرانية السافرة؟
هل بالنسبة لكم سيادة البحرين ستكون مهددة بالعروبة وبالاتحاد مع دول وشعوب عربية شقيقة، لكنها ليست مهددة من العنصرية الفارسية الاستعمارية القبيحة؟
عفوا.. عفوا.
انتم آخر من يحق له الحديث عن إرادة الشعب، وآخر من يحق له الحديث عن سيادة البحرين.
أنتم بمواقفكم هذه أثبتم انكم أكبر خطر يتهدد الشعب ويتهدد سيادة البحرين واستقلالها وعروبتها.
أنتم بمواقفكم هذه من قضية الاتحاد دخلتم التاريخ بالفعل من أوسع أبواب العار.

مع من نتحد يا سماحة الشيخ

بثينة خليفة قاسم
هل هناك شعب عربي مسلم يرفض التعاون والاتحاد مع شعب عربي مسلم تجمعه به أواصر الدم والتاريخ واللغة والثقافة والمصير المشترك؟
هذا السؤال يجب أن يجيب عليه الشيخ عيسى قاسم دون غيره، لأنه يتحدث عن الوحدة بطريقة تشعر من يستمع إليه بأن الوحدة غول كبير سوف يبتلع الشعب وسوف يؤدي به إلى الهلاك والفقر والضياع وضياع الأحلام!
الشيخ عيسى قاسم اختار لنفسه خطابا عجيبا في هذه اللحظة التاريخية المهمة، وقال في خطبة الجمعة إنه “لا يمكن لأي دول أن تتحد فيما بينها، دون أن تستفتي شعوبها وتأخذ رأيهم بكل حرية واستقلالية، بعيدا عن كل التأثيرات والتأثرات”.
وأضاف قاسم أن إسقاط رأيها نهائيا وإلغاء إرادتها وتمرير إرادة الحكومة بلا مراجعة الشعوب في مسألة مصيرية بهذا الحجم، لا يكون إلا لأن الأمر لا يعنيها في شيء”.
ونحن لا يمكن أن نقول للشيخ إن هذه كلمة حق يراد بها باطل، فلكل شخص تقديره واحترامه، ولكن من حقنا أن نسأله أسئلة معينة.
فهل هذا هو الخطاب الديني المناسب للمرحلة الحالية؟ هل التركيز على ضرورة استفتاء الشعب في مسألة الوحدة هو كل ما يهم الشيخ في هذه المسألة؟ هل هذا أهم جانب في المسألة لكي يخصص له الشيخ خطبة الجمعة؟
وهل ما ورد على لسان الشيخ وهو على منبر رسول الله فتوى دينية أم رأي سياسي؟ وبمعنى آخر هل هناك سند واضح في الكتاب أو السنة، اللذان يتحدث بهما الشيخ في موقفه هذا، يدعم ما قاله الشيخ للمصلين؟ أم أنه موقف سياسي للشيخ في مواجهة الذين فرحوا باقتراب موعد الوحدة بين دول الخليج العربي؟
ماذا لو أن الشيخ خصص خطبته هذه للحديث عن الوحدة الإسلامية وأهميتها، خاصة في أوقات الخطر التي تتعرض له الدولة المسلمة؟ وماذا لو تحدث عن أهمية التكامل الاقتصادي والتعاون المشترك الذي يفيد الجميع ويعود بالرخاء على الشعوب ويزيد من قوة الدولة في منافسة ومواجهة غيرها من الدول؟
من المؤكد أن الشيخ يعلم علم اليقين أن التعاون الاقتصادي أو الاتحاد الكامل شيء يعود بالخير على أبناء الشعب البحريني، ويعلم أن في الاتحاد والدفاع المشترك بين دول الخليج العربي ما يحميها من الأخطار التي تتهددها.
الشيخ إذا لم ينشغل بالجانب الايجابي للمسألة ولكنه انشغل بنصف الكوب الفارغ كما يقال، وبدلا من أن يدعو الشعب إلى مباركة الوحدة والابتهاج بها، أرسل للناس رسالة سلبية واضحة لكل ذي قلب يعي، مضمون هذه الرسالة هو ارفضوا الوحدة وثوروا ضدها فقد تم تجاهلكم في هذه اللحظة التاريخية!
ألم يسمع الشيخ ومن يتبنون رأيه بما ترتب له دول الخليج الست منذ سنوات طويلة من تعاون اقتصادي ثم اتحاد جمركي ثم سوق مشتركة ثم اتحاد؟ أم أنه تفاجأ بذلك بعد التوجيه الرديء الذي أطلقه ملالي إيران؟
السؤال الأهم هو: لماذ يرفض الشيخ تحقيق الوحدة بين البحرين وشقيقاتها الخليجيات العربيات المسلمات؟
هل الأفضل أن تظل البحرين وحيدة وبلا سند لأن الشيخ ينظر إلى الشرق؟

ويقولون إنه لا علاقة لإيران في ما يحدث

أحمد سند البنعلي
غريب أمركم أيها الإخوة، ترفضون الاتحاد وتخرجون في مسيرات في كل مكان في تعبير عن ذلك الرفض وتجيرون الإعلام في كل مكان لوقف خطوات الاتحاد الخليجي تحت تبرير ابتلاع السعودية للبحرين ويكون كل ذلك قبل معرفة ماهية ذلك الاتحاد وكيف سيكون شكله وما نوعه، ليس ذلك فقط بل ينبري البعض في إيران والعراق ليخرجوا في مسيرات رافضة لذلك الاتحاد وكأن النية والرغبة هي تشكيل اتحاد مع العراق أو إيران، فما دخلكم أنتم وما علاقتكم بالبحرين والسعودية وباقي دول الخليج وما شأنكم بما ننوي ونريد القيام به.
إذا كان الرفض يأتي من قبل بعض المواطنين في البحرين فإن ذلك حقهم في التعبير عن موقف يخص البلد الذي يقيمون عليه مع أننا في أشد الاستغراب من رفض جمعيات سياسية لفكرة الوحدة العربية وبالذات تلك الجمعيات المنتمية إلى الفكر العروبي، ولكن ما يبعث على السخرية هو خروج تلك المسيرات في إيران لرفض المشروع الذي لا ناقة لهم فيها ولا جمل بل هو يناقض التكوين الإيراني ذاته والقائم على التوحيد بين مكونات مختلفة الأعراق من فرس وعرب وأكراد وغيرهم ولكن أن يتوحد العرب فإن ذلك مرفوض من قبل إيران وسياسييها وشعوبها.
ثم يأتي من يقول ان إيران لا تتدخل في الشأن المحلي البحريني، فإذا كان هذا الفعل لا يمثل تدخلا فكيف يكون شكل التدخل، ثم إلى الجمعيات السياسية الرافضة للاتحاد نوجه السؤال ما علاقتكم بما يحدث في إيران حاليا وموقف قادتها من الاتحاد فما يحدث هو خير دليل على العلاقات القوية القائمة منذ أمد بعيد بينها وبين النظام في إيران فإن لم تكن هذه أدلة قاطعة على التدخل الإيراني في الشأن المحلي البحريني كما ورد في تقرير “الدكتور بسيوني” فإن هذه شواهد لا تحتاج إلى دليل.
السعودية لا تريد ضم البحرين كما ينادي الرافضون في إيران والبحرين إنما الضم هو ما تقوم به إيران بحق الأراضي العربية التي تعمل على تغيير هويتها العربية بخطة مدروسة طويلة المدى سواء كان ذلك في الأحواز العربية أو في الجزر العربية الإماراتية المحتلة لذلك لا يوجد غير تفسير واحد لتلك الحملة الشرسة التي تشن ضد الاتحاد وهي أن الدافع للرفض ليس سياسيا وليس ضياع الهوية التي يتشدقون بها وليس أن تضم السعودية البحرين كل ما في الأمر هو دافع طائفي واضح لا يحتاج إلى تعليق أو تفسير وهو ما تخشاه إيران وتخشاه الجمعيات الرافضة.
يرى الرافضون للاتحاد في الداخل أن هذا الاتحاد هو نتيجة لما مرت به البحرين ومن أحداث طوال الشهور الماضية وهو ما يجعل المصيبة مضاعفة “حسب فهمهم” فقد أرادوا تحويل البلاد إلى صورة أخرى من العراق وإذا بالأمور تنقلب رأسا على عقب ويكون التوحد مع السعودية هو احد النتائج لتلك الأحداث “حسب رأيهم” وهو أمر لم يحسبوا له حساب وهو ما يعني في آخر الأمر “حسب ظنهم” ضياع ما أرادوه وهدفوا إليه إلى الأبد وهذا أمر صعب قبوله أو الخضوع له، لذلك لن تتوقف الحرب على التوجه الاتحادي ولن يهدأ لهم بال حتى يتم وضعهم أمام الأمر الواقع وبالإرادة الشعبية البحرينية التي أثبتت في مواقفها أنها مع الاتحاد كما شاهدنا في الوقفة الأخيرة في مركز الفاتح الإسلامي.

الحاجة للاتحاد ليست خليجية فقط

عبدالله الكعبي
الرافضون لاتحاد دول الخليج العربي الذين تقودهم إيران، لا يعترضون على شكل الاتحاد الخليجي وإنما يرون أن هذا الاتحاد سيشكل نواة لعالم جديد ومختلف لا تتناسب أرضيته مع المخططات التي يجري تنفيذها على قدم وساق لابتلاع هذه الأرض وشعوبها من قبل أن يفيق أحد ويقف في وجه هذه العصابات التي استغلت الغفلة والسبات العميق الذي كانت تغط فيه دولنا العربية.
أثبت الحراك العربي الأخير أن جل الدول العربية غير الخليجية تعاني من مشاكل كبيرة ساهمت في تحويل هذه الدول إلى مجرد أشكال من المؤسسات القديمة غير المتناسب بنيانها مع ما وصل إليه العالم من تطور وتقدم ولا تمتلك اقتصاد قادر على المنافسة أو تلبية الحد الأدنى من متطلبات الشعوب العربية التي تحول معظمها إلى ما دون خط الفقر بالرغم من الثروات الكبيرة التي كان من المفترض أن تمتلكها هذه الدول.
أسباب هذا التخلف الذي سيطر على المشهد العربي طوال السنوات الأربعين الأخيرة يتنوع من بلد إلى آخر وإن كان هناك قواسم مشتركة بين هذه الدول يمثلها الحكم الشمولي الذي فرضته الأحزاب الحاكمة التي حولت الجمهوريات إلى مؤسسات خاصة تديرها بمعرفتها ومعرفة المقربين منها ومن ثم اللعب على قوانينها التي أصبحت تسمح بالتوريث مثل ما جرى في سوريا وكاد أن يحدث في مصر واليمن وليبيا. هذه السيطرة المطلقة التي مارستها الأحزاب الحاكمة كانت سبباً في إهدار ثروات بلادنا العربية التي لم تستفد من كل الخيرات التي وجدت في باطن أراضيها أو من الأنشطة الاقتصادية التي كان من المفترض تطويرها وتنميتها على غرار ما فعلت بقية دول العالم. كما أن الصراعات والنزاعات الحدودية التي ابتليت بها بلداننا العربية أجهزت على ما تبقى من ثروات ذهبت لتغذية هذه الصراعات التي عملت على إيقاف عجلة التنمية وتحطيم كل الأحلام الرامية إلى الوصول إلى الاكتفاء الذاتي في الزراعة والصناعة التي أصبحت مجرد خطط على الورق ولا مجال لتنفيذها.
دولنا العربية التي افتضح أمرها بعد تلك الثورات لم يعد أمامها خياراً آخر غير العمل على الخروج من أزماتها الكثيرة والتي تتطلب مجهودات جبارة نظراً للإرث الثقيل الذي تركه زعماء الحقبة الماضية. وعلى رأس تلك الأزمات تأتي أزمة التمدد الإيراني في دولنا العربية الذي كان في عهد الحكومات السابقة يعمل متخفياً وبسرية تامة وتحول الآن إلى العمل المكشوف الذي يحاول أصحابه كسب كل ما يمكن استمالته من هذه الشعوب التي أصبح المال محركاً رئيسياً لها بعد أن عانت طويلاً من الفقر والعوز نتيجة السياسات السابقة التي مارستها الأحزاب الحاكمة في تلك الدول.
الاتحاد الخليجي الذي ينوي أصحابه إعلانه في القريب العاجل لا اعتقد أنه مهم فقط لدول الخليج العربية وإنما هو أكثر أهمية لبقية الأقطار العربية التي إن ظلت على هذا الحال فسيسهل ابتلاعها الواحدة تلو الأخرى خصوصاً وأنها أصبحت الآن مشرعة الأبواب ومفتوحة على كل الاحتمالات التي من بينها العمل على تحويل اتجاهات تلك الدول لصالح رفض تحول الدول الخليجية من مجلس للتعاون إلى اتحاد كامل حتى وإن كانت نوايا ذلك الاتحاد أصدق من أي نوايا أخرى تحاول اللعب على الأرض العربية.
الصراع الإيراني الخليجي حول الاتحاد ليس صراعاً فردياً أو إقليمياً لعلم إيران الأكيد أنها لن تستطيع اختراق هذه المنظومة التي يعي أهلها خطر التوسع الإيراني وكل المخططات التي تعمل إيران على تسويقها، وهي بالتالي محصنة ضد الدعايات الإعلامية التي يمارسها الإعلام الإيراني للترويج لسلعته الكاسدة. الخوف الإيراني من هذا الاتحاد يكمن في قدرته على استمالة كل الدول العربية إليه ووضعها تحت جناحه وهو الأمر الذي سيؤدي في النهاية إلى تحطيم أحلام إيران الرامية إلى التغلغل السريع في هذه الدول من قبل أن تصبح كيانات حقيقية قادرة على ضبط أوضاعها وإعادة صياغة سياساتها بما يتناسب مع انتمائها القومي الذي لا يمكن أن يكون فارسي الطابع.

المشروع الإصلاحي والاتحاد

أحمد مبارك سالم
في ظل ما يثير الكثير من حالة الاستغراب من ردة فعل تلك الجماعة التي تصنف نفسها ضمن المعارضة من الاتحاد الخليجي المرتقب، حيث تقرر وتصنف ذلك بأنه احتلال وترفضه وتمقته، ولا أعرف كيف يقبل منطق أو عقل بذلك، فإن حالهم هذه أشبه ما تكون في موقفهم من الاتحاد بالشعرة التي قصمت ظهر الفيل وليس البعير؛ ذلك أن إعلان الاتحاد بدعوة من خادم الحرمين الشريفين جعله المولى ذخراً للأمة الخليجية يمثل إعاقة لمشروعهم الصفوي الذي يسعون ضمن بوادره إلى السيطرة على الخليج العربي في عقود، حيث سيحول الاتحاد دون ذلك لقرون، ونتمنى أن يكون إعلان الاتحاد كسراً لشوكة أولئك الخونة الذين لا يمكن تصنيفهم في غير هذه الخانة.
وحقيقة الأمر إنه لا يمكن أن يفهم من موقف الوفاقيين عندما يطالبون بالإصلاح في البلاد وفي ذات الوقت يرفضون الاتحاد، وذلك على الرغم من أن المتوقع أن يكون المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المفدى نموذجاً لتطوير الحراك الديمقراطي في الخليج، ولعلنا في ذلك نحذو حذو دول الاتحاد الأوربي التي أنشأت برلمانها المشترك، ويحقق المطالبون بالإصلاح من الوفاقيين – وهذا إن كان بالفعل يريدون الإصلاح – مطالبهم ضمن بوتقة الاتحاد المرتقب بين دول مجلس التعاون.
وعلى الرغم من أن المتوقع أن يكون الاتحاد بين دول مجلس التعاون اتحاداً كونفدرالياً تبقى فيه سيادة كل دولة مستقلة عن غيرها، إلا أن مجالات التعاون المرتقبة يُتوقع أن تحقق الكثير من المكتسبات لشعوب المنطقة بصورة عامة، وهذا ما سيجنيه جميع من يعيش في دول الخليج العربي في السنوات القادمة بحوله وقوته.
في بداية انطلاق الثورة المزعومة التي أصنفها ضمن بند الخيانة العظمى ولا شيء غير ذلك في فبراير من العام الماضي كانت المطالبات بإسقاط النظام من جوانب وأطراف عديدة، وبالإصلاح الديمقراطي المصطنع من جانب آخر، واستمر هذا النهج حتى بدت بوادر الاتحاد من خلال دعوة خادم الحرمين الشريفين إليه في ديسمبر من العام المنصرم، ليبقى التساؤل الذي يفرض نفسه بعد ذلك... ما هو الربط بين المطالبة بالإصلاح وفي ذات الوقت رفض الاتحاد الخليجي على الرغم من أنه سيكون في صيغة كونفدرالية ؟
إن هذه التساؤلات يمكن أن أصنفها ضمن التساؤلات العبيطة كما يقول إخواننا المصريون؛ وذلك لأن السبب فيما يقومون به من يصنفون أنفسهم ضمن خانة المعارضة، وذلك فيما يصنفونه ضمن النضال السياسي وفق مبادئهم الهدامة معروف وأعلنوا عنه وهو يتمثل ببناء امتداد للجمهورية الإسلامية المزعومة والإسلام منها بكل تأكيد براء، والتأكيد من خلال ذلك على الولاء للنظام الإيراني الدكتاتوري البائس الذي كان وما زال يمارس أبشع صور التدخل السافر في الشؤون الخليجية، حيث كان آخر ما قام به ضمن ذلك مسيرات سيرها في طهران رفضاً للاتحاد بين البحرين والسعودية بحجة أن ذلك مخطط أمريكي، وأن البحرين حكومة وقيادة قد اتخذته رغم أن الشعب – حسب تعبيرهم – يرفضونه، وكم أسعدني الرد القاسي من قبل معالي وزير الخارجية على هذه التصريحات ضمن برنامج الزميلة سوسن الشاعر (كلمة أخيرة)، وذلك عندما ذكر بأن استفتاء الشعب على القبول بالاتحاد والامتداد الخليجي تم التصويت عليه في ميثاق العمل الوطني، حيث احتوى الفصل السادس منه على ما يقرر هذا الامتداد وهذا التوجه، ثم تساءل معاليه: وهل يقوم النظام الإيراني باستفتاء شعبه فيما يمارسه من سياسات تتعلق بالدعم المادي الخرافي لتصدير الثورة، في حين أن شعبه يعاني من ويلات الفقر؟
زبدة القول
نقولها وبصريح العبارة... إن المشروع الإصلاحي سيستمر وستتسع نطاقاته، وسيشكل الاتحاد بين دول مجلس التعاون ليكون لبنة طيبة في تطويره وتحسين مخرجاته، حيث نترقب أن تكون الأيام القادمات بعد الاتحاد أياماً مشهودة تحقق فيها الشعوب الخليجية نيلاً لرغبتها وتحقيقها لمكتسباتها التي ترنو إليها، حيث تمتد المطالبة بهذا الاتحاد إلى أكثر من خمسة عقود، وليخسأ الخاسئون ممن يرفضون ذلك، فقد اتضحت نواياهم الخبيثة التي لم تعد تخفى على أحد، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

كالعادة.. لبنان يدفع الثمن

عماد الدين أديب
حث قطر والإمارات والبحرين رعاياها على عدم السفر إلى لبنان مؤشر خطير له تداعياته المتعددة.
أول مؤشر هو تأكيد حالة الخطورة الأمنية التي تجعل لبنان مرشحة لكي تكون منطقة خطرة غير آمنة طاردة للزائرين والسكان والمصالح.
المؤشر الثاني هو أن موسم صيف هذا العام قد أطلقت عليه رصاصة الرحمة، وأن مصدر السياحة الرئيسي الذي يعتمد على موسم الصيف أصبح في طي النسيان مما يضر بمصالح معظم البلاد والعباد.
ومما يزيد من إشعال النار على الموقف اللبناني في مدن الشمال هو تصريحات مندوب سوريا في الأمم المتحدة الذي نسب إلى الأوضاع اللبنانية بأنه المصدر الرئيسي للبلاء والتوتر والمجازر التي تعاني منها سوريا. وأرجع المندوب السوري التوتر السوري إلى تصدير لبنان لتوتراته وسلاحه ومؤامراته.
وبالتوازي تزداد حالة التوتر المسلح بين القوى المؤيدة وأخرى المعارضة لسوريا في منطقتي جبل محسن ودرب التبانة في مدينة طرابلس ومحيطها.
وما زلنا نرى شعارات من بعض القوى اللبنانية تنادي بعودة القوات السورية إلى لبنان من أجل حل المشاكل الأمنية! وكأن سوريا خالية من المشاكل، وكأن قوات الأمن السورية الرسمية نجحت نجاحا كاملا في «كبت» و«جزر» الشعب في الأراضي السورية وأصبح لديها «وقت فراغ» يمكنها الآن من لعب دور إضافي في قمع الأوضاع في لبنان!
الأزمة في سوريا والثمن يدفعه لبنان، القاتل في دمشق والقتيل الجديد سيكون في بيروت! وكأن سوريا تريد إبلاغ رسالة إقليمية ودولية «إذا ما زدتم من درجات الضغط علينا فسوف نفسد عليكم صيفكم ومصالحكم وحلفاءكم في لبنان».
إنه المنطق القديم الجديد الذي يتكرر منذ نصف قرن، منطق العصابات التي تقايض الأزمة بأزمة مضادة والأسير بالأسير والتوتر بتوتر مضاد، وليذهب العالم إلى الجحيم وليدفع شعب لبنان الآمن والصبور - كعادته - فاتورة الجنون الرسمي السوري!
المخيف الآن إلى أين يؤدي ذلك؟
هل تدخل تركيا طرفا على الحدود؟ أم تدخل إيران عبر قناة حزب الله؟ أم تدخل إسرائيل من الجنوب؟ أم يحدث سيناريو الكارثة ويدخل كل هؤلاء داخل أتون جهنم؟

قادة إيران وفوبيا الاتحاد الخليجي

شمسان عبد الله المناعي
سقطت الأقنعة عن قادة النظام الإيراني ونواياهم تجاه مملكة البحرين ودول الخليج العربي، فإذا كان يوجد لدينا بعض الشك عن نوايا إيران قبل مؤتمر الرياض الاستثنائي الأخير لقادة مجلس التعاون، فإننا الآن أصبحنا على يقين بأن النظام الإيراني يبيت نوايا شريرة تجاه مملكة البحرين، وأن الأطماع الإيرانية في البحرين حقيقة دامغة لا جدال فيها، فإيران عبرت عن نيتها بشكل لا لبس فيه عن ضم البحرين إليها، عندما اعتبرت أن وحدة البحرين مع المملكة العربية السعودية احتلال، وهذا ما عبر عنه رئيس مجلس الشورى الإسلامي في إيران علي لاريجاني عندما قال في معرض إجابته عن مطالبة أحد النواب باتخاذ إجراء دبلوماسي جاد في ما يتعلق بخطة السعودية والبحرين لإقامة اتحاد سياسي، إن «البحرين ليست لقمة سائغة بإمكان السعودية ابتلاعها بسهولة والاستفادة منها». ووصف هذا النوع من الممارسات بأنها تثير الأزمات في المنطقة، قائلا إن «هذه التصرفات البدائية في الظروف الراهنة في المنطقة لها تأثيرات سيئة على هذه الدول التي تتعامل مع هذه القضايا». وكان النائب حسين علي شهرياري، ممثل أهالي مدينة زاهدان، قال مخاطبا رئيس المجلس: «كما تعرفون، فإن البحرين كانت المحافظة الرابعة عشرة في إيران حتى عام 1971، ولكن للأسف وبسبب خيانة الشاه والقرار السيئ لمجلس الشورى الوطني آنذاك، فإن البحرين انفصلت عن إيران».
ومما يثير السخرية أن النظام الإيراني ما زال يفكر بعقلية قديمة وهي عقلية الاحتلال والاستعمار التي عفا عليها الزمن. ومن جانب آخر يتبادر السؤال الذي ما زال يطرح نفسه: لماذا كل هذا الاهتمام من قبل النظام الإيراني بمملكة البحرين؟ إن عقلية الاحتلال والاستعمار عقلية إيرانية وليست سعودية، وإلا بماذا نفسر هذا الإصرار الإيراني على احتلال الجزر الإماراتية العربية الثلاث التي احتلها شاه إيران؟ النظام الإيراني ما زال يتبع سياسة عفا عليها الزمن وهي سياسة حل مشكلاته الداخلية على حساب الغير.
ما زلنا نردد القول الذي تؤكده الوقائع يوما بعد يوم أن ما جرى في البحرين بتاريخ 14/11/2011 كان محاولة انقلابية وراءها النظام الإيراني، ولذا فنحن هنا في البحرين كان يحق لنا أن نقول إن البحرين ليست لقمة سائغة بإمكان إيران ابتلاعها ولستم أنتم في إيران أن تقولوها.
يجب أن يعي قادة إيران أن المملكة العربية السعودية لم يرد في تاريخها أنها طالبت بالبحرين، بل العكس هو الصحيح، وهو أن الشواهد التاريخية كلها تدل على أن النظام الإيراني هو الذي ظل يطالب بالبحرين سواء في زمن الشاه أو في زمن حكم الملالي، حيث يحدثنا التاريخ عن أن الأطماع الإيرانية في البحرين قديمة يعرفها القاصي والداني، ولكنها لم تجرؤ على عرض مطالبتها بالبحرين أمام المجتمع الدولي الجديد بعد الحرب العالمية الثانية، فهي تعلم مسبقا بفشلها الذريع إن هي حركت ادعاءاتها الباطلة أمام منظمة الأمم المتحدة، ولكنها استخدمت سياسة الاحتجاج كلما ورد اسم البحرين في مناسبات دولية، وبسبب عدم جدوى احتجاجاتها لدى المجتمع الدولي ظهرت مسألة البحرين في صبغة قومية إيرانية في ذلك الوقت، حيث أصدرت وزارة التربية والتعليم الإيرانية قرارا يقضي بتدريس انتماء البحرين إلى إيران، كما طالبت إيران بتطبيق قوانينها على الشركات البترولية العاملة في البحرين عام 1946، وفي نفس العام اتخذت الحكومة الإيرانية إجراءات سياسية، حيث أصدر البرلمان الإيراني قرارا يقضي باتخاذ الإجراءات اللازمة لتطبيق الرسوم البريدية على الرسائل الصادرة والواردة من وإلى البحرين، كما أظهرت الحكومة الإيرانية احتجاجا على صدور قوانين الجنسية والملكية من قبل حكومة البحرين، وأصدرت قرارات تفرض على المواطنين البحرينيين التجنيد الإجباري والخدمة العسكرية بمجرد دخولهم الأراضي الإيرانية قصد زيارة المزارات الشيعية.
وبالمقابل، يحدثنا التاريخ عن أن المملكة العربية السعودية كانت تقف وراء استقلال مملكة البحرين، فلقد استنكرت الحكومة السعودية بشدة في ذلك الوقت مواقف إيران وأكدت عروبة البحرين شعبا وأرضا، كونها امتدادا طبيعيا للجزيرة العربية، وذات وضع خارجي قائم بذاته. وأضافت الحكومة السعودية بتأكيدها أننا نستطيع أن نصدق أي شيء، إلا مطالبة إيران بالبحرين كولاية إيرانية أو جزء لا يتجزأ من إيران.
ومن جانب آخر، يحدثنا التاريخ عن أن هناك تجارب وحدوية حدثت في العالم العربي، أهمها تجربة وحدة مصر وسوريا عام 1958، فهل استنكرت تركيا في ذلك الوقت مثلا هذه الوحدة بسبب مجاورتها لسوريا. إن شعب البحرين ظل يكافح من أجل الحرية والاستقلال كي يشترك مع إخوانه العرب وجيرانه في وحدة العالم العربي، والتشكيك في هذا المبدأ تشكيك في الحقائق الجغرافية الأولية، وعندما تجرأ شاه إيران على المطالبة بالبحرين كان الغرض منه هو أن يحصل من إسرائيل وحلفائها على مكافأة مقابل وقوفه مع إسرائيل في عام 1967 عندما كانت الطائرات الإسرائيلية تتزود بالوقود من ميناء بوشهر الإيراني وتضرب القوات المصرية في صحراء سيناء، وعندما صمم الشاه على مطالبته بالبحرين تم إرسال مبعوث من الأمم المتحدة لتقصي الحقائق، فما وجد من شعب البحرين بكل طوائفه وفئاته إلا كل الرفض لضم البحرين لإيران، فما كان من الشاه في عام 1971 إلا أن قام باحتلال الجزر الإماراتية الثلاث كبديل عن البحرين، في ظل سكوت المجتمع الدولي بما فيه الدول الكبرى في ذلك الوقت وفي غفلة من الزمن.
على قادة النظام الإيراني أن يدركوا أن البحرين ليست مثل العراق أو سوريا أو لبنان، حيث الوضع في البحرين يختلف وأن تماديهم في التدخل في شؤون البحرين الداخلية ودول الخليج العربي هو لعب بالنار وأنهم أول من سوف تحرقهم هذه النار، والمستقبل يحمل الكثير، وعليهم أن يستفيدوا من الماضي عند حربهم مع العراق! وقد تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.

نظام بشار والموت البطيء

حمد الماجد
التهديد الحقيقي لنظام بشار ليس من قرارات مجلس الأمن ولا من جامعة الدول العربية ولا المقاطعة الغربية، ولا الإعلام العربي، ولا تراجع الصين وروسيا، التهديد الحقيقي الذي جعل الرئيس بشار الأسد هذه الأيام شاحب الوجه غائر العينين سارح النظرات، هو الروح العالية للشعب السوري وثورته الباسلة التي راهن البعض على أن لها وقودا لا بد أن ينفد وطاقة لا بد أن تضعف وقبضة لا بد أن تتراخى، والرهان منطقي إذا أخذنا في الاعتبار ديكتاتورية النظام وبطشه ودمويته، لكن الشعب السوري عكس كل التوقعات. فالخط البياني للثورة السورية لو انخفض فهو محصلة طبيعية، فالطاقة البشرية محدودة ومحاولات قمع النظام للثورة شرسة للغاية، ولو استمر الخط البياني على نفس المستوى فهو إنجاز كبير في ضوء المعطيات السابقة، لكن أن يظل الخط البياني في تصاعد فهو المثير واللافت، ففي الأسبوع المنصرم ضربت المظاهرات على كامل التراب السوري رقما قياسيا غير مسبوق، 800 مظاهرة لم تكترث بالمجازر الوحشية ولا الاغتيالات والتصفية الجسدية ولا قصص الرعب التي تتسرب من تعذيب المعتقلين ولا اللقطات الوحشية التي وصلت إلى الإعلام العالمي وفيها ما لا يمكن وصفه من صنوف الوحشية وضروب التعذيب، آخرها لقطة وجدها الثوار مؤخرا في جوال جندي أسروه وقد بطح عددا من المتظاهرين السوريين على بطونهم أرضا ثم بدأ بالمشي بجزمته العسكرية الغليظة على وجوههم ورقابهم بكل عنف وقسوة يخبط بقدمه على كل وجه وكأنه يؤدي التحية العسكرية المعروفة! ومع ذلك يقابل المواطنون السوريون كل سيناريوهات الرعب النظامية لا بالمظاهرات والمسيرات فحسب، ولكن بالأغاني والأهازيج أيضا، وكأن القوم في عرس وليس في عالم من الرعب والبطش وسفك الدماء.
الأكثر إثارة ولفتا للانتباه في مشهد الثورة السورية أن مؤشر الخط البياني للثورة السورية المتصاعد لم يتأثر بانخفاض مؤشر الخط البياني للاهتمام العربي والإسلامي والدولي، فالمواقف العربية ما زالت من دون المستوى المأمول، ومواقف الدول الغربية وعلى رأسها أميركا يشوبها حذر شديد بسبب تشابكات ملف النظام السوري الطائفية والإقليمية، وهذه المواقف الضعيفة ألقت بظلالها على المواقف الإقليمية، ناهيك عن أن العين الغربية على إسرائيل التي لا تنتظر بديلا أفضل من النظام السوري حارسا لبوابتها الشمالية. وعليه فيستحيل أن تتخذ الدول الغربية موقفا صارما يعمل على الإجهاز على نظام بشار من دون إشارة خضراء إسرائيلية. وأما الموقف التركي، وهو الذي يعول عليه السوريون كثيرا، فقد انكشفت سوأته، هل تذكرون تصريحات «الأسبوعين» التركية الشهيرة، والتي كان المسؤولون الأتراك يهددون بها النظام السوري بأن أمامه أسبوعين للتوقف عن قتل شعبه؟ كلها أمست سرابا، وحتى الموقف السعودي الحازم بضرورة تسليح الشعب السوري كحد أدنى للدفاع عن نفسه قوبل بفتور عالمي شديد حتى من بعض الدول العربية.
في ظل هذه المواقف الدولية والإسلامية والعربية الحذرة من الانجرار إلى مواجهة النظام السوري، ظل مؤشر الثورة في تصاعد مستمر توجته الثورة الأسبوع الماضي بمظاهرات وتحركات في مناطق ومحافظات كان النظام يراهن على استقلاليتها عن تأثيراتها، نستطيع أن نقول إن خلاصة تجربة الثورة السورية بعد مرور أكثر من سنة تقول: إن شعبا بهذه الشجاعة اللافتة، والروح القتالية العالية بحول الله لن يهزم، وإن نظام بشار فعلا آيل للموت، ليس بالضرورة الموت من النوع الفجأة، ولكنه الموت البطيء..
وإن غدا لناظر الموت قريب.

سوريا.. استدراج عروض في الساعات الأخيرة

إياد أبو شقرا
قد يبعث الأمر الكبير صغيره
حتى تظل له الدماء تصبب
(طرفة بن العبد)
رسالة بشار الجعفري إلى الأمم المتحدة خلال الأسبوع الماضي لا يجوز أن تُقرأ خارج سياق ابتزازي معين.
فقبلها قال رفعت علي عيد، المسؤول السياسي في الحزب العربي الديمقراطي، وهو الميليشيا الطائفية التي تسيطر على منطقة بعل محسن في مدينة طرابلس، عاصمة شمال لبنان، إن الوضع في طرابلس ينزلق نحو «المجهول». وبناء عليه طالب بتدخل عسكري سوري للإمساك بالمدينة. وكان الشيء الوحيد المغلوط في كلام عيد هو كلمة «المجهول». فعيد، الذي كان يتكلم ضد «طائفية» خصومه وخلفه صورة سيف الإمام علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) وقد كتب عليها «لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار»، بجانب صور السيد حسن نصر الله وأركان العائلة الحاكمة في سوريا التي سُمي هو شخصيا تيمنا بأحد أفرادها، يعرف تماما «المجهول»، ويقدر أن حتى خصومه يعرفونه.. ألا وهو «الفتنة» التي يسعى، بناء لأوامر صادرة إليه، لتحريكها.
وهنا يتقاطع كلام السيد عيد مع رسالة «رفيقه» السفير الجعفري، التي تبرر مسبقا عملية «تصدير» للفتنة إلى لبنان، عبر سوقها ادعاءات تستند أصلا إلى «تقارير» كانت أجهزة الاستخبارات السورية، ذاتها، قد عممتها على «أدواتها» في لبنان – وبعضها يتبوأ مناصب حكومية وأمنية اسمية، لكنها في واقع الحال مجرد «أدوات» - وذلك لكي تستشهد بها لاحقا. وفي هذا الإطار، من المفيد أن نتذكر أن وزيرين اثنين على الأقل في الحكومة اللبنانية الحالية قدّما حتى الآن «شهادات» مطلوبة جعفريا عن وجود عناصر من «القاعدة» في لبنان، وهذا على الرغم من نفي أعلى مسؤولي الدولة.. بمن فيهم وزير الداخلية اللبناني، المفترض أنه المطلع مباشرة على الملف الأمني في البلاد.
أكثر من هذا، رسالة الجعفري لا تنفصل عن استراتيجية الهروب إلى الأمام وابتزاز المجتمع الدولي و«استدراج العروض» و«الوكالات» التي طالما أتقنها النظام السوري، لكنه الآن يمارسها دفاعا عن وجوده لأول مرة منذ نحو 43 سنة. والغاية واضحة وضوح الشمس، وهي تذكرنا - إن تنفع الذكرى - بإثارة معمر القذافي في أيامه الأخيرة موضوع خطر «القاعدة» على إسرائيل إن هو سقط.
والواقع أنه من حق النظام الذي ينطق باسمه السفير الجعفري في المحافل الدولية أن يتوقع من الجهات التي يوجِّه إليها رسائله... الكثير والكثير. فهذا النظام وقف منذ خريف 1973 «حارسا أمينا» على السياج الحدودي للجولان المحتل. وفي منتصف السبعينات من القرن الماضي صفّى المقاومة الفلسطينية في لبنان وشردها بين تونس وبلاد الله الواسعة، بعدما كان قد مهد الطريق لبلوغه السلطة في دمشق بتواطئه عليها في معارك سبتمبر (أيلول) 1970 في الأردن.
ثم إنه نجح داخل سوريا، حيث يوجد أحد أرقى المجتمعات العربية، في بذر بذور الانقسام الطائفي والمحسوبية والفساد وتراجع مستوى التعليم والثقافة، وحوّل الجيش المفترض به أن يقاتل دفاعا عن شعبه ضد العدو الخارجي... إلى ميليشيا فئوية - مصلحية تقمع الشعب بناء على أوامر القوى الخارجية. وفي الشق الطائفي، بالذات، لم يفعل النظام، الذي يحاضر «إعلامه» عن العلمانية والترفع... صباح مساء، غير زرع آفة الطائفية والعنف الطائفي المجنون حيثما امتدت أصابعه وقضت مصالحه ومصالح مَن يأتمر بأوامرهم، وها هما العراق ولبنان، «الطائفيان» بامتياز، خير شاهدين على مشاعر الأخوة الفياضة.
في المقابل، لا بد من الإقرار بأن إسرائيل أولا، والقوى الداعمة لها ثانيا، لم تخيّبا ظن الرئيس بشار الأسد ولا سفيره وسميه الجعفري. فبالكاد سمعنا، وفقط البارحة، نبرة عتب حقيقي على ما يُرتكب من مجازر على امتداد الأراضي السورية منذ نحو 14 شهرا.
لا إسرائيل ولا واشنطن - على الرغم من كامب ديفيد - استطاعتا الصبر على حسني مبارك 14 يوما، لكنهما صبرتا لأكثر من 14 شهرا على النظام الذي تعتبرانه «معاديا» «ومارقا»، والذي ارتكب بحضور المراقبين الدوليين - مثل غيابهم - «موقعة جمل» كل يوم في كل جزء من سوريا تقريبا.
هل هناك تواطؤ؟ هل هناك ضوء أخضر؟ ربما، فالنظام الذي يجيد تلفيق أي شيء، بما فيها الأشرطة التلفزيونية، يشعر أنه ما زال قادرا على ترويج «بضاعة» ضرب الإرهاب الأصولي وتقديم الخدمات للجهات التي يصفها بـ«الإمبريالية»، ويتوقع من إسرائيل والغرب تصديقه.
هذا جانب من المسألة، أما الجانب الآخر فأكثر خطورة...
فالمرجح أن راصدي الوضع السوري في العواصم الغربية، وتل أبيب منها طبعا، يعرفون جيدا أين أصبح مصدر القرار الذي يحكم السياسة السورية منذ نهاية عهد حافظ الأسد. وهم استوعبوا تماما أن قرار سحب الجيش السوري من لبنان بعد جريمة اغتيال رفيق الحريري ورفاقه يوم 14 فبراير (شباط) 2005 لم يغير شيئا على الأرض لأن «البديل» كان جاهزا.
«البديل» هو «حزب الله»، الذي اضطر للكشف عن هويته الحقيقية بعد الانسحاب السوري العسكري. ومن ثَم اضطر للانتقال من حالة «المقاومة» حيث لا مبرر لوجود أعداء محليين - وبالتالي، لا غرامة سياسية مُكلِفة - إلى حالة «الهيمنة» المكشوفة التي ما عاد بمقدور غير «الأدوات» والعملاء الصغار من خارج صفوف «الحزب» التعايش معها وتبريرها...
واليوم ما يحدث في سوريا ولبنان متصل مباشرة بمشروع إقليمي أشمل، له ملامحه في البحرين واليمن، وطبعا في العراق. وركض القيادة الإيرانية حاملة مشعلي «تحرير فلسطين» و«وحدة المسلمين» ها هو يتعثر عند أول حاجز؛ إذ كان موقف طهران لافتا إزاء مسعى التكامل الخليجي انطلاقا من المملكة العربية السعودية والبحرين، ومن رسالة الاحتجاج والتهديد لشركة «غوغل» حول تسمية الخليج «الفارسي».
نحن هنا أمام معضلة إزاء فهم أين يبدأ «إسلام» طهران وأين تنتهي «فارسيتها»، فالإسلام نهى أول ما نهى عن العصبية القبلية، وأعلنها مدوية أن «لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى»، واعتبر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سلمان الفارسي (رضي الله عنه) من «أهل البيت». وهذه «الإشكالية» مطروحة الآن، أكثر من أي وقت مضى، أمام «لبنانية» السيد حسن نصر الله... الذي أعلن قبل فترة غير بعيدة اعتزازه بكونه جنديا في «جيش الولي الفقيه»، و«عروبة» النظام السوري القائم على شرعية «أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة»!
لقد جعل نظام دمشق، في جيلي الأسدين الأب والابن، سوريا «نفق» تواصل وصندوق بريد مموها بين طهران وتل أبيب. والسؤال الآن، بعدما تجاوز النظام نقطة اللاعودة في «خياره الشمشوني»... وبعدما غدت متعذرة إعادة المارد الشعبي إلى القمقم، هل اقتنع المجتمع الدولي جديا بأن التغيير سيكون المخرج الأمثل - والأقل تكلفة - للمنطقة.. بل الأمثل والأقل تكلفة حتى لإسرائيل على الرغم من رهانها الدائم على تعميم خيار «الحرب الأهلية» إقليميا؟
إن تفجيرات سوريا، وما تخطط له أجهزتها الأمنية في لبنان، رسائل ابتزاز إلى المجتمع الدولي... فهل تنطلي الكذبة مجددا على عواصم العالم الكبرى كما انطلت لبضع ساعات على بان كي مون؟

سكوت.. حنصوت

حسين شبكشي
منذ تنحي الرئيس المصري السابق حسني مبارك، يبدو جليا أن حالة الاضطراب والقلق والتأزم باتت سيد الموقف على الساحة السياسية المصرية عموما، وخصوصا الشارع المتأجج فيها بشكل غير مفهوم ومضطرب دون أن يكون هناك تفسير منطقي وحقيقي للكثير من الأحداث التي وقعت، مما جعل الساحة تربة خصبة جدا لقبول ونمو كل نظريات المؤامرة بشتى أبطالها وأسبابها، واستغل ذلك طيف غير قليل من المستفيدين من فوضى المشهد المصري.
ولكن ما أدهش المراقبين المتابعين لأحداث مصر وما يحدث فيها، هو السكينة والهدوء والأمان والطمأنينة التي حلت «فجأة» على البلاد بشكل غريب واستثنائي ومذهل خلال الانتخابات البرلمانية التي حصلت مؤخرا، فتوقفت المظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات التي كانت تحصل بشكل متواصل ومن دون توقف تقريبا، وحل الأمن على شوارع البلاد وأزقتها في مدنها وقراها.
وها هي الآن مصر تشهد هدوءا جديدا آخر لأن شعبها في الداخل وفي الخارج يدلي بصوته لاختيار رئيس الجمهورية المقبل، وذلك لأول مرة بشكل حر ومنفتح كما يحدث فيها الآن.
مصر تختار زعيمها المنتخب المقبل من بين 13 مرشحا يمثلون أطيافا مختلفة ما بين تيارات محسوبة على التوجه الديني الإسلامي، وأخرى على الدولة المدنية، وغيرها على اليسار الاشتراكي أو الناصري، وهناك أيضا من يمثل ملامح النظام القديم بعض الشيء.
الآلاف من الملصقات والشعارات تعم شوارع القاهرة وجدرانها هي وسائر المدن المصرية الكبرى في مختلف المحافظات، المرشحون يجوبون البلاد ويقطعونها شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، وذلك في الليل والنهار، للتعرف عن كثب على المصوتين الناخبين وحضور الندوات والمؤتمرات واللقاءات العامة المفتوحة.
الدعايات والإعلانات وحملات الترويج في كل مكان تقدم المرشحين وكأنهم أهم المنتجات الجديدة، تقودها شركات دعاية وإعلان محترفة في بعض الأحيان، وغير محترفة وبدائية في أحيان أخرى، يدعم كل ذلك أرتال من المال يتم صرفها بشكل محموم وغير مسبوق، مع الإقرار بأن مصدر التمويل وأسلوب الحصول عليه يحمل الكثير من علامات الاستفهام والأكثر من علامات التعجب، واستمر المشهد الانتخابي المصري يثير التعجب بالمزيد من الأحداث والمفاجآت وحصول السابقة تلو الأخرى فيه.
وكان مشهد المناظرة الرئاسية التلفزيونية بين عمرو موسى وعبد المنعم أبو الفتوح على قناة تلفزيونية خاصة - وليست بالحكومية - وكان يدير المناظرة إعلاميان مستقلان، مشهدا جديدا ولافتا ونال نصيبا طيبا من المشاهدة والمتابعة والاهتمام، على الرغم من وجود بعض الملاحظات على المناظرة، كون التجربة جديدة وتعقد لأول مرة، وبالتالي كان من الممكن أن يتم الإعداد لها بشكل أفضل، وتكون الأسئلة أقصر ومباشرة أكبر، ومن دون بعض المجاملات، مع عدم إغفال أن عدم وجود بعض المرشحين الآخرين وحصر المناظرة في اثنين فقط أضعف فعالية المناظرة، ولكن ذلك لا يلغي أهميتها وكون التجربة نجحت بالعموم.
التجربة الانتخابية لاختيار الرئيس المصري المقبل بدأت وسط بحار من الشك والخوف والقلق، وهناك من أقسم وأكد ووعد أن الانتخابات الرئاسية لن تقام في موعدها المقرر، وأنها سوف تؤجل أو حتى تلغى، بل إن هناك من قال إن الجيش المصري لن يسمح لهذا المهرجان السياسي بالاستمرار، وسيحسم الأمر بنفسه وإعادة الأمور إلى نصابها.
ولكن الضغط الشعبي والرقابة الدولية والاهتمام العام بما سيحصل في مصر، كل ذلك كانت ترجمته أن مصر تحولت من مبدأ ميدان التحرير إلى صندوق الانتخابات، وعلاجا لمسألة إعادة كتابة الدستور من أول وجديد، وهو مطلب حيوي وأساسي، فكيف سيحكم مصر الرئيس والبرلمان والحكومة دون خطوط تماس واضحة وصريحة تنظم العلاقة وتهذب الخلاف بين مختلف الأطراف؟ فقدم المجلس العسكري حلا سريعا لذلك بأن منح الرئيس حق حل البرلمان، ومنح البرلمان حق حل الحكومة، ومنح الجيش حق حماية نفسه، وهو بذلك يمنح كل طرف في المعادلة الحاكمة الحد الذي تحفظ به الكرامة ويؤدى به الغرض السياسي المنشود لأجلها، وتستمر العجلة في الدوران، وهذا طبعا ليس إلا حلا مؤقتا جدا حتى الانتهاء من كتابة الدستور الجديد كاملا بتفاصيله المنتظرة.
هذه الانتخابات من المفروض ألا تكون فيها النتائج الكاريكاتيرية السابقة ذات النسب الوهمية وأرقام الـ99 في المائة إياها، كذلك لن تكون هناك إمكانية لتحقيق «التزوير الممنهج» لقلب النتائج كاملة كما كان يحدث قديما في العهود السابقة، وإن كانت النتائج قد تظهر حالات من التجاوزات المحدودة ولكنها تبقى هكذا: حالات ومحددة وليست عامة. مصر تلتزم الصمت وتكتم أنفاسها وهي تعلم أن العالم يراقبها وهي تنتخب، وهي فرصتها للخروج من الأزمة الخانقة التي حصلت لها بعد الثورة لتعيد استقرارها مجددا بعد أن أساءت بعض التصرفات لثورة مهمة تحدث عنها العالم بإعجاب، وقد يبدو أن البلد الذي يتغنى بحضارة تاريخ عمرها 7 آلاف سنة لديه فرصة لكتابة المستقبل.

تأملات في أسلحة عربية راقية وإنسانية

فؤاد مطر
كان سلاح النفط هو الوحيد في اليد العربية عام 1967، وأمكنه تحقيق ما يعوِّض الخيبة الناشئة عن السلاح السوفياتي في اليد المصرية، بل إن قرارا شجاعا ولا يخلو من المخاطرة اتخذه الطيب الذكر الملك فيصل بن عبد العزيز شجع أهل الاقتدار المالي النفطي على أن يحذو حذوه زمنذاك، ومنهم الملك إدريس السنوسي الذي «كافأت» الثورية العربية نخوته بالانقضاض على حكمه وهو خارج ليبيا، التي أنهكها الثوار الذين حكموا بعد ذلك بنزوات فكرية وسياسية على مدى أربعة عقود، وكان ختامها بالفواجع والدمار والانتقام والارتباك، نقيض ذلك الانقضاض الذي لم تُسفك خلاله دماء بشر ولا تهاوى فيه حجر.
بعد استعمال سلاح النفط للمرة الأولى وتأكيد فعالية هذا السلاح لجهة تماسُك الموقف الوطني، جاء سلاح الحجارة على أيدي الفتية الشجعان في بعض بلدات الضفة الغربية يرمون بها خلال انتفاضاتهم جنود الاحتلال الإسرائيلي، يؤكد فعالية سلاح أنتجته وطأة القهر والإذلال التي يمارسها الإسرائيليون، وليس نتاج مصانع أسلحة خفيفة تابعة لمؤسسات عسكرية. ثم أحيت الضرورة، باستعمال سلاح الحجارة، الحجر مجد لعبة فِتية من طبقة فقراء الناس يصطادون بواسطتها الطيور ومن دون الحاجة إلى البارود، وهي تلك «المصنوعة» من قطعتي مطاط مربوطتين بقطعة خشبية أو من فرع صغير لغصن شجرة. وأما الرصاصة فعبارة عن بعض الحصى يضعها الفتى مع «سلاحه» المتواضع هذا في جيبه.
بعد سلاح الحجارة، رمز الانتفاضة الفلسطينية الذي أصبح موضع تقليد انتفاضات كثيرة في عدد من دول العالم، جاء سلاح تمنينا لو لم يتم اعتماده، وهو سلاح «الاستشهاد» الذي كان في معظم الجولات يقتل، من جملة ما يقتل دون وجه حق، أرواحا حرَّم الله قتلها، خصوصا أرواح أناس أبرياء. وفي كل مرة كنا نتابع عملية «استشهادية»، وبالذات التي تتولاها إحدى الزهرات الفلسطينيات، كنا نحزن في الاتجاهين: حزن على الزهرة التي تقطَّع جسدها وتناثر مع أن بقاءها على قيد الحياة يمكن أن يفيد القضية أكثر، وحزن على أرواح أشخاص فاضت بفعل العملية «الاستشهادية»، وهؤلاء إما أطفال أو نساء أو رواد أسواق للتبضع وتمضية بعض الوقت في جولة داخل «السوبر ماركت» أو «المول».
قبل السلاح الذي نعيش منذ أسابيع فصوله، ونعني به «سلاح الأمعاء الخاوية»، كان سلاح حرق النفس التي أيضا حرَّم الله حرقها لكن ضيق ذات اليد من جهة وعدم القدرة على تحمُّل الإهانة من جهة أخرى هي التي جعلت الشاب التونسي البوعزيزي يشعل النار في جسمه ويقضي محترقا، وفي الوقت نفسه مُشعِلا النار في هيبة نظام مغرِق في الغرور والعنجهية. ثم يتحول رماد جسد البوعزيزي إلى إعصار أسقط النظام بكل أساساته وإلى نهاية غير كريمة لرئيس هذا النظام، كما يتحول إلى تحريض للآخرين الكثيرين في الأمة على أن يخوضوا غمار التغيير ولو بإيذاء النفس، ففي نهاية الأمر لا بد من التضحية.
لكن «سلاح الأمعاء الخاوية» يبقى أرقى أنواع الأسلحة من حيث تحمُّل أذى الجوع على أن يصاب بريء بسوء في عملية انتحارية المنتحر فيها في النار، وهذا بالنسبة إلى العمليات التي لا تستهدف مواقع عسكرية أو استراتيجية للعدو وإنما سوقا تجارية أو حافلة ركاب.
والسلاح الأرقى هذا فيه الكثير من روحية أسلوب المهاتما غاندي في مقارعة الذين احتلوا الهند، فقاوم تلك الإمبراطورية البريطانية التي كانت تتباهى بأن الشمس لا تغيب عنها، بالثبات على المبدأ والتمسك بالإرادة واعتماد بساطة العيش إلى جانب الصوم. كما أن في استعمال هذا السلاح إسقاط أي ذريعة للعدو، بل إن فيه إهانة لأجواء العظمة التي يعيشها. ولكن كما سلاح النفط حقق غرضا في حينه، وكذلك سلاح حجارة الانتفاضة، فإن «سلاح الأمعاء الخاوية» لا نريده أن يتحول إلى ظاهرة. فهو حقق الهدف المزدوج: إزالة الانطباع السيئ الناشئ عن ظاهرة العمليات الإرهابية التي هنالك طابور من المجندين فيها وأحدثها إيلاما على النفس العملية التي حدثت في دمشق يوم الخميس 10 مايو (أيار) 2012 وأعادت صورة الانفجارات التي تابعناها عبر شاشات الفضائيات وصفحات الصحف، إلى أذهاننا المشهد الرهيب لواقعة تفجير موكب الرئيس رفيق الحريري، وكيف تناثرت الأجساد واحترقت. كما أن واقعة دمشق جعلتنا نتساءل ما سبق أن تساءلنا عنه إزاء واقعة تفجير موكب الحريري. وخلاصة التساؤل: إذا لم تكن هنالك جيوب في الدولة اللبنانية المحكم الإمساك أمنيا بها، وتعمل هذه الجيوب لأطراف غير لبنانية هي التي قامت تخطيطا وتنفيذا بعملية التفجير، مطمئنة إلى أن أجهزة في الدولة اللبنانية تؤمِّن لها التغطية، وهذا من دون أن يخطر في البال أن محكمة دولية ستتشكل، أليس في استطاعة الطرف الممسك أمنيا بالوضع اللبناني أن يكتشف مسبقا العملية ويمنع وقوعها على نحو ما فعل الأمن السوري بالنسبة لعملية كانت ستنفَّذ في اليوم التالي (الجمعة 11 مايو) شبيهة بعملية دمشق التي لم يتم كشفها مسبقا وحدث الذي حدث؟
وفي ضوء هذا التساؤل نشأت المقارنة بين العملية التي استهدفت موكب الرئيس الحريري والعملية التي حدثت في دمشق. ومن شأن الاستغراق في التخمينات أن يصاب المستغرِق مثل حالنا بصدمة مقرونة بترداد قول الإمام علي: اذكر عند الظلم عدلَ الله فيك وعند القدرة قدرة الله عليك.
وقد نجد ونحن نسرد هذه التأملات في أنواع أسلحة ارتبط استنباطها واستعمالها بعرب ومسلمين مَن يقول: وماذا عن السلاح النووي الذي تقترب إيران من الإعلان عن أنها امتلكته؟ والإجابة الشخصية عن ذلك هي أنه إذا وُجد فلن يُستعمل، وإذا هو استعمل فيصيب الأمتين بمكاره، وإن تجربة باكستان العاقلة في الموضوع النووي دليل على ذلك، حيث إن هذه الدولة تعيش هواجس امتلاك هذا السلاح الذي قد يخطفه خاطفون أو يستعمله مغامرون. وفي الحالتين فإنه سيؤخر في مستقبل أجيال.
ومن هنا تبقى الأسلحة الواقعية والواعية والراقية من سلاح النفط، إلى سلاح انتفاضة الحجارة، إلى «سلاح الأمعاء الخاوية»، هي ما يجب أن نحافظ عليه ونستعمله من دون غيره في ساعات الشدة... التي نتمنى أن تزول بتفعيل «مبادرة السلام العربية» واقتناع إيران بها، بدل الصولات والجولات الكلامية للرئيس محمود أحمدي نجاد، ومنها أن الجزر الإماراتية الثلاث «حق تاريخي لإيران»، مع ملاحظة أن هذا «الحق» من فِعْل الشاه وليس من فِعْل الثورة الخمينية، ومنها أيضا «أن إسرائيل بعوضة وأن إزالتها لا تكون بالحرب، وإنما بقطع دول المنطقة علاقاتها مع الصهاينة». وإذا كان الأمر كذلك فلماذا ولمن كل هذه الترسانة الصاروخية الإيرانية؟ ولماذا الإصرار على امتلاك السلاح النووي؟ كما أن ساعات الشدة على الأمتين تنحسر عندما تقتنع إيران، وقبل فوات الأوان، بأن استقرارها من استقرار جارها العربي وأمنه. وعدا ذلك فكل التحديات إلى خراب.

القضاء على القادة الستة

عبد الرحمن الراشد
طبعا لو كان خبر اغتيال الشخصيات السورية الست صحيحا لجاز لنا أن نذيع أنه بقي في عمر النظام أيام قليلة، وهو الآن على وشك الانهيار. إنما ضخامة القصة أوحت لنا بأنها كذبة. وكان ينبغي على الذين أصدروا بيانهم فجر أمس أن يدركوا أنها قصة ملفقة لضرب مصداقية الجيش السوري الحر، والمعارضة بشكل عام، والإعلام المتعاطف معها. فكيف يمكن اغتيال ستة من قادة النظام دفعة واحدة؟
نائب رئيس الأركان، ونائب رئيس الجمهورية، ووزير الداخلية، ووزير الدفاع، ورئيس خلية الأزمة، ورئيس مكتب الأمن القومي والرجل الثاني في حزب البعث، عمليا هؤلاء من العشرة الكبار في النظام، والوصول إليهم جميعا أمر شبه مستحيل في بلد يقوم على نظام أمني وعسكري صارم.
وما كان ينبغي أن تنطلي الكذبة على الجيش السوري الحر الذي تسرع بإطلاق بياناته، وضلل بالتالي الكثير من وسائل الإعلام. فالمعارضة العسكرية التي انشقت عن القوات المسلحة السورية، وفي صفوفها منشقون من المخابرات العسكرية، تبدو عاجزة عن التثبت من نجاح عملية نوعية وضخمة، وفوق هذا تتعجل إصدار نبأ مزلزل قبل أن تنتظر شروق الشمس وتعرف حقيقته. كان هذا فخا من النظام أوقع فيه المعارضة.
الاحتمال الذي لن يفاجئنا لو سمعنا به غدا هو قيام النظام نفسه باغتيال أحد قادته، مثل آصف شوكت، الذي سبق أن أبعد عن منصبه، وغادر بلاده لفترة من الزمن بسبب خلاف مع شقيق زوجته، وعاد قبيل الثورة بفترة قصيرة. ربما يتم التخلص منه وينسب مقتله إلى جماعة إرهابية من «القاعدة». وسبق للنظام أن قام بقتل بعض كبار رجالاته ضمن تصفيات داخلية أعقبت تسلم بشار الأسد للحكم.
لكن أن يقوم جندي منشق بالقضاء على كبار قواد دولة بوليسية تبدو أقرب إلى الخرافة ولا أذكر مثلها سوى فيلم «فالكري» الذي يصور محاولة اغتيال الزعيم النازي هتلر عام 1944 ومعه كبار قادته، وتبين أنها محاولة انقلاب داخلية فاشلة.
وقصص اغتيالات القادة السوريين، التي تتردد على مواقع الإنترنت، أقرب ما تكون إلى الأمنيات في بلد الواقع فيه أقسى من أن يترك للخيال. لهذا علينا ألا نتوهم بأن القضاء على النظام السوري سيتم بسهولة، لن يقضى عليه بكبسة زر ولا كبسولة سم أو كمين في اجتماع. سوريا ليست مثل أفلام جيمس بوند، وإزاحة دولة بوليسية مثلها مثل الحفر في الصخر، تتطلب مواجهة النظام قرية قرية ومدينة مدينة وحربا قد تمتد إلى إعدام آخر أو اثنين، ولن تنتهي الحرب فجأة ببيان صباحي يعلن فيه إسقاط النظام، إلا بعد أن يكون قد أنهك وطوق، وأدرك العالم أن نهايته قد اقتربت وذلك بعد كثير من الآلام والدماء.