Friday, May 25, 2012

حقوق الإنسان.. وداعاً

يوسف البنخليل
هل يؤمن البحرينيون بحقوق الإنسان الآن بعد أن شاهدوا كيف يتم التلاعب بهذا المفهوم من قبل الحكومات الأجنبية والمنظمات الحقوقية المحلية والدولية؟ لا أعتقد أنهم يؤمنون بذلك، فمصداقية حقوق الإنسان باتت مفقودة ولا معنى لها إذا كانت الحقيقة المرّة تعني أن حقوق الإنسان وما يتبعها من منظمات محلية وخارجية، وكذلك المؤسسات الدولية المعنية بحقوق الإنسان مثل مجلس حقوق الإنسان أو المفوضية السامية لحقوق الإنسان مجرد وسائل لتحقيق أغراض سياسية لا أكثر، وفي النهاية ليس لحقوق الإنسان معنى حقيقي مادامت هذه الحقوق تعتمد على الاستماع لوجهة نظر واحدة، وهي التي يتم بناء المواقف عليها فقط. المناقشات تجري حالياً في جنيف داخل مجلس حقوق الإنسان للمراجعة الدورية لتقرير البحرين الثاني لحقوق الإنسان، ومن يتابع المناقشات وكذلك التغطيات الإعلامية في الصحافة المحلية أو الدولية، فإنه لن يرى أبعاد هذه المناقشات، ولن يتعرف على طبيعة الأوضاع الحقوقية السائدة في المنامة، وإنما سيرى صراعاً سياسياً بدأ من البحرين وامتد إلى المدينة السويسرية جنيف بين قوى سياسية تؤمن أن حقوق الإنسان هي تلك المبادئ والحقوق التي تتيح للمعارضة الراديكالية تحقيق أجندتها من تغيير النظام السياسي أو الارتباط بدولة أجنبية، أو حتى تنفيذ إصلاحات سياسية لا تحقق سوى مصالحها فقط. والطرف الثاني في الصراع هو الدولة التي تحاول بمختلف مؤسساتها إثبات مدى التزامها بحقوق الإنسان، وأن ما قامت به الدولة البحرينية على مدى عام ونصف العام هو تأكيد وتعزيز لالتزاماتها الحقوقية الدولية. تناول الصحافة المحلية فيه انقسام وتباين كبير، فجميع وسائل الإعلام المحلية تتابع مناقشات جنيف، ويبدو أن معظم هذه الوسائل مؤيدة لموقف الدولة الملتزم تجاه حقوق الإنسان، في حين أن إعلام المعارضة الراديكالية يختلف تماماً لأنه لا يؤيد فكرة التزام حكومة المنامة بتعهداتها الحقوقية الدولية تماماً. فالالتزام يعني هنا تنفيذ كافة مطالب المعارضة الراديكالية سياسياً، حتى وإن تطلبت تقديم تنازلات. أيضاً مسألة هامة تتعلق بمصداقية حقوق الإنسان في البحرين، وهي غياب الآليات المحلية والدولية التي تضمن فصل العمل السياسي عن نظيره الحقوقي، إذ ليس من المقبول أن يقوم السياسيون في تنظيمات المعارضة الراديكالية بالانضمام إلى المنظمات الحقوقية، لأن هناك خلطاً كبيراً بين العمل السياسي والعمل الحقوقي، وتكون النتيجة عدم استقلالية العمل الحقوقي. في ضوء هذه الحقيقة فإن العمل الحقوقي في البحرين لا يعتبر عملاً مستقبلاً لأن الكوادر التي تطلق على نفسها كوادر حقوقية، هي كوادر سياسية بالأساس، ومعظم التنظيمات الحقوقية البحرينية تعتبر امتداداً لتنظيمات سياسية. بعد هذه الحقائق لا أعتقد أن حقوق الإنسان باتت لها مصداقية في المجتمع البحريني على الأقل بعد الأزمة التي واجهها منذ مطلع العام الماضي، فحقوق الإنسان تنتهي عندما تدخل فيها السياسة.

ازدواجية معايير الأمم المتحدة.. تقرير جولدستون مثالاً

نجاة المضحكي
لم تُحاسب أمريكا ولا إسرائيل ولا إيران ولا العراق على ما فعلوه في سجونهم وما أبادوا من بشر، حيث أبيد مليونا عراقي بتعاون جيوش دول الغرب والقسم الأكبر أبادته الحكومة العراقية وإيران، لم يسألوا عن حال السجناء وما يعانوه، ليس من تجويع وتعذيب فقط، إنما عمليات اغتصاب حيوانية همجية لم يقم بها حتى هولاكو ولا ستالين ولا نتنياهو، وغيرها من معاناة بالأخص الشعب العراقي الذي ليس له حقوق حتى أن يختار أي طريق يمشي فيه، ولم يحاسب كذلك بشار الأسد بما فعله قبل وبعد الثورة في الشعب السوري من تنكيل وتعذيب، كذلك تفعل إيران اليوم في شعب الأحواز، لم يسألوا أياً من هذه الدول. فقط اليوم البحرين توجه لها أسئلة من 9 دول أوروبية وزعت عليها الأدوار، ولم يبق سؤال لم يسأل حتى وصل الأمر أن يسألوا هل جنستم أبناء البحرينية المتزوجة من أجنبي، والمقصود هنا البحرينية التي تزوجت إيرانياً، وغيرها من أسئلة كلها لصالح فئة معينة، في الوقت الذي تجاهلت فيه هذه المنظمات حقوق شعب البحرين وما قام به المحرضون الذين تدافع وتسأل عنهم، فمن قطع طرق وتعطيل مصالح وتعطيل مؤسسات واحتلال المستشفى الرئيسي والاعتداء على حياة المواطنين ورجال الأمن وغيرها من جرائم، كما لم يسألوا عن رانيا وابنها وزهرة صالح التي غرس في رأسها السيخ، وذلك لأن المؤامرة الانقلابية الإيرانية لا تدرج إلا أسماء تخدم أهدافها، فلا تدرج ما تعرض له النقيب الشيعي من محاولة قتل، بل ذكروا اسم النائب الذي يؤكد اسمه فبركاتهم، لكن لا نعتقد هذه الدول لا تعلم حقيقة ما يجري في البحرين، بل تعلم أكثر مما نعلم ولكن كما تعلمون أنها خريطة الشرق الأوسط الجديد التي تعثرت في بداية طريقها عندما أفشتلها جماهير الفاتح ودرع الجزيرة وحكمة الدولة، مما جعلهم يذاكرون ويستذكرون ويجمعون أوراق ومستندات وأقوال وأقاويل وروايات وأفلام قام بها كبار المفبركون الذين تولوا مهمة فتح الطريق لخارطة الشرق الأوسط الجديد. إن الدول التي تحاسب دولة البحرين هي دول شريكة في الحرب على العراق، كما وقف بعضها ضد إدانة إسرائيل بعد تقرير “جولدستون” وليس هناك مجال للتفصيل لكل دولة على حدة، لكننا سنتطرق إلى سلوفينيا، وهي إحدى الدول التي عارضت إدانة إسرائيل وتحتفظ بعلاقات قوية مع ايران، وهناك جمعية تسمي جمعية الصداقة الإيرانية السلوفينية، أما هولندا فهي الأخرى شاركت في الحرب على العراق كما أعرب المشرف الميداني للبحث في حقوق الإنسان أن ثلث مسلمي هولندا يعيشون تحت خط الفقر، وأن أسباب الأوضاع الاجتماعية المتدنية يتفاوت فيها العيش بين مواطنيها لأسباب عرقية أو دينية، كما خاضت هولندا الحرب ضد النقاب واللباس الإسلامي، كذلك هي النرويج التي يعيش حوالي 85000 طفل تحت خط الفقر، وكذلك هي الولايات المتحدة وما فعلته في العراق من جرائم حرب، وقمعها الوحشي للمتظاهرين البريطانيين الذي لم يطالبوا ألا بتحسين أوضاعهم المعيشية، أي أن هذه الدولة سجلاتها الحقوقية تفقدها الأهلية في المحاسبة وحتى لا يكون لها أصلاً مكان في الأمم المتحدة ولا المتفرقة. إن البحرين لم تطلق صواريخ ولا قذائف مدفعية، بل قامت بتفريق المتظاهرين الذين يهددون حياة المواطنين والوافدين، وكان سلاحها الوحيد غازاً مسيلاً للدموع تواجه فيه عصابات مسلحة، وهي العصابات التي قدمت التقارير الكاذبة ولفقتها كي تغتصب الحكم، وهي عصابات يقودها حسن نصر الله ومقتدى الصدر وخامنئي، الذين اتفقوا مع هذه الدول في توزيع ثروات العراق وثروات دول الخليج في حال سقوطها، مما دفع هذه الدول إلى أن تثبت ولاءها ومشاركتها في تنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد، على أمل أن ينولها شيء من الغنيمة، وتعلم الأمم المتحدة ومنظماتها حقيقة هذا التقرير كما علمت حقيقة تقرير جولدستون الذي أخفت ملفه حسب تعليمات كوندليزا رايس آنذاك، مع الفرق بأن تقرير جولدستون يتحدث عن إبادة بشرية في غزة استخدمت فيها إسرائيل القنابل والصواريخ، مقارنة بتقرير حقوق الإنسان عن البحرين الذي هو عبارة عن حبس على ذمة التحقيق، وناشط حقوقي امتنع عن تناول الطعام بإرادته، وعن حالات خاصة تطالب فيها الوفاق بتجنيس أبناء البحرينيات المتزوجات من أجانب، كلها تقارير لا ترقى لمناقشتها حتى في ندوة في ناد أو كوفي شوب، ولكن المؤامرة الدولية على دول الخليج والتي أصبحت الشغل الشاغل للغرب والحليف الإيراني، سوف تعتبر حتى رواية اختناق قطة في سترة هي جريمة يجب فيها محاسبة دولة البحرين وإدانتها دولياً. لكن هذا الأمر ليس غريباً ولا مدهشاً أن تتداعى الأمم على الدول الإسلامية من غزو واحتلال وتقسيم ومحاكمات، فهو طبقاً لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم (يُوشِكُ الأمم أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ, كَمَا تَدَاعَى اَلْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا فَقَالَ قَائِلٌ: مِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ كَثِيرٌ, وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ اَلسَّيْلِ, وَلَيَنْزِعَنَّ اَللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ اَلْمَهَابَةَ مِنْكُمْ, وَلَيَقْذِفَنَّ اَللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ اَلْوَهْنَ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اَللَّهِ، وَمَا اَلْوَهْنُ؟ قَالَ: حُبُّ اَلدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ اَلْمَوْتِ)، ولكن لله الحمد اليوم قد رجعت الأمة إلى أصلها واستيقظت شعوبها، وهاهي البحرين تنفض غبار الوهن، ويقذف الوهن في قلوب الانقلابيين الصفويين الذين ابتغوا العزة من ديار الصليبين، ولن يوفقهم الله أبداً فهم قد حملوا دماء الأبرياء في رقابهم وتاجروا بأرواح المواطنين من أجل وصول إلى سدة حكم، ولكن هذه السدة عصية عليهم وعلى مرجعيتهم.

الاستقواء الإيراني وتفتيت العالم العربي

عطا السيد الشعراوي
في الرابع عشر من شهر مايو الجاري، سمح مجلس الشورى الإيراني لنفسه التدخل في موضوع الاتحاد الخليجي، بل وإدانة ما أسماه “المشروع السعودي لضم البحرين”، وقال رئيسه علي لاريجاني إن البحرين “ليست لقمة سائغة تبتلعها السعودية بسهولة”. وأضاف بيان أصدره 190 نائباً من أصل 310 في مجلس الشورى الإيراني “إن هذه الخطوة اللامنطقية لاشك ستؤدي إلى تعزيز الانسجام والاتحاد بين الشعب البحريني في مواجهة المحتلين، وستنقل الأزمة البحرينية إلى السعودية، وستدفع المنطقة إلى فوضى أكبر، ولا يمكن تهدئة الشعوب بالقوة والضغوط السياسية”، مشيراً إلى أن “الدماء الزكية للشهداء البحرينيين ستنتصر على السيوف الغازية”. ووصلت الغطرسة الإيرانية لدرجة غير مقبولة حينما عاد النائب حسين علي شهرياري لترديد ذات الإسطوانة “المشروخة” التي دأبت إيران على ترديدها من حين لآخر، حين قال مخاطباً رئيس المجلس “كما تعرفون فإن البحرين كانت المحافظة الرابعة عشرة في إيران حتى عام 1971، ولكن للأسف وبسبب خيانة الشاه والقرار السيئ الصيت لمجلس الشورى الوطني آنذاك، انفصلت البحرين عن إيران”، مضيفاً “إذا كان من المفترض حدوث أمر ما في البحرين، فإن البحرين من حق إيران وليس السعودية، ونتوقع من مسؤولي السياسة الخارجية متابعة هذا الموضوع بشكل جاد”. وفي السادس والعشرين من شهر أبريل الماضي، أعلن قائد القوات البحرية في الحرس الثوري الإيراني الأميرال علي فدوي عن نشر بلاده لألوية من مشاة البحرية في الجزر الإماراتية الثلاث والتي تحتلها إيران منذ عام 1971 وهي أبوموسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى. وقال فدوي في مقابلة تلفزيونية إن “هذه الخطوة تأتي بسبب موقع وأهمية هذه الجزر في الدفاع والهجوم بالنسبة لإيران”. واعتبر فدوي الحديث عن الجزر الثلاث من قبل الإمارات ومجلس التعاون الخليجي “أمراً مرفوضاً تقف وراءه الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا”. وجاءت هذه التصريحات، بعد زيارة استفزازية قام بها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لجزيرة أبوموسى في الحادي عشر من الشهر نفسه، وقبل ذلك كان قادة عسكريون إيرانيون قد هدّدوا بوقف الملاحة الدوليّة في مضيق هرمز، واعتبروا ذلك عملية سهلة مثل “شربة ماء”، كما هدّدوا بتوجيه ضربات لمنابع النفط في بلدان الخليج العربي المجاورة، في حال تعرّض المصالح الإيرانية للخطر. والواضح أن هذا الاستقواء الإيراني في منطقة الخليج العربي يعكس في جانب منه تيهاً وفخراً إيرانياً واستعراضاً للقوة واستغلالاً لمعطيات البيئة الإقليمية والدولية، كما إنه محاولة للتغطية وإبعاد الأنظار عن جوانب ضعف ومشكلات داخلية كثيرة. وسنركز في تحليلنا على الجانب الأول كونه يتعلق أساساً بعالمنا العربي، حيث أظهرت الدولة الإيرانية براعة في استغلال الظرف الإقليمي والدولي الراهن وحاولت قدر استطاعتها تطويع أو الاستفادة من التغيرات والاضطرابات الحاصلة في المنطقة العربية، حيث قامت بتوجيه سياساتها وإعلامها وتحريك أتباعها في الدول التي تمر بمرحلة انعدام وزن من أجل استمرار الفوضى في تلك الدول إلى أطول فترة ممكنة وكذلك لتوتير الأجواء بين الدول العربية من أجل إضعافها جميعاً. وبعيداً عن التهديدات الإسرائيلية بشن حرب ضد إيران وتصريحات القادة الإسرائيليين التي شغلت اهتمام الكثيرين، تعلم طهران جيداً أنها بعيدة عن تلك الحرب وأن تلك التصريحات تأتي ضمن اتفاق ضمني بين ما يمكن تسميته محور الشر الجديد والمكون من أمريكا - إيران - إسرائيل وهو اتفاق على تفتيت العالم العربي إلى دويلات صغيرة على أسس طائفية وعرقية وجغرافية وفقاً لمقتضيات كل دولة وهو الأمر الذي حصل بالفعل في السودان بتقسيمه إلى دولتين وعلى وشك الحدوث في كل من ليبيا والعراق ومن غير مستبعد أن يحدث في كل من مصر وسوريا واليمن. تعلم إيران جيداً أنها باتت ركيزة أساسية لتحقيق الفوضى الخلاقة في منطقة الشرق الأوسط والتي تسعى واشنطن لتحقيقها منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر وأعلنتها وزير الخارجية الأمريكية السابقة كونداليزا رايس عام 2005، وقد وجدت الدول الثلاث الفرصة مهيأة تماماً بعد ما حدث من تغيرات جذرية في الكثير من الدول العربية بدءاً بتونس مروراً بمصر وليبيا واليمن وسوريا، فانقضت واشنطن وحليفتها الدائمة إسرائيل والمرحلية إيران لاستغلال هذه التغيرات -إن لم تكن شاركت في حدوثها بالفعل- لتقسيم العالم العربي لدويلات صغيرة يسهل التحكم فيها وبما يحول دون ظهور قوة عربية يمكن أن تشكل تهديداً ولو مؤقتاً أو جزئياً. من المعروف أن الغرب يتعلم الدروس جيداً ولا ينسى بسرعة كما هو حال العالم العربي، لذا فإن المواقف العربية القوية الموحدة على مر التاريخ على ندرتها إلا أنها ماثلة دائماً في أذهان الغرب الذي يسعى حثيثاً لعدم تكرارها مستقبلاً وذلك بانتزاع مصادر القوة في العالم العربي وتطويعها لصالحه وإخضاعها لرغباته. ومن المعروف أيضاً أن أبرز مصادر قوة العالم العربي بعد موقعه الجيواستراتيجي المتميز هو النفط، فكانت المحاولات الغربية الدؤوبة للسيطرة على هذا المورد المهم للمنتجين والمستهلكين معاً، فبدأت واشنطن مع حلفائها بالعراق لعزله عن عالمه العربي وتفتيته وإضعافه إلى أقصى حد ممكن ونجحوا في ذلك، وقد تم اختيار هذا البلد العربي بعناية فائقة كونه كان متفوقاً في ميزان القوى التقليدي وغير التقليدي مقارنة بجيرانه، ومن ثم كان عامل تهديد لجميع تلك الدول بعد أن نجح الغرب في تحويله من قوة مضافة للعرب إلى خصم من رصيدهم عبر جره لمشكلات وأزمات وحروب متوالية. لم يكتفِ الغرب بذلك؛ بل نجح في تسويق الخطر العراقي من أجل فرض معادلة “الأمن مقابل النفط”، أي أن واشنطن تحديداً وكذلك الحلفاء الأوروبيين يتكفلون بحماية الأمن في منطقة الخليج مقابل ضمان وصول النفط إلى تلك الدول بأسعار مناسبة. وعندما وجد الغرب أن تلك المعادلة غير كافية سواء لتحقيق مصالحه أو لضمان أمن الحليف الإسرائيلي وتفوقه وخاصة بعد ما سمي بثورات الربيع العربي، سعت واشنطن بكل قوة ممكنة وبمساعدة من إسرائيل وإيران إلى إبعاد هذه الثورات عن أهدافها وإفراغها من مضمونها الحقيقي بما يحقق مصالح هذه الأطراف الثلاثة وذلك بمحاولة تفتيت وتقسيم العالم العربي إلى دويلات صغيرة. وإذا كان اختيار أمريكا لإسرائيل أمراً مفهوماً للجميع، فإن اختيار إيران جاء بعد أن أثبتت طهران أنها بمثابة الشريك المثالي والحليف الاستراتيجي الذي يمكن أن تعتمد عليه دون إحداث ضجة أو بلبلة، كما حدث في أفغانستان وكذلك في العراق، مما كان له أكبر الأثر في استمرار الاعتماد على هذا الشريك الذي يمتلك أدوات كثيرة للمساعدة كما إنه خصم مشترك للعالم العربي، ومن ثم فإن إمكانات التفاهم معه كبيرة وفرص النجاح قائمة. وقد بدا أن هناك تسليماً وقبولاً من كل طرف من الأطراف الثلاثة على استخدام جميع الأدوات الممكنة لكل طرف لتحقيق الهدف النهائي المشترك لهم جميعاً، فالولايات المتحدة الأمريكية تظهر بمظهر المدافع عن حقوق الإنسان والديمقراطية والمتعاطف مع رغبات الشعوب في الإصلاح، وهي في حقيقة الأمر تستخدم المنظمات والنشطاء الحقوقيين لضرب الوحدة الوطنية وإحداث الفوضى وإدامة العنف والتوتر في تلك الدول، وقد وضح ذلك جلياً في كل من مصر ومملكة البحرين. أما إيران فهي تعمل على تحريك أدواتها لإثارة النعرات الطائفية والمحاولات الانقلابية على بعض الأنظمة الحاكمة كما حدث في مملكة البحرين والمنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية وكذلك الكويت، ولعل ما حدث مؤخراً من خلاف بين السعودية ومصر جرّاء محاولات المتظاهرين اقتحام السفارة والقنصليات السعودية في مصر يعد دليلاً على استمرار المساعي الإيرانية للوقيعة بين الدول العربية بعضها بعضاً. بينما تمارس إسرائيل دوراً من وراء الستار وتقدم دعماً متعدد الأوجه حسب الحالة والإمكانات، فهي تضغط للإبقاء على نظام بشار الأسد في سوريا، كما تقوم بدور في تأجيج الصراعات بين الدول العربية كما حدث مؤخراً بين دولتي السودان وجنوب السودان بعد أن نجحت في تقسيم الدولة السودانية في ظل سبات عربي عميق. والغريب أن أمر تقسيم العالم العربي لم يعد سراً أو خيالاً لكاتب أو مفكر؛ إنما هناك عشرات الوثائق والمخططات والسيناريوهات التي وضعت ونشرت في مواقع عدة وتحدث عنها مسؤولون في دول مثل مصر، ورغم ذلك يقف العرب مكتوفي الأيدي وكأنهم مرحبون لما يحاك ضدهم أو أنهم غير قادرين على مواجهته . فمن المعروف أن السياسات الاستعمارية لا تختلف في جوهرها، إنما تتغير أشكالها بتغير المراحل وبما يتناسب مع البيئة القائمة ولكنها بالنهاية تسعى للتحكم والسيطرة واستنزاف الثروات وحرمان الشعوب من خيرات بلدانهم سواء عبر الاحتلال العسكري أو الغزو الثقافي أو التبعية الاقتصادية وأخيراً عبر إبداع أمريكي يتمثل في الفوضى الخلاقة، وهو نموذج متطور من اتفاقية سايكس بيكو الموقعة عام 1916، وكانت تفاهماً سرياً بين فرنسا والمملكة المتحدة بمصادقة من الإمبراطورية الروسية على اقتسام الهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا لتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا بعد تهاوي الإمبراطورية العثمانية، المسيطرة على هذه المنطقة، في الحرب العالمية الأُولى. ويبدو أننا مقبلون على سايكس بيكو جديدة وسيكون تفاهماً سرياً أيضاً بين أمريكا وإسرائيل وإيران وللأسف بمباركة ومصادقة من شعوب عربية أو أجزاء من شعوب عربية لتفتيت العالم العربي وتقسيمه إلى دويلات صغيرة.

الديمقراطية الزائفة

عثمان الماجد
بات من الواضح والمحتم في مسار التجربة الإنسانية بنجاحاتها وإخفاقاتها أن الديمقراطية هي الأداة الكفوءة القادرة على إدارة الشأن العام، وهي الوسيلة الناجحة لضبط إدارة الخلافات والاختلافات، وغدت هي الخيار الوحيد، حتى الآن، للحد من سطوة المال والايدولوجيا والقيم التي تشكل مجتمعة أو منفردة، وقودا يشغل ماكينة الاستبداد، وتسهم في تكريس سلوك إداري وتنظيمي ومالي معين يمارس فعله في إذلال الإنسان والحط من كرامته. ويتجلى هذا الاستبداد في أي مجتمع تمييزا واختلالا في ميزان العدالة واللامساواة بين الناس، وهي، مجتمعة، تُعد المقدمات المنطقية لتفجر العنف في أي مجتمع من المجتمعات، ولذلك كانت الديمقراطية ضرورة حضارية ينبغي اعتمادها لترشيد السلوكات والمحافظة على الاتزان والتوازن بين المكونات الاجتماعية درءا لتخلق حالات من الطغيان المذهبي أو الطائفي الذي صار نهجا لدى كثير من تيارات الإسلام السياسي في الدول العربية عموما وفي منطقة الخليج على وجه الخصوص والدقة. ولكن علينا أن نتحرى الدقة، وألاّ نؤخذ بمفهوم الديمقراطية هكذا بالمطلق، وفي عمومية ما يتم طرحه من تشويه لهذا المفهوم، سواء كان هذا التشويه ناتجا عن قصد أو سوء فهم، خصوصا في الفضاء العربي الذي فيه تُفرغ الأحزاب ذات الطبيعة المحافظة المفاهيم من دلالاتها وتطوعها لخدمة أهدافها، وتنحرف بها لتستوي مطية تمرر عبر ركوبها أهدافا ومقاصد يكون جلها واقعا في مسار معاكس لهموم المجتمع وتطلعاته. وفي هذا الإطار لا نعدم سوق الأمثلة لدعم قولنا هذا. فأحد الأمثلة الفاقعة على هذا الشكل من الديمقراطية المزعومة، هو ما تنادي به جمعية «الوفاق»؛ إذ انه تستغل الرأي العام العالمي الذي يدفع بالديمقراطية نهجا لتنقلب على ديمقراطية حقيقية نابعة من خبرات هذا الشعب وتجاربه، فتراها تملك خطابين واحدا موجها إلى الخارج وآخر إلى الشارع. فالخطاب الموجه إلى الخارج يركز على حقوق الإنسان و»سلمية» المطالب (السلمية التي أبهرت العالم)، وإظهار الحكومة بأنها منتهكة لحقوق الإنسان ومستبدة، فيما الخطاب الآخر الموجه إلى شارعها مليء بمحرضات العنف، حريص على إطلاق أوامر السحق والحرق، وعلى النفخ الدائم في رماد خرافة «المظلومية التاريخية» إذكاء لجذوة إجرامية كاذبة صار معها العنف الممنهج شكلا من أشكال الثأر من هذه المظلومية المزعومة. والمسار العنيف الذي انتهت إليه جمعية «الوفاق» وأدمنته سلوكا شاذا تدمي به المجتمع البحريني؛ لدليل على أن كل تيارات الإسلام السياسي وبكافة تشكلاتها وأطيافها هي أول من يعمل ضد الديمقراطية، وهي من يقف في وجه حرية التعبير والحجر على الرأي وهما عنوانان مهمان في يافطة الديمقراطية، ودع عنك ما تدفع به آلة الإعلام الضخمة التي توظفها في تمرير أهدافها للانقضاض على السلطة. فلن يكون الديمقراطي ديمقراطيا إلا باعترافه بالحريات العامة والشخصية من دون تضليل أو مماوهة، فلا ينبغي، في هذا الإطار، أن ننخدع بدفاع تيارات الإسلام السياسي عن الديمقراطية، ذلك أن الديمقراطية الآن هي مراكبها التي تمخر بها عباب الأمواج المتلاطمة في بحر هائج لتصل إلى رياض «الربيع العربي» وتتصدر فيه قيادة الجماهير المتعطشة للديمقراطية والحرية بعد زمن من القمع والإذلال الذي رزحت تحته في ظل سلطات خلعت على نفسها اسم «جمهورية» وأشعلت من حولها مشاعر البسطاء بإضافات لا دلالة لها إلا كسب تعاطفهم أما في حقيقة الأمر فما هي إلا دكتاتوريات غارقة في امتهان كرامة الإنسان، ولم يجرِ تغيير أي شيء في واقع حال هذه الجماهير التي أصبح الفساد والقهر قدرا محتما لها ليس عليها إلا قبول توارثه جيلا بعد جيل، وأسطع مثال على ما نقول «جمهورية إيران الإسلامية» التي تعرفون كم أن سطوة رجال الدين فيها قاسية على مفاصل الحياة المدنية، فهل أن نظاما مثل الذي يحكم في إيران يعد فعلا نموذجا وأسوة حسنة؟!! ينبغي على الناس أن يعوا، بالمطلق، أن الديمقراطية لن تأتي بها تيارات الإسلام السياسي، فمن احترف ازدواجية الخطاب وسطا على السماء ليلجم مخالفيه في الرأي بحجج تُغلف بالمقدس لتصبح مشروعيتها من مشروعية السماء لا يُمكن له البتة أن يكون الخطاف الذي يصنع ربيع الديمقراطية؛ لأن من رُبي على أن يكون رَخَما لن يتمرد على ما نشأ عليه وسيبقى كذلك إلى أبد الآبدين، وأعتقد أن مقايسة هذا المبدأ على الواقع البحريني تجعلني موقنا بأن صناع العنف المغلف بخرافة المظلومية التاريخية والمحكوم بحتمية ولاية الفقيه قدرا تاريخيا أريد للشعب البحريني رغم أنف الجميع، لا يمكن لهم أن يكونوا صناع ديمقراطية وحس مدني؛ ففاقد الشيء لا يعطيه. إذ أيعقل أن يأتي بالديمقراطية من يوكل أمر عقله ودينه ودنياه إلى وليه؛ ليكون عليه وصيا وناطقا بلسانه ووسيطا بينه وبين السعادة موجودة كانت أو موعودة، وكيف يمكن لمن يؤمن بأن قول وليه الفقيه قول لا يأتيه الباطل فلا يقبل التداول البشري لأنه فوق بشري!! يبقى القول إذًا، أن التخلص من ملوثات المذهبية والطائفية شرط للاشتغال والانشغال بالهموم الوطنية والتعاطي معها ديمقراطيا. وفي رأيي الخاص أن التخلص من هذه الممارسات السياسية الملوثة بالطائفية والمذهبية لن يكون ممكنا في ظل تناسل تيارات الإسلام السياسي التي تتبوأ مشهدنا السياسي وتناميها لتتواجه مع بعضها البعض، وتعمل سوية من دون كلل على تعميق الشقاقات في المجتمعات؛ لأنها بهذه الشقاقات وفي تربتها العفنة تضمن تنامي وجودها لينتعش حضورها على حساب المجال المواطني المدني فتحاصره بشتى أنواع التحريم، وتميت فيه تدريجيا القدرة على التعليل والمقايسة والحكم ليصبح مستهلك خرافات وعقلا مبرمجا لخدمة ما يدبره كهنوت الإسلام السياسي فيُجر من حيث يدري ولا يدري إلى ارتكاب أفعال تأباها كل الشرائع ويرفضها كل ذي عقل ويصبح من ثم حطب فتنة لا مستفيد منها إلا النافخون في جمرها من ذوي العمامات. وختاما أسأل من أعتقد أنهم لم يتلوثوا بعد بالطائفية، ومازالوا عند قناعاتهم الثابتة بمستقبل البحرين الواحد والواعد الذي لا يقبل التجزئة، وخصوصا منهم اليساريين، والسؤال هو: «هل أنكم تعتقدون فعلا بديمقراطية تتصدر قيادتها جمعية «الوفاق»؟!! أتوقع أن تكون الإجابة بلا، أما إذا كانت بنعم، فقل على اليسار السلام. والسلام.

فصل المذاهب عن السياسة الحديثة

عبدالله خليفة
مثلما تواجه الثقافة السياسية الدينية مشكلات التطور الاجتماعية والاقتصادية بعد الثورات العربية كذلك عاشت إيران تواجه المعضلات نفسها واختارت الدكتاتورية طريقاً.
ليس في الإرث السني أو الشيعي إمكانيات لمجابهة أوضاع الدول الحديثة ومعالجة قضايا الحريات والبناء السياسي الاقتصادي الدقيقة، ولا تكفي الشعارات مثل ولاية الفقيه وإحياء دولة الخلافة أن تكون دليلَ عملٍ في هذا العصر.
وقد ورّط الخميني الشعب الإيراني بفكرته عن ولاية الفقيه التي حولّها لنظام استبدادي مذهبي قومي شوفيني في الحقيقة. ولكن في التطبيق العملي للفكرة جعل التقنيين والسياسيين البرجماتيين هم الذين يديرون البلد في أثناء حياته.
الكثير من الأحكام الفقهية غدت تتبع قرارات الدولة، وغدت مصلحةَ الحكومة فوق كل مصلحة، وقد أفتى حتى أنه يمكن تعطيل بعض الفرائض كالحج والصيام إذا كانت تتعارض مع مصالح الدولة في بعض الظروف.
لقد أسس التقنيون والتحديثيون النظام الجديد ثم طرِدوا منه، لأن الفئات الوسطى المتعلمة محدودة أمام الفيضان الريفي من العامة الذين لا يعرفون الإسلام ولا العصر، ويتبعون الإرث المحافظ الاستغلالي.
والسبب يعود لخيانة هؤلاء التحديثيين لأسس الحداثة التي قالوا إنهم تبنوها، وهي العلمانية والديمقراطية والعقلانية. أسس لا يمكن تجزئتها، والقبول بالتجريبية والانتقائية فيها، والمشي مع الظروف السائدة مهلكٌ في خاتمة المطاف.
من جانب آخر لم يكن الفقه التقليدي الشيعي عدوانياً ولا مغامراً، كان محافظاً ويسير ببطءٍ في العصر، ولكن ولاية الفقيه كانت اختطافا سياسياً، كذلك لم يظهر مثقفون كبار على دراية بسيرورة الإسلام بشكل قراءة تقدمية ديمقراطية، وأفضل القراءات كانت قراءة محمد باقر الصدر الذي أيد الارتدادَ عن الحداثة ومهّد لولاية الفقيه.
بقاء إيران ضمن الفقه الشيعي المحافظ كان أفضل الحلول، مع تبدل ولاية الفقيه لولاية الشعب عبر أسس الديمقراطية الحديثة.
إن الدولة الإيرانية التي شكلت دكتاتورية دينية قومية فارسية في العمق أخذت تغوص في أزمة عميقة، لقد تنامت الدكتاتورية في كل مجال، وخنقت البذور الديمقراطية والليبرالية والعقلانية، وصعدت ثقافة التعصب والسحر والغيبيات المتطرفة.
يجب التفريق هنا بين الاثني عشرية والقومية الفاشية الفارسية، إن المذهب هو مجرد لباس خارجي خداعي، الغرض منه السيطرة على البسطاء والجماهير العاملة ومنع نشوء وعي ديمقراطي تحديثي علماني، مثل مسيحية هتلر وصليبه المعقوف، والفصل هنا وفرز الجماهير عن القمة ضرورة.
ولا تستطيع السياسة الفاشية أن تبقى وحدها في دولة لابد لها من محور، ومن توسع، ولهذا كانت ضرورة سوريا ولبنان والجماعات المؤيدة المنشقة عن التطور الاجتماعي في بلدانها.
هنا نرى اليوم تفجر هذه السياسة ومخاطر الحروب منها، فالعراق يجابه معضلات التطور السياسي وثمة كتل معينة تريد فرض شموليتها عبر الدعم الخارجي، وسوريا قادت القيادة النظام إلى العزلة ووسط بحر شعبي من الدماء. إنها ذروة هذا المسار المخيف!
هنا تجلت الفاشية بضراوتها ونزعت ورقة التوت الإنسانية الزائفة بأقسى تجلياتها ثم جاء دور لبنان لتوريطه واليمن وهكذا الدول العربية الخليجية.
من ولاية الفقيه ومن عدم الدخول في الحداثة وفرض قالب محافظ متخلف وتصعيد المذهبيين والريفيين المتخلفين لإدارة دولة عصرية، ليس سوى دخول في مأزق عميق لا تصلحه سوى الحروب في رؤيتها المغلقة.
مرحلة الحروب هي الأكثر خطورة، والغرب استنزف قدراته في حربين مع دكتاتوريتين فاشيتين سابقة وحالية، ولم تعد الجماهير في الغرب بقابلة للمزيد من سيول الدماء.
ودول الثورات العربية تواجه معضلات التحول والوقوف على مفترق الطريق نفسه، فهل تكرّر تجربة إيران الكارثية أم تتوجه لبناء ديمقراطيات بأسس الحداثة والإنسانية؟
إن الإرثَ المحافظ سواء كان سنياً أو شيعياً أو درزياً أو إسماعيلياً أو مسيحياً أو يهودياً، لا يقدر أن يكون مؤسِّساً لدولة عصرية حديثة، فمعضلة إيران تتكرر وقبلها كوارث إسرائيل، وليس ثمة أجوبة من التراث للدولة الديمقراطية العصرية والخطط والمؤسسات الاقتصادية والتعامل مع الأمم وغير ذلك، ولهذا فإن الفصل بين السياسات والفقه ضرورة كبرى، حيث تختص المؤسسات الحكومية والبرلماناتُ والأحزاب بالقضايا السياسية والاقتصادية فلا تتخذ دوراً دينياً فقهياً، وتشرع في الحلال والحرام، فيما يقوم بذلك الفقهاء والمؤسسات الدينية التي ينبغي أن لا تسيّس دورَها.
الولاية السياسية للشعب في شؤونه الاقتصادية والمعاشية والثقافية، والمذاهب مستقلةٌ في حراكها الباحث عن حلول لمشكلات المؤمنين. والدينيون سياسيون يتحركون في فضاء السياسة والاقتصاد ينزعون ملابسَهم المذهبيةَ والدينية الخلافية في وجودهم السياسي أياً كان مظهره.
إن خلطَ الأدوار يؤدي إلى تكوين سلطات دكتاتورية باسم الأديان، تقوم بتأبيد العلاقات الاقتصادية الاجتماعية المتخلفة، وتنجر لصراعات بين المواطنين تؤدي إلى وقف ما أُسست الديمقراطية له وهو تطوير الاقتصاد والحياة الاجتماعية والثقافة والحريات لا معالجة قضايا الأديان ذات التواريخ البعيدة.
ينبغي ان تكون الثورات العربية إضافة للتطور الديمقراطي في العالم الإسلامي ككل وقائدة إياه لنبذ الشموليات المذهبية السياسية المختلفة، مطورة تعاونا خلاقا بين أمم متساوية. ويمكن أن يؤدي ذلك إلى نهضة كبرى تستعيد هذه الأمم بها مكانتها.

العصابة الأسدية في العد التنازلي

سمر المقرن
تستخدم الإدارة الإيرانية مع مخالفيها، أسلوبين: التصفية الفكرية، والتصفية الجسدية. الأسلوب الأول يتضح من خلال الهجوم المكثف على الشخص المخالف، هذا الهجوم يأتي بكل الطرق، أخلاقية وغير أخلاقية، هجوم فكري وهجوم شخصي. يتمثل الأول من خلال إطلاق الجنود الإعلامية والإنترنتية لتسفيه الشخص وتحوير فكره وأفكاره عن المسار الصحيح وبهدف تشتيت المتلقي عن الفكرة التي أصابت ملالي إيران وجنودهم بالوجع، وهذا حصل معي شخصيا وتابعته مع آخرين وما فكرة “الديمقراطية الصامتة” التي أطلقوها على لساني ببعيدة، حينما تحدثت عن الاختراق الإيراني لإعلامنا الخليجي، وبما أن جرعة المكاشفة كانت قوية عليهم فحاولوا تغيير اتجاهها إلى ناحية أخرى!
هذا مجرد مثال، والأمثلة كثيرة، بل إنها أكثر من أن تُعد أو تحصى. أما الهجوم الشخصي فهو سلسلة طويلة من التعديات والتجاوزات التي تنتهج الكذب والتسقيط الأخلاقي والشائعات المغرضة، وما نقرأ كل يوم عن عدوهم سعد الحريري، من شائعات شخصية هي أبرز مثال على ما يحدث، فقد كانوا يعتقدون أنهم بقتل الشهيد رفيق الحريري، سيرتاحون ويهدؤون لكنهم نسوا أن الشرفاء كثر، وأن العالم العربي والإسلامي به مئات الآلاف الذين يحملون نيشان الكرامة على صدورهم، وأن كل ما تقوم به إيران وحلفاؤها بات مكشوفًا على الملأ.
أما أسلوب التصفية الجسدية، فهو حيلة العاجز، ويكثر في لبنان نظرا لتكاثر الجنود الإيرانيين على أرضها – طهرها الله منهم- فمن شهيد أرض الرافدين الرئيس العراقي السابق صدام حسين – رحمه الله-  مرورا بالشهيد اللبناني رفيق الحريري – رحمه الله- والجرائم مستمرة ولا تتوقف طالما لا حراك ولا استنكار عربي أو دولي، وأخيرا وليس آخرا شهيد عكار الشيخ أحمد عبدالواحد – رحمه الله- الذي وقف إلى جانب المقاومة السورية، وقدم إنسانيته وأخلاقه إلى اللاجئين الذين فروا من جرائم المحتل “الأسدي” السوري، وكأنهم يقولون: هذا جزاء كل من يساند الحق وأهله؟! معتقدين أن الرسالة الإرهابية ستثني العزة والكرامة العربية عن دينها وأرضها التي أرادوها مرتعا لملالي إيران.
إن مشهد دماء الشيخ أحمد عبدالواحد، ورفاقه، لم يحدث اهتزازا في نفوس أهالي عكار وشعب لبنان وحدهم، بل هو مشهدا هز العالم، كما أنه ساهم بشكل مباشر في زيادة الوعي تجاه إيران وجنودها في المنطقة، فهو حدث إرهابي ضد هذه الميليشيات التي تقوم بجرائم تُعجل – بإذن الله- في نهايتها، وما مشهد العصابة الأسدية ورؤوسها في لبنان وقادتها في إيران عن المحاكمة ببعيد، إذ أن رجال سوريا يمضون في طريق النصر، والوقت في عده التنازلي فليس في سوريا الآن من هو متخاذل أو متردد عن المشاركة في الثورة، وقيام حلب مؤخرًا بثقلها الاستراتيجي والشعبي كفيل بتسريع عجلة نهاية طواغيت إيران وعصابتهم، وأظن إن كان لدى العصابة الأسدية بقايا من الأمل، فإن نهوض حلب في الثورة المباركة قد قضى على هذه البقايا.. الشعوب العربية حرة، والتصفيات بكل أشكالها تزيد الوقود وتكشف العصابات وميليشياتهم أكثر، فأكثر!

ماذا بقي للأسد في سوريا

د.عمران الكبيسي
قد يستطيع الرئيس الأسد البقاء في سوريا أياما وأشهرا وربما سنة أخرى! ويبقى اسمه يتردد في الفضائيات وتعرض صوره الشاشات! ويبقى قصره مضيئا، وتبقى حرمه  المصون السيدة الأولى! ويبقى حرسه حوله يهتفون شبيحة للأبد لأجلك يا أسد، وقد يجد من الحزبيين والوصوليين والمنتفعين ومن ارتبط مصيره بالنظام يلتف حوله ويهتف له ويدعوه السيد الرئيس! وقد يحاول السيد حسن نصر الله وإيران وربما العراق وحتى روسيا والصين إسناده والدفاع عنه! ولكن إلى متى يبقى الحمار على التل؟ كما كنا نقرأ بكتاب القراءة سنة أولى ابتدائي. فليلة القبض على فاطمة، قادمة!
وقد يليق للأسد البقاء رئيسا ولا حياة لمن تنادي! ويبقى حوله مئات المراقبين الدوليين بقبعاتهم وخوذهم ودروعهم الزرقاء؟ ولا يسأل نفسه لماذا جاء هؤلاء الملونة أشكالهم وأجناسهم من كل فج عميق؟ وماذا يفعلون ومن أرسلهم؟ وسواء أكانوا مكلفين بحمايته من الشعب، أو بحماية الشعب منه، إلا يخجل الدكتور من نفسه، أم أن الحياء قطرة وسقطت؟
وما زال باستطاعة الأسد قصف مدن سوريا وقراها وريفها وسهولها وجبالها، برا وجوا وبحرا، وباستطاعته الاستغاثة والاستعانة بشبيحة حزب الله، وجيش القدس الإيراني، وعصابات الموت العراقية، وبإمكانه إيجاد من يزوده بالسلاح والعتاد والدولارات! ومازال لديه من يرفع يده في المحافل الدولية “بالفيتو” وهو مغمض العينين ورأسه في الأرض لا يجرؤ على مواجهة العالم بصلفه وقبحه! ولكن هل يستطيع مواجهة العالم بخطاباته النارية متحدثا عن الصمود والكفاح والوطن والحرية والديمقراطية والاستعمار والمقاومة، بصوته الجهوري كما كان يصول ويجول في مؤتمرات القمة يُنظّر ؟ أم سقطت الأقنعة عن الوجوه الغابرة، وحقيقة الطغيان باتت سافرة. وشاهت الوجوه ؟
لقد قتل الرئيس العلوي الأسد خمسة عشر ألف شهيد، ولديه القسوة والجرأة والوحشية لأن يقتل أضعافهم، وهجّر نصف مليون من النساء والأطفال والشيوخ والمرضى خارج سوريا، وهجر الملايين داخلها، وما زال المجال ممكنا لهجرة ملايين أخر، وسجن واعتقل مائة وخمسين ألف سوري، وهو يحاول تطويق سوريا كلها وجعلها معتقلا وسجنا مفتوحا فلم تعد السجون والثكنات والمؤسسات تتسع للمزيد، وأصبح التعذيب داخل المعتقلات مكلفا ومتعبا، وبدل من تعذيبهم وقتلهم نحرا في الزنزانات يعذبهم جوعا وعطشا هائمين في البراري، محرومين من الحاجات الإنسانية الأساسية، ومن بقوا يقصف دورهم ويردمها على رؤوسهم بالنار والحديد، فالداخل إلى سوريا مفقود لا يعود، والخارج منها مولود، وآخرها، ما هو السبيل؟ وما هو الحل؟ هل يبيد الرئيس كل الشعب بأسلحة الدمار الشامل، ليبقى وحده يرفع على سريره علما لتناديه حرمه سيدي الرئيس، ويدعوه ابنه الرئيس بابا!
قد لا يهرب الأسد بالطريقة التي هرب بها بن علي من تونس مع أسرته بليلة ظلماء حاملا صناديق العملات والمجوهرات، فقد هرّب الأسد زوجته ووالدته وأبناءه بما خف حمله وغلى ثمنه مبكرا، وصار يسهر ويطارحهم الحسرات كما كشف من سرق تفاصيل موقعه، وقد لا يتنازل لنائبه ويتنحى كما فعل حسني مبارك ويركب الهليكوبتر إلى أحدى المنتجعات، فليس هناك منتجع في سوريا يستقبله ويستطيع المبيت فيه آمنا ولو ليلة واحدة، وليس له دهاء على صالح في اليمن وحكمته ولا يمتلك مكره، ولا يجيد مناوراته ليفعل ما فعله، ولا لديه بعضا من حسناته، ليمنحه السوريون ما منح اليمنيون لرئيسهم المخلوع من الحصانة وغيرها، فما عسى الأسد ان يفعل إن ضيّق عليه الشعب الخناق وضاقت عليه الأرض بما رحبت ؟ لا استبعد أن يلاقي ما لاقاه صديقة القذافي، فالطيور على أشكالها تقع؟ ومن سار على الدرب وصل!
ولا اشك أن هناك من يدفع الأسد لافتراس شعبه والبقاء حتى اللحظة الأخيرة، ويمنيه بأمل البقاء رئيسا، فما دامت لديه فرصة للهرب إلى لبنان ثم طهران، وإن ضاقت الحيل التوجه إلى العراق فإيران، هذا إن لم يحاول احد حرسه أو مقربيه في اللحظة الخيرة ان ينهي حياته البائسة برصاصة زهيدة من تلك التي تستخدم لقتل للكلاب المسعورة والضالة؟
إن ما فعله الأسد ويفعله بالشعب السوري لن يترك له مجالا العيش إنسانا سويا حتى لو سلم وغادر سوريا، ووجد من يطعمه ويسقيه كالبهيمة، ومهما افتقد الإحساس والشعور بالذنب وتأنيب الضمير، فأن استغاثة المظلومين، وانين المعذبين ودماء الشهداء وجراحهم ستقض مضاجعه، ولن يستطيع الهرب مما ارتكب، وستلاحقه مشاهد المجازر والمذابح التي ارتكبها قتلا وتعذيبا وتدميرا ليلا ونهارا بالكوابيس التي ستهد كيانه وتحطم حياته حتى يتمنى الموت فلا يأتيه، وصدق الله وعده إذ يقول:* وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ* البقرة: 165.