إن كنتم تبحثون عن النقائض فهي كثيرة جداً، تكشف لكم أن ما يدّعونه مجرد غطاء لما هو أكبر وأعظم، إذ مثلما قلنا بالأمس، شعارات المطالب المعيشية كانت مجرد غطاء لشعار إسقاط النظام، وتحشيد الناس، كان للبحث عن أرقام، ويفضل أن تكون أرقاماً لأناس ارتفعت أرواحها إلى السماء. هي ليست قضية شعب، بقدر ما هي قضية فئة كانت ولازالت أهدافها هي الاستيلاء على مقدرات الأمور في البلد، وحقيقة ما يريده الشعب هي مسألة لا تهمها أصلاً، طالما أن استغلال مسمى الشعب سيضفي على طابع تحركها شكلاً عاماً بأن هذا حقيقة ما يحصل في البحرين، وهو ما ينطق به كافة أطياف المجتمع البحريني، وهو في الحقيقة كذب صريح. انظروا للتناقضات الصادرة عن مرجع الوفاق الذي منحه الولي الفقيه درجة ''آية الله''، ابتداء من انتخابات 2002 وصولاً إلى اليوم. قبل تسعة أعوام كانت الفتوى الصادرة للوفاق بعدم المشاركة في الانتخابات النيابية، رغم أن الشعار السابق الذي كانت تتبناه ما تُطلق على نفسها المعارضة هو ''البرلمان هو الحل''، لكن لأن الحل لم يكن مفصلاً على هواها وبحسب ما تراه، باعتبار أن في البحرين أطيافاً أخرى غيرها، فإن الفتوى والتوجيه كان باتجاه المقاطعة. بعد أربعة أعوام تغيرت الفتوى باتجاه المشاركة، في تناقض غريب هو ليس الأول وليس الأخير من نوعه، وكان المبرر واضحاً، تمثل بخسارة من أطلقوا على أنفسهم مسمى ''التحالف الرباعي'' على الصعيد السياسي، حين كان الحراك غير ذي صبغة شرعية، ونعني بالشرعية هنا الحراك داخل المؤسسة التشريعية. تناقض آخر جاء بناء على فتوى أخرى، هو ما يتعلق بالتقاعد النيابي الإلزامي، الذي كانت فتوى المرجع في 2002 تقول بأنه حرام ولا يجوز قبوله والمطالبة به، لكنها تغيرت بعد أربعة أعوام حينما دخلت الوفاق المجلس، وتمت إباحته إلى درجة سعي نواب الوفاق إلى إقناع الكتل الأخرى لتمريره بشكل إلزامي منعاً للإحراج أمام شارعها الذي لم يستفد معيشياً من حراكها داخل البرلمان. خلال الأزمة الأخيرة كانت الفتوى بتعليق عضوية نواب الوفاق والنزول إلى الدوار ونصب الخيام فيه، والظهور في أعلى المشهد السياسي كمتبناة لحراك الشارع، وبعدها جاءت الفتوى بشأن وضع الشروط العديدة لإفشال الحوار الوطني الذي دعا له سمو ولي العهد، وهذا التعنت هو ما أدخل الوطن في الأزمة التي مررنا بها. آخر الفتاوى التي تأتي بأسلوب ''الولي الفقيه'' كانت بالدخول لحوار التوافق الوطني في لحظته الأخيرة، مع تلويحات تشير لمحاولات ومساع لإفشاله منذ البداية، خاصة وأن هناك من قالها بصريح العبارة بأن الحوار يجب أن يكون بينه وبين الدولة، متناسياً وجود أطياف ومكونات تشكل الغالبية الساحقة، وأنه بالمقارنة بها لا يمثل إلا نسبة ضئيلة جداً. نسرد هذه المحطات فقط لبيان زيف أحد أبرز المطالب التي يطالبون بها، وأعني هنا مطلب ''الدولة المدنية'' أو ''المملكة الدستورية''. أولاً، البحرين هي في الأساس مملكة دستورية، وهي مسألة واضحة في ميثاق العمل الوطني الذي صوتت عليه الغالبية الساحقة، لكن في الأزمة اكتشفنا من نكص على عقبيه وحاول التنصل من الميثاق. ثانياً، مطلبهم هو تجريد الحكم من صلاحياته، وجعل الحاكم يملك ولا يحكم، فإن التجربة البريطانية التي يستشهدون بها ليست تلك التجربة التي تطبقها كل دول العالم، بل من قال بأنها يجب أن تكون المثال المحتذى به؟! وهنا من المهم التذكير بخصوصية المجتمع البحريني، وبشكل الدولة والنظام الحاكم، فعائلة آل خليفة هي فاتحة هذه الأرض، ونظامها الملكي الوراثي، وحق الملك الأصيل في تعيين رئيس الوزراء، مسائل كلها تعد من الثوابت التي اتفق عليها في الميثاق (ارجعوا لباب اختصاصات الأمير)، في ظل تحول البحرين إلى مملكة فيها مؤسسات دستورية ومجلس تشريعي منتخب. وإلحاقاً بالنقطة السابقة، لا يجب تناسي كون البحرين دولة عربية مسلمة، وباعتبارنا مسلمين، أين حصل في تاريخ الدولة الإسلامية، وحتى منذ أيام رسولنا الكريم، أن الحاكم اقتصر وجوده على الملك فقط لا الحكم؟! هنا التناقض واضح في مسألة ولاية الأمر وطاعة ولي الأمر. عموماً بالنسبة للدولة المدنية، كيف يتفق مفهوم الدولة المدنية مع العمل بالتبعية المطلقة لولاية الفقيه؟! كيف سيكون العمل في إطار دولة مدنية يفترض أن القرار فيها لمؤسسات متعددة فيها؟، لكن الواقع أن من ينادي بذلك لا يعترف إلا بالفتاوى أو بتوجيه الولي الفقيه وممثله؟! إذ حتى تحديد ناخبي الناس يتم وفق صكوك الموافقة من الولي الفقيه، وحتى قبول القوانين، والحراك المجتمعي، والقرارات المصيرية تتم بناء على موافقة شخص واحد، مازال يمارس دور السياسي المرتدي لعباءة الدين. يريدون دولة مدنية لكن يحكمها الولي الفقيه، هذه هي الحقيقة، وهنا أصل القصة كلها، الشعارات تظل مجرد شعارات يرفعونها، بينما الحقيقة باتت يعرفها الجميع. قياداتها لا تشك خيطاً في إبرة إلا حينما يأمر الشخص الواحد، ولا تتخذ خطوة إلا حينما يباركها هو. من يعمل بهذا الأسلوب، كيف يريد للناس تصديق ما يرفعه من شعارات، وما يصدر عنه من أقوال؟! ؟ اتجاه معاكس.. حوار التوافق الوطني افتتح رسمياً بالأمس، ورأينا العديد من الوجوه مجتمعة في موقع واحد تلبية لدعوة ملك البلاد للحوار من أجل البحرين. رأينا وجوهاً كانت من محركات التحريض على الأرض، ورأينا وجوهاً انقلبت حينما احتاجت لها الدولة، ورأينا وجوهاً دعمت بطرق متباينة مخطط الانقلاب. لكن رغم ذلك نقول إن البحرين اليوم أقوى من قبل حينما عرف الناس من هم مع الدولة وأهلها المخلصون، ومن هم الذين كانوا يمنون النفس بنجاح الاختطاف. الحوار كما اعتبرناه سابقاً بمثابة جهاز ''الأشعة السينية''، سيكون كاشفاً لحقيقة أهداف الكثيرين، من يريد الخير لهذا الوطن ويعمل من أجل تحقيق الأهداف العامة التي تصب في الصالح العام. في المقابل سيكشف حقيقة نوايا من يريد تحقيق أهدافه الخاصة على حساب الوطن. الجميل في المسألة أن الغالبية الموجودة تؤكد على الثوابت التي لا نقاش فيها ولا جدل بشأن شكل الدولة ونظامها ومناصبها العليا، ويتضح أن هدفها مصلحة البلد وشعبها المخلص، وبالتالي على أي صوت نشاز سيفرض على الجميع في داخل البحرين وخارجها، أن يرسم حوله ألف علامة استفهام |
فيصل الشيخ