Sunday, July 3, 2011

الفوضــــى الخــــلاقة والقــــرار الظنــــي‮


  فرضت أزمة البحرين وتداعياتها على المواطن اهتماماً‮ ‬يدرج ضمن اهتماماته بطريقة لاإرادية فرضها حب الوطن والخوف عليه من أطماع كشرت عن أنيابها المختفية منذ زمن،‮ ‬فأصبحنا نبحث عن المعلومات التي‮ ‬تفك رموز العديد من الرسائل الاتصالية التي‮ ‬نتلقاها من وسائل الإعلام وتلك التي‮ ‬نتقاسمها مع كل من‮ ‬يفتح باب الحوار حول ما جرى ويجري‮ ‬على هذه الأرض الطيبة‮. ‬ إن عملية البحث عن الحقيقة حق مشروع لكل مواطن‮ ‬يسعى إلى ضمان استقراره واستقرار وطنه،‮ ‬إلا أنه‮ ‬يجب أن‮ ‬يبحث في‮ ‬الأسباب التي‮ ‬أدت إلى الأزمة وما تلاها،‮ ‬وبالتالي‮ ‬يسهم في‮ ‬الحلول التي‮ ‬تحد من آثارها بعيداً‮ ‬عن الأنانية والسطحية في‮ ‬النظر إلى الأمور وتحليل مجريات الأحداث،‮ ‬لأن الوضع لا‮ ‬يحتمل إلا توحيد الصفوف،‮ ‬قراءة ما بين السطور والعمل بشكل جدي‮ ‬على إيجاد الحلول الجذرية التي‮ ‬تجتث المشكلة اجتثاثاً‮ ‬يضمن عدم عودتها‮. ‬ الحفاظ على أمن البحرين‮ ‬يتطلب النظر إلى نقاط ضعفنا وسلبياتنا والقضاء عليها وكذلك تغيير اهتماماتنا إلى اهتمامات تدعم موقفنا،‮ ‬إلى جانب تعزيز نقاط قوتنا،‮ ‬والحق‮ ‬يقال أن سلبياتنا فاضت وفاقت على إيجابيتنا والدليل ما حدث للبحرين،‮ ‬إلا أن الوقت مازال مواتياً‮ ‬لتدارك الأخطاء بشرط عدم السير بسرعة السلحفاة،‮ ‬ولعل أول الخطوات هي‮ ‬زيادة وعينا بأبعاد ما‮ ‬يحاك لوطننا الغالي‮ ‬لأن هذا الوعي‮ ‬هو الذي‮ ‬سيجعلنا قادرين على حماية البحرين،‮ ‬لأن العلم سلاح‮ ‬يمكن تسخير إلى جانب الرغبة والإرادة الشعبية القوية لشرفاء هذه الأرض للتصدي‮ ‬لأي‮ ‬مخطط دنيء‮.‬ يجب أن‮ ‬يبدأ وعينا بمعرفة موقع البحرين في‮ ‬المخطط الذي‮ ‬يستهدف الدول العربية‮. ‬فما حدث جزء لا‮ ‬يتجزأ من أيدلوجية أمريكية أصبحت واضحة الملامح خصوصاً‮ ‬بعد الثورات التي‮ ‬اجتاحت العالم العربي‮ ‬والتي‮ ‬استغلها ما‮ ‬يسمون حركة‮ ‬14‮ ‬فبراير لتنفيذ الخطة الفاشلة لقلب نظام الحكم‮. ‬ هذه الأيديولوجية تبنت نظرية‮ (‬الفوضى الخلاقة‮) ‬أو ما تعرف أحيانا بـ‮ (‬فجوة الاستقرار‮) ‬التي‮ ‬تهدف إلى بناء نظام سياسي‮ ‬عالمي‮ ‬جديد تقوده الولايات المتحدة من خلال تقسيم العالم مابين عالم‮ ‬غارق في‮ ‬الاضطرابات والحروب،‮ ‬وهو العالم الذي‮ ‬لم‮ ‬يلتحق بالنموذج الديمقراطي‮ ‬الأمريكي،‮ ‬وعالم آخر ما بعد التاريخي‮ ‬وهو الديمقراطي‮ ‬الليبرالي‮ ‬وفق الطريقة الأمريكية‮. ‬ تم تطوير نظرية‮ (‬الفوضى الخلاقة‮) ‬على‮ ‬يد العديد من العلماء الأمريكيين لعل أبرزهم‮ (‬توماس بارنيت‮) ‬الذي‮ ‬قسم العالم إلى من هم في‮ ‬القلب أو المركز‮ (‬أمريكا وحلفاؤها‮) ‬وتمت تسميتهم بـ(دول القلب‮). ‬كما صنف دول العالم الأخرى تحت مسمى‮ (‬دول الثقب‮)‬،‮ ‬حيث تم تشبيه هذه الدول بثقب الأمازون الذي‮ ‬لم‮ ‬يكن ظاهرا قبل أحداث‮ ‬11‮ ‬سبتمبر،‮ ‬وهي‮ ‬دول مصابة بالنزاعات المزمنة والأمراض والقتل الجماعي‮ ‬والحكم الاستبدادي‮. ‬كما إنها تمثل مزارع لتفريخ الجيل القادم من الإرهابيين‮. ‬وبالتالي‮ ‬وكنتيجة لتفاقم هذه المشكلات وازدياد الفوضى،‮ ‬فإن على دول القلب ردع أسوأ صادرات دول الثقب والعمل على تقليص الفجوة أو انكماش الثقب عبر التدخل في‮ ‬الشؤون الداخلية بداعي‮ ‬الإصلاح والسيطرة على الوضع وإعادة البناء من الداخل‮. ‬ويزعم‮ (‬بارنيت‮) ‬أن الولايات المتحدة الأمريكية هي‮ ‬الدولة الوحيدة القادرة على ذلك‮. ‬ ويرى الباحثون أن خلق هذا النظام السياسي‮ ‬الجديد أصبح ممكناً‮ ‬بعد سقوط العراق،‮ ‬وباستمرار الاستراتيجية الأمريكية في‮ ‬تشجيع حالة الغليان وعدم الاستقرار في‮ ‬الشرق الأوسط،‮ ‬مما‮ ‬يعني‮ ‬أن الفوضى الخلاقة في‮ ‬الشرق الأوسط مرتبطة بشكل وثيق بالمصالح الأمريكية في‮ ‬المنطقة‮. ‬ ما سبق كان محاولة لتوضيح جوانب المؤامرة الغربية التي‮ ‬لم تستثن البحرين في‮ ‬مخططها،‮ ‬ولتأويل ما لم‮ ‬يفسر عبر بعض الوسائل الإعلامية من خلال قراءة مابين السطور،‮ ‬لأن المسألة أعقد بكثير من أن تكتب أو تشرح في‮ ‬مقال واحد أو توضح عبر مقابلة عابرة في‮ ‬إحدى القنوات الفضائية،‮ ‬بل تتطلب جهوداً‮ ‬جبارة تبدأ من الذات في‮ ‬تثقيف أنفسنا لنتمكن من الخروج من دوامة المعلومات الهائلة،‮ ‬ونستطيع قراءة ما وراء الحدث دون استجداء النشرات الإخبارية والبرامج الحوارية أو شخوص وجدتها فرصة للبروز الإعلامي‮. ‬ إن وجود أجندة خارجية كان الاستنتاج الأول من أزمة البحرين في‮ ‬وجود العديد من الدلائل التي‮ ‬تشكل في‮ ‬مجملها الاستراتيجيات التي‮ ‬تم الاعتماد عليها لإثارة الفوضى التي‮ ‬تحقق أهداف تلك الأجندة‮. ‬وأبرز تلك الاستراتيجيات التي‮ ‬يمكن تلمسها بمجرد الدخول على أي‮ ‬موقع من مواقع الاتصال الاجتماعي‮ ‬هو العمل الدائم والمستمر على إثارة الفتن الطائفية وتأجيجها لشق الصفوف وتفادي‮ ‬توحيد الأطياف والمكونات المختلفة للمجتمع البحريني‮. ‬كما تم ومازال الاعتماد على طابور خامس‮ ‬يعمل بشكل مستمر في‮ ‬إثارة الفوضى والمشاكل ويتسبب في‮ ‬ارتكاب العديد من الجرائم ويقوم بإسقاطها على‮ ‬غيره‮. ‬كما تم توظيف جميع وسائل الإعلام الممكنة لتلك الفئة الضالة من أجل بث أحداث مختلقة وصور مفبركة لضمان استمرار الفوضى وإيهام العالم بضرورة التدخل لإنقاذهم من ويلات قمع وحرب لا توجد إلا في‮ ‬مخيلتهم‮. ‬ فلا‮ ‬يجب علينا أن نعجب من ذلك إذا ما عرفنا أن التضليل الإعلامي‮ ‬هو الأداة الأساسية التي‮ ‬توظفها الولايات المتحدة من أجل تحقيق الهيمنة السياسية داخلياً‮ ‬وخارجياً‮ ‬مستغلة فجوة العقل الإعلامي‮ ‬التي‮ ‬تتمثل في‮ ‬العديد من المجالات أهمها طبيعة الجمهور المتلقي‮ ‬وتباينه اقتصادياً،‮ ‬وثقافياً‮ ‬وديمغرافياً،‮ ‬إضافة إلى تعدد مستويات وعيه السياسي‮ ‬والاجتماعي‮. ‬ولعل أقرب دليل على ذلك هو تسخير بعض عناصر الطابور الخامس في‮ ‬مركز اللغة الإنجليزية ومركز الدراسات الأمريكية بجامعة البحرين للمساهمة في‮ ‬التحقيق‮.‬ متطلبات الحفاظ على البحرين لا تقف عند الوعي‮ ‬بجوانب المخطط ومتابعة الأحداث في‮ ‬انتظار ما هو قادم،‮ ‬إنما المشاركة الفعلية في‮ ‬رسم الحلول والمشاركة في‮ ‬تنفيذها كتعبير عن الولاء والوطنية تتخطى الأفق الضيق للمفهوم وتصبح قادرة على تجاوز الشائعات بكل عزيمة‮. ‬المواطن البحريني‮ ‬يجب أن‮ ‬يكون مثقفاً‮ ‬ونشيطاً‮ ‬إعلامياً‮ ‬وسياسياً‮ ‬واجتماعياً‮ ‬حتى‮ ‬يتمكن من بناء وطنه ويصبح قادراً‮ ‬على الدفاع عنه في‮ ‬أي‮ ‬محفل‮. ‬ كما إن متطلبات الحفاظ على الوطن تتعدى الحلول على مستوى الأفراد،‮ ‬لتشمل حلولاً‮ ‬على نطاق الدولة التي‮ ‬خطت خطوات جريئة في‮ ‬الآونة الأخيرة باتجاه الخروج من هذه الأزمة بأقل الخسائر الممكنة ابتداءً‮ ‬من حوار التوافق الوطني،‮ ‬ومروراً‮ ‬بتشكيل لجنة ملكية لتقصي‮ ‬الحقائق في‮ ‬أحداث فبراير ومارس‮. ‬إلا أننا نتمنى أن هذه الخطوات لا تغفل أهمية التوجه نحو تأسيس كنفيدرالية خليجية لتضع حداً‮ ‬أمام الفوضى التي‮ ‬تخلقها دول القلب،‮ ‬خصوصاً‮ ‬أن المعطيات على الصعيد السياسي‮ ‬مازالت مقلقة ومنها على سبيل المثال صدور القرار الظني‮ ‬في‮ ‬لبنان و ثبوت تورط عناصر من حزب الله في‮ ‬قضية اغتيال الحريري،‮ ‬والذي‮ ‬يفتح المجال لعدد من سيناريوهات‮ (‬الفوضى‮) ‬في‮ ‬سوريا ولبنان والعراق وغيرها،‮ ‬وأضع مليون خط تحت كلمة‮ ‬غيرها

د‮. ‬مها الراشـــد
صحيفة الوطن - العدد 2031 الأحد 3 يوليو 2011