اليوم يمكن أن تكشف الخطابات نوايا البعض، من يريد للأمور أن تهدأ في البحرين، وفي المقابل من يريد للأمور أن تتصعد وتتأزم، لأنها تخدم مصالحه وأهدافه ''المريضة''. قلناها ونكررها للمرة الألف، نريد لهذه التقسيمات الطائفية (سنة وشيعة) أن تنقرض، لا نريد من يزايد على وطنية أحد، بل لا نريد من يوزع صكوكها، رغم أن الأفعال والأقوال تكشف حقيقة البعض. كلنا نتشارك في الهموم، ونتشارك في المطالب، لسنا في مدينة فاضلة، ونأمل دائماً بأن يتحقق لنا الأفضل. لكننا نختلف في آلية المطالبة بهذه المطالب، فمن يريد استخدام القوة والعنف وفرض رأيه بأسلوب ''لي اليد'' مثلما حاول علي سلمان ومعه الوفاق، إنما هو يزيد النار خشباً ويسعى لتأجيج الناس بدل تهدئتهم. رأينا ما ينشر في الخارج، ورأينا ما ينشر في الداخل، ومن يريد طرح فرضية ''المسرحيات'' وأن يقنع الناس بها، علينا أن نبحث عن دوافعه الحقيقية، إذ ليس الوضع يقبل بالمزايدات اليوم، ولا يقبل ''الفلسفة الزائدة'' على حساب الوطن. هناك من سقط من قتلى -يرحمهم الله- ونحمل المسؤولية من رخص بأرواح الناس مثل عبدالوهاب حسين الذي قال بصريح العبارة ''ليسقط من يسقط من الشهداء''، فقط ليتحصل على ''مشروع الشهيد'' الذي يريده وتوجد ''الشماعة'' التي عليها سيواصل تأجيج المشاعر واللعب على الجراحات لمزيد من الصدام ''اللاعقلاني''، وفي الجانب الآخر هناك من سقط من جانب الأمن الذي سعى لتطبيق النظام ووقف ''ترويع'' الناس وتعطيل المصالح، ولا أدري إن كان عبدالجليل خليل يريد أن يقول لنا بأن الشرطي الذي ''قطعت أصابعه'' مسرحية أخرى استخدم فيها أمهر تقنيي الخدع السينمائية في هوليوود؟! طبعاً كان متوقعاً أن يشار للأسلحة التي وجدت بأنها ''مسرحية'' -لأنه القول الأثير دائماً- وأن يتم طلب نشر فيديوهات تبين أصحابها وهم يستخدمونها، وهنا الفارق بين من يضع كاميراته ''كهدف رئيس'' ليصور رد فعل قوات الأمن ليستغلها على مواقع التواصل الاجتماعية ويبثها للقنوات الفضائية الخارجية، وبين من هدفه الأول فرض القانون وإعادة الأمان للبلد، والتصوير والتوثيق ليس من أهدافه. وسط استغلال ''اللاعبين'' على جراحات الناس، من فئة ضالة في الخارج، ومحركات داخلية يدعمها إعلام له أجندته، ضاعت مطالبات من تجمع في الدوار، ضاعت الشعارات التي تركز على الهموم التي نعانيها وسط الزحام، اختلط الحابل بالنابل، وتحولت المطالبة لحل مشاكل الإسكان والتجنيس والتمييز إلى مطالبة بإسقاط النظام، وهي الدعوة التي يتشدق بها مشيمع وأصحابه، ومن يدعمهم في الداخل وتمثل حلماً قديماً منذ الثمانينات ومازال، مهما حاولوا الالتفاف والنفي. الوفاق التي تدعو للحوار وبأسلوب غير معقول مبني على أسلوب ''الحوار المشروط من طرف واحد'' وبلهجة ''إما تذعنوا وإلا..''، قامت بموقفها بدعم توجه من تختلف معهم في الظاهر، وأعني حق ووفاء وخلاص والأشرار، فقدمت خدمة جليلة لهم. كانت فرصة مناسبة لإعادة صورة الجمعية كطيف معارض، خاصة بعد اهتزاز ''لمة'' شارعها حولها إثر أدائها في المجلس التشريعي، والتي نست فيه مطالب الناس وهمومهم وقدمت أهدافها السياسية، فيما حرق إبراهيم شريف ''وعد'' حرقاً في الشارع السني حينما حاول اختزال الشارع السني في نفسه. حلم تأسيس دولة بداخل دولة مازال مستمراً للأسف، وما يحصل للشارع يخدم هذه التوجهات، والمتضرر الأول والأخير هم الناس، سواء من استغلوا كوقود لهذه المحرقة، أو من تابعوا المشهد بقلق. من يقبل اليوم أن يرى البحرين تنقسم لمجتمع ''مطأفن''؟! أن يتم صبغ المظاهرة بطابع شيعي، تقابلها مسيرات بأعداد تفوقها تمثل الطابع السني، وكأننا نسعى لإشعال حرب أهلية، من يقبل بأن يرى بلده في هذا الوضع وهذا الحال؟! بدل المطالب التي رفعت، لدينا مطالب أكثر وأكبر، لكن القناعة لابد وأن تكون بأن أسلوب المطالبة يفترض أن يكون بصورته العقلانية والمتحضرة، خاصة وأن الأطراف المعنية تقبل الاستماع وتتفاعل، ولدينا مجلس يمثل الشعب، لكن أعضاءه لم يجعلوه ممثلاً حقيقياً لآلام الناس وهمومهم، وبدلاً من أن يلعب دوره، يخرج أعضاء فيه ليؤلبوا الناس ويقودوهم لمزيد من الانفعال. نشكر سمو ولي العهد على موقفه وكلامه بالأمس على شاشة تلفزيون البحرين، ونقدر لمن تفاعل معه بعقلانية عبر الدعوة للتهدئة والمضي للحوار، هذه دعوة عقلانية كان يفترض أن تُغلب منذ البداية لا أن نترك المجال لمن في قلوبهم ''غل'' على البلد ليزيدوا من استغلال الناس في دوار اللؤلؤة، ويؤججوا المشاعر في الجانب الآخر. نأمل أن نصل لمرحلة هدوء يتم فيها تغليب مصلحة البحرين وشعبها، وألا نترك مجالاً لمن يريد ''حرق'' البلد والإضرار بشعبها، ما ذنب الضحايا الذين سقطوا؟! ما ذنب عوائلهم؟! لماذا يموتون وغيرهم يقول ''ليسقط من يسقط''، وكأنه لا يتحدث عن أرواح وبشر. اتقوا الله في هذا البلد وشعبه. أما بالنسبة لما يدار في الإعلام الخارجي، فأقول بأنه من المضحك انجرار قنوات يفترض أنها نماذج للإعلام المحترف وراء أكاذيب ومغالطات وزيادات لا منطقية. يخرج من يخرج فيقول إن الموجودين في الدوار 100 ألف شخص، وتمضي الـ''بي بي سي'' -التي كشفت وجهها الحقيقي تجاه البحرين- لتصدقه بـ''عميانية'' وتعتبر كلامه -وهو الموجود في لندن- هو الكلام الفصل. في جانب آخر كشف بعضهم عما يعتمل في قلوبهم حينما ''طرقوا'' أبواب الفضائيات، و''تسولوا'' عبر هواتفها ليتحدثوا بـ''الأكاذيب'' و''المغالطات'' بغية تشويه صورة البلد و''تشويه'' الوقائع، بعضهم يتحدث بكل قوة وشراسة، ينهش في البلد، ويكذب ويزيد من ''جيبه'' وهنا -وبعد ذلك بدقائق- يتباكى ويقول ''قلبي على بلدي''! أيظنون بأن الناس مغفلة؟! إحداهن تصرخ في قناة إيرانية وتقول: ''انقذونا نحن نموت''، هل بالفعل أنت تموتين؟! ومن أين بالضبط تريدين الإنقاذ؟! إن كنت تنشدينه في الخارج، فلماذا لا تذهبين لمن تنشدينه منه، فلربما تشعرين بالأمان هناك؟! للتذكير فقط ليس إلا، المطار في المحرق والجسر في الجسرة. قنوات تقبل أن يسوق عليها أي مقطع متلفز، ومن أي مصدر لا يهم مادام يضرب في البحرين، بينما يتم التغافل عن مسيرات حاشدة تقف مع البلد وقادته وترفض الإضرار به، في إغفال مع سبق الإصرار والترصد للواقع، مثلما فعلت الـ''بي بي سي''. محركات الفوضى تدرك تأثير الإعلام، وتعمل جاهدة بكل وسيلة لتنقل صورة كاذبة للخارج، لكن العتب ليس على أولئك الذين لا تحمل قلوبهم الحب للبحرين وأهلها بقدر ما هو على القنوات التي تدعي الاحترافية والمصداقية حينما تنظر بعين واحدة، وللأسف هي عين بالغة في ''العور''! ربي احفظ هذا البلد وأهله، والرحمة على من قضى ومن تضرر. اتجاه معاكس.. غداً سأقف على ما قاله ''المحرض'' حسن مشيمع بشأن النظام الإيراني ومقارنته له بالبحرين، و''حنينه'' لاستنساخه لدينا، لكنني هنا سأعرج على ما قاله بالأمس بشأن تظاهر عشرات الآلاف من المواطنين تأييداً للنظام والحكم، حينما وصف الشعب البحريني بـ''البلطجية'' وقال بأنهم ''مدفوعي الثمن''! والله إنك خطير، عشرات الآلاف تم الدفع لهم ليخرجوا في مظاهرة تؤيد الوطن وجلالة الملك! خبرونا يا جماعة كل واحد فيكم كم استلم من المال ليخرج في المظاهرة، ولتخبرنا وزارة المالية كم هي الميزانية المرصودة لشراء ''وطنية'' الشعب البحريني، مثلما يقول مشيمع! على فكرة يا أخ مشيمع، بدلتك ''الأرماني'' حلوة، كم سعرها لو سمحت؟!
فيصل الشيخ
فيصل الشيخ