Friday, May 18, 2012

سوريا .. انطلاقة الثورة قبل 440 يوما

د.عمران الكبيسي
440 يوما عمر الثورة السورية، أكد للقاصي والداني أنها ثورة شعبية  تعم سوريا من أقصاها إلى أقصاها، تظاهرات حاشدة لم يعد يتسنى لأحد وصفها بالعصابات والاحتجاجات المحدودة، وسقوط آلاف الشهداء والجرحى لا يحتمل عددهم التفسير إلا بتضحيات شعب ثائر يقدم قرابين الحرية، وموجات المعتقلين والمحتجزين والمهجرين لا تتيح لكائن من كان الدفاع عن الحكومة ونفي الاستبداد والتجبر، واستخدام الأمن والجيش لسلاح الميدان دبابات ومدفعية وقاذفات استخداما مفرطا لا يدع مجالا للشك إنها حكومة معزولة مجرمة تشن على شعبها حرب إبادة شاملة، وترتكب جرائم فضيعة بحق الإنسانية تفوق ما يرتكب في الحروب التقليدية بين الجيوش، ولا حيز لحسن الظن بالسلطة الحاكمة والدفاع عنها، لا لعالم دين من أي طائفة، ولا لسياسي أو مثقف حر وشريف، ولا حتى التزام الصمت، ومن يدافع عن الأسد وزمرته تحت أي مبرر لا يعدو كونه خائنا لشعبه، ومنافقا منتفعا، ومجرما موتورا، ومريضا بالشذوذ والجنون، ولا ضرورة للمناقشة، فالحلال بيّن والحرام بيّن وليس بينهما مشتبهات تدرأ الحدود.
فمتى بدأت الثورة وكيف؟ لمن فاته المشهد، بدأت الدعوة للتظاهر على الفيس بوك 20/2/2011 وحددت التاريخ يوم 15مارس، ولكن درعا استبقت الموعد، وسجلت شرف السبق. وهناك من يجعل الثورة تواصلا مع الانتفاضة الثورية على الأسد الأب 1980، وبعضهم يربطها بانتفاضة عام 2004، أو بيوم حرق بوعزيزي لنفسه بتونس فالشرارة بدأت هناك، لكن الإجماع قائم على الثلاثاء15/3/2011، حيث هتفت مجموعات في زوايا متفرقة بسوق الحميدية بدمشق هتافات مناوئة للحكومة، وفي الوقت ذاته اندلعت الاشتباكات بدرعا وهناك من يراها 18مارس يوم اشتداد زخم التظاهر بدرعا وريفها، وتجمع مائة متظاهر قرب الجامع الأموي وسوق الحميدية ولكن الشرطة فرقتهم، وآخرون يعدون 23 مارس امتداد التظاهر إلى حمص وحما ومناطق أخرى، وسقوط مئات الشهداء والجرحى هو المنطلق.
أما كيف بدأت؟ انطلقت الشرارة من دعوات الفيس بوك، تيمما بثورة الياسمين بتونس وثورة الربيع بمصر، فظهرت في أواخر فبراير وأول مارس 2011 كتابات كلمة (حرية) على جدران المدارس بدرعا  وصار الأطفال يتنادون بها ويتغامزون جهارا، ثم كتبوا “الشعب يريد إسقاط النظام” فثارت ثائرة النظام وكان الأسد نفى أن تكون سوريا مرشحة لثورة كمصر وتونس. وبدأ جهاز الأمن السياسي يبحث عن 16 تلميذا لاعتقالهم، من أسرتي الجوابرة وبايزيد، فقابل مختارهم عميد الأمن عاطف نجيب قريب الأسد، ليخبره بأن المطلوبين أطفال قصّر، فطلب العميد إحضارهم لمجرد السؤال وإطلاق سراحهم، فأحضروا ولكنه لم يف بوعده واعتقلهم، فاسقط بيد المختار الذي تعهد لذوي الأطفال بإعادتهم بعد استجوابهم، فما كان منه إلا أن وضع عقاله على الطاولة نخوة واستنجادا على الطريقة العربية، لكن العميد أمر الشرطي برمي العقال بالزبالة، وغاب وما عاد يأبه بأحد.
تجمع الأهالي أمام الأمن السياسي، وعرفوا أن العميد والمحافظ بصدد تناول الغداء بأحد المطاعم فسبقوهما وفيهم مغتربون ملتحون وفدوا من الخليج بعطلة منتصف العام وحضروا للبحث عن ابنائهم، وقابلوا العميد عند المدخل فنفر وقال: “انسوهم وسافروا ومن يريد ابن يأتي بزوجته نعمل له بدلا عنه” فاهتاجوا وأرادوا الاعتداء عليه فغادر المكان، وانتظروا المحافظ فكان جوابه اشد وقعا: “من يقول هؤلاء ابناكم”؟ تناثر الخبر فأحرق متجمعون في ساحة المحاكم قاعتين في 15/3 قبل أن يفرقهم الأمن بالعنف، وبدأت الاعتقالات واتسع التوتر وعم الوجوم، وفي صلاة الجمعة 18/3 أثناء دعاء الخطيب لبشار الأسد هتف شاب “الموت ولا المذلة يا درعا” وتظاهر الناس بعد الصلاة واقتلعت الألوف تماثيل الأسد الأب والابن ومزقوا صورهم ورموها بالأحذية، وحرقوا مقرات الحزب، وسقط عشرات القتلى والجرحى.
وعلى الرغم من تفاوض الأهالي مع وفد حكومي برئاسة رستم غزالة والإقرار بضرورة محاسبة المقصرين وإطلاق سراح الأطفال لم تف الحكومة بوعودها وتنازلاتها فتفاقم الأمر وشمل الاحتجاج حوران واللاذقية واقتحم الأمن السياسي المسجد العمري بدرعا 23/3 وقتل وجرح عشرات المصلين وعرضت الشاشات أسلحة زعمت لعصابات السلفيين وجدت بالمسجد، وفي جمعة الكرامة تظاهر الناس واشتد العنف والضحايا فاستبدل المحافظ، وأقيلت الحكومة وامتدت الثورة إلى دوما وبانياس وتلبيسة وحمص وحماة وإدلب والقامشلي ودير الزور ودمشق وريفها كالحميدية والمرجة والمزة والقابون والكسوة وداريا والتل ودوما والزبداني، وريف حلب ولشدة القمع والتنكيل الأمني استمر التظاهر وتساقط الضحايا برصاص الأمن والجيش، حتى فقدت الجماهير الأمل بالإصلاح والاستجابة، ونادت بسقوط النظام ورحيل الأسد، ووصل الحال إلى ما عليه الحال اليوم من قتل وإعدامات وتدمير وتفجير وتهجير لم تشهده البشرية في التاريخ المعاصر، وقيام رئيس يتباهى ويتشدق بالإصلاح والحرية والديمقراطية ويحرق ويذبح شعبه كما يفعل الأسد.