Friday, May 18, 2012

البترول ولعبة المضيق

محمد المرباطي
أهمية البترول في السياسة الدولية: عند قراءة بعض الوثائق وتصريحات القادة العسكريين والسياسيين الغربيين حول أهمية البترول لبناء حضارة غربية واعدة، ندرك حقيقة ان البترول يعادل الدم في شريان الحضارة الإنسانية المعاصرة، بعد ان اصبح البترول عنصراً هاماً في جميع مجالات الحياة الاقتصادية والعسكرية، وقد تعزز ذلك مع الحرب العالمية الأولى عندما دخل البترول عنصرا حاسماً في السياسة الدولية، وفي هذا الصدد يقول رئيس وزراء فرنسا خلال الحرب العالمية الأولى إن البترول ضروري لفرنسا وللعالم كالدم، ونجد رئيس الولايات المتحدة الأمريكية (كالفن كوليدج: جمهوري: 1923 - 1929) يقول في عام 1924: (إن الغلبة بين الشعوب ستكون بمقدار ما تملك من البترول ومنتجاته)، لذا اخذت الدول الغربية بعد الحرب العالمية الأولى تتجه نحو السيطرة التامة على منابع البترول وتقسيم مناطق النفوذ، وفي هذا الخصوص كتبت صحيفة البترول والغاز: (إن اجتماعات موسكو والقاهرة وطهران التي هدفت لتنظيم – تقسيم - العالم بعد الحرب العالمية قد دار الحديث فيها عن مستقبل البترول وتوزيعه، ويعتقد السياسيون أن البترول هو الأساس الذي يرتكز عليه السلم الحقيقي، وذكرت ما قاله اللورد جورج كرزون نائب ملك إنجلترا وحاكم عام الهند: (إن الحلفاء كسبوا الحرب بالدم والبترول، ووصلوا إلى النصر عبر بحر من البترول). إن ما قاله الجنرال (إريك فريدريك ويلهلم لودندورف) نائب رئيس هيئة اركان الحرب للجيش الالماني وصانع النصر في معركة (لياج) لغزو بلجيكا كأول عملية عسكرية في الحرب العالمية الأولى بأن: (افتقار ألمانيا للبترول كان له أكبر الأثر في هزيمة الجيش، ومطالبة ألمانيا بالصلح). إن دول الخليج وشعوبها لا تدرك اهمية هذه المادة الحيوية والاستراتيجية بالنسبة لدول العالم، ولاتزال تتجاهل هذه الأهمية الحضارية للبترول الذي يقف عليه مستقبل الحضارة الإنسانية، فالبترول مادة استراتيجية لجميع الدول الصناعية والنامية، الدول المستهلكة والمنتجة، فمن اجلها استعمر خليج البترول والعراق ودول نفطية في شتى بقاع الأرض، واستغلت شعوبها واضطهدت، كما شكلت انظمة وحكومات عميلة ترعى مصالحها الاستعمارية ونهب ثروات تلك الشعوب المقهورة. كان للبترول الأثر الحاسم في قيام النظام الإمبريالي العالمي، كما اصبح العامل الرئيسي في إثراء دول وافراد وجماعات، وبفضل البترول ازدهرت الصناعات، وقامت شركات ضخمة تجاوزت حدودها الجغرافية واخضعت حكومات لسيطرتها، فالبترول مادة كالدماء في شرايين الحضارة، وفي هذا الصدد يقول الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت (1933 - 1945) (إن المشكلة في الولايات المتحدة الأمريكية أنه لا يمكنك خوض الانتخابات الرئاسية بدون الشركات النفطية ولا يمكنك أن تحكم معهم)، هذه الإشارة كانت تبين مستقبل السياسة النفطية الأمريكية في مواجهة السيطرة الاستعمارية البريطانية على معظم مناطق العالم إضافة للاستعمار الفرنسي، وكانت بريطانيا بحكم سيطرتها على العالم اعتبرت الثروات البترولية جزءا من ممتلكاتها الخاصة وحقا لها وحدها، إضافة الى ان الإنجليز كانوا ينظرون لشعوب مستعمراتهم على أنها شعوب متخلفة وغير قادرة على استغلال مثل هذه الثروات المخزونة عبر ملايين السنين في باطن اراضيها، وبالأخص شعوب منطقة الخليج العربي، ولكنها فشلت امام القوة الأمريكية في احتكار الامتيازات البترولية لشركاتها بالكامل، عندما دخلت الولايات المتحدة الأمريكية وشركاتها طرفاً مباشرا في الامتيازات البترولية، وكانت تجد في البترول جزءا استراتيجياً من أمنها الوطني، حيث أكدت لجنة دعم الأمن الوطني الأمريكي عام 1924 أهمية النفط كسلعة استراتيجية، خاصة بعد تناقص إنتاج الآبار الأمريكية بسبب الاستنزاف الكبير، لهذا أعلنت أمريكا عام 1924 سياسة الباب المفتوح، لضمان حصول الشركات النفطية الأمريكية على حقوق الامتياز في مختلف دول العالم، خاصة مناطق الشرق الأوسط والخليج العربي بدعم من الحكومة الأمريكية، لذا كانت عقود امتياز التنقيب واستغلال البترول من تنقيب وتسويق وتكرير في إمارات الخليج العربي بما فيها البحرين لشركات أمريكية بريطانية فرنسية، وهي سبع شركات نفطية كبرى عرفت (بالأخوات السبع - الكارتل Cartel) والتي احتكرت صناعة النفط بمختلف مراحلها لعقود طويلة، وهي: 1. ستاندرد أويل أوف نيوجيرسي. 2. رويال دوتش شل. 3. تكساكو. 4. ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا. 5. سكوني موبيل أويل. 6. جلف أويل. 7. بريتيش بتروليوم. هذه الشركات التي حصلت على عقود الامتياز وتقاسمت الثروة النفطية بناء على اتفاقيات كانت تتم بينها، لقاء بعض المساعدات المالية لحكام المنطقة، وهي من الأسباب التي اعطت الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الخليج العربي الذي وصف بقلب العالم، ووصف مضيق هرمز بالشريان الذي يغذي العالم بأسباب الحضارة واستمرارها، فالمضيق يشكل المعبر البحري الوحيد لحوالي 47% من البترول لدول العالم يوميا، كما يعبر المضيق حوالي (30 - 35) ناقلة بترول تصل حمولتها ما يقارب 25 مليون برميل من النفط، وتكمن أهميته الاستراتيجية والمصيرية لدول الخليج ومعظم دول العالم عندما نعلم ان 100% من النفط الكويتي، و99% من النفط الإماراتي، و100% من البترول القطري إضافة 30% من الإنتاج العالمي لصادراتها من الغاز، و98% من النفط الإيراني والعراقي، و92% من النفط السعودي يمر عبر مضيق هرمز، وتعتمد اليابان على المضيق في تزويدها 85% من احتياجاتها النفطية، كذلك تعتمد كل من كوريا الجنوبية والهند والصين على المضيق في وصول حوالي 70% من حاجاتها النفطية، هذا إضافة لدول اوروبا والولايات المتحدة التي تتحكم شركاتها في هذه الثروة البترولية، لذا نجد الاهتمام الأمريكي والأوربي والياباني بهذه المنطقة النفطية الهامة، فالولايات المتحدة تعتبر منطقة الخليج العربي جزءا من أمنها القومي.
الأهمية الاستراتيجية للقناة الملاحية لمضيق هرمز: حوض الخليج العربي أقرب للبحيرة ذات المنفذ الضيق عند ضفتي الخليج، وتأتي اهميته الاستراتيجية لمعظم الدول المطلة على الخليج كونه المنفذ الوحيد لصادراتها ووارداتها البترولية وغير البترولية، ويبلغ عرض مضيق هرمز حوالي (55) كم، وعند أضيق نقطة يبلغ عرضها نحو (34) كلم، في حين يبلغ عرض القناة الملاحية في مضيق هرمز نحو 6 أميال (9.6 كم). ويحدد مسار (القناة الملاحية) بناء على اعتبارات فنية تمثل عادة المجرى الأعمق والأنسب للملاحة ضمن مياه المضيق، وهذه القنوات تتوزع ضمن ثلاث اقنية ملاحية حسب التوزيع المروري البحري الذي يسمى دولياً نظام العزل المروري، حيث تم تقسيم الأميال الستة على ممرات ثلاثة عرض كل قناة ميلان مخصصة للدخول والخروج من الخليج، وقناة ثالثة تتوسط المسارين، وهي بالكامل جزء من المياه الأقليمية العمانية، وليس لجميع هذه الدول المطلة على المضيق بما فيها ايران الحق في التحكم بهذه القنوات الثلاث، رغم ان الحكومة العمانية تقوم بمسؤولية مراقبة حركة العبور بمضيق هرمز من خلال مواقع رادارية وعسكرية في شبه جزيرة مسندم، او (رأس مسندم) وبالتالي فإن اي تصريح بإغلاق مضيق هرمز يشكل تهديدا مباشرا لأمن وسيادة سلطنة عمان الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية، ولكن عمان ونظراً لتجربتها الطويلة مع مثل هذه التهديدات منذ زمن شاه إيران الذي دخل مع سلطنة عمان في حرب ضد ثوار ظفار خوفاً من سيطرتهم على بعض المواقع المطلة على المضيق، نجد المسؤولين في سلطنة عمان اقل الجهات اهتماماً بالتصريحات الإيرانية لأنها تدرك ان إغلاق مضيق هرمز امر مستحيل ولا يمكن وقوعه، وعلى هذا تعتبر تلك التصريحات والتهديدات مجرد بالونات تعطي نوعا من القوة والعظمة الداخلية لإيران، وتثير خوف بعض الدول المستهلكة للبترول، هذا إلى جانب ان مضيق هرمز يعتبر ممراً مائياً دولياً وفق قانون البحار الدولي لعام 1982، وعليه لا تملك جميع الدول المطلة على مضيق هرمز حقوق السيادة او اي حق بإغلاقه او التهديد بذلك على اعتبار ذلك خرقاً للقانون الدولي ولحرية الملاحة، كون المضيق ملكا للمجتمع الدولي، وحمايته مسؤولية دولية، كونها تهدد الأمن الدولي واستقراره ويقع تحت طائلة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يؤكد في نص المادة (39) من الفصل السابع على مسؤولية مجلس الأمن الدولي في معالجة اي تهديد او خرق للاستقرار او السلم العالمي، وبناء على احكام المادتين (41 – 42) يقرر اتخاذ جميع التدابير لحفظ السلم العالمي، وعلى احكام المادة (41) التي تنص بأن: «على مجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، وله أن يطلب من أعضاء الأمم المتحدة تطبيق هذه التدابير، ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفا جزئيا أو كليا وقطع العلاقات الدبلوماسية»، كما تنص احكام المادة (42) بأن مجلس الأمن الدولي: «إذا رأى أن التدابير المنصوص عليها في المادة 41 لا تفي بالغرض أو ثبت أنها لم تف به، جاز له أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه، ويجوز أن تتناول هذه الأعمال المظاهرات والحصار والعمليات الأخرى بطريق القوات الجوية أو البحرية أو البرية التابعة لأعضاء الأمم المتحدة». فأي احمق بمقدوره تصديق ان هناك قوة على الأرض بإمكانها تهديد الملاحة الدولية عبر مضيق هرمز. التهديد بإغلاق مضيق هرمز يخدم الدول والشركات النفطية: التهديد بإغلاق مضيق هرمز تحول لبضاعة رائجة، فكلما ارتفعت التهديدات بالحرب او إغلاق المضيق، ارتفع معها اسعار البترول، فمعدلات الارتفاع خلال عام 2011 وصلت لحوالي 19%، كما ارتفعت من 106 الى 110 دولارات في اليوم الأول من العام 2012، وتوقع المصرف الإمبريالي الكندي للتجارة صعود سعر برميل النفط إلى 225 دولاراً خلال عام 2012، بفعل قاعدة العرض والطلب والمخاوف المتزايدة حول الإمدادات نتيجة للتهديدات الإيرانية بإقفال المضيق، هذا إلى جانب ارتفاع معدلات الطلب على النفط من البلدان الصناعية، كما تستقبل شركات الشحن والتأمين وبعض الدولة النفطية التهديدات الإيرانية بإغلاق المضيق بارتياح كبير، فهي سبب مباشر في ارتفاع أسعار الشحن التي قفزت من 30 ألف دولار في اليوم خلال عام 2010، إلى 150 ألف دولار في نهاية عام2011، وتشير البيانات الى ان الطلب على البترول خلال العقدين القادمين سيبقى قوياً نتيجة لارتفاع معدلات النمو في عدد من البلدان الآسيوية التي تخطت مؤشرات نموها الاقتصادي 6% مع مطلع عام 2012، إضافة للنمو الهائل الذي تشهده الهند والصين كأكبر مستهلك عالمي للنفط منذ العام 2010، حيث يصل حجم استهلاكها حسب بيانات وكالة الطاقة الدولية نحو (2.252 مليار طن) سنوياً. اذا افترضنا جدلاً ان بمقدور إيران تنفيذ تهديداتها بإغلاق المضيق وهو بعيد الاحتمال او شبه مستحيل، وفي هذا سوف نأخذ بسيناريو الإعلام الإيراني في نطاق الاحتمالات، عندها سنجد ان المتضرر والخاسر الأكبر هي إيران وهو بمثابة الانتحار لأسباب ان 98% من جميع الصادرات والواردات الإيرانية تمر عبر مضيق هرمز، ولهذا نجدها منذ ثمانينيات القرن الماضي وهي تطلق تهديداتها الإعلامية بإغلاق المضيق دون تنفيذ او محاولة الإيحاء بالتنفيذ، اما البلدان العربية المطلة على الخليج باستثناء العراق فقد اوجدت طرقا وممرات بديلة لصادراتها النفطية في حال إقفال المضيق، فقد استكملت السعودية خطوط أنابيب النفط الممتدة من سواحل الخليج (شرقي المملكة) إلى ميناء ينبع على البحر الأحمر (غربي المملكة) وتستوعب نقل 4.5 مليون برميل يومياً، إضافة للشبكات الأخرى غير المستخدمة منها شبكتان عبر الأراضي العمانية واليمنية الى المحيط الهندي، وبحر العرب وشبكة أخرى تربط ساحل السعودية الغربي بمرفأ طرابلس في لبنان على البحر الأبيض المتوسط، هذا اضافة لخطوط النقل البديلة التي قامت الإمارات العربية بمدها عبر إمارة الفجيرة منذ عام 2008، ونجحت بضخ تجريبي يمكنها نقل 1.5 مليون برميل يومياً من أكبر حقول أبوظبي النفطية إلى ساحل الفجيرة على المحيط الهندي، وتعمل ابوظبي على إنشاء خزان استراتيجي للنفط، وتبقى العراق التي يمكنها تصدير بترولها من حقول الشمال الى اوروبا عبر تركيا، علماً ان حقول النفط في شمال العراق تخضع لسيادة اقليم كردستان، ولا يمكن للحكومة العراقية المركزية التصرف او التحكم بها إلا من خلال التفاهم مع حكومة اقليم كردستان. إيران تبقى الدولة الوحيدة التي ستتحمل اعباء مدمرة لاقتصادها واستقرارها السياسي والاجتماعي في حال تم تنفيذ اي من تهديداتها بإغلاق المضيق، وهي بمثابة معاقبة ذاتها اي معاقبة إيران قبل غيرها، خاصة إذا وقفت صادراتها إلى الصين كأكبر مستورد للنفط الإيراني، وهذه الخطوة ستكلف إيران خسائر تقدر بنحو 100 مليار دولار من عائداتها النفطية الذي يعتمد عليه الاقتصاد الإيراني في خطط التنمية، وبالمقابل التصريحات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز تشكل تهديدا لمصالح الصين، وبهذا سوف تخسر إيران حليفا وشريكاً أساسياً، وسيكون سبباً لتعطيل اسطولها التجاري، كون المضيق المنفذ البحري الوحيد لصادراتها من الحبوب والمنتجات الغذائية المختلفة ومواد البناء وغيرها ويشكل ذلك ضراراً فادحاً للشعب الإيراني نتيجة للعبة البترول والمضيق.