Saturday, May 5, 2012

أزمة البحرين والدفع إلى الخلف

عبدالله الكعبي

الأزمة البحرينية الآخذة في التعقيد كان سببها باعتقادي أن البحرينيين أنفسهم لم يعوا أن ما يمرون به من ظرف لم يكن ظرفاً محلياً وإنما كانت له أبعاد دولية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. فالشرارة التي انطلقت يوم الرابع عشر من فبراير 2011 كان الجميع يظنها مجرد عمل اعتيادي شاهدوا مثله في الكثير من أيامهم التي أعقبت دخولهم عالم الديمقراطية والحرية وما هو على شاكلتها والذي كان الهدف منه في الأساس إخراج  البحرين مما كانت فيه وليس إدخالها في دوامة جديدة لا عهد لها بها. المواجهات التي كان الجميع يعتقد إنها مجرد فصل من فصول المواجهات التي تنتهي في النهاية إلى لا شيء انتهت هذه المرة إلى عمل غير مسبوق عندما احتلت مجموعة من الخارجين على القانون دوار مجلس التعاون. وحتى عصر ذلك اليوم كان البحرينيون يرقبون المشهد على اعتبار أنه سينتهي بمجرد غروب شمس ذلك اليوم حينما يتوجه المحتلون إلى بيوتهم التي من المفترض أن يكونوا جاءوا منها، غير أن المشهد الذي استنسخ استنساخاً من تجربة الخارجين عن القانون في لبنان والذين احتلوا وسط بيروت لما يزيد عن العام قبل سنوات من الآن أوحت للبعض أن هناك حراكاً من نوع آخر بدأ يتشكل في البحرين، فيما لم يحرك هذا المشهد ساكناً عند البعض الآخر الذي عول على قدرات السلطة في التعامل مع هذا التعدي على حرية وحقوق الآخرين.
البحرين لم تكتشف أن ما يجري على ساحتها ليس شأناً محلياً خالصاً إلا بعد أن فات الأوان وبعد أن دخلت الأزمة فصولا جديدة لم يكن اللحاق بها ممكناً في ظل التصعيد الذي كان مخططاً له ولم يكن عفوياً بالمرة ولم يكن ردة فعل كما كان يصوره البعض أو يعتقده البعض الآخر. فمواقع الاحتلال التي أمسكت بمفاصل مهمة كانت مدروسة مثلها مثل بقية الفعاليات التي كان يعلن عنها مسبقاً وفق جدول زمني يراعي كل الجوانب المطلوبة للتصعيد والمشاركات الواسعة من القطاعات التي تم تسييسها مسبقاً برهنت على أن ما تمر به البحرين تتداخل فيه أياد كثيرة اتفقت منذ زمن على القيام بما قامت به والتي اتضح أنها اليوم أكبر حجماً مما نعتقد عند بداية الأحداث أو حتى عند إعلان حالة السلامة الوطنية.
ما مرت به البحرين عبر أكثر من عام من أحداث دراماتيكية أوضح للجميع عمق الأزمة البحرينية التي كان من المفترض علاجها بشكل مغاير عن ما تم أو ما يتم حالياً وهو الأمر الذي سيدفع بها إلى مستويات غير مسبوقة من التأزم قد لا تستطيع البحرين تخطيه بإمكانياتها المحدودة نظراً لحجم التحالف الذي عمل ضدها والذي كشف في الآونة الأخيرة عن عمق حقيقي لهذه الأزمة لا ينتهي عند أعتاب التدخل الإقليمي وإنما يتناهى إلى آفاق أممية غير محدودة قد تفاجئنا بتدخلات جديدة من قبل دول لم يحن وقت الإعلان عنها حتى الآن تنفيذاً للعبة تبادل الأدوار الذي أصبح من سمات الأزمات العالمية.
لجنة تقصي الحقائق التي تزعمها بسيوني لم تكن سوى لجنة جاءت لإعادة الوضع إلى ما كان عليه أيام الأزمة وتفويت فرصة الحل على البحرين التي لاحت في الشهرين اللذين سبقا عملها. فهي لجنة عملت في اتجاه تغليب مصالح الخارج على الداخل وصبغ أزمة البحرين بالصبغة العالمية عندما نجحت في تلوين المشهد البحريني بألوان المنظمات الحقوقية والإنسانية والدولية وإعطاء بعد إضافي كان الخارجون على القانون في حاجة ماسة له بعد أن انكشف أمرهم وسقطت أقنعتهم بالرغم من سماكتها وقدرتها الكبيرة على التشكل والتلون، وبرهنت على أن ما جرى ليس سوى شأن داخلي لا علاقة لأحد به عندما لم تشر من بعيد ولا من قريب إلى جهات خارجية أو دعم من أي نوع كان من المفترض فضحه وتبيانه للعالم الذي كان عليه أن يصدق ما جاء في التقرير ويكذب كل المشاهد التي عايشها المواطن البحريني طوال أيام الأزمة وحتى يومنا هذا.
المشهد البحريني الحالي بحاجة ماسة إلى من يقيمه ويعيد إليه توازنه بعد أن تاهت الخطى حتى التي كانت وحتى وقت قريب تبحث عن الحلول وتقدم مصلحة الوطن على ما دونها. فالتردد الواضح الذي يؤطر عمل أصحاب القرار شجع الكثير من العاملين على الساحة السياسية على اتخاذ مواقف متشددة مما يجري على الأرض سواء كانت تلك المواقف لصالح الوطن أو في الاتجاه الآخر المؤيد لأعمال التخريب التي تحولت في الآونة الأخيرة إلى إرهاب متكامل الأبعاد.
الدافعون باتجاه تفعيل القانون وفرض سلطة الدولة وإعادة الهيبة لها لم يعد بإمكانهم طرح المزيد من الحجج التي استهلكت على مدار أيام الأزمة من دون أن تثمر عن نتيجة إيجابية، في المقابل أصبح المناوئون للحلول السلمية أكثر قدرة على استمالة الشارع الذي بدأ يتحرك تجاه العنف الصريح سواء كان هذا العنف دعماً لعمليات التخريب المستمرة من فبراير 2011 أو التي بدأت تستدرج إلى الساحة للرد على بعض الأعمال التي خرجت عن إطارها المعلن إلى ما هو أكبر منه عندما توسعت عملياتها وطالت كل شيء وحذرت من المزيد على اعتبار أن كل شيء يتحرك على هذه الأرض يمكن أن يكون هدفاً لها.
الاستعراض الممل الذي تقوم به الأجهزة الأمنية في عرض ما ضبطت من أسلحة ومتفجرات أو الإعلان عن عدم قانونية المسيرات التي تدعوا لها جهات التأزيم لم تعد تستهوي الشارع الذي أصبحت مطالبه أكبر من هذه الإعلانات الهزيلة التي لا تسمن ولا تغني من جوع. فالوضع في البحرين أصبح عالمياً بمعنى الكلمة وبات يوحي باستحالة القدرة على التعامل معه من قبل الدولة التي إن استمرت على ما هي عليه من إجراءات فإنها ستطمع فيها كل الجهات حتى التي لا تعمل حالياً وتكتفي بالتفرج أو بعدم إدانة ما يجري على الأرض.
حجم الأسلحة المضبوطة ونوعيتها وقدرة أصحابها على استخدامها بهذه الحرفية وعدم خوفهم من ظهورهم على الملأ مكشوفي الوجوه وحصولهم على دعم من دول كبرى من مثل الولايات المتحدة وبريطانيا اللتان بدأتا بجانب تسخير سفاراتهما في المملكة للعمل جنباً إلى جنب مع المخربين والإرهابيين، تشجيع مواطنيها على الانخراط في تلك الأعمال التي جاءوا خصيصاً من أجلها حيث لا يمكن التستر إلى مالا نهاية على الأعداد التي بدأت تتزايد من هؤلاء الغوغاء والمرتزقة الذين يتحصنون بجنسياتهم ضد القانون ويقدمون خدمات جليلة لمخربي الداخل بحمايتهم من القانون الداخلي وأيضاً الإسهام بصورة أكبر في تشويه صورة البحرين خارجياً التي بالرغم من صغر حجمها وعدم شرعية ما يجري فيها إلا انها باتت أهم وأخطر من وجهة نظر الإعلام العالمي الموجه مما يجري في سوريا التي يقتل فيها الآلاف يومياً أو غيرها من الأزمات في مختلف دول العالم.
إذا كانت البحرين لم تع حجم أزمتها إلا بعد فوات الأوان ولم يدر في خلدها أن هذا العدد من الدول يقف في الصف الآخر في مواجهتها، فإن على دول مجلس التعاون أن تعي خطورة ما يجري في البحرين وانعكاساته على المنطقة التي باتت تقف على خط النار بدرجة أكبر بكثير من أي وقت مضى حيث لم تصل أوضاعنا لهذه الدرجة من الخطورة في أيام الحرب العراقية الإيرانية ولا في أزمة احتلال الكويت ولا حتى عندما قررت الولايات المتحدة غزو العراق بعد حصاره الطويل.
القمة التشاورية الخليجية المقررة في مايو يجب أن تكون في حجم الحدث وأن تؤكد على ما ذهب إليه خادم الحرمين الشريفين عندما اقترح الوحدة بين دول المنظومة الخليجية التي لم يعد بالإمكان تأجيل اتحادها أو إعطاء هذه الخطوة مزيد من الوقت للتفكير لأن الخطوات في الاتجاه الآخر أسرع بكثير من عملية التفكير الذهنية البطيئة التي لم توصل دول المجلس حتى الآن إلى قرار يمكن أن يولد على إثره الاتحاد المطلوب ليس على مستوى الدول والأنظمة فقط وإنما على مستوى الشعوب التي ستدفع ثمن إهدار هذه الفرصة إن لم تتحقق في القمة التشاورية.
صيغة الاتحاد ليست مهمة ولا حتى شكله وإنما المهم أن يكون هناك اتحاد عاجل يكون قادراً على التصدي لتبعات ومخاطر تلك الأزمة العالمية التي بدأت في البحرين ولكن لا يعلم أين ستنتهي.