Saturday, May 5, 2012

استفزازات إيران تسرّع خيار الاتحاد

علي حسين
منذ الأحداث التي شهدتها إيران في الانتخابات الرئاسية عام 2009 والتي خلقت مواجهات واسعة بين السلطة المطلقة المتشددة التي يمثلها مرشد الثورة الإيرانية وأدواته التي ينفذها نجاد ولا يرأسها، وبين قطاعات واسعه من الإصلاحين الإيرانيين الذين ضاقوا بالسياسات القمعية لنظامهم وخططه وأهدافه الخارجية، والتي لم تجر عليهم سوى خلق عداءات وعلاقات مضطربة مع دول الجوار وشبه عزلة دولية انعكست على القوانين المسيرة لبلادهم والحريات العامة والاقتصاد الداخلي، فزادت مساحات الفقر وانتشرت المشاكل الطبقية ومعدلات التضخم والبطالة التي وصلت عام 2010 إلى 25%، وحازت إيران المرتبة 135 من 161 على مستوى العالم في القدرة الشرائية للمواطنين؛ منذ ذلك الوقت كان المحللون السياسيون يميلون إلى التنبؤ أن إيران أمام واقعين أو لنقل خيارين؛ أولهما الزوال كما حدث للدولة الدينية المتعصبة التي حكمت أوروبا في القرون الوسطى!! والثاني افتعال مزيد من المواجهات والأزمات الخارجية من أجل إلهاء الداخل الرافض لسياسته وإمساك زمام الأمور في البلاد من جديد. من الواضح أن فكرة زوال هذا النظام الراديكالي المتشدد القائم على التعصب المذهبي العنصري قد لا تكون بالسهولة المتوقعة على الأقل في الحاضر، كما إنه من الواضح أن ذلك النظام قد سعى إلى الخيار الثاني؛ فعمل على افتعال الأزمات على صعد عدة ومع جهات مختلفة، فقام مثلاً بتحريك ملفه النووي وممارسة لعبة (البنغ بونغ) مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إضافة لتصعيد لهجته مع إسرائيل والتهديدات المتبادلة التي لا يصدر منها سوى جعجعة يعرف الطرفان أن مصلحتهما التي تتقاطع مع الإرادة الأمريكية تقتضي عدم رؤية أي طحين يصدر عنها!! إذ إن التوتر المصطنع بين الطرفين تستفيد منه أمريكا في لعبة المصالح والضغوطات في المنطقة بقدر ما تستفيد منه إيران وحتى إسرائيل نفسها، إضافة لذلك سعت إيران لتصعيد مواقفها ولهجتها من خلال مسؤولين كبار في نظامها وقنواتها الإعلامية ضد دول الخليج، فكانت مواقفها تلك موجهة بشكل خاص للمملكة العربية السعودية من تصريحات ومحاولات اغتيال، والبحرين التي تجددت الادعاءات بأنها المحافظة الإيرانية رقم 14، والإمارات من خلال ممارسات استفزازية على جزرها المحتلة، وكذلك تحريك الخلايا في الكويت عن طريق أدوار سفارتها المشبوهة هناك، ودعم اتباعها لخلق البلبلة في اليمن والعراق الذي توغلت فيه بعد أن مهدت لها السياسات الأمريكية ذلك. وحينما جاء (الصقيع) العربي وجدت إيران فرصة ذهبية للهروب من أزماتها الداخلية قفزاً للأمام بغرض تحقيق أجنداتها، فكانت تصريحات خامنئي وأمنياته في يناير 2011 بإقامة شرق أوسط إسلامي تقوده إيران!! وعليه تحرك إعلامها وبدأت خلاياها العمل مستغلة تلك الأجواء العربية، ومهما حاولت تلك الخلايا إبعاد إيران عن الصورة بحديثهم عن أوضاع داخلية ومطالب إصلاحية وديمقراطية قد يبدو بعضها مقبول؛ إلا أنه لا يمكنهم أن ينكروا أنها الإطار الذي يحيط تلك الصورة ويعلقها على الجدار!! ومع تصاعد وتيرة الثورة السورية بحساباتها المعقدة داخلياً وإقليمياً وطائفياً؛ أحست إيران أن أهم مناطق نفوذها في المنطقة على وشك الضياع، فعمدت لكل ما تستطيع القيام به سراً وعلناً لحماية ذلك النظام، إذ إن الخسارة إن حدثت كبيرة وقد تكون قاصمة، لذلك مدته بالأسلحة والجنود وبعثت علناً سفينتين عسكريتين إلى شواطئ سوريا ونسقت مع حليفيها الكبيرين الصين وروسيا، وزاد اتباعها من تحركاتهم لتشتيت الضغط الدولي عن سوريا، كما وأطلقت تهديداتها الوهمية المتبادلة مع إسرائيل وأخرى بإغلاق مضيق هرمز وأجرت تجارب وتدريبات عسكرية كبيرة، وكان آخر هذه التحركات الاستفزازية زيارة نجاد لجزيرة أبو موسى وتصريحاته عن الجزر الإماراتية المحتلة!! تاريخياً كان النظام الإيراني هو الجانب الذي طالما قام باستفزازاته تجاه دول الخليج، غير أن الظروف العربية والإقليمية والخليجية حالياً تختلف كثيراً عما سبق، لذلك كان لا بد من رد فعل مختلف لا يصدر من دولة الإمارات وحدها بل ومن كل دول الخليج العربي في موقف موحد لهذه التهديدات التي توجه لكل دول المنطقة وليس لدولة دون غيرها، فكان تنفيذ التمرين العسكري المشترك (جزر الوفاء) على أراضي دولة الإمارات رسالة واضحة للنظام الإيراني، لكنها تبقى في إطار ردات الفعل التقليدية التي تقوم بها دول الخليج أمام الانتهاكات والاستفزازات الإيرانية، في حين أن الواقع الجديد والذي يبدو واضحاً فيه أن أمريكا لم تعد تلك القوة التي يمكن الاعتماد عليها بعد الأدوار المشبوهة التي اتضح تورطها فيها، وعلامات تقاطع مصالحها غير المعلنة مع الأطماع الإيرانية، كل ذلك يؤكد الحاجة لتسريع إعلان الاتحاد الخليجي كخيار مصيري ملح، لأن ذلك سيعزز ثقل دول المنطقة بحجمها الاقتصادي والاستراتيجي والإقليمي في موازين القوى وأمام أي كيان أو دولة، وسيحسب ألف حساب له قبل أن تتخذ أي خطوة ضده أو تعمد إلى استهدافه بأطماعها، فمتى؟! متى يرى النور؟