Saturday, May 26, 2012

المثقف والربيع العربي

سعيد الحمد
أشفق على مثقفنا العربي وهو يقف في المنطقة الرمادية الآن بعد ان تحمس قبل شهور معدودة لما يسمى بـ «الربيع العربي» وتعبيراً عن أزمته الذاتية في العجز تعلق بأذيال ذلك «الربيع» وراح يدبج قصائد المدح وتحول الى مروج بدلاً من ان يكون محللاً ومفسراً ليصدم في النهاية «بربيعه» أو في «ربيعه» وليعود أدراجه الى دائرة الخيبة والعجز مبرراً حماسياته حينا ومعلقاً فشل «ربيعة» على مشجب الآخر. المثقف العربي حالة استثنائية بين مثقفي العالم في مسألة الهروب الى الامام نتيجة وقوعه في مصيدة اليوثوبيا والوهم، فهو لم يلامس ولم يعايش تفاصيل واقعه بواقعية حقيقية قادرة على سبر الاغوار وظل في برجه العاجي يملك النظرية ويفشل في التطبيق كونه بعيداً عن دائرة واقع التطبيق، فظل يلاحق الاحلام حد الواهم وكلما تحرك الواقع كلما تحمس له ولحراكه دون ان يطرح السؤال الكبير من يقف وراء ذلك الحراك ومن له المصلحة ومن سوف يقطف الثمرة؟ في لحظة الانفجار لا يملك مثقفنا القدرة على طرح الاسئلة وأما يتحوّل الى مجرد متلقٍ في عقلية القطيع ويركب موج اللحظة، متوهماً بالوصول الى الشاطئ المنتظر ليجد نفسه في نهاية ارتطام الموج وقد عاد الى ما وراء الوراء وفقد اشياء كثيرة ليدخل عقدة الخيبة من جديد ويواصل انكسار الذات. معظم المثقفين العرب «الثوريين» الذين تابعناهم في الفضائيات وقرأنا لهم المقالات لحظة انفجار «الربيع» نتابعهم الآن في دهشة الحيرة من نتائج «ربيع» لم يقرؤه جيداً وها هم يُفاجئون خيبة بنتائجه المريرة التي اصابتهم هم أولاً وقبل الآخرين، فالربيع الذي تحمّسوا له وتغنّوا باسمه يصادر حرياتهم ويقطف عنهم الثمار ويلاحقهم ويفرض عليهم وصاياته ويسرق منهم مكاسب التي كانت لهم ما قبل الربيع. ميدان التحرير الذي تحوّل ذات يوم الى «أيقونة» الثوار من كتاب ومثقفين سرقتهم الفوضى فتوهّموها ثورة.. ها هو يتحول ذلك الميدان الى سوق مفتوحة على الفوضى المدمرة ويفقد رمزيته بعد ان اعطاه ووهبه المثقف المهزوم «شرعية» سماها «شرعية الميدان» فضاعف بهذه الشرعية المغامرة من الفوضى العارمة التي اختلط فيها حابل الاصابع الاجنبية بنابل الأصابع الانتهازية من كل شكل ولون ليسقط «الربيع» صريع أوهام المثقف العربي الذي لم يفهم اللعبة. وهنا في البحرين ذهب المثقف القومي الى «الدوار» منفعلاً بحماس اللحظة وفاقداً لقدرة الفهم والوعي والتحليل ليصرخ فيهم «انتم تصنعون التاريخ» فتأخذه نشوة التصفيق والتهليل في فوضى الدوار ليكتشف في النهاية انها «صناعة ايرانية»، فلا يعترف حتى لا يعلن هزيمته النهائية ويواصل الوقوف في المنطقة الرمادية في لحظة بحرينية فرزت كل الالوان وليظل ذلك المثقف بلا لون وبلا هوية. في تونس تحوّل البوعزيزي الى «أيقونة» صنعها المثقف هناك ولم ينتبه ولم يلتفت ان «ربيعه» حطّ رحاله في جيب الغنوشي ووحده المرزوقي لعب على الحبال وتقافز بين الاشكال والالوان فأسكتوه بمنصب ساكت. وعندما تقدم الى المنصة ليقسم المرزوقي تذكرت مقولة لينين «المثقفون أقرب الى الخيانة»، وكذلك تذكرتها في انقلاب الدوار هنا في البحرين عندما رأيت مثقفاً يسارياً يستمع بإعجاب الى خطاب «هادي المدرسي» فتذكرت الشهيد سعيد العويناني الذي استشهد في نفس العام الذي كان فيه هادي المدرسي يحرّض جهاز اندرسون على اليساريين والوطنيين الديمقراطيين ليسقط شهيد آخر كان اسمه محمد بوجيري، «المدرسي يحرّض وأندرسون يستجيب والمثقف اليساري يكاد يصفق في الدوار للمدرسي. لا أملك امام اللحظة المفارقة للمعنى في عالمنا العربي سوى ان اشفق على هكذا مثقف فقد بوصلته وفقد رؤيته وما اصعب ان يفقد المثقف بوصلته، وهي المأساة يفقد رؤيته فيبيع هويته في اقرب ميدان أو اقرب دوار.