Friday, May 25, 2012

الديمقراطية الزائفة

عثمان الماجد
بات من الواضح والمحتم في مسار التجربة الإنسانية بنجاحاتها وإخفاقاتها أن الديمقراطية هي الأداة الكفوءة القادرة على إدارة الشأن العام، وهي الوسيلة الناجحة لضبط إدارة الخلافات والاختلافات، وغدت هي الخيار الوحيد، حتى الآن، للحد من سطوة المال والايدولوجيا والقيم التي تشكل مجتمعة أو منفردة، وقودا يشغل ماكينة الاستبداد، وتسهم في تكريس سلوك إداري وتنظيمي ومالي معين يمارس فعله في إذلال الإنسان والحط من كرامته. ويتجلى هذا الاستبداد في أي مجتمع تمييزا واختلالا في ميزان العدالة واللامساواة بين الناس، وهي، مجتمعة، تُعد المقدمات المنطقية لتفجر العنف في أي مجتمع من المجتمعات، ولذلك كانت الديمقراطية ضرورة حضارية ينبغي اعتمادها لترشيد السلوكات والمحافظة على الاتزان والتوازن بين المكونات الاجتماعية درءا لتخلق حالات من الطغيان المذهبي أو الطائفي الذي صار نهجا لدى كثير من تيارات الإسلام السياسي في الدول العربية عموما وفي منطقة الخليج على وجه الخصوص والدقة. ولكن علينا أن نتحرى الدقة، وألاّ نؤخذ بمفهوم الديمقراطية هكذا بالمطلق، وفي عمومية ما يتم طرحه من تشويه لهذا المفهوم، سواء كان هذا التشويه ناتجا عن قصد أو سوء فهم، خصوصا في الفضاء العربي الذي فيه تُفرغ الأحزاب ذات الطبيعة المحافظة المفاهيم من دلالاتها وتطوعها لخدمة أهدافها، وتنحرف بها لتستوي مطية تمرر عبر ركوبها أهدافا ومقاصد يكون جلها واقعا في مسار معاكس لهموم المجتمع وتطلعاته. وفي هذا الإطار لا نعدم سوق الأمثلة لدعم قولنا هذا. فأحد الأمثلة الفاقعة على هذا الشكل من الديمقراطية المزعومة، هو ما تنادي به جمعية «الوفاق»؛ إذ انه تستغل الرأي العام العالمي الذي يدفع بالديمقراطية نهجا لتنقلب على ديمقراطية حقيقية نابعة من خبرات هذا الشعب وتجاربه، فتراها تملك خطابين واحدا موجها إلى الخارج وآخر إلى الشارع. فالخطاب الموجه إلى الخارج يركز على حقوق الإنسان و»سلمية» المطالب (السلمية التي أبهرت العالم)، وإظهار الحكومة بأنها منتهكة لحقوق الإنسان ومستبدة، فيما الخطاب الآخر الموجه إلى شارعها مليء بمحرضات العنف، حريص على إطلاق أوامر السحق والحرق، وعلى النفخ الدائم في رماد خرافة «المظلومية التاريخية» إذكاء لجذوة إجرامية كاذبة صار معها العنف الممنهج شكلا من أشكال الثأر من هذه المظلومية المزعومة. والمسار العنيف الذي انتهت إليه جمعية «الوفاق» وأدمنته سلوكا شاذا تدمي به المجتمع البحريني؛ لدليل على أن كل تيارات الإسلام السياسي وبكافة تشكلاتها وأطيافها هي أول من يعمل ضد الديمقراطية، وهي من يقف في وجه حرية التعبير والحجر على الرأي وهما عنوانان مهمان في يافطة الديمقراطية، ودع عنك ما تدفع به آلة الإعلام الضخمة التي توظفها في تمرير أهدافها للانقضاض على السلطة. فلن يكون الديمقراطي ديمقراطيا إلا باعترافه بالحريات العامة والشخصية من دون تضليل أو مماوهة، فلا ينبغي، في هذا الإطار، أن ننخدع بدفاع تيارات الإسلام السياسي عن الديمقراطية، ذلك أن الديمقراطية الآن هي مراكبها التي تمخر بها عباب الأمواج المتلاطمة في بحر هائج لتصل إلى رياض «الربيع العربي» وتتصدر فيه قيادة الجماهير المتعطشة للديمقراطية والحرية بعد زمن من القمع والإذلال الذي رزحت تحته في ظل سلطات خلعت على نفسها اسم «جمهورية» وأشعلت من حولها مشاعر البسطاء بإضافات لا دلالة لها إلا كسب تعاطفهم أما في حقيقة الأمر فما هي إلا دكتاتوريات غارقة في امتهان كرامة الإنسان، ولم يجرِ تغيير أي شيء في واقع حال هذه الجماهير التي أصبح الفساد والقهر قدرا محتما لها ليس عليها إلا قبول توارثه جيلا بعد جيل، وأسطع مثال على ما نقول «جمهورية إيران الإسلامية» التي تعرفون كم أن سطوة رجال الدين فيها قاسية على مفاصل الحياة المدنية، فهل أن نظاما مثل الذي يحكم في إيران يعد فعلا نموذجا وأسوة حسنة؟!! ينبغي على الناس أن يعوا، بالمطلق، أن الديمقراطية لن تأتي بها تيارات الإسلام السياسي، فمن احترف ازدواجية الخطاب وسطا على السماء ليلجم مخالفيه في الرأي بحجج تُغلف بالمقدس لتصبح مشروعيتها من مشروعية السماء لا يُمكن له البتة أن يكون الخطاف الذي يصنع ربيع الديمقراطية؛ لأن من رُبي على أن يكون رَخَما لن يتمرد على ما نشأ عليه وسيبقى كذلك إلى أبد الآبدين، وأعتقد أن مقايسة هذا المبدأ على الواقع البحريني تجعلني موقنا بأن صناع العنف المغلف بخرافة المظلومية التاريخية والمحكوم بحتمية ولاية الفقيه قدرا تاريخيا أريد للشعب البحريني رغم أنف الجميع، لا يمكن لهم أن يكونوا صناع ديمقراطية وحس مدني؛ ففاقد الشيء لا يعطيه. إذ أيعقل أن يأتي بالديمقراطية من يوكل أمر عقله ودينه ودنياه إلى وليه؛ ليكون عليه وصيا وناطقا بلسانه ووسيطا بينه وبين السعادة موجودة كانت أو موعودة، وكيف يمكن لمن يؤمن بأن قول وليه الفقيه قول لا يأتيه الباطل فلا يقبل التداول البشري لأنه فوق بشري!! يبقى القول إذًا، أن التخلص من ملوثات المذهبية والطائفية شرط للاشتغال والانشغال بالهموم الوطنية والتعاطي معها ديمقراطيا. وفي رأيي الخاص أن التخلص من هذه الممارسات السياسية الملوثة بالطائفية والمذهبية لن يكون ممكنا في ظل تناسل تيارات الإسلام السياسي التي تتبوأ مشهدنا السياسي وتناميها لتتواجه مع بعضها البعض، وتعمل سوية من دون كلل على تعميق الشقاقات في المجتمعات؛ لأنها بهذه الشقاقات وفي تربتها العفنة تضمن تنامي وجودها لينتعش حضورها على حساب المجال المواطني المدني فتحاصره بشتى أنواع التحريم، وتميت فيه تدريجيا القدرة على التعليل والمقايسة والحكم ليصبح مستهلك خرافات وعقلا مبرمجا لخدمة ما يدبره كهنوت الإسلام السياسي فيُجر من حيث يدري ولا يدري إلى ارتكاب أفعال تأباها كل الشرائع ويرفضها كل ذي عقل ويصبح من ثم حطب فتنة لا مستفيد منها إلا النافخون في جمرها من ذوي العمامات. وختاما أسأل من أعتقد أنهم لم يتلوثوا بعد بالطائفية، ومازالوا عند قناعاتهم الثابتة بمستقبل البحرين الواحد والواعد الذي لا يقبل التجزئة، وخصوصا منهم اليساريين، والسؤال هو: «هل أنكم تعتقدون فعلا بديمقراطية تتصدر قيادتها جمعية «الوفاق»؟!! أتوقع أن تكون الإجابة بلا، أما إذا كانت بنعم، فقل على اليسار السلام. والسلام.