Friday, May 25, 2012

ماذا بقي للأسد في سوريا

د.عمران الكبيسي
قد يستطيع الرئيس الأسد البقاء في سوريا أياما وأشهرا وربما سنة أخرى! ويبقى اسمه يتردد في الفضائيات وتعرض صوره الشاشات! ويبقى قصره مضيئا، وتبقى حرمه  المصون السيدة الأولى! ويبقى حرسه حوله يهتفون شبيحة للأبد لأجلك يا أسد، وقد يجد من الحزبيين والوصوليين والمنتفعين ومن ارتبط مصيره بالنظام يلتف حوله ويهتف له ويدعوه السيد الرئيس! وقد يحاول السيد حسن نصر الله وإيران وربما العراق وحتى روسيا والصين إسناده والدفاع عنه! ولكن إلى متى يبقى الحمار على التل؟ كما كنا نقرأ بكتاب القراءة سنة أولى ابتدائي. فليلة القبض على فاطمة، قادمة!
وقد يليق للأسد البقاء رئيسا ولا حياة لمن تنادي! ويبقى حوله مئات المراقبين الدوليين بقبعاتهم وخوذهم ودروعهم الزرقاء؟ ولا يسأل نفسه لماذا جاء هؤلاء الملونة أشكالهم وأجناسهم من كل فج عميق؟ وماذا يفعلون ومن أرسلهم؟ وسواء أكانوا مكلفين بحمايته من الشعب، أو بحماية الشعب منه، إلا يخجل الدكتور من نفسه، أم أن الحياء قطرة وسقطت؟
وما زال باستطاعة الأسد قصف مدن سوريا وقراها وريفها وسهولها وجبالها، برا وجوا وبحرا، وباستطاعته الاستغاثة والاستعانة بشبيحة حزب الله، وجيش القدس الإيراني، وعصابات الموت العراقية، وبإمكانه إيجاد من يزوده بالسلاح والعتاد والدولارات! ومازال لديه من يرفع يده في المحافل الدولية “بالفيتو” وهو مغمض العينين ورأسه في الأرض لا يجرؤ على مواجهة العالم بصلفه وقبحه! ولكن هل يستطيع مواجهة العالم بخطاباته النارية متحدثا عن الصمود والكفاح والوطن والحرية والديمقراطية والاستعمار والمقاومة، بصوته الجهوري كما كان يصول ويجول في مؤتمرات القمة يُنظّر ؟ أم سقطت الأقنعة عن الوجوه الغابرة، وحقيقة الطغيان باتت سافرة. وشاهت الوجوه ؟
لقد قتل الرئيس العلوي الأسد خمسة عشر ألف شهيد، ولديه القسوة والجرأة والوحشية لأن يقتل أضعافهم، وهجّر نصف مليون من النساء والأطفال والشيوخ والمرضى خارج سوريا، وهجر الملايين داخلها، وما زال المجال ممكنا لهجرة ملايين أخر، وسجن واعتقل مائة وخمسين ألف سوري، وهو يحاول تطويق سوريا كلها وجعلها معتقلا وسجنا مفتوحا فلم تعد السجون والثكنات والمؤسسات تتسع للمزيد، وأصبح التعذيب داخل المعتقلات مكلفا ومتعبا، وبدل من تعذيبهم وقتلهم نحرا في الزنزانات يعذبهم جوعا وعطشا هائمين في البراري، محرومين من الحاجات الإنسانية الأساسية، ومن بقوا يقصف دورهم ويردمها على رؤوسهم بالنار والحديد، فالداخل إلى سوريا مفقود لا يعود، والخارج منها مولود، وآخرها، ما هو السبيل؟ وما هو الحل؟ هل يبيد الرئيس كل الشعب بأسلحة الدمار الشامل، ليبقى وحده يرفع على سريره علما لتناديه حرمه سيدي الرئيس، ويدعوه ابنه الرئيس بابا!
قد لا يهرب الأسد بالطريقة التي هرب بها بن علي من تونس مع أسرته بليلة ظلماء حاملا صناديق العملات والمجوهرات، فقد هرّب الأسد زوجته ووالدته وأبناءه بما خف حمله وغلى ثمنه مبكرا، وصار يسهر ويطارحهم الحسرات كما كشف من سرق تفاصيل موقعه، وقد لا يتنازل لنائبه ويتنحى كما فعل حسني مبارك ويركب الهليكوبتر إلى أحدى المنتجعات، فليس هناك منتجع في سوريا يستقبله ويستطيع المبيت فيه آمنا ولو ليلة واحدة، وليس له دهاء على صالح في اليمن وحكمته ولا يمتلك مكره، ولا يجيد مناوراته ليفعل ما فعله، ولا لديه بعضا من حسناته، ليمنحه السوريون ما منح اليمنيون لرئيسهم المخلوع من الحصانة وغيرها، فما عسى الأسد ان يفعل إن ضيّق عليه الشعب الخناق وضاقت عليه الأرض بما رحبت ؟ لا استبعد أن يلاقي ما لاقاه صديقة القذافي، فالطيور على أشكالها تقع؟ ومن سار على الدرب وصل!
ولا اشك أن هناك من يدفع الأسد لافتراس شعبه والبقاء حتى اللحظة الأخيرة، ويمنيه بأمل البقاء رئيسا، فما دامت لديه فرصة للهرب إلى لبنان ثم طهران، وإن ضاقت الحيل التوجه إلى العراق فإيران، هذا إن لم يحاول احد حرسه أو مقربيه في اللحظة الخيرة ان ينهي حياته البائسة برصاصة زهيدة من تلك التي تستخدم لقتل للكلاب المسعورة والضالة؟
إن ما فعله الأسد ويفعله بالشعب السوري لن يترك له مجالا العيش إنسانا سويا حتى لو سلم وغادر سوريا، ووجد من يطعمه ويسقيه كالبهيمة، ومهما افتقد الإحساس والشعور بالذنب وتأنيب الضمير، فأن استغاثة المظلومين، وانين المعذبين ودماء الشهداء وجراحهم ستقض مضاجعه، ولن يستطيع الهرب مما ارتكب، وستلاحقه مشاهد المجازر والمذابح التي ارتكبها قتلا وتعذيبا وتدميرا ليلا ونهارا بالكوابيس التي ستهد كيانه وتحطم حياته حتى يتمنى الموت فلا يأتيه، وصدق الله وعده إذ يقول:* وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ* البقرة: 165.