Saturday, June 16, 2012

ألاعيب روسيا للحفاظ على بشار الأسد

احمد المرشد
طرحت تداعيات الأزمة السورية خاصة بعد المجازر الأخيرة في الحولة والقبير وما سبقها من اعمال قتل وحشية ضد المدنيين تساؤلات عديدة بشأن حقيقة الموقف الروسي حيال تلك الازمة، وهل موسكو تقف على الحياد أم هي منحازة بصور مطلقة للنظام السوري الذي لولا الدعم اللوجستي والعسكري الروسي وكذلك الدعم الايراني السياسي والمعنوي والاقتصادي لما استمر بشار الاسد في مكانه يوما واحدا بعد اندلاع الثورة السورية؟ ويحق لنا مباشرة وبدون تناول الحيثيات والبراهين والادلة ان نقول ان روسيا تخلت عن موقف المحايد واتجهت بقوة الى الانحياز ضد رغبة الشعب السوري الذي يئن من جراء مجازره اليومية وضحاياه ومصابيه. وكان حري بروسيا التي تريد العودة بقوة الى لعب دور استراتيجي عالمي لتعويض ما فاتها من أدوار، ان تقف بجانب الشعب وليس النظام حتى تخلق نظرة ايجابية في العلاقات الدولية، ولا تستغل الموقف لترتفع عالميا على حساب ضحايا ابرياء. ومن الواضح ان روسيا تنتقم من الامم المتحدة والولايات المتحدة واوروبا بسبب انتصاراتهم في ليبيا ومن قبلها في الازمة اليوغسلافية والتي انتهت باتفاق دايتون الشهير والذي رفضته روسيا بشدة لانه وقف الى جانب جميع الفرقاء وخاصة البوسنة ضد المجازر الصربية والتي دعمتها موسكو آنذاك ايضا لأنها أرادت لصربيا السيطرة على كافة انحاء الاتحاد اليوغسلافي السابق. فروسيا تريد انتهاز الفرصة لتفرض موقفها في الازمة السورية ويبدو انها سعيدة للغاية وهي تستقبل كل يوم مسؤول دبلوماسي دولي يحاول خطب ودها للاستجابة الى الخطة الدولية ودفع بشار الاسد نحو ترك السلطة طواعية والكف عن قتل وتعذيب شعبه وتلبية مطالب خطة كوفي انان. ولكن هيهات، فروسيا وبدلا من ان تشارك في خطة اعداد ترتيبات ما بعد الاسد، تتهرب من مسؤولياتها الدولية وتدعي انها «مسألة مبدأ»..اي مبدأ تدافع عنه سوريا وهي ترى القاتل والضحية ولا تتدخل بينهما، ثم تزعم ان غياب الاسد يعني نشر الفوضى وعدم الاستقرار في سوريا، ثم تدعي ايضا انه من الافضل ان يكون التغيير بيد السوريين أنفسهم وألا يفرض عليهم من الخارج. في حقيقة الامر، ان الكرملين نجح في ان يجعل من نفسه لاعبا رئيسيا في اللعبة السورية، وهو هنا يحاول تعويض انتكاساته في الازمة الليبية ومن بعدها اليمن، ولا يهم موسكو هنا استياء اوروبا والمجتمع الدولي والامم المتحدة وامريكا بسبب تواطؤ روسيا مع قوات الاسد، في الوقت الذي لم تتعرض موسكو لاعتراضات من جانب الدول العربية بسبب هذا التواطؤ بسبب المشاكل العربية الجمة التي تحول دون توجيه سهامهم الى الدب الروسي، ويبدو ان بالموضوع بعض المواءمات السياسية، اذ ربما يرى العرب ان لروسيا منفعة لاحقة ولذلك فهم لا يريدون اغضابها في الوقت الراهن حتى وإن كانت تساهم بقدر لا بأس به فى زيادة اعداد القتلى السوريين، فالطيران والقذائف والصواريخ روسية الصنع. ويبدو ان الروس لا يكترثون بما يحدث حولهم، فهم أسرى نظرية ازمة الشيشان عندما تعرضوا لانتقادات دولية جمة بانهم يستخدمون القوة المفرطة لإجهاض هجمات الثوار الشيشانيين، ولذلك فإن هناك قناعة داخل المجتمع الروسي ايضا وليس فقط على مستوى الكرملين بان ما يصوره الغرب ووسائل الاعلام بشأن بشاعة الموقف في سوريا ما هو الا اكاذيب يرددها الاعلام الغربي للتأثير على الشعوب عندما تتخذ قرارات جادة للتدخل العسكري في سوريا لمناصرة الثوار. ولذلك رأينا موسكو تقلل من اهمية ما ينشر يوميا بشأن المجازر والقتل الجماعي لتستعيد بذلك مخزونها من العقل الجمعي الروسي الذي يؤكد ان هجمات الثوار الشيشان كادت تقض مضاجع الدولة الروسية العريقة لولا التدخل القوي من قبل الجيش الروسي.. وهو ما تربطه موسكو بالوضع في دمشق، فهم يتصورون ان المعارضة ما هي سوى جماعة مرتزقة تحاول زعزعة استقرار سوريا وازاحة بشار الاسد عن سدة الحكم تلبية لرغبة الغرب وامريكا في احداث التغيير الشامل في المنطقة. ولذلك نجد كثير من المسؤولين الروس يتعامون عما يجري داخل سوريا ويلقون مسؤولية استمرار العنف على قوات المعارضة السورية والدول الاجنبية. وهنا يقول مسؤول روسي ان الغرب وامريكا تبعث بالمتطرفين والمتشددين بمختلف أنواعهم سعيا وراء تحقيق أهدافهم الخاصة، ثم يحذر من كارثة ستشهدها منطقة الشرق الاوسط بأكملها اذا تدخلت قوات دولية دون تفويض من مجلس الأمن. تداعيات الأزمة السورية تطال الرئيس الروسي نفسه فلاديمير بوتين، حيث ان لديه اسبابه الداخلية القوية التي تدفعه التمسك بموقف بلاده من الازمة. والسبب ان سلفه ديمتري ميدفيديف فشل في مواجهة المتشددين داخل الحكومة الروسية بسبب قراره عدم التحرك للحيلولة دون التدخل الغربي في ليبيا، مما أدى إلى سلسلة متتابعة من الأحداث بلغت ذروتها بمقتل العقيد معمر القذافي، الذي كان هو الآخر حليفا لروسيا. وينطوي قبول تنفيذ خطة انتقالية في سوريا على مخاطرة بأن يلقى بوتين مصيرا مماثلا لميدفيديف، كما سيعني أيضا التراجع عن موقف ما زال يحظى بتشجيع أوساط السياسة الخارجية الروسية. الغريب ان بوتين يعلن وبملء فيه ان بلاده تتبع سياسة تعزيز الأمن العالمي ولديها التزام أخلاقي كبير للدفاع بقوة عن مواقفها خاصة وان دروس الحرب العالمية الثانية مازالت مفيدة وأن «احترام سيادة الدول» ضمانة مهمة لعدم اندلاع الحرب مرة أخرى وذلك في إشارة تحذير للجهود الغربية لتغيير النظام في سوريا. وبعد موقف بوتين يخرج علينا وزير خارجيته سيرجي لافروف بزعمه ان روسيا لا يمكن ان تقول للأسد «ارحل». بيد ان الذي لم يفصح عنه الدبلوماسي الروسي ان بلاده ستخسر المشتريات السورية الضخمة من الاسلحة الروسية، وكذلك نظام يعتمد على موسكو في كل شيء، واذا انهار هذا النظام لوقعت منظومة الدومينو بالكامل.. وسيرجي لافروف يستغل هنا بعض المعطيات الحقيقية ولكنها لا تمثل الكثير بالنسبة للمعارضة السورية مثل انها تلقى تمويلا من الخارج، وهو الامر الذي يصوره الروس على ان اطرافا اجنبية تمول «مرتزقة سوريين» وتدعم قوى متطرفة لتحقيق اهداف جيوسياسية. ربما يبدو في الوقت الراهن ان فكرة دعم موسكو لإزاحة الاسد من سدة الحكم صعبة نوعا ما، ولكن ثمة بعض السيناريوهات التي طرحها الروس انفسهم وتتعلق في ان للدبلوماسية الروسية خطة لخروج سلمي للأسد يجري التخطيط لها بعناية على ان يقتنع الشعب السوري وحده بانه هو الذي حقق هذا الهدف.. ويدعم هذا التوجه ان موسكو وبوتين يعلمان تماما ان الأسد بات يفقد مستقبله السياسي وانه راحل لا محالة، وبالتالي يمكن الترويج للفكرة المشار اليها لكسب ثقة النظام السوري المقبل وعدم قطع العلاقة مع دمشق التي تعد بحق بيضة ذهب للروس.