Saturday, May 19, 2012

الاتحاد الخليجي الرادع للأطماع الإيرانية

احمد المرشد
تعرضت فكرة اقامة اتحاد خليجي يضم كافة دولة مجلس التعاون لانتقادات شديدة من جانب دعاة الانفصال او ما يطلق عليهم الانفصاليون، هذا جانب.. اما الجانب الاخر، فقد تعرضت وبصورة اعنف فكرة اقامة اتحاد يضم السعودية والبحرين تحديدا ليكون هذا الاتحاد نواة للاتحاد الخليجي الاكبر والاشمل والاوسع من نوعه. وسمعنا كثيرا من الافتراءات على نظامي البلدين اللذين يسعيان الى مصلحة بلديهما، وما قاله المعارضون في العلن لم يكن سوى نذر قليل مما لوكت به الألسنة في الخفاء. في حين لم نسمع معارضا عربيا او خليجيا يرد على افتراءات الرئيس الايراني احمدي نجاد عندما وصف بعض حكام المنطقة بإطالة اللسان على جماهير الشعب الإيرانى الذي يسعى فقط للدفاع عن حقه وإحقاق العدالة والمصداقية.. فنجاد عندما استنكر أفعال وأقوال بعض الحكام ولم يتوقف عن إطلاق النيران في كل الاتجاهات وخاصة بشأن حكام دول مجلس التعاون، لم نسمع لهؤلاء صوتا.. في حين وصل التطاول الايراني مداه عندما وصفنا باننا نعمل ضد المبادئ الإسلامية واننا شعوبا عديمة الثقافة ومعادية للإسلام بل وللإنسانية نفسها، وان بعض حكامنا يسارعون في شراء أسلحة بعشرات المليارات من الدولارات ممن وصفهم نجاد بـ «أسياد إسرائيل» في إشارة صريحة للولايات المتحدة الأمريكية. وبينما يلصق نجاد بنا كل هذه الافتراءات، نرى السلطات الايرانية التي تتشدق بحرية العقيدة والابداع تصادر 250 كتابا واعتبرتها كتبا ضالة، بعد ان جمعتها من معرض طهران للكتاب، بحجة أن بعض تلك الكتب تنشر الوهابية وأخرى تزور الحقائق حول الخليج «الفارسي» حسب تسمية السلطات الإيرانية وكتبا أخرى تروج لأفكار غير أخلاقية. ومن المؤسف ايضا اننا لم نسمع ابواق المعارضة توجه ألسنتها الى الجارة ايران وتتهمها بكبت الحريات الثقافية والدينية، في حين ان السلطات الايرانية منعت مباشرة مشاركة دور النشر لأهل السنة، وقام الأمن الإيراني بجمع أعداد كبيرة من الكتب في المعرض خاصة الكتب التي تتعلق بالقوميات غير الفارسية وبتاريخ الخليج العربي والكتب الإسلامية. نعود الى موضوع الاتحاد الخليجي من منظوره الاوسع والاتحاد السعودي – البحريني من منظوره الثنائي وإن لم يخرج ايضا عن فكرة الوحدة.. ولتوضيح الصورة اكثر فاكثر، ربما نرجع الى ما كتبه المفكر الكويتي المرموق محمد الرميحي عندما اقترب من المشكلة وبلغها بصورة لا لبس فيها وقال إن المعركة القادمة في الشرق الأوسط ستكون مركزة على دول الخليج، لأنها ولأسباب كثيرة هي الخاصرة اللينة في وضعها الحالي، والممكن التأثير فيها لقلب أوراق اللعبة في المنطقة. ومن اجل التغلب على هذه الاشكالية وتقوية كيان المنطقة، ليس امامها سوى طرح استراتيجية مختلفة لمواجهة كل تلك التحديات غير المسبوقة. هذه الاستراتيجية تتلخص في تدشين كيان سياسي موحد ليكون قادرا على مواجهة التحديات، هو «اتحاد دول الخليج» على ان يكون بديلا لمجلس التعاون. ولم يناور المفكر الكويتي في وصف اهم التحديات، فهي تكمن أساسا في التطلع الإيراني لتحقيق الحلم القومي القديم والمتجدد، وهو نشر النفوذ الإيراني على المنطقة، وإدخال الجميع تحت مظلة إيران السياسية والعسكرية، وهو طموح يستكمل من الوجهة الإيرانية في الفترة التاريخية الحالية ما بدأ فيه بالفعل، حيث تحقق النفوذ الإيراني في كل من سوريا والعراق وجزء واسع من لبنان، مع توسع في أماكن أخرى ربما بعضها قريب من بعض عواصم الربيع. ويحذر محمد الرميحي في رؤيته المهمة من اغفال الرغبة الايرانية في توسيع نفوذها وامكانياتها في المنطقة «فإن الجميع قد يكون مصابا بتعتيم سياسي تغلب عليه التمنيات ويُخدر بالوعود وتسري في عروقه فكرة خاطئة، بأن ما صح في الماضي قد يصح في اللاحق، وكل ذلك يمثل نظرة قاصرة استراتيجيا تفرط في مصالح الشعوب التي قد تجد نفسها مغلوبة أو مضطرة لمسايرة القوة الصاعدة من طهران». ومن التحليل الى الواقع.. فإننا نرى ان كلام الرميحي لم يكن بعيدا عن اجواء واروقة القمة الخليجية التشاورية التي استضافتها الرياض الاسبوع الماضي، حتى وإن فرح المعارضون وصفقوا بعدها لعدم اعلانها فكرة الاتحاد المرتقب، فهم لم يقرؤوا جيدا بين السطور ما جاء في البيان الختامي للقمة، حتى إنهم لم يحاولوا قراءته القراءة الصحيحة بتأن، فقط استعجلوا في الحكم ليأتوا بنتيجة تقترب من اهوائهم وميولهم وافكارهم الضيقة.. وهي بالقطع افكار تمليها عليهم انتماءاتهم لاسيادهم في قم وطهران. فلو كان هؤلاء على اقل قدر من علم التحليل السياسي لاكتشفوا على الفور ان فكرة تدشين الاتحاد الخليجي لم تفشل او تهملها قمة الرياض، وانما وضعت في مكانها الصحيح «اوصى قادة دول مجلس التعاون الخليجي في ختام قمتهم التشاورية في الرياض باستكمال دراسة مقترحات الاتحاد الخليجي لمناقشتها في قمة استثنائية تعقد في العاصمة السعودية في وقت لم يتم تحديده إلا أنه سيكون قبل قمة البحرين التي لا يفصلها عنها سوى ستة شهور». ولهؤلاء الذين لا يقرؤون ومن ثم لا يستوعبون، استكمل وزير الخارجية السعودي الامير الفيصل خلال مؤتمر صحافي الرؤية تصريحا ليصحح مفاهيم البعض الخاطئة «انطلاقا من الاهمية الكبيرة للموضوع والحرص على استكمال كافة جوانبه بشكل متأن.. يقوم المجلس الوزاري باستكمال دراسة تقرير الهيئة المتخصصة ورفع التوصيات الى قمة تعقد في الرياض» في اشارة الى الاتحاد الخليجي وهو ابرز ملفات قمة الرياض في ظل التهديدات التي تواجهها المنطقة، خاصة وان هذا الملف اي انتقال مجلس التعاون الخليجي الى مرحلة الاتحاد جاء بناء على مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله ورعاه. وبطبيعة الحال.. كانت البحرين مع هذا الانجاز قلبا وقالبا، ولنا في وصف المليك المفدى حمد بن عيسى آل خليفة النموذج الاصوب «قيام الاتحاد الخليجي مشاركة في الركب الحضاري العالمي واستجابة للمتغيرات والتحديات التي نمر بها فالحدود السياسية بين دولنا معابر للانجاز نحو مزيد من التعاون المشترك». وهذا يؤكد حتمية الاتحاد الخليجي سواء بمضمونه الاكبر او الاتحاد البحريني – السعودي، فكلاهما معا امرا ضروريا لمواجهة التحديات الناجمة عن الصلف الايراني في التعامل مع دول وشعوب المنطقة، مما يستلزم اقامة الاتحاد بمنظومته الامنية الموحدة لحماية دول وشعوب الخليج امام اي تجاوز اقليمي. فكرة الاتحاد ستبقي، وسيبقى معها الامل.