Saturday, May 19, 2012

حفاظا على السيادة الوطنية

المحامي جاسم المطوع
يطرح الموقف الأمريكي من التطورات الراهنة في دول المنطقة ومنها البحرين جملة من التساؤلات الكبرى حول حقيقة الاستراتيجية الأمريكية و إدارتها لتحالفاتها القديمة والجديدة سواء من الزاوية المصلحية أو من منظور الصدقية في الوفاء بهذه التحالفات بما يراعي مصالح الأطراف الأخرى طبقا للقانون الدولي والمبادئ التي استقرت عليها الأسرة الدولية. من الوهم والسذاجة بمكان أن يراهن أحد على مصداقية في السياسة الأمريكية أو مراعاة لمصالح الحلفاء أيا كانت صلة الرحم بهم. اذ تطغى مصلحة أمريكا واحتكاراتها المدنية والحربية على أية مصلحة أخرى، و توظًف كل الوسائل العلنية منها والسرية، الناعمة والدموية، ويُرمى بالحلفاء في مقابل تحالفات مع خصومهم. اللافتة المرفوعة لهذا الانفلات اللا أخلاقي واحدة، حرية- ديمقراطية- حقوق الانسان، والجوهر واحد، المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة وشركاتها الاحتكارية. في التاريخ المعاصر أمثلة صارخة من المواقف الامريكية على ما نقول، في إيران والفلبين وبَنما وأخيرا وليس آخرا في تونس ومصر وليبيا. لمن يحتج علينا في الأمثلة عن الموقف الأمريكي من «الربيع العربي» وسقوط بعض حلفاء أمريكا المقربين، نورد ما قاله السيناتور الأمريكي جون كيري، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بعد زيارته الأخيرة الى مصر ودول أخرى في المنطقة، من أن المصريين بعد تشكيل حكومتهم وانتخابهم للرئيس «اذا قاموا فجأة بشد البساط من تحت اتفاقية السلام مع اسرائيل، أو وضعوا فجأة قوانين مقيدة، واذا أصبحوا غير قادرين على إبرام قرض صندوق النقد الدولي، فاننا ساعتها سنبدأ في التساؤل عما نفعله». ليس لدى أمريكا مشكلة أن يتولى الاخوان أو غيرهم الامساك بمفاصل الدولة المصرية، شريطة استمرارهم في نهج الرئيس المخلوع بما يخدم المصالح الاسرائيلية ومصالح صندوق النقد الدولي ويبقي الاقتصاد المصري تحت رحمة الاحتكارات المالية الغربية وسلطة الاقتصاد الطفيلي الليبرالي. تعتبر الولايات المتحدة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقا مناطق حيوية لمصالحها وهذا مؤكد بحكم موارد الطاقة الهائلة التي تملكها أراضي و بحار هذه المنطقة ناهيك عن الأهمية الاستراتيجية الفريدة التي تتمتع بها. وقد أضيف الى احتياطات النفط و الغاز المعلنة في بلدان منطقة «المصالح الحيوية للولايات المتحدة» الاكتشافات الجديدة لما يسمى بالحوض المشرقي، الذي يحوي، وفقا لهيئة المسح والجيولوجي الأميركية، 122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي 107 مليارت برميل من النفط في مياه كل من سوريا و لبنان واسرائيل و قبرص. هذا الاحتياطي في هذه المنطقة من العالم يمكن أن يخدم هدفين بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها الغربيين. فهو يلبي جزءا هاما من احتياجات أسواقهم من الطاقة ومن جانب آخر ينهي أو يقلص الاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي وبالتالي ضرب روسيا اقتصاديا، اذا ما تدفق غاز البحر المتوسط ونفطه عبر أنابيب تبدأ من حقول الغاز في مصر واسرائيل ثم لبنان وقبرص لتمر عبر سوريا الى اليونان، اذا ما تسنى إسقاط النظام السوري وانتقال السلطة الى الاسلاميين منفردين او ضمن تحالف مع قوى سورية قريبة من الغرب أو شملتها حالة الفوضى الليبية أو ما هو أسوأ. هذا الواقع يطرح بالحاح موضوع العلاقة بين المصلحة الاستراتيجية للدول الكبرى وسياساتها البراغماتية التي تخدم هذه المصالح. ولقد رأينا أنه حين تم سحب البساط من تحت أقدام أقرب الحلفاء لم تدمع عين أحد في الولايات المتحدة أو الغرب. حتى في أفغانستان التي قتل فيها حتى الان أكثر من 3000 جندي من التحالف الغربي المعروف بايساف، يواصل الأمريكيون حوارهم مع طالبان خلف الكواليس وفي العلن حتى لو كان ذلك على حساب حليفهم كارزاي. ولا يبدو الأمر مستغربا فالأمريكيون وقفوا وراء تكوين حركة طالبان في بداياتها في الكتاتيب الدينية في باكستان و تنظيم تدريبها وتسليحها وتقديم الدعم اللوجستي لها، لاسقاط حكم الرئيس الأفغاني نجيب الله واخراج الاتحاد السوفياتي من أفغانستان، وقد كانت الولايات المتحدة في طليعة الدول التي اعترفت بحكومة طالبان، ولا يمكن أن نتصور الآن بأن حبل السر بين الجانبين قد قطع. ومن هنا يمكن رصد امكانية بروز تحالفات جديدة للولايات المتحدة مع الاسلام السياسي وانظمة اقليمية في المنطقة تلبي حدا من الاستقرار يضمن الانقسام المجتمعي على أسس طائفية ومذهبية، ولكن في الحدود التي لا تعرقل المصالح الحيوية والاهداف الاستراتيجية الغربية. خطورة الأمر تكمن في أن الاحتكارات والادارات الأمريكية المتعاقبة تنظر الى الأنظمة السياسية الحليفة على أنها حارس لمصالحها، وحين يتوعك هذا الحارس لن يتوانى الأمريكيون عن استبداله بحارس آخر، فهم لا يتعاملون مع الدول على أساس أنها كيانات سيادية حرة في تقرير مصيرها ونمط وسبل تطورها السياسي والاقتصادي، وقد تنكروا للقانون الدولي ومزقوا المواثيق التي تحكم العلاقات الدولية ومبدأ السيادة الوطنية وعدم التدخل في شئون الدول واحترام قراراتها وخياراتها الوطنية. بمعنى آخر فانه من منظور الاحتكارات ليست دول منطقة «المصالح الحيوية» سوى مساحات جغرافية تختزن ثروات طبيعية ينبغي التحكم بها واستغلالها من قبل الدول «النخبة»، ولا يحتاج الأمر لأكثر من إدارة محلية تلبي ضرورات التدفق الآمن للثروة، فاذا تبين أن الإدارة «السلطة» الراهنة عاجزة عن توفير الاستقرار لدرجة تتهدد فيها مصالح «الدول النخبة» حسب تعبير هنري كيسنجر، فلتأت ادارة محلية أخرى قادرة على تأمين استمرار التدفق الآمن للثروات الطبيعية وعلى رأسها مصادر الطاقة ضمن ترتيبات جديدة لا تستبعد التواجد العسكري المباشر. ليس فيما نعرض أوهاماَ، فالمعطيات والتقارير لم تعد سرية بل متداولة في الاعلام الغربي والعالمي ومسيرة التطورات الراهنة تنبئ بالاحتمالات التي نثيرها. يبقى السؤال هل يدرك المعنيون في بلادنا، سياسيون ودينيون، سلطة وموالاة ومعارضة، حجم المخاطر التي تترصد بنا وبسيادتنا الوطنية وحريتنا في اختيار طريق تطورنا السياسي والاجتماعي وبما يجنبنا الانقسام الطائفي وانكشافنا أمام المتربصين بنا وبخيراتنا؟