Saturday, May 19, 2012

الثورات نظرة واقعية

سعيد الحمد
منذ عهدنا الأول بالسياسة ونحن ننظر إلى الثورات نظرة طوباوية لا علاقة لها بالنظرة الواقعية.. فكل ثورة مطهرة في ثقافتنا وكل ثورة «مقدسة» في وعينا وكل ثورة هي حلم في ذهنيتنا.. لم نقرأ الثورة والثورات في واقعها المعاش ولكننا تخيلنا ما ندفع به تصوراتنا عنها واحلامنا وبرومانسية لا علاقة لها بالسياسة في سياق واقعيتها «قدسنا» الثورة والثوار والثورات ونصاب بما هو اقرب في الوصف إلى «اللوثة» منها إلى النشوة عندما نسمع مفردة ثورة تصف حراكاً واحتجاجاً وننحاز إلى حلمنا دون ان نقرأ المقدمات الأولى ثم لا نسأل ابداً عن النتائج فغواية «الحلم الثوري» في ثقافتنا العربية لم تمكننا حتى اليوم من اعادة قراءة تفاصيل أي ثورة من الثورات على ضوء نتائجها وواقعها. انحيازنا إلى الثورة انحياز العاطفة لا العقل فلم نكتشف اخطاء بل خطايا كل ثورة انحزنا لها.. وكل حزب بما هم فيه فرحون بـ «ثورتهم»، اليساريون فتنوا بمحاكمات المهداوي ما بين 58 و1960 وهي التي كانت بحكم وبمنطق القانون والمؤسسة القضائية «مهزلة»، والبعثيون كانوا في الاقطار العربية يرقصون فرحاً على انهار الدماء بعد انقلاب 1963 الذي ذبح اليساريين والشيوعيين من الوريد إلى الوريد باسم «الثورة» التي تغنى بها القوميون والبعثيون وصارت «حلماً» وبلغت مرحلة «التقديس» حتى طار في منتصفها عبدالسلام عارف لحماً ونزل فحماً في سيرة معروفة عن كل الثورات عندما تبدأ تأكل ابناءها في حرب القبيلة الثورية وتصفياتها الدموية، كما هي تصفيات قبائل الثورة في اليمن الجنوبي عام 1986 حين انطلق طوفان من الدم والدموع باسم «الثورة» والشرعية الثورية فانتهت الدولة ودفنت الثورة.. ومازلنا في الحلم الرومانسي نبحث عن ثورة لنرقص على ايقاعها ثم لنقدسها ثم لنشهد نهاية رحلة الدم أو بداية رحلة الدموع والندم.. ومع كل ذلك لم نقرأ سفر الثورة بواقعية حقيقية ومازلنا ننتشي بالثورة / الحلم. والمفارقة في ذهنية عربية تحلم بالثورة انها مازالت تسمي ما حدث في ايران عام 1979 بـ «الثورة» بينما الادبيات السياسية لنظام الملالي تسميها «انقلاب» وعودوا للقراءة بعيون مفتوحة لتقفوا على الحقيقة وتخرجوا من اطار الحلم الثوري. في الانقلاب الملالي كتجربة اعتبرها المسكونون بالوهم «ثورة» لم تأكل ابناءها كعادة الثورات ولكنها اخترعت بشكل غير مسبوق نظام تقديس وتأليه الافراد وبسلطة الدين وسلطان المذهب اخذت عبادة الفرد صيغة اكبر من الصيغة التي اتخذتها في عهد ستالين وهتلر من حيث توظيف الدين لخدمة تقديس الفرد وعبادته. يقول عالم الدين الشيعي السيد طالب الرفاعي في سردياته على الباحث الدكتور رشيد الخيون «قلت لهم في طهران وفي أحد الجوامع انتم حين يرد ذكر النبي الكريم تصلون عليه» مرة واحدة وبصوت واحد حين يرد ذكر الخميني تصلون عليه سبع مرات وبصوت واحد.. وهذا لا يجوز فهل الخميني أهم من النبي؟؟. هذه الملاحظة المبكرة التي اطلقها السيد طالب الرفاعي وهو المرجع الشيعي للمصريين لم تهتم بها ايديولوجية الثورة في صيغة الانقلاب كونها ايديولوجية تقوم على تقديس الفرد وتأليهه ليغدو السلطة الوحيدة النافذة في فلسفة «ثورة» تقوم على سلطة ولاية رجل فرد هو «الفقيه». وفيما الثورة في الحلم العربي تظل مجرد حلم لا علاقة له بالواقع المتجسد في مراحل ما بعد الثورات في سيرة ومسيرة الثورات فإننا نحتاج هنا إلى تشخيص حالة سيكيولوجية عامة عربية وليس حالة سوسيولوجية ثقافية سياسية وذلك امر عسير في واقع عربي يزداد صعوبة كلما اخترعنا «ثورة» تقوم للانقلاب على الثورة وتلك هي مأساتنا. لم نقرأ الثورة وتاريخها على ضوء واقعها ولكننا قرأنا الثورات بطوباوية تقفز على الواقع هروباً منه كونها لا تمتلك المشروع البديل فتحلم بحرق المراحل والهروب إلى الامام بـ «الثورة» حلماً في الخيال وكابوساً في الواقع المعاش.