Tuesday, June 12, 2012

أي رئيس ستلد مصر

صالح عوض
في مصر وفي الوطن العربي، بل وفي العالم ينتظر الناس رئيس مصر القادم في احتفالية لم تتسن لرئيس دولة في العالم، اللهم إلا للرئيس الأمريكي.. وإذا استعرضنا ما لأمريكا من نفوذ على الحكام ونخب من المثقفين ورجال المال والأعمال والإعلام والساسة والأحزاب يصبح الأمر لدينا غير مدهش.. أما ان يصبح انتخاب رئيس بلد يصنف من الدول الفقيرة التي يضربها المرض وسوء الإدارة والذي انعزل ردحا من الزمن عن محيطه العربي ومجاله الحيوي في إفريقيا والعالم الإسلامي شأنا عربيا ودوليا وفي غاية الإثارة فإن هذا يدعونا الى تدبر الأسباب الحقيقية التي تقف خلفه.
لم تعد مصر قطعة أرض وعدد من الأفراد يزيد عن التسعين مليونا.. لقد أصبحت مصر اكبر من الجغرافيا وأكثر من عدد القاطنين فيها.. هي مجال أحلام وأهداف وحسابات قوى إقليمية ودولية.. ولأنها هكذا تبدو عملية التحول فيها محفوفة بمزيد من الأخطار.. في مصر قيل كل ما يمكن ان يقال وما لا يجوز أن يقال ولم يتورع أحد من قول شيء.. وفي ميدان التحرير غنى المغنون وأنشد الشعراء وأقيمت الأفراح.. كانت ألحان الشيخ إمام وأغانيه تتردد في جنبات الميدان، فيما قام الرسامون برسم يوميات الثورة على الأوراق والجدران فكانت نهارات الثورة والليالي الملاح وبيعت أنواع المشروبات والمأكولات.. رفعت الشعارات وتداولت النكات والضحكات.. وفي ميدان التحرير وخلال سنة كاملة وأشهر طويلة تواجد المفكرون والعلماء ورجال الدين والفنانون والمهرجون والأطباء والمهندسون والرجال والنساء والأطفال وحاول الجميع ان يصنع مجتمعا جديدا بمواصفات جديدة تتعاهد على منظومة قيم من المبادرة والتكافل والمحبة والحرص على المجموع وحرية الرأي.. لقد كان ميدان التحرير رحما تشكل فيه جنين المجتمع الجديد الذي يحاول ان يخرج للحياة في هذه اللحظات الحرجة والصعبة.
في مصر، الشعب هو السيد، وفي مصر لا عصمة لأحد، ولا سيادة إلا للقانون.. وفي مصر الكل يعرف ان الشعب اكبر منه وان الشعب هو صاحب الترجيح والتغيير.. من هنا يأتي الحديث عن رئيس مصر القادم.
يقول قائل كم أخطأت الثورة عندما لم تجعل لها مجلس قيادة يسيرها من اليوم الأول، وكم أخطأت عندما لم تقم محاكم ثورية تصفي البلد من رؤوس النظام الفاسد صديق اسرائيل؟ وكم أخطأت الثورة عندما تساهلت مع المجلس العسكري؟! بتدبر المناخ الذي تولد فيه هذه الأسئلة تتجلى رواسب العنف والديكتاتورية في نفوسنا نحن أبناء مراحل الديكتاتوريات والحسم الثوري الفوري.. فلماذا يخرج الناس من حكم ديكتاتور فاسد ليدخلوا في تسلط ديكتاتور ثوري؟! الناس بحاجة الى مرحلة انتقالية لا يحسون فيها ان هناك ديكتاتورا أو حاكما متسلطا.. الناس بحاجة الى ان يشعروا ان لا احد في البلد يمارس عليهم أوامره وقهره.. ثم أي عدل هذا؟! نتحرر من المحاكم العسكرية لنرتمي في حجر المحاكم الثورية.. هل يعقل هذا؟ لابد ان تقارع الحجة بالحجة والمنطق المنطق.. ولينبري دعاة الحرية والكرامة والعدالة يفندون العبودية والذل والانهزام الذي يصطف في الدفاع عنه كتلة كبيرة تعيش العبودية للمرحلة السابقة..
في هذا المناخ يطلع علينا رئيس مصر القادم يحمل حقيبته المعبأة مطالب الشعب الحر ومطالب الأمة التواقة وهكذا يبدأ شعاع شمس الحرية والعدالة يشرق على الشعب والأمة