Monday, June 11, 2012

مصر.. محاولة للفهم

سعيد الحمد
من احتراق البوعزيزي انطلقت ثورة تونس هكذا قالوا لنا وصدقنا.. ومن الفيسبوك انطلقت ثورة مصر هكذا قالوا لنا وصدقنا.. وفي المسافة ما بين الاحتراق وما بين الفيسبوك كانت ثمة اسئلة وعلامات استفهام وألغاز لم تستوقفنا لمحاولة الاجابة عليها أو على اقل تقدير لفهمها وتفكيكها وإعادة تركيبها على نحو يجعلنا نفهم قبل ان نحكم.! ولأننا حكمنا قبل الفهم فقد صدمنا بأحكامنا وبالنتائج الاخيرة كوننا لم نقرأ المقدمات بدقة بل لم نقرأها أصلاً.. ولم نسأل هل صحيح ان الفيسبوك أطلق ثورة أم جمع الساخطين بكل اشكال وأنواع سخطهم فكان الهدم لكن لم يكن هناك بناء. وائل غنيم احد ابطال «ثورة الفيسبوك» تلقى أفضل التدريبات في امريكا على اسلوب جمع الناس في دائرة محددة وتحريك اسباب السخط وصولاً لهدم ما هو قائم من كيان ومؤسسات الدولة لكنه ومجموعته التي تلقت نفس التدريبات لا يملكون رؤية أو خطة ما بعد الهدم، ولذا فقد اختفى غنيم ومجموعة «ثورة الفيسبوك» بعد ان أدوا مهمة الهدم وجلست مصر على تلّة خراب الهدم. في المقابل خسرت كل مجموعات ثورة الفيسبوك استحقاقات جميع تحولات ما بعد الهدم.. من الاستفتاء على الدستور الى الانتخابات النيابية، وأخيراً انتخابات الرئاسة كما اشار الكاتب مشاري الذايدي في الشرق الاوسط وهي اشارة مُصيبة وعن حق. احتمال أول شبه مؤكد أن ثورة «الفيسبوك» هي في أحسن توصيفاتها ثورة سخط لا تملك برنامجاً بديلاً أو حتى رؤية محددة واضحة لما بعد الهدم، «خطة أمريكية للفوضى المدمرة»، فيما النخب الطليعية في الدولة المدنية المصرية تحديداً انبهرت وسرق رؤيتها ضجيج الميدان وبريق الفضائيات فانساقت واستغرقت في لحظة الهدم والفوضى بما فيهم من شيوخ في السن «هيكل مثالاً لا حصراً» ولم تقرأ الظاهرة من خارجها لأنها كانت داخلها. هيكل بعد عام ونيف قال: «سقطنا في امتحان السنة وعلينا الإعادة» وغاب عنه ان الاعادة التي يدعو إليها ستمزّق مصر كما الصومال؛ لأن الجميع فقد البوصلة الآن وباتت اللحظة المصرية مفتوحة على كل احتمالات المجهول أو التراجع الى الخلف إن جاء محمد مرسي أو البقاء كما كانت إن جاء شفيق وفي الحالين لماذا اذن «ثورة الفيسبوك»، وأين ابطالها وكيف اختفوا ولماذا اختفوا بعد ان هدموا القائم في الدولة من مؤسسات؟ المثقف الثوري في مصر ما زال اسير عقلية وذهنية الثورة في عنوانها العريض والقديم جداً، لم يفهم معادلات التغيير الجديد والتحولات والتبدلات في لعبة الكبار ولعبة الامم ولعبة المخابرات وما زال يعاني من ثقافة الحرب الباردة، وكان الاتحاد السوفيتي لم يسقط والصين لم تتغير وجيفارا لم ينتهِ.. فخرج الى الميدان بعقلية انتقام لا بعقل التغيير الحقيقي.. وسقط في لجّة بحر الانتقام للانتقام، لم يسأل ماذا بعد مبارك؟ ولكن سؤاله كان متى يسقط مبارك.. وعندما سقط وجد نفسه لا يملك برنامجاً لما بعد السقوط، فسقط المثقف الثوري في الضياع. انبهر المثقف العربي ولم يملك زمام فكره فرأيناه جزءاً من ظاهرة الدوارات والميادين التي افرزتها «ثورة الفيسبوك الامريكية» انغمس فيها وأصبح داخلها يصرخ كما يصرخ شبابها ويبشرنا بدولة القانون بالحريات والعدالة والديمقراطية غير المنقوصة وبتداول السلطة.. كل ذلك جرى في قفزة هتافات حنجرية صاخبة وغاضبة ما كان للمثقف أن يكون جزءاً منها حتى يستطيع فهم الظاهرة وفهم من يلعب فيها من وراء الكواليس، لكنه انساق خطيباً ومحرّضاً ولاعباً حتى استنفذ دوره في اسقاط النظام»، ولم يعطِ نفسه وقتاً للسؤال المصيري الكبير ماذا بعد السقوط؟ أسأل ثوار الفيسبوك وأسأل المثقف الثوري وأسأل الطلائع الثورية.. من جاء بعد الهدم؟ هدّمتم الدولة «برافو» فمن تقدم الصفوف بعد الهدم ليبني دولته؟. كنتم دولة مدنية بامتياز والآن تطلبون ضمانة وضمانة فقط لبقاء الدولة مدنية.. «ما كان من الأول» وكنتم دولة ابداع والآن تطلبون ضمانات لحماية الابداع؟ لماذا إذن كان ما كان وكنتم معْولاً فيه.. هل هي حكمة شمشون مرّرها لكم البعض؟ فتورّطتم فيها وتورّطتم معها بعد أن انهار المعبد؟