Monday, June 11, 2012

قراءة متأنية في المشهد السوري

عبيدلي العبيدلي
بعد أن عبّر عن استنكار بلاده القوي لقتل المدنيين الأبرياء وطالب بمعاقبة القتلة، دعا المتحدث باسم الخارجية الصينية ليو ويمين “طرفي الأزمة في سوريا لوقف العنف وتطبيق خطة أنان للتسوية السلمية”، في محاولة منه لإبعاد اتهامات “دول غربية وعربية بحماية النظام السوري من تحركات دولية أكثر صرامة”. تلاقت هذه الدعوة الصينية مع إعراب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون “عن إحباطه العميق من مستوى العنف في سوريا وتحذيره من خطر حرب أهلية وشيكة في البلاد”، حيث يستغل “الإرهابيون الفوضى” مشيراً إلى “أن مراقبي الأمم المتحدة تعرضوا لإطلاق نار من أسلحة خفيفة أثناء توجههم لموقع المجزرة”، مؤكداً أن الرئيس السوري بشار الأسد أفشل خطة عنان وفقد كل شرعية”. تلى ذلك فشل واضح، كما تناقلت وكالات الأنباء، عرفته مساع “الولايات المتحدة الأمريكية في إقناع روسيا، بعد محادثات على مستوى رفيع حول سوريا، بالتخلي عن الأسد، مع استعداد موسكو للموافقة على تعديلات في خطة المبعوث الدولي كوفي أنان لحل الأزمة السورية من أجل إبقاء تلك المبادرة حية”، فيما لو وافقت واشنطن على مقترح موسكو البديل الداعي إلى ضرورة جلوس “جميع اللاعبين الإقليميين على غرار إيران على طاولة المفاوضات مع القوى العالمية لوضع استراتيجية مشتركة تناسب السوريين جميعاً”. من جانبه، قال المبعوث الدولي والعربي كوفي أنان بعد أن طالب “بمستوى جديد من العمل الدولي لوقف العنف”، “إنه بالإمكان تجنب الأسوأ وتمكين سوريا من الخروج من أزمتها لو توحدت الجهود توحداً حقيقياً، وتصرفت وتحدثت الأطراف بصوت واحد”. أما الصوت العربي فقد جاء على لسان أمين عام الجامعة العربية نبيل العربي، الذي قال: “إن سمعة الأمم المتحدة على المحك الآن بسبب الموقف من الأزمة وقتل المدنيين في سوريا”. في الوقت ذاته أفاد رئيس بعثة المراقبين الدوليين في سوريا روبرت مود “أن وفد المراقبين يواجه عوائق ولم يتمكن بعد من الدخول إلى مزرعة القبير في ريف حماة وسط سوريا، حيث قتل 86 شخصاً”. أما الرؤية الأمريكية وموقف واشنطن من الأوضاع في سوريا فقد جاءت في تصريح أدلت به وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، دعت فيه الرئيس السوري بشار الأسد إلى “تسليم السلطة ومغادرة البلاد، (مبدية استعداد بلادها)، للعمل مع جميع أعضاء مجلس الأمن، بما فيهم روسيا، لعقد مؤتمر يناقش المستقبل السياسي لسوريا شريطة أن ينطلق من مبدأ رحيل الأسد عن السلطة وإفساحه المجال لحكومة ديمقراطية”. ولم تكن تركيا، بوصف كونها متاخمة جغرافيا لسوريا، وحاضنة لنشاطات قوى المعارضة المختلفة، بعيدة عن مسرح العمليات، التي لا تستطيع أن تقف مكتوفة الأيدي إزاءها، فوجدنا رئيس وزرائها رجب طيب أردوغان، هو الآخر يناشد الرئيس السوري بشار الأسد ترك منصبه، مضيفاً بأنه “لا يمكن أن يستمر في هذا المنصب عاجلاً أم آجلاً من بعد أحداث حماة، وقصف المدن السورية على رؤوس سكانها”. توالت تلك التصريحات بعد المجزرتين الأخيرتين، اللتين يفصل بينهما زمنياً أقل من أسبوعين، كانت الأولى “ مذبحة الحولة التي قتل فيها زهاء 108 أشخاص نصفهم تقريباً من الأطفال”، والثانية “ مذبحة مزرعة القبير وقرية قريبة تبعد نحو 20 كيلومتراً من وسط حماة تضاربت الأنباء عن عدد ضحاياها ما بين 9 أشخاص، بحسب المصادر الرسمية و78 شخصاً بحسب ما ذكرته وسائل إعلام، بينهم نساء وأطفال”. هذا المشهد السوري المتأزم، التي تتضارب الحلول المقترحة لانتشاله من مأساته التي يغوص يومياً في أوحالها، يوحي بقراءة، متى ما جاءت متأنية، بوسعها أن ترى في ذلك المشهد مساحات ثابتة، ينبغي أن لا تخفي معالمها الحقيقة أي من التفاصيل الأخرى، التي ربما تحرف تلك النظرة عن مسارها الصحيح، وتغرقها في الرمال المتحركة لتلك التفاصيل، التي يحاول البعض إبرازها لتحقيق بعض المآرب الذاتية الضيقة. يمكن تشخيص معالم تلك القراءة في النقاط التالية: 1- وصول الصراع بين أطرافه المختلفة، محلية كانت أم إقليمية أم دولية، إلى طريق مسدود، بفضل شبه توازن موضوعي في موازين القوى المتناحرة، بما لا يسمح لأي منها حسم النزاع وبشكل واضح لصالحه، أو لصالح التحالف السياسي الذي يمثله. هذا التوازن، غير المتوقع، يشمل المحصلة الكلية لمصادر القوة التي بحوزة كل طرف من الأطراف على حدة، على المستويين الداخلي والخارجي، سواء في الإطار السياسي، أو في المقومات العسكرية. فلا يبدو في المشهد قدرة أي من القوى، اعتماداً على تفوقها السياسي والعسكري، أن تحسم الصراع لصالحها، وتفرض شروطها على الآخرين. 2- استمرار الحرب الأهلية القائمة اليوم، واتساع نطاقها، نظراً لانعدام القوة القادرة على حسمها لصالح طرف محدد، إلى درجة أنها قد تكرر النسخة اللبنانية. هنا من الطبيعي والمنطقي أن تفرز هذه الحالة قوى اجتماعية، لها حضور سياسي، تعززه مصالح آنية في استمرار النزاعات التي تقوي من مكانة تلك القوى الطفيلية السياسية، وتضاعف من حصتها عند اقتسام الغنائم. وما هو أكثر من ذلك، تضع بتصرفها مداخل مالية ترفع من مستوى أوضاعها الطبقية. هنا تتداخل العوامل، فينشأ حلف غير معلن بين تجار الحروب، وفئة اجتماعية جديدة يمكن أن نطلق عليها تجار الأزمات، يقود إلى زواج من مصلحته استمرار النزاعات المسلحة لأطول فترة زمنية ممكنة، لتحقيق أكبر دخل متاح، في أقصر فترة زمنية ممكنة. 3- تشظي أطراف الصراع، بدرجات مختلفة، إلى قوى متنافرة، يربط بين عناصرها خيط واه. هذا ينطبق على السلطة، تماماً كما تعاني منه المعارضة أيضا. يدلل على ذلك تكرار ظاهرة التمرد في صفوف قطاعات المؤسسة العسكرية الرسمية، إما بالامتناع عن الانصياع لأوامر قياداتها، أو بمغادرة ثكناتها والانضمام إلى صفوف المعارضة. وليست هذه الأخيرة في وضع أفضل، إذ لم تعد تتمتع بذلك التماسك الذي نعمت به في المراحل الأولى من تفجر الصراع، ووصلت الخلافات إلى أعلى إدارات مجالس التحالفات القائمة بين فصائلها المختلفة. 4- ارتباك مشروعات القوى الخارجية، العربي منها والإقليمي، بل وحتى الدولي، وتعثر خطواتها، سواء تلك القادمة من مؤسسات إقليمية مثل الجامعة العربية، أو عالمية مثل الأمم المتحدة، أو قطرية أمريكية كانت أم قطرية (دولة قطر). هذا يوصد الأبواب السورية أمام أي حل محتمل في المستقبل المنظور، ويجعلها مشرعة على مصراعيها، فاتحة الطريق أمام احتمالات كثيرة، لن تقود بالضرورة إلى الحل الذي يتوق له المواطن السوري العادي. مما يجعل طول الأزمة وتشعبها هو الأوفر حظاً من بينها. ذلك يجعل من سوريا ريشة في مهب الرياح الإقليمية، وهذه الأخرى غير معروفة الاتجاه، إذ تتحكم في مساراتها عوامل كثيرة، البعض منها ينبع من عناصر إقليمية، وبعضها الآخر له ارتباطات دولية. 5- دبيب الوهن في جسد الدولة السورية القائمة، وتهاويها، في مدة يصعب التكهن بخطها الزمني، قبل أن يخرج من رحمها نظام جديد يعبّر عن موازين القوى التي سيفرزها ذلك المشهد، والتي ليست بالضرورة من بين تلك الضالعة اليوم، بشكل مباشر في النزاعات اليومية، لكونها تمتلك من النضج الذي ينصحها بعدم استهلاك قواها، واستنزاف مواردها في بداية المعركة، كي تكون مؤهلة لحصد ما زرعه الآخرون، الذين جردهم نزيف المعارك من قدرتهم على مكافأة أنفسهم، والقوى التي تقف وراءهم