Thursday, May 3, 2012

في مصر.. الشارع أرقى من الإعلام

بسهولة مطلقة يمكنك أن تعد أسماء مجموعة من الإعلاميين المصريين الذين استطاعوا أن يسجلوا حضورا إعلاميا من خلال ارتباطهم وعلاقاتهم بالنظام السابق. كانوا مجموعة من المداحين والمتسلقين والعابثين حقا بالإنسان المصري وبكرامته وبكل قيمه المعنوية. جاءت الثورة فلاذوا بالصمت وانكشفوا أمام الجميع، لاذ بعضهم بالصمت لفترة من الوقت، تسلطت عليهم وسائل إعلام جديدة وإعلاميون جدد، اتجهوا سريعا لفضح تلك الحفنة من الإعلاميين ورأوا فيهم مجموعة من الضيوف الثقلاء على مائدة الثورة.
عمرو أديب كان يوشك على البكاء حين كان الرئيس السابق حسني مبارك يتلقى العلاج في مستشفى بألمانيا، وفيما قدم حلقة ظهر في خلفية الصورة مبنى المستشفى الذي كان يرقد فيه الرئيس كانت دموع ذلك الإعلامي الفذ توشك أن تغرق وجنتيه. هذا نموذج لإعلاميين في مصر استنزفوا كثيرا مما لديهم، وتراجعت مكانتهم وتراجع حضورهم الإعلامي بعد الثورة. إذن كيف يمكن أن يقدموا أنفسهم من جديد للشارع المصري بعد أن كانوا بشكل أو بآخر جزءا من الذراع الإعلامية للنظام السابق؟ لم يكن أمامهم سوى إعادة افتعال البطولات ولو من خلال قضايا ملفقة، ربما لم تكن الفرصة مواتية لهم كما كانت في قضية أحمد الجيزاوي.
بعدد سقوط النظام إذن تحول كثير من الأسماء الإعلامية ممن كانوا يصفون الثوار في ميدان التحرير بأنهم (شوية عيال) و(شباب عايزين حد يلمهم) إلى مؤيدين ومناصرين للثورة، وهو ما أعلن سقوطهم وانهيار مصداقيتهم أمام الجميع، وظهر الكثير من المقالات والكتابات والقوائم التي تضم أسماء لإعلاميين مصريين كانوا ضد الثورة. هؤلاء هم الآن من يقودوا تلك الحملة المفتعلة في قضية أحمد الجيزاوي. انساق مجموعة من الإعلاميين الجدد خلف هذا الغبار واستنشقوه مليا، لم يسأل أحد منهم نفسه كيف تحولت زوجة الجيزاوي لتكون المصدر الوحيد لتلك القصص: حكم سابق على زوجها، تنفيذ الحكم بالجلد سيكون يوم الجمعة، تهمة الإساءة للذات الملكية، وغيرها من التفاصيل التي لم يسأل أي إعلامي مصري ممن انساقوا خلفها عن أي دليل يمكن أن يسند كلامها.
ليست هذه المرة الأولى التي يكون فيها بعض الإعلام المصري خادعا للمصريين وللثورة ولمختلف تطلعات الشعب المصري. إنما سيمثل ذلك مدخلا لفرز حقيقي بين الإعلام الوطني والإعلام المضطرب والكاذب. الآن الذي يتكفل بالرد على كل هؤلاء ليس إعلاما مضادا ولا الإعلام السعودي، إنه الشارع المصري هو الذي يتولى الآن الرد على كل ذلك، خرج المصريون في تجمعات صادقة ومتحمسة ترفع اللافتات وتردد الشعارات التي ترفض الإساءة للمملكة، في موقف أشبه ما يكون بصحوة شعبية ضد الإعلام الذي بات يشهد تراجعا في عيون الناس.
اتسعت دائرة الإعلام المصري بعد الثورة إلى حد جعلها خارج حدود السيطرة، في بلد يفتقد كثير من مؤسساته للسيطرة بالمعنى الحقيقي، وتحول الإعلام إلى لاعب مؤثر في كل الأحداث التي شهدتها مصر، وسط هذه الأحداث وجد الفلول من الإعلاميين السابقين ممن تربوا في حجر النظام السابق فرصة للتحول من خلال القضية، أي اتخاذ أحداث كالتي حدثت أمام السفارة الإسرائيلية، وأحداث بور سعيد فرصة لإعادة مواقعهم السابقة والانشغال بتلك المستجدات عن تاريخهم الإعلامي الذي عاش في ظل النظام السابق.
لم يكن الإعلام المصري شريكا أو مؤثرا في صناعة ثورة الخامس والعشرين من يناير لكنه أبرز المتأثرين بها، خاصة بعد إلغاء وزارة الإعلام.
ويشير الباحث محمد شومان إلى أن الإعلام المصري يعيش واقعا أكثر حرية لكنه أكثر ابتعادا عن المهنية وعن مواثيق الشرف الإعلامي.
في الواقع أن أفضل ما تم الـتعامل به مع هذه الأزمة هو ما قام به الـسفير السعودي في القاهرة أحمد قطان، لقد أدرك قطان مبكرا أن الأزمة ليست قضائية ولا حقوقية ولا سياسية، إنها أزمة إعلامية فقط، ولذا تحول إلى شخصية تلفزيونية واستجاب للدعوات الحوارية التي وجهت له، لم يكن بحاجة إلى الكثير ليوضح بطلان القضية واستعجال الإعلام المصري. غالبا ستكون النتائج إيجابية للغاية، فعلاقتنا مع الشعب المصري، وليست مع إعلامييه، والمجموعة التي تظاهرت أمام السفارة السعودية احتجاجا لا تساوي في عددها شيئا أمام من تظاهروا اعتذارا وحبا. تلك هي مصر.