Sunday, May 27, 2012

عجل الله فرجه

فيصل الشيخ
أعتقد بأنها المرة المائة التي نتحدث فيها عن غياب التخطيط الاستراتيجي للدولة على شتى الأصعدة، والذي هو أساس ما نعانيه من مشاكل بل حتى مصائب. نقول بأن التخطيط الاستراتيجي “غائب” لأننا نلمس آثار ذلك على الأرض، نجد كثيراً من الدلائل التي تقود إلى قناعة بأن “العشوائية” و“الارتجال” هي الأساس الذي تبني عليه مختلف منظومات الدولة استراتيجياتها. صدقوني البحرين بحاجة لوزارة رفيعة المستوى معنية بـ “التخطيط الاستراتيجي” ترسم ملامح العمل وتلزم بها القطاعات المختلفة بعد مناقشة مستفيضة معها، وأقول هنا وزارة لا هيئة، لأن مفهوم الهيئات لدينا أصبح مفهوماً مخيفاً، ومن يتابع الوضع الحالي يدرك تماماً ما نعنيه. أبسط مثال على التخطيط الاستراتيجي هو ما يرتبط بإبراز المشروع الإصلاحي لجلالة الملك الذي بدأ منذ أكثر من عقد من الزمان. تخيلوا أننا وصلنا إلى مرحلة بالأخص بعد الأزمة تتحدث فيها كثير من القطاعات الرسمية في محافل دولية ولوسائل إعلام عالمية بخطاب هدفه بيان أن لدينا في البحرين مشروعاً إصلاحياً، وأن لدينا حقوق إنسان، ولدينا حريات، ولدينا نهضة وتنمية، ولدينا ولدينا الكثير. الحديث يتم بطريقة يتلقاها المستمع وكأنه يسمع عن هذه الأمور للمرة الأولى، وبعضهم لا يصدق أن كل هذا موجود أصلاً في البحرين، لأن الفكرة ترسخت في ذهنه بأننا دولة غير ديمقراطية ولا إنجازات تحققت في مجالات مهمة وحساسة كالحريات وحقوق الإنسان. طبعا تدركون بأن النظرة الغربية لا تعكس الواقع أبداً، لكنها لم تتشكل إلا حينما غاب التخطيط الاستراتيجي لتقرير أفضل الطرق لإبراز المنجزات البحرينية وبيان مكاسب المشروع الإصلاحي منذ انطلاقته، مقارنة بالأداء المحموم الذي يُبذل على الضفة الأخرى لتشويه صورة البحرين خارجياً أكثر وأكثر. يحز في النفس أن نتحدث للعالم اليوم لنذكرهم بأن هناك ديمقراطية ترسخت في البحرين منذ أكثر من عقد، ويحز في النفس أكثر حينما تكون ردة فعلهم بالتفاجؤ باعتبار أنهم لا يعرفون كل ذلك، يعرفون الفورمولا واحد وأنه تقام جولة من جولاتها في البحرين لكنهم لا يعرفون أن البحرين دولة لديها كل مقومات الدول الحديثة الناهضة. الخلل هنا في طريقة التخطيط لأي مشروع، في طريقة إبرازه إعلامياً وتوصيله لمعرفة العالم الغربي. أهناك خلل في إعلامنا؟! نقول نعم وهو ليس وليد اليوم بل هو موجود منذ سنوات. أهناك خلل في طريقة الإعداد لأي مشروع؟! نقول نعم، لأننا نعمل وكل همنا الداخل، متناسين أن نظرة الخارج مهمة أيضاً؟! ضربت مثالاً بشأن أكبر إنجاز بحريني تحقق على يد ملك البلاد حفظه الله، والذي من المفترض أن يكون قد وصل للعالم واستوعبه بتفاصيله ودقائقه منذ السنوات الأولى، لا أن نأتي الآن وكأننا نذكر الناس بأن كل ما يقولونه وكل ما يوصون به على هيئة توصيات واقتراحات موجود أصلاً في البحرين ومنذ سنوات. خذوا أمثلة أخرى على ضعف التخطيط الاستراتيجي، الإسكان أبلغ مثال، تعاقب الوزراء على الوزارة وعدم وجود خط ثابت يسيرون عليه، كل يأتي باستراتيجية جديدة تنتهي بزوال المؤثر، إضافة للتقلبات في القرارات، نتحدث يوماً عن بيوت ذكية، بعدها نلغي الفكرة، نتكلم عن أسبقية الناس في القوائم، ثم نعلن وجود مشكلة قوائم الانتظار ومشاكل في التوزيعات، نتحدث بأرقام ووعود، لكن الواقع يختلف. الرؤية الاقتصادية تحدثت عن رفع مداخيل الناس بطريقة مطردة على امتداد العمر الزمني لتحقيقها، لكننا إلى اليوم نبحث عن آلية صحيحة لتحقيق ذلك في ظل المتغيرات. تحدثت عن وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، ومازلنا نبحث عن تطبيق كامل لهذه النسبة فنستغرب من نتائج البحث. حتى ونحن نواجه اليوم أخطاراً خارجية، وحملات إعلامية تستهدف البحرين، مازلنا نعاني من غياب استراتيجية للتحرك نواجه بها كل ذلك بحصافة، ونعمل بموجبها بحرفية للدفاع عن البحرين. كل ما نراه ونحسه على مختلف الأصعدة هي اجتهادات يشكر عليها أصحابها ولن نبخس حقهم، لكن بعضاً منها لا يتلاقى في الهدف العام، بل للأسف يتصادم مع بعضه البعض، حتى بتنا نحتار من المشهد، إذ هل لدينا كانتونات يصارع بعضها بعضاً لبيان أن المنقذ والبطل فلان أو علان، عوضاً عن جهود جهات يفترض أن تتلاقى لتحقيق هدف واحد. تريدون لكل ذلك أن يُحل، خططوا كما تخطط الدول المتقدمة، ضعوا خططاً استراتيجية فاعلة، طبعاً الآن بعضهم يفكر بأسلوب عقدة الرجل الأجنبي باعتباره أفضل من يفكر ويخطط وهذه أيضاً كارثة، لدينا من أبناء هذا الوطن من المخلصين من يعملون بإخلاص لوطنهم لا لذواتهم، لديهم القدرة على التفكير والتخطيط ويمتلكون النظرة البعيدة. كل ما نحتاجه جهة تخطط استراتيجياً للبلد وتلتزم بخططها كل القطاعات وتعمل وفق منظومة واحدة دون السماح بأي قطاع أو أي مسؤول أن يغني وحده خارج السرب. شعوبنا العربية غريبة، تدرس أموراً رائعة، من ضمنها التخطيط الاستراتيجي، لكن حينما تأتي لتطبق ذلك على أرض الواقع، يتبخر كل شيء وتواصل العمل بأسلوب العشوائية والارتجال، وتفكر وفق مدى زمني ضيق ومحدود لا تأثير دائم له على المدى البعيد. التخطيط الاستراتيجي لدينا موجود فقط على الورق، أما على الواقع فندعو أن يعجل الله فرجه!