Sunday, May 27, 2012

لماذا لا نملك أحزاباً وطنية

أماني خليفة العبسي
من الصعب إحداث تغيير في المجتمعات دون تغيير الأفكار، ومن هنا انطلقت عملية التغيير منذ عقود لتحويل المجتمع البحريني لما هو عليه اليوم، والأساس الذي اختير ليكون دعامة التغيير للأسف هو الدين والمذاهب، ماتت أو ضعفت التجمعات التي تتسم بسمة الوطنية والبحرينية، وسادت الأخرى المذهبية واكتسحت. ونواة حزب واحد مذهبي صارت حركة سميت شعبية وتجرأت لتعلن نفسها كحركة ديمقراطية، وها نحن نقف على مسافة ما من النموذج العراقي واللبناني، الكيانات المحكومة عن بعد من مركز التحكم في طهران والمحاصصة الطائفية وإهدار الوقت والطاقات والإمكانات على عراك مذهبي بغيض مستمر لا نهاية له، وكل هذا نعرفه ونعرف أصله، فهو ماركة فارسية مسجلة راجت وعمقت جذورها في أوطاننا. لم تعد الجماعة عندنا حتى تخجل من التصريح بهويتها وهواها، تخونها الكلمات حين يطلب منها إدانة تصريح إيراني مستفز أو التحدث عن مسمى الخليج العربي، وترفض احتمالات تطور العلاقات بين دول الخليج إلى اتحاد، حالنا حال البشر في كل أصقاع الأرض. فالعالم يبني كيانات كبيرة تسود وتملي شروطاً وتحصد امتيازات اتحادها، ونحن بمجرد التفكير في ذلك نكون قد تعدينا الخطوط الحمر وانتهكنا السيادة والاستقلال والأمن الوطني ودخلنا منطقة المحرمات. كل هذا سببه جمعية بلون واحد ومذهب واحد، يقول الأمين العام للوفاق في مقابلة مع البي بي سي إبان أزمة العام الماضي إن جمعيته مفتوحة لكل من يريد الحرية والديمقراطية، وهو يروج لهذه الفكرة إعلامياً لكنه لا يصرح بأن جمعيته عن بكرة أبيها مكونة من طائفة واحدة وتتبع مرجعية تأمر وتنهي وتبيح وتمنع وتحلل وتحرم، هو شخصياً سيف في غمدها وخادم لها. الخروج للتظاهر ملزم بفتوى وسلوكيات الناخبين واختيار المرشحين بفتوى والقوانين تخضع لميزان الفقيه، قانون الأحوال الشخصية هو بمثابة أساس اجتماعي في أي دولة ديمقراطية حرة يسقط بسبب توجيهات من النجف وقم. أخبرونا أي ديمقراطية في العالم تدار بهذه الطريقة؟! لا أحد يكره المزيد من الحريات والديمقراطية، لكن هل السبيل للحرية أن يقع الفرد مسلِماً خاضعاً تحت طائلة مرجع ديني من أي ديانة ومذهب يحدد لي مسبقاً لي المرشح المؤمن الذي انتخبه؟ دعونا نعود بالذاكرة للوراء؛ لا دخان بلا نار. ولم تكتسب الوفاق سمعتها الطائفية من فراغ، فالأحزاب التي تقوم على المذهب أو الدين أو العرق تميل بتطرف لعدم الاعتراف بحالة التعددية أو بأهلية الأطراف الأخرى في إبداء رأي في مستقبل البلد، وتعتبر لنفسها أفضلية بسبب مذهبها أو عرقها أو لونها، وهذه سمة بشرية تكررت عبر التاريخ؛ الميل لإلغاء الآخرين والتحكم في مصائرهم هو أساس الخلاف في كل مكان وليس في البحرين وحدها. الوفاق كانت معارضة برلمانية عايشت سلبيات وإيجابيات التجربة، وأعتقد أنها كانت معارضة واعدة رغم أعوامها القليلة كحزب رسمي وككتلة برلمانية، يشاء الله أن ما أقدمت عليه كان سبباً لبداية طفرة حقيقية في بلد يعاني من خمول سياسي وشارع مستكين لواقعه. الوفاق كانت لتسود من موقعها لأنها كانت محتكرة للمشهد السياسي مقابل أكذوبة الأقلية السنية التي عليها أن تأخذ ما تمنح وترضى بالقليل من باب أن موقفها ضعيف كأقلية. فشلنا في السابق في إحداث تغيير لأننا دخلنا تجربة الديمقراطية من باب التنازع على 40 كرسياً بين جمعيات شيعية وأخرى سنية، ولأن الشيعة انتخبوا شيعياً والسنة كذلك انتخبوا سنياً ولا يجدي إنكار ذلك، عجزنا عن الإتيان بمرشح بحريني كفء يمكن أن يرشحه الشيعي والسني، يعبر فقط عن فكر وموقف سياسي يمكن للمواطن اعتناقه أو رفضه أو انتقاده دون أن يتعدى على الأديان أو يكفر. نقول عندنا تنوع سياسي؛ إنه تنوع مريض لأنه يخفي تعصباً هائلاً، كل لمذهبه، وبكل غباء نجعل ذلك يدير دفة بلدنا ويؤثر على مستقبل أجيال قادمة. التجربة الديمقراطية بهذا الشكل أثبتت علاتها وعيوبها في دول حولنا ويستحيل أن ننجح ونحن نكرر أخطاء الغير. إما أن نحقق طفرة في الاتجاه المعاكس وندعم مجتمعياً تشكل أحزاب وطنية حقيقية أو أن نلغي الحياة الديمقراطية الصورية التي يديرها المعممون والملتحون.