Friday, May 4, 2012

الصبر مع تسارع الأحداث

يسعى النظام الإيراني الآن إلى ابتلاع العراق، وجعله رأس الحربة في مواجهة دول الخليج وباقي الدول العربية، إذ أنه أكثر من يستشعر قرب سقوط حليفه السوري، الذي وصلت الثورة الشعبية ضده إلى المعقل الأخير في دمشق التي لم يتبق فيها سوى أربعة أحياء لا تتظاهر، وهي الأحياء التي يقطنها مسئولو النظام السوري أنفسهم، وبدخول الثورة إلى عقر دارها يكون الجنين الثوري، الذي أمضى في أحشاء الوطن السوري أكثر من عام، قد أوشك على الخروج إلى النور.
يعتقد النظام الإيراني أنه بغرس مخالبه في العراق سوف ينجو بنفسه من موجة المد القادمة، وأنه سيتمكن من الاستمرار في التغول على دول المنطقة، إلا أن الواقع سوف يقتحم عليه عقر داره، وليس غريباً الآن أن مستوى التصعيد وضرب الأمن الذي يمارسه علينا هنا في دول الخليج سوف ينتقل إلى مرحلة أكثر شدة وضراوة، تستدعي الصبر واليقظة والتلاحم. إن الثورة السورية قد ضربت عقر دار المشروع الإيراني المتحفز للانقضاض على جيرانه، وهي بكل المقاييس قد باغتته في وقت كان يمني فيه نفسه باستغلال مناخات التغيرات الجذرية في البنية السياسية للوطن العربي، إلا أن هذا التحفز خاب وفشل، وفي انتظاره المزيد من الفشل أيضاً.
الرئيس التونسي منصف المرزوقي، أجرى قبل يومين لقاء مع صاحب موقع «ويكيليكس» جوليان أسانج، وعرج في حديثه على «حزب الله» وزعيمه حسن نصرالله قائلاً: «إن شعبية حسن نصرالله انتهت تماماً هنا في تونس، وفي سائر البلدان العربية». كلام المرزوقي ليس عابراً، بل يدلنا على تغيير كبير في الواقع، يدركه أقل الناس فهماً، ربما ما عدا النظام الإيراني الذي تعميه عنجهيته عن الإبصار. إن «حزب الله» هو أحد أذرع النظام الإيراني في المنطقة، وقد تمكن في عام ٢٠٠٦ من خداع الرأي العام العربي بمسرحية مواجهته مع إسرائيل التي لم يسقط فيها صريعاً جندي إسرائيلي واحد. وحينما يقول الرئيس التونسي - وهو ابن الثورة التونسية- هذا الكلام عن «حزب الله»، بعد ٦ سنوات من مسرحية الحرب، فإن ذلك يعني من دون أية مواربة، أن الرأي العام العربي قد تغير جذرياًّ، وخصوصا بعد افتضاح النفس الطائفي للحزب وزعيمه، وتشريعه قتل السوريين، كنتيجة طبيعية للفتاوى الدينية التي صدرت من قم وطهران، بقتل السوريين وتشريدهم وإبادتهم.
إن التصعيد الحاصل في البحرين، وكذلك هناك على الجزر الإمارتية المحتلة، من قبل النظام الإيراني، إنما هو إشارة واضحة إلى أن هذا النظام بدأ يفقد أعصابه وهو يرى مشروعه ذا الثلاثين خريفاً يتهاوى في سوريا، وأن الجماهير العربية العريضة التي طالما ضحك عليها هذا النظام بأسطورة «الثورة الإسلامية» باتت هي اليوم من يقود الحراك المناهض للمشروع الفارسي في المنطقة العربية. وبالتالي فإنه لا بأس من الصبر ساعة في وجه هذا التصعيد، والتعامل معه بحكمة وحلم واقتدار، ريثما تنضج المواقف وتتشكل مع تسارع الأحداث.