Friday, June 22, 2012

بل نحن من خاب أملهم

عثمان الماجد
أعرف أن كتابا كثرا قد تناولوا بالتحليل والتفسير والشرح «خيبة أمل» مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية مايكل بوسنر» التي عبر عنها بُعيد صدور حكم محكمة الاستئناف العليا في 14 من الشهر الجاري في قضية العشرين طبيبا، والتي قضت ببراءة تسعة وإدانة تسعة آخرين، لكن تلك التحليلات والتفسيرات والشروحات لم تبدل من فهم الناس في البحرين لمواقف الولايات المتحدة الأمريكية ولم تغير من دهشتهم أو استغرابهم في تعاملها مع أصدقائها الإستراتيجيين في الزمن الأمريكي الجديد! وصفوة القول ان أحدا لم يستطع أن يسبر غور دوافع خيبة أمله تلك، غير أنني أتيتكم بنفس الموضوع هنا، ولو متأخرا، لأعبر لكم عن دهشتي الخاصة، ليس إلا، من سلوك رجل دبلوماسي ما كنت أظن أن تصل به درجة الوقاحة الدبلوماسية إلى حد حشر أنفه في أمور مجتمعنا بكل أطيافه الاجتماعية سنةً وشيعةً ومسيحيين ويهود وبهرة وغيرهم من المقيمين والعابرين، والانحياز بشكل سافر إلى مجموعة اختارت أن تصف نفسها بـ«المعارضة»، وما أبعدها عن «المعارضة» صفة وفعلا سياسيا! إذ ما هي بمعارضة سياسية بقدر ما هي حركة تعبر عن مسعى إقليمي لإقامة جمهورية ولاية الفقيه تقوده «الوفاق» وشقيقاتها لتلعب هذا الدور بالوكالة عن كافة الأطراف. مؤدى خيبة الأمل وما تبعه من تصريح يشير، بما لا يدع مجالا للشك، أن ما يقال حول دعم الولايات المتحدة لـ»لوفاق» وشقيقاتها ومشتقاتها هو حقيقة لا يطالها الشك، ودعك مما تتظاهر به لنا الولايات المتحدة من استعداد للدعم والمساعدة في حل المشكلات المترتبة عن أحداث الرابع عشر من فبراير الأليمة. ولن أجد تفسيرا مقنعا لهذا الانحياز إلا ذاك الذي خلص إليه بعض الكتاب من أن الولايات المتحدة الأمريكية قد شعرت بإحباط بعد أن اهتدى البحرينيون لترتيبات مسبقة مع التيارات المتطرفة ضاربة بالتمدن والدولة المدنية وحقوق الإنسان عرض الحائط استجابة لمصلحة لا أحد يراها غير صانعي القرارات الأمريكية الإستراتيجية. والحال أن المحكمة قد أصدرت حكمها وقضي الأمر، فليس هناك كلام يعلو على كلمة القضاء، ولأن المحاكم في البحرين ثلاث درجات فالقانون يسمح للمدانين بالتقاضي في محكمة النقض، فما كان من السيد «بوسنر» إلا أن واصل تدخله واستبق حكم هذه المحكمة وأرسل بأمانيه وأمنياته إليها بأن تلغي هذه التهم وتحكم ببراءة الأطباء المدانين. حقا هل يجوز هذا التدخل في شؤون الغير والتعدي على قوانينه؟! الأماني لا تستقيم في أمور يحكمها القانون فهل يكون من المقبول والمعقول أن يتمنى فرد في حالة قتل افتراضية توفر فيها سبق الإصرار والترصد أن نجد من ينبري بالتمني بانتفاء التهمة عن القاتل وببراءته اللهم أن يكون ذلك الفرد متواطئا معه وتسكنه ذات الهواجس التي تسكن القاتل. السؤال الذي يؤرقني مثل كثيرين هو «لماذا خاب أمل بوسنر؟» إجابتي عن هذا التساؤل ليست إجابة قطعية واحدة بل إنها تتفرع إلى إجابتين، الأولى: لأنه كان على علم مسبق بالحكم وقد صُدم بتغييره مثلا!! ولكني أستبعد ذلك لثقتي العالية في قضائنا، الإجابة الثانية: أنه كان يعتقد بأن الأحكام القضائية هي جولة مفاوضات وانتهت على غير ما توقع، وهذا أيضا احتمال بعيد، فالرجل الدبلوماسي المحنك الذي يمثل دولة تمتلك كل مقومات الريادة والصدارة في كل شيء يعرف الفرق بين المحاكمة والتفاوض، فهل من المعقول أنه لا يدرك أن هذه أحكام قضائية وليست جولة مفاوضات. التعبير عن خيبة الأمل في حكم قضائي، في رأيي، لا يمكن أن يصدر عن دبلوماسي جاء ضيفا باحثا عن مخارج لأزمة قد عصفت ببلد يعده من جاء يمثلها بلدا صديقا إستراتيجيا. في العموم إن «خيبة الأمل» هذه إلى جانب «أمنيته بإلغاء محكمة النقض للحكم الذي لم يصدر بعد»، هما التعبيران الأولان اللذان نطق بهما مساعد وزير الخارجية، أما ما صرح به فيحتاج إلى استعراض للوقوف على فهم مقاصده والتأكد من حقيقة «حبه» للبحرين، يقول بوسنر، تحت تأثير، خيبة أمله: «نعتقد أن هناك حاجة للحوار على مسارين، الأول هو أن تواصل الحكومة العمل مع الجمعيات المعارضة للتفاوض حول مستقبل البلاد السياسي، والثاني هو الحاجة لحوار حول القضايا المهمة عمليا لجميع البحرينيين والتي من شأنها أن تجعل جميع الناس في البحرين يشعرون بأن لديهم مصلحة في مستقبل البلاد.» أعتقد بأن خيبة الأمل الحقيقية هي تلك التي بدا عليها المجتمع البحريني بعد صدور مثل هذا التصريح الصادم، إذ أن المجتمع يبحث عن مخرج لإجراء حوار غير مشروط تدخله قوى المجتمع الفاعلة كلها ولا يستثنى أحد، فيما يدعو هذا التصريح إلى إجراء تفاوض منفصل حول مستقبل البلاد السياسي مع من يسميهم «المعارضة» في مسار، فيما ينطلق حوار حول القضايا المهمة عمليا لجميع البحرينيين، فهل التفاوض حول مستقبل البلاد السياسي لا يهم جميع البحرينيين؟! كان العشم من شخصية بحجم مساعد وزير الخارجية أن يشجع «الوفاق» على دخول الحوار مع كافة مكونات المجتمع، وأن يدعوها إلى وقف تحديها لكل المكونات الاجتماعية وتنخرط في المصالحة الوطنية من دون الشعور بأفضلية خاصة، وأن يحترم الأعراف الدبلوماسية التي تعد المؤسسة القضائية شأنا سياديا لا علوية فيه إلا لصوت القانون. ثم ألا يعلم معاليه أن عنف «الوفاق» وشقيقاتها في الشارع يزداد مع كل تصريح أو بيان من هذا النوع. ولعلي في النهاية أرجو أن أكون قد عبرت عن دهشتي بشكل لا يزعج الطريقة التي تبنتها السياسة الخارجية الأمريكية فيما يتعلق بأحداث البحرين المؤلمة. نحن الذين خاب أملنا من جراء التصريح الذي تفضلتم به سيدي مساعد وزيرة الخارجية.