Friday, June 22, 2012

الصهيونية ليست عنصرية لكنّ الصهاينة يمكن أن يكونوا عنصريين

هنري سيغمان
عام 1975، نجحت مجموعة من الحكومات في إدراج اتهام افترائي مفاده أنّ الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية في قرار صادر عن الجمعية العمومية في الأمم المتحدّة. وسحبت الجمعية العمومية عام 1991 هذا التوصيف مع العلم أنها المرة الوحيد التي يتمّ فيها إبطال أحد قراراتها.
وعام 2012، نجحت حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، بعد أن عطّلت جهود المعارضة الأميركية الهادفة إلى منعها من فرض «وقائع على الأرض» لا يمكن العودة عنها من خلال توسيع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية من شأنها منع حلّ الدولتين ومنع ملايين الفلسطينيين من سكان الأراضي المحتلة من الحصول على الجنسية الإسرائيلية، نجحت في إعادة إحياء الاتهام القائل بأنّ الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية، الأمر الذي لم يتمّكن المعادون للسامية وأعداء إسرائيل من القيام به.
لقد كان مؤسسو الحركة الصهيونية من بين الزعماء الأكثر تنوّراً وتقدمية بين يهود العالم. فلم يكونوا عنصريين شأنهم شأن أعضاء الجمعية العمومية في الأمم المتحدّة الذين صوّتوا عام 1947 لمصلحة إنشاء دولة يهودية بجانب الدولة الفلسطينية. غير أنّ نتانياهو وحكومته برهنا أنه على رغم أنّ الصهيونية ليست شكلاً من أشكال العنصرية فإن الصهاينة يمكن أن يكونوا عنصريين.
وشارك عدد كبير من الأشخاص الذين ينتمون إلى المؤسسة اليهودية الأميركية (وأنا من بينهم) في الثمانينات من القرن الماضي في تظاهرات ضد نظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا. واعتبر اليهود (وليس الليبراليين فحسب) أنّ النضال ضد التمييز العنصري يشكّل قضية يهودية. لكن هذا كان في الثمانينات فيما كان التمييز العنصري قائماً في جنوب أفريقيا. واليوم هو قائم في إسرائيل. فلم يعد احتمالاً قائماً في المستقبل كما حذّر عدد كبير من الأشخاص بل بات واقعاً راهناً.
سعى نتانياهو وحكومته إلى إخفاء نظام الفصل العنصري من خلال الادعاء بأنّ الوضع الراهن في الضفة الغربية المحتلة موقت وبأنه قد يؤدي إلى اتفاق على حلّ الدولتين شرط أن يعود الفلسطينيون إلى طاولة المفاوضات على عملية سلام كانت بمثابة مهزلة ولم تحقّق أي هدف سوى إخفاء مشروع توسّع الاستيطان الذي أدى إلى نشوء الفصل العنصري. لكن، حين يظهر احتمال ضئيل بإمكان استئناف المفاوضات على أساس حدود ما قبل عام 1967، الأمر الذي طالما سعى نتانياهو إلى محوه من ذاكرة العالم، يزعم وحكومته بأنّ إسرائيل لا تملك شريكاً في محادثات السلام وأنه يجب بالتالي أن تنتظر المفاوضات جيلاً أو أكثر إلى أن تظهر قيادة فلسطينية أكثر عقلانية.
حين لجأ الفلسطينيون في السنة الماضية إلى الأمم المتحدّة لتأكيد حقهم في إقامة دولة لهم، أرسل وزير الخارجية في حكومة نتانياهو وثيقة سرية إلى مختلف الحكومات متهماً فيها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عبّاس بتشجيع الإرهاب وبنزع الشرعية عن إسرائيل ناهيك عن جرائم كثيرة أخرى. وخلصت الوثيقة إلى أنه «لا يمكن أبداً التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين طالما أنّ محمود عبّاس يقود السلطة الفلسطينية». وجاء هذا الكلام على لسان الرجل الذي اعتبرت أجهزة الأمن الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي أنه ساعد على وضع حدّ للإرهاب في الضفة الغربية.
حين قرّر رئيس الوزراء إسحق شامير عام 1991 إشراك حزب «موليديت» اليميني برئاسة رحبعام زئيفي في حكومته، حذّر بيني بيغين، ابن رئيس الوزراء الأسبق مناحيم بيغين من أنّ إشراك هذا الحزب في الحكومة الإسرائيلية «يؤكّد قرار الأمم المتحدّة الذي يرى أنّ الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية» لأنّ هذا الحزب يؤيد الطرد القسري للسكان العرب من الضفة الغربية.
واليوم يعارض حزب «الليكود» الحاكم الذي يعدّ بيني بيغين أحد أكثر الوزراء تأثيراً فيه، قيام دولة فلسطينية ومنح الجنسية الإسرائيلية للفلسطينيين المقيمين في الضفة الغربية ويدعو إلى حبسهم في مناطق معزولة خلف حواجز التفتيش والأسلاك الشائكة. وفيما يدّعي نتانياهو معارضة النقل القسري للسكان، تشكّل الأحزاب التي تؤيّد هذا النقل جزءاً من حكومته علماً أنّه يتمّ طرد الفلسطينيين في شكل منهجي من أراضي المنطقة «ج» (وفق اتفاقيات أوسلو) التي تضمّ نحو 60 في المئة من أراضي الضفة الغربية. ولفت تقرير للمفوضية الأوروبية إلى أنّ إسرائيل قرّرت هدم مئات المنازل الفلسطينية في هذه المنطقة.
وإذا كانت حكومة شامير تستحق أن ينتقدها بيغن الذي اعتبر أنها تثبت القرار الذي ينص على أنّ «الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية»، ما الذي يمكن قوله من حكومة تطبّق ما يؤيده زئيفي وحزب «موليديت»؟
حذّر كلّ من رئيسي الوزراء إيهود أولمرت وإيهود باراك ورؤساء آخرون من أنّ عدم إحراز إسرائيل منذ سنوات تقدماً باتجاه حلّ الدولتين قد يؤدي إلى خسارة الديموقراطية في إسرائيل وإلى قيام دولة فصل عنصري. غير أنّ التحذير من تهديد مستقبلي بدلاً من إطلاق صفارة الإنذار حيال واقع حالي «يبدو فيه النظام وكأنه يتصرّف» كنظام فصل عنصري يصب في مصلحة حكومة نتانياهو. ويرى نتانياهو أنّ التحدث عن المحرقة واتهام من ينتقدون نظام الفصل العنصري الإسرائيلي بأنهم معادون للسامية، يمكّنه من الاستمرار في ترهيبهم وتجريدهم من الصدقية وإسكاتهم. وساهم إخفاق الإدارة الأميركية والمنظمات اليهودية الأميركية في التحدث بصراحة عن واقع إسرائيل الحالي في طمأنة نتانياهو أن بإمكانه إخفاء نظام الفصل العنصري في شكل دائم.
لكن يبدو أنّ نتانياهو لا يودّ المجازفة. فقد أعلن نفتالي بينيت، وهو مساعد مقرّب من نتانياهو كان يرأس مكتبه في رئاسة الوزراء، (كما أنه رئيس أسبق لـ «ييشا» أو مجلس المستوطنين في يهودا والسامرة) أنه قدّم للزعماء السياسيين والقادة العسكريين في إسرائيل خطة لـ «حل» النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني علماً أنه «تمت الإشادة» بهذه الخطة.
وتضم خطة بينيت العناصر الأساسية الآتية التي قد تكون اختباراً يطلقه نتانياهو:
1- فرض السيادة الإسرائيلية بالكامل وفي شكل أحادي على المنطقة «ج» (علماً أنها تشكل كما سبق وأشرت 62 في المئة من أراضي الضفة الغربية، فيبقى للفلسطينيين أقل من 9 في المئة من أراضي فلسطين قبل التقسيم). 2- ضمان السيطرة على كامل القدس. 3- تأمين «مظلة أمنية» إسرائيلية في أنحاء الضفة الغربية بما في ذلك الأراضي التي ستضمّ المناطق المعزولة المنفصلة جغرافياً المنصوص عليها في هذه الخطة. 4- فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية و «تسليمه» إلى مصر. 5- رفض حق العودة للاجئين الفلسطينيين حتى إلى المناطق المعزولة التي قد تشكّل دولة فلسطينية مستقبلية. 6- منح الجنسية الإسرائيلية لـ50 ألف فلسطيني يقيمون حالياً في المنطقة «ج» التي سيتمّ ضمّها إلى إسرائيل على حدّ قول بينيت. وأعلن بينيت أن هذه الخطوة «الرائعة» «ستسحب البساط من تحت الحجج القائلة بوجود تمييز عنصري في إسرائيل».
والجدير ذكره أنّ تقرير المفوضية الأوروبية الذي أشرت إليه ذكر أنّ المنطقة «ج» تضمّ 150 ألف فلسطيني، ما يجعلنا نتساءل ما إذا كانت خطة بينيت تحتوي على جانب غير معلن يقضي بـ «نقل» 100 ألف فلسطيني خارج المنطقة «ج».
لم تقم قيادة المنظمات اليهودية في أميركا، التي لا تزال تخلط بين دعم نتانياهو وحكومته التي تضمّ أحزاباً عنصرية (بما في ذلك وزير الإسكان الذي شجّع علناً على إبعاد المواطنين العرب من الأحياء اليهودية) ودعم الدولة اليهودية، بانتقاد هذه المحاولة الواضحة لـ «شرعنة» الفصل العنصري في إسرائيل.
حوّلت سياسات نتانياهو إسرائيل إلى دولة عرقية مشابهة لدول مثل صربيا برئاسة ميلوسوفيتش وملاديتش اللذين يشبه كرههما للأجانب واستيلاؤهما على أراضي في البوسنة وتشويههما صورة المسلمين وإقامة روابط بالأرثوذوكسية الصربية التي قدّمت الدعم والتشجيع الديني لممارسات الزعماء الصرب، واقع إسرائيل الراهن. (ولا عجب أنّ آرييل شارون كان أول زعيم في العالم الديموقراطي يدين قصف حلف شمال الأطلسي لبلغراد حينها. فضلاً عن ذلك، حذّر من أن يشكّل هذا التحرّك سابقة لاتخاذ إجراءات دولية مماثلة ضد إسرائيل).
لا يدمّر نتانياهو ومؤيدوه في إسرائيل وفي دول الانتشار اليهودي ديموقراطية إسرائيل فحسب بل يشوّهون سمعة الصهيونية واليهودية التي يستعينون بها لتبرير الفصل العنصري الذي يتمّ ترسيخه في إسرائيل. ولا يمكن أن يقوم العدل والسلام في دولة تقوم على أسس مماثلة.