Friday, June 22, 2012

تسمية الأشياء بأسمائها

جمال زويد
ظهرت علينا انتخابات ثورات الربيع العربي، وعلى الأخص الانتخابات المصرية بمصطلح جديد وغامض في مقصده ومراميه، وأصبح يشكّل هاجساً مؤرقاً يلاحق أصحابه في منامهم، يفسد عليهم راحتهم، وينغّص عليهم أحلامهم. فقاموا بنشره وجعلوا منه (فزّاعة) يخوّفون بها كل من يظهر أمامهم أو ما يُتاح لهم من منابر ووسائل.
المصطلح الذي أعنيه هو ما أسموه بالدولة الدينية، في إشارة الى أي مرشح نيابي أو رئاسي ينتمي لتيار الصحوة الإسلامية، بالأخص من الإخوان المسلمين والسلفيين الذين لم يجدوا في أياديهم وذممهم ما يفسد نظافتهم، ولم يتحصّلوا في مؤهلاتهم وكفاءاتهم ما يمكن أن يقدح بقدراتهم وإمكاناتهم، وساءهم التفاف الناس حولهم وانصرافهم عن قاذورات فكرية وحزبية و(استغلالية) أزكمت روائحها النتنة الأنوف، نهبت من مقدّرات الدولة وثرواتها على مدار عقود وعقود ما لايعلم به إلاّ الله، فأساءت للبلاد والعباد، ضيّعت وأضاعت حتى بلغ عدد سكان القبور في بعض البلدان العربية في خانة الملايين، فضلاً عن ملايين أخرى بالشوارع.
التخويف بهذا المصطلح كان يخرج بعناوين مرعبة، مثل التزمت الاجتماعي أو التراجع عن الانفتاح أو (غلق البلد) أو التباكي على الحريات الشخصية أو تهريب المستثمرين أو تخريب الاقتصاد أو نحوها من عبارات تنفيرية، وذلك كله من دون أن يعرف قارئها أو سامعها للوهلة الأولى سبب تزايد طرحها وتكرارها، ناهيك عن معانيها ومدلولاتها!
وبعيداً عن فجاجة وهوس محاربة الإسلاميين في تلك الانتخابات باستخدام كل الوسائل الممكنة وغير الممكنة، المنطقية وغير المنطقية، الأخلاقية وغير الأخلاقية، بعيداً عن كل ذلك فإن من يتابع تزايد استخدام مصطلح الدولة الدينية هذه الأيام سيُخيّل إليه ان من يخوفونهم منها كانوا في بحبوحة ورغد من العيش يحسدهم عليها الأغنياء والمترفون، واختيارهم جانب الدولة الدينية - إن صحّ التعبير - سيجعلهم كأنهم قادمون على سنوات عجاف صعاب، يجفّ خلالها الضرع، ويتضاعف العجز، ويتكاثر الفقر، ويتفاقم العوز، وتهجرهم البنوك والمصانع ويصدّ عنهم المستثمرون، وما إلى ذلك من تبِعات اختيار الشعوب لأن تكون دولتهم دينية عند انتخابهم للإسلاميين.بالطبع بحسب ادعاءاتهم.
ولكن لماذا نسمي الأشياء بغير أسمائها؟ ماهي الحالة التي يجب أن تكون عليها الدولة حتى يبعدوا عنها وصف الدولة الدينية؟ وماهي الحالة التي يرون أن يكونوا عليها حتى لا يُصابوا بالتزمت والتراجع الحضاري؟ وما هو هذا الأمر الذي يجعل الدولة مفتوحة ولا تتسبب في (غلق البلد) بحسب تعبيراتهم؟! وماهي الحريات الشخصية التي يُراد لها أن تبقى ولا تُمس؟ هم لا يستطيعون الإفصاح عن المقاصد والمعاني لأنها مما قد لايليق البوح بها، ولو كانت غير ذلك لأمكن الإعلان عنها بـ (الفم المليان) من دون مواراة أو حاجة الى استخدام مصطلحات بديلة أخرى.
هنالك حرج من الإعلان عن مقاصد التخويف بمصطلح (الدولة الدينية) أو ما يُراد من وراء جعلها كما (البعبع)! لكن في الحقيقة مجمل تخوفاتهم وأسباب انزعاجهم ولجوئهم إلى التهويش وإثارة الفزع وقرع نواقيس الخطر من قدوم الإسلاميين إنما يرجع أكثر ما يرجع إلى خوفهم على مصالحهم وعلى ما يسمونه من حريات شخصية يقصدون بها الرخص والابتذال والتفسخ والانحلال تدرّه تلك المحرّمات على هيئة أموال تنتفخ بها (كروش) البعض خاصة مما تعرفونه عن سياحة سوق النخاسة والاتجار بالبشر في مستنقعات الرذيلة. في الواقع أن أكثر الظن أن هاجس الخوف والتخويف يتعلق بصورة مباشرة أو غير مباشرة بهذا المجال الذي يتكسبون ويتغوّلون ثراء من خلاله، ومن المتوقع أن الإسلاميين أو الأسوياء من البشر يرفضون الاستمرار فيه باعتبار أن تجارة الخمور والسيقان والأرداف والنهود مآلها مزيد من الخسف والعقاب. غالب الظن انها هي المقصودة بطلب حمايتها مما يسمونه الدولة الدينية.
سانحة:
قال تعالى: «ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض».