Friday, June 22, 2012

هل تنزلق مصر إلى السيناريو الجزائري

عريب الرنتاوي
إرجاء الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية إلى أجل غير مسمى، واللغط الدائر حول “وفاة” الرئيس المخلوع أو “وفاته السريرية” في هذا التوقيت بالذات، الانتشار الأمني والعسكري الكثيف للجيش والأجهزة الأمنية، فضلاً عن حديث لجنة الانتخابات عن خضوع “مليون صوت” للمراجعة والتدقيق (أكبر من إجمالي الفارق بين نتائج المرشحين)...مؤشرات تبعث على القلق، ودلائل على إمكانية حدوث المفاجأة بإعلان فوز مرشح الفلول الفريق أحمد شفيق.
تغرق القاهرة، في بحر من الشائعات والتكهنات والمعلومات الصحيحة والكاذبة، بعضها يتحدث عن “معلومة مؤكدة” عن فوز شفيق، بل ويحدد الفارق بـ”260 ألف صوت”...بعضها يتحدث عن “تكتيك” أقدمت عليه المؤسسة العسكرية، لمحاصرة الرئيس الإخواني المنتخب، وإشعاره بأن “فوزه يعادل الهزيمة”، وأن دوره في مستقبل النظام الجديد، لا يتعدى التساوق مع المجلس العسكري والقبول بتقاسم للسلطة يبقي بين يديه، بالجزء الأقل من “كعكتها”.
أياً يكن الأمر، فإن السيناريو الأول، فوز شفيق، وبالطريقة التي يجرى التحضير له بها، سيدفع مصر – ربما – إلى إعادة “النموذج الجزائري 1991”...فبعد الضربة التي تعرض لها الإخوان بالإعلان الدستوري المُكمل وحل مجلس الشعب، واستعادة الجيش لدوره في تقرير مصائر “الدستور الجديد”، ستجد الجماعة نفسها في موقع الدفاع عن آخر مواقعها في نظام ما بعد الثورة، وأعني به موقع الرئاسة الأولى، رغم كل ما يمكن أن يقال عن ضعف الموقع وإضعاف شاغله.
قبل الانتخابات الرئاسية، سمعنا من مصادر عديدة لمعلومات وقراءات، مصدرها الأجهزة الأمنية والعسكرية المصرية، تحدثت بلغة “الجزم” بأن الإخوان لن يصلوا إلى “قصر القبة” بأي شكل من الأشكال، ومهما بلغت الأثمان...بل وقيل إن هذه الرسالة بلغت مسامع مراكز القرار الدولي والإقليمي.
بعد الانتخابات، أعلن قادة كثيرون للإخوان المسلمين أن معركة الرئاسة، هي “معركة حياة أو موت”، وثمة سيل من المعلومات والتسريبات التي تذهب في كل اتجاه، لتقدير طبيعة وحجم رد فعل الإخوان على “سرقة” انتصاراتهم الانتخابية، رئاسية وتشريعية...بعضها يتحدث عن عنف وشلال دماء، وبعضها يضع الأمر في حدود الحراك الديمقراطي السلمي الذي سيتخذ من ميدان التحرير ساحة له.
مصر تقترب من إعادة إنتاج “السيناريو الجزائري”، لكنها لم تنزلق إلى قعره بعد، ونأمل أن هذا “السيناريو/ الكابوس” لن يجد طريقه إلى شوارع مصر وحواريها...وبيد القوات المسلحة، وبيدها وحدها أن تمنع الانزلاق إلى هذه الهاوية...لأنها هي ذاتها، ستكون أول ضحايا هذا السيناريو، وليس الإخوان أو الثورة فحسب...مصر كلها ستدفع الأثمان الباهظة، وثورة مصر الأنبل والأشرف والأوسع، ستكون في صدارة لائحة الضحايا المُحتملين.
قد يقول قائل إنه لا شيء يثبت فوز مرسي، وإن الإخوان تسرعوا في الإعلان عن فوزهم عن سبق الترصد والإصرار، وإنهم هم من يتحمل المسؤولية عن “اختطاف” نتائج الانتخابات واستباقها، مستفيدين من تقارب النتائج التي تحصّل عليها المرشحان الرئاسيان، وهذا صحيح.
لكن الصحيح كذلك، أن الظروف التي واكبت الانتخابات والفرز والطعون والنتائج، وتأجيل إعلان النتائج، وعجز المراقبين الدوليين عن التقرير بشأن “سلامة الانتخابات ونزاهتها”، وكل ما رافق هذه العملية الانتخابية وصاحبها من تسريبات وإجراءات، تثير الالتباس والشكوك حول “النوايا الكامنة” وراء كل هذه الخطوات، سيما أنها جاءت بعد حل مجلس الشعب، واستتباعاً الهيئة الدستورية.
ليس ثمة من بديل لتسليم الرئاسة للمرشح الفائز، والمرشح الفائز كما تميل مختلف الدلائل “بمن في ذلك بيان قضاة من أجل مصر”، على أن “توافقاً سياسياً” يمكن أن يجري العمل لإخراجه إلى دائرة الضوء، ويقضي بالاتفاق على مرحلة انتقالية تمتد إلى سنتين، يجري خلالها التوافق على إنتاج دستور دائم للبلاد، يخضع لاستفتاء شعبي شامل، تتبع إقرار انتخابات تشريعية لمجلس الشعب والشورى، ثم يصار إلى إجراء انتخابات رئاسية توافقيه، يعرف المرشحون مسبقاً على ماذا يتنافسون، وما صلاحيات الرئيس المنتخب، وكيف ستتوزع السلطة أفقياً وعامودياً في مصر ما بعد الثورة.
هذه الأفكار ليست من نسج خيالنا...لقد تحدثت عنها شخصيات مصرية مؤثرة، قبل الانتخابات و أثنائها (البرادعي مثلاً)، لكن إصرار “العسكر” على التمسك بالسلطة، ونهم “الإخوان” للسلطة وميلهم للاستئثار والتفرد والهيمنة، قاد البلاد إلى ما آلت إليه من تطورات تدعو للقلق والخوف.
الأولوية الأولى الآن هي منع انزلاق مصر إلى مستنقع “السيناريو الجزائري”، مهما بلغ حجم التنازلات والتضحيات التي يتعين تقديمها لحقن دماء المصريين والحفاظ على مستقبل بلادهم، بدل أن يجدوا أنفسهم مضطرين لدفع أضعافها المضاعفة في حروبهم ضد بعضهم البعض.