Sunday, June 17, 2012

محادثات موسكو النووية ومخاطر شروط نتنياهو

محمد السعيد ادريس
يبدو أن اجتماع موسكو المقبل بين إيران ومجموعة دول 5+1 المقرر انعقاده يومي 18 و19 يونيو/ حزيران الجاري، مهدد بالفشل قبل أن يبدأ على ضوء نوعين من التحديات: الأول يخص ما هو جديد من مطالب تقدمت بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية عقب اجتماع بغداد الذي عقد يوم 23 مايو/أيار الفائت، والذي لم يحقق نجاحاً له قيمة تذكر رغم كل ما عاد به الأمين العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية من تفاؤل عقب زيارته إلى طهران التي سبقت اجتماع بغداد بيوم واحد. والثاني يتعلق بالتصعيد “ال”إسرائيل”ي” المدعوم أمريكياً المتعجل الخيار العسكري بديلاً لخيار المفاوضات، على ضوء تباعد المواقف إلى درجة التناقض الكامل في ما يخص البرنامج النووي الإيراني.
بالنسبة إلى النوع الأول من التحديات يأتي اتهام الوكالة الدولية للطاقة الذرية إيران بالعثور في موقع فوردو النووي على آثار يورانيوم مخصب بنسبة 27%، إضافة إلى ما تضمنه تقرير الوكالة الأخير بوجود “أنشطة واسعة” على صلة بالمجال النووي في “مجمع بارشين” العسكري على رأس هذه التحديات التي ربما تحول دون تحقيق أي نجاح أو تقارب في الرؤية في اجتماع موسكو المقبل.
ففي حين أفاد علي أصغر سلطانية مندوب إيران لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أن عثور الوكالة في موقع فوردو النووي على آثار يورانيوم مخصب بنسبة 27% أمر تقني لا أهمية له، كما اعتبر أن إثارة المسألة إعلامياً، تكشف أهدافاً سياسية ترمي إلى نسف تعاوننا البناء مع الوكالة التي أثبت تقريرها الطابع السلمي للبرنامج النووي الإيراني، وتعاوننا الكامل مع الوكالة الذرية ونجاحنا في التحكم بالتقنيات النووية، خصوصاً في مجال التخصيب، عبر يوكيا أمانو المدير العام للوكالة عن شعوره بالقلق إزاء هذا الاكتشاف على ضوء تكتم إيران وامتناعها عن كشف نشاطاتها النووية، في حين نبه معهد العلوم والأمن الدولي الأمريكي الذي يراقب البرنامج النووي الإيراني، استناداً إلى بيانات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلى أن طهران “زادت بدرجة كبيرة قدرتها على إنتاج يورانيوم منخفض التخصيب، حيث وصل إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة 5.3% إلى نحو 2.6 طن منذ العام ،2007 وهي كمية تكفي لإنتاج خمس قنابل نووية، حسب تقديرات المعهد، إذا تمت معالجة هذه الكمية بدرجة أعلى”.
أما بالنسبة إلى موقع بارشين العسكري وما أثير حوله، فقد كان أحد أسباب فشل اجتماع بغداد ومازال يهدد اجتماع موسكو، حيث تشتبه الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن إيران أجرت في هذا الموقع، شرق طهران، تجارب تفجير تقليدية يمكن تطبيقها في المجال النووي. وكان فريق مفتشين من الوكالة أكد أنه لم يسمح له بدخول هذه القاعدة العسكرية في يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط الماضيين ما أدى إلى تجميد المحادثات. وأثناء منتدى أخير عقد في سان جال بسويسرا صرح المدير العام للوكالة يوكيا أمانو، أن الدخول سريعاً إلى هذه القاعدة “يشكل أولوية”، وكان أمانو قد لمح في مارس/آذار الماضي إلى أن “إيران قد تكون بصدد محو كل أثر نشاط نووي في بارشين، وهو تلميح وصفته إيران ب “الدعاية”، كما أن معهد العلوم والأمن الدولي الأمريكي نشر في 8 مايو/أيار الماضي على موقعه الإلكتروني صوراً التقطت بالقمر الصناعي يعود تاريخها إلى مطلع إبريل/نيسان الماضي وتظهر أنشطة حول حاوية ربما تكون قد أجريت فيها التجارب، ما يبعث على الاعتقاد بأن عملية تنظيف للموقع قد تكون جارية”.
إيران بدورها مازالت متشددة في موقفها الرافض السماح لمفتشي الوكالة بالدخول إلى هذا الموقع، حيث نقلت وكالة “فارس” للأنباء عن مسؤول البرنامج النووي الإيراني عباس دواني، أن الوكالة لم تقدم بعد الأسباب والوثائق التي تقنعنا بإعطاء إذن لهذه الزيارة، واتهم دواني دولاً لم يسمّها بممارسة ضغوط على الوكالة لتطلب زيارة بارشين.
هذان التحديان مازالا مطروحين على جدول أعمال اجتماع موسكو لكن التصعيد “الإسرائيلي” - الأمريكي باتجاه فرض الخيار العسكري وتجاوز خيار المفاوضات، أخذ منحى جديداً في الأسابيع الأخيرة في ظل تنسيق أمريكي - “إسرائيلي” غير مسبوق بشأن الملف النووي الإيراني للدرجة التي دفعت وفد المفاوضين الأمريكيين في اجتماع بغداد برئاسة وندي شيرمان نائبة وزيرة الخارجية الأمريكية إلى التوجه فوراً نحو الكيان الصهيوني عقب انتهاء ذلك الاجتماع والالتقاء وعلى مدى ثلاث ساعات وزير الدفاع “الإسرائيلي” إيهود باراك ومستشار الأمن القومي يعقوب عميدور، وعدد من أبرز الموظفين “الإسرائيليين” العاملين بالملف النووي الإيراني من أجل إطلاعهم حسب صحيفة “هآرتس” على تفاصيل المحادثات التي جرت في بغداد، بهدف طمأنة القيادة “الإسرائيلية” إزاء صلابة موقف الإدارة الأمريكية في مواجهة إيران، حتى قبل إطلاع الإدارة الأمريكية نفسها على تلك التفاصيل.
هذا الحرص الأمريكي هو الوجه الآخر للملاحقة التي تقوم بها “إسرائيل” للولايات المتحدة وباقي مجموع 5+1 لدرجة جعلت الكيان عضواً سابعاً خفياً في هذه المجموعة من الدول، وطرفاً محركاً وممسكاً بأهم أوراق تحريك ملفات التفاوض مع إيران، وعلى الأخص ما يتعلق بالشروط الواجب القبول بها من جانب إيران. ونتيجة لذلك بادر السفير الأمريكي في “إسرائيل” إلى التأكيد أن الخيار العسكري الأمريكي جاهز في حال فشل المساعي الدولية لوقف البرنامج النووي الإيراني، وإذا كان قد تدارك الأمر في حديثه أمام نقابة المحامين “الإسرائيليين”، وقال سيكون من الأفضل حل هذا الأمر بطريقة دبلوماسية من خلال الضغط على طهران بدلاً من استخدام القوة العسكرية، إلا أنه عاد ليؤكد أن هذا لا يعني أن الخيار العسكري ليس متوافراً.. إنه ليس متوافراً وحسب، بل إنه جاهز، وتم وضع التخطيط الضروري للتأكد من أنه جاهز”..
والبديل لهذا الخيار العسكري هو تلك الشروط التي أعلنتها مجموعة دول 5+1 في محادثاتها مع إيران في بغداد، فقد طالبت هذه الدول، حسب توضيحات إيرانية، بوقف طهران أنشطة تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%، وإرسال ما تملكه إيران من يورانيوم مخصب بهذه النسبة إلى الخارج مقابل مجرد سعي الدول الغربية، وليس تعهدها، إلى تأمين وقود نووي لمفاعل طهران العلمي، مع شرط إضافي ثالث هو توقيع إيران على البروتوكول الإضافي الملحق بمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية الذي يفرض على إيران قبول التفتيش المباغت لأي من منشآتها النووية في أي وقت، ومن دون أي طلب مسبق بذلك، مع تلميح بإمكانية مكافأة إيران مقابل هذا كله بتعهد الغرب بإعادة الملف النووي الإيراني من مجلس الأمن إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية مرة أخرى.
إيران رفضت هذا كله، وفشل اجتماع بغداد، لكن شروط بنيامين نتنياهو المسبقة لاجتماع موسكو المقبل تنذر بفشل كامل لهذا الاجتماع وتضع القضية أمام مخاطر مفترق الطرق بكل ما تعنيه من كوارث غير محدودة العواقب.
فقد أبدى نتنياهو اعتراضه على المطلب الذي ركزت عليه “مجموعة دول 5+1” في محادثات بغداد الخاص بوقف إيران تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% الذي اعتبره “مطلباً غير مناسب تماماً”  ووضع ثلاثة شروط يجب الالتزام بها لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية هي: أولاً وقفٌ كاملٌ لتخصيب اليورانيوم بأي درجة، وثانياً، تخلي إيران عن كل رصيدها من اليورانيوم المخصب بأي نسبة، وثالثاً: ضرورة إغلاق الموقع النووي القابع تحت الأرض بالقرب من مدينة قم.
شروط نتنياهو تعني في مجملها التصفية الكاملة للبرنامج النووي الإيراني سلمياً، وإلا ستكون تصفيته عسكرياً هي المخرج الوحيد الذي تأمله ““إسرائيل”” في ظل قناعة أكدها رئيس المخابرات العسكرية “الإسرائيلية” الجنرال أفيف كوخافي، مفادها إن توجيه ضربة عسكرية إلى إيران أقل خطراً على الدولة العبرية من امتلاك إيران للقنبلة الذرية.