Sunday, June 17, 2012

إخوان مصر.. يداك أوكتا وفوك نفخ

عريب الرنتاوي
لم نسمع أو نقرأ لقادة جماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة أية مراجعة نقدية لتجربة الأشهر الستة عشرة من عمر الثورة المصرية...أقصى ما ذهب إليه القوم هو حديث بالعموم عن “أخطاء ربما تكون وقعت، فنحن بشر لا ملائكة”، ودائماً لتفادي الإحراج في الحوارات التلفزيونية...”النقد الذاتي” ليست تقليداً متوارثاً عند الجماعة، فهي على صواب حتى عندما تتخذ الموقف ونقيضه، أو تتنقل بخفة من حلف إلى حلف، ومن معسكر إلى معسكر.
في المقابل، نرى خطاب الإخوان مُحمّلاً بالاتهامات والشكاوى والتنديدات...تارة ضد “الثورة المضادة وحكم العسكر”، وأخرى ضد الحملة المنظمة التي استهدفتهم من قوى الثورة...دائماً هم في موقع الضحية والمُستهدف، حتى وهم يحللون ويحرمون، يخونون ويكفرون...دائما هم المستهدفون في الأرض، حتى وهم يشنون أبشع الحملات ضد خصومهم ومجادليهم، حتى وإن كان هؤلاء الخصوم من قياداتهم التاريخية التي غادرتهم للتو لخلاف سياسي، وحالة عبد المنعم أبو الفتوح تنهض كأوضح دليل على ما نقول.
تأخروا عن الثورة عند اندلاعها، وعندما تأكدوا من “نوعيتها” و”تاريخيتها” انخرطوا فيها بكثافة...حتى هنا لم يكن “الخطأ” أو “التخاذل” من النوع الذي لا يُحتمل....تخلوا عن الميادين بحثاً عن الصفقات مع “المجلس العسكري”، كما وقع في حكاية الاستفتاء على الدستور...هنا تحوّل الخطأ إلى خطيئة...قطعوا وعوداً ثم “لحسوها” كما في حكاية الترشح للرئاسة، مقامرين بوضع مصداقيتهم على المحك، ولتتعزز الشكوك ويرتفع منسوب المخاوف من نزوعهم الأناني ونزعتهم للسيطرة والاستئثار...لم يحتملوا مرشحاً منهم (أبو الفتوح) وهنا تكشّف ضيقهم بالآخر المنبثق من تحت جلدهم، فما بالك بالآخر في العقيدة والدين والسياسة والرؤية، هنا تكشّف ضيق الصدر والأفق....تكشّفوا عن نزعة استئثارية أنانية كما في حكاية “الهيئة التأسيسة لوضع الدستور الجديد”، وهنا بلغ السيل الزبى، ونال المصريون كافة، من غير الإخوان، ما حسبهم به وكفى.
أداؤهم التشريعي على قصر الفترة الزمنية تميّز بالدخول في معارك جانبية حول “الأسلمة” و”الشريعة”، فيما مصر غارقة في أزماتها المركبة والمتراكبة...صحيح أن بعض هذه المعارك افتعلها غيرهم من التيارات الدينية (السلفيين بخاصة) لكن أداء الإخوان لم يكن متميزاً، بل مال للتواطئ حيناً وللمزايدة على السلفيين حيناً آخر، فازداد قلق الناس من أجندات خبيئة، ستطل بوجهها ما أن تدين مختلف السلطات والمؤسسات للجماعة بالطاعة والولاء.
لقد تابعت كغيري كثيرين، مئات المقابلات والتحقيقات والتصريحات في الصحف والمواقع والتلفزة...كل من هم من خارج إطار الحزب والجماعة، تحدث بهذه اللغة...وبات لسان حال الشارع المصري يقول: “لا المرشد ولا الجنرال”...بل أن الحديث عن اختطاف الثورة من قوى خارجها أو معادية لها، شمل الإخوان في معظم الحالات، كما شمل المجلس العسكري دائماً...أما نخب مصر الفكرية والثقافية والسياسية والمصرية، فقد ازداد قلقها من أداء الإخوان وخوفها على المستقبل، وليس مستبعداً أن تذهب أصوات كثيرة لصالح أحمد شفيق، لا حباً به بل خوفاً من الإسلاميين.
كل هذا لم يدفع الإسلاميين لوقفة مراجعة مع النفس وتقييم الأداء وتقويم المسار...بدلاً عن ذلك قفز هؤلاء إلى الأمام، واخذوا يتحدثون عن “مؤامرة” تستهدفهم، تارة لإسلامهم وأخرى لـ”مقاومتهم” وثالثة ورابعة وخامسة، مع أن الجماعة والحق يقال، نجحت في وقت قياسي في إثارة قلقنا وقلق كثيرين، من ميلها لـ”الهدنة المفتوحة” و”التهدئة الشاملة” لسنوات وعقود قادمة، بعد أن تتالت كتب الضمانات والتطمينات، والتي كانت كافية في عددها ومضمونها لإقناع السيد جيفري فيلتمان، صقر الإدارة الأمريكية وآخر محافظيها الجدد، الذي تطوع بنقل مضامين كتب الإخوان إلى تل أبيب ومختلف عواصم الاعتدال العربي والغربي، مبشراً بعصر إخواني شديد الاعتدال والالتزام بالمعاهدات والمواثيق...وكل ذلك في سبيل الوصول إلى السلطة والاستئثار بها والهيمنة على مختلف مفاتيحها ومفاصلها.
كان بيد قيادة الإخوان المسلمين المصريين أن تقود مصر خلال العام الفائت إلى “برٍ آخر”، وأن توصل الأحداث إلى غير النتيجة التي آلت إليها...لكن سياسة الرقص على الحبال ما بين المجلس العسكري وميدان التحرير، والعطش للسلطة بأي ثمن..والرغبة في قضم كل الكعكة وعدم الاكتفاء بجزء منها، فضلاً عن غياب الرؤية المنفتحة على مختلف المكونات والتحديات التي تشكل المشهد المصري وتنتظره...كل ذلك أدى إلى تمكين “دهاقنة” المجلس العسكري و”عواجيزه” إلى تسديد ضربتهم المباشرة، والتي لا ندري حتى اللحظة ما إذا كانت ستنتهي إلى هزيمة الإخوان بالنقاط (هذا حصل على أية حال) أم بالضربة القاضية الفنية، من دون أن يجدوا تعاطفاً مع قطاعات واسعة من الشعب والثورة والميدان.
الإخوان قوة رئيسة في مصر، هذه حقيقة لا يماري فيها أحد، قبل الثورة وأثنائها وبعدها...وهم أكبر قوة منظمة في البلاد...لكن الانتخابات التشريعية ومن بعدها الجولة الأولى من “الرئاسية”، أظهرت أن حجمهم يتراوح ما بين ربع إلى ثلث الرأي العام المصري (لا أحد لديه نفوذ بهذا الحجم)، وليس من الصائب أبداً أن تسعى الجماعة وذراعها السياسي للاستئثار بكل كعكعة السلطة، كان يمكن أن تتواضع في طموحها وسقف مطالبها، كان يمكن أن تنفتح على مختلف الأطياف، كان يمكن أن تلتزم بعدم دخول سباق الرئاسة والاكتفاء بدعم أبو الفتوح، كان يمكن أن تفعل عشرات الأشياء التي تجعل حياة المجلس العسكري و”الفلول” وقوى الثورة المضادة، صعبة للغاية، بل ومستحيلة، لكنها أحجمت بأنانيتها وانغلاقها الإيديولوجي عن فعل ذلك، فدفعت هي أولا والثورة ثانياً ومصر من قبل ومن بعد، ثمن مسلسل الأخطاء والخطايا التي قارفتها، وفي غضون زمن قياسي.
لا يعني ذلك أن الآخرين لم تكن لهم أخطاؤهم وخطاياهم وأجنداتهم و”مؤامراتهم”...هذا كله موجود وهو جزء من خصائص المرحلة الانتقالية في مصر...لكن الإخوان لن يستطيعوا أن يلعبوا دور “الضحية”، أو أن يذكّروا بالسيناريو الجزائري، لسان حال إخوان مصر اليوم يجسده المثل العربي القديم: يداك أوكتا وفوك نفخ.