Sunday, June 17, 2012

قراءات بأثر رجعي

خيري منصور
الأرجح أن عبارة “الأشياء تُقاس بنتائجها”، جاءت إلينا من سابقينا بسبب الشك في صحة المقدمات، فهي أشبه بفَض اشتباك بين المتشككين بصحة تلك المقدمات ومن يدافعون عنها. وثمة تجارب سياسية بالغة التعقيد تحتاج أحياناً إلى قراءة بأثر رجعي، أي بدءاً من الخاتمة خصوصاً عندما لا تكون هذه الخاتمة  سارة للبعض ممن خسروا الرهان.
مصر خلال عام ونصف العام، تصلح نموذجاً لمثل هذا النوع من القراءات، لأن ما انتهت إليه التجربة حتى الآن، وفي بعدها الديمقراطي، يطرح أسئلة لا حصر لها، وإن كانت قد أخذت شكل المساءلات في بعض المواقف.
وإذا اتفقنا على حد أدنى من التصور بأن الانتخابات المصرية كانت نزيهة باستثناءات تقليدية لا تفسدها، فإنه ليس من حق أي طرف أن يستبعد النتائج ليقول إنها إن لم تكن لمصلحته، فسوف يعود إلى المربع الأول، وبالتحديد إلى الميدان الذي تحول إلى رمز للحراك المضاد والثورة. والاستخفاف بنتائج أية انتخابات سواء كانت رئاسية أو برلمانية، يتخطى الشخص إلى ناخبيه، وتخوين هذا الفائز في حالة فوزه يتمدد ليشمل بضعة ملايين ممن انتخبوه من دون ضغط أو بنزاهة أقرها مراقبون دوليون وناشطون في المجتمع المدني وهيئاته المحلية.
وثمّة من يصورون المشهد الآن في مصر قدر تعلّقه بانتخابات الرئاسة وبعد قرار المحكمة الدستورية المتصل بالعزل السياسي، بحيث لم يخرج الفريق شفيق من اللعبة بأنه رَمْضاء ونار أو مطرقة وسندان، والمقصود بهذه الثنائيات هو النظام السابق والإخوان المسلمون، أي عَسْكرة الدولة أو تديينها، بحيث بدت الفرصة الذهبية الضائعة هي تلك التي تقع في منتصف المسافة بين هذين القطبين.
ومجرّد قبول الطرفين لانتخابات الإعادة التي ستكون نتائجها حاسمة ونهائية، فإن معنى ذلك أنه لا حق على الإطلاق لأي منهما أن يغير موقفه إذا لم تكن النتائج لمصلحته، لأنه عندئذٍ يذكرنا بالعبارة الشعبية الشهيرة وهي “مش لاعب”، التي يرددها الخاسر في الجولة عندما يبدأ بخلط أوراق اللعبة ومطالبة الطرف الغالب بالعودة إلى أول السطر.
إن ديمقراطية الشروط المسبقة هي وحدها التي تفرز نتائج قابلة للتشكيك والطعن، لكن، وفق أمزجة سياسية متوترة وليس وفقاً لقوانين أو مواد دستورية، وما يسمى الصمت الانتخابي الذي يسبق الاقتراع بيومين أو ثلاثة، هو مصطلح لا يخلو من طرافة، لأن هذا النمط من الصمت يعدّ صمتاً ثرثاراً تتأرجح فيه التوترات والتعليقات عندما تقترب الخيول من نهاية الشوط، وفي كل البلدان التي رضيت بالديمقراطية حلاً ومنهجاً تضع الحرب الانتخابية آخر أوزارها مع إعلان النتائج، لكن البلدان التي تمر بمرحلة تجريبية مشوبة بالكثير من العادات القديمة وإفرازات النظم الاحتكارية، قد يحدث العكس وتبدأ الحرب الفعلية بعد إعلان النتائج، لهذا نرى أن هناك تجارب لابد أن تُقْرأ من النهاية أو من حرف الياء باعتباره آخر الحروف وليس من الألف أو حتى الجيم. إن للديمقراطية تعريفاً واحداً لا يقبل التأويل أو التحوير تناغماً مع النوايا والرهانات، فهي إمّا أن تكون الحل كله، وإمّا أن تكون المشكلة كلها، وعلينا أن نختار.